هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
34 حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ كَهْمَسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ، ح وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ - وَهَذَا حَدِيثُهُ - حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ، قَالَ : كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ - أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ - فَقُلْنَا : لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ ، فَقُلْتُ : أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ ، قَالَ : فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي ، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ، وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ، قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ : فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ ، وَيُصَدِّقُهُ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ ، قَالَ : أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ ، وَمَلَائِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ ، قَالَ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ ، قَالَ : مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا ، قَالَ : أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ ، قَالَ : ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ، ثُمَّ قَالَ لِي : يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيُّ ، وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ قَالُوا : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ، قَالَ : لَمَّا تَكَلَّمَ مَعْبَدٌ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ فِي شَأْنِ الْقَدَرِ أَنْكَرْنَا ذَلِكَ ، قَالَ : فَحَجَجْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَجَّةً ، وَسَاقُوا الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ كَهْمَسٍ وَإِسْنَادِهِ ، وَفِيهِ بَعْضُ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانُ أَحْرُفٍ . وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا : لَقِينَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، فَذَكَرْنَا الْقَدَرَ ، وَمَا يَقُولُونَ فِيهِ ، فَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ كَنَحْوِ حَدِيثِهِمْ ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ زِيَادَةٍ وَقَدْ نَقَصَ مِنْهُ شَيْئًا . وحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  وهذا حديثه حدثنا أبي ، حدثنا كهمس ، عن ابن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، قال : كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني ، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا : لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر ، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد ، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه ، والآخر عن شماله ، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي ، فقلت : أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ، ويتقفرون العلم ، وذكر من شأنهم ، وأنهم يزعمون أن لا قدر ، وأن الأمر أنف ، قال : فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم ، وأنهم برآء مني ، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا ، فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم قال : حدثني أبي عمر بن الخطاب قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ، قال : صدقت ، قال : فعجبنا له يسأله ، ويصدقه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ، قال : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ، قال : صدقت ، قال : فأخبرني عن الإحسان ، قال : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، قال : فأخبرني عن الساعة ، قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال : فأخبرني عن أمارتها ، قال : أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ، قال : ثم انطلق فلبثت مليا ، ثم قال لي : يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم حدثني محمد بن عبيد الغبري ، وأبو كامل الجحدري ، وأحمد بن عبدة قالوا : حدثنا حماد بن زيد ، عن مطر الوراق ، عن عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، قال : لما تكلم معبد بما تكلم به في شأن القدر أنكرنا ذلك ، قال : فحججت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حجة ، وساقوا الحديث بمعنى حديث كهمس وإسناده ، وفيه بعض زيادة ونقصان أحرف . وحدثني محمد بن حاتم ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا عثمان بن غياث ، حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، وحميد بن عبد الرحمن قالا : لقينا عبد الله بن عمر ، فذكرنا القدر ، وما يقولون فيه ، فاقتص الحديث كنحو حديثهم ، عن عمر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه شيء من زيادة وقد نقص منه شيئا . وحدثني حجاج بن الشاعر ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن يحيى بن يعمر ، عن ابن عمر ، عن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديثهم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It is narrated on the authority of Yahya b. Ya'mur that the first man who discussed qadr (Divine Decree) in Basra was Ma'bad al-Juhani. I along with Humaid b. 'Abdur-Rahman Himyari set out for pilgrimage or for 'Umrah and said:

Should it so happen that we come into contact with one of the Companions of the Messenger of Allah (peace be upon him) we shall ask him about what is talked about taqdir (Divine Decree). Accidentally we came across Abdullah ibn Umar ibn al-Khattab, while he was entering the mosque. My companion and I surrounded him. One of us (stood) on his right and the other stood on his left. I expected that my companion would authorize me to speak. I therefore said: Abu Abdur Rahman! There have appeared some people in our land who recite the Qur'an and pursue knowledge. And then after talking about their affairs, added: They (such people) claim that there is no such thing as Divine Decree and events are not predestined. He (Abdullah ibn Umar) said: When you happen to meet such people tell them that I have nothing to do with them and they have nothing to do with me. And verily they are in no way responsible for my (belief). Abdullah ibn Umar swore by Him (the Lord) (and said): If any one of them (who does not believe in the Divine Decree) had with him gold equal to the bulk of (the mountain) Uhud and spent it (in the way of Allah), Allah would not accept it unless he affirmed his faith in Divine Decree. He further said: My father, Umar ibn al-Khattab, told me: One day we were sitting in the company of Allah's Apostle (peace be upon him) when there appeared before us a man dressed in pure white clothes, his hair extraordinarily black. There were no signs of travel on him. None amongst us recognized him. At last he sat with the Apostle (peace be upon him) He knelt before him placed his palms on his thighs and said: Muhammad, inform me about al-Islam. The Messenger of Allah (peace be upon him) said: Al-Islam implies that you testify that there is no god but Allah and that Muhammad is the messenger of Allah, and you establish prayer, pay Zakat, observe the fast of Ramadan, and perform pilgrimage to the (House) if you are solvent enough (to bear the expense of) the journey. He (the inquirer) said: You have told the truth. He (Umar ibn al-Khattab) said: It amazed us that he would put the question and then he would himself verify the truth. He (the inquirer) said: Inform me about Iman (faith). He (the Holy Prophet) replied: That you affirm your faith in Allah, in His angels, in His Books, in His Apostles, in the Day of Judgment, and you affirm your faith in the Divine Decree about good and evil. He (the inquirer) said: You have told the truth. He (the inquirer) again said: Inform me about al-Ihsan (performance of good deeds). He (the Holy Prophet) said: That you worship Allah as if you are seeing Him, for though you don't see Him, He, verily, sees you. He (the enquirer) again said: Inform me about the hour (of the Doom). He (the Holy Prophet) remarked: One who is asked knows no more than the one who is inquiring (about it). He (the inquirer) said: Tell me some of its indications. He (the Holy Prophet) said: That the slave-girl will give birth to her mistress and master, that you will find barefooted, destitute goat-herds vying with one another in the construction of magnificent buildings. He (the narrator, Umar ibn al-Khattab) said: Then he (the inquirer) went on his way but I stayed with him (the Holy Prophet) for a long while. He then, said to me: Umar, do you know who this inquirer was? I replied: Allah and His Apostle knows best. He (the Holy Prophet) remarked: He was Gabriel (the angel). He came to you in order to instruct you in matters of religion.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن يحيى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر: فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم -وذكر من شأنهم- وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف.
قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه.
قال: فأخبرني عن الإيمان قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أمارتها قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق.
فلبثت مليا.
ثم قال لي: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت الله ورسوله أعلم قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم



المعنى العام

في مدينة البصرة بالعراق قام معبد الجهني يدعو لبدعة في الدين يقول: إن الله لم يقدر الأشياء أزلا ولم يسبق علمه بها قبل وقوعها

وتابعه جماعة من الذين احترفوا القراءة والبحث في غوامض أحكام الفروع والأصول وفزع المخلصون الغيورون لكن أنى لهم لسان معبد وقوة حجته؟ وأنى لهم فقه أتباعه وشهرتهم العلمية التي تخدع البسطاء.

لقد جاء موسم الحج وفتنة معبد تهاجم عقيدة المسلمين بالبصرة واستعد يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن للحج والعمرة وقد فكرا في الأمر ودبرا له، وصمما على أن يعودا إلى البصرة ومعهما السلاح القاطع لكل لسان يفتري على الحق ولن يكون هذا السلاح إلا فتوى مؤيدة بالحجة والبرهان من أهل الرأي والفقه من كبار الصحابة.

وأشرفا على المسجد الحرام بمكة فلمحا عند بابه عبد الله بن عمر العالم التقي الورع الذي لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يعارضه في فتواه معارض فأسرعا إليه يحيطان به أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وسلما عليه، ثم قال أسنهم وأبسطهم لسانا: يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر جهتنا بالبصرة قوم عرفوا بالتبحر في العلم والتباحث فيه وظهروا ببدعة لم نسمعها في ديننا يزعمون أنه لا قدر وأن علم الله مستأنف بعد حصول الحوادث ووقوعها فماذا ترى فيهم؟

قال ابن عمر: إذا رجعتم إلى هؤلاء الضالين فأخبروهم أنني بريء منهم ومن قولهم ولا أحب أن ينتسبوا إلى ما أنتسب إليه، والله الذي لا أحلف بغيره لو ملك أحدهم مثل جبل أحد ذهبا فتصدق به أو أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر

ثم ساق لهم حديث سؤال جبريل، مستدلا به على أن الإيمان بالقدر جزء من الإيمان الشرعي وأنه لا يتم إيمان مؤمن من غير أن يؤمن بالقدر خيره وشره، قال:

حدثني أبي عمر بن الخطاب أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام فدخل عليهم رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ففسره له بأعمال الجوارح الظاهرة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا.

سأله عن الإيمان: فأجابه بأنه التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره.

سأله عن الإحسان في العبادة، فأخبره بأنه إتقانها ومراقبة الله فيها واستشعار أنه يراك في السر والعلن

سأله عن وقت الساعة، فقال إنها غيب اختص الله بعلمه.

سأله عن أشراطها وعلاماتها الصغرى فأخبره بما يفيد انقلاب الأوضاع الصحيحة وسوء الأحوال من كثرة العقوق والتطاول في البنيان.

ثم ولى الرجل ولم يعثروا له على أثر، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم بأنه جبريل جاء ليعلم الناس حسن السؤال وما ينفعهم في دنياهم وأخراهم.

وعاد يحيى بن يعمر وصاحبه إلى البصرة ونشرا فتوى ابن عمر، وأخذ الجدل والحوار وظل معبد الجهني ينفخ في نار البدعة حتى قتله الحجاج صبرا.

المباحث العربية

جمعت هنا ثلاث طرق للحديث، وسأفرد كل طريق بمباحثه العربية ثم أتكلم عنها كوحدة من جهة الشرح والأحكام حيث إنها في موضوع واحد وقصة واحدة، وبالله التوفيق.

الطريق الأول

( كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني) أول بالنصب خبر كان مقدم، ومعبد اسمها مؤخر وفي الكلام مضاف محذوف، أي أول من تكلم في نفي القدر، والقدر بفتح الدال وإسكانها لغتان مشهورتان حكاهما ابن قتيبة عن النسائي يقال: قدرت الشيء وقدرته بتخفيف الدال المفتوحة وتشديدها إذا أحطت بمقداره والمراد هنا تقدير الله للأشياء وعلمه بها أزلا، وبقية الكلام عنه يأتي في فقه الحديث والبصرة مدينة معروفة بالعراق وفي بائها ثلاث لغات، والمشهور الفتح وليس في النسب إليها إلا الفتح والكسر، قال صاحب المطالع: ويقال لها: تدمر والمؤتفكة لأنها ائتفكت بأهلها في أول الدهر، وقوله بالبصرة يوحي بأن آخرين سبقوا معبدا بنفي القدر في غير البصرة، وأن معبدا ليس أول المبتدعين لهذه البدعة على الإطلاق، بل هو فقط أول مبتدعها في البصرة، وبهذا قيل، فقد ذهب جماعة إلى أن هذه البدعة الضالة نشأت أول ما نشأت في مكة يوم احترقت الكعبة وابن الزبير محصور في مكة من قبل يزيد، فقال أناس: احترقت بقدر الله تعالى، وقال أناس: لم تحترق بقدر الله فالقيد على هذا بالبصرة للاحتراز وقيل: إن معبدا أول من قالها على الإطلاق، فالقيد للكشف والإيضاح ومعبد الجهني منسوب إلى جهينة، قبيلة من قضاعة نزلت الكوفة وقليل منهم نزل البصرة وكان يجالس الحسن البصري وقتله الحجاج صبرا.

( فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن) أنا تأكيد لضمير الرفع المتصل ليصح العطف عليه.

( حاجين أو معتمرين) في أكثر النسخ بأو على الشك وفي بعض النسخ بالواو الجامعة على أنهما كانا قارنين ويمكن القول بأن أو بمعنى الواو

( فقلنا) القائل أحدهما، ولم يرد في الروايات تعيينه، وعدت موافقة الثاني في حكم القول فأسند إليهما.

( لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال بعضهم: إن لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب، أي ليتنا نلقى أحدا، وقال بعضهم: هي لو الشرطية أشربت معنى التمني والأصل لو لقينا أحدا فسألناه كان خيرا وقال ابن مالك: هي لو المصدرية أغنت عن فعل التمني والأصل: وددنا لو لقينا فحذف فعل التمني لدلالة لو عليه، وليس مرادهما أي واحد من الصحابة بل يقصدان واحدا فقيها عالما بدقائق الدين معتمدا في فتواه.

( فسألناه عما يقول هؤلاء) فسألناه معطوف على لقينا داخل في حكم التمني كأنهما تمنيا اللقاء والتمكن من السؤال، وما موصولة وعائد الصلة محذوف، وفي الكلام مضاف محذوف والتقدير: فسألناه عن حكم القول الذي يقوله هؤلاء، والمراد حكم الشرع على القائلين به كما يؤخذ من جواب ابن عمر

( فوفق لنا) بضم الواو وكسر الفاء المشددة أي جعل وفقا لنا، وهو من الموافقة، وهي لفظة تدل على صدفة الاجتماع والالتئام وفي بعض الروايات فوافق لنا بزيادة ألف، أي فوافقنا بمعنى صادفنا.

( داخلا المسجد) داخلا حال من عبد الله، والمراد من المسجد: المسجد الحرام بمكة

( فاكتنفته أنا وصاحبي) حميد بن عبد الرحمن أي صرنا في ناحيتيه فقوله: أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله تفسير لاكتنافهما.

( فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي) أي يسكت ويفوضني في الكلام، لإقدامي وجرأتي وبسطة لساني كما جاء في بعض الروايات.

( أبا عبد الرحمن) بتقدير حرف النداء والنداء بالكنية من مظاهر الإكبار والاحترام.

( إنه قد ظهر قبلنا ناس) اسم إن ضمير الحال والشأن وقبلنا بكسر القاف وفتح الباء بمعنى جهتنا بالبصرة.

( ويتقفرون العلم) بتقديم القاف على الفاء، ومعناه: يطلبونه ويتتبعونه، وروي بتقديم الفاء على القاف، ومعناه: يبحثون عن غامضه ويستخرجون خفيه، وروي يتقفون بتقديم القاف وحذف الراء، ومعناه: يتتبعون، وروي يتقعرون أي يطلبون قعره، وروي يتفقهون من الفقه والفهم والكل صحيح المعنى، وإنما عظم يحيى بن يعمر شأن القدرية ووصفهم بالاجتهاد في العلم والتوسع فيه للمبالغة في استدعاء ابن عمر استفراغ الوسع في النظر فيما يزعمون، لأن أقوال الأغبياء قد لا يهتم العلماء بدفعها، ويكتفون في ردها بأقل جواب وليقدر ابن عمر انخداع الناس بهم وتأثرهم والاستجابة لهم ليصدر الفتوى الرادعة التي تحول بين الناس وبين هذا الكفران.

( وذكر من شأنهم) هذا من كلام بعض الرواة بعد يحيى، ومفعول ذكر محذوف تعظيما له بالإبهام والمعنى ذكر يحيى من شأنهم في البحث عن العلم شيئا عظيما، أو الحذف للتعميم لتذهب النفس فيه كل مذهب، أو الحذف لصون اللسان عن ذكره بمعنى: وذكر من شأنهم في الابتداع ونفي القدر ما يصان اللسان عن ذكره ويصح أن تكون من زائدة وشأنهم مفعول به على رأي بعض النحاة في جواز زيادة من مع المجرور المعرفة وبدون سبق نفي أو شبهة.

( وأنهم يزعمون أن لا قدر) يصح عطفه على مفعول ذكر فهو من كلام بعض الرواة دون يحيى، ويصح أن يكون من كلام يحيى، فيكون معطوفا على يقرءون القرآن وتكون جملة وذكر من شأنهم معترضة بين المتعاطفين، وأصل الزعم على التحقيق مصدر زعم إذا قال قولا حقا أو كذبا أو غير موثوق به، فمن الأول حديث زعم جبريل والذي معنا من الثاني ومنه قوله تعالى: { { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا } } [التغابن:7] وأن في قوله أن لا قدر مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، وخبر لا محذوف والتقدير: يزعمون أنه لا قدر موجود سابق على الأمور.

( وأن الأمر أنف) بضم الهمزة والنون أي مستأنف واقع ابتداء من غير سبق تقدير أو علم، يقال: كأس أنف أي لم يشرب منها، وإنما ابتدئ الشرب منها الآن، مأخوذ من أنف الشيء وهو أوله ومنه سمي الأنف لأنه أول الوجه شخوصا وظهورا.

( قال فإذا لقيت أولئك) القائل عبد الله بن عمر، والفاء في جواب شرط تقديره: إن كانت تلك حالهم فإذا لقيتهم فأخبرهم.

( أني بريء منهم وهم برآء مني) براءة ابن عمر منهم ومن زعمهم ظاهرة لكن إخباره ببراءتهم منه غير ظاهر، اللهم إلا أن يحمل الأسلوب على الكناية للمبالغة في اجتنابهم وقطع الصلة أيا كانت، كأنه يقول: لا صلة بيني وبينهم ولا صلة بينهم وبيني.

( والذي يحلف به عبد الله) أي والله، لأن ابن عمر لا يحلف بغير الله عملا بالحديث من كان حالفا فليحلف بالله وإنما ترك ذكره لئلا يتخذ سلما للحلف به، فالموصول مجرور بواو القسم.

( لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا) مثل اسم أن وخبرها متعلق الجار والمجرور وذهبا تمييز وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل لفعل محذوف لاختصاص لو بالأفعال، والتقدير: لو ثبت أن لأحدهم مثل أحد ذهبا، ومثلية جبل أحد غير مقصودة بل المقصود المبالغة في عظم الكم مع عظم النوع.

( فأنفقه) أي في أوجه الخير وفي سبيل الله، لأن الإنفاق في المعاصي غير مقبول من القدرية ولا من غيرهم.

( ما قبل الله منه) أي ما أثابه عليه، ولا يلزم من نفي الإثابة الصحة، وللبحث بقية في فقه الحديث.

( بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) بينا وبينما ظرفا زمان يضافان إلى الجمل الإسمية والفعلية، وخفض المفرد بهما قليل، وهما في الأصل بين التي هي ظرف مكان استعيرت هنا للزمان، وأشبعت فيها الحركة فصارت بينا وزيدت عليها الميم فصارت بينما، ولما فيهما من معنى الشرط يفتقران إلى جواب يتم به المعنى وتصحب الجواب إذ أو إذا الفجائيتان، وقد يتجرد الجواب عنهما، والعامل فيهما جوابهما.

( ذات يوم) ذات جيء بها هنا للتأكيد، لرفع احتمال أن يراد باليوم مطلق الزمان، فهي بمنزلة عين في قولك: قابلت عين الأمير، وهي ظرف زمان، والعامل فيه معنى الاستقرار الذي في الخبر والتقدير: بينما نحن مستقرون عند النبي صلى الله عليه وسلم في يوم.

( إذ طلع علينا رجل) معناه أنه فاجأهم طلوعه، فلم يروا من أين جاء وفي رواية إذ أتاه رجل يمشي.

( شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر) وفي رواية شديد سواد اللحية.

( لا يرى عليه أثر السفر) ضبطه النووي بالياء المضمومة مبنيا للمجهول، وضبطه أبو حازم بالنون المفتوحة، وكلاهما صحيح والمراد بأثر السفر ما يصيب المسافر من غبار وشعث شعر وتكسر ثياب ونحوها.
وفي رواية أحسن الناس وجها وأطيب الناس ريحا كأن ثيابه لم يمسها دنس وفي رواية: ولا يعرفه منا أحد وكل هذه الأوصاف مع ما سيأتي من صنيع الرجل كانت مبعث استغراب الصحابة، كما كانت قرائن أكدها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه جبريل.

( حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم) حتى غاية لدنوه، لا لطلوعه والتقدير: طلع علينا ودنا حتى جلس، وفي بعض الروايات: فتخطى حتى برك بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

( ووضع كفيه على فخذيه) يصح أن تكون هاء الغيبة الأولى والثانية للرجل، أي وضع الرجل كفيه على فخذي نفسه، وجلس جلسة المتعلم، واقتصر النووي على هذا التوجيه، ويصح أن تكون الأولى للرجل والثانية للرسول صلى الله عليه وسلم أي وضع الرجل كفيه على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم على هيئة المسلم المستسلم المنتبه المصغي لما يقال، وجزم البغوي بهذا التوجيه، ويؤيده رواية ابن عباس ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم.

( وقال: يا محمد) لعله لم يقل يا رسول الله زيادة في التشبه بالأعراب تعمية لحاله، وقيل: لأن له دالة المعلم، فلا يرد عليه قوله تعالى: { { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } } [النور: 63] .

( أن تشهد أن لا إله إلا الله) أن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف.

( وتقيم الصلاة) الفعل منصوب عطفا على تشهد والمراد من إقامة الصلاة أداؤها في أوقاتها والمحافظة عليها، من أقام على كذا بمعنى داوم عليه أو المراد فعلها تامة مستوفاة الأركان والشروط، من أقام العود إذا قومه وجعله معتدلا، واختصت الصلاة عرفا بهذا اللفظ لكثرة ما تتوقف عليه من الشروط ولما فيها من التكرار، بخلاف بقية العبادات.

( وتؤتي الزكاة) أي تعطيها لمستحقها أو للإمام ليدفعها إليهم، فحذف المفعول الأول والتقدير: وتؤتي الإمام الزكاة.

( وتحج البيت) البيت اسم جنس غلب على الكعبة حتى صار كالعلم عليها.

( إن استطعت إليه سبيلا) عني بالاستطاعة الزاد والراحلة والأمن، لا مطلق القدرة.

( قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه) القائل عمر بن الخطاب راوي الحديث وجملة يسأله في محل النصب على الحال من الهاء في له أو لا محل لها من الإعراب مستأنفة استئنافا تعليليا، كأنه قيل: لم عجبتم؟ فقيل: لأنه جمع بين السؤال والتصديق، وهما لا يجتمعان من سائل جاهل، بل يدل اجتماعهما على أن السائل خبير بالمسئول عنه، وفي رواية: قال بعضهم لبعض: انظروا إليه كيف يسأله؟ وانظروا إليه كيف يصدقه؟ وفي رواية: كأنه أعلم منه.

( فأخبرني عن الإيمان) الفاء في جواب شرط مقدر، أي إذ قد أخبرتني عن الإسلام فأخبرني عن الإيمان.

( أن تؤمن بالله) قيل: تعريف الإيمان بأن تؤمن بالله يستلزم الدور المحال حيث أخذ المعرف في التعريف، وأجيب بأن المراد من المعرف الإيمان الشرعي ومن التعريف الإيمان اللغوي، فكأنه قال: الإيمان الشرعي تصديق مخصوص، والمراد من الإيمان بالله التصديق بوجوده واتصافه بصفات الكمال وتنزيهه عن صفات النقص.

( وملائكته) المراد من الإيمان بالملائكة التصديق بوجودهم على ما وصفوا به من أنهم عباد مكرمون.

( وكتبه) أي الإيمان بأنها كلامه الحق، وفي رواية أبي هريرة وكتابه أي القرآن والإيمان به إيمان بالكتب المنزلة لأنه متضمنها، وقدم الملائكة على الكتب والرسل للترتيب الواقعي، فالملائكة أرسلوا بالكتب إلى الرسل.

( واليوم الآخر) قيل له ذلك لأنه آخر أيام الدنيا أو آخر الأزمنة المحدودة وهو وإن لم يكن منها فهو متصل بها، من باب تسمية الشيء باسم مجاوره والمراد من الإيمان به التصديق بما يقع فيه من الحساب والجنة والنار.

( وتؤمن بالقدر) أعاد الفعل لزيادة الاهتمام والاعتناء بالقدر، لأنه موطن زلات العقول.

( خيره وشره) بدل من القدر، وخيره الطاعة وشره المعصية، زاد في رواية وحلوه ومره وحلوه: ما تميل النفس إليه، ومره: ما تنفر منه، وهذه الجملة هي سبب إيراد الحديث.

( فأخبرني عن الإحسان) الإحسان: مصدر أحسن يحسن إحسانا، ويتعدى بنفسه وبغيره، تقول: أحسنت إلى فلان إذا أوصلت إليه النفع وليس هذا المعنى مرادا هنا، وتقول: أحسنت العمل إذا أجدته وأتقنته وأخلصت فيه، وهو المراد، وتفسيره صلى الله عليه وسلم الإحسان بما فسره به تفسير للشيء بسببه توسعا، إذ المراقبة سبب الإتقان.

( أن تعبد الله كأنك تراه) المصدر المنسبك من أن تعبد خبر مبتدأ محذوف، وجملة كأنك تراه حال من فاعل تعبد أي الإحسان أن تكون حالك في عبادتك مشبهة حال رؤيتك ربك الرقيب على عملك من حيث بذل الجهد في الإخلاص والإتقان.

( فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أي فإن لم تكن رائيا لربك على سبيل الحقيقة فاستشعر أنه يراك ومطلع عليك ومراقب أحوالك.
وقد أول بعض الصوفية الحديث وأخذوا منه إشارة إلى مقام المحو والفناء، وقدروا المعنى: فإن لم تكن، أي فإن لم تصر شيئا وفنيت نفسك حتى كأنك لست بموجود فإنك حينئذ تراه، فعلى هذا التأويل فعل تكن تام لا يحتاج إلى خبر وتراه في محل جواب الشرط، وقد هاجم الحافظ ابن حجر هذا التأويل بشدة فقال: أثبت قائل هذا جهله باللغة العربية وجهل أنه لو كان المراد ما زعم لكان قوله تراه محذوف الألف، لأنه يصير مجزوما جوابا للشرط ولم يرد في شيء من طرق هذا الحديث بحذف الألف، ومن ادعى أن إثباتها في الفعل المجزوم على خلاف القياس، فلا يصار إليه إذ لا ضرورة هنا، وأيضا لو كان ما ادعاه صحيحا لكان قوله فإنه يراك ضائعا لأنه لا ارتباط له بما قبله، ويفسد هذا التأويل رواية أبي هريرة فإنك إن لا تراه فإنه يراك فسلط النفي على الرؤية.
ا هـ.

والمحقق في حملة الحافظ ابن حجر يجد للصوفية مخرجا من اعتراضاته الثلاثة: فقوله: لكان تراه محذوف الألف لأنه يصير مجزوما جوابا للشرط يمكن الجواب عنه بأن النحاة يجيزون رفع جواب الشرط على الاستئناف، قال ابن مالك:

وبعد ماض رفعك الجزا حسن
ورفعه بعد مضارع وهن

وتقدير الحديث على هذا فإن لم تكن وفنيت نفسك فأنت تراه.

وأما الاعتراض الثاني فيمكن للصوفية أن يقولوا: إن الفاء في فإنه يراك للتعليل والمراد من الرؤية لازمها وهو الرعاية، والمعنى: فإن فنيت نفسك تر ربك لأنك حينئذ في رعايته وهو يرعاك.

وأما اعتراضه الثالث فإنه يرد عليه ما أورده على الصوفية، فرواية أبي هريرة التي توجه النفي فيها إلى الرؤية ثابتة الألف رغم الجازم المتقدم، فلا مناص من تأويلها، وأفضل تخريج لها أن تحمل على حذف تكن ليصبح التقدير: إن لا تكن تراه، فتتطابق الروايتان بتوجه النفي إلى تكن لا إلى الرؤية.

وليس القصد من هذا الدفاع الانحياز إلى غلاة الصوفية والاقتناع برأيهم، وإنما القصد التحقيق العلمي والتخفيف من رميهم بالجهل، والاكتفاء بأن تأويلهم بعيد.

( فأخبرني عن الساعة) أي عن وقتها، بدليل رواية أبي هريرة متى الساعة ومتى تقوم الساعة والمراد من الساعة القيامة، سميت بذلك لسرعة قيامها، أو لأنها عند الله سبحانه وتعالى كساعة وسأل عن وقتها ولم يسأل ابتداء عن أمارتها ليكون في جواب النبي صلى الله عليه وسلم زجر للناس عن السؤال عن وقتها، فقد أكثروا السؤال عنها كما قال الله تعالى { { يسألك الناس عن الساعة } } [الأحزاب63] فلما أجيبوا بأنه لا يعلمها إلا الله وجب أن يكفوا عن السؤال عنها، ولو سأل جبريل عن أمارتها ابتداء لضاعت هذه الفائدة.

( ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي لا علم لي ولا لك ولا لأحد بها، وكان هذا هو أصل ما يقال، لكنه عدل إلى المذكور، ليعم كل سائل ومسئول، بمعنى أن كل مسئول عن وقت الساعة لا يزيد في العلم بها عن السائل، وقد اعترض على هذا التعبير بأنه لا ينفي العلم بالساعة، لأن نفي الأفضلية في شيء لا يستلزم نفي الشيء، فالعبارة تنفي أفضلية الرسول صلى الله عليه وسلم وزيادته في علم الساعة عن جبريل، ولا تنفي مساواتهما في العلم، وأجيب بأن نفي الأفضلية في العلم يحتمل المساواة في العلم ويحتمل المساواة في الجهل، ويحدد أحد الاحتمالين بقرينة، فلما قال في خمس لا يعلمهن إلا الله كما في رواية أبي هريرة تعين الاحتمال الثاني، وقيل إن المراد إفادة التساوي في العلم بأن الله استأثر بعلمها.

( فأخبرني عن أمارتها) الأمارة بفتح الهمزة هي العلامة والقرينة الدالة على قربها.

( أن تلد الأمة ربتها) الرب: المالك، والمقصود بالربة: النسمة المالكة فيشمل الذكر والأنثى، وفي المراد منه أقوال كثيرة أهمها: أنه كناية عن كثرة أولاد السراري، فإن ولد الأم من سيدها بمنزلة سيدها، لأن مال الإنسان صائر إلى ولده، ولا شك أنها مال لأبيه، وقد يتصرف الولد في مال أبيه في حياته تصرف المالكين بإذنه وهذا القول ضعيف لأن هذه الأمارة كانت موجودة بكثرة في عهده صلى الله عليه وسلم وضعفت بل ندرت في هذه الأيام وقيل: كناية عن فساد الحال لكثرة بيع أمهات الأولاد فيتداولهن المالكون فيشتري الرجل أمه وهو لا يشعر.

وضعف هذا القول من ضعف سابقه وقيل: كناية عن كثرة الفتوحات والسبي وقيل: كناية عن أن الإماء يلدن الملوك لأن أمه حينئذ تكون من رعيته وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته وخير ما قيل: إنه كناية عن كثرة العقوق حتى يصير الولد لقلة بره بأمه كأنه مولاها كما جاء في رواية ويكون الولد غيظا أو أنه كناية عن رفع الأسافل، ويزكيه حديث لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع وقد ورد في بعض الروايات أن تلد الأمة بعلها والصحيح في معناه أن المراد بالبعل المالك أو السيد فيكون بمعنى الرب.

( وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء) الحفاة جمع حاف وهو الذي لا نعل له والعراة جمع عار وهو الذي لا شيء عليه، والعالة الفقراء من عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر، ورعاء الشاء بكسر الراء آخره همزة هم الرعاة بالراء المضمومة مع هاء التأنيث وخص أهل الشاة بالذكر لأنهم أضعف أهل البادية.

( يتطاولون في البنيان) أي يتنافسون في رفع البناء ويتفاخرون ويتبارون والخطاب في ترى لكل من تأتى له الخطاب والمراد من الرؤية العلم ليدخل الأعمى والأمارة في الحقيقة التطاول لا رؤيته، والقصد من هذه الأمارة تبدل الحال أيضا.

( فلبث مليا) بضمير الفاعل الغائب للرسول صلى الله عليه وسلم وفي كثير من الأصول المحققة فلبثت بتاء المتكلم - عمر بن الخطاب - وكلاهما صحيح ومليا بتشديد الياء أي زمنا طويلا من الملاوة وهي القطعة من الدهر وقد فسر هذا الزمن الطويل في رواية أبي داود بثلاث ليال

( أتدري من السائل؟) من الاستفهامية خبر مقدم لصدارته، والسائل مبتدأ مؤخر وجملة الاستفهام علقت تدري عن العمل.

( الله ورسوله أعلم) قيل: إن أعلم على بابها، لأن تعجبهم من حال الرجل أدخل في نفوسهم أنه جني أو ملك وهذا كاف في الشركة في العلم.

( فإنه جبريل) الفاء في جواب شرط مقدر أي أما إن صرفتم العلم إلى الله ورسوله فإنه جبريل وجبريل لفظ سرياني معناه عبد الرحمن أو عبد العزيز فيما ذكر ابن عباس.

( أتاكم يعلمكم دينكم) إسناد التعليم إلى جبريل مجاز لأنه السبب في الجواب، وجملة أتاكم خبر بعد خبر، وجملة يعلمكم حالية.

الطريق الثاني

( أنكرنا ذلك) أي أنكرنا كلامه في نفي القدر.

( فحججت...حجة) حجة بكسر الحاء وفتحها، وهذا لا يتنافى مع الرواية السابقة في أنه كان قارنا، لأن القارن حاج، والاتصاف بأحد الوصفين لا ينافي الاتصاف بهما.

الطريق الثالث

( بارزا للناس) أي ظاهرا ومنه قوله تعالى: { { وبرزوا لله جميعا } } [إبراهيم21] وفي كيفية وسبب بروزه صلى الله عليه وسلم روى البزار كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهراني أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أهو هو؟ حتى يسأل فطلبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعل له مجلسا كي يعرفه الغريب فبنينا له دكانا من طين يجلس عليه أي دكة مرتفعة عن الأرض.

( ما الإيمان) ما اسم استفهام خبر مقدم، والإيمان مبتدأ مؤخر، وفي هذه الرواية قدم السؤال عن الإيمان، وعلله الحافظ ابن حجر بأنه الأصل، وعلل تقديم السؤال عن الإسلام في الرواية السابقة بأنه بدأ بالأمر الظاهر ثم ترقى، ثم قال: ولا شك أن القصة واحدة، اختلف الرواة في تأديتها، وليس في السياق ترتيب والواقع أمر واحد، والتقديم والتأخير من الرواة.

( ولقائه) ليس المراد من اللقاء رؤية الله تعالى، لأنه لا يقطع أحد لنفسه برؤية الله تعالى، لأنه لا يدري بماذا يختم له، والرؤية خاصة بالمؤمنين.

( والبعث الآخر) في الجمع بين لقاء الله والبعث الآخر قالوا: اللقاء ما يكون بعد البعث عند الحساب ويجمعهما اليوم الآخر.

وفي وصف البعث بالآخر قيل: إنه للتأكيد والمبالغة في البيان والإيضاح لشدة الاهتمام به كقولهم أمس الذاهب لا يعود، وقيل: لأن خروج الإنسان إلى الدنيا بعث من الأرحام، وخروجه من القبر إلى الحشر هو البعث الآخر، والراجح الأول لأنه لم يعهد شرعا إطلاق البعث على الخروج من الأرحام.

( الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا) العبادة الطاعة مع الخضوع فإن كان المراد منها هنا معرفة الله والإقرار بوحدانيته -وهو الظاهر لموافقته الرواية السابقة - كان عطف الصلاة والصوم والزكاة عليها لإدخالها في الإسلام حيث لم تدخل في العبادة ويكون اقتصاره عليها من بين أركان الإسلام لكونها أظهر شعائره، أو هذا من قبيل اقتصار بعض الرواة.

وإن كان المراد من العبادة الطاعة مطلقا دخلت جميع وظائف الإسلام فيها ويكون ذكر الصلاة والزكاة والصوم بعدها من ذكر الخاص بعد العام تنبيها على شرفه ومزيته.

وفائدة ذكر ولا تشرك به شيئا بعد العبادة النهي عما كان عليه الكفار الذين كانوا يعبدونه في الصورة ويعبدون معه أوثانا يزعمون أنها شركاء.

( وتقيم الصلاة المكتوبة) تقييد الصلاة بالمكتوبة اتباعا لقوله تعالى: { { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } } [النساء:103] وقيل: إن هذا القيد لإرادة الفرض منها.

( وتؤدي الزكاة المفروضة) تقييد الزكاة بالمفروضة قيل: للاحتراز عن صدقة التطوع، وقيل: لأنها مقدرة النصاب والقدر المخرج، والفرض معناه التقدير، وقيل: المكتوبة والمفروضة بمعنى واحد والمغايرة بينهما للتفنن كراهة تكرير اللفظ.

( فإنك إن لا تراه فإنه يراك) إن حرف شرط ولا نافية وتراه فعل الشرط مجزوم، ولم تحذف الألف للجزم على غير قياس، والأولى أن يكون من قبيل حذف كان واسمها وهو مشهور بعد إن ولو والتقدير: فإنك إن تكن لا تراه فإنه يراك.

( ولكن سأحدثك عن أشراطها) جمع شرط بفتح الشين والراء والأشراط العلامات، وقيل: مقدماتها وقيل: صغار أمورها قبل تمامها.
قال النووي: وكله متقارب.
وظاهر هذه الرواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم تطوع بإخبار جبريل عن أشراط الساعة من غير أن يطلبها بخلاف الرواية السابقة التي فيها قال: فأخبرني عن أمارتها.
وجمع الحافظ ابن حجر بينهما بأنه ابتدأ بقوله سأخبرك عن أشراطها فقال له السائل: فأخبرني، ويدل على ذلك رواية ولكن إن شئت نبأتك عن أشراطها.
قال أجل ويستفاد من اختلاف الروايات أن المراد من التحديث والإخبار والإنباء واحد.

( وإذا كانت العراة الحفاة رءوس الناس) وفي الرواية الآتية وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض وكل ذلك كناية عن تبدل الحال ورفع الأسافل، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة والصم البكم كناية عن عدم استعمال حواسهم في شيء من أمور دينهم وإن كانت حواسهم سليمة فكأنهم عدموها لعدم الانتفاع بها.

( وإذا تطاول رعاء البهم) رعاء بكسر الراء والبهم بفتح الباء وإسكان الهاء الصغار من أولاد الغنم، وأصله كل ما استبهم عن الكلام، وفي رواية البخاري رعاء الإبل البهم.

( في خمس) خبر مبتدأ محذوف والتقدير: علم وقت الساعة داخل في جملة خمس وليس في الحديث ما يفيد حصر الغيب في هذه الخمس، اللهم إلا أن يقال: إن الاقتصار في مقام البيان يشعر بالحصر، يعزز هذا ما جاء عن ابن مسعود قال: أوتي نبيكم علم كل شيء سوى هذه الخمس، وما أخرجه حميد بن زنجويه عن الصحابة أنه ذكر العلم بوقت الكسوف قبل ظهوره فأنكر عليه، فقال: إنما الغيب خمس وتلا هذه الآية، وقال ما عدا ذلك غيب يعلمه قوم ويجهله قوم، والتحقيق أن هناك غيبا غير هذه الخمس لا يعلمه إلا الله، وفي اللوح المحفوظ كثير من تفصيل ما كان وما يكون لا يعلمه أحد من المخلوقات ويحمل ما جاء عن ابن مسعود على العلم الإجمالي.

( لا يعلمهن إلا الله) قصر صفة على موصوف حقيقي، وليس في الآية قصر كما في الحديث، قال الطيبي: إن الفعل إذا كان عظيم الخطر وما ينبني عليه الفعل رفيع الشأن فهم منه الحصر على سبيل الكناية ولا سيما إذا لوحظ ما ذكر في أسباب النزول من أن العرب كانوا يدعون علم نزول الغيث.

والذي استأثر الله بعلمه إنما هو علم الغيب، أما ظن الغيب وما يبنى على قواعد وعادات كالتنبؤ بالأحوال الجوية وما يقوله المنجمون والحساب فإنه قد يتخلف، وليس في الشرع ما يدل على منعه.

( ويعلم ما في الأرحام) بجميع صفاته وأحواله فلا ينافي علم بعض الصفات بالطرق العلمية الحديثة.

فقه الحديث

من يقارن بين الروايات يجد بينها اختلافا كثيرا بالزيادة والنقص تارة، وبالتقديم والتأخير تارة أخرى، وبإبدال لفظ بلفظ تارة ثالثة، ولا خلاف في أنها جميعها في قصة واحدة، واختلاف الروايات في الواقعة الواحدة كثير في الأحاديث الصحيحة، ويحمل الاختلاف بالزيادة والنقصان على أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر، وكل أدى ما حفظ.
وزيادة الثقة مقبولة على أصح الأقوال عند علماء الحديث.
ويحمل الاختلاف بالتقديم والتأخير أو بإبدال لفظ بلفظ على الرواية بالمعنى، وقد قال الإمام النووي في شرح مقدمة مسلم: إن جمهور السلف والخلف من أصحاب الحديث والفقه والأصول يجوز رواية الحديث بالمعنى إذا جزم الراوي بأنه أدى المعنى، قال النووي، وهذا هو الصواب الذي تقتضيه أحوال الصحابة فمن بعدهم رضي الله عنهم في روايتهم القضية الواحدة بألفاظ مختلفة ا.
هـ.

ويمكن حصر الموضوع من رواياته المذكورة في النقاط التالية:

1 - مذهب القدرية وشبهتهم والرد عليهم وحكم القائل بمذهبهم.

2 - أحوال نزول جبريل على الرسول صلى الله عليه وسلم والسبب في مجيئه في هذه القصة.

3 - حقيقة كل من الإيمان والإسلام والنسبة بينهما.

4 - حقيقة الإحسان ومراتبه.

5 - الكلام عن الساعة.

6 - الأحكام المستفادة من الحديث.

1 - أما عن النقطة الأولى فإن مذهب معبد الجهني ومتابعيه أن الله تعالى لم يقدر الأشياء أزلا، ولم يتقدم علمه بها، وإنما يعلمها سبحانه بعد وقوعها.

وشبهتهم أنه تعالى لو كان عالما بالتكذيب لكان في إرساله الرسل عابثا.

ويرد عليهم بأن في الإرسال إزالة لعذر المكذبين وإلزاما لهم وإثابة للداعين، ثم إنه يكفي في حكمة الإرسال إيمان من آمن، على أن الجهل بالحكمة لا يستلزم عدمها المؤدي إلى العبث تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.

ومن التنبيهات الظاهرة الدافعة لزعمهم أن الله تعالى موجد الكائنات بلا منازع ولا يتأتى الإيجاد بدون سبق العلم.

والذي قاله ابن عمر ظاهر في تكفيره القدرية، لأنه حكم بعدم قبول نفقاتهم والأعمال يحبطها الكفر، ثم استدل بحديث جبريل وفيه أن الإيمان بالقدر جزء من الإيمان، والشيء ينتفي بانتفاء جزئه غالبا.

قال القاضي عياض: هذا في القدرية الأولى الذين نفوا تقدم علم الله تعالى بالكائنات ثم قال: والقائل بهذا كافر بلا خلاف، اهـ.

ودعوى القاضي عياض عدم الخلاف في كفرهم مردودة، فإن تكفيرهم أحد رأيين، والآخر أنهم عاصون لم يخرجوا من الملة، وإليه مال الإمام النووي حيث نقل عن بعض العلماء قولهم: ويجوز أن ابن عمر لم يرد بهذا الكلام التكفير المخرج عن الملة فيكون من قبيل كفران النعم، إلا أن قوله ما قبله الله منه ظاهر في التكفير، فإن إحباط الأعمال إنما يكون بالكفر، إلا أنه يجوز أن يقال في المسلم: لا يقبل الله عمله لمعصيته وإن كان عمله صحيحا، كما أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة غير محوجة إلى القضاء عند جماهير العلماء بل بإجماع السلف، وهي غير مقبولة فلا ثواب فيها على المختار عند أصحابنا.

والآمدي وبعض العلماء عمموا هذا الخلاف في كل ذي هوى من أهل القبلة، والذي تستريح إليه النفس هو ما ذهب إليه القاضي عياض، لأن نسبة الجهل إلى الله تتنافى مع الإيمان بصفة من صفات الله تعالى وهي العلم.

وقد انقرض القدرية الزاعمون هذا الزعم انقراضا كليا، لكن العلماء يطلقون لفظ القدرية في العصور المتأخرة على الجهمية الذين يقولون بحدوث العلم، بمعنى أن الله تعالى إذا أراد إيجاد شيء أحدث لنفسه علما قبل إيجاده ذلك بزمان، فهم يتفقون مع القدرية السابقين في حدوث العلم، وإن اختلفوا في تقديم العلم على الوقوع وتأخره عنه.

كما يطلق العلماء لفظ القدرية أيضا على المعتزلة لأنهم يقولون: إن العبد يخلق أفعاله الاختيارية، والخير من الله والشر من غيره.
فهم ينفون القدر في بعض الأمور.

وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم القدرية مجوس هذه الأمة رواه أبو حازم عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه أبو داود في سننه والحاكم في المستدرك على الصحيحين وقال صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم عن ابن عمر، ويرى أهل السنة أن هذا الحديث عني به القدرية الأولين كما عني به المعتزلة.
قال الخطابي في حمل الحديث على المعتزلة: إنما جعلهم صلى الله عليه وسلم مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين النور والظلمة يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة، فصاروا ثنوية، وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله تعالى والشر إلى غيره، والله تعالى خالق الخير والشر جميعا لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته، فهما مضافان إليه سبحانه وتعالى خلقا وإيجادا وإلى الفاعلين لهما من عباده فعلا وانتسابا.

ويحاول المعتزلة دفع كونهم مقصودين بهذا الحديث فيقولون: إن القدرية المذمومين الذين عناهم الحديث إنما هم القدرية الأولون، ويغالط بعضهم فيقول: لسنا بقدرية، وإنما القدرية هم الأشاعرة لاعتقادهم إثبات القدر، وإنما ينسب إلى الشيء من يثبته، وليس الذي ينفيه، وقد رد إمام الحرمين وابن قتيبة هذه المغالطة بأن أهل الحق يفوضون أمورهم إلى الله ويضيفون القدر والأفعال إلى الله سبحانه وتعالى، وهؤلاء الجهلة يضيفونه إلى أنفسهم ومدعي الشيء لنفسه ومضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن يعتقده لغيره وينفيه عن نفسه.

ومذهب أهل الحق إثبات القدر، ومعناه أن الله تبارك وتعالى قدر الأشياء في القدم وعلم أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وتعالى.

قال الخطابي: وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله تعالى العبد وقهره على ما قدره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمونه، وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله سبحانه وتعالى بما يكون من اكتساب العبد وصدور أفعاله عن تقدير منه سبحانه وخلق لها خيرها وشرها.

2 - وأما عن النقطة الثانية فإن الذي يؤخذ من الأحاديث أن جبريل عليه السلام كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صور وأحوال مختلفة:

فأحيانا كان يأتي مثل صلصلة الجرس، أي بصوت متدارك، قيل إنه حفيف أجنحة الملائكة، يسمعه صلى الله عليه وسلم حتى يتهيأ للوحي، ويتفرغ له عما يشغله، وكان الصحابة أحيانا يشعرون بدوي كدوي النحل، كما جاء ذلك في رواية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي هذه الحالة لا يراه صلى الله عليه وسلم بل يثقل عليه الأمر ويشتد، ويأخذه ما يشبه الحمى، ويتفصد جبينه عرقا في اليوم الشديد البرد، فينفصم الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد وعى كل ما قال، وتلك الحالة أشد حالات الوحي وأصعبها.

وأحيانا كان ينزل جبريل ويتراءى للنبي صلى الله عليه وسلم في صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، فيسد الأفق، ونزوله بهذه الكيفية قد ندر حتى قيل: لم يره صلى الله عليه وسلم بهذه الصورة إلا مرة أو مرتين.

وأحيانا كان يتمثل جبريل بصورة دحية الكلبي الصحابي المشهور بحسن صورته.

وأحيانا كان يتمثل جبريل بصورة رجل غريب.

والحالة التي معنا من نوع نزوله عليه السلام في صورة رجل غير معروف، وسبب هذا النزول أن الصحابة كانوا قد أكثروا السؤال، واستشعر صلى الله عليه وسلم أن فيهم من يسأل تعنتا، فغضب حتى احمر وجهه، وأنزل الله تعالى { { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } } [المائدة:101] فانكف الناس عن السؤال، وكانوا يتمنون أن يأتي الرجل من البادية فيسأل فأرسل الله جبريل عليه السلام فسأل ليعلموا، ولا يقال: لم لم يسلم جبريل؟ وكيف تخطى الصحابة حتى وصل إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقد ثبت أنه سلم واستأذن في التخطي والدنو ولكن لم ينقله الرواة في أحاديثنا، فقد جاء في رواية البزار ....
فإنا لجلوس عنده إذ أقبل رجل أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا، كأن ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف البساط وقال: السلام عليك يا محمد، أأدنو؟ قال: ادنه، فما زال يقول: أأدنو؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ادنه، حتى وضع يديه على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والظاهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعرف جبريل في الحال، أخذا من قوله ردوا على الرجل وقيل: يجوز أن يكون قد عرفه في الحال وأخفى ذلك على الحاضرين، لكن هذا القول ضعيف لما جاء في رواية البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم أتاكم يعلمكم دينكم وما أتى في صورة إلا عرفته فيها إلا هذه وفي رواية: فوالذي نفسي بيده ما شبه علي منذ أتاني قبل مرتي هذه وما عرفته حتى ولى.

وظاهر رواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوضح للصحابة أن السائل هو جبريل في نفس المجلس بعد أن حاولوا رده فلم يجدوه، ويعارض هذا ما جاء في رواية عمر بن الخطاب عند أبي داود والترمذي من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعمر: أتدري من السائل؟ قال له ذلك بعد ثلاث ليال من سؤال جبريل، وجمع بينهما بأن عمر لم يحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحال، بل كان قد قام من المجلس ولم يرجع فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين في الحال وأخبر عمر رضي الله عنه بعد ثلاث، فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قاطع بأن عمر لا يعلمه فكيف يسأله أتدري من السائل؟ أجيب بأنه فعل ذلك ليشتد اشتياق عمر للجواب لأهميته.

3- وأما عن النقطة الثالثة فقد اختلف العلماء في الحقيقة الشرعية لكل من الإيمان والإسلام، وفي زيادة الإيمان ونقصه، وفي العلاقة بين الإيمان والإسلام، وقد بلغ بهم الخلاف والتشعب في هذا الموضوع أن ألف بعض الفضلاء فيه كتابا مستفيضا، ولما كان هدفنا في هذا المقام هو شرح الأحاديث والجمع بينها فإننا سنقتصر على صفوة القول وخلاصته مع التوفية والإيضاح وبالله التوفيق.

أولا: زعمت الكرامية وبعض المرجئة أن الإيمان هو الإقرار باللسان دون عقد القلب وتصديقه تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم وهذا الزعم واضح البطلان، فقد أجمعت الأمة على أن المنافقين كفار، وإن كانوا قد أعلنوا الشهادتين بألسنتهم بدليل قوله تعالى: { { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله } } [التوبة: 84] .

ثانيا: زعم الخوارج أن أهل المعاصي كفار، وإن صدقوا بقلوبهم وأقروا بألسنتهم.

وزعم المعتزلة أن أهل المعاصي ليسوا مؤمنين وإن صدقوا بقلوبهم وأقروا بألسنتهم، كما أنهم ليسوا كفارا، وإن استحقوا الخلود في النار، فكل من الفريقين ينفي الإيمان عن أهل المعاصي وشبهتهم قوله صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... إلخ الحديث، وحكم القرآن على بعض العصاة بالخلود في النار كقوله تعالى: { { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } } [النساء: 93] .
وكقوله تعالى: { { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها } } [النساء: 14] وهذا الزعم من الفريقين باطل لمعارضته الآيات الكثيرة والأحاديث البالغة في موضوعها حد التواتر.
كقوله تعالى: { { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } } [الحجرات: 9] فقد أثبت لهم وصف الإيمان مع معصية الاقتتال، وكحديث أبي ذر ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال صلى الله عليه وسلم وإن زنى وإن سرق .. الحديث.
ونفي الإيمان عن الزاني محمول على نفي كمال الإيمان، والخلود في الآيتين محمول على المكث الطويل جمعا بين النصوص.

ثالثا: لأهل السنة والجماعة ثلاثة أقوال مشهورة في حقيقة الإيمان شرعا، فأكثر المتكلمين على أن الإيمان اسم للتصديق فقط، أي تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما علم مجيئه به بالضرورة تصديقا جازما.

وبعض العلماء على أن الإيمان اسم للتصديق والنطق.

وأكثر السلف على أن الإيمان اسم للتصديق والنطق والعمل.

وقد جمع بعض العلماء بين الأقوال الثلاثة، فقال: إن السلف لا يعنون بقولهم إنه التصديق والعمل أن العمل جزء من الإيمان بحيث ينعدم الإيمان بانعدام العمل، لإجماعهم على أن العاصي بترك بعض الواجبات هو مؤمن، فإضافتهم العمل إلى الإيمان بناء على هذا إضافة كمال، فالمصدق بقلبه إذا لم يجمع إلى تصديقه العمل بموجب الإيمان لا يستحق اسم مؤمن على الإطلاق بل على التقييد بمؤمن عاص، لأن اسم الشيء مطلقا يقع على الكامل منه، ولا يستعمل في الناقص ظاهرا إلا بقيد، وعلى هذا جاز نفي الإيمان عن العاصي في قوله صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن والمتكلمون الذين يرون أن الإيمان هو التصديق لا يعارضون في أن الإيمان الكامل هو ما صحبه العمل، فالتصديق أول منازل الإيمان وأساسه.

والقائلون بأنه التصديق والنطق لعلهم يقصدون أن النطق شرط في ثبوت الإيمان بحسب الظاهر لا أنه جزء منه، فليس الإيمان عند الجميع إلا التصديق كما فسره صلى الله عليه وسلم في أحاديثنا.

ولا شك أن الإيمان يزيد وينقص إن قلنا بإضافة الأعمال إلى التصديق خلافا للخوارج والمعتزلة الذين ينفون الإيمان عن العاصي، والخلاف بين أهل السنة في زيادة الإيمان ونقصه على القول بأنه التصديق.

فأكثر المتكلمين ينكر زيادته ونقصانه، ويقولون: إن التصديق علم، والعلوم لا تتفاوت، وأنه متى قبل الزيادة كان شكا وكفرا.

وجمهور العلماء والمحدثين يقول: إن التصديق نفسه يزيد وينقص، وبعضهم يرى أنه يزيد ولا ينقص، قال ابن بطال: التفاوت في التصديق على قدر العلم والجهل، فمن قل علمه كان تصديقه مثلا بمقدار ذرة، والذي فوقه في العلم تصديقه بمقدار برة أو شعيرة، إلا أن أصل التصديق الحاصل في قلب كل أحد منهم لا يجوز عليه النقصان، ويجوز عليه الزيادة بزيادة العلم والمعاينة.

ويؤيده حديث أنس يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير وفي رواية لأنس من إيمان بدلا من كلمة من خير وجاء في البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.

وقال النووي: الأظهر - والله أعلم - أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة، ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريهم الشبه، ولا يتزلزل إيمانهم بعارض، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال، وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم فليسوا كذلك، فهذا ما لا يمكن إنكاره ولا يتشكك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر الصديق رضي الله عنه لا يساويه تصديق آحاد الناس.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي: إن النقص أمر نسبي، لكن منه ما يترتب عليه الذم ومنه ما لا يترتب، فالأول ما نقصه بالاختيار، كمن علم وظائف الدين ثم تركها عمدا، والثاني ما نقصه بغير اختيار، كمن لا يعلم أو لم يكلف، فهذا لا يذم بل يحمد من جهة أنه كان قلبه مطمئنا بأنه لو زيد لقبل، ولو كلف لعمل، وهذا شأن الصحابة الذين ماتوا قبل نزول الفرائض، ومحصله أن النقص بالنسبة لهم أمر صوري نسبي، والآيات القرآنية صريحة في زيادة الإيمان، وما يقبل الزيادة يقبل النقصان.

قال تعالى: { { ليزدادوا إيمانا } } [الفتح: 4] { { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا } } [التوبة: 124] ، { { وما زادهم إلا إيمانا وتسليما } } [الأحزاب: 22] .

أما الإسلام فهو الاستسلام، فإن قصد به استسلام القلب وإذعانه كان بمعنى الإيمان كما في قوله تعالى: { { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } } [الذاريات: 35، 36] .

وإن قصد استسلام الجوارح بما في ذلك النطق يتحقق الإسلام دون الإيمان، كما في المنافقين، ومنه قوله تعالى: { { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } } [الحجرات:14] .

والإيمان المنجي لا يتم بدون عمل الجوارح، والإسلام المنجي لا يتم بدون التصديق القلبي.
فحينما يفسر الإيمان بالتصديق، والإسلام بعمل الجوارح، فهو تفسير بحسب الأصل الظاهر، كما في حديث سؤال جبريل الذي نحن بصدده.
وحينما يفسر الإيمان بالتصديق والعمل، ويفسر الإسلام بالأمرين فهو تفسير بالكمال الشرعي المنجي من النار، وحينما يفسر الإيمان بالعمل فهو تفسير بلوازمه وخواصه، كما في حديث وفد عبد القيس الآتي وحينما يفسر الإسلام بالتصديق، فهو تفسير بشرطه الأساسي الذي يتوقف عليه.

وهذا التحليل موافق لرأي الحافظ ابن حجر، إذ قال في نهاية المطاف: والذي يظهر من مجموع الأدلة أن لكل منهما حقيقة شرعية، كما أن لكل منهما حقيقة لغوية، لكن كل منهما مستلزم للآخر بمعنى التكميل له، فكما أن العامل لا يكون مسلما كاملا إلا إذا اعتقد، فكذلك المعتقد لا يكون مؤمنا كاملا إلا إذا عمل، وحيث يطلق الإيمان في موضع الإسلام، أو العكس، أو يطلق أحدهما على إرادتهما معا، فهو على سبيل المجاز، ويتبين المراد بالسياق.
اهـ.

وقد حكى ذلك الإسماعيلي عن أهل السنة والجماعة قالوا: إنهما تختلف دلالتهما بالاقتران، فإن أفرد أحدهما دخل الآخر فيه، وعلى ذلك يحمل ما جاء في حديث وفد عبد القيس.

وظاهر الحديث الذي نحن فيه أن المؤمن هو من صدق بجميع ما ذكر، وهو كذلك ولا يعارض هذا ما ذكره الفقهاء من إطلاق الإيمان على من آمن بالله ورسوله، لأن المراد من الإيمان برسول الله الإيمان بوجوده وبما جاء به عن ربه، فيدخل فيه جميع ما ذكر.

ولا يلزم من جعل الإسلام اسما للأركان الخمسة في الحديث أن يكون من قصر في شيء منها غير مسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فقد جعل النطق بالشهادتين وحده كافيا.
والله أعلم.

4- وأما عن النقطة الرابعة فقد قيل: إن للعبد في عبادته ثلاثة مقامات:

الأول: أن يفعلها على الوجه الذي يسقط معه التكليف، أي مستوفاة الشرائط والأركان.

الثاني: أن يفعلها كذلك وقد غلب عليه أن الله تعالى يشاهده، وهذا هو مقام المراقبة.

الثالث: أن يفعلها كذلك وقد استغرق في بحار المكاشفة، حتى كأنه يرى الله، وهو مقامه صلى الله عليه وسلم كما قال وجعلت قرة عيني في الصلاة.

فقوله صلى الله عليه وسلم أن تعبد الله كأنك تراه إشارة إلى مقام المكاشفة، وتلك أعلى درجات العبادة، لأننا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت، واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به.

وقوله صلى الله عليه وسلم فإن لم تكن تراه فإنه يراك نزول عن المكاشفة إلى مقام المراقبة، أي إن لم تعبده وأنت من أهل الرؤية المعنوية التي هي المكاشفة فاعبده وأنت بحيث تستشعر أنه يراك.

وإذا كانت مجالسة الصالحين مانعة من التلبس بشيء من النقائص، احتراما لهم واستحياء منهم كان إحساس العبد بدوام اطلاع الله عليه في سره وعلانيته دافعا إلى الإخلاص والإتمام.

وكل من المقامات الثلاثة إحسان، إلا أن الإحسان الذي هو شرط في صحة العبادة هو الأول، لأن الإحسان بالمقامين الأخيرين إنما هو من صفة الخواص، وخواص الخواص.

وإنما أخر جبريل السؤال عن الإحسان، لأنه صفة الفعل أو شرط في صحته، والصفة وضعها بعد الموصوف.

وقد اشتمل هذا الحديث - كما يقول القاضي عياض - على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان ابتداء وحالا ومآلا، ومن أعمال الجوارح، ومن إخلاص السرائر، والتحفظ من آفات الأعمال، حتى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه.

5 - وأما عن النقطة الخامسة فإن نفي علمه صلى الله عليه وسلم بموعد الساعة يتنافى مع ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين مشيرا إلى السبابة والوسطى مما يشعر بالعلم، وأجيب بأن معنى الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم النبي الأخير، فلا نبي آخر بعده، وإنما تليه القيامة، وكل آت قريب.

وما ذكره صلى الله عليه وسلم من أمارات الساعة هو من علاماتها الصغرى، وهي كثيرة: منها رفع العلم وظهور الجهل، وكثرة الزنا، وشرب الخمر.

والقصد من ذكر العلامات الصغرى الإشعار بقرب قيامها، ليندفع الناس إلى العمل الصالح خوفا من غشيانها فجأة، لقوله تعالى: { { وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا } } [الأحزاب 63] وقوله تعالى: { { لا تأتيكم إلا بغتة } } [الأعراف: 187] .

أما العلامات الكبرى فهي كالدجال ونزول عيسى وخروج يأجوج ومأجوج والدابة وطلوع الشمس من المغرب.

قال ابن رشد: واتفقوا على أنه لا بد من ظهور هذه الخمسة، واختلفوا في خمسة أخرى: هي خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب والدخان ونار تخرج تروح معهم حيث راحوا وتقيل معهم حيث قالوا.

6- ويؤخذ من الحديث غير ما تقدم

1- أدب الجماعة في مشيهم مع فاضلهم، وهو أنهم يحفون به، فلا يمشون أمامه لئلا يتقدموا عليه، ولا يمشون من جهة واحدة، لئلا يفوت المتطرف منهم سماع صوت الفاضل، ولا يمشون خلفه، لكراهة السلف المشي خلف الرجل لما فيه من الشهرة.

2 - حسن الاعتذار عما يوهم التقصير، فإن يحيى خشي أن ينسب إليه عدم المبالاة بصاحبه واغتصاب القول منه، فاعتذر بأنه ظن أن صاحبه يفوض له السؤال، لأنه أسن من صاحبه وأكثر إقداما وجرأة وأبسط لسانا.

3 - القصد في القول وعدم الإطراء في المواجهة، فإنهما ناديا العالم الفقيه التقي الورع ابن عمر بقولهما: أبا عبد الرحمن.

4 - ما كان عليه السلف من حرصهم على إنكار البدع، وفزعهم إلى أهل العلم والقدوة الحسنة إذا طرأ على الدين طارئ.

5 - مذاكرة العلم في الطريق، وكرهه بعضهم والصحيح الجواز.

6 - يؤخذ من رواية أبي هريرة استحباب بروز العالم وظهوره.

7 - استحباب التجمل لحضور مجالس العلم أخذا من هيئة جبريل عليه السلام.

8 - أدب السائل والمتعلم في جلسته مع المسئول والمعلم.

9 - أنه ينبغي للعالم أن يرفق بالسائل ويدنيه منه، ليتمكن من سؤاله غير هائب ولا منقبض.

10- أنه ينبغي لمن حضر مجلس العالم إذا علم أن بأهل المجلس حاجة إلى مسألة لا يسألون عنها أن يسأل هو عنها، ليحصل الجواب للجميع.

11 - جواز سؤال العالم ما لا يجهله السائل ليعلمه السامع.

12 - في الحديث حجة للجمهور أنه لا كراهة في قول رمضان بدون كلمة شهر خلافا لمن كره ذلك بحجة أن رمضان من أسماء الله، وبحجة حديث لا تقولوا رمضان فإن الله هو رمضان قال الجمهور: الحديث المذكور غير صحيح، ولم يصح كون رمضان من أسماء الله تعالى.

13- استدل بقوله كأنك تراه إلخ.
على أن رؤية الله في الدنيا بالأبصار غير واقعة، وقد صرح بذلك مسلم في رواية له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا.

14 - أنه ينبغي للعالم والمفتي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم وأن ذلك لا ينقصه، بل يستدل به على ورعه وتقواه.

15- احتج بالحديث من يجيز بيع أم الولد، ولا حجة فيه، بل قال المروزي: فيه الرد على المجيز، لأنه صلى الله عليه وسلم أنكر أن تلد الأمة ربتها، ورد على المروزي بأنه لا يلزم أن تكون أمارة الساعة شيئا حراما، فإن تطاول البنيان من أمارتها، وليس حراما.

16- أن الإيمان والإسلام والإحسان تسمى كلها دينا.

17- أن الملك يجوز أن يتمثل لغير النبي صلى الله عليه وسلم فيراه ويتكلم بحضرته وهو يسمع.

18 - أن السؤال الحسن يسمى علما وتعليما، وقد اشتهر قولهم: حسن السؤال نصف العلم.

والله أعلم