فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء في المشي إلى المسجد

رقم الحديث 1643 [1643] .

     قَوْلُهُ  (يَمُوتُ) صِفَةٌ لِعَبْدٍ (لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ) أَيْ ثَوَابٌ صِفَةٌ أُخْرَى لِعَبْدٍ (يُحِبُّ أَنْ يرجعكَلِمَةُ أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ وَيَرْجِعَ لَازِمٌ (وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَطْفٌ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ عَلَى أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً حَالِيَّةً (إِلَّا الشَّهِيدَ) مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ (لِمَا يَرَى) بِكَسْرِ اللَّامِ التَّعْلِيلِيَّةِ (فَيُقْتَلَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ .

     قَوْلُهُ  (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي أَفْضَلِ الشُّهَدَاءِ مَكَانَ فِي فَضْلِ الشُّهَدَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ

رقم الحديث 1644 [1644] .

     قَوْلُهُ  (عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ) الْهُذَلِيِّ مَوْلَاهُمْ أبو الريان وَقِيلَ أَبُو طَلْحَةَ الْمِصْرِيُّ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ صَحِيفَتِهِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْخَوْلَانِيِّ) الْمِصْرِيِّ مَجْهُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدِ) بْنِ نَافِذِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّ الْأَوْسِيَّ أَوَّلُ مَا شَهِدَ أُحُدًا ثُمَّ نَزَلَ دِمَشْقَ وولى قضاها مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ قَبْلَهَا .

     قَوْلُهُ  (الشُّهَدَاءُ أَرْبَعَةٌ) أَيْ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ أَوْ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ (رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الْإِيمَانِ) أَيْ خَالِصُهُ أَوْ كَامِلُهُ (لَقِيَ الْعَدُوَّ) أَيْ مِنَ الْكُفَّارِ (فَصَدَقَ اللَّهَ) بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ صَدَقَ بِشَجَاعَتِهِ مَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ أَوْ بِتَشْدِيدِهِ أَيْ صَدَّقَهُ فِيمَا وَعَدَ عَلَى الشَّهَادَةِ (حَتَّى قُتِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ حَتَّى قَاتَلَ إِلَى أَنِ اسْتُشْهِدَ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْنِي أَنَّ الله وصف المجاهدين الذي قَاتَلُوا لِوَجْهِهِ صَابِرِينَ مُحْتَسِبِينَ فَتَحَرَّى هَذَا الرَّجُلُ بِفِعْلِهِ وَقَاتَلَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا فَكَأَنَّهُ صَدَقَ اللَّهَ تَعَالَى بِفِعْلِهِ قَالَ تَعَالَى رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عاهدوا الله عليه (فَذَاكَ) أَيِ الْمُؤْمِنُ (الَّذِي يَرْفَعُ النَّاسَأَيْ أَهْلَ الْمَوْقِفِ (هَكَذَا) مَصْدَرٌ .

     قَوْلُهُ  يَرْفَعُ أَيْ رَفْعًا مِثْلَ رَفْعِ رَأْسِي هَكَذَا كَمَا تُشَاهِدُونَ (وَرَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى وَقَعَتْ) أَيْ سَقَطَتْ (قَلَنْسُوَتُهُ) بِفَتْحَتَيْنِ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ أَيْ طَاقِيَّتُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ كِنَايَةٌ عَنْ تَنَاهِي رِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِ (فَلَا أَدْرِي) هَذَا قَوْلُ الرَّاوِي عَنْ فَضَالَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى وَقَعَتْ كَلَامُ فَضَالَةَ أَوْ كَلَامُ عُمَرَ وَالْمَعْنَى فَلَا أَعْلَمُ (قَلَنْسُوَةَ عُمَرَ أَرَادَ) أَيْ فَضَالَةَ (أَمْ قَلَنْسُوَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِعَادَتُهُ لِلْفَصْلِ (وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الْإِيمَانِ) يَعْنِي لَكِنْ دُونَ الْأَوَّلِ فِي مَرْتَبَةِ الشَّجَاعَةِ (فَكَأَنَّمَا ضَرَبَ) أَيْ مُشَبَّهًا بِمَنْ طَعَنَ (جِلْدَهُ بِشَوْكِ طَلْحٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَهُوَ شَجَرٌ عَظِيمٌ مِنْ شَجَرِ الْعِضَاهِ قَالَ الطِّيبِيُّ إِمَّا كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ يَقْشَعِرُّ شَعْرُهُ مِنَ الْفَزَعِ وَالْخَوْفِ أَوْ عَنِ ارْتِعَادِ فَرَائِصِهِ وَأَعْضَائِهِ وَقَولُهُ (مِنَ الْجُبْنِ) بَيَانُ التَّشْبِيهِ قَالَ القارىء الْأظْهَرُ أَنَّ مِنْ تَعْلِيلِيَّةٌ وَالْجُبْنُ ضِدُّ الشَّجَاعَةِ وَهُمَا خَصْلَتَانِ جِبِلِّيَّتَانِ مَرْكُوزَتَانِ فِي الْإِنْسَانِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْغَرَائِزَ الطَّبِيعِيَّةَ الْمُسْتَحْسَنَةَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَنِعَمِهِ يَسْتَوْجِبُ الْعَبْدُ بِهَا زِيَادَةَ دَرَجَةٍ (أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ مَثَلًا وَالتَّرْكِيبُ تَوْصِيفِيٌّ وَجَوَّزَ الْإِضَافَةَ وَالْمَعْنَى لَا يُعْرَفُ رَامِيهِ (فَقَتَلَهُ) أَيْ ذَلِكَ السَّهْمُ مَجَازًا (فَهُوَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ) وَفِي الْحَدِيثِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَوِيَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ كَمَا رُوِيَ (وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا) الْوَاوُ بِمَعْنَى الْبَاءِ أَوْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَخْلُوطٌ بِالْآخَرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا (حَتَّى قُتِلَ) أَيْ بِوَصْفِ الشَّجَاعَةِ (وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ بِكَثْرَةِ الْمَعَاصِي (حَتَّى قُتِلَ) أَيْ بِوَصْفِ الشَّجَاعَةِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ فَصَدَقَ اللَّهَ (فَذَاكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ) فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الشُّهَدَاءَ يَتَفَاضَلُونَ وَلَيْسُوا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا جَيِّدُ الْإِيمَانِ أَنَّ الْأَوَّلَ صَدَقَ اللَّهَ فِي إِيمَانِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَهَذَا بَذَلَ مُهْجَتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يَصْدُقْ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجُبْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّانِي وَالرَّابِعِ أَنَّ الثَّانِيَ جَيِّدُ الْإِيمَانِ غَيْرُ صَادِقٍ بِفِعْلِهِ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ فَعُلِمَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِخْلَاصَ لَا يَعْتَرِيهِ شَيْءٌ وَأَنَّ مَبْنَى الأعمال على الاخلاص قال القارىء فِيهِ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَى الْإِخْلَاصِ مَعَ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ مَرَاتِبِ الِاخْتِصَاصِ بلالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ بِالشَّجَاعَةِ وَضِدِّهَا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْإِيمَانِ وَصَلَاحِ الْعَمَلِ ثُمَّ دُونَهُمَا الْمُخَلِّطُ ثُمَّ دُونَهُمُ الْمُسْرِفُ مَعَ اتِّصَافِهِمَا بِالْإِيمَانِ أَيْضًا وَلَعَلَّ الطِّيبِيَّ أَرَادَ بِالْمُخَلِّطِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ نِيَّةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَبِالْمُسْرِفِ مَنْ نَوَى بِمُجَاهَدَتِهِ الْغَنِيمَةَ أَوِ الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ خَوْلَانَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ قَبِيلَةٌ بِالْيَمَنِ وَمِنْهَا أَبُو يَزِيدَ الْخَوْلَانِيُّ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي غَزْوِ الْبَحْرِ)

رقم الحديث 1645 [1645] .

     قَوْلُهُ  ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهِيَ خَالَةُ أَنَسٍ صَحَابِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ مَاتَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الِاسْتِئْذَانِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ ( وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ زَوْجَ عُبَادَةَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ غَزْوِ الْمَرْأَةِ فِي الْبَحْرِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ فَتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَتَزَوَّجَ بِهَا عُبَادَةُ بَعْدُ وَظَاهِرُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْهُ بَعْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْإِخْبَارُ عَمَّا آلَ إِلَيْهِ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِعِيَاضٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا هُنَاكَ فَمَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجِعْهُ ( وَحَبَسَتْهُ تَفْلِي رَأْسَهُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ تُفَتِّشُ مَا فِيهِ مِنَ الْقَمْلِ ( فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عِنْدَنَا ( ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ) أَيْ فَرَحًا وَسُرُورًا لِكَوْنِ أُمَّتِهِتَبْقَى بَعْدَهُ مُتَظَاهِرَةً أُمُورَ الْإِسْلَامِ قَائِمَةً بِالْجِهَادِ حَتَّى فِي الْبَحْرِ ( قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً) جَمْعُ غَازٍ كَقُضَاةٍ جَمْعُ قَاضٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِيَّةِ وَقَولُهُ عُرِضُوا بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَعَلَيَّ بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ ( يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ) قَالَ الْحَافِظُ الثَّبَجُ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ جِيمٌ ظَهْرُ الشَّيْءِ هَكَذَا فَسَّرَهُ جَمَاعَةٌ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ مَتْنُ الْبَحْرِ وَظَهْرُهُ.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِيُّ ثَبَجُ كُلِّ شَيْءٍ وَسَطُهُ قَالَ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا ظَهْرُهُ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ ( مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلُ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ) بِالشَّكِّ مِنْ إِسْحَاقَ الرَّاوِي عَنْ أَنَسٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَفِي رِوَايَةٍ مِثْلُ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ بِغَيْرِ شَكٍّ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي الْفَتْحِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَرَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ رَأَى الْغُزَاةَ فِي الْبَحْرِ مِنْ أُمَّتِهِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَرُؤْيَاهُ وَحْيٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى سرر متقابلين وقال على الأرائك متكئون وَالْأَرَائِكُ السُّرَرُ فِي الْحِجَالِ وَقَالَ عِيَاضٌ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ حَالِهِمْ فِي الْغَزْوِ مِنْ سَعَةِ أَحْوَالِهِمْ وَقِوَامِ أَمْرِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَجَوْدَةِ عَدَدِهِمْ فَكَأَنَّهُمُ الْمُلُوكُ عَلَى الْأَسِرَّةِ قَالَ الْحَافِظُ وَفِي هَذَا الِاحْتِمَالِ بُعْدٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لَكِنَّ الْإِتْيَانَ بِالتَّمْثِيلِ فِي مُعْظَمِ طُرُقِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مَا يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ لَا أَنَّهُمْ نَالُوا ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ مَوْقِعُ التَّشْبِيهِ أَنَّهُمْ فِيمَا هُمْ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي أُثِيبُوا بِهِ عَلَى جِهَادِهِمْ مِثْلُ مُلُوكِ الدُّنْيَا عَلَى أَسِرَّتِهِمْ فَالتَّشْبِيهُ بِالْمَحْسُوسَاتِ أَبْلَغُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ ( فَدَعَا لَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّكِ مِنْهُمْ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ دَعَا لَهَا فَأُجِيبَ فَأَخْبَرَهَا جَازِمًا بِذَلِكَ ( نَحْوُ مَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْفِرْقَةَ الثَّانِيَةَ يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ وَلَكِنَّ رِوَايَةَ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَةَ إِنَّمَا غَزَتْ فِي الْبَرِّ لِقَوْلِهِ يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ وقد حكى بن التِّينِ أَنَّ الثَّانِيَةَ وَرَدَتْ فِي غُزَاةِ الْبَرِّ وَأَقَرَّهُ وَعَلَى هَذَا يُحْتَاجُ إِلَى حَمْلِ الْمِثْلِيَّةِ فِي الْخَبَرِ عَلَى مُعْظَمِ مَا اشْتَرَكَتْ فِيهِ الطَّائِفَتَانِ لَا خُصُوصِ رُكُوبِ الْبَحْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْعَسْكَرِ الَّذِينَ غَزَوْا مَدِينَةَ قَيْصَرَ رَكِبُوا الْبَحْرَ إِلَيْهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ المراد ما حكى بن التِّينِ فَتَكُونُ الْأَوَّلِيَّةُ مَعَ كَوْنِهَا فِي الْبَرِّ مُقَيَّدَةً بِقَصْدِ مَدِينَةِ قَيْصَرَ وَإِلَّا فَقَدْ غَزَوْا قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْبَرِّ مِرَارًا وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْأُولَى فِي أَوَّلِ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ مِنَ التَّابِعِينَ وَقَالَ الْحَافِظُ بَلْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لَكِنَّمُعْظَمَ الْأُولَى مِنَ الصَّحَابَةِ وَالثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ وَقَالَ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي السِّيَاقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُؤْيَاهُ الثَّانِيَةَ غَيْرُ رُؤْيَاهُ الْأُولَى وَأَنَّ فِي كُلِّ نَوْمَةٍ عُرِضَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْغُزَاةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ أُمِّ حَرَامٍ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ فَلِظَنِّهَا أَنَّ الثَّانِيَةَ تُسَاوِي الْأُولَى فِي الْمَرْتَبَةِ فَسَأَلَتْ ثَانِيًا لِيَتَضَاعَفَ لَهَا الْأَجْرُ لَا أَنَّهَا شَكَّتْ فِي إِجَابَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَفِي جَزْمِهِ بِذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ لَا تَنَافِي بَيْنَ إِجَابَةِ دُعَائِهِ وَجَزْمِهِ بِأَنَّهَا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَبَيْنَ سُؤَالِهَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الْآخِرِينَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعِ التَّصْرِيحُ لَهَا أَنَّهَا تَمُوتُ قَبْلَ زَمَانِ الْغَزْوَةِ الثَّانِيَةِ فَجَوَّزَتْ أَنَّهَا تُدْرِكُهَا فَتَغْزُوَ مَعَهُمْ وَيَحْصُلَ لَهَا أَجْرُ الْفَرِيقَيْنِ فَأَعْلَمَهَا أَنَّهَا لَا تُدْرِكُ زَمَانَ الْغَزْوَةِ الثَّانِيَةِ فَكَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى ( أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُؤْيَاهُ الثَّانِيَةَ غَيْرُ الْأُولَى وَأَنَّهُ عُرِضَ فِيهِ غَيْرُ الْأَوَّلِينَ ( فَرَكِبَتْ أُمُّ حَرَامٍ الْبَحْرَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) ظَاهِرُهُ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدِ اغْتَرَّ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ النَّاسِ فَوَهِمَ فَإِنَّ الْقِصَّةَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي حَقِّ أَوَّلِ مَنْ يَغْزُو فِي الْبَحْرِ وَكَانَ عُمَرُ يَنْهَى عَنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ اسْتَأْذَنَهُ مُعَاوِيَةُ فِي الْغَزْوِ فِي الْبَحْرِ فَأَذِنَ لَهُ وَنَقَلَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَسْلَمَ وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ التَّصْرِيحُ فِي الصَّحِيحِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَوَّلَ مَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ في البحر ونقل أيضا من طريق خالد بن مَعْدَانَ قَالَ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ مُعَاوِيَةُ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَكَانَ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَلَمْ يَزَلْ بِعُثْمَانَ حَتَّى أَذِنَ لَهُ.

     وَقَالَ  لَا تَنْتَخِبْ أَحَدًا بَلْ مَنِ اخْتَارَ الْغَزْوَ فِيهِ طَائِعًا فَأَعِنْهُ فَفَعَلَ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( فَصُرِعَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ) وَفِي رِوَايَةٍ فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ إِلَى الشَّامِ قُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصُرِعَتْ فَمَاتَتْ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَوَقَصَتْهَا بَغْلَةٌ لَهَا شَهْبَاءُ فَوَقَعَتْ فَمَاتَتْ وَفِي رِوَايَةٍ فَوَقَعَتْ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَغْلَةَ الشَّهْبَاءَ قُرِّبَتْ إِلَيْهَا لِتَرْكَبَهَا فَشَرَعَتْ لِتَرْكَبَ فَسَقَطَتْ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا فَمَاتَتْ تَنْبِيهٌ قَدْ أَشْكَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ نَوْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أُمِّ حَرَامٍ وَتَفْلِيَتُهَا رَأْسَهُ فَقَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَلَفُوا في كيفية ذلك فقال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ كَانَتْ إِحْدَى خَالَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ بَلْ كَانَتْ خَالَةً لِأَبِيهِ أَوْ لِجَدِّهِ لِأَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ انْتَهَى قُلْتُ فِي ادِّعَائِهِ الِاتِّفَاقَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ فِي كَوْنِهَا مَحْرَمًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَمُّلًا فَقَدْ بَالَغَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنِ ادَّعَى الْمَحْرَمِيَّةَ فَقَالَ ذَهَلَ كُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ أُمَّ حَرَامٍ إِحْدَى خَالَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَوْ مِنَ النَّسَبِ وَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَ لَهَا خُؤُولَةً تَقْتَضِي مَحْرَمِيَّةً لِأَنَّ أُمَّهَاتِهِ منالنَّسَبِ وَاَللَّاتِي أَرْضَعْنَهُ مَعْلُومَاتٌ لَيْسَ فِيهِنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْصَارِ الْبَتَّةَ سِوَى أُمِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهِيَ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ لِبِيدِ بْنِ خِرَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غُنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَأُمُّ حَرَامٍ هِيَ بِنْتُ مِلْحَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرٍ الْمَذْكُورِ فَلَا تَجْتَمِعُ أُمُّ حَرَامٍ وَسَلْمَى إِلَّا فِي عَامِرِ بْنِ غُنْمٍ جَدِّهِمَا الْأَعْلَى وَهَذِهِ خُؤُولَةٌ لَا تَثْبُتُ بِهَا مَحْرَمِيَّةٌ لِأَنَّهَا خُؤُولَةٌ مَجَازِيَّةٌ وَهِيَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ هَذَا خَالِي لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَهُمْ أَقَارِبُ أُمِّهِ آمِنَةَ وَلَيْسَ سَعْدٌ أَخًا لِآمِنَةَ لَا مِنَ النَّسَبِ وَلَا مِنَ الرضاعة انتهى وذكر بن الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْصُومًا يَمْلِكُ إِرْبَهُ عَنْ زَوْجَتِهِ فَكَيْفَ عَنْ غَيْرِهَا مِمَّا هُوَ الْمُنَزَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُبَرَّأُ عَنْ كُلِّ فِعْلٍ قَبِيحٍ وَقَوْلَةُ رَفَثٍ وَرَدَّهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَثُبُوتُ الْعِصْمَةِ مُسَلَّمٌ لَكِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ وَجَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ حَتَّى يَقُومَ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ دَلِيلٌ قِيلَ يُحْمَلُ دُخُولُهُ عَلَيْهَا أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْحِجَابِ قَالَ الْحَافِظُ وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْحِجَابِ جَزْمًا وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى شَرْحِهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَالَ الدِّمْيَاطِيُّ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخَلْوَةِ بِهَا فَلَعَلَّ كَانَ ذَاكَ مَعَ وَلَدٍ أَوْ خَادِمٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ تَابِعٍ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ احْتِمَالٌ قَوِيٌّ لَكِنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ مِنْ أَصْلِهِ لِبَقَاءِ الْمُلَامَسَةِ فِي تَفْلِيَةِ الرَّأْسِ وَكَذَا النَّوْمُ فِي الْحِجْرِ ثُمَّ قَالَ وَأَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ دَعْوَى الْخُصُوصِيَّةِ وَلَا يَرُدُّهَا كَوْنُهَا لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه 6 - ( باب ما جاء في من يُقَاتِلُ رِيَاءً وَلِلدُّنْيَا)

رقم الحديث 1646 [1646] .

     قَوْلُهُ  ( سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شُجَاعَةً) أَيْ لِيُذْكَرَ بَيْنَ النَّاسِ وَيُوصَفَبِالشَّجَاعَةِ ( وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً) أَيْ لِمَنْ يُقَاتِلُ لِأَجْلِهِ مِنْ أَهْلٍ أَوْ عَشِيرَةٍ أَوْ صَاحِبٍ ( وَيُقَاتِلُ رِيَاءً) أَيْ لِيَرَى النَّاسُ مَنْزِلَتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ لِيُرَى مَكَانُهُ ( مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ الْحَافِظُ المراد بكلمة الله ودعوة اللَّهِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ كَانَ سَبَبُ قِتَالِهِ طَلَبَ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ فَقَطْ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ سَبَبًا مِنَ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ أَخَلَّ بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُخِلَّ إِذَا حَصَلَ ضِمْنًا لَا أَصْلًا وَمَقْصُودًا وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ إِذَا كَانَ أَصْلُ الْبَاعِثِ هُوَ الْأَوَّلُ لَا يَضُرُّهُ مَا عَرَضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبُو أُمَامَةَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله قَالَ لَا شَيْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى مَنْ قَصَدَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فَلَا يُخَالِفُ الْمُرَجَّحَ أَوَّلًا فَتَصِيرُ الْمَرَاتِبُ خَمْسًا أَنْ يَقْصِدَ الشَّيْئَيْنِ مَعًا أَوْ يَقْصِدَ أَحَدَهُمَا صِرْفًا أَوْ يَقْصِدَ أَحَدَهُمَا وَيَحْصُلَ الْآخَرُ ضِمْنًا فَالْمَحْذُورُ أَنْ يَقْصِدَ غَيْرَ الْإِعْلَاءِ فَقَدْ يَحْصُلُ الْإِعْلَاءُ ضِمْنًا وَقَدْ لَا يَحْصُلُ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَرْتَبَتَانِ وَهَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَدُونَهُ أَنْ يَقْصِدَهُمَا مَعًا فَهُوَ مَحْذُورٌ أَيْضًا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ وَالْمَطْلُوبُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِعْلَاءَ صِرْفًا وَقَدْ يَحْصُلُ غَيْرُ الْإِعْلَاءِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ فَفِيهِ مَرْتَبَتَانِ أَيْضًا قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَاعِثُ الْأَوَّلُ قَصْدَ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ مَا انْضَافَ إِلَيْهِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ دُخُولَ غَيْرِ الْإِعْلَاءِ ضِمْنًا لَا يَقْدَحُ فِي الْإِعْلَاءِ إِذَا كَانَ الْإِعْلَاءُ هُوَ الْبَاعِثَ الْأَصْلِيَّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَقْدَامِنَا لِنَغْنَمَ فَرَجَعْنَا وَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ الْحَدِيثَ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْأَعْمَالَ إِنَّمَا تُحْتَسَبُ بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَأَنَّ الْفَضْلَ الَّذِي وَرَدَ فِي الْمُجَاهِدِ يَخْتَصُّ بِمَنْ ذُكِرَ وَفِيهِ ذَمُّ الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا وَعَلَى الْقِتَالِ لِحَظِّ النَّفْسِ فِي غَيْرِ الطَّاعَةِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه

رقم الحديث 1647 [1647] .

     قَوْلُهُ  ( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ) قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْأُصُولِ وَغَيْرِهِمْ لَفْظَةُ إِنَّمَا مَوْضُوعَةٌ للحصر نثبت الْمَذْكُورَ وَتَنْفِي مَا سِوَاهُ فَتَقْدِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَعْمَالَ تُحْسَبُ بِنِيَّةٍ وَلَا تُحْسَبُ إِذَا كَانَتْ بِلَا نِيَّةٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَالْأَعْمَالُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ أَقْوَالًا أَوْ أَفْعَالًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً صَادِرَةً مِنَ الْمُكَلَّفِينَ الْمُؤْمِنِينَ ( بِالنِّيَّةِ) بِالْإِفْرَادِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ بِالنِّيَّاتِ بِالْجَمْعِ قَالَ الْحَافِظُ كَذَا أُورِدَ هُنَا وَهُوَ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ أَيْ كُلُّ عَمَلٍ بِنِيَّتِهِ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ كَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ النِّيَّةَ تَتَنَوَّعُ كَمَا تَتَنَوَّعُ الْأَعْمَالُ كَمَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللَّهِ أَوْ تَحْصِيلَ مَوْعُودِهِ أَوِ الِاتِّقَاءَ لِوَعِيدِهِ وَوَقَعَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِإِفْرَادِ النِّيَّةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ وَهُوَ مُتَّحِدٌ فَنَاسَبَ إِفْرَادُهَا بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالظَّوَاهِرِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ فَنَاسَبَ جَمْعُهَا وَلِأَنَّ النِّيَّةَ تَرْجِعُ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَهُوَ وَاحِدٌ لِلْوَاحِدِ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ وَالنِّيَّةُ الْقَصْدُ وَهُوَ عَزِيمَةُ الْقَلْبِ.
وَتَعَقَّبَهُ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ عَزِيمَةَ القلب قدر زائد على أصل القصد وقال الْبَيْضَاوِيُّ النِّيَّةُ عِبَارَةٌ عَنِ انْبِعَاثِ الْقَلْبِ نَحْوَ مَا يَرَاهُ مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ حَالًا أَوْ مَآلًا وَالشَّرْعُ خَصَّصَهُ بِالْإِرَادَةِ الْمُتَوَجِّهَةِ نَحْوَ الْفِعْلِ لِابْتِغَاءِ رِضَا اللَّهِ وَامْتِثَالِ حُكْمِهِ وَالنِّيَّةُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِيَصِحَّ تَطْبِيقُهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ وَتَقْسِيمُهُ أَحْوَالَ الْمُهَاجِرِ فَإِنَّهُ تَفْصِيلٌ لِمَا أُجْمِلَ وَلَا بُدَّ مِنْ مَحْذُوفٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فَقِيلَ تُعْتَبَرُ وَقِيلَ تَكْمُلُ وَقِيلَ تَصِحُّ وَقِيلَ تَحْصُلُ وَقِيلَ تَسْتَقِرُّ وَقِيلَ الْكَوْنُ الْمُطْلَقُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هُوَ الْأَحْسَنُ قَالَ الطِّيبِيُّ كَلَامُ الشَّارِعِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ هُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ فَكَأَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ إِلَّا مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى مَا يُفِيدُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ انْتَهَى ( وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ تَحْقِيقٌ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ فَجَنَحَ إِلَى أَنَّهَا مُؤَكِّدَةٌ وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ تُفِيدُ غَيْرَ مَا أَفَادَتْهُ الْأُولَى لِأَنَّ الْأُولَى نَبَّهَتْ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ يَتْبَعُ النِّيَّةَ بِصَاحِبِهَا فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ أَفَادَتْ أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَحْصُلُ لَهُ إِلَّا مَا نَوَاهُ وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ يَعْنِي إِذَا عَمِلَهُ بِشَرَائِطِهِ أَوْ حَالَ دُونَ عَمَلِهِ مَا يُعْذَرُ شَرْعًا بِعَدَمِ عَمَلِهِ وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَنْوِهِ أَيْ لَا خُصُوصًا وَلَا عُمُومًا أَمَّا إِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مَخْصُوصًا لَكِنْ كَانَتْ هُنَاكَ نِيَّةٌ عَامَّةٌ تَشْمَلُهُ فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ أَنْظَارُ الْعُلَمَاءِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَسَائِلِ ما لايُحْصَى وَقَدْ يَحْصُلُ غَيْرُ الْمَنْوِيِّ لِمُدْرَكٍ آخَرَ كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى الْفَرْضَ أَوِ الرَّاتِبَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ نَوَاهَا أَوْ لَمْ يَنْوِهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّحِيَّةِ شَغْلُ الْبُقْعَةِ وَقَدْ حَصَلَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَنِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى الرَّاجِحِ لِأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى التَّعَبُّدِ لَا إِلَى مَحْضِ التَّنْظِيفِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْقَصْدِ إِلَيْهِ بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَفَادَتِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ اشْتِرَاطَ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَائِتَةٌ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ الْفَائِتَةَ فَقَطْ حَتَّى يُعَيِّنَهَا ظُهْرًا مَثَلًا أَوْ عَصْرًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إِذَا لَمْ تَنْحَصِرِ الْفَائِتَةُ ( فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ) الْهِجْرَةُ التَّرْكُ وَالْهِجْرَةُ إِلَى الشَّيْءِ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ عَنْ غَيْرِهِ وَفِي الشَّرْعِ تَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ الِانْتِقَالُ مِنْ دَارِ الْخَوْفِ إِلَى دَارِ الْأَمْنِ كَمَا فِي هِجْرَتَيِ الْحَبَشَةِ وَابْتِدَاءِ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ الثَّانِي الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِيمَانِ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَهَاجَرَ إِلَيْهِ مَنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتِ الْهِجْرَةُ إِذْ ذَاكَ تَخْتَصُّ بِالِانْتِقَالِ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ فَانْقَطَعَ الِاخْتِصَاصُ وَبَقِيَ عُمُومُ الِانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَاقِيًا فَإِنْ قِيلَ الْأَصْلُ تَغَايُرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَقَدْ وَقَعَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُتَّحِدَيْنِ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّغَايُرَ يَقَعُ تَارَةً بِاللَّفْظِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَتَارَةً بِالْمَعْنَى وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنَ السِّيَاقِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا وهو مؤول عَلَى إِرَادَةِ الْمَعْهُودِ الْمُسْتَقِرِّ فِي النَّفْسِ كَقَوْلِهِمْ أَنْتَ أَنْتَ أَيِ الصَّدِيقُ الْخَالِصُ.

وَقَولُهُمْ هُمْ هُمْ أَيِ الَّذِينَ لَا يُقَدَّرُ قَدْرُهُمْ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي وَشِعْرِي أَوْ هو مؤول عَلَى إِقَامَةِ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ لِاشْتِهَارِ السَّبَبِ وقال بن مَالِكٍ قَدْ يُقْصَدُ بِالْخَبَرِ الْفَرْدِ بَيَانُ الشُّهْرَةِ وَعَدَمِ التَّغَيُّرِ فَيَتَّحِدُ بِالْمُبْتَدَأِ لَفْظًا كَقَوْلِ الشَّاعِرِ خَلِيلَيَّ خَلِيلَيَّ دُونَ رَيْبٍ وَرُبَّمَا أَلَانَ امْرُؤٌ قَوْلًا فَظُنَّ خَلِيلًا وَقَدْ يُفْعَلُ مِثْلُ هَذَا بِجَوَابِ الشَّرْطِ كَقَوْلِكَ مَنْ قَصَدَنِي فَقَدْ قَصَدَنِي أَيْ فَقَدْ قَصَدَ مَنْ عُرِفَ بِإِنْجَاحِ قَاصِدِهِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ إِذَا اتَّحَدَ لَفْظُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ عُلِمَ مِنْهُمَا الْمُبَالَغَةُ إِمَّا فِي التَّعْظِيمِ وَإِمَّا فِي التَّحْقِيرِ ( إِلَى دُنْيَا) بِضَمِّ الدَّالِ وَبِكَسْرٍ وَهِيَ فُعْلَى مِنَ الدُّنُوِّ وَهُوَ الْقُرْبُ لِدُنُوِّهَا إِلَى الزَّوَالِ أَوْ لِقُرْبِهَا مِنَ الْآخِرَةِ مِنَّا وَلَا تُنَوَّنُ لِأَنَّ أَلِفَهَا مَقْصُورَةٌ لِلتَّأْنِيثِ أَوْ هِيَ تَأْنِيثٌ أَدْنَى وَهِيَ كَافِيَةٌ فِي مَنْعِ الصَّرْفِ وَتَنْوِينُهَا فِي لُغَةٍ شَاذَّةٍ ولِإِجْرَائِهَا مَجْرَى الْأَسْمَاءِ وَخَلْعِهَا عَنِ الْوَصْفِيَّةِ نُكِّرَتْكَرُجْعَى وَلَوْ بَقِيَتْ عَلَى وَصْفِيَّتِهَا لَعُرِفَتْ كَالْحُسْنَى وَاخْتَلَفُوا فِي حَقِيقَتِهَا فَقِيلَ هِيَ اسْمُ مَجْمُوعِ هَذَا الْعَالَمِ الْمُتَنَاهِي وَقِيلَ هِيَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْجَوِّ وَالْهَوَاءِ أَوْ هِيَ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ الْمَوْجُودَةِ قَبْلَ الْآخِرَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَيُطْلَقُ عَلَى كل جزء منها مجازا وأريد ها هنا شَيْءٌ مِنَ الْحُظُوظِ النَّفْسَانِيَّةِ ( يُصِيبُهَا) أَيْ يُحَصِّلُهَا لَكِنْ لِسُرْعَةِ مُبَادَرَةِ النَّفْسِ إِلَيْهَا بِالْجِبِلَّةِ الْأَصْلِيَّةِ شُبِّهَ حُصُولُهَا بِإِصَابَةِ السَّهْمِ لِلْغَرَضِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ حَالَ أَيْ يَقْصِدُ إِصَابَتَهَا ( أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا) خُصَّتْ بِالذِّكْرِ تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَتِ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بسند رجاله ثقات عن بن مَسْعُودٍ كَانَ فِينَا رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قَيْسٍ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ حَتَّى يُهَاجِرَ فَهَاجَرَ فَتَزَوَّجَهَا قَالَ فَكُنَّا نُسَمِّيهِ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ قَصَدَ فِي ضِمْنِ الْهِجْرَةِ سُنَّةً عَظِيمَةً أَبْطَلَ ثَوَابَ هِجْرَتِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ غَيْرُهُ أَوْ دَلَالَةً عَلَى أَعْظَمِ فِتَنِ الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ صَالِحَةً تَكُونُ خَيْرَ مَتَاعِهَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الدُّنْيَا كُلُّهَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ( فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) أَيْ مُنْصَرِفَةٌ إِلَى الْغَرَضِ الَّذِي هَاجَرَ إِلَيْهِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ أَوِ الْمَعْنَى فَهِجْرَتُهُ مَرْدُودَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَالَ الْحَافِظُ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ الْمَشْهُورُونَ إِلَّا الْمُوَطَّأَ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ مُغْتَرٌّ بِتَخْرِيجِ الشَّيْخَيْنِ لَهُ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ أَحَادِيثَ يَسِيرَةً زَائِدَةً عَلَى سَائِرِ الْمُوَطَّآتِ مِنْهَا حَدِيثُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ الْحَدِيثَ وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ قَوْلُ مَنْ عَزَا رِوَايَتَهُ إِلَى الْمُوَطَّأِ وَوَهِمَ مَنْ خَطَّأَهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَدْ تَوَاتَرَ النَّقْلُ عَنِ الْأَئِمَّةِ فِي تَعْظِيمِ قَدْرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ فِيالحافظ ويؤيد الثاني ما رواه بن الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَتَأَخَّرَ لِيَشْهَدَ الصَّلَاةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ مَا أَدْرَكْتَ فَضْلَ غَدْوَتِهِمْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ تَسْهِيلُ أَمْرِ الدُّنْيَا وَتَعْظِيمُ أَمْرِ الْجِهَادِ وَأَنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ مِنَ الْجَنَّةِ قَدْرُ سَوْطٍ يَصِيرُ كَأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي الدُّنْيَا فَكَيْفَ بِمَنْ حَصَّلَ مِنْهَا أَعْلَى الدَّرَجَاتِ وَالنُّكْتَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّأْخِيرِ عَنِ الْجِهَادِ الْمَيْلُ إِلَى سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الدُّنْيَا فَنُبِّهَ هَذَا الْمُتَأَخِّرُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ الْيَسِيرَ مِنَ الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي الدُّنْيَا ( وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ) أَيْ قَدْرُهُ وَالْقَابُ بِالْقَافِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ مَعْنَاهُ الْقَدْرُ وَقِيلَ الْقَابُ مَا بَيْنَ مِقْبَضِ الْقَوْسِ وَسِيَتِهِ وَقِيلَ مَا بَيْنَ الْوَتَرِ وَالْقَوْسِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَوْسِ هُنَا الذِّرَاعُ الَّذِي يُقَاسُ بِهِ وَكَأَنَّ الْمَعْنَى بَيَانُ فَضْلِ قَدْرِ الذِّرَاعِ مِنَ الْجَنَّةِ ( أَوْ مَوْضِعُ يَدِهِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَيْ مِقْدَارُ يَدِهِ ( خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) أَيْ مِنْ إِنْفَاقِهَا فِيهَا لَوْ مَلَكَهَا أَوْ نَفْسِهَا لَوْ مَلَكَهَا لِأَنَّهُ زَائِلٌ لَا مَحَالَةَ ( أَطْلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ) أَيْ أَشْرَفَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ إِلَيْهَا ( لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ أَوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِتَحَقُّقِ ذِكْرِهِمَا فِي الْعِبَارَةِ صريحا قاله القارىء ( وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا) أَيْ طَيِّبَةً ( وَلَنَصِيفُهَا) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ فَاءٌ هُوَ الْخِمَارُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ ( عَلَى رَأْسِهَا) قَيَّدَ بِهِ تَحْقِيرًا لَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى خِمَارِ الْبَدَنِ جَمِيعِهِ ( خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) أَيْ فَكَيْفَ الْجَنَّةُ نَفْسُهَا وَمَا بِهَا مِنْ نَعِيمِهَا .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وبن ماجه

رقم الحديث 1648 [1648] .

     قَوْلُهُ  ( حَدَّثَنَا الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ) قَالَ في التقريب عطاف بتشديد الطاء بن خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَاصِ الْمَخْزُومِيُّ أبو صفوان المدني يَهِمُ مِنَ السَّابِعَةِ مَاتَ قَبْلَ مَالِكٍ انْتَهَى ( عن أبي حازم) هو بن دينار.

     قَوْلُهُ  ( غَدْوَةٌ) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ الرَّوْحَةُ وَالْغَدْوَةُ وَعِنْدَ بن مَاجَهْ غَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ ( وَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجنة) خص الصوت لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الرَّاكِبِ إِذَا أَرَادَ النُّزُولَ فِي مَنْزِلٍ أَنْ يُلْقِيَ سَوْطَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ مُعْلِمًا بِذَلِكَ الْمَكَانَ لِئَلَّا يَسْبِقَهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ أَوَّلُ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى ما أخرجه أحمد والشيخان وبن مَاجَهْ عَنْهُ بِلَفْظِ غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا

رقم الحديث 1649 [1649] .

     قَوْلُهُ  ( وَالْحَجَّاجُ عَنِ الْحَكَمِ) يُحْتَمَلُ أن يكون عطفا على بن عَجْلَانَ فَيَكُونُ لِأَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ شَيْخَانِ أَحَدُهُمَا بن عَجْلَانَ وَهُوَ رَوَى عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالثَّانِي الْحَجَّاجُ وَهُوَ رَوَى عَنِ الحكم عن مقسم عن بن عَبَّاسٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ فَيَكُونُ لِأَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ شَيْخَانِ أَحَدُهُمَا أَبُو خَالِدٍ وَالثَّانِي الْحَجَّاجُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَالْحَجَّاجُ هذا هو بن دِينَارٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَهُ ذِكْرٌ فِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ مِنَ السابعة انتهى والحكم هو بن عُتَيْبَةَ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا دَلَّسَ مِنَ الْخَامِسَةِ .

     قَوْلُهُ  هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فأخرجه الشيخان وبن ماجهوأما حديث بن عَبَّاسٍ فَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هذا الحديث من طريق مقسم عن بن عَبَّاسٍ وَنَقَلَ تَحْسِينَهُ انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ التِّرْمِذِيُّ

رقم الحديث 1650 [165] .

     قَوْلُهُ  ( عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ اللَّيْثِيُّ مَوْلَاهُمْ أبو العلاء المصري قبل مدني الأصل وقال بن يُونُسَ بَلْ نَشَأَ بِهَا صَدُوقٌ لَمْ أَرَ لِابْنِ حَزْمٍ فِي تَضْعِيفِهِ سَلَفًا إِلَّا أَنَّ السَّاجِيَ حَكَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ اخْتَلَطَ مِنَ السَّادِسَةِ انْتَهَى وَقَدْ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ فِي الْهِنْدِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الرِّجَالِ مَنِ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ ( عن بن أَبِي ذُبَابٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ .

     قَوْلُهُ  ( مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِعْبٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الشِّعْبُ بِالْكَسْرِ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ وَمَسِيلُ الْمَاءِ في بطن أرض أما انْفَرَجَ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا هُوَ الْمَعْنَى الْأَخِيرُ ( فِيهِ عُيَيْنَةٌ) تَصْغِيرُ عَيْنٍ بِمَعْنَى الْمَنْبَعِ ( مِنْ مَاءٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ صِفَةُ عُيَيْنَةٍ جِيءَ بِهَا مَادِحَةً لِأَنَّ التَّنْكِيرَ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى نَوْعِ مَاءٍ صَافٍ تَرُوقُ بِهَا الْأَعْيُنُ وَتُبْهَجُ بِهِ الْأَنْفُسُ ( عَذْبَةٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ عُيَيْنَةٍ وَبِالْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ أَيْ طَيِّبَةٌ أَوْ طَيِّبٌ مَاؤُهَا قَالَ الطِّيبِيُّ وَعَذْبَةٌ صِفَةٌ أُخْرَى مُمَيِّزَةٌ لِأَنَّ الطَّعْمَ الْأَلَذَّ سَائِغٌ فِي الْمَرِيءِ وَمِنْ ثَمَّ أُعْجِبَ الرَّجُلُ وَتَمَنَّى الِاعْتِزَالَ عَنِ النَّاسِ ( فَأَعْجَبَتْهُ) أَيِ الْعُيَيْنَةُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الْمَكَانِ ( فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ ( لَوِ اعْتَزَلْتُ النَّاسَ) لَوْ لِلتَّمَنِّي وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَوِ امْتِنَاعِيَّةً وَقَولُهُ ( فَأَقَمْتُ فِي هَذَا الشِّعْبِ) عَطْفٌ عَلَى اعْتَزَلْتُ وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ أَيْ لَكَانَ خَيْرًا لِي ( فَذَكَرَ ذَلِكَ) أَيْ مَا خطر بقلبه ( فقال لا نفعل) نَهْيٌ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ صَحَابِيٌّ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَزْوُ فَكَانَ اعْتِزَالُهُ لِلتَّطَوُّعِ مَعْصِيَةً لاستلزامه ترك الواجب ذكره بن الْمَلَكِ تَبَعًا لِلطِّيبِيِّ ( فَإِنَّ مَقَامَ أَحَدِكُمْ) قَالَ القارىء بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ قِيَامَهُ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِضَمِّهَا وَهِيَ الْإِقَامَةُ بِمَعْنَى ثَبَاتَ أَحَدِكُمْ ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ بِالِاسْتِمْرَارِ فِي الْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ خُصُوصًا فِي خِدْمَةِ سَيِّدِ الْأَبْرَارِ ( أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَلَبَهُ كَانَ مَفْضُولًا لَا مُحَرَّمًا ( سبعين عاما) قال القارىء الْمُرَادُ بِهِ الْكَثْرَةُ لَا التَّحْدِيدُ فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُقَامُ الرَّجُلِ فِي الصَّفِّ في سبيلأَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَجْمَعُ وَأَغْنَى وَأَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَاتَّفَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَالشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنْهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَحَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ ثُلُثُ الْإِسْلَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ رُبُعُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ الْبَاقِي وَقَالَ بن مَهْدِيٍّ أَيْضًا يَدْخُلُ فِي ثَلَاثِينَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ بَابًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا الْعَدَدِ الْمُبَالَغَةَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الْحَدِيثُ رَأْسَ كُلِّ بَابٍ وَوَجَّهَ الْبَيْهَقِيُّ كَوْنَهُ ثُلُثَ الْعِلْمِ بِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ يَقَعُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ فَالنِّيَّةُ أَحَدُ أَقْسَامِهَا الثَّلَاثَةِ وَأَرْجَحُهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً وَغَيْرُهَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا كَانَتْ خَيْرَ الْأَمْرَيْنِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِكَوْنِهِ ثُلُثَ الْعِلْمِ أَنَّهُ أَحَدُ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ الَّتِي تُرَدُّ إِلَيْهَا جَمِيعُ الْأَحْكَامِ عِنْدَهُ وَهِيَ هَذَا وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَالْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ تَنْبِيهٌ آخَرُ.
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمُبَارَكَ يَسْتَأْهِلُ أَنْ يُفْرَدَ لِشَرْحِهِ جُزْءٌ مَبْسُوطٌ بِجَمِيعِ فَوَائِدِهِ وَمَا يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ أَطْنَبَ فِي شَرْحِهِ شراح البخاري كالحافظ بن حَجَرٍ وَالْعَيْنِيِّ وَغَيْرِهِمَا إِطْنَابًا حَسَنًا مُفِيدًا وَإِنِّي قَدِ اقْتَصَرْتُ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَ شُرُوحَ البخاري 7 - ( باب في الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيِ الْجِهَادِ

رقم الحديث 1651 [1651] .

     قَوْلُهُ  ( لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ) قَالَ الْحَافِظُ الْغَدْوَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْغَدْوِ وَهُوَ الْخُرُوجُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى انْتِصَافِهِ وَالرَّوْحَةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الرَّوَاحِ وَهُوَ الْخُرُوجُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا ( خير من الدنيا وما فيها) قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَنْزِيلِ الْمَغِيبِ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ تَحْقِيقًا لَهُ فِي النَّفْسِ لِكَوْنِ الدُّنْيَا مَحْسُوسَةً فِي النَّفْسِ مُسْتَعْظَمَةً فِي الطِّبَاعِ فَلِذَلِكَ وَقَعَتِ الْمُفَاضَلَةُ بِهَا وَإِلَّا فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الدُّنْيَا لَا يُسَاوِي ذَرَّةً مِمَّا فِي الْجَنَّةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الثَّوَابِ خَيْرٌ مِنَ الثَّوَابِ الَّذِي يَحْصُلُ لِمَنْ لَوْ حَصَلَتْ لَهُ الدُّنْيَا كُلُّهَا لَأَنْفَقَهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَاللَّهِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ الرَّجُلِ سِتِّينَ سَنَةً رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حصين وقال على شرط البخاري ورواه بن عدي وبن عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَفْظُهُ قِيَامُ أَحَدِكُمُ انْتَهَى ( أَلَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ ( تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) أَيْ مَغْفِرَةً تَامَّةً ( يُدْخِلَكُمُ الْجَنَّةَ) أَيْ إِدْخَالًا أَوَّلِيًّا ( اُغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ دُومُوا عَلَى الْغَزْوِ فِي دِينِهِ تَعَالَى ( مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفُوَاقُ كَغُرَابٍ هُوَ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ مِنَ الْوَقْتِ وَيُفْتَحُ أَوْ مَا بَيْنَ فَتْحِ يَدِكَ وَقَبْضِهَا عَلَى الضَّرْعِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ هُوَ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ لِأَنَّهَا تُحْلَبُ ثُمَّ تُتْرَكُ سَرِيعَةً تُرْضِعُ الْفَصِيلَ لِتُدِرَّ ثُمَّ تُحْلَبَ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ.

     وَقَالَ  صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَطْوَلَ مِنْهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَلَمُقَامُ أَحَدِكُمْ فِي الصَّفِّ خَيْرٌ مِنْ صلاته ستين سنة كذا في الترغيب 8 - ( بَاب مَا جَاءَ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ)

رقم الحديث 1652 [1652] .

     قَوْلُهُ  ( رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ ( بِاَلَّذِي يَتْلُوهُ) وَفِي رِوَايَةٍ بِاَلَّذِي يَلِيهِ ( رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ) تَصْغِيرُ غَنَمٍ وَهُوَ مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ وَلِذَلِكَ صُغِّرَتْ بِالتَّاءِ وَالْمُرَادُ قِطْعَةُ غَنَمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ الْعُزْلَةِ عَلَى الْخِلْطَةِ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ أَفْضَلُ بِشَرْطِ رَجَاءِ السَّلَامَةِ مِنَ الْفِتَنِ وَمَذْهَبُ طَوَائِفَ مِنَ الزُّهَّادِ أَنَّ الِاعْتِزَالَ أَفْضَلُ وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى زَمَانِ الْفِتَنِ وَالْحُرُوبِ أَوْ فِيمَنْ لا يسلم الناس منه ولا يصبر على أَذَاهُمْ وَقَدْ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ والحاكم كذا في الفتح