فهرس الكتاب

تحفة الاحوذي - باب ما جاء في أي المساجد أفضل

رقم الحديث 1603 [1603] .

     قَوْلُهُ  ( فَإِنَّمَا يَقُولُ السَّامُ عَلَيْكَ) أَيِ الْمَوْتُ الْعَاجِلُ عَلَيْكَ ( فَقُلْ عَلَيْكَ) وَفِي الْمِشْكَاةِ وَعَلَيْكَ بِالْوَاوِ قال القارىء فِي الْمِشْكَاةِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْكَ بِغَيْرِ وَاوٍ وَأَنَّهُ رُوِيَ بِالْوَاوِ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 2 - ( باب ما جاء فِي كَرَاهِيَةِ الْمُقَامِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ)

رقم الحديث 1604 [164] .

     قَوْلُهُ  ( فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُودِ) أَيْ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ السَّاكِنِينَ فِي الْكُفَّارِ سَجَدُوا بِاعْتِمَادِ أَنَّ جَيْشَ الْإِسْلَامِ يَتْرُكُونَنَا عَنِ الْقَتْلِ حَيْثُ يَرَوْنَنَا سَاجِدِينَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَامَةُ الْإِيمَانِ( فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ) أَيْ بِنِصْفِ الدِّيَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ لِأَنَّهُمْ أَعَانُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُقَامِهِمْ بَيْنَ الْكَفَرَةِ فَكَانُوا كَمَنْ هَلَكَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ فَسَقَطَ حِصَّةُ جِنَايَتِهِ ( بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ بَيْنَهُمْ وَلَفْظُ أَظْهُرٍ مَقْحَمٌ ( لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا) مِنَ التَّرَائِي تَفَاعُلٌ مِنَ الرُّؤْيَةِ يُقَالُ تَرَاءَى الْقَوْمُ إِذَا رَأَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا تَرَاءَى الشَّيْءُ أَيْ ظَهَرَ حَتَّى رَأَيْتَهُ وَالْأَصْلُ فِي تَرَاءَى تَتَرَاءَى فَحُذِفَتْ إِحْدَى التاءين تخفيفا وإسناد التراءي إِلَى النَّارِ مَجَازٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَنْظُرُ مِنْ دَارِ فُلَانٍ أَيْ تُقَابِلُهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ وَيَجِبُ أَنْ يَتَبَاعَدَ مَنْزِلُهُ عَنْ مَنْزِلِ الْمُشْرِكِ وَلَا يَنْزِلُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي إِنْ أُوقِدَتْ فِيهِ نَارُهُ تَلُوحُ وَتَظْهَرُ لِلْمُشْرِكِ إِذَا أَوْقَدَهَا فِي مَنْزِلِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْزِلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ حَثٌّ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَوِي حُكْمُهُمَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَيْنَ دَارَيِ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ فَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُسَاكِنَ الْكُفَّارَ فِي بِلَادِهِمْ حَتَّى إذا أوقدوا نارا كان منهم بحيث يَرَاهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَتَّسِمُ الْمُسْلِمُ بِسِمَةِ الْمُشْرِكِ وَلَا يَتَشَبَّهُ بِهِ فِي هَدْيِهِ وَشَكْلِهِ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ سَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِنَحْوِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ سَنَدَهُ وَحَدِيثُ جَرِيرٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ أخرجه أيضا( فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ) أَيْ بِنِصْفِ الدِّيَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ لِأَنَّهُمْ أَعَانُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُقَامِهِمْ بَيْنَ الْكَفَرَةِ فَكَانُوا كَمَنْ هَلَكَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ فَسَقَطَ حِصَّةُ جِنَايَتِهِ ( بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ بَيْنَهُمْ وَلَفْظُ أَظْهُرٍ مَقْحَمٌ ( لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا) مِنَ التَّرَائِي تَفَاعُلٌ مِنَ الرُّؤْيَةِ يُقَالُ تَرَاءَى الْقَوْمُ إِذَا رَأَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا تَرَاءَى الشَّيْءُ أَيْ ظَهَرَ حَتَّى رَأَيْتَهُ وَالْأَصْلُ فِي تَرَاءَى تَتَرَاءَى فَحُذِفَتْ إِحْدَى التاءين تخفيفا وإسناد التراءي إِلَى النَّارِ مَجَازٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَنْظُرُ مِنْ دَارِ فُلَانٍ أَيْ تُقَابِلُهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ وَيَجِبُ أَنْ يَتَبَاعَدَ مَنْزِلُهُ عَنْ مَنْزِلِ الْمُشْرِكِ وَلَا يَنْزِلُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي إِنْ أُوقِدَتْ فِيهِ نَارُهُ تَلُوحُ وَتَظْهَرُ لِلْمُشْرِكِ إِذَا أَوْقَدَهَا فِي مَنْزِلِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْزِلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ حَثٌّ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَوِي حُكْمُهُمَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَيْنَ دَارَيِ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ فَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُسَاكِنَ الْكُفَّارَ فِي بِلَادِهِمْ حَتَّى إذا أوقدوا نارا كان منهم بحيث يَرَاهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَتَّسِمُ الْمُسْلِمُ بِسِمَةِ الْمُشْرِكِ وَلَا يَتَشَبَّهُ بِهِ فِي هَدْيِهِ وَشَكْلِهِ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ سَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِنَحْوِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ سَنَدَهُ وَحَدِيثُ جَرِيرٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ أخرجه أيضاقوله ( وفي الباب عن بن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ) وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ

رقم الحديث 1606 [166] .

     قَوْلُهُ  ( لَئِنْ عِشْتُ) أَيْ بَقِيتُ .

     قَوْلُهُ  ( إِنْ شَاءَ اللَّهُ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى 4 -

رقم الحديث 1607 [167] .

     قَوْلُهُ  ( فَلَا أَتْرُكُ فِيهَا إِلَّا مُسْلِمًا) قَالَ النَّوَوِيُّ أَوْجَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ إِخْرَاجَ الْكَافِرِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُمْ سُكْنَاهَا وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِالْحِجَازِ وَهُوَ عِنْدَهُ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَأَعْمَالُهَا دُونَ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِ وَقَالُوا لَا يُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنَ التَّرَدُّدِ مُسَافِرِينَ فِي الْحِجَازِ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنَ الْإِقَامَةِ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا مَكَّةَ وَحَرَمَهَا فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُ كَافِرٍ مِنْ دُخُولِهَا بِحَالٍ فَإِنْ دَخَلَهَا بِخُفْيَةٍ وَجَبَ إِخْرَاجُهُ فَإِنْ مَاتَ وَدُفِنَ فِيهَا نُبِشَ وَأُخْرِجَ مِنْهَا مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ دُخُولَهُمُ الْحَرَمَ وَحُجَّةُ الْجَمَاهِيرِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بعد عامهم هذا وَفِي الْمَعَالِمِ أَرَادَ مَنْعَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْحَرَمَ فَقَدْ قَرُبُوا مِنَ المسجد الحرام قال وجوز أهل الكوفة المعاهد دُخُولَ الْحَرَمِ انْتَهَى.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي وبن ماجه

رقم الحديث 1608 [168] .

     قَوْلُهُ  ( لَا نُورَثُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيَصِحُّ الْكَسْرُ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُمْ كَالْآبَاءِ لِلْأُمَّةِ فَمَالُهُمْ لِكُلِّهِمْ أَوْ لِئَلَّا يُظَنُّ بِهِمُ الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا لِوِرَاثَتِهِمْ وَنِزَاعُ عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ قَبْلَ عِلْمِهِمَا بِالْحَدِيثِ وَبَعْدَهُ رَجَعَا وَأَعْتَقِدُ أَنَّهُ الْحَقُّ بِدَلِيلِ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُغَيِّرِ الْأَمْرَ حِينَ اسْتُخْلِفَ فَإِنْ قُلْتَ فَكَيْفَ نَازَعَا عُمَرَ.

قُلْتُ طَالَبَا فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا مُتَصَرِّفِينَ بِالشَّرِكَةِ وَكَرِهَ عُمَرُ الْقِسْمَةَ حَذَرًا مِنْ دَعْوَى الْمِلْكِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ ( لَكِنْ أَعُولُ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُولُهُ) عَالَ الرَّجُلُ عِيَالَهُ يَعُولُهُمْ إِذَا قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدٍ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا أَنَّأبو داود وبن مَاجَهْ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَلَكِنْ صَحَّحَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَهُ إِلَى قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا مَوْصُولًا كَذَا فِي النَّيْلِ 3 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي إِخْرَاجِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) الْجَزِيرَةُ اسْمُ مَوْضِعٍ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ مَا بَيْنَ حَفْرِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ إِلَى أَقْصَى الْيَمَنِ فِي الطُّولِ وَمَا بَيْنَ رَمْلِ يزن إلى منقطع السموة فِي الْعَرْضِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِيُّ مِنْ أَقْصَى عَدَنَ أَبْيَنَ إِلَى رِيفِ الْعِرَاقِ طُولًا وَمِنْ جُدَّةَ وَسَاحِلِ الْبَحْرِ إِلَى أَطْرَافِ الشَّامِ عَرْضًا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ سُمِّيَتْ جَزِيرَةً لِأَنَّ بَحْرَ فَارِسٍ وَبَحْرَ السُّودَانِ أَحَاطَا بِجَانِبَيْهَا وَأَحَاطَ بِالْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ وَفِي الْقَامُوسِ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا أَحَاطَ بِهِ بَحْرُ الْهِنْدِ وَبَحْرُ الشَّامِ ثُمَّ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ

رقم الحديث 1610 [161] .

     قَوْلُهُ  ( أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ) أَيْ أَسْأَلُكُمْ رَافِعًا نِشْدَتِي صوتي ( لا نورث) بالنون وهو تَوَارَدَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ كَمَا قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْحِ وَمَا تَرَكْنَا في موضع الرفع بالابتداء وسدقة خَبَرُهُ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الرَّافِضَةِ أَنَّ لَا نُورَثُ بِالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَصَدَقَةً بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ وَمَا تَرَكْنَاهُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى النِّيَابَةِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُورَثُ الَّذِي تَرَكْنَاهُ حَالَ كَوْنِهِ صَدَقَةً وَهَذَا خِلَافُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ وَنَقَلَهُ الْحُفَّاظُ وَمَا ذَلِكَ بِأَوَّلِ تَحْرِيفٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ النِّحْلَةِ وَيُوَضِّحُ بُطْلَانَهُ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَقَولُهُ لَا تَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَقَولُهُ إِنَّ النَّبِيَّ لَا يُورَثُ ( قَالُوا نَعَمْ) قَدِ اسْتُشْكِلَ هَذَا وَوَجْهُ الِاسْتِشْكَالِ أَنَّ أَصْلَ الْقِصَّةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعَبَّاسَ وَعَلِيًّا قَدْ عَلِمَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ يَطْلُبَانِهِ مِنْ أبي بكر وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر فِي زَمَنِهِ بِحَيْثُ أَفَادَ عِنْدَهُمَا الْعِلْمَ بِذَلِكَ فَكَيْف يَطْلُبَانِهِ بَعْد ذَلِكَ مِنْ عُمَرَوَأُجِيبَ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا اعْتَقَدَا أَنَّ عُمُومَ لَا نُورَثُ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ مَا يُخَلِّفُهُ دُونَ بَعْضٍ وَلِذَلِكَ نَسَبَ عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَعْتَقِدَانِ ظُلْمَ مَنْ خَالَفَهُمَا كَمَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا مُخَاصَمَتُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ لَمْ يَكُنْ فِي الْمِيرَاثِ إِنَّمَا تَنَازَعَا فِي وِلَايَةِ الصَّدَقَةِ وَفِي صَرْفِهَا كَيْفَ تُصْرَفُ كَذَا قَالَ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَعُمَرَ بْنِ شَبَّةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا أَرَادَا أَنْ يُقْسَّمَ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ وَلَفْظُهُ فِي آخِرِهِ ثُمَّ جِئْتُمَانِ الْآنَ تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من بن أَخِي وَيَقُولُ هَذَا أُرِيدُ نَصِيبِي مِنِ امْرَأَتِي وَاَللَّهِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا إِلَّا بِذَلِكَ أَيْ إِلَّا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْلِيمِهَا لَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْوِلَايَةِ وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ نَحْوَهُ وَفِي السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَرَادَا أَنَّ عُمَرَ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمَا لِيَنْفَرِدَ كُلٌّ منهما مَا يَتَوَلَّاهُ فَامْتَنَعَ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَرَادَ أَنْ لَا يَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ الْقِسْمَةِ وَلِذَلِكَ أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ أَكْثَرُ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ وَاسْتَحْسَنُوهُ وَفِيهِ مِنَ النَّظَر مَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي النَّيْلِ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِقِصَّتِهِ الطويلة 5 - ( باب ما جاء قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فتح) مكة الخ

رقم الحديث 1611 [1611] .

     قَوْلُهُ  ( عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَرْصَاءَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قَيْسٍ اللَّيْثِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْبَرْصَاءِ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ تَأَخَّرَ إِلَى أَوَاخِرِ خِلَافَةِ معاوية ( لاتُغْزَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( هَذِهِ) أَيْ مَكَّةُ الْمُكَرَّمَةُ ( بَعْدَ الْيَوْمِ) أَيْ بَعْدَ يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ أَيْ لَا تَعُودُ دَارَ كُفْرٍ يُغْزَى عَلَيْهِ أَوْ لَا يَغْزُوهَا الْكُفَّارُ أَبَدًا إِذِ الْمُسْلِمُونَ قَدْ غَزَوْهَا مَرَّاتٍ غَزَوْهَا زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ وَزَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ مَعَ الْحَجَّاجِ وَبَعْدَهُ عَلَى أَنَّ مَنْ غَزَاهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَقْصِدُوهَا وَلَا الْبَيْتَ وَإِنَّمَا قَصَدُوا بن الزُّبَيْرِ مَعَ تَعْظِيمِ أَمْرِ مَكَّةَ وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ مَا جَرَى مِنْ رَمْيِهِ بِالنَّارِ فِي الْمَنْجَنِيقِ وَالْحُرْقَةِ وَلَوْ رُوِيَ لَا تُغْزَ عَلَى النَّهْيِ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى التَّأْوِيلِ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَمُطِيعٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ التِّرْمِذِيِّ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ كَمَا عَرَفْتَ بِهِ 6 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْقِتَالُ)

رقم الحديث 1612 [1612] .

     قَوْلُهُ  ( عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ وَبِالنُّونِ قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هُوَ النُّعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ مُزَيْنَةَ سَكَنَ الْبَصْرَةَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الْكُوفَةِ وَكَانَ عَامِلَ عُمَرَ عَلَى جَيْشِ نَهَاوَنْدَ وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ فَتْحِهَا .

     قَوْلُهُ  ( فَكَانَ) قَالَ الطِّيبِيُّ مَا أَظْهَرَهُ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى وُجُودِ الْفَاءِ التَّفْصِيلِيَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَزَوْتُ مَعَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْتَمِلٌ مُجْمَلًا عَلَى مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ مُفَصَّلًا ( أَمْسَكَ) أَيْ عَنِ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ ( فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ) أي وصلى ( الْعَصْرِ) أَيْ إِلَى الْعَصْرِ ( وَكَانَ يُقَالُ) أَيْ يَقُولُ الصَّحَابَةُ الْحِكْمَةُ فِي إِمْسَاكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِتَالِ إِلَى الزَّوَالِ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَخْ ( عِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ ظَرْفٌ لقوله ( تَهِيجُ) أَيْ تَجِيءُ ( وَيَدْعُو الْمُؤْمِنُونَ لِجُيُوشِهِمْ فِي صَلَوَاتِهِمْ) أَيْ فِي أَوْقَاتِ صَلَوَاتِهِمْ بَعْدَ فَرَاغِهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهَا بِالْقُنُوتِ عِنْدَ النَّوَازِلِ قَالَهُ القارىء قَالَ الطِّيبِيُّ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ تَرْكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِتَالَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ لِاشْتِغَالِهِمْ بِهَا فِيهَا اللَّهُمَّ إِلَّا بَعْدَ الْعَصْرِ فَإِنَّ هَذَا الْوَقْتَ مُسْتَثْنًى مِنْهَا لِحُصُولِ النَّصْرِ فِيهَا لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَدَنَا مِنَ الْقَرْيَةِ صَلَاةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلشَّمْسِ إِنَّك مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَعَلَّ لِهَذَا السِّرِّ خُصَّ فِي الْحَدِيثِ هَذَا الْوَقْتُ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ يُقَاتِلُ وَفِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ قَاتَلَ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي اسْتِحْضَارًا لِتِلْكَ الْحَالَةِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ قِتَالَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَانَ أَشَدَّ وَتَحَرِّيهِ فِيهِ أَكْمَلُ انْتَهَى .

     قَوْلُهُ  ( وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ بِإِسْنَادٍ أَوْصَلَ مِنْ هَذَا) يَعْنِي أَنَّ إِسْنَادَ حَدِيثِ النُّعْمَانِ الْمَذْكُورِ مُنْقَطِعٌ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ لَيْسَ فِيهِ انْقِطَاعٌ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ وَجْهَ الِانْقِطَاعِ بِقَوْلِهِ وَقَتَادَةُ لَمْ يُدْرِكِ النُّعْمَانَ إِلَخْ وَذَكَرَ الْإِسْنَادَ الْمَوْصُولَ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ إِلَخْ.

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِطُولِهِ 7 - ( بَاب مَا جَاءَ فِي الطِّيَرَةِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ

رقم الحديث 1614 [1614] .

     قَوْلُهُ  ( الطِّيَرَةُ مِنَ الشِّرْكِ) أَيْ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الطِّيَرَةَ تَجْلِبُ لَهُمْ نَفْعًا أَوْ تَدْفَعُ عَنْهُمْ ضُرًّا فَإِذَا عَمِلُوا بِمُوجِبِهَا فَكَأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ فِي ذَلِكَ وَيُسَمَّى شِرْكًا خَفِيًّا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْنِي مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ شَيْئًا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى يَنْفَعُ أَوْ يضر بالاستقلال فَقَدْ أَشْرَكَ أَيْ شِرْكًا جَلِيًّا وَقَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا سَمَّاهَا شِرْكًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مَا يَتَشَاءَمُونَ بِهِ سَبَبًا مُؤَثِّرًا فِي حُصُولِ الْمَكْرُوهِ وَمُلَاحَظَةُ الْأَسْبَابِ فِي الْجُمْلَةِ شِرْكٌ خَفِيٌّ فَكَيْفَ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهَا جَهَالَةٌ وَسُوءُ اعْتِقَادٍ ( وَمَا مِنَّا) أَيْ أَحَدٍ ( إِلَّا) أَيْ إِلَّا مَنْ يَخْطُرُ لَهُ مِنْ جِهَةِ الطِّيَرَةِ شَيْءٌ مَا لِتَعَوُّدِ النُّفُوسِ بِهَا فَحُذِفَ الْمُسْتَثْنَى كَرَاهَةَ أَنْ يُتَفَوَّهَ بِهِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَيْ إِلَّا مَنْ يَعْرِضُ لَهُ الْوَهْمُ مِنْ قِبَلِ الطِّيَرَةِ وَكَرِهَ أَنْ يُتِمَّ كَلَامَهُ ذَلِكَ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْحَالَةِ الْمَكْرُوهَةِ وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الْكَلَامِ يُكْتَفَى دُونَ الْمَكْرُوهِ مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَا يَضْرِبُ لِنَفْسِهِ مَثَلَ السُّوءِ ( وَلَكِنَّ اللَّهَ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَنَصْبِ الْجَلَالَةِ ( يُذْهِبُهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنَ الْإِذْهَابِ أَيْ يُزِيلُ ذَلِكَ الْوَهْمَ الْمَكْرُوهَ ( بِالتَّوَكُّلِ) أَيْ بِسَبَبِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخَطْرَةَ لَيْسَ بِهَا عِبْرَةٌ فَإِنْ وَقَعَتْ غَفْلَةٌ لَا بُدَّ مِنْ رَجْعَةٍ وَأَوْبَةٍ مِنْ حَوْبَةٍ كَمَا وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ وَكَفَّارَةُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ .

     قَوْلُهُ  ( فِي هَذَا الْحَدِيثِ) أَيْ فِي تَحْقِيقِ شَأْنِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ ( وَمَا مِنَّا إِلَّا وَلَكِنَّ اللَّهَ يذهبهبِالتَّوَكُّلِ قَالَ) أَيْ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ( هَذَا) أَيْ .

     قَوْلُهُ  وَمَا مِنَّا إِلَخْ ( عِنْدِي قَوْلُ بن مَسْعُودٍ) أَيْ فِي ظَنِّي أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى بن مَسْعُودٍ وَإِنَّمَا الْمَرْفُوعُ .

     قَوْلُهُ  الطِّيَرَةُ مِنَ الشِّرْكِ فَقَطْ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ رَوَاهُ جَمْعٌ كثير عن بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا بِدُونِ الزِّيَادَةِ .

     قَوْلُهُ  ( وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحَابِسٍ التَّمِيمِيِّ وَعَائِشَةَ وبن عمر) أما حديث سعد وهو بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.
وَأَمَّا أَحَادِيثُ حَابِسٍ وَغَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ إِلَخْ) وأخرجه أبو داود وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْحَدِيثِ إِضْمَارٌ وَالتَّقْدِيرُ وَمَا مِنَّا إِلَّا وَقَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي قُلُوبَ أُمَّتِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُ ذَلِكَ عَنْ قَلْبِ كُلِّ مَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى ذَلِكَ هَذَا لَفْظُ الْأَصْبَهَانِيِّ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَمَا مِنَّا إِلَخْ من كلام بن مَسْعُودٍ مُدْرَجٌ غَيْرُ مَرْفُوعٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ يُنْكِرُ هَذَا الْحَرْفَ وَيَقُولُ لَيْسَ مِنْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّهُ قول بن مَسْعُودٍ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ نَحْوَ هَذَا انْتَهَى مَا فِي التَّرْغِيبِ

رقم الحديث 1615 [1615] .

     قَوْلُهُ  ( لَا عَدْوَى) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ إِنَّهُ الْفَسَادُ.

     وَقَالَ  التُّورِبِشْتِيُّ الْعَدْوَى هُنَا مُجَاوَزَةُ الْعِلَّةِ مِنْ صَاحِبِهَا إِلَى غَيْرِهِ يُقَالُ أَعْدَى فُلَانٌ فُلَانًا مِنْ خَلْفِهِ أَوْ مِنْ غُرَّتِهِ وَذَلِكَ عَلَى مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الْمُتَطَبِّبَةُ فِي عِلَلٍ سَبْعٍ الْجُذَامِ وَالْجَرَبِ وَالْجُدَرِيِّ وَالْحَصْبَةِ وَالْبَخَرِ وَالرَّمَدِ وَالْأَمْرَاضِ الْوَبَائِيَّةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّأْوِيلِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ ذَلِكَ وَإِبْطَالُهُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَالْقَرَائِنُ الْمَسُوقَةُ عَلَى الْعَدْوَى وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِبْطَالَهَا فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ.

     وَقَالَ  لَا يُورَدَنَّ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ أَصْحَابُ الطَّبِيعَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعِلَلَ الْمُعْدِيَةَ مُؤَثِّرَةً لَامَحَالَةَ فَأَعْلَمَهُمْ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنْ لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَتَوَهَّمُونَ بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَشِيئَةِ إِنْ شَاءَ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَيُشِيرُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى .

     قَوْلُهُ  فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ أَيْ إِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ الْعَدْوَى لَا غَيْرُ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ وَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ وَبِقَوْلِهِ لَا يُورَدَنَّ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ أَنَّ مُدَانَاةَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْعِلَّةِ فَلْيَتَّقِهِ اتِّقَاءً مِنَ الْجِدَارِ الْمَائِلِ وَالسَّفِينَةِ الْمَعْيُوبَةِ وَقَدْ رَدَّ الْفِرْقَةُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْحَدِيثَيْنِ أَنَّ النَّهْيَ فِيهِمَا إِنَّمَا جَاءَ شَفَقًا عَلَى مُبَاشَرَةِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَتُصِيبُهُ عِلَّةٌ فِي نَفْسِهِ أَوْ عَاهَةٌ فِي إِبِلِهِ فَيَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَدْوَى حَقٌّ قُلْتُ وَقَدِ اخْتَارَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ يَعْنِي الْحَافِظَ بن حَجَرٍ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ وَبَسَطْنَا الْكَلَامَ مَعَهُ فِي شَرْحِ الشَّرْحِ وَمُجْمَلُهُ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ اجْتِنَابَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْمَجْذُومِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْمُبَايَعَةِ مَعَ أَنَّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ بَعِيدٌ مِنْ أَنْ يُورَدَ لِحَسْمِ مَادَّةِ ظَنِّ الْعَدْوَى كَلَامًا يَكُونُ مَادَّةً لِظَنِّهَا أَيْضًا فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالتَّجَنُّبِ أَظْهَرُ مِنْ فَتْحِ مَادَّةِ ظَنِّ أَنَّ الْعَدْوَى لَهَا تَأْثِيرٌ بِالطَّبْعِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا دَلَالَةَ أَصْلًا عَلَى نَفْيِ الْعَدْوَى مُبَيَّنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ التُّورِبِشْتِيُّ وَأَرَى الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ ثُمَّ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ الْأُصُولِ الطِّبِّيَّةِ وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَعْطِيلِهَا بَلْ وَرَدَ بِإِثْبَاتِهَا وَالْعِبْرَةُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْقَرَائِنِ المنسوقة عَلَيْهَا فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا الشَّارِعَ يَجْمَعُ فِي النَّهْيِ بَيْنَ مَا هُوَ حَرَامٌ وَبَيْنَ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ وَبَيْنَ مَا يُنْهَى عَنْهُ لِمَعْنًى وَبَيْنَ مَا يُنْهَى عَنْهُ لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرنَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَجْذُومِ الْمُبَايِعِ قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ فِي حَدِيثِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَقَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَجْذُومِ الَّذِي أَخَذَ بِيَدِهِ فَوَضَعَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ كُلْ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ وَلَا سَبِيلَ إِلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بَيَّنَ بِالْأَوَّلِ التَّوَقِّي مِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ وَبِالثَّانِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ فِي مُتَارَكَةِ الْأَسْبَابِ وَهُوَ حَالُهُ انْتَهَى قال القارىء وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ انْتَهَى قُلْتُ فِي كَوْنِ هَذَا الْجَمْعِ حَسَنًا نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِإِثْبَاتِ الْأُصُولِ الطِّبِّيَّةِ فَفِيهِ أَنَّ وُرُودَ الشَّرْعِ لِإِثْبَاتِ جَمِيعِ الْأُصُولِ الطِّبِّيَّةِ مَمْنُوعٌ بَلْ قَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ لِإِبْطَالِ بَعْضِهَا فَإِنَّ الْمُتَطَبِّبِينَ قَائِلُونَ بِحُصُولِ الشِّفَاءِ بِالْحَرَامِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِنَفْيِ الشِّفَاءِ بِالْحَرَامِ وَهُمْ قَائِلُونَ بِثُبُوتِ الْعَدْوَى فِي بَعْضِ الْأَمْرَاضِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ لَا عَدْوَى فَالظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي فِي التَّوْفِيقِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( وَلَا طِيَرَةَ) نَفْيٌ مَعْنَاهُ النَّهْيُ كقوله تعالى ( لا ريب فيه) ( وَأُحِبُّ الْفَأْلَ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ مِنَالْإِحْبَابِ ( قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْفَأْلُ) وَإِنَّمَا نَشَأَ هَذَا السُّؤَالُ لِمَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ عُمُومِ الطِّيَرَةِ الشَّامِلِ لِلتَّشَاؤُمِ وَالتَّفَاؤُلِ الْمُتَعَارَفِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ( قَالَ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ فَرْدٌ خَاصٌّ خَارِجٌ عَنِ الْعُرْفِ الْعَامِّ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ خَوَاصِّ الْأَنَامِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  ( الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ) أَيِ الصَّالِحَةُ لِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا الْفَأْلُ الْحَسَنُ .

     قَوْلُهُ  ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ