فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم

رقم الحديث 210 [210] .

     قَوْلُهُ  ( عَنِ الْحُكَيْمِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مُصَغَّرًا ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ) بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ الْمُطَّلِبِيِّ نَزِيلِ مِصْرَ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ ( عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وغيره قال بن سَعْدٍ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ 401 أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ ( عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) اسْمُهُ مَالِكٌ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ وَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ وَآخِرُهُمْ مَوْتًا وَأَوَّلُ مَنْ رَمَى فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفَارِسُ الْإِسْلَامِ وَأَحَدُ سِتَّةِ الشُّورَى وَمُقَدَّمُ جُيُوشِ الْإِسْلَامِ فِي فَتْحِ الْعِرَاقِ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَاتَ بِالْعَقِيقِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ .

     قَوْلُهُ  ( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ) أَيْ أَذَانَهُ أَوْ صَوْتَهُ أَوْ قَوْلَهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ به حين يسمع الْأَوَّلَ أَوِ الْأَخِيرَ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  آخِرَ الْأَذَانِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهُوَ أَنْسَبُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى يَسْمَعُ يُجِيبُ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي الْمَقْصُودِ وَأَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْإِجَابَةِ بِكَمَالِهَا مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ رُبَّمَا يَفُوتُهُ الْإِجَابَةُ فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ الْآتِيَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ ( وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وَفِي رواية لمسلم أن أشهد بغير لفظ أن وَبِغَيْرِ الْوَاوِ ( رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا) أَيْ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَبِجَمِيعِ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَإِنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ وَقِيلَ حَالٌ أَيْ مُرَبِّيًا وَمَالِكًا وَسَيِّدًا وَمُصْلِحًا ( وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا) أَيْ بِجَمِيعِ مَا أُرْسِلَ بِهِ وَبَلَّغَهُ إِلَيْنَا مِنَ الْأُمُورِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وغيرها ( وبالإسلام) أي بجميع أحكام من الإسلام الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي ( دِينًا) أَيِ اعْتِقَادًا أَوِ انْقِيَادًا قاله القارىء ( غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ) أَيْ مِنَ الصَّغَائِرِ جَزَاءً لِقَوْلِهِ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ مَيْرُكُ وَالْعَجَبُ مِنَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ تَقْرِيرُ الذَّهَبِيِّ لَهُ فِي اسْتِدْرَاكِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي صحيح مسلم بلفظه انتهى ذكره القارىء فِي الْمِرْقَاةِ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّ إِخْرَاجَ الْحَاكِمِ لَهُ بِغَيْرِ السَّنَدِ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ فَلْيُنْظَرْ فِيهِ لِيُعْلَمَ مَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى 4 - باب منه أيضا

رقم الحديث 211 [211] .

     قَوْلُهُ  ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ الْبَغْدَادِيُّ) التَّمِيمِيُّ مَوْلَاهُمِ الْبُخَارِيُّ الْحَافِظُ الْجَوَّالُ وَثَّقَهُ النسائي وبن عَدِيٍّ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ ( وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ) الْحَافِظُ الْجُوزَجَانِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ الْأُولَى مُصَنِّفُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ نَزِيلُ دِمَشْقَ رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ وَكَانَ أَحْمَدُ يُكَاتِبُهُ إِلَى دِمَشْقَ وَيُكْرِمُهُ إِكْرَامًا شَدِيدًا.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيُّ كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُصَنِّفِينَ وَقَدْ رُمِيَ بِالنَّصْبِ تُوُفِّيَ سَنَةَ 952 تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ حَافِظٌ .

     قَوْلُهُ  ( عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ) بِالْيَاءِ الْأَخِيرَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْحِمْصِيُّ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَلْقَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ غَيْرُهُ ( حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ) أَيِ الْأَذَانَ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَوِ الْمُرَادُ مِنَ النِّدَاءِ تَمَامُهُ أَيْ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ بِتَمَامِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ قُولُوا مثل ما يقول ثم صلوا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَفِي هَذَا أَنَّ ذَلِكَ يُقَالُ عِنْدَ فَرَاغِ الْأَذَانِ ( اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ وَالْمِيمُ عِوَضٌ عَنْ يَا فَلِذَلِكَ لَا يَجْتَمِعَانِ ( رَبَّ) مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ ( هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْمُرَادُ بِالدَّعْوَةِ ها هنا أَلْفَاظُ الْأَذَانِ الَّتِي يُدْعَى بِهَا الشَّخْصُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِهَا دَعْوَةُ التَّوْحِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَهُ دعوة الحق وَقِيلَ لِدَعْوَةِ التَّوْحِيدِ تَامَّةٌ لِأَنَّ الشِّرْكَ نَقْصٌ أَوِ التَّامَّةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا تَغْيِيرٌ وَلَا تَبْدِيلٌ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌإِلَى يَوْمِ النُّشُورِ أَوْ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَسْتَحِقُّ صِفَةَ التَّمَامِ وَمَا سِوَاهَا فَمُعَرَّضٌ لِلْفَسَادِ ( وَالصَّلَاةِ) الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةُ الْمَدْعُوُّ إِلَيْهَا حِينَئِذٍ ( الْقَائِمَةِ) أَيِ الدَّائِمَةِ الَّتِي لَا تُغَيِّرُهَا مِلَّةٌ وَلَا تَنْسَخُهَا شَرِيعَةٌ وَأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ( آتِ) أَمْرٌ مِنَ الْإِيتَاءِ أَيْ أَعْطِ ( الْوَسِيلَةَ) قَدْ فَسَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ ( وَالْفَضِيلَةَ) الْمَرْتَبَةَ الزَّائِدَةَ عَلَى سَائِرِ الْخَلَائِقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَنْزِلَةً أُخْرَى أَوْ تَفْسِيرًا لِلْوَسِيلَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ ( مَقَامًا مَحْمُودًا) أَيْ يُحْمَدُ الْقَائِمُ فِيهِ وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي كُلِّ مَا يَجْلِبُ الْحَمْدَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ وَنُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيِ ابْعَثْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَقِمْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا أَوْ ضَمَّنَ ابْعَثْهُ مَعْنَى أَقِمْهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ وَمَعْنَى ابْعَثْهُ أَعْطِهِ ( الَّذِي وَعَدْتَهُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ إِنَّكَ لَا تخلف الميعاد وقال الطيبي المراد .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْوَعْدُ لِأَنَّ عَسَى مِنَ الله واقع كما صح عن بن عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِ وَالْمَوْصُولُ إِمَّا بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَلَيْسَ صِفَةً للنكرة ووقع في رواية النسائي وبن خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِمَا الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَصِحُّ وصفة بالموصول قال بن الْجَوْزِيِّ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الشَّفَاعَةُ وَقِيلَ إِجْلَاسُهُ عَلَى الْعَرْشِ وَقِيلَ عَلَى الْكُرْسِيِّ وَحَكَى كُلًّا مِنَ الْقَوْلَيْنِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ لَا يُنَافِي الْأَوَّلَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْإِجْلَاسُ عَلَامَةَ الْإِذْنِ فِي الشَّفَاعَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الشَّفَاعَةَ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَنْ يَكُونَ الْإِجْلَاسُ هِيَ الْمَنْزِلَةَ الْمُعَبَّرَ عَنْهَا بِالْوَسِيلَةِ أَوِ الْفَضِيلَةِ وَوَقَعَ في صحيح بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا يَبْعَثُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّةً خَضْرَاءَ فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ هُوَ الثَّنَاءُ الَّذِي يُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَيِ الشَّفَاعَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ مَجْمُوعُ مَا يَحْصُلُ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَيُشْعِرُ .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِ الْحَدِيثِ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي بِأَنَّ الْأَمْرَ الْمَطْلُوبَ لَهُ الشَّفَاعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ ( إِلَّا حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) أَيِ اسْتُحِقَّتْ وَوَجَبَتْ أَوْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ يُقَالُ حَلَّ يَحُلُّ بِالضَّمِّ إِذَا نَزَلَ وَاللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ حَلَّتْ عَلَيْهِ وَوَقَعَ فِي الطحاوي من حديث بن مَسْعُودٍ وَجَبَتْ لَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَلَّتْ مِنَ الْحِلِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحَرَّمَةً كَذَا فِي الْفَتْحِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي بِدُونِ إِلَّا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَأَمَّا مَعَ إِلَّا فَيُجْعَلُ مَنْ فِي مَنْ قَالَ اسْتِفْهَامِيَّةً لِلْإِنْكَارِ قَالَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةِ النَّسَائِيِّ مَا لَفْظُهُ وَقَولُهُ هُنَا وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ إِلَّا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى مَعْنَى لَا يَقُولُ ذَلِكَ أَحَدٌ إِلَّا حَلَّتْ انتهىفَائِدَةٌ قَدِ اشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ زِيَادَتَانِ الْأُولَى إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فِي آخِرِهِ وَالثَّانِيَةُ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْفَضِيلَةَ أَمَّا الْأُولَى فَقَدْ وَقَعَتْ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ كَمَا عَرَفْتَ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ أَجِدْهَا في رواية قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَمَّا زِيَادَةُ الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الْمَشْهُورَةُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) بَلْ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فَهُوَ غَرِيبٌ مَعَ صحته وقد توبع بن الْمُنْكَدِرِ عَلَيْهِ عَنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي 5 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ) وا قامة

رقم الحديث 212 [212] .

     قَوْلُهُ  ( وَأَبُو أَحْمَدَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُبَيْرٍ الزُّبَيْرِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إلا أنه قد يخطىء فِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ ( وَأَبُو نُعَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ الْمَلَائِيُّ قَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ يَقْظَانُ عَارِفٌ بِالْحَدِيثِ.

     وَقَالَ  الْفَسَوِيُّ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ كَانَ غَايَةً فِي الْإِتْقَانِ ( قَالُوا نَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ ( عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَشِدَّةِ الْمِيمِ قَالَ فِي الْمُغْنِي إِنَّمَا سُمِّيَ زَيْدٌ بِالْعَمِّيِّ لِأَنَّهُ كُلَّمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ يَقُولُ حَتَّى أَسْأَلَ عمي وزيد العمي هذا هو بن الْحَوَارِيِّ الْبَصْرِيُّ قَاضِي هَرَاةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ.

     وَقَالَ  الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ ضَعَّفَهُ أبو حاتم والنسائي وبن عَدِيٍّ قَالَ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ صَالِحٌ انْتَهَى ( عَنْ أَبِي إِيَاسٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ كَكِتَابٍ ( مُعَاوِيَةَ بْنِ قرة) بضم القاف وشدة الْمُزَنِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ عَالِمٌ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ الستة.

     قَوْلُهُ  ( الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) بَلْ يُقْبَلُ وَيُسْتَجَابُ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ أَنَسٍ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ مُسْتَجَابٌ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَفْظُ الدُّعَاءُ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لكل وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى مِنْ أَنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ دُعَاءً بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ قَالَ الْمُنَاوِيُّ تَحْتَ قَوْلِهِ مُسْتَجَابٌ أَيْ بَعْدَ جَمْعِ شُرُوطِ الدُّعَاءِ وَأَرْكَانِهِ وَآدَابِهِ فَإِنْ تَخَلَّفَ شَيْءٌ مِنْهَا فَلَا يَلُومُ إِلَّا نَفْسَهُ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى والنيل وقال في بلوغ المرام وصححه بن خُزَيْمَةَ ( وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ) بِسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ السَّبِيعِيُّ قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ ( عَنْ بُرَيْدِ) بِالْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا ( بْنِ أَبِي مَرْيَمَ) الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ ( عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ هَذَا) أَيْ مِثْلَ حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ رَوَاهُ النسائي وبن خزيمة وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَنَسٍ وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسٍ قال وروى أبو داود وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ مَا تُرَدُّ عَلَى دَاعٍ دَعْوَتُهُ عِنْدَ حضور النداء الحديث انتهى 6 - ( باب ما جاءكم فَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ)

رقم الحديث 213 [213] .

     قَوْلُهُ  ( فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ) وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً قَالَ الْحَافِظُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فِي كُلٍّ مِنْ رِوَايَةِ الْبَابِ اخْتِصَارٌ أَوْ يُقَالَ ذِكْرُ الْفَرْضِ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ الْفَرْضَ عَلَى الْأُمَّةِ وَبِالْعَكْسِ إِلَّا مَا يُسْتَثْنَى مِنْ خَصَائِصِهِ ( ثُمَّ نقصت حتى جعلت خمسا) قالالْحَافِظُ قَدْ حَقَّقَتْ رِوَايَةُ ثَابِتٍ أَنَّ التَّخْفِيفَ كَانَ خَمْسًا خَمْسًا وَهِيَ زِيَادَةٌ مُعْتَمَدَةٌ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ بَاقِي الرِّوَايَاتِ عَلَيْهَا ( ثُمَّ نُودِيَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ ( لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ) أي لَا يُغَيَّرُ ( وَإِنَّ لَكَ بِهَذَا الْخَمْسِ خَمْسِينَ) أَيْ ثَوَابَ خَمْسِينَ صَلَاةً وَالْحَدِيثُ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَعَدَمِ فَرْضِيَّةِ مَا زَادَ عَلَيْهَا كَالْوِتْرِ وَعَلَى جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ الْفِعْلِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَسَخَ الْخَمْسِينَ بِالْخَمْسِ قَبْلَ أَنْ تُصَلَّى ثُمَّ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِأَنْ أَكْمَلَ لَهُمُ الثَّوَابَ.
وَتَعَقَّبَهُ بن الْمُنِيرِ فَقَالَ هَذَا ذَكَرَهُ طَوَائِفُ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالشُّرَّاحِ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ النَّسْخَ قيل الْفِعْلِ كَالْأَشَاعِرَةِ أَوْ مَنَعَهُ كَالْمُعْتَزِلَةِ لِكَوْنِهِمُ اتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَى أَنْ لَا يُتَصَوَّرَ قَبْلَ الْبَلَاغِ وَحَدِيثُ الْإِسْرَاءِ وَقَعَ فِيهِ النَّسْخُ قَبْلَ الْبَلَاغِ فَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَقَالَ وَهَذِهِ نُكْتَةٌ مُبْتَكَرَةٌ قَالَ الْحَافِظُ إِنْ أَرَادَ الْبَلَاغَ لِكُلِّ أحد فممنوع وإن أراد قيل الْبَلَاغِ إِلَى أُمَّتِهِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ ليس هو بالنسبة إليهم نسخا لكن هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نسخ لِأَنَّهُ كُلِّفَ بِذَلِكَ قَطْعًا ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ أَنْ بُلِّغَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فَالْمَسْأَلَةُ صَحِيحَةُ التَّصْوِيرِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي ذَرٍّ وَمَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عهدا أَنْ يَغْفِرَ لَهُ الْحَدِيثَ وَرَوَى مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ نَحْوَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ .

     قَوْلُهُ  ( حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَدِيثُ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ الطويل وأخرجه الشيخان مطولا47 - ( باب فِي فَضْلِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ)

رقم الحديث 214 [214] .

     قَوْلُهُ  (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ ورمضان إلى رَمَضَانَ (كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ) أَيْ مِنَ الذُّنُوبِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ (مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتَ كَبِيرَةٌ مَعْنَاهُ أَنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا تُغْفَرُ إِلَّا الْكَبَائِرَ فَإِنَّهَا لَا تُغْفَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الذُّنُوبَ تُغْفَرُ مَا لَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً فَإِنْ كَانَتْ لَا يُغْفَرُ شَيْءٌ مِنَ الصَّغَائِرِ فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا فَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَأْبَاهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ غَفْرِ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتَ كَبِيرَةٌ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ الْكَبَائِرَ إِنَّمَا يُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ الله تعالى وفضله وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ إِنَّ الْكَبِيرَةَ لَا يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَكَذَا الْحَجُّ وَإِنَّمَا يُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ الصَّحِيحَةُ لا غيرها نقل بن عبد البر الإجماع عليه بعد ما حَكَى فِي تَمْهِيدِهِ عَنْ بَعْضِ مُعَاصِرِيهِ أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا غَيْرُ التَّوْبَةِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا جَهْلٌ وَمُوَافَقَةٌ لِلْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ انْتَهَى قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ طَاهِرٍ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ ص 122 ج 2 مَا لَفْظُهُ فِي تَعْلِيقِي لِلتِّرْمِذِيِّ لَا بُدَّ فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنَ الْقِصَاصِ وَلَوْ صَغِيرَةً وَفِي الْكَبَائِرِ مِنَ التَّوْبَةِ ثُمَّ وَرَدَ وَعْدُ الْمَغْفِرَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَرَمَضَانَ فَإِذَا تَكَرَّرَ يُغْفَرُ بِأَوَّلِهَا الصَّغَائِرُ وَبِالْبَوَاقِي يُخَفَّفُ عَنِ الْكَبَائِرِ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً يُرْفَعُ بِهَا الدَّرَجَاتُ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسٍ وَحَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ جابر فأخرجهمُسْلِمٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ وَيُقَالُ لَهُ حَنْظَلَةُ الْكَاتِبُ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ رُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ وَعَلِمَ أَنَّهُنَّ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ الْحَدِيثَ وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ .

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ)

رقم الحديث 215 [215] .

     قَوْلُهُ  ( صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ) أَيْ تَزِيدُ فِي الثَّوَابِ ( عَلَى صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ) أَيْ مُنْفَرِدًا ( بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) الْمُرَادُ بِالدَّرَجَةِ الصَّلَاةُ فَتَكُونُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ بِمَثَابَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً كَذَا دَلَّ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ الْأَحَادِيثِ ورجحه بن سَيِّدِ النَّاسِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي وبن ماجه وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وبن خزيمة وبن حبان في صحيحيهما قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ جَزَمَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالذُّهْلِيُّ بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ تَفْضُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَفِيهِ عَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ مَنْصُورٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُأنس فأخرجه الدارقطني قوله ( حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ( وَعَامَّةُ مَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالُوا خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَّا بن عُمَرَ فَإِنَّهُ قَالَ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ فَقَالَ فِيهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ لَكِنَّ الْعُمَرِيَّ ضَعِيفٌ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَهِيَ شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ الْحُفَّاظِ مِنْ أَصْحَابِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَصْحَابِ نَافِعٍ وَإِنْ كَانَ رَاوِيهَا ثِقَةً.
وَأَمَّا غَيْرُ بن عُمَرَ فَصَحَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ كما في هذا الباب وعن بن مسعود عند أحمد وبن خزيمة وعن أبي بن كعب عند بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ وَعَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ عِنْدَ السِّرَاجِ وَوَرَدَ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ مُعَاذٍ وَصُهَيْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَكُلُّهَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سِوَى رِوَايَةٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ فِيهَا سَبْعٌ وَعِشْرُونَ وَفِي إِسْنَادِهَا شَرِيكٌ الْقَاضِي وَفِي حِفْظِهِ ضَعْفٌ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ أَيَّهُمَا أَرْجَحُ فَقِيلَ رِوَايَةُ الْخَمْسِ لِكَثْرَةِ رُوَاتِهَا وَقِيلَ رِوَايَةُ السَّبْعِ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةً مِنْ عَدْلٍ حَافِظٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يَعْنِي بَيْنَ رِوَايَتَيِ الْخَمْسِ وَالسَّبْعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَذِكْرُ الْقَلِيلِ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ بَاطِلٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَ بِهَا وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ وَالصَّلَاةِ فَيَكُونُ لِبَعْضِهِمْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَلِبَعْضِهِمْ سَبْعٌ وعشرون بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيأتها وَخُشُوعِهَا وَكَثْرَةِ جَمَاعَتِهَا وَفَضْلِهِمْ وَشَرَفِ الْبُقْعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ فَهَذِهِ هِيَ الْأَجْوِبَةُ الْمُعْتَمَدَةُ انْتَهَى وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وُجُوهًا أُخَرَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا فليرجع إليه

رقم الحديث 216 [216] .

     قَوْلُهُ  ( بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي مُمَيِّزِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فَفِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا التَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ دَرَجَةً أَوْ حُذِفَ الْمُمَيِّزُ إِلَّا طُرُقَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَفِي بَعْضِهَا ضِعْفًا وَفِي بَعْضِهَا جُزْءًا وَفِي بَعْضِهَا دَرَجَةً وَفِي بَعْضِهَا صَلَاةً وَوَقَعَ هَذَا الْأَخِيرُ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ آنِفًا 9 - ( باب ما جاء فيمن سمع النِّدَاءَ فَلَا يُجِيبُ)

رقم الحديث 217 [217] .

     قَوْلُهُ  ( عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ ( لَقَدْ هَمَمْتُ) اللَّامُ جَوَابُ الْقَسَمِ وَالْهَمُّ الْعَزْمُ وَقِيلَ دُونَهُ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ فَأَفَادَ ذِكْرُ سَبَبِ الْحَدِيثِ ( فِتْيَتِي) الْفِتْيَةُ جَمْعُ فَتًى أَي جَمَاعَةٌ مِنْ شُبَّانِ أَصْحَابِي أَوْ خَدَمِي وَغِلْمَانِي ( أَنْ يَجْمَعُوا حُزَمَ الْحَطَبِ) جَمْعُ حُزْمَةٍ بِضَمِّ الْحَاءِ مَا حُزِمَ كَذَا فِي الْقَامُوسِ.

     وَقَالَ  فِي الصُّرَاحِ حُزْمَةٌ بِالضَّمِّ بند هيزم وكاغذ وعلف وجزآن ( ثم أحرق) بالتشديد والمراد به التكثير يقال حرقه إذا بالغ في التحريق ( عَلَى أَقْوَامٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقَهَا عَلَيْهِمْقوله ( وفي الباب عن أبي مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ الْحَدِيثَ ( وَأَبِي الدَّرْدَاءِ) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما من ثلاثة في قرية ولا بد ولا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا وَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وصححه وقال النووي إسناده صحيح ( وبن عَبَّاسٍ) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ قَالُوا وَمَا الْعُذْرُ قَالَ خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وفي إسناده أبو خياب يَحْيَى بْنُ أَبِي حَيَّةَ الْكَلْبِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ والحديث أخرجه بن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ وَإِسْنَادُهُ أَمْثَلُ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى ( وَمُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ كَمَا يَأْتِي عَنْ قَرِيبٍ .

     قَوْلُهُ  ( وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَالُوا إِلَخْ) أخرج بن ماجه وبقي بن مخلد وبن حبان وغيرهم عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ لَكِنْ قَالَ الْحَاكِمُ وَقَفَهُ غُنْدَرٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ ثُمَّ أَخْرَجَ لَهُ شَوَاهِدَ مِنْهَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ بِلَفْظِ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَارِغًا صَحِيحًا فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَضَعَّفَهُ وَرَوَاهُ بن عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَضَعَّفَهُ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابَةِ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التغليظ والتشديدقوله ( وفي الباب عن أبي مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ الْحَدِيثَ ( وَأَبِي الدَّرْدَاءِ) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما من ثلاثة في قرية ولا بد ولا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا وَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وصححه وقال النووي إسناده صحيح ( وبن عَبَّاسٍ) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ قَالُوا وَمَا الْعُذْرُ قَالَ خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وفي إسناده أبو خياب يَحْيَى بْنُ أَبِي حَيَّةَ الْكَلْبِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ والحديث أخرجه بن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ وَإِسْنَادُهُ أَمْثَلُ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى ( وَمُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ كَمَا يَأْتِي عَنْ قَرِيبٍ .

     قَوْلُهُ  ( وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَالُوا إِلَخْ) أخرج بن ماجه وبقي بن مخلد وبن حبان وغيرهم عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ لَكِنْ قَالَ الْحَاكِمُ وَقَفَهُ غُنْدَرٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ ثُمَّ أَخْرَجَ لَهُ شَوَاهِدَ مِنْهَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ بِلَفْظِ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَارِغًا صَحِيحًا فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَضَعَّفَهُ وَرَوَاهُ بن عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَضَعَّفَهُ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابَةِ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التغليظ والتشديد

رقم الحديث 218 [218] (وَمَعْنَى الْحَدِيثِ) أَيْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ (أَنْ لَا يَشْهَدَ جَمَاعَةً وَلَا جُمُعَةً رَغْبَةً عَنْهَا) أَيْ إِعْرَاضًا عَنْهَا قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِ الْجَمَاعَةِ فَرْضَ عَيْنٍ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَمْ يُهَدِّدْ تَارِكَهَا بِالتَّحْرِيقِ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَكَانَتْ قَائِمَةً بِالرَّسُولِ وَمَنْ مَعَهُ وَإِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ كَأَبِي ثور وبن خزيمة وبن المنذر وبن حِبَّانَ وَبَالَغَ دَاوُدُ وَمَنْ تَبِعَهُ فَجَعَلَهَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ.

     وَقَالَ  بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْبَاقِينَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَدْ أَجَابُوا عَنْ ظَاهِرِ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ عَشَرَةَ أَجْوِبَةٍ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَاجْتَمَعَ مِنَ الْأَجْوِبَةِ لِمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْوُجُوبِ عَشَرَةُ أَجْوِبَةٍ لَا تُوجَدُ مَجْمُوعَةً فِي غَيْرِ هَذَا الشَّرْحِ انْتَهَى وَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضًا مِنْهَا فَمِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَنْبَطُ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْمُتَخَلِّفِينَ فَلَوْ كَانَتِ الْجَمَاعَةُ فَرْضَ عَيْنٍ مَا هَمَّ بِتَرْكِهَا إِذَا تَوَجَّهَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِمَا هُوَ أَوْجَبُ مِنْهُ وَمِنْهَا أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ مَوْرِدَ الزَّجْرِ وَحَقِيقَتُهُ غَيْرُ مُرَادَةٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ وَيُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ وَعِيدُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ الَّتِي يُعَاقَبُ بِهَا الْكُفَّارُ وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ عُقُوبَةِ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنْعَ وَقَعَ بَعْدَ نَسْخِ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ جَائِزًا بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ الدَّالِّ عَلَى جَوَازِ التَّحْرِيقِ بِالنَّارِ ثُمَّ نَسْخِهِ فَحَمْلُ التَّهْدِيدِ عَلَى حَقِيقَتِهِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَمِنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ تَحْرِيقَهُمْ بَعْدَ التَّهْدِيدِ فَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ لَمَا تَرَكَهُمْ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَهُمُّ إِلَّا بِمَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ لَوْ فَعَلَهُ.
وَأَمَّا التَّرْكُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا انْزَجَرُوا بِذَلِكَ وَتَرَكُوا التَّخَلُّفَ الَّذِي ذَمَّهُمْ بِسَبَبِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ بَيَانُ سَبَبِ التَّرْكِ وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ لَأَقَمْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَأَمَرْتُ فِتْيَانِي يُحَرِّقُونَ الحديث - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي وَحْدَهُ ثُمَّ يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ) .

     قَوْلُهُ  (نَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ) الْعَامِرِيُّ وَيُقَالُ اللَّيْثِيُّ الطَّائِفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (نَا جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ) السُّوَائِيُّ وَيُقَالُ الْخُزَاعِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ .

     قَوْلُهُ  (شَهِدْتُ) أَيْ حَضَرْتُ (حَجَّتَهُ) أَيْ حَجَّةَ الْوَدَاعِ (فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ) هُوَ مَسْجِدٌ مَشْهُورٌ بِمِنًى قَالَ الطِّيبِيُّ الْخَيْفُ مَا انْهَدَرَ مِنْ غَلِيظِ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنِ الْمَسِيلِ يَعْنِي هَذَا وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِهِ (فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ) أَيْ أَدَّاهَا وَسَلَّمَ مِنْهَا (انحرف) قال القارىء أَيِ انْصَرَفَ عَنْهَا قُلْتُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى انحرف عن القبلة وقال بن حَجَرٍ أَيْ جَعَلَ يَمِينَهُ لِلْمَأْمُومِينِ وَيَسَارَهُ لِلْقِبْلَةِ ما هُوَ السُّنَّةُ (فَإِذَا هُوَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَيَّ) اسْمُ فِعْلٍ (بِهِمَا) أَيِ ائْتُونِي بِهِمَا وَأَحْضِرُوهُمَا عِنْدِي (تُرْعَدُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ تُحَرَّكُ مِنْ أَرْعَدَ الرَّجُلُ إِذَا أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ وَهِيَ الْفَزَعُ وَالِاضْطِرَابُ (فَرَائِصُهُمَا) جَمْعُ الْفَرِيصَةِ وَهِيَ اللَّحْمَةُ الَّتِي بَيْنَ جَنْبِ الدَّابَّةِ وَكَتِفِهَا وَهِيَ تَرْجُفُ عِنْدَ الْخَوْفِ أَيْ تَتَحَرَّكُ وَتَضْطَرِبُ وَالْمَعْنَى يَخَافَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي رِحَالِنَا) أَيْ فِي مَنَازِلِنَا فَلَا تَفْعَلَا أَيْ كَذَلِكَ ثَانِيًا فَصَلِّيَا مَعَهُمْ أَيْ مَعَ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ فِي الصَّلَاةِ المعادةنَافِلَةٌ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الأولى جماعة أو فرادى لأن في ترك الاستفصال مَقَامِ الِاحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ قال بن عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِنَّمَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي جَمَاعَةٍ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ.
وَأَمَّا مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ فَلَا يُعِيدُ فِي أُخْرَى قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ وَلَوْ أَعَادَ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى لَأَعَادَ فِي ثَالِثَةٍ وَرَابِعَةٍ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَهَذَا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ قَالَ وَمَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَلَّى صَلَاةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ انْتَهَى وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الشافعي الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّ الْفَرِيضَةَ هِيَ الثَّانِيَةُ إِذَا كَانَتِ الْأُولَى فُرَادَى وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ جِئْتُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ فَجَلَسْتُ وَلَمْ أَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَانْصَرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ جَالِسًا فَقَالَ أَلَمْ تُسَلِّمْ يَا يَزِيدُ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ سَلَّمْتُ قَالَ فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَعَ النَّاسِ فِي صَلَاتِهِمْ قَالَ إِنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي وَأَنَا أَحْسَبُ أَنْ قَدْ صَلَّيْتُمْ فَقَالَ إِذَا جِئْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَوَجَدْتَ النَّاسَ فَصَلِّ مَعَهُمْ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ تَكُنْ لَكَ نَافِلَةً وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ وَلَكِنَّهُ قَدْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ إِنَّ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ أَثْبَتُ مِنْهُ وَأَوْلَى وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ وَيَجْعَلُ الَّتِي صَلَّى فِي بَيْتِهِ نَافِلَةً.

     وَقَالَ  هِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ شَاذَّةٌ انْتَهَى وَعَلَى فَرْضِ صَلَاحِيَةِ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ مُمْكِنٌ بِحَمْلِ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ الْأُولَى فِي جَمَاعَةٍ وَحَمْلِ هَذَا عَلَى مَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ من سياق الحديثين ويكونان مخصصين لحديث بن عمر عند أبي داود والنسائي وبن خزيمة وبن حِبَّانَ بِلَفْظِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ عَلَى فَرْضِ شُمُولِهِ لِإِعَادَةِ الْفَرِيضَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْإِعَادَةُ بِنِيَّةِ الِافْتِرَاضِ أَوِ التَّطَوُّعِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ النَّهْيُ مُخْتَصًّا بِإِعَادَةِ الْفَرِيضَةِ بِنِيَّةِ الِافْتِرَاضِ فَقَطْ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ كَذَا فِي النَّيْلِ .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الْبَابِ عَنْ مِحْجَنٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ صَحَابِيٌّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِلَفْظِ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأذن بالصلاةفَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى وَرَجَعَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مسلم فقال بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جِئْتَ الْمَسْجِدَ وَكُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ وَرَوَاهُ أَيْضًا النسائي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (وَيَزِيدُ بْنُ عَامِرٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ .

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إلا بن ماجه وأخرجه أيضا الدارقطني وبن حبان والحاكم وصححه بن السَّكَنِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لِأَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْأَسْوَدِ لَيْسَ لَهُ رَاوٍ غَيْرُ ابْنِهِ وَلَا لِابْنِهِ جَابِرٍ رَاوٍ غَيْرُ يَعْلَى قَالَ الْحَافِظُ يَعْلَى مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ وَجَابِرٌ ثِقَةٌ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ وَجَدْنَا لِجَابِرِ بن يزيد راويا غير يعلى أخرجه بن مَنْدَهْ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ ذِي حِمَايَةٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرٍ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  (فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا فِي الْجَمَاعَةِ) أَيِ الصَّلَوَاتِ الخمس كلها في الجماعة بعموم أَحَادِيثِ الْبَابِ وَلِلتَّصْرِيحِ فِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ بِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا إِلَخْ كَانَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُعِيدُ الصُّبْحَ وَلَا الْعَصْرَ وَلَا الْمَغْرِبَ لِكَرَاهَةِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَلِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ التَّطَوُّعِ وِتْرًا قُلْتُ حَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّخُولِ مَعَ الْجَمَاعَةِ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ لِمَنْ كَانَ قَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ كَرَاهَةٍ لِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فَيَكُونُ هَذَا مُخَصِّصًا لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَمَنْ جَوَّزَ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ الْحَقَ مَا سَاوَاهُ مِنْ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْجَمَاعَاتِ الَّتِي تُقَامُ فِي الْمَسَاجِدِ لَا الَّتِي تُقَامُ فِي غَيْرِهَا فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِمَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ .

     قَوْلُهُ  (ويشفع بركعة) روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ إِذَا أَعَادَ الْمَغْرِبَ شَفَعَ بِرَكْعَةٍ (وَالَّتِيصَلَّى وَحْدَهُ هِيَ الْمَكْتُوبَةُ عِنْدَهُمْ) وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِحَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَسْوَدَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ وَلْتَجْعَلْهَا نَافِلَةً كَذَا فِي التَّلْخِيصِ.

قُلْتُ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْفَرِيضَةَ هِيَ الثَّانِيَةُ فَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ كَمَا قَدْ عَرَفْتَ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ) قَدْ صُلِّيَ فِيهِ مَرَّةً قوله (نا عبدة) بإسكان الباء هو بن سُلَيْمَانَ الْكِلَابِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَالْأَعْمَشِ وَطَائِفَةٍ وَعَنْهُ أَحْمَدُ وإسحاق وهناد بن السري وأبو كريب وخلق وثقه أحمد وبن سَعْدٍ وَالْعِجْلِيُّ قَالَ أَحْمَدُ مَاتَ سَنَةَ 781 سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ) ثِقَةٌ حَافِظٌ لَهُ تَصَانِيفُ لَكِنَّهُ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ وَاخْتَلَطَ وَكَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي قَتَادَةَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ.

قُلْتُ قَدْ تَابَعَهُ وُهَيْبٌ عَنْ سُلَيْمَانَ النَّاجِيِّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَلَا يَضُرُّ تَدْلِيسُهُ وَاخْتِلَاطُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (عَنْ سُلَيْمَانَ النَّاجِيِّ) بِالنُّونِ وَالْجِيمِ وَيُقَالُ لَهُ سُلَيْمَانُ الْأَسْوَدُ أَيْضًا وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أبي داود وثقه بن مَعِينٍ (أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ) بِشَدَّةِ التَّاءِ مِنِ اتَّجَرَ يتجر إتجارا من باب الافتعال قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ التَّاءِ مَعَ الْجِيمِ وَفِيهِ مَنْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ هَكَذَا يَرْوِيهِ بَعْضُهُمْ وَهُوَ يَفْتَعِلُ مِنَ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ يَشْتَرِي بِعَمَلِهِ الثَّوَابَ وَلَا يَكُونُ مِنَ الْأَجْرِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ لَا تُدْغَمُ فِي التَّاءِ فَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ يَأْتَجِرُ.

     وَقَالَ  فِي بَابِ الْهَمْزَةِ مَعَ الْجِيمِ فِي حَدِيثِ الْأَضَاحِي كُلُوا وَادَّخِرُوا وَاتَّجِرُوا أَيْ تَصَدَّقُوا طَالِبِينَ الْأَجْرَ بِذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ اتَّجِرُوا بِالْإِدْغَامِ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ لَا تُدْغَمُ فِي التَّاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْأَجْرِ لَا التِّجَارَةِ وَقَدْ أَجَازَهُ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَابِهِ وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخِرِ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ فَقَالَ مَنْ يَتَّجِرُ فَيَقُومُ فَيُصَلِّي مَعَهُ وَالرِّوَايَةُ إِنَّمَا هِيَ يَأْتَجِرُ وَإِنْ صَحَّ فِيهَا يَتَّجِرُ فَيَكُونُ مِنَ التِّجَارَةِ لَا الْأَجْرِ كَأَنَّهُ بِصَلَاتِهِ مَعَهُ قَدْ حَصَّلَ لِنَفْسِهِ تِجَارَةٌ أي مكسبا انتهى كلام بن الأثيرقُلْتُ فِي قَوْلِهِمُ الْهَمْزَةُ لَا تُدْغَمُ فِي التَّاءِ تَأَمُّلٌ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا .

     وَقَالَتْ  عَائِشَةُ وَكَانَ يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَفِي اتَّخَذَ وَاتَّزَرَ قَدْ أُدْغِمَتِ الْهَمْزَةُ فِي التَّاءِ.
وَأَمَّا إِنْكَارُ النُّحَاةِ الْإِدْغَامَ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ فَأَتَّزِرُ فَلَا وَجْهَ له مع صحة روايتها بالإدغام قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ فِي الْمُفَصَّلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ فَأَتَّزِرُ خَطَأٌ خَطَأٌ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ فَأَتَّزِرُ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ وَهِيَ مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ حجة فالمخطىء مخطىء انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا فِي بَابِ مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ فَتَذَكَّرْ فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا أَيُّكُمْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا طَالِبًا الْأَجْرَ بِذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا قَالَ الْمَظْهَرِيُّ سَمَّاهُ صَدَقَةً لِأَنَّهُ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِثَوَابِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً إِذْ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إِلَّا ثَوَابُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ انْتَهَى (فَقَامَ رَجُلٌ) هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ الَّذِي قَامَ فَصَلَّى مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي مُوسَى وَالْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى مَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَانِ جَمَاعَةٌ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ لَهُ طُرُقٌ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَحَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُمَا وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وكذا قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى فَقَالَ أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبُو جَابِرٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَدْرَكْتُهُ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَفِيهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ وهو ضعيف جدا وقد وثقه بن حِبَّانَ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عِصْمَةَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَالْهَيْثَمِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ .

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ.

     وَقَالَ  صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وأخرجه أيضا بن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا.

     وَقَالَ  الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

     قَوْلُهُ  (وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم من التابعين) وهو قول بن مسعود رضي الله عنه قال بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سلمة بن كهيل أن بن مَسْعُودٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا فَجَمَعَ بِعَلْقَمَةَ وَمَسْرُوقٍ وَالْأَسْوَدِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَجَاءَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ مَرَّ بِنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي مَسْجِدِ بَنِي ثَعْلَبَةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِيهِ فَأَمَرَ فأذن وأقام ثم صلى بأصحابه وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْجَعْدِ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيِّ عَنِ الْجَعْدِ نَحْوُهُ.

     وَقَالَ  فِي مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ.

     وَقَالَ  فَجَاءَ أَنَسٌ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ مِنْ فِتْيَانِهِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  (وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ص 96 وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ فِي رِوَايَةٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَشْهَبُ عَمَلًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ الْحَدِيثَ انْتَهَى وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْحَقُّ وَدَلِيلُهُ أَحَادِيثُ الْبَابِ .

     قَوْلُهُ  (وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُصَلُّونَ فُرَادَى وَبِهِ يقول سفيان وبن الْمُبَارَكِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَخْتَارُونَ الصَّلَاةَ فُرَادَى) وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ مِنْ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا فَمَالَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ فَصَلَّى بِهِمْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ.

     وَقَالَ  الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ انْتَهَى وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ كَيْفَ هُوَ صَحِيحٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ أملَا.
وَأَمَّا قَوْلُ الْهَيْثَمِيِّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ بِالْعَنْعَنَةِ أَوْ يَكُونَ فِيهِمْ مُخْتَلِطٌ وَرَوَاهُ عَنْهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ أَوْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ أَوْ يَكُونَ فِيهِ عِلَّةٌ أَوْ شُذُوذٌ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَعْضِ رِوَايَاتِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثِقَةِ الرِّجَالِ صِحَّةُ الْحَدِيثِ حَتَّى يَنْتَفِيَ منه الشذوذ والعلة وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ بَيْعِ الْعِينَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ رِجَالِ الْحَدِيثِ ثِقَاتٍ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا انْتَهَى هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ رِجَالَ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ عَلَى مَا قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ إِنَّ فِي سَنَدِهِ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَحْيَى وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَلَفْظُهُ هَكَذَا وَلَقَدْ صَنَّفَ مَوْلَانَا الْكنكُوهِيُّ رِسَالَةً فِي مَسْأَلَةِ الْبَابِ وَأَتَى فِيهِ بِحَدِيثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَذَهَبَ إِلَى بَيْتِهِ وَجَمَعَ أَهْلَهُ وَصَلَّى بِالْجَمَاعَةِ وَلَوْ كَانَتِ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ جَائِزَةً بِلَا كَرَاهَةٍ لَمَا تَرَكَ فَضْلَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَخْرَجَهُ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ.

     وَقَالَ  الْحَافِظُ نُورُ الدِّينِ الْهَيْثَمِيُّ إِنَّ رِجَالَ السَّنَدِ ثِقَاتٌ مُحَسَّنَةٌ وَأَقُولُ إِنَّ فِي سَنَدِهِ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَحْيَى مِنْ رِجَالِ التَّهْذِيبِ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ.

قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ لَا شَكَّ فِي أَنَّ فِي سَنَدِهِ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَحْيَى أَبَا مُطِيعٍ الْأَطْرَابُلُسِيَّ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ أَحَادِيثَهُ الْمَنَاكِيرَ وَذَكَرَ فِيهَا حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ هَذَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِيهِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ مِنْ بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَوَجَدَهُمْ قَدْ صَلَّوْا فَانْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ.
وَأَمَّا رِسَالَةُ الشَّيْخِ الكنكُوهِيِّ فَقَدْ صَنَّفَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فِي الرَّدِّ عَلَيْهَا رِسَالَةً حَسَنَةً جَيِّدَةً وَأَجَابَ عَنْ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ الكنكُوهِيُّ جَوَابًا شَافِيًا وَمِنْهَا أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ بِنَصٍّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَهْلَهُ فَصَلَّى بِهِمْ فِي مَنْزِلِهِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ مَيْلُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ لِجَمْعِ أَهْلِهِ لَا لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلًا لِاسْتِحْبَابِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ مَرَّةً لَا لِكَرَاهَتِهَا فَمَا لَمْ يُدْفَعْ هَذَا الِاحْتِمَالُ كَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِأَهْلِهِ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ كَرَاهَةُ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ بَلْ غَايَةُ مَا يَثْبُتُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ رَجُلٌ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِيهِ بَلْ يَخْرُجُ مِنْهُ فَيَمِيلُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيُصَلِّيَ بِأَهْلِهِ فِيهِ وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِالْجَمَاعَةِ أَوْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ فَلَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ كَمَا لَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى كَرَاهَةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مُنْفَرِدًا وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِلَثَبَتَ مِنْهُ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فُرَادَى أَيْضًا فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ لَا مُنْفَرِدًا وَلَا بِالْجَمَاعَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ الْمَذْكُورِ عَلَى كَرَاهَةِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ فُرَادَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَمْ أَجِدْ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ الْكنكُوهِيِّ لَوْ كَانَتِ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ جَائِزَةً بِلَا كَرَاهَةٍ لَمَا تَرَكَ فَضْلَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فُرَادَى أَيْضًا فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ فُرَادَى جَائِزَةً بِلَا كَرَاهَةٍ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ لَمَا تَرَكَ فَضْلَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فَتَفَكَّرْ تَنْبِيهٌ.
اعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ الْحَنَفِيَّةَ يَذْكُرُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَثَرًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ أَيْضًا عَلَى كَرَاهَةِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الشَّامِيُّ فِي رَدِّ الْمُخْتَارِ وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا إِذَا فَاتَتْهُمُ الْجَمَاعَةُ صَلَّوْا فُرَادَى انْتَهَى قُلْتُ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَلْبَتَّةَ بَلْ ثَبَتَ عَنْهُ خِلَافُهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَجَاءَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَنْ أَخْرَجَهُ موصولا نعم أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ إِذَا دَخَلُوا فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ صَلَّوْا فُرَادَى انْتَهَى لَكِنْ قَدْ صَرَّحَ الْحَسَنُ بِأَنَّ صَلَاتَهُمْ فُرَادَى إِنَّمَا كَانَتْ لِخَوْفِ السلطان قال بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ إِنَّمَا كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْمَعُوا مَخَافَةَ السُّلْطَانِ انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ مَا لَفْظُهُ وَاقِعَةُ الْبَابِ لَيْسَ حُجَّةً عَلَيْنَا فَإِنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْمُقْتَدِي مُفْتَرِضَيْنِ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ كَانَ الْمُقْتَدِي مُتَنَفِّلًا انْتَهَى قُلْتُ إِذَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ حُصُولُ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ بِمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ فَحُصُولُ ثَوَابِهَا بِمُفْتَرِضَيْنِ بِالْأَوْلَى وَمَنِ ادَّعَى الْفَرْقَ فَعَلَيْهِ بَيَانُ الدَّلِيلِ الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَدَمُ جَوَازِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ أَصْلًا لَا بِمُفْتَرِضَيْنِ وَلَا بِمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ فَالْقَوْلُ بِجَوَازِ تَكْرَارِهَا بِمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ وَعَدَمِ جَوَازِ تَكْرَارِهَا بِمُفْتَرِضَيْنِ مِمَّا لَا يُصْغَى إِلَيْهِ كَيْفَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَنَسًا جَاءَ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ مِنْ فِتْيَانِهِ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً وَظَاهِرٌ أَنَّهُ وَفِتْيَانَهُ كُلَّهُمْ كَانُوا مفترضين وكذلك جاء بن مَسْعُودٍ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَجَمَعَ بِعَلْقَمَةَ وَمَسْرُوقٍ وَالْأَسْوَدِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ كُلَّهُمْ كَانُوا مُفْتَرِضِينَ فَتَفَكَّرْ52 - (باب ما جاء في فضل صلاة العشاء والفجر في جماعة) .

     قَوْلُهُ  (نَا بِشْرُ بْنُ السُّرِّيِّ) الْأَفْوَهُ بَصْرِيٌّ سَكَنَ مَكَّةَ وَكَانَ وَاعِظًا ثِقَةً مُتْقِنًا طُعِنَ فِيهِ بِرَأْيِ جَهْمٍ ثُمَّ اعْتَذَرَ وَتَابَ رَوَى عن الثوري وغيره (حدثنا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْحَكِيمِ) بْنِ عَبَّادِ بْنِ حَنِيفٍ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ أَبُو سَهْلٍ الْمَدَنِيِّ ثُمَّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ عَبْدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ) الْأَنْصَارِيِّ النَّجَّارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ قِيَامُ نِصْفِ لَيْلَةٍ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ قَالَ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ والفجر وَبَيَانُ أَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ وَأَنَّ فَضْلَهَا فِي الْجَمَاعَةِ ضِعْفَا فَضْلِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عُثْمَانَ بِنَحْوِ لَفْظِ مُسْلِمٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ يُدَافِعُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ انْتَهَى.

قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّتِي تَقْتَضِي بِظَاهِرِهَا أَنَّ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ وَنِصْفٍ وَبَيْنَ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ قُلْتُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فِي رِوَايَةٍ مُسْلِمٍ أَيْ مُنْضَمًّا لصلاة العشاء جماعة قاله المناوي وقال القارىء في المرقاة في شرح قولهه فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ أَيْ بِانْضِمَامِ ذَلِكَ النصف فكأنه أحي نِصْفَ اللَّيْلِ الْأَخِيرَ انْتَهَى وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  (وفي الباب عن بنعُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَعُمَارَةَ بْنِ أَبِي رُوَيْبَةَ وَجُنْدُبٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مُوسَى وبريدة) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ كَانَ كَعِدْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِي إِسْنَادِهِ ضَعِيفٌ غَيْرُ مُتَّهَمٍ بِالْكَذِبِ انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَمَّا حَدِيثُ جُنْدُبٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَمَّا حديث أبي بن كعب فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وبن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِمُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ .

     قَوْلُهُ  (عَنْ جُنْدُبِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا (بْنِ سفيان) هو اسم جَدِّ جُنْدُبٍ وَاسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ يُنْسَبُ تَارَةً إِلَى أَبِيهِ وَتَارَةً إِلَى جَدِّهِ وَلَهُ صُحْبَةٌ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ أَيْ فِي عَهْدِهِ وَأَمَانِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهَذَا غَيْرُ الْأَمَانِ الَّذِي ثَبَتَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ فَلَا تَخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ خَفَرْتَ الرَّجُلَ أَجَرْتَهُ وَحَفِظْتَهُ وَأَخْفَرْتَ الرَّجُلَ إِذَا نَقَضْتَ عَهْدَهُ وَذِمَامَهُ وَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلْإِزَالَةِ أَيْ أَزَلْتَ خَفَارَتَهُ كَأَشْكَيْتُهُ إِذَا أَزَلْتُ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ عُثْمَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ولم يحكم الترمذي .

     قَوْلُهُ  بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ هَذَا مِنَ الْخِطَابِ الْعَامِّ ولم يرد به أمرا واحدا علىحَدِيثِ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ بِشَيْءٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صحيح أخرجه مسلم بِعَيْنِهِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَالْمَشَّائِينَ جَمْعُ الْمَشَّاءِ وَهُوَ كَثِيرُ الْمَشْيِ بِالنُّورِ التَّامِّ الَّذِي يُحِيطُ بِهِمْ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِمْ أَيْ عَلَى الصِّرَاطِ لَمَّا قَاسَوْا مَشَقَّةَ الْمَشْيِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ جُوِّزُوا بِنُورٍ يُضِيءُ لَهُمْ وَيُحِيطُهُمْ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ فِي وَصْفِ النُّورِ بِالتَّامِّ وَتَقْيِيدِهِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ تَلْمِيحٌ إِلَى وَجْهِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نورنا إِلَى وَجْهِ الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى انْظُرُونَا نقتبس من نوركم انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ رِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَحَادِيثُ أُخْرَى بِأَسَانِيدَ حِسَانٍ مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَى التَّرْغِيبِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ) .

     قَوْلُهُ  خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا لِقُرْبِهِمْ مِنَ الْإِمَامِ وَاسْتِمَاعِهِمْ لِقِرَاءَتِهِ وَبُعْدِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ وَشَرُّهَا آخِرُهَا لِقُرْبِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ وَبُعْدِهِمْ مِنَ الْإِمَامِ وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا لِبُعْدِهِنَّ مِنَ الرِّجَالِ وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا لِقُرْبِهِنَّ مِنَ الرِّجَالِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَمَّا صُفُوفُ الرِّجَالِ فَهِيَ على عمومها فخيرها أولها أبدا وشهرها آخِرُهَا أَبَدًا أَمَّا صُفُوفُ النِّسَاءِ فَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ صُفُوفُ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يُصَلِّينَ مَعَ الرِّجَالِ وَأَمَّا إذاصَلَّيْنَ مُتَمَيِّزَاتٍ لَا مَعَ الرِّجَالِ فَهُنَّ كَالرِّجَالِ خَيْرُ صُفُوفِهِنَّ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَالْمُرَادُ بِشَرِّ الصُّفُوفِ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَقَلُّهَا ثَوَابًا وَفَضْلًا وَأَبْعَدُهَا مِنْ مَطْلُوبِ الشَّرْعِ وَخَيْرُهَا بِعَكْسِهِ وَإِنَّمَا فَضَّلَ آخِرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْحَاضِرَاتِ مَعَ الرِّجَالِ لِبُعْدِهِنَّ مِنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَرُؤْيَتِهِمْ وَتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِهِمْ عِنْدَ رُؤْيَةِ حَرَكَاتِهِمْ وَسَمَاعِ كَلَامِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَذَمَّ أَوَّلَ صُفُوفِهِنَّ بِعَكْسِ ذَلِكَ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِلصَّفِّ الْأَوَّلِ ثلاثا وللثاني مرة) رواه النسائي وبن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ .

     قَوْلُهُ  مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ زَادَ أَبُو الشَّيْخِ فِي رِوَايَةٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا) أَيْ إِلَّا أَنْ يَقْتَرِعُوا قَالَ الْخَطَّابِيُّ قِيلَ لِلِاقْتِرَاعِ الِاسْتِهَامُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُبُونَ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى سِهَامٍ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الشَّيْءِ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ غَلَبَ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا مِنْ وُجُوهِ الْأَوْلَوِيَّةِ أَمَّا فِي الْأَذَانِ فَبِأَنْ يَسْتَوُوا فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ وَحُسْنِ الصَّوْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِطِ الْمُؤَذِّنِ وَتَكْمِلَاتِهِ وَأَمَّا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَبِأَنْ يَصِلُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَيَسْتَوُوا فِي الْفَضْلِ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ إِذَا لَمْ يَتَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ فِي الْحَالَيْنِ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ لِيَشْمَلَ الْأَمْرَيْنِ الْأَذَانَ وَالصَّفَّ الْأَوَّلَ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ فَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِمَا قَالَهُ الْحَافِظُ .

     قَوْلُهُ  (عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ54 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِقَامَةِ الصُّفُوفِ) أَيْ فِي تَعْدِيلِهَا يُقَالُ أَقَامَ الْعُودَ إِذَا عَدَلَهُ وَسَوَّاهُ .

     قَوْلُهُ  (لَتُسَوُّنَّ) بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ هَذِهِ اللَّامُ هِيَ الَّتِي يُتَلَقَّى بِهَا الْقَسَمُ وَالْقَسَمُ هُنَا مُقَدَّرٌ وَلِهَذَا أَكَّدَهُ بِالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ .

     قَوْلُهُ  أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ أَيْ إِنْ لَمْ تُسَوُّوا قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ يَمْسَخُهَا وَيُحَوِّلُهَا عَنْ صُوَرِهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْعَلُ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ وَقِيلَ يُغَيِّرُ صِفَاتِهَا وَالْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَعْنَاهُ يُوقِعُ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَاخْتِلَافَ الْقُلُوبِ كَمَا يُقَالُ تَغَيَّرَ وَجْهُ فُلَانٍ عَلَيَّ أَيْ ظَهَرَ لِي مِنْ وَجْهِهِ كَرَاهَةٌ لِي وَتَغَيَّرَ قَلْبُهُ عَلَيَّ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ فِي الصُّفُوفِ مُخَالَفَةٌ فِي ظَوَاهِرِهِمْ وَاخْتِلَافُ الظَّوَاهِرِ سَبَبٌ لِاخْتِلَافِ الْبَوَاطِنِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ بَيْنَ قُلُوبِكُمُ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى وُجُوبِ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَالْبَرَاءِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَلَهُ أَلْفَاظٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ تَوَسَّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ فِي النار.

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ .

     قَوْلُهُ  (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ إِقَامَةُ الصَّفِّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ إِقَامَةَ الصَّفِّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  (وروى عن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُوَكِّلُ رَجُلًا بِإِقَامَةِ الصُّفُوفِ وَلَا يُكَبِّرُ حَتَّى يُخْبَرَ أَنَّ الصُّفُوفَ قَدِ اسْتَوَتْ) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَإِذَا جَاءُوهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ كَبَّرَ (وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا كَانَا يَتَعَاهَدَانِ ذَلِكَ وَيَقُولَانِ اسْتَوُوا إِلَخْ) فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَامَتِ الصَّلَاةُ وَأَنَا أُكَلِّمُهُ فِي أَنْ يَفْرِضَ لِي فَلَمْ أَزَلْ أُكَلِّمُهُ وَهُوَ يَسْتَوِي الْحَصْبَاءَ بِنَعْلَيْهِ حَتَّى جَاءَهُ رِجَالٌ قَدْ كَانَ وَكَلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الصُّفُوفَ قَدِ اسْتَوَتْ فَقَالَ لِي اسْتَوِ فِي الصَّفِّ ثُمَّ كَبَّرَ 5 - (باب ما جاء ليلني منكم أولو الأحلام) والنهى قوله ليلني بِكَسْرِ اللَّامَيْنِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ قَبْلَ النُّونِ وَيَجُوزُ إِثْبَاتُ الْيَاءِ مَعَ تَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى التَّوْكِيدِ كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ.

قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ لِيَلِنِي بِحَذْفِ الْيَاءِ قَبْلَ النُّونِ وَفِي بَعْضِهَا بِإِثْبَاتِهَا.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ مِنْ حَقِّ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يُحْذَفَ مِنْهُ الْيَاءُ لِأَنَّهُ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ وَقَدْ وَجَدْنَا بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَسُكُونِهَا فِي سَائِرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَطٌ انْتَهَى وَالْمَعْنَى لِيَدْنُ مِنِّي فَإِنَّهُ مِنَ الْوَلْيِ بِمَعْنَى الدُّنُوِّ والقرب أولو الأحلامتشديد النون على التوكيد والنهى قال بن سَيِّدِ النَّاسِ الْأَحْلَامُ وَالنُّهَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَهِيَ الْعُقُولُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِأُولِي الْأَحْلَامِ الْبَالِغُونَ وَبِأُولِي النُّهَى الْعُقَلَاءُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْعَطْفُ فِيهِ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ وَأُلْفِي قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنًا وَهُوَ أَنَّ تَغَايُرَ اللَّفْظِ قَائِمٌ مَقَامَ تَغَايُرِ الْمَعْنَى وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ لِكُلِّ لَفْظٍ مَعْنًى مُسْتَقِلٌّ انْتَهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ الَّذِينَ يَقْرَبُونَ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْوَصْفِ انْتَهَى وَقَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ كَالْمُرَاهِقِينَ أَوِ الَّذِينَ يَقْرَبُونَ الْأَوَّلِينَ فِي النُّهَى وَالْحِلْمِ (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) قَالَ القارىء كَالصِّبْيَانِ الْمُمَيِّزِينَ وَالَّذِينَ هُمْ أَنْزَلُ مَرْتَبَةً مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ حِلْمًا وَعَقْلًا وَالْمَعْنَى هَلُمَّ جَرًّا فَالتَّقْدِيرُ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَالنِّسَاءِ فَإِنَّ نَوْعَ الذَّكَرِ أَشْرَفُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِمُ الْخَنَاثَى فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْتِيبِ الصُّفُوفِ انْتَهَى كَلَامُ القارىء (وَلَا تَخْتَلِفُوا) أَيْ بِالْأَبْدَانِ (فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ) أَيْ أَهَوِيَتُهَا وَإِرَادَتُهَا قَالَ الطِّيبِيُّ فَتَخْتَلِفَ بِالنَّصْبِ أَيْ عَلَى جَوَابِ النَّهْيِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْقَلْبَ تَابِعٌ لِلْأَعْضَاءِ فَإِذَا اخْتَلَفَتِ اخْتَلَفَ وَإِذَا اخْتَلَفَ فَسَدَ فَفَسَدَتِ الْأَعْضَاءُ لِأَنَّهُ رَئِيسُهَا (وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ) قَالَ النَّوَوِيُّ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ اخْتِلَاطَهَا وَالْمُنَازَعَةَ وَالْخُصُومَاتِ وَارْتِفَاعَ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطَ وَالْفِتَنَ الَّتِي فِيهَا انْتَهَى وَفِي الْمِرْقَاةِ جَمْعُ هَيْشَةٍ وَهِيَ رَفْعُ الْأَصْوَاتِ نَهَاهُمْ عَنْهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ حُضُورٌ بَيْنَ يَدَيِ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا فِيهَا عَلَى السُّكُوتِ وَآدَابِ الْعُبُودِيَّةِ وَقِيلَ هِيَ الِاخْتِلَاطُ وَالْمَعْنَى لَا تَكُونُوا مُخْتَلَطِينَ اخْتِلَاطَ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ فَلَا يَتَمَيَّزُ أَصْحَابُ الْأَحْلَامِ وَالْعُقُولِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَا يَتَمَيَّزُ الصِّبْيَانُ وَالْإِنَاثُ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْأَنْسَبُ بِالْمَقَامِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى قُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِأُمُورِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَلُونِي .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ) أَمَّا حديثأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَالْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَالْحَاكِمُ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ السَّرْهَنْدِيِّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أنس فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ والأنصار ليأخذوا عنه (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .

     قَوْلُهُ  (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كان يعجبه إلخ) رواه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا .

     قَوْلُهُ  (هُوَ خَالِدُ بْنُ مِهْرَانَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ (وَيُكَنَّى أَبَا الْمَنَازِلِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وقيل بضمها وكسر الزاء (أن خَالِدٍ الْحَذَّاءِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (ما حذا نعلا ال فِي الْقَامُوسِ حَذَا النَّعْلَ حَذْوًا وَحِذَاءً قَدَرَهَا وَقَطَعَهَا 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الصَّفِّ بَيْنَ السَّوَارِي) جَمْعُ سَارِيَةٍ بِمَعْنَى الْأُسْطُوَانَةِ.

     قَوْلُهُ  (كُنَّا نَتَّقِي هَذَا) أَيِ الصَّلَاةَ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الْبَابِ عَنْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ الْمُزَنِيِّ) قَالَ كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ هَارُونُ بْنُ مُسْلِمٍ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ يَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ كُنَّا نُنْهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي وَنُطْرَدُ عَنْهَا وَقَالَ لَا تُصَلُّوا بَيْنَ الْأَسَاطِينِ وَأَتِمُّوا الصُّفُوفَ .

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الخمسة إلا بن مَاجَهْ .

     قَوْلُهُ  (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُصَفَّ بَيْنَ السَّوَارِي وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ عن بن مسعود وبن عباس وحذيفة قال بن سَيِّدِ النَّاسِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ وَالْعِلَّةُ فِي الْكَرَاهَةِ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ إِمَّا لِانْقِطَاعِ الصَّفِّ أَوْ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ جَمْعِ النِّعَالِ قال بن سَيِّدِ النَّاسِ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُحْدَثٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رُوِيَ أَنَّ سَبَبَ كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ مُصَلَّى جِنِّ الْمُؤْمِنِينَ .

     قَوْلُهُ  (وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ) أَيِ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي رَخَّصَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ ومالك والشافعي وبن الْمُنْذِرِ قِيَاسًا عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ قَالُوا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى في الكعبة بين الساريتين قال بن رسلان وأجازه الحسن وبن سِيرِينَ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ يَؤُمُّونَ قَوْمَهُمْ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ حَدِيثُ قُرَّةَ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا ذِكْرُ النَّهْيِ عَنِ الصَّفِّ بَيْنَ السَّوَارِي وَلَمْ يَقُلْ كُنَّا نُنْهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي فَفِيهِدَلِيلٌ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَالْمُنْفَرِدِ وَلَكِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِيهِ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فَيُحْمَلُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَلَى هَذَا مُخْتَصًّا بِصَلَاةِ الْمُؤْتَمِّينَ دُونَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُقَالُ.
وَأَمَّا قِيَاسُ الْمُؤْتَمِّينَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فَفَاسِدُ الِاعْتِبَارِ لِمُصَادَمَتِهِ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ انْتَهَى 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ) .

     قَوْلُهُ  (عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ) بِكَسْرِ التَّحْتَانِيَّةِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ فَاءٍ ويقال بن إِسَافٍ الْأَشْجَعِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ (وَنَحْنُ بِالرَّقَّةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَشَدَّةِ الْقَافِ اسْمُ مَوْضِعٍ .

     قَوْلُهُ  (فَقَالَ زِيَادٌ حَدَّثَنِي هَذَا الشَّيْخُ) يَعْنِي وَابِصَةَ بْنَ مَعْبَدٍ (وَالشَّيْخُ يَسْمَعُ) هَذَا مَقُولُ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ وَهُوَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ فَقَالَ زِيَادٌ حَدَّثَنِي هَذَا الشَّيْخُ أَنَّ رَجُلًا إِلَخْ وَالْحَالُ أَنَّ الشَّيْخَ كَانَ يَسْمَعُ كَلَامَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ (فَأَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ لَا تَصِحُّ وَأَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الباب عن علي بن شيبان وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ فَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَوَقَفَ حَتَّى انْصَرَفَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ اسْتَقْبِلْ صَلَاتَكَ فَلَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ حديث حسن قال بن سَيِّدِ النَّاسِ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مَعْرُوفُونَ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ عن أبيه وعبد الرحمن قال فيه بن حَزْمٍ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا عَابَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بَدْرٍ وَهَذَا لَيْسَ جُرْحَةً انْتَهَى وَيَشْهَدُ لحديث علي بن شيبان ما أخرجه بن حبان عنطَلْقٍ مَرْفُوعًا لَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ كذا في النيل وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ فَجَرَّنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ .

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ وَابِصَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ أحمد وبن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا .

     قَوْلُهُ  (وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ كَابْنِ خُزَيْمَةَ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَبِهِ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تُجْزِئُهُ إِذَا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَأَحْكَامُ الرِّجَالِ والنساء في ذلك سواء انتهى وقال بن بَطَّالٍ لَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ كَانَ لِلرَّجُلِ أَوْلَى انْتَهَى وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا سَاغَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لِامْتِنَاعِ أَنْ تَصُفَّ مَعَ الرِّجَالِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَصُفَّ مَعَهُمْ وَأَنْ يُزَاحِمَهُمْ وَأَنْ يَجْذِبَ رَجُلًا مِنْ حَاشِيَةِ الصَّفِّ فَيَقُومَ مَعَهُ فَافْتَرَقَا قَالَ الْحَافِظُ في الفتح قال بن خُزَيْمَةَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَرْءِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا بِاتِّفَاقٍ مِمَّنْ يَقُولُ تُجْزِئُهُ أَوْ لَا تُجْزِئُهُ وَصَلَاةُ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ امْرَأَةٌ أُخْرَى مَأْمُورٌ بِهَا بِاتِّفَاقٍ فَكَيْفَ يُقَاسُ مَأْمُورٌ عَلَى مَنْهِيٍّ انْتَهَى وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِحَدِيثِ بن عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَجَعَلَهُ حِذَاءَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وأجيب عنه بأن رواية بن عَبَّاسٍ هَذِهِ هِيَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي صِفَةِ دُخُولِهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي بَاتَ فِيهَا عِنْدَ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَاأَنَّهُ قَامَ عَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَرْجَحُ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ ومحي السُّنَّةِ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الِانْفِرَادَ خَلْفَ الصَّفِّ لَا يُبْطِلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَأَرْشَدَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ بِقَوْلِهِ وَلَا تَعُدْ فَإِنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ إِذْ لَوْ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ لَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ انْتَهَى وقال بن الْهُمَامِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَحَمَلَ أَئِمَّتُنَا حَدِيثَ وَابِصَةَ عَلَى النَّدْبِ وَحَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ لِيُوَافِقَا حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ إِذْ ظَاهِرُهُ عَدَمُ لُزُومِ الْإِعَادَةِ لِعَدَمِ أَمْرِهِ بِهَا انْتَهَى كَلَامُهُ مُحَصَّلًا قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ جَمَعَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ يَعْنِي بَيْنَ حَدِيثِ وَابِصَةَ وَحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ بِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ حَدِيثِ وَابِصَةَ فَمَنِ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ قَبْلَ الْقِيَامِ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَإِلَّا فَيَجِبُ عَلَى عُمُومِ حَدِيثِ وَابِصَةَ وَعَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ انْتَهَى وَهَذَا الْجَمْعُ حَسَنٌ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِلَا تَكَلُّفٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أعلمفَائِدَةٌ قَدِ اخْتُلِفَ فِي مَنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً وَلَا سَعَةً فِي الصَّفِّ مَا الَّذِي يَفْعَلُ فَقِيلَ إِنَّهُ يَقِفُ مُنْفَرِدًا وَلَا يَجْذِبُ إِلَى نَفْسِهِ أَحَدًا لِأَنَّهُ لَوْ جَذَبَ إِلَى نَفْسِهِ وَاحِدًا لَفَوَّتَ عَلَيْهِ فَضِيلَةَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَلَأَوْقَعَ الْخَلَلَ فِي الصَّفِّ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ.

     وَقَالَ  أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ يَجْذِبُ إِلَى نَفْسِهِ وَاحِدًا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَجْذُوبِ أَنْ يُسَاعِدَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّاخِلِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالْحَاضِرِ فِي ابْتِدَائِهَا فِي ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الدَّاخِلَ إِلَى الصَّلَاةِ وَالصُّفُوفُ قَدِ اسْتَوَتْ وَاتَّصَلَتْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْذِبَ إِلَى نَفْسِهِ وَاحِدًا لِيَقُومَ مَعَهُ وَاسْتَقْبَحَ ذَلِكَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَكَرِهَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَابِصَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ أَيُّهَا الْمُصَلِّي هَلَّا دَخَلْتَ فِي الصَّفِّ أَوْ جَرَرْتَ رَجُلًا مِنَ الصَّفِّ أَعِدْ صَلَاتَكَ وَفِيهِ السُّرِّيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ لِأَبِي نُعَيْمٍ وَفِيهَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ وَفِيهِ ضَعْفٌ لِأَبِي دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ رِوَايَةِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ مَرْفُوعًا إِنْ جَاءَ رَجُلٌ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا فَلِيَخْتَلِجْ إِلَيْهِ رَجُلًا مِنَ الصَّفِّ فَلِيَقُمْ مَعَهُ فَمَا أَعْظَمَ أجر المختلج وأخرج الطبراني عن بن عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ قَالَ الْحَافِظُ وَاهٍ بِلَفْظِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْآتِيَ وَقَدْ تَمَّتِ الصُّفُوفُ أَنْ يَجْتَذِبَ إِلَيْهِ رَجُلًا يقيمه إلى جنبه كَذَا فِي النَّيْلِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي وَمَعَهُ رَجُلٌ).

     قَوْلُهُ  (ذَاتَ لَيْلَةٍ) أَيْ فِي لَيْلَةٍ وَلَفْظُ ذَاتَ مُقْحَمٌ.

     وَقَالَ  جَارُ اللَّهِ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمُسَمَّى إِلَى اسْمِهِ (فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِي مِنْ وَرَائِي) كِلَا الْجَارَّيْنِ مُتَعَلِّقَانِ بِأَخَذَ (فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ الْوَاحِدَ يَقِفُ على يمين الْإِمَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ فِيهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالَتِهِ قَالَ فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا أخرجه مسلم قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي مَعَ الرَّجُلَيْنِ) .

     قَوْلُهُ  (أَنْ يَتَقَدَّمَنَا أَحَدُنَا) مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ أَمَرَنَا عَلَى حَذْفِ الْبَاءِ أَيْ بِأَنْ يَتَقَدَّمَنَا أحدنا وإذا كُنَّا ظَرْفُ يَتَقَدَّمَنَا وَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ لِلِاتِّسَاعِ فِي الظُّرُوفِ قَالَهُ الطِّيبِيُّقوله (وفي الباب عن بن مسعود وجابر) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قال دخلت أنا وعمي علقمة على بن مَسْعُودٍ بِالْهَاجِرَةِ قَالَ فَأَقَامَ الظُّهْرَ لِيُصَلِّيَ فَقُمْنَا خَلْفَهُ فَأَخَذَ بِيَدِي وَيَدِ عَمِّي ثُمَّ جَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ فَصَفَفَنَا صَفًّا وَاحِدًا قَالَ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مَعْنَاهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا وَسَيَجِيءُ لَفْظُهُ الْمُخْتَصَرُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ فَجِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ .

     قَوْلُهُ  (وَحَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي إِسْنَادِهِ إسماعيل بن مسلم وقد تكلم بَعْضُ النَّاسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ لَكِنَّهُ مُؤَيَّدٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

     قَوْلُهُ  (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً قَامَ رجلان خلف الامام) وهو الحق وقال بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَاحِبَاهُ الْأَسْوَدُ وَعَلْقَمَةُ وَنَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَامَ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ وَخَالَفَهُمْ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ .

     قَوْلُهُ  (وَرُوِيَ عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ فَأَقَامَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ إِلَخْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَتَقَدَّمَ آنِفًا لَفْظُهُ وبه قال بعض الكوفيين واحتجوابحديث بن مسعود هذا وأجاب عنه بن سِيرِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِضِيقِ الْمَكَانِ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ أَصَلَّى مَنْ خَلْفَكُمْ قَالَا نَعَمْ فَقَامَ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ رَكَعْنَا فَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا فَضَرَبَ أَيْدِيَنَا ثُمَّ طَبَّقَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ جَعَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ فلما صلى قال هكذا فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مذهب بن مَسْعُودٍ وَصَاحِبَيْهِ وَخَالَفَهُمْ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى الْآنِ فَقَالُوا إِذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ رجلان وقفا وراءه صفا لحديث جابر وَجَبَّارِ بْنِ صَخْرٍ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ عَنْ جَابِرٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً يَقِفُونَ وَرَاءَهُ.
وَأَمَّا الْوَاحِدُ فَيَقِفُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ فِيهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرجل يصلي ومعه رجال ونساء) قوله (.

     قَوْلُهُ  أَنَّ جَدَّتَهُ) أَيْ جَدَّةَ أَنَسٍ (مُلَيْكَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ تَصْغِيرُ مَلِكَةٍ وَقِيلَ ضَمِيرُ جَدَّتِهِ يَرْجِعُ إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْكَلَامَ فِي هَذَا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ (مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ) أَيِ اسْتُعْمِلَ وَفِيهِ أَنَّ الِافْتِرَاشَ يُسَمَّى لُبْسًا (فَنَضَحَتْهُ بِالْمَاءِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّضْحُ لِتَلْيِينِ الْحَصِيرِ أَوْ لِتَنْظِيفِهِ أَوْ لِتَطْهِيرِهِ وَلَا يَصِحُّ الْجَزْمُ بِالْأَخِيرِ بَلِ الْمُتَبَادِرُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ (وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا) هِيَ مُلَيْكَةُ الْمَذْكُورَةُ ثُمَّ انْصَرَفَ أَيْ إِلَى بَيْتِهِ أَوْ مِنَ الصَّلَاةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ صَلَاةُ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً فِي الْبُيُوتِ وَقِيَامُ الصَّبِيِّ مَعَ الرَّجُلِ صَفًّا وَتَأْخِيرُ النِّسَاءِ عَنْ صُفُوفِ الرِّجَالِ وَقِيَامُ الْمَرْأَةِ صَفًّا وَحْدَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا امْرَأَةٌ غَيْرُهَا وَصِحَّةُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَوُضُوئِهِ.

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان 1 - (باب من أحق بالإقامة) قوله (وبن نمير) بالتصغير هو عبد الله نمير الهمداني الخارقي أَبُو هِشَامٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ صَاحِبُ حَدِيثٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ رَوَى عَنِ الْأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ مَاتَ سَنَةَ 991 تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ الزُّبَيْدِيِّ) بِضَمِّ الزَّايِ مُصَغَّرًا أَبِي إِسْحَاقَ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ تَكَلَّمَ فِيهِ الْأَزْدِيُّ بِلَا حُجَّةٍ (عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ جِيمٌ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ (سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ) اسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْبَدْرِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ (عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا جِيمٌ .

     قَوْلُهُ  يَؤُمُّ الْقَوْمَ قَالَ الطِّيبِيُّ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ لِيَؤُمَّهُمْ (أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهِالْأَفْقَهُ وَقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَبِحَسَبِ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَفْقَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَقْرَأِ فَإِنَّ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَضْبُوطٌ وَالَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْفِقْهِ غَيْرُ مَضْبُوطٍ فَقَدْ يَعْرِضُ فِي الصَّلَاةِ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُرَاعَاةِ الصَّلَاةِ فِيهِ إِلَّا كَامِلُ الْفِقْهِ وَلِهَذَا قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْبَاقِينَ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَقْرَأُ مِنْهُ كَأَنَّهُ عَنَى حَدِيثَ أَقْرَؤُكُمْ أُبَيُّ قَالَ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْأَقْرَأَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ هُوَ الْأَفْقَهَ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا الْجَوَابُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ نَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ أَقْرَأُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ كَانَ أَفْقَهَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَيَفْسُدُ الِاحْتِجَاجُ بِأَنَّ تَقْدِيمَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ لِأَنَّهُ الْأَفْقَهُ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ فِي الْهِجْرَةِ يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ وَاضِحٌ لِلْمُغَايِرَةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُونُ عارفا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة فَأَمَّا إِذَا كَانَ جَاهِلًا بِذَلِكَ فَلَا يُقَدَّمُ اتِّفَاقًا وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الْعَصْرِ كَانُوا يَعْرِفُونَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ اللِّسَانِ فالأقرأ منهم بل القارىء كَانَ أَفْقَهَ فِي الدِّينِ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الفقهاء الذين جاؤا بَعْدَهُمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ.

     وَقَالَ  الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ وَرَوَاهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ إِلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ قَالَ عِوَضُ قَوْلِهِ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا انْتَهَى قَالَ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا وَهِيَ لَفْظَةٌ عَزِيزَةٌ غَرِيبَةٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ وَسَنَدُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ فَذَكَرَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَفْقَهُهُمْ فِي الدِّينِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً فأقرأهم لِلْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَسَكَتَ عَنْهُ وَالْبَاقُونَ مِنَ الْأَئِمَّةِ يُخَالِفُونَنَا فِي هَذِهِ الْمُسْألَةِ وَيَقُولُونَ إِنَّ الْأَقْرَأَ لِكِتَابِ اللَّهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَالِمِ كَمَا هُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ حَتَّى إِذَا اجْتَمَعَ مَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ وَفَقِيهٌ يَحْفَظُ يَسِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ يُقَدَّمُ حَافِظُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ وَنَحْنُ نَقُولُ يُقَدَّمُ الْفَقِيهُ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْكِتَابِ بِأَنَّ الْأَقْرَأَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ أَعْلَمَهُمْ وَهَذَا يَرُدُّهُ لَفْظُ الْحَاكِمِ الْأَوَّلُ وَيُؤَيِّدُ مَذْهَبَنَا لَفْظُهُ الثَّانِي إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ قَالَ وَيَشْهَدُ لِلْخَصْمِ أَيْضًا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ ثُمَّ ذَكَرَهُ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَفِيهِ وَبَدَرَ أَبِي قَوْمَهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ حَقًّا فَقَالُوا صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْقُرْآنًا فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ فَقَدَّمُونِي بين أيديهم وأنا بن سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ إِلَخْ قُلْتُ الْقَوْلُ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ تَقْدِيمُ الْأَقْرَأِ عَلَى الْأَفْقَهِ وَقَدْ عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ حَيْثُ يَكُونُ عَارِفًا بِمَا يَتَعَيَّنُ مَعْرِفَتَهُ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَرَادَ بِهَا الْأَحَادِيثَ فَالْأَعْلَمُ بِهَا كَانَ هُوَ الْأَفْقَهُ فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً أَيِ انْتِقَالًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ فَمَنْ هَاجَرَ أَوَّلًا فَشَرَفُهُ أَكْثَرُ مِمَّنْ هَاجَرَ بَعْدَهُ قَالَ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ الْآيَةَ وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَا يَؤُمَنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ أَيْ فِي مَظْهَرِ سَلْطَنَتِهِ وَمَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْ فِيمَا يَمْلِكُهُ أَوْ فِي مَحَلٍّ يَكُونُ فِي حُكْمِهِ وَيُعَضِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فِي أَهْلِهِ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ فِي بَيْتِهِ ولا في سلطانه ولذا كان بن عمر يصلي خلف الحجاج وصح عن بن عُمَرَ أَنَّ إِمَامَ الْمَسْجِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِ السُّلْطَانِ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شُرِعَتْ لِاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الطَّاعَةِ وَتَآلُفِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ فَإِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ أَفْضَى ذَلِكَ إِلَى تَوْهِينِ أَمْرِ السَّلْطَنَةِ وَخَلْعِ رِبْقَةِ الطَّاعَةِ وَكَذَلِكَ إِذَا أَمَّهُ فِي قَوْمِهِ وَأَهْلِهِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى التَّبَاغُضِ وَالتَّقَاطُعِ وَظُهُورِ الْخِلَافِ الَّذِي شُرِعَ لِدَفْعِهِ الِاجْتِمَاعُ فَلَا يَتَقَدَّمُ رَجُلٌ عَلَى ذِي السَّلْطَنَةِ لَا سِيَّمَا فِي الْأَعْيَادِ وَالْجَمَاعَةِ وَلَا عَلَى إمام الحي ورب البيت إلا با ذن قَالَهُ الطِّيبِيُّ (وَلَا يُجْلَسُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى تكرمته) كسجادته أو سريره وهي وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ كَرَّمَ تَكْرِيمًا أُطْلِقَ مَجَازًا عَلَى مَا يُعَدُّ لِلرَّجُلِ إِكْرَامًا لَهُ في منزله (إلا بإذنه) قال بن الْمَلَكِ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ.

قُلْتُ كُلُّ مَنْ قَالَ إِنَّ صَاحِبَ الْمَنْزِلِ إِذَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ يَقُولُ إِنَّ إِلَّا بِإِذْنِهِ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ يَقُولُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يُجْلَسُ فَقَطْ .

     قَوْلُهُ  (قَالَ محمود) يعني بن غيلان (قال بن نُمَيْرٍ فِي حَدِيثِهِ أَقْدَمُهُمْ سِنًّا) أَيْ قَالَ هَذَا اللَّفْظَ مَكَانَ لَفْظِ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَعَمْرِو بْنِ سَلِمَةَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ .

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .

     قَوْلُهُ  (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا أَذِنَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ الزَّائِرِ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَكَانِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَيُعَضِّدُهُ عُمُومُ مَا روى بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ وَرَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ وَرَجُلٌ يُنَادِي بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا إِلَّا بإذنهم ولا يخص نفسه بدعوة دونهم فإن فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ) أَيْ وَإِنْ أَذِنَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ وَقَالُوا السُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ صَاحِبُ الْبَيْتِ أَيْ يَؤُمَّ صَاحِبُ الْبَيْتِ وَلَا يَؤُمُّ الزَّائِرُ لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يَؤُمَّهُمْ وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا بن ماجه وقال هؤلاء قوله (إلا بإذنه) في حَدِيثُ الْبَابِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ لَا يَؤُمُّ الرَّجُلُ (فَإِذَا أَذِنَ فَأَرْجُو أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْكُلِّ) فَ.

     قَوْلُهُ  إِلَّا بِإِذْنِهِ مُتَعَلِّقٌ بِكِلَا الْفِعْلَيْنِ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَيُعَضِّدُهُ عُمُومُ قوله في حديث بن عَمْرٍو هُمْ بِهِ رَاضُونَ وَقَولُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى فَإِنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ إِمَامَةِ الزائر عند رضي الْمَزُورِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَزُورُ أهلا ل مامة فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا كَالْمَرْأَةِ فِي صُورَةِ كَوْنِ الزَّائِرِ رَجُلًا وَالْأُمِّيِّ فِي صُورَةِ كَوْنِ الزَّائِرِ قَارِئًا وَنَحْوِهِمَا فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِمَامَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ قَالَ فِي صَحِيحِهِ بَابٌ إِذَا زَارَ الْإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِحديث عتبان بن مالك قد اسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ فَأَشَرْتُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ فَقَامَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قِيلَ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّ حَدِيثَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مَرْفُوعًا مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يَؤُمَّهُمْ وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عَدَا الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ مُرَادُهُ أَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُ إِذَا حَضَرَ بِمَكَانٍ مَمْلُوكٍ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مَالِكُ الدَّارِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْإِمَامِ فِي التَّقَدُّمِ وَحَقِّ الْمَالِكِ فِي مَنْعِ التَّصَرُّفِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنَّ مَالِكَ الشَّيْءِ سُلْطَانٌ عَلَيْهِ وَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ سُلْطَانٌ عَلَى الْمَالِكِ وَقَولُهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَحْتَمِلُ عَوْدَهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ الْإِمَامَةِ وَالْجُلُوسِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَحْمَدُ كَمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَتَحْصُلُ بِالْإِذْنِ مُرَاعَاةُ الْجَانِبَيْنِ انْتَهَى 2 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ) قوله (حدثنا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الخزامي الْمَدَنِيُّ رَوَى عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فَأَكْثَرَ وَعَنْهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَجُلٌ صَالِحٌ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ مَا بِحَدِيثِهِ بَأْسٌ وقال الكسائي لَيْسَ بِالْقَوِيِّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.

     وَقَالَ  الْحَافِظُ ثقة له غرائب فليخفف قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ التَّطْوِيلُ وَالتَّخْفِيفُ مِنَ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ خَفِيفًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَادَةِ قَوْمٍ طَوِيلًا بِالنِّسْبَةِ لِعَادَةِ آخَرِينَ قَالَ وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَا يَزِيدُ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ لَا يُخَالِفُ مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ رَغْبَةَ الصَّحَابَةِ فِي الْخَيْرِ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ طويلا قال الحافظ وأولى مَا أُخِذَ حَدُّ التَّخْفِيفِ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أَنْتَ إِمَامُ قَوْمِكَ وَاقْدُرِ الْقَوْمَ بِأَضْعَفِهِمْ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ انْتَهَى فَإِنَّ فِيهِمُ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ أَيْ فِي السِّنِّ وَالضَّعِيفَ أَيْ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ وَالْمَرِيضَ وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَالْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَالْعَابِرَ السَّبِيلَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ وَذَا الْحَاجَةِ وَهُوَ أَشْمَلُ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّ فِيهِمْ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُتَّصِفٌ بِصِفَةٍ مِنَ الْمَذْكُورَاتِ لَمْ يَضُرَّ التَّطْوِيلُ قَالَ وَقَدْ قَدَّمْتُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ إِمْكَانِ مَجِيءِ مَنْ يَتَّصِفُ بِإِحْدَاهَا.

     وَقَالَ  الْيَعْمَرِيُّ الْأَحْكَامُ إِنَّمَا تُنَاطُ بِالْغَالِبِ لَا بِالصُّورَةِ النَّادِرَةِ فَيَنْبَغِي لِلْأَئِمَّةِ التَّخْفِيفُ مُطْلَقًا قَالَ وَهَذَا كَمَا شُرِعَ الْقَصْرُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَعُلِّلَ بِالْمَشَقَّةِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُشْرَعُ وَلَوْ لَمْ يَشُقَّ عَمَلًا بِالْغَالِبِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ وَهُنَاكَ كَذَلِكَ انْتَهَى مَا فِي الفتح وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ يَنْبَغِي لِكُلِّ إِمَامٍ أَنْ يُخَفِّفَ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ عَلِمَ قُوَّةَ مَنْ خَلْفَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَحْدُثُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَادِثٍ وَشُغُلٍ وَعَارِضٍ وَحَاجَةٍ وَحَدَثٍ وَغَيْرِهِ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ أَوْ مُخَفِّفًا أَوْ مُطَوِّلًا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلْيُطَوِّلْ مَا شاء قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَالْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ يُنَافِي قَوْلَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ إِنَّ تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى.

قُلْتُ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْحَدِيثَ يَنْفِي قَوْلَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَيَرُدُّهُ .

     قَوْلُهُ  (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَأَنَسٍ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَمَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي وَاقِدٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وأبي مسعود وجابر بن عبد الله وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فَأَخْرَجَهُ الطبراني وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ الْخُزَاعِيُّ وَحَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ فَأَخْرَجَهُمَا الطَّبَرَانِيُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مسعود فأخرجه الشيخان وبن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ الشيخان وأما حديث بن عباس فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ حَزْمِ بْنِ أَبِي كَعْبٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَنِ بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَعَنْ بُرَيْدَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ يُقَالُ لَهُ سَلِيمٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ .

     قَوْلُهُ  (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا بن مَاجَهْ .

     قَوْلُهُ  (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتَارُوا أَنْ لَا يُطِيلَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ إِلَخْ) قال بن عبد البرالتَّخْفِيفُ لِكُلِّ إِمَامٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إِلَيْهِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ أَقَلُّ الْكَمَالِ.
وَأَمَّا الْحَذْفُ وَالنُّقْصَانُ فَلَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نهى عن نقر الغراب ورأى يُصَلِّي فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ.

     وَقَالَ  لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِ التَّخْفِيفِ لِكُلِّ مَنْ أَمَّ قَوْمًا عَلَى مَا شَرَطْنَا مِنَ الْإِتْمَامِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لَا تُبَغِّضُوا اللَّهَ إِلَى عِبَادِهِ يُطَوِّلُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى يَشُقَّ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  (مِنْ أَخَفِّ النَّاسِ صَلَاةً فِي تَمَامٍ) قَالَ الْقَاضِي خِفَّةُ الصَّلَاةِ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ تَطْوِيلِ قِرَاءَتِهَا وَالِاقْتِصَارِ عَلَى قِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَعَنْ تَرْكِ الدَّعَوَاتِ الطَّوِيلَةِ فِي الِانْتِقَالَاتِ وَتَمَامُهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الْأَرْكَانِ وَالسُّنَنِ وَاللُّبْثِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا بِقَدْرِ مَا يُسَبِّحُ ثلاثا انتهى قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْقَاضِي هَذَا وَفِيهِ إِيهَامٌ أَنَّهُ مَا كَانَ يَقْرَأُ أَوْسَاطَ الْمُفَصَّلِ وَطِوَالَهَا وَقَدْ ثَبَتَ قِرَاءَتُهُ إِيَّاهَا فَالْمَعْنِيُّ بِالْخِفَّةِ أَنَّهُ مَا كَانَ يُمَطِّطُهَا وَيُمَدِّدُهَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا كَمَا يَفْعَلُهُ الْأَئِمَّةُ الْمُعَظَّمَةُ حَتَّى فِي مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُمْ يَمُدُّونَ فِي الْمَدَّاتِ الطَّبِيعِيَّةِ قَدْرَ ثَلَاثِ أَلِفَاتٍ وَيُطَوِّلُونَ السَّكَتَاتِ فِي مَوَاضِعِ الْوُقُوفَاتِ وَيَزِيدُونَ فِي عَدَدِ التَّسْبِيحَاتِ انْتِظَارًا لِفَرَاغِ الْمُكَبِّرِينَ الْمُطَوِّلِينَ فِي النَّغَمَاتِ بَلْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُجَوَّدَةً مُحَسَّنَةً مُرَتَّلَةً مُبَيَّنَةً مِنْ خَاصِّيَّةِ قِرَاءَتِهِ اللَّطِيفَةِ أَنَّهَا كَانَتْ خَفِيفَةً عَلَى النُّفُوسِ الشَّرِيفَةِ وَلَوْ كَانَتْ طَوِيلَةً لِأَنَّ الْأَرْوَاحَ لَا تَشْبَعُ مِنْهَا وَالْأَشْبَاحَ لَا تَقْنَعُ بِهَا انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ الْحَنَفِيُّ ظُهُورُ التَّخْفِيفِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْقِرَاءَةِ لَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ فِعْلِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ انْتَهَى قُلْتُ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْحَنَفِيَّةِ يُخَالِفُونَ فِعْلَ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ هَذَا فَيُخَفِّفُونَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ غَايَةَ التَّخْفِيفِ حَتَّى يَكُونَ سُجُودُهُمْ كَنَقْرِ الدِّيكِ.
وَأَمَّا تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ فَلَا يُخَفِّفُونَ فِيهِ بَلْ يَتْرُكُونَهُ رَأْسًا فَهَدَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى فِعْلِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ الَّذِي قَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي .

     قَوْلُهُ  (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ63 - (باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها

رقم الحديث 238 [238] ) .

     قَوْلُهُ  ( عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَرِيفٍ السَّعْدِيِّ) هُوَ طريف بن شهاب أو بن سَعْدٍ الْبَصْرِيُّ الْأَشَلُّ وَيُقَالُ لَهُ الْأَعْصَمُ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ.

     وَقَالَ  فِي الميزان ضعفه بن مَعِينٍ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ لَيْسَ بِشَيْءٍ.

     وَقَالَ  الْبُخَارِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ.

     وَقَالَ  النَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ ( عَنْ أَبِي نَضْرَةَ) بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قُطَعَةَ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الْعَبْدِيُّ الْعَوْفِيُّ الْبَصْرِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ .

     قَوْلُهُ  مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هُنَاكَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ ورواه ها هنا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ وَغَيْرِهَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ سُورَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ وَيُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ غَيْرُهَا مِنْهَا بِعِوَضٍ.

     وَقَالَ  الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرَوَى الْحَاكِمُ من طريق أشهب عن بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ غَيْرُهَا عِوَضًا مِنْهَا وَلَهُ شَوَاهِدُ فَسَاقَهَا انْتَهَى وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ يَقْرَأُ فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أسمعناكم وما أخفى عناأخفينا عَنْكُمْ وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ يحيى بن أبي الحجاج عن بن جُرَيْجٍ كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ لَكِنْ زَادَ فِي آخِرِهِ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّ ضَمِيرَ سَمِعْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ مَرْفُوعًا بِخِلَافِ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ نَعَمْ .

     قَوْلُهُ  مَا أَسْمَعَنَا وَمَا أَخْفَى عَنَّا يُشْعِرُ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ مُتَلَقًّى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ للجميع حكم الرفع انتهى وما رواه بن خزيمة عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَقْرَأْ فِيهِمَا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ.

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَتَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين .

     قَوْلُهُ  ( وَحَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَجْوَدُ وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ) لِأَنَّ فِي سند حديث أبي سعيد طريف السَّعْدِيَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ ( وَقَدْ كَتَبْنَاهُ) أي حديث علي ( أول) بالبناء عَلَى الضَّمِّ أَيْ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ( فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ) أَيْ فِي بَابِ مَا جَاءَ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ ( وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِنَّ تَحْرِيمَ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِالتَّكْبِيرِ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَوَافَقَهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ رِفَاعَةَ فِي قِصَّةِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ ثُمَّ يُكَبِّرَ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ ثُمَّ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثم يقول الله أكبر أخرجه بن ماجه وصححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَهَذَا فِيهِ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَرَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي ( قَالَ أَبُو عِيسَى سَمِعْتُ أَبَا بكر محمد بن أبان) بن الْوَزِيرِ الْبَلْخِيَّ يُلَقَّبُ بِحَمْدَوَيْهِ وَكَانَ مُسْتَمْلِي وَكِيعٍ ثقة حافظ من العاشرة قال بن حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ جَمَعَ وَصَنَّفَ رَوَى عَنِ بن عُيَيْنَةَ وَغُنْدَرٍ وَطَبَقَتِهِمَا وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالْأَرْبَعَةُ وَخَلْقٌ ( يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ) الْبَصْرِيَّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ حَافِظٌ عَارِفٌ بِالرِّجَالِ وَالْحَدِيثِ قَالَ بن الْمَدِينِيِّ مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ مِنْهُ يَقُولُ لَوِ افْتَتَحَ الرَّجُلُ الصَّلَاةَ بِتِسْعِينَ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَلَمْ يُكَبِّرْ لَمْ يُجْزِهِ يَعْنِي لَفْظَ اللَّهُ أَكْبَرُ مُتَعَيِّنٌ لِافْتِتَاحِالصَّلَاةِ لَا يَكُونُ الِافْتِتَاحُ إِلَّا بِهِ فَلَوْ قَالَ أَحَدٌ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ أَوْ قَالَ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ مَثَلًا لَمْ يُجْزِهِ وَلَمْ يَصِحَّ الِافْتِتَاحُ بِهِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمَنْصُورُ هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ( وَإِنْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَمَرْتُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى مَكَانِهِ وَيُسَلِّمَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ فَكَمَا أَنَّ التَّكْبِيرَ مُتَعَيَّنٌ لِلتَّحْرِيمِ وَلِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ التَّسْلِيمُ مُتَعَيَّنٌ لِلتَّحْلِيلِ وَالْخُرُوجِ عَنِ الصَّلَاةِ ( إِنَّمَا الْأَمْرُ عَلَى وَجْهِهِ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِهِ يَعْنِي قَوْلَهُ تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ لَا يأول بَلْ يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ السَّلَامَ فَرْضٌ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِهِ فَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا كَمَا أَنَّ مَا يَدْخُلُ بِهِ فِيهَا يَكُونُ فَرْضًا وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ.

     وَقَالَ  عُلَمَاؤُنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ إِنَّهُ وَاجِبٌ دُونَ فَرْضٍ انْتَهَى كَلَامُ السِّنْدِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا بِجَوَازِ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِكُلِّ مَا دَلَّ عَلَى التَّعْظِيمِ الْخَالِصِ غَيْرِ الْمَشُوبِ بِالدُّعَاءِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ التَّعْظِيمُ قال الله تعالى وربك فكبر أَيْ عَظِّمْ.

     وَقَالَ  تَعَالَى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فصلى وَذِكْرُ اسْمِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْمَنْقُولُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً لَا أَنَّهُ الشَّرْطُ دُونَ غَيْرِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ فَلَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ تَحْرِيمُهَا لَفْظُ التَّكْبِيرِ بَلْ مَعْنَاهُ تَحْرِيمُهَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ قُلْتُ الْحَقُّ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ تحريم التَّكْبِيرُ وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِالتَّكْبِيرِ كَمَا عَرَفْتَ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وربك فكبر فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ فَإِنَّهَا مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ قَبْلَ قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ الَّتِي فُرِضَتِ الصَّلَاةُ فِيهَا فَكَيْفَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرِ فِيهَا تَكْبِيرَ الِافْتِتَاحِ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَبَّدُ وَيُصَلِّي تَطَوُّعًا فِي جَبَلِ حِرَاءٍ وَغَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا أَنْ يُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ تَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ الْمُتَعَيَّنُ فَالْمُرَادُ بِهِ خُصُوصُ لَفْظِ التَّكْبِيرِ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ أَلْبَتَّةَ وَلَا عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَذَكَرَ اسم ربه فصلى فَلَا نُسَلِّمُ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ بِذِكْرِ اسْمِ رَبِّهِ تَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ لِمَ لَا يَجُوزُ أنيَكُونَ الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ وَبِالصَّلَاةِ صَلَاةَ الْعِيدِ وَبِقَوْلِهِ تَزَكَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ كَمَا رَوَاهُ عبد بن حميد وبن المنذر وبن أبي حاتم وعبد الرزاق وبن مردويه والبيهقي وغيرهم عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما وبن عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَى هَذَا فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَأَمَّا جَوَابُهُمْ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ فَفِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ لَا سِيَّمَا أَذْكَارُ الصَّلَاةِ وَأَدْعِيَتُهَا هُوَ التَّوْقِيفُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ.
وَأَمَّا قَوْلُ الحنفية فلا دليل عليه قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ ص 264 ج 1 الْمِثَالُ الْخَامِسَ عَشَرَ رَدُّ الْمُحْكَمِ الصَّرِيحِ مِنْ تَعْيِينِ التكبير للدخول في الصلاة بقوله إذا أقيمت الصَّلَاةُ فَكَبِّرْ وَقَولُهُ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَقَولُهُ لَا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر وَهِيَ نُصُوصٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ فَرُدَّتْ بِالْمُتَشَابِهِ من قوله وذكر اسم ربه فصلى انتهى 4 - ( باب في نشر الأصابع