هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5390 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ ، عَنِ الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5390 حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز يعني الدراوردي ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الدنيا سجن المؤمن ، وجنة الكافر
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Huraira reported Allah's Messenger (ﷺ) as saying:

The world is a prison-house for a believer and Paradise for a non-believer.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر

المعنى العام

مجموعة من الأحاديث تشترك في الدعوة إلى الزهد والتقلل من الدنيا نعم لكل حديث منها طعم ولون ورائحة ولكل حديث أسلوبه ووقائعه ولكن الهدف واحد الدعوة إلى الزهد فالدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر والدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة وهي أهون على الله من جدي ميت على الناس وما يعتز به ابن آدم من مال وأملاك وبنين سيتخلى عنه يوم يموت ولا يبقى معه إلا عمله وكل ما يجمعه ويجري وراءه لن يأخذ منه إلا لقمة يأكلها أو خرقة يلبسها ثم يتركه إلى الورثة محبين له أو مبغضين فليضع جزءا منه للصدقات وأعمال البر لينفعه يوم القيامة إن الإنسان مسئول عن كل درهم من ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وكلما زاد ماله زادت مسئوليته فالغنى أشد خطرا على المسلم من الفقر فما أهلك الأمم السابقة إلا التنافس في الأموال حملهم ذلك على الحقد والحسد والتدابر والتباغض بل على القتل وسفك الدماء فليحمد كل إنسان ربه على ما أعطاه ولينظر إلى من هو أقل منه مالا ودنيا ليعلم مقدار ما عنده من نعم وشكر النعمة يزيدها مصداقا لقوله تعالى { { لئن شكرتم لأزيدنكم } } [إبراهيم 7] وشكر النعمة يكون بالاعتراف بها ونفع الناس بها وقد كانت عاقبة الثلاثة من بني إسرائيل شاهدة على ذلك لم يشكر الأقرع والأبرص فمحقت نعمتهما وشكر الأعمى فبورك له فيها

ويوم القيامة يسأل الإنسان عما كان فيه من نعيم مصداقا لقوله تعالى { { ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } } [التكاثر 1- 7] والمتدبر لمعيشة الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم قيمة الزاهدين

المباحث العربية

( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) معناه أن كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة مكلف بفعل الطاعات الشاقة فإذا مات استراح من هذا وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من النقصان وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات فإذا مات صار إلى العذاب الدائم وشقاء الأبد

( داخلا من بعض العالية) العالية ضاحية من ضواحي المدينة

( والناس كنفتيه) بفتح الكاف والنون والفاء والتاء أي جانبيه وفي بعض النسخ كنفته بالإفراد أي جانبه

( فمر بجدي أسك ميت) أسك بفتح الهمزة والسين وتشديد الكاف أي صغير الأذنين وصغر الأذنين عيب فيه

( فتناوله فأخذ بأذنه) أي فتناوله ولمسه بعصاه ولمس أذنه بالعصا

( أتحبون أنه لكم) بدون درهم

( ألهاكم التكاثر) أي شغلكم جمع المال والإكثار منه عن آخرتكم والعمل من أجلها

( يقول ابن آدم مالي) في الرواية الثالثة والرابعة مالي مالي مرتين أي يعتز به ويفتخر به ويعتمد عليه

( وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت) أي فنفذت عطاءك وأكملته وأتممته من غير من ولا أذى والاستفهام إنكاري بمعنى النفي أي ليس لك من مالك إلا كذا وكذا وكذا وما عدا ذلك فهو لورثتك

ففي الرواية الرابعة يقول العبد مالي مالي إنما له من ماله ثلاث ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فاقتنى قال النووي هكذا هو في معظم النسخ ولمعظم الرواة فاقتنى بالتاء ومعناه ادخره لآخرته أي ادخر ثوابه وفي بعضها فأقنى بحذف التاء أي أرضى الله وأرضى الفقير وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس

( يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله) تبعية هذه الثلاثة غالبية فقد لا يتبعه إلا عمله فقط والمراد من يتبع جنازته من أهله ورفاقه وإذا انقضى أمر الحزن عليه رجعوا سواء أقاموا بعد الدفن أم لا ومعنى بقاء عمله أنه يدخل معه القبر والتبعية بعضها حقيقة وبعضها مجاز ففيه استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه

( ما الفقر أخشى عليكم) الفقر منصوب مفعول به مقدم لأخشى وقال الطيبي فائدة تقديم المفعول هنا الاهتمام بشأن الفقر فإنه الوالد المشفق إذا حضره الموت كان اهتمامه بحال ولده في المال فأعلم صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه وإن كان لهم في الشفقة عليهم كالأب لكن حاله في أمر المال يخالف حال الوالد وأنه لا يخشى عليهم الفقر كما يخشاه الوالد ولكن يخشى عليهم من الغنى الذي هو مطلوب الوالد لولده

( فتنافسوها) بفتح التاء مع حذف إحدى التاءين أي فتتنافسوها والتنافس من المنافسة وهي الرغبة في الشيء ومحبة الانفراد به والمغالبة عليه وأصلها من الشيء النفيس

( وتهلككم كما أهلكتهم) لأن المال مرغوب فيه فترتاح النفس لطلبه فتمنع منه فتقع العداوة المقتضية للمقاتلة المفضية إلى الهلاك وفي الرواية السابعة إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم أي على أي حال ستكونون قال نقول كما أمرنا الله أي نحمده ونشكره ونسأله المزيد من فضله قال صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض أي تنطلقون في ضعاف المهاجرين فتجعلون بعضهم أمراء على بعض

( إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه) فضل بضم الفاء مبني للمجهول والخلق بفتح الخاء وسكون اللام أي الصورة والخلقة ويحتمل أن يدخل فيه الأولاد والأتباع وكل ما يتعلق بزينة الحياة الدنيا وفي الرواية التاسعة انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله أي أحق وأحرى بعدم الازدراء والازدراء افتعال من زريت عليه وأزريت به إذا تنقصته وفي معناه ما أخرجه الحاكم أقلوا الدخول على الأغنياء فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله

وفي الحديث خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا من نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به عليه ومن نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به ومن نظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته فإنه لا يكتب شاكرا ولا صابرا

قال ابن بطال هذا الحديث جامع لمعاني الخير لأن المرء لا يكون بحال تتعلق بالدين من عبادة ربه مجتهدا فيها إلا وجد من هو فوقه فمتى طلبت نفسه اللحاق به استقصر حاله فيكون أبدا في زيادة تقربه من ربه ولا يكون على حالة خسيسة من الدنيا إلا وجد من أهلها من هو أخس منه حالا فإذا تفكر في ذلك علم أن نعمة الله وصلت إليه دون كثير ممن فضل عليه بذلك فيلزم نفسه الشكر فيعظم اغتباطه بذلك في معاده

( إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى) بالنصب بدل من ثلاثة

( فأراد الله أن يبتليهم) وفي بعض النسخ أن يبليهم بإسقاط التاء ومعناهما الاختبار وفي رواية البخاري بدا لله عز وجل أن يبتليهم بفتح الباء والدال بغير الهمز أي سبق في علم الله فأراد إظهاره وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافيا لأن ذلك محال في حق الله تعالى وقال صاحب المطالع ضبطناه على متقني شيوخنا بالهمز أي ابتدأ الله أن يبتليهم قال ورواه كثير من الشيوخ بغير همز وهو خطأ اهـ

قال الحافظ ابن حجر وأولى ما يحمل عليه أن المراد قضى الله أن يبتليهم

( فبعث إليهم ملكا) ليأتي كل واحد منهم على حدة

( فأتى الأبرص فقال أي شيء أحب إليك قال لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس) قذرني بفتح القاف والذال مخففة يقال قذره الناس وقذر الرجل الشيء يقذره بضم الذال قذرا بسكونها جعله واعتبره قذرا بكسر الذال وقذر بكسر الذال يقذر بفتحها أي اتسخ فهو قذر بكسرها وقذر الشيء بكسر الذال وجده قذرا وكرهه لوسخه واجتنبه فيصح في روايتنا كسر الذال وفتحها أي اشمأز الناس من رؤيتي وفي رواية حكاها الكرماني قذروني الناس على لغة أكلوني البراغيث

( فمسحه فذهب عنه قذره وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا) أي مسح على جسمه

( قال فأي المال أحب إليك قال الإبل أو قال البقر) شك في ذلك فالأبرص والأقرع قال أحدهما الإبل وقال الآخر البقر فشك إسحاق

( فأعطي ناقة عشراء فقال بارك الله لك فيها) الناقة العشراء بضم العين وفتح الشين الحامل القريبة الولادة أي أعطي الذي تمنى الإبل وفي رواية البخاري يبارك لك فيها

( فأتى الأقرع فقال أي شيء أحب إليك قال شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس ...) قوله ويذهب عني ... تصريح باللازم لتأكيد المطلب

( فأي المال أحب إليك قال البقر فأعطي بقرة حاملا) أي حبلى ولم يؤنث لأنه وصف خاص بالإناث

( وأتى الأعمى ... فأعطي شاة والدا) أي ذات ولد أي حاملا وقيل وضعت ولدها وهو معها

( فأنتج هذان) قال النووي هكذا الرواية فأنتج رباعي بضم الهمزة وهي لغة قليلة الاستعمال والمشهور نتج بضم النون ثلاثي وممن حكى اللغتين الأخفش ومعناه توالي الولادة وهي النتج والإنتاج اهـ والإشارة هذان لصاحب الإبل وصاحب البقر

( وولد هذا) بفتح الواو وتشديد اللام المفتوحة والإشارة لصاحب الغنم والناتج للإبل والمولد للغنم أي القائم على توليدها كالقابلة بالنسبة للنساء

ويلاحظ في الثلاثة وصف الفقر والمسكنة في حالتهم الأولى وإن لم يذكر أخذا من المقام

( ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته) الأولى أي في صورة أبرص

( فقال رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ عليه في سفري) الحبال بكسر الحاء وفتح الباء مخففة جمع حبل أي الأسباب التي أقطعها في طلب الرزق وقيل العقبات وقيل الحبل هو المستطيل من الرمل ولبعض رواة مسلم الحيل بالياء بدل الباء جمع حيلة أي لم يبق لي حيلة ولبعض رواة البخاري الجبال بالجيم وهو تصحيف ومعنى أتبلغ عليه وفي رواية به من البلغة وهي الكفاية والمعنى أتوصل به إلى مرادي

( فقال الحقوق كثيرة) أي مطالب الحياة كثيرة يضيق عنها ما ترى من مال فلا أستطيع إجابة طلبك

( إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر) أي أنا كبير وغني عن أب كبير وغني عن جد كذلك وكابرا منصوب على الحالية ولم يتعرض في جوابه للبرص لأنه غير المطلوب

( إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت) فعل صيرك لفظه خبر ومعناه دعاء وقيل هو خبر لفظا ومعنى معبر فيه عن المضارع بالماضي لتحقق الوقوع على احتمال أن الملك كان عالما بالنتيجة من الله تعالى

( رجل مسكين وابن سبيل ...) أي قال له مثل ما قال للآخرين وزيادة ابن سبيل هنا ليست زيادة فمعناها حاصل في كلامه لأخويه

( فوالله لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله) بفتح التاء للمخاطب قال النووي هكذا هو في رواية الجمهور أجهدك بالجيم والهاء أي لا أشق عليك برد شيء تأخذه أو تطلبه من مالي والجهد المشقة وفي رواية للبخاري لا أحمدك أي لا أحمدك على ترك شيء تحتاج إليه من مالي فلم تأخذه فالحمد المنفي ليس على الأخذ بل على عدم الأخذ ففي الكلام مضاف محذوف كقول الشاعر

وليس على طول الحياة تندم

إذ مراده وليس على عدم طول الحياة تندم قال القاضي عياض لم يتضح هذا المعنى لبعض الناس فقال لعله لا أمنعك وهذا تكلف اهـ ويحتمل أن قوله أحمدك بتشديد الميم أي لا أطلب حمدك وشكرك ولا أمتن عليك

( فإنما ابتليتم) بضم التاء الأولى مبني للمجهول أي اختبرتم والخطاب للثلاثة

( فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك) بضم الراء وكسر الضاد مبني للمجهول وكذا سخط

( وكان سعد بن أبي وقاص في إبله فجاءه ابنه عمر فلما رآه سعد قال أعوذ بالله من شر هذا الراكب) أي لما رأى سعد ابنه من بعيد راكبا مسرعا دخل في قلبه أن هذا الراكب جاء بشر فاستعاذ بالله من شره وكان إلهامه صحيحا فقد جاء ابنه يطلب منه السعي وراء الأضواء وزهرة الدنيا وهو لا يريدها

( أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم) الاستفهام إنكاري توبيخي أي لا ينبغي ولا يليق أن تفعل ذلك وهو أحد الستة الذين رشحهم عمر رضي الله عنه للخلافة بعده وقال فيه إن وليها سعد فذاك وإلا فليستعن به الوالي وهو من السابقين إلى الإسلام قيل كان سابع ستة وكان مسدد الرمية مجاب الدعوة أحد الفرسان الشجعان من قريش الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم وهو الذي تولى قتال فارس وفتح الله على يديه القادسية وغيرها وولاه عمر الكوفة ثم عزله وكانت هذه المقولة بين ابنه وبينه بعد مقتل عثمان وكان سعد ممن قعد عن الفتنة ولزم بيته وأمر أهله ألا يخبروه بشيء من أخبار الناس حتى تجتمع الأمة على إمام وظن معاوية أن سعدا بذلك يتخلى عن علي رضي الله عنه وأنه يمكن أن يضمه إليه فكتب إليه يدعوه إلى عونه على المطالبة بدم عثمان فأجابه سعد

معاوي داءك الداء العياء
وليس لما تجيء به دواء

أيدعوني أبو حسن علي
فلم أردد عليه ما يشاء

وقلت له أعطني سيفا بصيرا
تميز به العداوة والولاء

فإن الشر أصغره كثير
وإن الظهر تثقله الدماء

أتطمع في الذي أعطى عليا
على ما قد طمعت به العفاء

ليوم منه خير منك حيا
وميتا أنت للمرء الفداء

فأما أمر عثمان فدعه
فإن الرأي أذهبه البلاء

مات رضي الله عنه في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة وحمل إلى المدينة فدفن بها بالبقيع سنة خمس وخمسين وله من العمر بضع وسبعون على المشهور روى أنه لما حضره الموت دعا بجبة خلق من صوف فقال كفنوني فيها فإني لقيت المشركين فيها يوم بدر وكنت أخبؤها لهذا رضي الله عنه وأرضاه

( فضرب سعد في صدره فقال اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي) قال النووي المراد بالغني غني النفس هذا هو الغني المحبوب لقوله صلى الله عليه وسلم ولكن الغني غني النفس وأشار القاضي إلى أن المراد الغني بالمال وأما الخفي فبالخاء هذا هو الموجود في النسخ والمعروف في الروايات وذكر القاضي أن بعض رواة مسلم رواه بالحاء ومعناه بالخاء الخامل المنقطع إلى العبادة وللاشتغال بأمور نفسه وهو مراقب ربه ومعناه بالحاء الوصول للرحم اللطيف بهم وبغيرهم من الضعفاء والمناسب للمقام رواية الخاء

( إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله) وذلك في سرية عبيدة بن الحارث وكان معه يومئذ المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان ويروى أن سعدا قال في ذلك شعرا

ألا هل جا رسول الله أني
حميت صحابتي بصدور نبلي

أذود بها عدوهم ذيادا
بكل حزونة وبكل سهل

فما يعتد رام من معد
بسهم مع رسول الله قبلي

( ولقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة وهذا السمر حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة) الحبلة بضم الحاء وسكون الباء والسمر بفتح السين وضم الميم نوعان من شجر البادية قيل الحبلة شجر العضاء قال ابن العربي شجر يشبه اللوبية وفي ملحق الرواية حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع العنز ما يخلطه بشيء أي يتبرز بفضلات ورق الأشجار برازا غير مخلوط بأصناف الطعام

( ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الدين لقد خبت إذا وضل عملي) قالوا المراد ببني أسد بنو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى قالوا ومعنى تعزرني بضم التاء وفتح العين وكسر الزاي المشددة أي تعلمني وتقومني ومنه تعزير السلطان وهو تقويمه بالتأديب وقال بعضهم معناه اللوم والعتب وقيل معناه توبخني على التقصير في الدين يستكثر أن يكون من السابقين إلى الإسلام ويقدمه آخرون في الدين ولعله يشير بذلك إلى الشكوى التي قدمها فيه أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب يقولون عنه إنه لا يحسن يصلي والتنوين في إذا في قوله لقد خبت إذا عوض عن المضاف إليه والتقدير لقد خبت إذا كنت سيئ الدين

( فإن الدنيا قد آذنت بصرم) بضم الصاد وسكون الراء أي انقطاع وذهاب وآذنت بهمزة ممدودة وفتح الذال أي أعلمت

( وولت حذاء) ولت بفتح الواو وتشديد اللام المفتوحة من ولى يولي بمعنى ذهب وحذاء بفتح الحاء ثم ذال مشددة بعدها ألف ممدودة أي مسرعة الانقطاع

( ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها) الصبابة بضم الصاد النقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الإناء وقوله يتصابها أي يشربها

( لا يدرك لها قعرا) قعر كل شيء أسفله

( وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام) أي ممتلئ

( ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا) أي صارت فيها قروح وجراح من خشونة الورق وحرارته

( فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار) يقارن بين حالة الفقر والضنك التي كانوا فيها وبين حالة العز والسيادة التي صاروا فيها وسعد بن مالك هو سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بضم العين وسكون التاء وفتح الباء وغزوان بفتح الغين وسكون الزاي من السابقين الأولين هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة كان رفيقا للمقداد شهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح الفتوح واختط البصرة قدم على عمر رضي الله عنهما يستعفيه من الإمارة فأبى فرجع فمات في الطريق سنة سبع عشرة وهو ابن سبع وخمسين على الصحيح

وفي ملحق الرواية الثالثة عشرة وكان أميرا على البصرة

( وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت) أي إلا أزيلت ومحيت وحل محلها شيء آخر

( حتى يكون آخر عاقبتها ملكا) وقد كان وتحولت الخلافة إلى ملك

( فستخبرون) بفتح التاء وسكون الخاء وضم الباء أي ستختبرون الأمراء وتختبرون بهم وترون منهم ما يذكركم أحوالنا وما كنا عليه من إصلاح

( ألم أكرمك وأسود له) أي أجعلك سيدا والاستفهام للتقرير

( وأذرك ترأس وتربع) أذرك بفتح الهمزة والذال وسكون الراء من يذر ذر أي يدع دع وترأس بفتح التاء وسكون الراء وفتح الهمزة بعدها سين ومعناه رئيس القوم وكبيرهم وأما تربع فبفتح التاء والباء بينهما راء ساكنة معناه تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة وهو ربعها يقال ربعتهم أي أخذت ربع أموالهم ومعناه ألم أجعلك رئيسا مطاعا وقال القاضي عندي أن معناه تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب من قولهم أربع على نفسك أي أرفق بها وفي رواية ترتع بتاءين ومعناه تنعم وقيل تأكل وقيل تلهو وقيل تعيش في سعة

( فيقول ههنا إذا) معناه قف ههنا حتى تشهد عليك جوارحك

( فيقال لأركانه انطقي) أي فيقال لجوارحه انطقي

( فعنكن كنت أناضل) أي أدافع وأجادل

( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) وفي الرواية الثامنة عشرة اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا وفي ملحقها كفافا قيل المعنى اجعل رزقهم كفاية من غير إسراف وقيل قوتا أي كفافا أي سد الرمق

( ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض) في الرواية العشرين ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى لسبيله وفي الرواية الواحدة والعشرين ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض وفي الرواية الثالثة والعشرين من خبز البر ثلاثا وفي الرابعة والعشرين يومين من خبز بر إلا وأحدهما تمر وفي الرواية الثامنة والعشرين ما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين وعند ابن سعد كانت تأتي عليه أربعة أشهر ما يشبع من خبز البر وفي رواية خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير في اليوم الواحد غداء وعشاء وعند ابن سعد ما شبع من غداء أو عشاء حتى لقى الله

( إن كنا آل محمد صلى الله عليه وسلم لنمكث شهرا ما نستوقد بنار إن هو إلا التمر والماء) وفي ملحق الرواية إن كنا لنمكث وإن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الحال والشأن محذوف والجملة بعدها خبرها والتقدير إنه كنا... وزاد في هذا الملحق إلا أن يأتينا اللحيم وفي الرواية السابعة والعشرين إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار قال لها عروة ابن أختها يا خالة ما كان يعيشكم قالت الأسودان التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه ما كان يعيشكم بضم الياء وفتح العين وكسر الياء المشددة قال النووي وفي بعض النسخ المعتمدة فما كان يقيتكم وفي الرواية الثالثة والثلاثين لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدقل بفتح الدال والقاف هو تمر ردئ ما يملأ به بطنه زاد في ملحق الرواية وما ترضون دون ألوان التمر والزبد وفي الرواية الرابعة والثلاثين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلا يملأ به بطنه

( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في رفي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففنى) الرف بفتح الراء تجويف في حائط أو خشبة توضع على جانبي حائط ليوضع عليها الشيء والشطر هنا معناه شيء من شعير وقيل معناه نصف وسق وذو كبد يشمل جميع الحيوان وفكلته بكسر الكاف

فقه الحديث

يؤخذ من الأحاديث

1- من الرواية الأولى مواساة أهل البلاء بأن الدنيا سجن المؤمن

2- ومن الرواية الثانية أدب التابعين مع المتبوع والإحاطة به من جانبيه

3- هوان الدنيا على الله وتحقير شأنها بالنسبة للآخرة ونعيمها

4- وجواز تمثيلها بالشيء الحقير والميت النتن

5- ومن الرواية الثالثة الحث على التصدق بالمال ومحاولة استخدامه للآخرة

6- ومن الرواية الخامسة أنه لا ينفع الميت إلا عمله

7- ومن الرواية السادسة خشيته صلى الله عليه وسلم على أمته من فتنة المال

8- وهو علم من أعلام النبوة وقد وقع

9- وفيها إشارة إلى أن مضرة الفقر دون مضرة الغنى لأن مضرة الفقر دنيوية ومضرة الغنى دينية غالبا

10- وقد يستدل به على أن الفقر أفضل من الغنى

11- وفيها الاعتبار والتبصير بالأمم السابقة

12- ومن الرواية الثامنة والتاسعة فضيلة النظر إلى من هو فوقه في الدين والنظر إلى من هو دونه في الدنيا

13- والحث على شكر نعمة الله وعدم ازدرائها

14- ومن الرواية العاشرة من قول الملك رجل مسكين استخدام المعاريض وضرب الأمثال ليتيقظ المخاطب

15- وفيها جواز ذكر ما وقع لمن مضى ليتعظ به من سمعه ولا يكون ذلك غيبة فيهم

16- والتحذير من كفران النعم

17- والترغيب في شكرها والاعتراف بها وحمد الله عليها

18- وفيها فضل الصدقة

19- والحث على الرفق بالضعفاء وإكرامهم وتبليغهم مآربهم

20- والزجر عن البخل لأنه حمل صاحبه على الكذب وعلى جحد نعمة الله تعالى

21- وفي الرواية الحادية عشرة منقبة لسعد بن أبي وقاص

22- والزهد في الإمارة والمناصب

23- وفضيلة الخامل المنقطع للعبادة المشتغل بأمور نفسه

24- قال النووي وفيها حجة لمن يقول الاعتزال أفضل من الاختلاط وفي المسألة خلاف

25- وفيها جواز مدح الإنسان نفسه عند الحاجة إذا أمن العجب

قال ابن الجوزي فإن قيل كيف ساغ لسعد أن يمدح نفسه ومن شأن المؤمن ترك ذلك لثبوت النهي عنه فالجواب أن ذلك ساغ له لما عيره الجهال بأنه لا يحسن الصلاة فاضطر إلى ذكر فضله

26- وفيها بيان ما كانوا عليه من الزهد في الدنيا والتقلل منها والزهد والصبر في طاعة الله على المشاق الشديدة

27- ومن الرواية الثالثة عشرة ما كانت عليه حالتهم في أول الأمر من شدة الحال وخشونة العيش والجهد ثم إنهم اتسعت عليهم الدنيا بالفتوحات وولوا الولايات

28- ومن الرواية التاسعة عشرة وما بعدها ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهد في الدنيا قال الطبري استشكل بعض الناس كون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يطوون الأيام جوعا مع ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع لأهله قوت سنة وأنه قسم بين أربعة أنفس ألف بعير مما أفاء الله عليه وأنه ساق في عمرته مائة بدنة فنحرها وأطعمها المساكين وأنه أمر لأعرابي بقطيع غنم وغير ذلك مع من كان معه من أصحاب الأموال كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة وغيرهم قال والجواب أن ذلك كان منهم في حالة دون حالة لا لعوز وضيق بل تارة للإيثار وتارة لكراهة الشبع ثم قال وما نفاه مطلقا فيه نظر لما تقدم من الأحاديث اهـ

قال الحافظ ابن حجر والحق أن الكثير منهم كانوا في حال ضيق قبل الهجرة حيث كانوا بمكة ثم لما هاجروا إلى المدينة كان أكثرهم كذلك فواساهم الأنصار بالمنازل والمنائح فلما فتحت لهم النضير وما بعدها ردوا عليهم منائحهم نعم كان النبي صلى الله عليه وسلم يختار ذلك مع إمكان التوسع والتبسط في الدنيا له كما أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة عرض على ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب ولكن أشبع يوما وأجوع يوما فإذا جعت تضرعت إليك وإذا شبعت شكرتك

29- ومن الرواية السادسة والعشرين قال ابن بطال فيه أن الطعام المكيل يكون فناؤه معلوما للعلم بكيله وأن الطعام غير المكيل فيه البركة لأنه غير معلوم مقداره قال الحافظ ابن حجر في تعميمه كل الطعام بذلك نظر والذي يظهر أنه كان من الخصوصية لعائشة ببركة النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه ما وقع في عكة المرأة قال القرطبي سبب رفع النماء عند الكيل الالتفات بعين الحرص مع معاينة إدرار نعم الله ومواهب كراماته وكثرة بركاته والغفلة عن الشكر عليها والثقة بالذي وهبها والميل إلى الأسباب المعتادة عند مشاهدة خرق العادة

30- ويستفاد منها أن من رزق شيئا أو أكرم بكرامة أو لطف به في أمر ما فالمتعين عليه موالاة الشكر وإضافة المنة لله تعالى

والله أعلم.