هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
185 وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ - قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ : وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ - وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  قال أبو معاوية : ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم : شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It is narrated on the authority of Abu Huraira that the Messenger of Allah (ﷺ) observed:

Three (are the persons) with whom Allah would neither speak, nor would He absolve them on the Day of Resurrection. Abu Mu'awiya added: He would not look at them and there is grievous torment for them: the aged adulterer, the liar king and the proud destitute.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ( قال أبو معاوية: ولا ينظر إليهم) ولهم عذاب أليم: شيخ زان.
وملك كذاب.
وعائل مستكبر.



المعنى العام

وكما توعد صلى الله عليه وسلم ثلاثة أصناف من العصاة في الحديث السابق بإعراض الله عنهم يوم القيامة وحرمانهم من رحمته ومغفرته، يتوعد صلى الله عليه وسلم أصنافا أخرى من العصاة بنفس الجزاء ( لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) هؤلاء هم:

1- الرجل البالغ سن الشيخوخة إذا زنى، ومثله المرأة البالغة سنه إذا زنت، معصية تفوق معصية الزنا من الشاب، بما مر على العجوز من تجارب وعظات، وبما تهيأ لهم من عقل وإحصان.

2- والملك الذي تعود الكذب على الرعية، لا خوفا منهم ولا حرصا على الانتفاع بهم، بل شهوة في الكذب، واستخفافا بتعاليم الشرع الحنيف.

3- والفقير الذي حرم المال والدنيا إذا استكبر، فإن كبره حينئذ لا يكون له مبرر، ولا دافع له سوى الطغيان، والاستهتار -زورا- بمن هم فوقه وعدم الاكتراث بمحرمات الإسلام.

4- والرجل الذي منحه الله رزقا، وأخرج له من الأرض ينبوعا يشرب منه ويسقي ماشيته وزرعه، يكون عنده الماء الزائد عن حاجته ويرى ابن السبيل العابر عطشان، يلهث من شدة العطش، يطلب الماء فيحرمه صاحب الماء، ويمنعه منه، وليس له به حاجة، ناسيا أن ابن السبيل بحكم الشرع شريك الأغنياء فيما يملكون، باعتباره أحد مصارف الزكاة متناسيا ما قد يحدثه هذا المنع من ضرر بابن السبيل قد يهدد حياته، غافلا عن أن القادر الذي أنزل الماء من المزن قادر على أن يحوله غورا في غمضة عين، وما درى أن الله سيعرض عنه يوم القيامة، ويقول له: اليوم أمنعك فضلي كما منعت في الدنيا فضل ما لم تعمل يداك.

5- والرجل يبيع سلعته ويروجها بالحلف الكاذب في أفضل الأوقات فيغرر بالمسلم ويقتطع ماله بغير حق.

6- والرجل يبايع الإمام على السمع والطاعة، لكنه يبني مبايعته على النفع المادي إن أعطاه مالا - ولو بغير حق - رضي واستمر على بيعته، وإن كان الإمام فاسقا، وإن لم يعطه سخط ونكث وإن كان عادلا، أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون.

المباحث العربية

( شيخ زان) الشيخ هو من بلغ سن الشيخوخة، قيل: خمسون سنة، وقيل: إحدى وخمسون.

( وملك كذاب) المراد من الملك الحاكم الذي ليس فوقه بخصوص حكمه حاكم إلا الله، فيشمل الأب بين أولاده، والوالي في ولايته، ورئيس الجمهورية في جمهوريته، وهذا الحديث لا يشمل الملك الصغير إذا كذب بين ملوك كبار، وكذا إذا كذب أمام زوجه التي يخافها، أو كذب في الحروب، ولعل صيغة المبالغة كذاب أي كثير الكذب وشأنه الكذب تحدد الهدف المقصود.

( وعائل مستكبر) العائل: الفقير الذي عدم المال، من عال يعيل عيلا إذا افتقر.

( ثلاثة لا يكلمهم الله) في إحدى الروايات ثلاث بدون تاء التأنيث فيقدر معدودها مؤنثا كثلاث فئات، أو ثلاث أنفس.

ومعلوم أن حذف المعدود يجيز تذكير العدد وتأنيثه، وجاء الضمير في يكلمهم مذكرا على المعنى.

( رجل على فضل ماء) أصل الكلام: رجل عنده ماء فاضل عن حاجته، فإضافة فضل ماء من إضافة الصفة إلى الموصوف، والتعبير بـعلى لإفادة تمكنه من الماء وقدرته على التصرف فيه.

( بالفلاة) بفتح الفاء هي المفازة والصحراء والقفر التي لا أنيس بها، وهي المرادة بالطريق في بعض الروايات.

( يمنعه من ابن السبيل) ابن السبيل هو المسافر، والسبيل: هي الطريق، وجعل المسافر ابن الطريق لانقطاعه عن أهله وبلده وأملاكه، وجملة يمنعه من ابن السبيل في موقع الحال من الضمير المستكن في الخبر على فضل ماء.

( فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا) أي لقد أخذها... وكذا وكذا كناية عن عدد المال، وثمن شرائه السلعة.

( فصدقه وهو على غير ذلك) فاعل صدق ضمير المشتري، وضمير وهو للبائع أو للحال والشأن، والإشارة للحال التي حلف عليها، والتقدير: فصدقه المشتري، والحال أن البائع على وضع غير الذي حلف عليه، أو فصدقه المشتري، والحال والشأن خلاف الحال التي حلف عليها.

( ورجل بايع إماما) وفي رواية بايع إمامه.

( لا يبايعه إلا لدنيا) أي لا يقصد من المبايعة إلا النفع الدنيوي والعرض الزائل، فلا يقصد صلاح المحكومين، ولا صلاح الدولة، ولا صلاح الدين، فإن قصد شيئا من ذلك مع قصده الدنيا فلا يدخل في الوعيد، لأنه بني على القصر.

( فإن أعطاه منها وفى) بالبيعة، ولم يخرج على الإمام، ولو كان ظالما من أكبر الفاسقين.
وفي رواية: إن أعطاه ما يريد وفى له.
وفي رواية: رضي.

( وإن لم يعطه منها لم يف) بالبيعة وخرج على الإمام ولو كان عادلا مقيما لشعائر الدين، جامعا لوحدة المسلمين، وفي رواية: لم يف له.
وفي رواية: سخط.

فقه الحديث

من مجموع هذه الروايات الثلاث، ومن الروايتين السابقتين يجتمع سبع خصال:

1 - المسبل إزاره ( وفي معناه العائل المستكبر، وإن كان بينهما عموم وخصوص) .

2 - المنان الذي لا يعطي شيئا إلا من به.

3 - المنفق سلعته بالحلف الكاذب وفي معناه رجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا، فصدقه، وهو على غير ذلك وفي معناه: رجل حلف على يمين بعد صلاة العصر على مال مسلم فاقتطعه ( وإن كان بينها عموم وخصوص) .

4 - شيخ زان.

5 - ملك كذاب.

6 - رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل.

7 - رجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا.

ويحتمل أن تبلغ أكثر من ذلك إذا اعتبرنا مطلق المغايرة، فما بينها عموم وخصوص.

ولما كانت كل رواية مصدرة بعبارة: ثلاثة لا يكلمهم الله... إلخ وأصبح العدد أكثر من ثلاثة كان لازما التوفيق بين الروايات.

وفي ذلك يقول الكرماني: ليس ذلك باختلاف، لأن التخصيص بعدد لا ينفي ما زاد عليه.
اهـ وهو توجيه حسن، خير من قول بعضهم: إن المجموع منصوص وبعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر، فاقتصر كل من الرواة على ثلاثة.

بل هذا التوجيه الأخير غير مقبول، لأن لفظ ثلاثة وارد في نص قول الرسول صلى الله عليه وسلم

ولما كان قد سبق قريبا شرح ما يتعلق ببعض هذه الخصال فإننا نتمم ما يتعلق بباقيها فنقول:

تخصيصه صلى الله عليه وسلم الشيخ الزاني والملك الكذاب والعائل المستكبر بالوعيد المذكور، سببه أن كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بعدها منه، وعدم ضرورته إليها، وضعف دواعيها عنده.
نعم.
لا يعذر أحد بذنب، ولكن لما لم يكن إلى هذه المعاصي الضرورة المزعجة، ولا الدواعي القوية، أشبه إقدامهم عليها المعاندة والاستخفاف بحق الله تعالى، وقصد معصيته بدون حاجة.

فالشيخ لكمال عقله، وتمام معرفته لطول ما مر عليه من الزمان، وكثرة ما سمع من المواعظ، وضعف أسباب الزنا بانكسار حدة الشهوة، وبما عنده من زوج حلال، عظم زناه عن زنا الشباب، الذي يدفع إليه الحرارة الغريزية، وقلة المعرفة، وغلبة الشهوة لضعف العقل وصغر السن، وعدم القدرة على النكاح الحلال.

وكذلك الإمام، لا يخشى من أحد من رعيته، ولا يحتاج إلى مداهنته ومصانعته، فإن الإنسان إنما يداهن ويصانع بالكذب وشبهه من يحذره ويخشى أذاه ومعاتبته، أو يطلب عنده بذلك منزلة أو منفعة، والملك غني عن كل ذلك، لقدرته على نيل مآربه من غير كذب.

وكذلك العائل الفقير، قد عدم المال الذي هو سبب الفخر والخيلاء والتكبر والارتفاع على القرناء، فقد حاجة الناس إليه، وظهرت حاجته إلى الناس، فلماذا يستكبر ويحتقر غيره؟ ليس هناك إلا المعاندة والاستخفاف بحق المعبود جل شأنه، ومثل ذلك الفعل بتلك الدوافع جدير بأشد العقاب.

ويلحق بالثلاثة المذكورين من شاركهم في المعنى الموجب للبعد عن المعصية، كالغني حين يسرق وليست عنده ضرورة للسرقة.

والمدح لأضداد هذه الأنواع أيضا يتفاوت، فالعفة من الشاب أعلى قدرا منها من الشيخ، والصدق من غير الملك أمدح منه من الملك، والتواضع من الغني أمدح منه من الفقير، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وشاب نشأ في عبادة ربه .

وأما من منع فضل الماء من ابن السبيل فقد ارتكب جرما مضاعفا، فالماء نعمة الله التي يقول عنها: { { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ أأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ } } [الواقعة: 68-70] وإذا كان من منع الماشية فضل مائه كان عاصيا فكيف بمن يمنعه عن الآدمي المحترم؟ ثم كيف بمن يمنعه عن ابن السبيل الذي جعله الله شريكا للأغنياء في مالهم، حيث جعله من مستحقي الصدقات مهما كان غنيا في بلده؟ لا شك في غلظ تحريم فعله، وشدة قبحه، خصوصا إذا عرض عمله هذا نفس ابن السبيل للهلاك.
قال القاضي عياض: وهو في تعريضه إياه كذلك شبه قاتله، وقال الإمام مالك في المدونة في حريم البئر: ومن حفر بئرا في غير ملكه لماشيته أو زرعه فلا يمنع فضلته، فإن منعها حل قتاله، فإن لم يقو المسافرون على دفعه حتى ماتوا عطشا فدياتهم على عاقلته وعليه هو الكفارة مع وجيع الأدب.
اهـ.

وأما مبايع الإمام لدنيا فقد غش المسلمين، وخدع إمامهم، لأنه يظن أنه إنما بايع ديانة وهو قصد ضد ذلك، إذ الأصل في مبايعة الإمام أن يبايعه على أن يعمل بالحق، فمن جعل مبايعته لدنيا فقد خسر خسرانا مبينا، وتسبب في الفتن بنكثه بيعته، لا سيما إن كان ممن يقتدى به.

ويؤخذ من الحديث

1 - شدة الوعيد للشيخ الزاني.

2 - والملك الكذاب.

3 - والفقير المتكبر.

4 - فيه دلالة على أن صاحب الماء أولى من ابن السبيل عند الحاجة، فإذا أخذ حاجته لم يجز له منع ابن السبيل.

5 - وفي الحديث وعيد شديد على نكث البيعة والخروج على الإمام، لما في ذلك من تفرق الكلمة.

6 - وفيه أن كل عمل لا يقصد به وجه الله، وأريد به عرض الدنيا فهو فاسد وصاحبه آثم.

7 - إثم الحالف كاذبا، خصوصا لو اقتطع بحلفه مال امرئ مسلم بغير حق.

والله أعلم.