هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
12 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : تُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
12 حدثنا عمرو بن خالد ، قال : حدثنا الليث ، عن يزيد ، عن أبي الخير ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير ؟ قال : تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : تُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ .

Narrated 'Abdullah bin 'Amr:

A man asked the Prophet (ﷺ) , What sort of deeds or (what qualities of) Islam are good? The Prophet (ﷺ) replied, 'To feed (the poor) and greet those whom you know and those whom you do not Know (See Hadith No. 27).

0012 D’après ‘Abd-ul-Lâh ben ‘Amrû, une fois, un homme interrogea le Prophète : « Quel islam est le meilleur ? » « Donner à manger, et dira la formule du salâm (le salut) à celui que tu connais comme à celui que tu ne connais pas. » répondit le Prophète  

":"ہم سے حدیث بیان کی عمرو بن خالد نے ، ان کو لیث نے ، وہ روایت کرتے ہیں یزید سے ، وہ ابوالخیر سے ، وہ حضرت عبداللہ بن عمرو بن عاص رضی اللہ عنہما سے کہایک دن ایک آدمی نے آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم سے پوچھا کہ کون سا اسلام بہتر ہے ؟ فرمایا کہ تم کھانا کھلاؤ ، اور جس کو پہچانو اس کو بھی اور جس کو نہ پہچانو اس کو بھی ، الغرض سب کو سلام کرو ۔

0012 D’après ‘Abd-ul-Lâh ben ‘Amrû, une fois, un homme interrogea le Prophète : « Quel islam est le meilleur ? » « Donner à manger, et dira la formule du salâm (le salut) à celui que tu connais comme à celui que tu ne connais pas. » répondit le Prophète  

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [12] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ هُوَ الْحَرَّانِيُّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَصَحَّفَ من ضمهَا قَوْله اللَّيْث هُوَ بن سَعْدٍ فَقِيهُ أَهْلِ مِصْرَ عَنْ يَزِيدَ هُوَ بن أَبِي حَبِيبٍ الْفَقِيهُ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  أَنَّ رَجُلًا لَمْ أَعْرِفِ اسْمَهُ وَقِيلَ إِنَّهُ أَبُو ذَرٍّ وَفِي بن حِبَّانَ أَنَّهُ هَانِئُ بْنُ يَزِيدَ وَالِدُ شُرَيْحٍ سَأَلَ عَنْ مَعْنَى ذَلِكَ فَأُجِيبَ بِنَحْوِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ فِيهِ مَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ مِنَ السُّؤَالِ وَالتَّقْدِيرِ أَيُّ خِصَالِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا لَمْ أَخْتَرْ تَقْدِيرَ خِصَالٍ فِي الْأَوَّلِ فِرَارًا مِنْ كَثْرَةِ الْحَذْفِ وَأَيْضًا فَتَنْوِيعُ التَّقْدِيرِ يَتَضَمَّنُ جَوَابَ مَنْ سَأَلَ فَقَالَ السُّؤَالَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْجَوَابُ مُخْتَلِفٌ فَيُقَالُ لَهُ إِذَا لَاحَظْتَ هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ بَانَ الْفَرْقُ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ إِذِ الْإِطْعَامُ مُسْتَلْزِمٌ لِسَلَامَةِ الْيَدِ وَالسَّلَامُ لِسَلَامَةِ اللِّسَانِ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ فِي الْغَالِبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ اخْتَلَفَ لِاخْتِلَافِ السُّؤَالِ عَنِ الْأَفْضَلِيَّةِ إِنْ لُوحِظَ بَيْنَ لَفْظِ أَفْضَلَ وَلَفْظِ خَيْرٍ فَرْقٌ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ الْفَضْلُ بِمَعْنَى كَثْرَةِ الثَّوَابِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِلَّةِ وَالْخَيْرُ بِمَعْنَى النَّفْعِ فِي مُقَابَلَةِ الشَّرِّ فَالْأَوَّلُ مِنَ الْكَمِّيَّةِ وَالثَّانِي مِنَ الْكَيْفِيَّةِ فَافْتَرَقَا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْفَرْقَ لَا يَتِمُّ إِلَّا إِذَا اخْتَصَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِتِلْكَ الْمَقُولَةِ أَمَّا إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُعْقَلُ تَأَتِّيهِ فِي الْأُخْرَى فَلَا وَكَأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى أَنَّ لَفْظَ خَيْرٍ اسْمٌ لَا أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ اتِّحَادِ السُّؤَالَيْنِ جَوَابٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى اخْتِلَافِ حَالِ السَّائِلِينَ أَوِ السَّامِعِينَ فَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ تَحْذِيرُ مَنْ خُشِيَ مِنْهُ الْإِيذَاءُ بِيَدٍ أَوْ لِسَانٍ فَأُرْشِدَ إِلَى الْكَفِّ وَفِي الثَّانِي تَرْغِيبُ مَنْ رُجِيَ فِيهِ النَّفْعُ الْعَامُّ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فَأُرْشِدَ إِلَى ذَلِكَ وَخَصَّ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ بِالذِّكْرِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْجَهْدِ وَلِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَثَّ عَلَيْهِمَا أَوَّلَ مَا دَخَلَ الْمَدِينَةَ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مُصَحَّحًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ .

     قَوْلُهُ  تُطْعِمُ هُوَ فِي تَقْدِيرِ الْمَصْدَرِ أَيْ أَنْ تُطْعِمَ وَمِثْلُهُ تَسْمَعَ بِالْمُعَيْدِيِّ وَذَكَرَ الْإِطْعَامَ لِيَدْخُلَ فِيهِ الضِّيَافَةُ وَغَيْرُهَا .

     قَوْلُهُ  وَتَقْرَأُ بِلَفْظِ مُضَارِعِ الْقِرَاءَةِ بِمَعْنَى تَقُولُ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ تَقُولُ اقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَلَا تَقُولُ أَقْرِئْهُ السَّلَامَ فَإِذَا كَانَ مَكْتُوبًا.

.

قُلْتُ أَقْرِئْهُ السَّلَامَ أَيِ اجْعَلْهُ يقرأه .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ أَيْ لَا تَخُصَّ بِهِ أَحَدًا تَكَبُّرًا أَوْ تَصَنُّعًا بَلْ تَعْظِيمًا لِشِعَارِ الْإِسْلَامِ وَمُرَاعَاةً لِأُخُوَّةِ الْمُسْلِمِ فَإِنْ قِيلَ اللَّفْظُ عَامٌّ فَيَدْخُلُ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ وَالْفَاسِقُ أُجِيبَ بِأَنَّهُ خُصَّ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى أَوْ أَنَّ النَّهْيَ مُتَأَخِّرٌ وَكَانَ هَذَا عَامًّا لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ.

.
وَأَمَّا مَنْ شَكَّ فِيهِ فَالْأَصْلُ الْبَقَاءُ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَثْبُتَ الْخُصُوصُ تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَظِيرَ هَذَا السُّؤَالِ لَكِنْ جَعَلَ الْجَوَابَ كَالَّذِي فِي حَدِيثِ أبي مُوسَى فَادّعى بن مَنْدَهْ فِيهِ الِاضْطِرَابَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمَا حَدِيثَانِ اتَّحَدَ إِسْنَادُهُمَا وَافَقَ أَحَدُهُمَا حَدِيثَ أَبِي مُوسَى وَلِثَانِيهِمَا شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ كَمَا تقدم الثَّانِي هَذَا الْإِسْنَاد كُله مصريون وَالَّذِي قَبْلَهُ كَمَا ذَكَرْنَا كُوفِيُّونَ وَالَّذِي بَعْدَهُ مِنْ طَرِيقَيْهِ بَصْرِيُّونَ فَوَقَعَ لَهُ التَّسَلْسُلُ فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْوَلَاءِ وَهُوَ مِنَ اللَّطَائِفِ قَوْله! ! ( بَابٌ مِنَ الْإِيمَانِ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَدَّمَ لَفْظَ الْإِيمَانِ بِخِلَافِ أَخَوَاتِهِ حَيْثُ قَالَ إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الْإِيمَانِ إِمَّا لِلِاهْتِمَامِ بِذِكْرِهِ أَوْ لِلْحَصْرِ كَأَنَّهُ قَالَ الْمَحَبَّةُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ إِلَّا مِنَ الْإِيمَانِ.

.

قُلْتُ وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الَّذِي بَعْدَهُ أَلْيَقُ بِالِاهْتِمَامِ وَالْحَصْرِ مَعًا وَهُوَ قَولُهُ بَابُ حُبِّ الرَّسُولِ مِنَ الْإِيمَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّنْوِيعَ فِي الْعِبَارَةِ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ اهْتَمَّ بِذِكْرِ حُبِّ الرَّسُولِ فقدمه وَالله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [12] حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».
[الحديث طرفاه في: 28، 6236] .
هذا ( باب) بالتنوين، وهو عند الأصيلي ساقط في فرع اليونينية كهي، ( إطعام الطعام) من سغب ( من الإسلام) وللأصيلي في نسخة من الإيمان أي من خصاله.
وبالسند المذكور أوّل هذا الكتاب إلى البخاري قال: ( حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء الضمومة آخره معجمة الحرّاني البصري نزيل مصر المتوفى بها سنة تسع وعشرين ومائتين، ( قال حدّثنا الليث) بالمثلثة ابن سعد الفهمي وفهم من قيس عيلان المصري الإمام الجليل المشهور القلقشندي المولد الحنفي المذهب فيما قاله ابن خلكان، والمشهور أنه كان مجتهدًا المتوفى يوم الجمعة نصف شعبان سنة خمس وسبعين ومائة، ( عن يزيد) أبي رجاء بن أبي حبيب المصري التابعي الجليل مفتي مصر المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائة، ( عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة ابن عبد الله اليزني نسبة إلى ذي يزن المصري المتوفى سنة تسعين، ( عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص ( رضي الله عنهما أن رجلاً) قال صاحب الفتح لم أعرف اسمه وقد قيل إنه أبو ذر ( سأل النبي) وفي رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي) خصال ( الإسلام خير قال) وفي رواية أبوي ذر والوقت فقال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( تطعم) الخلق ( الطعام) تطعم في محل رفع خبر مبتدأ محذوف بتقدير أن أي هو أن تطعم الطعام فأن مصدرية والتقدير هو إطعام الطعام ولم يقل توكل الطعام ونحوه، لأن لفظ الإطعام يشمل الأكل والشرب والذواق والضيافة والإعطاء وغير ذلك ( وتقرأ) بفتح التاء وضم الهمزة مضارع قرأ ( السلام على من عرفت ومن لم تعرف) من المسلمين، فلا تخص به أحدًا تكبرًا وتجبرًا بل عمّ به كل أحد لأن المؤمنين كلهم إخوة وحذف العائد في الوضعين للعلم به والتقدير على من عرفته ولم يقل وتسلم حتى يتناول سلام الباعث بالكتاب المتضمن للسلام.
وفي هاتين الخصلتين الجمع بين نوعي المكارم المالية والبدنية: الطعام والسلام.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة وكل رواته مصريون وهذا من الغرائب، ورواته كلهم أئمة أجلاء.
وأخرجه المؤلف أيضًا في باب الإيمان بعد هذا الباب بأبواب، وفي الاستئذان ومسلم في الإيمان والنسائي فيه أيضًا وأبو داود في الأدب وابن ماجة في الأطعمة.
7 - باب مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ 13 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَعَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
هذا ( باب) بالتنوين وهو ساقط في رواية الأصيلي ( من الإيمان أن يحب لأخيه) المسلم وكذا المسلمة أو أعم مثل ( ما) أي الذي ( يحب لنفسه) .
وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح السين وتشديد الدال المهملتين ابن مسرهد، ابن مرعبل بن أرندل بن سرندل بن غرندل بن ماسك بن مستورد، وعند مسلم في كتب الكنى ابن مغربل بدل ابن مرعبل الأسدي البصري المتوفى في رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائتين ( قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة آخره خاء معجمة غير منصرف للعجمة والعلمية، القطان الأحول التميمي البصري المتفق على جلالته المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة، ( عن شعبة) بضم المعجمة ابن الحجاج الواسطي ثم البصري المتقدم ( عن قتادة) بن دعامة بكسر الدال ابن قتادة السدوسي نسبة لجده الأعلى الأكمه البصري التابعي المجمع على جلالته المتوفى بواسط سنة سبع عشرة ومائة، ( عن أنس) هو ابن مالك بن النضر بالنون والضاد المعجمة الأنصاري النجاري خادم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسع سنين أو عشر سنين آخر من مات من الصحابة بالبصرة سنة ثلاث وتسعين، وله في البخاري مائتان وثمانية وستون حديثًا ( رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ثم عطف على شعبة قوله ( وعنحسين) بالتنوين أي ابن ذكوان ( المعلم) البصري، ( قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة السابق، فكأنه قال عن شعبة وحسين كلاهما عن قتادة وأفردهما تبعًا لشيخه، وليست طريق حسين معلقة بل موصولة كما رواها أبو نعيم في مستخرجه من طريق إبراهيم الحربي، عن مسدد شيخ البخاري، عن يحيى القطان، عن حسين المعلم، عن قتادة، عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: "لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه وجاره ما يحب لنفسه".
فإن قلت: قتادة مدلس ولم يصرح بالسماع عن أنس، أجيب بأنه قد صرح أحمد والنسائي في روايتيهما بسماع قتادة له من أنس فأنتفت تهمة تدليسه: ( عن أنس) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر عن أنس بن مالك ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا يؤمن) وفي رواية أبوي الوقت وذر والأصيلي وابن عساكر ( أحدكم) وفي رواية أخرى لأبي ذر أحد وفي أخرى لابن عساكر وعبد الإيمان الكامل، ( حتى يحب لأخيه) المسلم وكذا المسلمة مثل ( ما يحب لنفسه) .
أي الذي يحب لنفسه من الخير، وهذا وارد مورد المبالغة، وإلا فلا بد من بقية الأركان.
ولم ينص على أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه، ويحتمل أن يكون قوله أخيه شاملاً للذميّ أيضًا بأن يحب له الإسلام مثلاً، ويؤيده حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن".
فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله.
فأخذ بيدي فعدّ خمسًا قال: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم لك تكن أغنى الناس، وأحسِن إلى جارك تكن مؤمنًا.
وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا" الحديث رواه الترمذي وغيره من رواية الحسن عن أبي هريرة، وقال الترمذي: الحسن لم يسمع من أبي هريرة ورواه البزار والبيهقي بنحوه في الزهد عن مكحول عن واثلة عنه.
وقد سمع مكحول من واثلة.
قال الترمذي وغيره لكن بقية إسناده فيه ضعف.
ورواة حديث الباب كلهم بصريون، وإسناد الحديث السابق مصريون، والذي قبله كوفيون، فوقع التسلسل في الأبواب الثلاثة على الولاء وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي.
8 - باب حُبُّ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الإِيمَانِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [12] حدّثنا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قالَ حدّثنا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أبِي الخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِي الله عَنْهُمَا أنّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيُّ الإِسْلاَمِ خيْرٌ قالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ علىَ مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ.
الحَدِيث مُطَابق للتَّرْجَمَة لِأَنَّهُ أَخذ جُزْء مِنْهُ فبوب عَلَيْهِ.
فَإِن قلت: لم بوب على الْجُزْء الأول وَلم يقل بَاب: إقراء السَّلَام على من عرف وَمن لم يعرف من الْإِسْلَام؟ قلت: لَا شكّ أَن كَون إطْعَام الطَّعَام من الْإِسْلَام أقوى وآكد من كَون إقراء السَّلَام مِنْهُ، وَلِأَن السَّلَام لَا يخْتَلف بِحَال من الْأَحْوَال بِخِلَاف الْإِطْعَام، فَإِنَّهُ يخْتَلف بِحَسب الْأَحْوَال، فأدناه مُسْتَحبّ وَأَعلاهُ فرض.
وَبَينهمَا دَرَجَات أخر، وَلِأَن التَّبْوِيب بالمقدم والمصدر أولى على مَا لَا يخفى.
( بَيَان رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول: أَبُو الْحسن عَمْرو، بِفَتْح الْعين، بن خَالِد بن فروخ، بِفَتْح الْفَاء وَتَشْديد الرَّاء المضمومة، وَفِي آخِره خاء مُعْجمَة، بن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن وَاقد بن لَيْث بن وَاقد بن عبد الله الْحَرَّانِي، سكن مصر، روى عَن: اللَّيْث بن سعد وَعبيد الله بن عمر وَغَيرهمَا، روى عَنهُ: الْحسن بن مُحَمَّد الصَّباح وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم.

     وَقَالَ : صَدُوق،.

     وَقَالَ  أَحْمد بن عبد الله: ثَبت ثِقَة مصري، انْفَرد البُخَارِيّ بالرواية عَنهُ دون أَصْحَاب الْكتب الْخَمْسَة، وروى ابْن مَاجَه عَن رجل عَنهُ، توفّي بِمصْر سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد الْمصْرِيّ الإِمَام الْمَشْهُور الْمُتَّفق على جلالته وإمامته، ويكنى بِأبي الْحَارِث، مولى عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن مُسَافر، وَأهل بَيته يَقُولُونَ: نَحن من الْفرس من أهل أَصْبَهَان، وَالْمَشْهُور أَنه فهمي، وَفهم من قيس غيلَان، ولد بقلقشندة قَرْيَة على نَحْو أَرْبَعَة فراسخ من مصر، روى عَن جمَاعَة كثيرين، وروى عَن أبي حنيفَة وعده أَصْحَابنَا من أَصْحَاب أبي حنيفَة، وَكَذَا قَالَ القَاضِي شمس الدّين ابْن خلكان، وروى عَنهُ خلق كثير،.

     وَقَالَ  أَحْمد: ثِقَة ثَبت وَكَانَ سرياً نبيلاً سخياً لَهُ ضِيَافَة، ولد فِي سنة أَربع وَتِسْعين، وَمَات يَوْم الْجُمُعَة النّصْف من شعْبَان سنة خمس وَسبعين وَمِائَة.
الثَّالِث: يزِيد ابْن أبي حبيب، وَاسم أبي حبيب سُوَيْد الْمصْرِيّ أَبُو رَجَاء، تَابِعِيّ جليل، سمع عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء الزبيدِيّ، وَأَبا الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة من الصَّحَابَة وخلقاً من التَّابِعين، روى عَنهُ: سُلَيْمَان التَّيْمِيّ وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد وَيحيى بن أَيُّوب وَخلق كثير من أكَابِر مصر، قَالَ ابْن يُونُس: كَانَ يُفْتِي أهل مصر فِي زَمَانه وَكَانَ حَلِيمًا عَاقِلا، وَهُوَ أول من أظهر الْعلم بِمصْر وَالْفِقْه وَالْكَلَام بالحلال وَالْحرَام، وَكَانُوا قبل ذَلِك، إِنَّمَا يتحدثون بالفتن والملاحم، وَكَانَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين جعل إِلَيْهِم عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ، الْفتيا بِمصْر، وَعنهُ قَالَ: كَانَ يزِيد نوبياً من أهل دنقلة، فابتاعه شريك بن الطُّفَيْل العامري فاعتقه، ولد سنة ثَلَاث وَخمسين،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة أَيْضا.
الرَّابِع: أَبُو الْخَيْر، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، مرْثَد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة، أَبُو عبد الله الْيَزنِي الْمصْرِيّ، روى عَن: عَمْرو بن الْعَاصِ وَسَعِيد بن زيد وَأبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَغَيرهم، توفّي سنة تسعين، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الْخَامِس: عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَقد تقدم.
( بَيَان الْأَنْسَاب) الْحَرَّانِي: نِسْبَة إِلَى حران، بِفَتْح الْحَاء وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ فِي آخِره نون بعد الْألف، مَدِينَة عَظِيمَة قديمَة تعد من ديار مصر، وَالْيَوْم خراب، وَقيل: هِيَ مولد إِبْرَاهِيم الْخَلِيل ويوسف وَإِخْوَته، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام؛ الْيَزنِي: بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَالزَّاي الْمُعْجَمَة بعْدهَا نون، نِسْبَة إِلَى ذِي يزن، وَهُوَ عَامر بن أسلم بن الْحَارِثبِأَن المكارم لَهَا نَوْعَانِ.
أَحدهمَا: مَالِيَّة أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله: ( تطعم الطَّعَام) ، وَالْآخر: بدنية أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله: ( وتقرأ السَّلَام) وَيُقَال: وَجه تَخْصِيص هَاتين الخصلتين وَهُوَ مساس الْحَاجة إِلَيْهِمَا فِي ذَلِك الْوَقْت لما كَانُوا فِيهِ من الْجهد، ولمصلحة التَّأْلِيف، وَيدل على ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حث عَلَيْهِمَا أول مَا دخل الْمَدِينَة، كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مصححاً من حَدِيث عبد الله بن سَلام، قَالَ: ( أول مَا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة انجفل النَّاس إِلَيْهِ، فَكنت مِمَّن جَاءَهُ، فَلَمَّا تَأَمَّلت وَجهه واشتبهته عرفت أَن وَجهه لَيْسَ بِوَجْه كَذَّاب، قَالَ: وَكَانَ أول مَا سَمِعت من كَلَامه أَن قَالَ: أَيهَا النَّاس أفشوا السَّلَام وأطعموا الطَّعَام وصلوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام تدْخلُوا الْجنَّة بِسَلام) ..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ: جعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضلهَا إطْعَام الطَّعَام الَّذِي هُوَ قوام الْأَبدَان، ثمَّ جعل خير الْأَقْوَال فِي الْبر وَالْإِكْرَام إفشاء السَّلَام الَّذِي يعم وَلَا يخص من عرف وَمن لم يعرف، حَتَّى يكون خَالِصا لله تَعَالَى، بَرِيئًا من حَظّ النَّفس والتصنع، لِأَنَّهُ شعار الْإِسْلَام، فَحق كل مُسلم فِيهِ شَائِع، ورد فِي حَدِيث: ( إِن السَّلَام فِي آخر الزَّمَان للمعرفة يكون) ، وَمِنْهَا مَا قيل: جَاءَ فِي الْجَواب هَهُنَا أَن الْخَيْر أَن تطعم الطَّعَام، وَفِي الحَدِيث الَّذِي قبله أَنه من سلم الْمُسلمُونَ.
فَمَا وَجه التَّوْفِيق بَينهمَا؟ أُجِيب: بِأَن الجوابين كَانَا فِي وَقْتَيْنِ، فَأجَاب فِي كل وَقت بِمَا هُوَ الْأَفْضَل فِي حق السَّامع أَو أهل الْمجْلس، فقد يكون ظهر من أَحدهمَا: قلَّة المراعاة ليده وَلسَانه وإيذاء الْمُسلمين، وَمن الثَّانِي: إمْسَاك من الطَّعَام وتكبر، فأجابهما على حسب حَالهمَا، أَو علم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن السَّائِل الأول يسْأَل عَن أفضل التروك، وَالثَّانِي عَن خير الْأَفْعَال؛ أَو أَن الأول يسْأَل عَمَّا يدْفع المضار، وَالثَّانِي عَمَّا يجلب المسار، أَو أَنَّهُمَا بِالْحَقِيقَةِ متلازمان إِذْ الْإِطْعَام مُسْتَلْزم لِسَلَامَةِ الْيَد، وَالسَّلَام لِسَلَامَةِ اللِّسَان.
قلت: يَنْبَغِي أَن يُقيد هَذَا بالغالب أَو فِي الْعَادة، فَافْهَم.
7 - ( بَاب مِنَ الإِيمَانِ أنْ يُحِبَّ لإِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) أَي: هَذَا بَاب.
وَلَا يجوز فِيهِ إلاَّ الْإِعْرَاب بِالتَّنْوِينِ أَو الْوَقْف على السّكُون، وَلَيْسَ فِيهِ مجَال للإضافة.
وَالتَّقْدِير: هَذَا بَاب فِيهِ من شعب الْإِيمَان أَن يحب الرجل لِأَخِيهِ مَا يُحِبهُ لنَفسِهِ؛ وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ: أَن الشعبة الْوَاحِدَة فِي الْبَاب الأول هِيَ: إطْعَام الطَّعَام، وَهُوَ غَالِبا لَا يكون إِلَّا عَن محبَّة الْمطعم، وَهَذَا الْبَاب فِيهِ شُعْبَة، وَهِي: الْمحبَّة لِأَخِيهِ..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قدم لَفْظَة من الْإِيمَان بِخِلَاف أخواته حَيْثُ يَقُول: حب الرَّسُول من الْإِيمَان، وَنَحْو ذَلِك من الْأَبْوَاب الْآتِيَة الَّتِي مثله، إِمَّا للاهتمام بِذكرِهِ، وَإِمَّا للحصر، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْمحبَّة الْمَذْكُورَة لَيست إِلَّا من الْإِيمَان تَعْظِيمًا لهَذِهِ الْمحبَّة وتحريضاً عَلَيْهَا..
     وَقَالَ  بَعضهم: هُوَ تَوْجِيه حسن إلاَّ أَنه يرد عَلَيْهِ أَن الَّذِي بعده أليق بالاهتمام والحصر مَعًا، وَهُوَ قَوْله: بَاب حب الرَّسُول من الْإِيمَان، فَالظَّاهِر أَنه أَرَادَ التنويع فِي الْعبارَة، وَيُمكن أَنه اهتم بِذكر حب الرَّسُول فقدمه.
قلت: الَّذِي ذكره لَا يرد على الْكرْمَانِي، وَإِنَّمَا يرد على البُخَارِيّ حَيْثُ لم يقل: بَاب من الْإِيمَان حب الرَّسُول، وَلَكِن يُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا قدم لَفْظَة حب الرَّسُول: إِمَّا اهتماماً بِذكرِهِ أَولا، وَإِمَّا استلذاذاً باسمه مقدما، وَلِأَن محبته هِيَ عين الْإِيمَان، وَلَوْلَا هُوَ مَا عرف الْإِيمَان.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [12] يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الإسلام خير؟ قال: ( 182 - ب /ف) " تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ".
وخرجه مسلم أيضا .
جعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث خير الإسلام: إطعام الطعام وإفشاء السلام.
وفي " المسند " عن عمرو بن عبسة أنه سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما الإسلام؟ قال: " لين الكلام وإطعام الطعام ".
ومراده: الإسلام التام الكامل.
وهذه الدرجة في الإسلام فضل، وليست واجبة، إنما هي إحسان.
وأما سلامة المسلمين من اللسان واليد فواجبة إذا كانت من غير حق، فإن كانت السلامة من حق كان - أيضا - فضلا.
وقد جمع الله تعالى بين الأفضال بالنداء وترك الأذى في وصف المتقين في قوله: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] فهذا إحسان وفضل وهو بذل النداء واحتمال الأذى.
وجمع في الحديث بين إطعام الطعام وإفشاء السلام، لأنه به يجتمع الإحسان بالقول والفعل وهو أكمل الإحسان، وإنما كان هذا خير الإسلام بعد الإتيان بفرائض الإسلام وواجباته، فمن أتى بفرائض الإسلام ثم ارتقى إلى درجة الإحسان إلى الناس كان خيرا ممن لم يرتق إلى هذه الدرجة وأفضل - أيضا -، وليس المراد أن من اقتصر على هذه الدرجة فهو خير من غيره مطلقا ولا أن إطعام الطعام ولين الكلام خير من أركان الإسلام ومبانيه الخمس، فإن إطعام الطعام والسلام لا يكونان من الإسلام إلا بالنسبة إلى من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
وقد زعم الحكيمي وغيره أنه قال: خير الأشياء كذا، والمراد تفضيله من وجه دون وجه وفي وقت دون وقت أو لشخص دون شخص، ولا يراد تفضيله على الأشياء كلها، أو أن يكون المراد: إنه من خير الأشياء، لا خير مطلقا.
وهذا فيه نظر، وهو مخالف للظاهر، ولو كان هذا حقا لما احتيج إلى تأويل قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن قال له: يا خير البرية، فقال: " ذاك إبراهيم " .
وقد تأوله الأئمة، فقال الإمام أحمد: هو على وجه التواضع.
ولكن هذا يقرب من قول من تأول " أفضل " بمعنى " فاضل " وقال: إن " أفعل " لا تقتضي المشاركة.
وهذا غير مطرد عند البصريين، ويتأول ما ورد منه وحكى عن الكوفيين أنه مطرد لا يحتاج إلى تأويل.
وقوله " وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " هذا أفضل أنواع إفشاء السلام.
وفي " المسند " عن ابن مسعود مرفوعا: " إن من أشراط الساعة " السلام بالمعرفة " .
ويخرج من عموم ذلك: من لا يجوز بداءته بالسلام كأهل الكتاب عند جمهور العلماء.
7 - فصل خرج البخاري ومسلم من حديث:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  .

     قَوْلُهُ  بَابٌ هُوَ مُنَوَّنٌ
أ وَفِيهِ مَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْإِسْلَامِ لِلْأَصِيلِيِّ مِنَ الْإِيمَانِ أَيْ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ وَلَمَّا اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ بِحَدِيثِ الشُّعَبِ تَتَبَّعَ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الصَّحِيحَةِ مِنْ بَيَانِهَا فَأَوْرَدَهُ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا وَتَرْجَمَ هُنَا بِقَوْلِهِ إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَلَمْ يَقُلْ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ كَمَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ إِشْعَارًا بِاخْتِلَافِ الْمَقَامَيْنِ وَتَعَدُّدِ السُّؤَالَيْنِ كَمَا سَنُقَرِّرُهُ

[ قــ :12 ... غــ :12] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ هُوَ الْحَرَّانِيُّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَصَحَّفَ من ضمهَا قَوْله اللَّيْث هُوَ بن سَعْدٍ فَقِيهُ أَهْلِ مِصْرَ عَنْ يَزِيدَ هُوَ بن أَبِي حَبِيبٍ الْفَقِيهُ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  أَنَّ رَجُلًا لَمْ أَعْرِفِ اسْمَهُ وَقِيلَ إِنَّهُ أَبُو ذَرٍّ وَفِي بن حِبَّانَ أَنَّهُ هَانِئُ بْنُ يَزِيدَ وَالِدُ شُرَيْحٍ سَأَلَ عَنْ مَعْنَى ذَلِكَ فَأُجِيبَ بِنَحْوِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ فِيهِ مَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ مِنَ السُّؤَالِ وَالتَّقْدِيرِ أَيُّ خِصَالِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا لَمْ أَخْتَرْ تَقْدِيرَ خِصَالٍ فِي الْأَوَّلِ فِرَارًا مِنْ كَثْرَةِ الْحَذْفِ وَأَيْضًا فَتَنْوِيعُ التَّقْدِيرِ يَتَضَمَّنُ جَوَابَ مَنْ سَأَلَ فَقَالَ السُّؤَالَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْجَوَابُ مُخْتَلِفٌ فَيُقَالُ لَهُ إِذَا لَاحَظْتَ هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ بَانَ الْفَرْقُ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ إِذِ الْإِطْعَامُ مُسْتَلْزِمٌ لِسَلَامَةِ الْيَدِ وَالسَّلَامُ لِسَلَامَةِ اللِّسَانِ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ فِي الْغَالِبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ اخْتَلَفَ لِاخْتِلَافِ السُّؤَالِ عَنِ الْأَفْضَلِيَّةِ إِنْ لُوحِظَ بَيْنَ لَفْظِ أَفْضَلَ وَلَفْظِ خَيْرٍ فَرْقٌ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ الْفَضْلُ بِمَعْنَى كَثْرَةِ الثَّوَابِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِلَّةِ وَالْخَيْرُ بِمَعْنَى النَّفْعِ فِي مُقَابَلَةِ الشَّرِّ فَالْأَوَّلُ مِنَ الْكَمِّيَّةِ وَالثَّانِي مِنَ الْكَيْفِيَّةِ فَافْتَرَقَا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْفَرْقَ لَا يَتِمُّ إِلَّا إِذَا اخْتَصَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِتِلْكَ الْمَقُولَةِ أَمَّا إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُعْقَلُ تَأَتِّيهِ فِي الْأُخْرَى فَلَا وَكَأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى أَنَّ لَفْظَ خَيْرٍ اسْمٌ لَا أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ اتِّحَادِ السُّؤَالَيْنِ جَوَابٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى اخْتِلَافِ حَالِ السَّائِلِينَ أَوِ السَّامِعِينَ فَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ تَحْذِيرُ مَنْ خُشِيَ مِنْهُ الْإِيذَاءُ بِيَدٍ أَوْ لِسَانٍ فَأُرْشِدَ إِلَى الْكَفِّ وَفِي الثَّانِي تَرْغِيبُ مَنْ رُجِيَ فِيهِ النَّفْعُ الْعَامُّ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فَأُرْشِدَ إِلَى ذَلِكَ وَخَصَّ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ بِالذِّكْرِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْجَهْدِ وَلِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَثَّ عَلَيْهِمَا أَوَّلَ مَا دَخَلَ الْمَدِينَةَ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مُصَحَّحًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ .

     قَوْلُهُ  تُطْعِمُ هُوَ فِي تَقْدِيرِ الْمَصْدَرِ أَيْ أَنْ تُطْعِمَ وَمِثْلُهُ تَسْمَعَ بِالْمُعَيْدِيِّ وَذَكَرَ الْإِطْعَامَ لِيَدْخُلَ فِيهِ الضِّيَافَةُ وَغَيْرُهَا .

     قَوْلُهُ  وَتَقْرَأُ بِلَفْظِ مُضَارِعِ الْقِرَاءَةِ بِمَعْنَى تَقُولُ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ تَقُولُ اقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَلَا تَقُولُ أَقْرِئْهُ السَّلَامَ فَإِذَا كَانَ مَكْتُوبًا.

.

قُلْتُ أَقْرِئْهُ السَّلَامَ أَيِ اجْعَلْهُ يقرأه .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ أَيْ لَا تَخُصَّ بِهِ أَحَدًا تَكَبُّرًا أَوْ تَصَنُّعًا بَلْ تَعْظِيمًا لِشِعَارِ الْإِسْلَامِ وَمُرَاعَاةً لِأُخُوَّةِ الْمُسْلِمِ فَإِنْ قِيلَ اللَّفْظُ عَامٌّ فَيَدْخُلُ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ وَالْفَاسِقُ أُجِيبَ بِأَنَّهُ خُصَّ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى أَوْ أَنَّ النَّهْيَ مُتَأَخِّرٌ وَكَانَ هَذَا عَامًّا لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ.

.
وَأَمَّا مَنْ شَكَّ فِيهِ فَالْأَصْلُ الْبَقَاءُ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَثْبُتَ الْخُصُوصُ تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَظِيرَ هَذَا السُّؤَالِ لَكِنْ جَعَلَ الْجَوَابَ كَالَّذِي فِي حَدِيثِ أبي مُوسَى فَادّعى بن مَنْدَهْ فِيهِ الِاضْطِرَابَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمَا حَدِيثَانِ اتَّحَدَ إِسْنَادُهُمَا وَافَقَ أَحَدُهُمَا حَدِيثَ أَبِي مُوسَى وَلِثَانِيهِمَا شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ كَمَا تقدم الثَّانِي هَذَا الْإِسْنَاد كُله مصريون وَالَّذِي قَبْلَهُ كَمَا ذَكَرْنَا كُوفِيُّونَ وَالَّذِي بَعْدَهُ مِنْ طَرِيقَيْهِ بَصْرِيُّونَ فَوَقَعَ لَهُ التَّسَلْسُلُ فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْوَلَاءِ وَهُوَ مِنَ اللَّطَائِفِ قَوْله ! !

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  6 - فصل
خرج البخاري ومسلم من حديث:
[ قــ :12 ... غــ :12 ]
- يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الإسلام خير؟ قال: ( 182 - ب /ف) " تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ".

وخرجه مسلم أيضا .
جعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث خير الإسلام: إطعام الطعام وإفشاء السلام.
وفي " المسند " عن عمرو بن عبسة أنه سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما الإسلام؟ قال: " لين الكلام وإطعام الطعام ".

ومراده: الإسلام التام الكامل.
وهذه الدرجة في الإسلام فضل، وليست واجبة، إنما هي إحسان.
وأما سلامة المسلمين من اللسان واليد فواجبة إذا كانت من غير حق، فإن كانت السلامة من حق كان - أيضا - فضلا.

وقد جمع الله تعالى بين الأفضال بالنداء وترك الأذى في وصف المتقين في قوله: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] فهذا إحسان وفضل وهو بذل النداء واحتمال الأذى.

وجمع في الحديث بين إطعام الطعام وإفشاء السلام، لأنه به يجتمع الإحسان بالقول والفعل وهو أكمل الإحسان، وإنما كان هذا خير الإسلام بعد الإتيان بفرائض الإسلام وواجباته، فمن أتى بفرائض الإسلام ثم ارتقى إلى درجة الإحسان إلى الناس كان خيرا ممن لم يرتق إلى هذه الدرجة وأفضل - أيضا -، وليس المراد أن من اقتصر على هذه الدرجة فهو خير من غيره مطلقا ولا أن إطعام الطعام ولين الكلام خير من أركان الإسلام ومبانيه الخمس، فإن إطعام الطعام والسلام لا يكونان من الإسلام إلا بالنسبة إلى من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

وقد زعم الحكيمي وغيره أنه قال: خير الأشياء كذا، والمراد تفضيله من وجه دون وجه وفي وقت دون وقت أو لشخص دون شخص، ولا يراد تفضيله على الأشياء كلها، أو أن يكون المراد: إنه من خير الأشياء، لا خير مطلقا.
وهذا فيه نظر، وهو مخالف للظاهر، ولو كان هذا حقا لما احتيج إلى تأويل قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن قال له: يا خير البرية، فقال: " ذاك إبراهيم " .
وقد تأوله الأئمة، فقال الإمام أحمد: هو على وجه التواضع.
ولكن هذا يقرب من قول من تأول " أفضل " بمعنى " فاضل " وقال: إن " أفعل " لا تقتضي المشاركة.
وهذا غير مطرد عند البصريين، ويتأول ما ورد منه وحكى عن الكوفيين أنه مطرد لا يحتاج إلى تأويل.
وقوله " وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " هذا أفضل أنواع إفشاء السلام.
وفي " المسند " عن ابن مسعود مرفوعا: " إن من أشراط الساعة " السلام بالمعرفة " .

ويخرج من عموم ذلك: من لا يجوز بداءته بالسلام كأهل الكتاب عند جمهور العلماء.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلاَمِ

[ قــ :12 ... غــ : 12 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».
[الحديث 12 - طرفاه في: 28، 6236] .


هذا ( باب) بالتنوين، وهو عند الأصيلي ساقط في فرع اليونينية كهي، ( إطعام الطعام) من سغب ( من الإسلام) وللأصيلي في نسخة من الإيمان أي من خصاله.
وبالسند المذكور أوّل هذا الكتاب إلى البخاري قال: ( حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء الضمومة آخره معجمة الحرّاني البصري نزيل مصر المتوفى بها سنة تسع وعشرين ومائتين، ( قال حدّثنا الليث) بالمثلثة ابن سعد الفهمي وفهم من قيس عيلان المصري الإمام الجليل المشهور القلقشندي المولد الحنفي المذهب فيما قاله ابن خلكان، والمشهور أنه كان مجتهدًا المتوفى يوم الجمعة نصف شعبان سنة خمس وسبعين ومائة، ( عن يزيد) أبي رجاء بن أبي حبيب المصري التابعي الجليل مفتي مصر المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائة، ( عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة ابن عبد الله اليزني نسبة إلى ذي يزن المصري المتوفى سنة تسعين، ( عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص ( رضي الله عنهما أن رجلاً) قال صاحب الفتح لم أعرف اسمه وقد قيل إنه أبو ذر ( سأل النبي) وفي رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي) خصال ( الإسلام خير قال) وفي رواية أبوي ذر والوقت فقال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( تطعم) الخلق ( الطعام) تطعم في محل رفع خبر مبتدأ محذوف بتقدير أن أي هو أن تطعم الطعام فأن مصدرية والتقدير هو إطعام الطعام ولم يقل توكل الطعام ونحوه، لأن لفظ الإطعام يشمل الأكل والشرب والذواق والضيافة والإعطاء وغير ذلك ( وتقرأ) بفتح التاء وضم الهمزة مضارع قرأ ( السلام على من عرفت ومن لم تعرف) من المسلمين، فلا تخص به أحدًا تكبرًا وتجبرًا بل عمّ به كل أحد لأن المؤمنين كلهم إخوة وحذف العائد في الوضعين للعلم به والتقدير على من عرفته ولم يقل وتسلم حتى يتناول سلام الباعث بالكتاب المتضمن للسلام.
وفي هاتين الخصلتين الجمع بين نوعي المكارم المالية والبدنية: الطعام والسلام.

وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة وكل رواته مصريون وهذا من الغرائب، ورواته كلهم أئمة أجلاء.
وأخرجه المؤلف أيضًا في باب الإيمان بعد هذا الباب بأبواب، وفي الاستئذان ومسلم في الإيمان والنسائي فيه أيضًا وأبو داود في الأدب وابن ماجة في الأطعمة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :12 ... غــ : 12 ]
- سورة يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلاَمُ
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .

     وَقَالَ  فُضَيْلٌ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا الأُتْرُجُّ، قَالَ فُضَيْلٌ: الأُتْرُجُّ بِالْحَبَشِيَّةِ: مُتْكًا،.

     وَقَالَ  ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا الأُتْرُجُّ، بِالْحَبَشِيَّةِ: مُتْكًا، كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ،.

     وَقَالَ  قَتَادَةُ: لَذُو عِلْمٍ عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ،.

     وَقَالَ  ابْنُ جُبَيْرٍ: صُوَاعٌ مَكُّوكُ الْفَارِسِيِّ الَّذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأَعَاجِمُ،.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: تُفَنِّدُونِ تُجَهِّلُونِ،.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: غَيَابَةٌ كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهْوَ غَيَابَةٌ، وَالْجُبُّ الرَّكِيَّةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ، بِمُؤْمِنٍ لَنَا: بِمُصَدِّقٍ، أَشُدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّقْصَانِ يُقَالُ: بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ: وَاحِدُهَا شَدٌّ.
وَالْمُتَّكَأُ مَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ وَأَبْطَلَ الَّذِي قَالَ الأُتْرُجُّ: وَلَيْسَ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ الأُتْرُجُّ فَلَمَّا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ الْمُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ فَرُّوا إِلَى شَرٍّ مِنْهُ فَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ الْمُتْكُ سَاكِنَةَ التَّاءِ وَإِنَّمَا الْمُتْكُ طَرَفُ الْبَظْرِ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهَا: مَتْكَاءُ وَابْنُ الْمَتْكَاءِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أُتْرُجٌّ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْمُتَّكَإِ، شَغَفَهَا يُقَالُ: بَلَغَ إِلَى شِغَافِهَا وَهْوَ غِلاَفُ قَلْبِهَا.

.
وَأَمَّا شَعَفَهَا: فَمِنَ الْمَشْعُوفِ، أَصْبُ: أَمِيلُ، أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ: مَا لاَ تَأْوِيلَ لَهُ، وَالضِّغْثُ: مِلْءُ الْيَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أَشْبَهَهُ وَمِنْهُ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا لاَ مِنْ قَوْلِهِ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَاحِدُهَا: ضِغْثٌ، نَمِيرُ: مِنَ الْمِيرَةِ.
وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ: مَا يَحْمِلُ بَعِيرٌ، آوَى إِلَيْهِ: ضَمَّ إِلَيْهِ، السِّقَايَةُ: مِكْيَالٌ.
اسْتَيْأَسُوا: يَئِسُوا.
وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ: مَعْنَاهُ الرَّجَاءُ، خَلَصُوا نَجِيًّا: اعْتَرَفُوا نَجِيًّا وَالجَمْعُ أَنْجِيَةٌ يَتَنَاجُونَ الوَاحِدُ نَجِيٌّ وَالاثْنَانِ وَالجَمْعُ نَجِيٌّ وَأَنْجِيَةٌ: تَفْتَأُ لاَ تَزَالُ { حَرَضًا} مُحْرَضًا يُذِيبُكَ الْهَمُّ { تَحَسَّسُوا} تَخَبَّرُوا { مُزْجَاةٍ} قَلِيلَةٍ { غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} عَامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ.

( [12] سورة يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلاَمُ)
مكية وهي مائة إحدى عشرة آية.

( بسم الله الرحمن الرحيم) كذا لأبي ذر وسقطت لغيره.

( وقال فضيل) : بضم الفاء وفتح المعجمة ابن عياض بن موسى الزاهد المتوفى بمكة سنة سبع وثمانين ومائة مما وصله ابن المنذر ومسدد في مسنده ( عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي ( عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر ( متكأ) بضم الميم وسكون الفوقية وتنوين الكاف من غير همز وهي قراءة ابن عباس وابن عمر ومجاهد وقتادة والجحدري ( الأترج) بضم
الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء وتشديد الجيم، ولأبي ذر الأترنج بزيادة نون بعد الراء وتخفيف الجيم لغتان وأنشدوا:
فأهدت متكة لبني أبيها ... تخب بها العثمثمة الوقاح
والعثمثمة من النوق الشديدة والذكر عثمثم الأسد والوقاح بالواو المفتوحة والقاف الناقة الصلبة ( قال فضيل) : هو ابن عياض فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق يحيى بن يمان عنه ( الأترج) أي بتشديد الجيم وسقط لأبي ذر قال فضيل: الأترج ( بـ) ـاللغة ( الحبشية متكًا) بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف من غير همز.

( وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله في مسنده ( عن رجل) لم يسم ( عن مجاهد متكًا) بسكون التاء من غير همز كالسابق ( كل شيء) ولأبي ذر قال كل شيء ( قطع بالسكين) كالأترج وغيره من الفواكه وأنشدوا:
نشرب الإثم بالصواع جهارًا ... ونرى المتك بيننا مستعارا
قيل: وهو من متك بمعنى بتك الشيء أي قطعه، فعلى هذا يحتمل أن تكون الميم بدلاً من الباء وهو بدل مطرد في لغة قوم، ويحتمل أن تكون مادة أخرى وافقت هذه.

( وقال قتادة) في قوله تعالى: { وإنه} ( { لذو علم} ) [يوسف: 68] وزاد أبو ذر: لما علمناه أي ( عامل بما علم) وصله ابن أبي حاتم والضمير في وأنه ليعقوب كما يرشد إليه قوله: { إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} .

( وقال ابن جبير) : فيما رواه ابن منده وابن مردويه ولأبي ذر سعيد بن جبير ( { صواع} ) ولأبي ذر: صواع الملك ( مكوك الفارسي) بفتح الميم وتشديد الكاف الأولى مضمومة مكيال معروف لأهل العراق وهو ( الذي يلتقي طرفاه كانت تشرب به الأعاجم) وكان من فضة وزاد ابن إسحاق مرصعًا بالجواهر كان يسقى به الملك ثم جعل صاعًا يكال به.

( وقال ابن عباس) : في قوله: { لولا أن} ( { تفندون} ) أي ( تجهلون) وقال الضحاك: تهرمون فتقولون شيخ كبير قد ذهب عقله.
وعند ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: { ولما فصلت العير} [يوسف: 94] لما خرجت العير هاجت ريح فأتت يعقوب بريح يوسف فقال: { إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون} قال لولا أن تسفهون قال: فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيام.

( وقال غيره) : أي غير ابن عباس في قوله تعالى: { وألقوه في غيابة الجب} [يوسف: 10] ( غيابة) بالرفع ( كل شيء) مبتدأ وفي نسخة غيابة بالجر والذي في اليونينية غيابة بالرفع وبالفتح ( غيب عنك شيئًا) في محل جر صفة لشيء وشيئًا مفعول غيب ( فهو غيابة) خبر المبتدأ أو المبتدأ إذا
تضمن معنى الشرط تدخل الفاء في خبره ( والجب) بالجيم ( الركية التي لم تطو) قاله أبو عبيدة وسمي به لكونه محفورًا في جبوب الأرض أي ما غلظ منها والغيابة قال الهروي شبه طاق في البئر فويق الماء يغيب ما فيه من العيون.
وقال الكلبي: تكون في قعر الجب لأن أسفله واسع ورأسه ضيق فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه، والألف واللام في الجب للعهد فقيل: هو جب بيت المقدس، وقيل بأرض الأردن، وقيل على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب.

وقوله: { وما أنت} ( { بمؤمن لنا} ) أي ( بمصدق) لسوء ظنك بنا.

وقوله تعالى: { ولما بلغ} ( { أشدّه} ) [يوسف: 22] أي ( قبل أن يأخذ في النقصان) وهو ما بين الثلاثين والأربعين وقيل في سن الشباب ومبدؤه قبل بلوغ الحلم ( يقال: بلغ أشدّه وبلغوا أشدّهم) أي فيكون أشد في المفرد والجمع بلفظ واحد ( وقال بعضهم: واحدها) أي الأشد ( شد) بفتح الشين من غير همزة وهو قول سيبويه والكسائي.

( والمتكأ) بتشديد الفوقية وبعد الكاف همزة على قراءة الجمهور اسم مفعول ( ما اتكأت عليه لشراب أو لحديث أو لطعام) أي لأجل شراب الخ.
( وأبطل) قول ( الذي قال) : إن المتكأ هو ( الأترج) بتشديد الجيم للإدغام، ولأبي ذر الأترنج بالنون للفك.
( وليس في كلام العرب الأترج) أي ليس مفسرًا في كلامهم به وهذا أخذه من كلام أبي عبيدة ولفظه وزعم قوم أنه الترنج وهذا أبطل باطل في الأرض اهـ.

وتعقب بما في المحكم حيث قال: المتكأ الأترنج، ونقله الجوهري في صحاحه عن الأخفش، وقال أبو حنيفة الدينوري: بالضم الأترنج وبالفتح السوسن، وعن أبي علي القالي وابن فارس في مجمله نحوه، وعند عبد بن حميد أن ابن عباس كان يقرأ متكأ مخففة ويقول هو الأترج.

( فلما احتج عليهم) بضم التاء أي على القائلين بأنه الأترج، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيما احتج بالمثناة التحتية بدل اللام ( بأنه) ولأبي ذر: بأن ( المتكأ) بالتشديد والهمزة ( من نمارق) يعني وسائد ( فرّوا إلى شرّ منه فقالوا) بالفاء ولأبي ذر وقالوا ( إنما هو المتك ساكنة التاء) مخففة وساكنة نصب ( وإنما المتك) المخفف ( طرف البظر) بفتح الموحدة وسكون المعجمة وهو موضع الختان من المرأة ( ومن ذلك) اللفظ ( قيل لها) أي للمرأة ( متكاء وابن المتكاء) بفتح الميم والتخفيف والمد فيهما وهي التي لم تختن ويقال البظراء أيضًا ( فإن كان ثمّ) بفتح المثلثة أي هناك ( أترج) بتشديد الجيم ( فإنه) كان ( بعد المتكأ) وقيل المتكأ طعام يحز حزًّا، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد: متكأ طعامًا سماه متكأ لأن أهل الطعام إذا جلسوا يتكئون على الوسائد فسمي الطعام متكأ على الاستعارة، وقيل المتكأ طعام يحتاج إلى أن يقطع بالسكين لأنه متى كان كذلك احتاج الإنسان إلى أن يتكئ عليه عند القطع وقد علم مما مرّ أن المتك المخفف يكون بمعنى الأترج وطرف البظر وأن المشدد ما يتكأ عليه من وسادة وحينئذ فلا تعارض بين النقلين
كما لا يخفى وكان الأولى سياق قوله والمتكأ ما اتكأت عليه عقب قوله متكا كل شيء قطع بالسكين ويشبه أن يكون من ناسخ كغيره مما يقع غير مرتب.

وقوله: ( { قد} { شغفها} ) [يوسف: 35] ( يقال بلغ إلى شغافها) قال السفاقسي بكسر الشين المعجمة ضبطه المحدثون في كتب اللغة بفتحها، وسقط لفظ ( إلى) لأبي ذر وثبت له بلغ ( وهو غلاف قلبها) وهو جلدة رقيقة، وزاد القاضي كغيره حتى وصل إلى فؤادها حبًا وقال غيره: أحاط بقلبها مثل إحاطة الشغاف بالقلب يعني أن اشتغالها بحبه صار حجابًا بينها وبين كل ما سوى هذه المحبة فلا يخطر ببالها سواه.
( وأما شعفها) بالعين المهملة وهي قراءة الحسن وابن محيصن ( فمن المشعوف) وهو الذي أحرق قلبه الحب وهو من شعف البعير إذا هنأه أي طلاه بالقطران فأحرقه، وقد كشف أبو عبيد عن هذا المعنى فقال: الشعف بالمهملة إحراق الحب القلب مع لذة يجدها كما أن البعير إذا طلي بالقطران بلغ منه مثل ذلك ثم يسترجع إليه.

وقوله: ( { أصب} { إليهن} ) أي ( أميل) إلى إجابتهن زاد أبو ذر صبا مال.

وقوله: ( { أضغاث أحلام} ) هي ( ما لا تأويل له) وقال قتادة فيما رواه عبد الرزاق هي الأحلام الكاذبة وسقط لأبي ذر أحلام ( والضغث) بكسر الضاد وسكون الغين المعجمتين وسقط الواو من قوله والضعث لأبي ذر ( ملء اليد من حشيش وما أشبهه) جنسًا واحدًا أو أجناسًا مختلطة وخصه في الكشاف بما جمع من أخلاط النبات فقال وأصل الأضغاث ما جمع من أخلاط النبات، وحزم فاستعيرت لذلك أي استعيرت الأضغاث للتخاليط والأباطيل والجامع الاختلاط من غير تمييز بين جيد ورديء والإضافة في أضغاث أحلام بمعنى من التقدير أضغاث من أحلام ( ومنه) : { وخذ بيدك ضغثًا} [ص: 44] مما هو ملء الكف من الحشيش وهو من جنس واحد روي أنه أخذ عثكالاً من نخلة ( لا من قوله) { أضغاث أحلام} [يوسف: 44] الذي هو بمعنى لا تأويل له ( واحدها) أي الأضغاث ( ضغث) .

وقوله: ( { نمير} ) يريد قوله: { هذه بضاعتنا ردّت إلينا ونمير أهلنا} [يوسف: 65] ( من الميرة) بكسر الميم وهي الطعام أي نجلب إلى أهلينا الطعام ( { ونزداد كيل بعير} ) أي ( ما يحمل بعير) بسبب حضور أخينا لأنه كان يكيل لكل رجل حمل بعير وقال مجاهد فيما رواه الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه كيل بعير أي كيل حمار وأيّده ابن خالويه بأن إخوة يوسف كانوا بأرض كنعان ولم يكن بها إبل.
قال ابن عادل: وكونه البعير المعروف أصح.

وقوله: ( { آوى إليه} ) أي ( ضم إليه) أخاه بنيامين على الطعام أو إلى المنزل روي أنه أجلس كل اثنين على مائدة فبقي بنيامين وحده فقال لو كان أخي يوسف حيًّا لأجلست معه؟ فقال يوسف: بقي أخوكم وحيدًا فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكله فلما كان الليل أمر أن ينزل كل اثنين منهم بيتًا وقال هذا لا ثاني له آخذه معي فآواه إليه.

( السقاية) يريد قوله: { فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية} [يوسف: 70] ( مكيال) إناء كان يوسف عليه الصلاة والسلام يشرب به فجعله مكيالاً لئلا يكتالوا بغيره فيظلموا.

قوله: فلما ( { استيأسوا} ) [يوسف: 80] أي ( يئسوا) من يوسف وإجابته إياهم وزيادة السين والتاء للمبالغة.

قوله: { ولا تيأسوا من روح الله} [يوسف: 87] ( معناه الرجاء) وروح الله تعالى بفتح الراء رحمته وتنفيسه وعن قتادة من فضل الله وقيل من فرج الله.

وقوله: ( { خلصوا نجيًّا} ) أي ( اعترفوا) وللكشميهني اعتزلوا ( نجيا) وهو الصواب أي انفردوا وليس معهم أخوهم أو خلا بعضهم إلى بعض يتشاورون ولا يخالطهم غيرهم ونجيًا حال من فاعل خلصوا والنجي يستوي فيه المذكر والمؤنث ( والجمع أنجية) بالهمز ( يتناجون الواحد نَجيّ والاثنان والجمع نجيّ) إما لأن النجي فعيل بمعنى مفاعل كالعشير والخليط بمعنى المخال والمعاشر كقوله تعالى: { وقربناه نجيًا} [مريم: 52] أي مناجيًا وهذا في الاستعمال يفرد مطلقًا يقال هم خليطك وعشيرك أي مخالطوك ومعاشروك، وإما لأنه صفة على فعيل بمنزلة صديق وبابه يوحد لأنه بمنزلة المصادر كالصهيل والوخيد، وإما لأنه مصدر بمعنى التناجي كما قيل النجوى بمعناه قال تعالى: { وإذ هم نجوى} [الإسراء: 47] وحينئذٍ فيكون فيه التأويلات المذكورة في عدل وبابه ( و) قد يجمع فيقال: ( أنجية) بالهمزة كما مرّ قال:
إني إذا ما القوم كانوا أنجية
وقال لبيد:
وشهدت أنجية الافاقة عاليًا ... كعبي وأرداف الملوك شهود
وكان من حقه إذا جعل وصفًا أن يجمع على أفعلاء كغني وأغنياء وشقي وأشقياء.
وقال البغوي النجي يصلح للجماعة كما قال وقربناه نجيًا، وإنما جاز للواحد والجمع لأنه مصدر جعل نعتًا كالعدل ومثله النجوى يكون اسمًا ومصدرًا قال تعالى: { وإذ هم نجوى} أي متناجون وقال: ما يكون من نجوى ثلاثة.
وقال في المصدر إنما النجوى من الشيطان.
قال في المفاتيح: وأحسن الوجوه أن يقال: إنهم تمحضوا تناجيًا لأن من كمل حصول أمر من الأمور فيه وصف بأنه صار عين ذلك الشيء، فلما أخذوا في التناجي إلى غاية الجد صاروا كأنهم في أنفسهم نفس التناجي وحقيقته وسقط من قوله: استيأسوا يئسوا الخ في رواية أبي ذر عن الحموي وثبت له عن الكشميهني والمستملي.

وقوله تعالى: { تالله} ( { تفتأ} ) بالألف صورة الهمزة ولأبي ذر: تفتئوا بالواو وهو جواب القسم على حذف لا وهي ناقصة بمعنى ( تزال) ومنه قول الشاعر:
تالله يبقى على الأيام ذو حيد ... بمشمخر به الظيان والآس
أي لا يبقى.
وقوله:
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا
ويدل على حذفها أنه لو كان مثبتًا لاقترن بلام الابتداء ونون التوكيد عند البصريين أو بأحدهما عند الكوفيين وتقول: والله أحبك تريد لا أحبك وهو من التورية فإن كثيرًا من الناس يتبادر ذهنه إلى إثبات المحبة.

وقوله: { حتى تكون} ( { حرضًا} ) أي ( محرضًا) بضم الميم وفتح الراء ( يذيبك الهم) والمعنى لا تزال تذكر يوسف بالحزن والبكاء عليه حتى تموت من الهم والحرض في الأصل مصدر ولذلك لا يثنى ولا يجمع تقول هو حرض وهم حرض وهي حرض وهن حرض.

( { تحسسوا} ) يريد قوله تعالى: { يا بني اذهبوا فتحسسوا} [يوسف: 87] أي ( تخبروا) خبرًا من أخبار يوسف وأخيه والتحسس طلب الشيء بالحاسة.

( { مزجاة} ) بالرفع لأبي ذر ولغيره مزجاة بالجر حكاية قوله: { وجئنا ببضاعة مزجاة} [يوسف: 88] أي ( قليلة) بالرفع لأبي ذر ولغيره قليلة بالجر وقيل رديئة وقوله تعالى: { أفأمنوا أن تأتيهم} ( { غاشية} ) ( من عذاب الله) أي عقوبة ( عامة مجللة) بفتح الجيم وكسر اللام الأولى مشددة من جلل الشيء إذا عمه صفة لغاشية.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :12 ... غــ : 12 ]
- سورة يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلاَمُ
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .

     وَقَالَ  فُضَيْلٌ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا الأُتْرُجُّ، قَالَ فُضَيْلٌ: الأُتْرُجُّ بِالْحَبَشِيَّةِ: مُتْكًا،.

     وَقَالَ  ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا الأُتْرُجُّ، بِالْحَبَشِيَّةِ: مُتْكًا، كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ،.

     وَقَالَ  قَتَادَةُ: لَذُو عِلْمٍ عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ،.

     وَقَالَ  ابْنُ جُبَيْرٍ: صُوَاعٌ مَكُّوكُ الْفَارِسِيِّ الَّذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأَعَاجِمُ،.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: تُفَنِّدُونِ تُجَهِّلُونِ،.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: غَيَابَةٌ كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهْوَ غَيَابَةٌ، وَالْجُبُّ الرَّكِيَّةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ، بِمُؤْمِنٍ لَنَا: بِمُصَدِّقٍ، أَشُدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّقْصَانِ يُقَالُ: بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ: وَاحِدُهَا شَدٌّ.
وَالْمُتَّكَأُ مَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ وَأَبْطَلَ الَّذِي قَالَ الأُتْرُجُّ: وَلَيْسَ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ الأُتْرُجُّ فَلَمَّا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ الْمُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ فَرُّوا إِلَى شَرٍّ مِنْهُ فَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ الْمُتْكُ سَاكِنَةَ التَّاءِ وَإِنَّمَا الْمُتْكُ طَرَفُ الْبَظْرِ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهَا: مَتْكَاءُ وَابْنُ الْمَتْكَاءِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أُتْرُجٌّ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْمُتَّكَإِ، شَغَفَهَا يُقَالُ: بَلَغَ إِلَى شِغَافِهَا وَهْوَ غِلاَفُ قَلْبِهَا.

.
وَأَمَّا شَعَفَهَا: فَمِنَ الْمَشْعُوفِ، أَصْبُ: أَمِيلُ، أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ: مَا لاَ تَأْوِيلَ لَهُ، وَالضِّغْثُ: مِلْءُ الْيَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أَشْبَهَهُ وَمِنْهُ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا لاَ مِنْ قَوْلِهِ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَاحِدُهَا: ضِغْثٌ، نَمِيرُ: مِنَ الْمِيرَةِ.
وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ: مَا يَحْمِلُ بَعِيرٌ، آوَى إِلَيْهِ: ضَمَّ إِلَيْهِ، السِّقَايَةُ: مِكْيَالٌ.
اسْتَيْأَسُوا: يَئِسُوا.
وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ: مَعْنَاهُ الرَّجَاءُ، خَلَصُوا نَجِيًّا: اعْتَرَفُوا نَجِيًّا وَالجَمْعُ أَنْجِيَةٌ يَتَنَاجُونَ الوَاحِدُ نَجِيٌّ وَالاثْنَانِ وَالجَمْعُ نَجِيٌّ وَأَنْجِيَةٌ: تَفْتَأُ لاَ تَزَالُ { حَرَضًا} مُحْرَضًا يُذِيبُكَ الْهَمُّ { تَحَسَّسُوا} تَخَبَّرُوا { مُزْجَاةٍ} قَلِيلَةٍ { غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} عَامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ.

( [12] سورة يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلاَمُ)
مكية وهي مائة إحدى عشرة آية.

( بسم الله الرحمن الرحيم) كذا لأبي ذر وسقطت لغيره.

( وقال فضيل) : بضم الفاء وفتح المعجمة ابن عياض بن موسى الزاهد المتوفى بمكة سنة سبع وثمانين ومائة مما وصله ابن المنذر ومسدد في مسنده ( عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي ( عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر ( متكأ) بضم الميم وسكون الفوقية وتنوين الكاف من غير همز وهي قراءة ابن عباس وابن عمر ومجاهد وقتادة والجحدري ( الأترج) بضم
الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء وتشديد الجيم، ولأبي ذر الأترنج بزيادة نون بعد الراء وتخفيف الجيم لغتان وأنشدوا:
فأهدت متكة لبني أبيها ... تخب بها العثمثمة الوقاح
والعثمثمة من النوق الشديدة والذكر عثمثم الأسد والوقاح بالواو المفتوحة والقاف الناقة الصلبة ( قال فضيل) : هو ابن عياض فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق يحيى بن يمان عنه ( الأترج) أي بتشديد الجيم وسقط لأبي ذر قال فضيل: الأترج ( بـ) ـاللغة ( الحبشية متكًا) بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف من غير همز.

( وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله في مسنده ( عن رجل) لم يسم ( عن مجاهد متكًا) بسكون التاء من غير همز كالسابق ( كل شيء) ولأبي ذر قال كل شيء ( قطع بالسكين) كالأترج وغيره من الفواكه وأنشدوا:
نشرب الإثم بالصواع جهارًا ... ونرى المتك بيننا مستعارا
قيل: وهو من متك بمعنى بتك الشيء أي قطعه، فعلى هذا يحتمل أن تكون الميم بدلاً من الباء وهو بدل مطرد في لغة قوم، ويحتمل أن تكون مادة أخرى وافقت هذه.

( وقال قتادة) في قوله تعالى: { وإنه} ( { لذو علم} ) [يوسف: 68] وزاد أبو ذر: لما علمناه أي ( عامل بما علم) وصله ابن أبي حاتم والضمير في وأنه ليعقوب كما يرشد إليه قوله: { إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} .

( وقال ابن جبير) : فيما رواه ابن منده وابن مردويه ولأبي ذر سعيد بن جبير ( { صواع} ) ولأبي ذر: صواع الملك ( مكوك الفارسي) بفتح الميم وتشديد الكاف الأولى مضمومة مكيال معروف لأهل العراق وهو ( الذي يلتقي طرفاه كانت تشرب به الأعاجم) وكان من فضة وزاد ابن إسحاق مرصعًا بالجواهر كان يسقى به الملك ثم جعل صاعًا يكال به.

( وقال ابن عباس) : في قوله: { لولا أن} ( { تفندون} ) أي ( تجهلون) وقال الضحاك: تهرمون فتقولون شيخ كبير قد ذهب عقله.
وعند ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: { ولما فصلت العير} [يوسف: 94] لما خرجت العير هاجت ريح فأتت يعقوب بريح يوسف فقال: { إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون} قال لولا أن تسفهون قال: فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيام.

( وقال غيره) : أي غير ابن عباس في قوله تعالى: { وألقوه في غيابة الجب} [يوسف: 10] ( غيابة) بالرفع ( كل شيء) مبتدأ وفي نسخة غيابة بالجر والذي في اليونينية غيابة بالرفع وبالفتح ( غيب عنك شيئًا) في محل جر صفة لشيء وشيئًا مفعول غيب ( فهو غيابة) خبر المبتدأ أو المبتدأ إذا
تضمن معنى الشرط تدخل الفاء في خبره ( والجب) بالجيم ( الركية التي لم تطو) قاله أبو عبيدة وسمي به لكونه محفورًا في جبوب الأرض أي ما غلظ منها والغيابة قال الهروي شبه طاق في البئر فويق الماء يغيب ما فيه من العيون.
وقال الكلبي: تكون في قعر الجب لأن أسفله واسع ورأسه ضيق فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه، والألف واللام في الجب للعهد فقيل: هو جب بيت المقدس، وقيل بأرض الأردن، وقيل على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب.

وقوله: { وما أنت} ( { بمؤمن لنا} ) أي ( بمصدق) لسوء ظنك بنا.

وقوله تعالى: { ولما بلغ} ( { أشدّه} ) [يوسف: 22] أي ( قبل أن يأخذ في النقصان) وهو ما بين الثلاثين والأربعين وقيل في سن الشباب ومبدؤه قبل بلوغ الحلم ( يقال: بلغ أشدّه وبلغوا أشدّهم) أي فيكون أشد في المفرد والجمع بلفظ واحد ( وقال بعضهم: واحدها) أي الأشد ( شد) بفتح الشين من غير همزة وهو قول سيبويه والكسائي.

( والمتكأ) بتشديد الفوقية وبعد الكاف همزة على قراءة الجمهور اسم مفعول ( ما اتكأت عليه لشراب أو لحديث أو لطعام) أي لأجل شراب الخ.
( وأبطل) قول ( الذي قال) : إن المتكأ هو ( الأترج) بتشديد الجيم للإدغام، ولأبي ذر الأترنج بالنون للفك.
( وليس في كلام العرب الأترج) أي ليس مفسرًا في كلامهم به وهذا أخذه من كلام أبي عبيدة ولفظه وزعم قوم أنه الترنج وهذا أبطل باطل في الأرض اهـ.

وتعقب بما في المحكم حيث قال: المتكأ الأترنج، ونقله الجوهري في صحاحه عن الأخفش، وقال أبو حنيفة الدينوري: بالضم الأترنج وبالفتح السوسن، وعن أبي علي القالي وابن فارس في مجمله نحوه، وعند عبد بن حميد أن ابن عباس كان يقرأ متكأ مخففة ويقول هو الأترج.

( فلما احتج عليهم) بضم التاء أي على القائلين بأنه الأترج، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيما احتج بالمثناة التحتية بدل اللام ( بأنه) ولأبي ذر: بأن ( المتكأ) بالتشديد والهمزة ( من نمارق) يعني وسائد ( فرّوا إلى شرّ منه فقالوا) بالفاء ولأبي ذر وقالوا ( إنما هو المتك ساكنة التاء) مخففة وساكنة نصب ( وإنما المتك) المخفف ( طرف البظر) بفتح الموحدة وسكون المعجمة وهو موضع الختان من المرأة ( ومن ذلك) اللفظ ( قيل لها) أي للمرأة ( متكاء وابن المتكاء) بفتح الميم والتخفيف والمد فيهما وهي التي لم تختن ويقال البظراء أيضًا ( فإن كان ثمّ) بفتح المثلثة أي هناك ( أترج) بتشديد الجيم ( فإنه) كان ( بعد المتكأ) وقيل المتكأ طعام يحز حزًّا، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد: متكأ طعامًا سماه متكأ لأن أهل الطعام إذا جلسوا يتكئون على الوسائد فسمي الطعام متكأ على الاستعارة، وقيل المتكأ طعام يحتاج إلى أن يقطع بالسكين لأنه متى كان كذلك احتاج الإنسان إلى أن يتكئ عليه عند القطع وقد علم مما مرّ أن المتك المخفف يكون بمعنى الأترج وطرف البظر وأن المشدد ما يتكأ عليه من وسادة وحينئذ فلا تعارض بين النقلين
كما لا يخفى وكان الأولى سياق قوله والمتكأ ما اتكأت عليه عقب قوله متكا كل شيء قطع بالسكين ويشبه أن يكون من ناسخ كغيره مما يقع غير مرتب.

وقوله: ( { قد} { شغفها} ) [يوسف: 35] ( يقال بلغ إلى شغافها) قال السفاقسي بكسر الشين المعجمة ضبطه المحدثون في كتب اللغة بفتحها، وسقط لفظ ( إلى) لأبي ذر وثبت له بلغ ( وهو غلاف قلبها) وهو جلدة رقيقة، وزاد القاضي كغيره حتى وصل إلى فؤادها حبًا وقال غيره: أحاط بقلبها مثل إحاطة الشغاف بالقلب يعني أن اشتغالها بحبه صار حجابًا بينها وبين كل ما سوى هذه المحبة فلا يخطر ببالها سواه.
( وأما شعفها) بالعين المهملة وهي قراءة الحسن وابن محيصن ( فمن المشعوف) وهو الذي أحرق قلبه الحب وهو من شعف البعير إذا هنأه أي طلاه بالقطران فأحرقه، وقد كشف أبو عبيد عن هذا المعنى فقال: الشعف بالمهملة إحراق الحب القلب مع لذة يجدها كما أن البعير إذا طلي بالقطران بلغ منه مثل ذلك ثم يسترجع إليه.

وقوله: ( { أصب} { إليهن} ) أي ( أميل) إلى إجابتهن زاد أبو ذر صبا مال.

وقوله: ( { أضغاث أحلام} ) هي ( ما لا تأويل له) وقال قتادة فيما رواه عبد الرزاق هي الأحلام الكاذبة وسقط لأبي ذر أحلام ( والضغث) بكسر الضاد وسكون الغين المعجمتين وسقط الواو من قوله والضعث لأبي ذر ( ملء اليد من حشيش وما أشبهه) جنسًا واحدًا أو أجناسًا مختلطة وخصه في الكشاف بما جمع من أخلاط النبات فقال وأصل الأضغاث ما جمع من أخلاط النبات، وحزم فاستعيرت لذلك أي استعيرت الأضغاث للتخاليط والأباطيل والجامع الاختلاط من غير تمييز بين جيد ورديء والإضافة في أضغاث أحلام بمعنى من التقدير أضغاث من أحلام ( ومنه) : { وخذ بيدك ضغثًا} [ص: 44] مما هو ملء الكف من الحشيش وهو من جنس واحد روي أنه أخذ عثكالاً من نخلة ( لا من قوله) { أضغاث أحلام} [يوسف: 44] الذي هو بمعنى لا تأويل له ( واحدها) أي الأضغاث ( ضغث) .

وقوله: ( { نمير} ) يريد قوله: { هذه بضاعتنا ردّت إلينا ونمير أهلنا} [يوسف: 65] ( من الميرة) بكسر الميم وهي الطعام أي نجلب إلى أهلينا الطعام ( { ونزداد كيل بعير} ) أي ( ما يحمل بعير) بسبب حضور أخينا لأنه كان يكيل لكل رجل حمل بعير وقال مجاهد فيما رواه الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه كيل بعير أي كيل حمار وأيّده ابن خالويه بأن إخوة يوسف كانوا بأرض كنعان ولم يكن بها إبل.
قال ابن عادل: وكونه البعير المعروف أصح.

وقوله: ( { آوى إليه} ) أي ( ضم إليه) أخاه بنيامين على الطعام أو إلى المنزل روي أنه أجلس كل اثنين على مائدة فبقي بنيامين وحده فقال لو كان أخي يوسف حيًّا لأجلست معه؟ فقال يوسف: بقي أخوكم وحيدًا فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكله فلما كان الليل أمر أن ينزل كل اثنين منهم بيتًا وقال هذا لا ثاني له آخذه معي فآواه إليه.

( السقاية) يريد قوله: { فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية} [يوسف: 70] ( مكيال) إناء كان يوسف عليه الصلاة والسلام يشرب به فجعله مكيالاً لئلا يكتالوا بغيره فيظلموا.

قوله: فلما ( { استيأسوا} ) [يوسف: 80] أي ( يئسوا) من يوسف وإجابته إياهم وزيادة السين والتاء للمبالغة.

قوله: { ولا تيأسوا من روح الله} [يوسف: 87] ( معناه الرجاء) وروح الله تعالى بفتح الراء رحمته وتنفيسه وعن قتادة من فضل الله وقيل من فرج الله.

وقوله: ( { خلصوا نجيًّا} ) أي ( اعترفوا) وللكشميهني اعتزلوا ( نجيا) وهو الصواب أي انفردوا وليس معهم أخوهم أو خلا بعضهم إلى بعض يتشاورون ولا يخالطهم غيرهم ونجيًا حال من فاعل خلصوا والنجي يستوي فيه المذكر والمؤنث ( والجمع أنجية) بالهمز ( يتناجون الواحد نَجيّ والاثنان والجمع نجيّ) إما لأن النجي فعيل بمعنى مفاعل كالعشير والخليط بمعنى المخال والمعاشر كقوله تعالى: { وقربناه نجيًا} [مريم: 52] أي مناجيًا وهذا في الاستعمال يفرد مطلقًا يقال هم خليطك وعشيرك أي مخالطوك ومعاشروك، وإما لأنه صفة على فعيل بمنزلة صديق وبابه يوحد لأنه بمنزلة المصادر كالصهيل والوخيد، وإما لأنه مصدر بمعنى التناجي كما قيل النجوى بمعناه قال تعالى: { وإذ هم نجوى} [الإسراء: 47] وحينئذٍ فيكون فيه التأويلات المذكورة في عدل وبابه ( و) قد يجمع فيقال: ( أنجية) بالهمزة كما مرّ قال:
إني إذا ما القوم كانوا أنجية
وقال لبيد:
وشهدت أنجية الافاقة عاليًا ... كعبي وأرداف الملوك شهود
وكان من حقه إذا جعل وصفًا أن يجمع على أفعلاء كغني وأغنياء وشقي وأشقياء.
وقال البغوي النجي يصلح للجماعة كما قال وقربناه نجيًا، وإنما جاز للواحد والجمع لأنه مصدر جعل نعتًا كالعدل ومثله النجوى يكون اسمًا ومصدرًا قال تعالى: { وإذ هم نجوى} أي متناجون وقال: ما يكون من نجوى ثلاثة.
وقال في المصدر إنما النجوى من الشيطان.
قال في المفاتيح: وأحسن الوجوه أن يقال: إنهم تمحضوا تناجيًا لأن من كمل حصول أمر من الأمور فيه وصف بأنه صار عين ذلك الشيء، فلما أخذوا في التناجي إلى غاية الجد صاروا كأنهم في أنفسهم نفس التناجي وحقيقته وسقط من قوله: استيأسوا يئسوا الخ في رواية أبي ذر عن الحموي وثبت له عن الكشميهني والمستملي.

وقوله تعالى: { تالله} ( { تفتأ} ) بالألف صورة الهمزة ولأبي ذر: تفتئوا بالواو وهو جواب القسم على حذف لا وهي ناقصة بمعنى ( تزال) ومنه قول الشاعر:
تالله يبقى على الأيام ذو حيد ... بمشمخر به الظيان والآس
أي لا يبقى.
وقوله:
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا
ويدل على حذفها أنه لو كان مثبتًا لاقترن بلام الابتداء ونون التوكيد عند البصريين أو بأحدهما عند الكوفيين وتقول: والله أحبك تريد لا أحبك وهو من التورية فإن كثيرًا من الناس يتبادر ذهنه إلى إثبات المحبة.

وقوله: { حتى تكون} ( { حرضًا} ) أي ( محرضًا) بضم الميم وفتح الراء ( يذيبك الهم) والمعنى لا تزال تذكر يوسف بالحزن والبكاء عليه حتى تموت من الهم والحرض في الأصل مصدر ولذلك لا يثنى ولا يجمع تقول هو حرض وهم حرض وهي حرض وهن حرض.

( { تحسسوا} ) يريد قوله تعالى: { يا بني اذهبوا فتحسسوا} [يوسف: 87] أي ( تخبروا) خبرًا من أخبار يوسف وأخيه والتحسس طلب الشيء بالحاسة.

( { مزجاة} ) بالرفع لأبي ذر ولغيره مزجاة بالجر حكاية قوله: { وجئنا ببضاعة مزجاة} [يوسف: 88] أي ( قليلة) بالرفع لأبي ذر ولغيره قليلة بالجر وقيل رديئة وقوله تعالى: { أفأمنوا أن تأتيهم} ( { غاشية} ) ( من عذاب الله) أي عقوبة ( عامة مجللة) بفتح الجيم وكسر اللام الأولى مشددة من جلل الشيء إذا عمه صفة لغاشية.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :12 ... غــ : 12 ]
- سورة يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلاَمُ
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .

     وَقَالَ  فُضَيْلٌ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا الأُتْرُجُّ، قَالَ فُضَيْلٌ: الأُتْرُجُّ بِالْحَبَشِيَّةِ: مُتْكًا،.

     وَقَالَ  ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا الأُتْرُجُّ، بِالْحَبَشِيَّةِ: مُتْكًا، كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ،.

     وَقَالَ  قَتَادَةُ: لَذُو عِلْمٍ عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ،.

     وَقَالَ  ابْنُ جُبَيْرٍ: صُوَاعٌ مَكُّوكُ الْفَارِسِيِّ الَّذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأَعَاجِمُ،.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: تُفَنِّدُونِ تُجَهِّلُونِ،.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: غَيَابَةٌ كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهْوَ غَيَابَةٌ، وَالْجُبُّ الرَّكِيَّةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ، بِمُؤْمِنٍ لَنَا: بِمُصَدِّقٍ، أَشُدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّقْصَانِ يُقَالُ: بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ: وَاحِدُهَا شَدٌّ.
وَالْمُتَّكَأُ مَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ وَأَبْطَلَ الَّذِي قَالَ الأُتْرُجُّ: وَلَيْسَ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ الأُتْرُجُّ فَلَمَّا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ الْمُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ فَرُّوا إِلَى شَرٍّ مِنْهُ فَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ الْمُتْكُ سَاكِنَةَ التَّاءِ وَإِنَّمَا الْمُتْكُ طَرَفُ الْبَظْرِ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهَا: مَتْكَاءُ وَابْنُ الْمَتْكَاءِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أُتْرُجٌّ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْمُتَّكَإِ، شَغَفَهَا يُقَالُ: بَلَغَ إِلَى شِغَافِهَا وَهْوَ غِلاَفُ قَلْبِهَا.

.
وَأَمَّا شَعَفَهَا: فَمِنَ الْمَشْعُوفِ، أَصْبُ: أَمِيلُ، أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ: مَا لاَ تَأْوِيلَ لَهُ، وَالضِّغْثُ: مِلْءُ الْيَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أَشْبَهَهُ وَمِنْهُ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا لاَ مِنْ قَوْلِهِ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَاحِدُهَا: ضِغْثٌ، نَمِيرُ: مِنَ الْمِيرَةِ.
وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ: مَا يَحْمِلُ بَعِيرٌ، آوَى إِلَيْهِ: ضَمَّ إِلَيْهِ، السِّقَايَةُ: مِكْيَالٌ.
اسْتَيْأَسُوا: يَئِسُوا.
وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ: مَعْنَاهُ الرَّجَاءُ، خَلَصُوا نَجِيًّا: اعْتَرَفُوا نَجِيًّا وَالجَمْعُ أَنْجِيَةٌ يَتَنَاجُونَ الوَاحِدُ نَجِيٌّ وَالاثْنَانِ وَالجَمْعُ نَجِيٌّ وَأَنْجِيَةٌ: تَفْتَأُ لاَ تَزَالُ { حَرَضًا} مُحْرَضًا يُذِيبُكَ الْهَمُّ { تَحَسَّسُوا} تَخَبَّرُوا { مُزْجَاةٍ} قَلِيلَةٍ { غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} عَامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ.

( [12] سورة يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلاَمُ)
مكية وهي مائة إحدى عشرة آية.

( بسم الله الرحمن الرحيم) كذا لأبي ذر وسقطت لغيره.

( وقال فضيل) : بضم الفاء وفتح المعجمة ابن عياض بن موسى الزاهد المتوفى بمكة سنة سبع وثمانين ومائة مما وصله ابن المنذر ومسدد في مسنده ( عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي ( عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر ( متكأ) بضم الميم وسكون الفوقية وتنوين الكاف من غير همز وهي قراءة ابن عباس وابن عمر ومجاهد وقتادة والجحدري ( الأترج) بضم
الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء وتشديد الجيم، ولأبي ذر الأترنج بزيادة نون بعد الراء وتخفيف الجيم لغتان وأنشدوا:
فأهدت متكة لبني أبيها ... تخب بها العثمثمة الوقاح
والعثمثمة من النوق الشديدة والذكر عثمثم الأسد والوقاح بالواو المفتوحة والقاف الناقة الصلبة ( قال فضيل) : هو ابن عياض فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق يحيى بن يمان عنه ( الأترج) أي بتشديد الجيم وسقط لأبي ذر قال فضيل: الأترج ( بـ) ـاللغة ( الحبشية متكًا) بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف من غير همز.

( وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله في مسنده ( عن رجل) لم يسم ( عن مجاهد متكًا) بسكون التاء من غير همز كالسابق ( كل شيء) ولأبي ذر قال كل شيء ( قطع بالسكين) كالأترج وغيره من الفواكه وأنشدوا:
نشرب الإثم بالصواع جهارًا ... ونرى المتك بيننا مستعارا
قيل: وهو من متك بمعنى بتك الشيء أي قطعه، فعلى هذا يحتمل أن تكون الميم بدلاً من الباء وهو بدل مطرد في لغة قوم، ويحتمل أن تكون مادة أخرى وافقت هذه.

( وقال قتادة) في قوله تعالى: { وإنه} ( { لذو علم} ) [يوسف: 68] وزاد أبو ذر: لما علمناه أي ( عامل بما علم) وصله ابن أبي حاتم والضمير في وأنه ليعقوب كما يرشد إليه قوله: { إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} .

( وقال ابن جبير) : فيما رواه ابن منده وابن مردويه ولأبي ذر سعيد بن جبير ( { صواع} ) ولأبي ذر: صواع الملك ( مكوك الفارسي) بفتح الميم وتشديد الكاف الأولى مضمومة مكيال معروف لأهل العراق وهو ( الذي يلتقي طرفاه كانت تشرب به الأعاجم) وكان من فضة وزاد ابن إسحاق مرصعًا بالجواهر كان يسقى به الملك ثم جعل صاعًا يكال به.

( وقال ابن عباس) : في قوله: { لولا أن} ( { تفندون} ) أي ( تجهلون) وقال الضحاك: تهرمون فتقولون شيخ كبير قد ذهب عقله.
وعند ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: { ولما فصلت العير} [يوسف: 94] لما خرجت العير هاجت ريح فأتت يعقوب بريح يوسف فقال: { إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون} قال لولا أن تسفهون قال: فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيام.

( وقال غيره) : أي غير ابن عباس في قوله تعالى: { وألقوه في غيابة الجب} [يوسف: 10] ( غيابة) بالرفع ( كل شيء) مبتدأ وفي نسخة غيابة بالجر والذي في اليونينية غيابة بالرفع وبالفتح ( غيب عنك شيئًا) في محل جر صفة لشيء وشيئًا مفعول غيب ( فهو غيابة) خبر المبتدأ أو المبتدأ إذا
تضمن معنى الشرط تدخل الفاء في خبره ( والجب) بالجيم ( الركية التي لم تطو) قاله أبو عبيدة وسمي به لكونه محفورًا في جبوب الأرض أي ما غلظ منها والغيابة قال الهروي شبه طاق في البئر فويق الماء يغيب ما فيه من العيون.
وقال الكلبي: تكون في قعر الجب لأن أسفله واسع ورأسه ضيق فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه، والألف واللام في الجب للعهد فقيل: هو جب بيت المقدس، وقيل بأرض الأردن، وقيل على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب.

وقوله: { وما أنت} ( { بمؤمن لنا} ) أي ( بمصدق) لسوء ظنك بنا.

وقوله تعالى: { ولما بلغ} ( { أشدّه} ) [يوسف: 22] أي ( قبل أن يأخذ في النقصان) وهو ما بين الثلاثين والأربعين وقيل في سن الشباب ومبدؤه قبل بلوغ الحلم ( يقال: بلغ أشدّه وبلغوا أشدّهم) أي فيكون أشد في المفرد والجمع بلفظ واحد ( وقال بعضهم: واحدها) أي الأشد ( شد) بفتح الشين من غير همزة وهو قول سيبويه والكسائي.

( والمتكأ) بتشديد الفوقية وبعد الكاف همزة على قراءة الجمهور اسم مفعول ( ما اتكأت عليه لشراب أو لحديث أو لطعام) أي لأجل شراب الخ.
( وأبطل) قول ( الذي قال) : إن المتكأ هو ( الأترج) بتشديد الجيم للإدغام، ولأبي ذر الأترنج بالنون للفك.
( وليس في كلام العرب الأترج) أي ليس مفسرًا في كلامهم به وهذا أخذه من كلام أبي عبيدة ولفظه وزعم قوم أنه الترنج وهذا أبطل باطل في الأرض اهـ.

وتعقب بما في المحكم حيث قال: المتكأ الأترنج، ونقله الجوهري في صحاحه عن الأخفش، وقال أبو حنيفة الدينوري: بالضم الأترنج وبالفتح السوسن، وعن أبي علي القالي وابن فارس في مجمله نحوه، وعند عبد بن حميد أن ابن عباس كان يقرأ متكأ مخففة ويقول هو الأترج.

( فلما احتج عليهم) بضم التاء أي على القائلين بأنه الأترج، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيما احتج بالمثناة التحتية بدل اللام ( بأنه) ولأبي ذر: بأن ( المتكأ) بالتشديد والهمزة ( من نمارق) يعني وسائد ( فرّوا إلى شرّ منه فقالوا) بالفاء ولأبي ذر وقالوا ( إنما هو المتك ساكنة التاء) مخففة وساكنة نصب ( وإنما المتك) المخفف ( طرف البظر) بفتح الموحدة وسكون المعجمة وهو موضع الختان من المرأة ( ومن ذلك) اللفظ ( قيل لها) أي للمرأة ( متكاء وابن المتكاء) بفتح الميم والتخفيف والمد فيهما وهي التي لم تختن ويقال البظراء أيضًا ( فإن كان ثمّ) بفتح المثلثة أي هناك ( أترج) بتشديد الجيم ( فإنه) كان ( بعد المتكأ) وقيل المتكأ طعام يحز حزًّا، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد: متكأ طعامًا سماه متكأ لأن أهل الطعام إذا جلسوا يتكئون على الوسائد فسمي الطعام متكأ على الاستعارة، وقيل المتكأ طعام يحتاج إلى أن يقطع بالسكين لأنه متى كان كذلك احتاج الإنسان إلى أن يتكئ عليه عند القطع وقد علم مما مرّ أن المتك المخفف يكون بمعنى الأترج وطرف البظر وأن المشدد ما يتكأ عليه من وسادة وحينئذ فلا تعارض بين النقلين
كما لا يخفى وكان الأولى سياق قوله والمتكأ ما اتكأت عليه عقب قوله متكا كل شيء قطع بالسكين ويشبه أن يكون من ناسخ كغيره مما يقع غير مرتب.

وقوله: ( { قد} { شغفها} ) [يوسف: 35] ( يقال بلغ إلى شغافها) قال السفاقسي بكسر الشين المعجمة ضبطه المحدثون في كتب اللغة بفتحها، وسقط لفظ ( إلى) لأبي ذر وثبت له بلغ ( وهو غلاف قلبها) وهو جلدة رقيقة، وزاد القاضي كغيره حتى وصل إلى فؤادها حبًا وقال غيره: أحاط بقلبها مثل إحاطة الشغاف بالقلب يعني أن اشتغالها بحبه صار حجابًا بينها وبين كل ما سوى هذه المحبة فلا يخطر ببالها سواه.
( وأما شعفها) بالعين المهملة وهي قراءة الحسن وابن محيصن ( فمن المشعوف) وهو الذي أحرق قلبه الحب وهو من شعف البعير إذا هنأه أي طلاه بالقطران فأحرقه، وقد كشف أبو عبيد عن هذا المعنى فقال: الشعف بالمهملة إحراق الحب القلب مع لذة يجدها كما أن البعير إذا طلي بالقطران بلغ منه مثل ذلك ثم يسترجع إليه.

وقوله: ( { أصب} { إليهن} ) أي ( أميل) إلى إجابتهن زاد أبو ذر صبا مال.

وقوله: ( { أضغاث أحلام} ) هي ( ما لا تأويل له) وقال قتادة فيما رواه عبد الرزاق هي الأحلام الكاذبة وسقط لأبي ذر أحلام ( والضغث) بكسر الضاد وسكون الغين المعجمتين وسقط الواو من قوله والضعث لأبي ذر ( ملء اليد من حشيش وما أشبهه) جنسًا واحدًا أو أجناسًا مختلطة وخصه في الكشاف بما جمع من أخلاط النبات فقال وأصل الأضغاث ما جمع من أخلاط النبات، وحزم فاستعيرت لذلك أي استعيرت الأضغاث للتخاليط والأباطيل والجامع الاختلاط من غير تمييز بين جيد ورديء والإضافة في أضغاث أحلام بمعنى من التقدير أضغاث من أحلام ( ومنه) : { وخذ بيدك ضغثًا} [ص: 44] مما هو ملء الكف من الحشيش وهو من جنس واحد روي أنه أخذ عثكالاً من نخلة ( لا من قوله) { أضغاث أحلام} [يوسف: 44] الذي هو بمعنى لا تأويل له ( واحدها) أي الأضغاث ( ضغث) .

وقوله: ( { نمير} ) يريد قوله: { هذه بضاعتنا ردّت إلينا ونمير أهلنا} [يوسف: 65] ( من الميرة) بكسر الميم وهي الطعام أي نجلب إلى أهلينا الطعام ( { ونزداد كيل بعير} ) أي ( ما يحمل بعير) بسبب حضور أخينا لأنه كان يكيل لكل رجل حمل بعير وقال مجاهد فيما رواه الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه كيل بعير أي كيل حمار وأيّده ابن خالويه بأن إخوة يوسف كانوا بأرض كنعان ولم يكن بها إبل.
قال ابن عادل: وكونه البعير المعروف أصح.

وقوله: ( { آوى إليه} ) أي ( ضم إليه) أخاه بنيامين على الطعام أو إلى المنزل روي أنه أجلس كل اثنين على مائدة فبقي بنيامين وحده فقال لو كان أخي يوسف حيًّا لأجلست معه؟ فقال يوسف: بقي أخوكم وحيدًا فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكله فلما كان الليل أمر أن ينزل كل اثنين منهم بيتًا وقال هذا لا ثاني له آخذه معي فآواه إليه.

( السقاية) يريد قوله: { فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية} [يوسف: 70] ( مكيال) إناء كان يوسف عليه الصلاة والسلام يشرب به فجعله مكيالاً لئلا يكتالوا بغيره فيظلموا.

قوله: فلما ( { استيأسوا} ) [يوسف: 80] أي ( يئسوا) من يوسف وإجابته إياهم وزيادة السين والتاء للمبالغة.

قوله: { ولا تيأسوا من روح الله} [يوسف: 87] ( معناه الرجاء) وروح الله تعالى بفتح الراء رحمته وتنفيسه وعن قتادة من فضل الله وقيل من فرج الله.

وقوله: ( { خلصوا نجيًّا} ) أي ( اعترفوا) وللكشميهني اعتزلوا ( نجيا) وهو الصواب أي انفردوا وليس معهم أخوهم أو خلا بعضهم إلى بعض يتشاورون ولا يخالطهم غيرهم ونجيًا حال من فاعل خلصوا والنجي يستوي فيه المذكر والمؤنث ( والجمع أنجية) بالهمز ( يتناجون الواحد نَجيّ والاثنان والجمع نجيّ) إما لأن النجي فعيل بمعنى مفاعل كالعشير والخليط بمعنى المخال والمعاشر كقوله تعالى: { وقربناه نجيًا} [مريم: 52] أي مناجيًا وهذا في الاستعمال يفرد مطلقًا يقال هم خليطك وعشيرك أي مخالطوك ومعاشروك، وإما لأنه صفة على فعيل بمنزلة صديق وبابه يوحد لأنه بمنزلة المصادر كالصهيل والوخيد، وإما لأنه مصدر بمعنى التناجي كما قيل النجوى بمعناه قال تعالى: { وإذ هم نجوى} [الإسراء: 47] وحينئذٍ فيكون فيه التأويلات المذكورة في عدل وبابه ( و) قد يجمع فيقال: ( أنجية) بالهمزة كما مرّ قال:
إني إذا ما القوم كانوا أنجية
وقال لبيد:
وشهدت أنجية الافاقة عاليًا ... كعبي وأرداف الملوك شهود
وكان من حقه إذا جعل وصفًا أن يجمع على أفعلاء كغني وأغنياء وشقي وأشقياء.
وقال البغوي النجي يصلح للجماعة كما قال وقربناه نجيًا، وإنما جاز للواحد والجمع لأنه مصدر جعل نعتًا كالعدل ومثله النجوى يكون اسمًا ومصدرًا قال تعالى: { وإذ هم نجوى} أي متناجون وقال: ما يكون من نجوى ثلاثة.
وقال في المصدر إنما النجوى من الشيطان.
قال في المفاتيح: وأحسن الوجوه أن يقال: إنهم تمحضوا تناجيًا لأن من كمل حصول أمر من الأمور فيه وصف بأنه صار عين ذلك الشيء، فلما أخذوا في التناجي إلى غاية الجد صاروا كأنهم في أنفسهم نفس التناجي وحقيقته وسقط من قوله: استيأسوا يئسوا الخ في رواية أبي ذر عن الحموي وثبت له عن الكشميهني والمستملي.

وقوله تعالى: { تالله} ( { تفتأ} ) بالألف صورة الهمزة ولأبي ذر: تفتئوا بالواو وهو جواب القسم على حذف لا وهي ناقصة بمعنى ( تزال) ومنه قول الشاعر:
تالله يبقى على الأيام ذو حيد ... بمشمخر به الظيان والآس
أي لا يبقى.
وقوله:
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا
ويدل على حذفها أنه لو كان مثبتًا لاقترن بلام الابتداء ونون التوكيد عند البصريين أو بأحدهما عند الكوفيين وتقول: والله أحبك تريد لا أحبك وهو من التورية فإن كثيرًا من الناس يتبادر ذهنه إلى إثبات المحبة.

وقوله: { حتى تكون} ( { حرضًا} ) أي ( محرضًا) بضم الميم وفتح الراء ( يذيبك الهم) والمعنى لا تزال تذكر يوسف بالحزن والبكاء عليه حتى تموت من الهم والحرض في الأصل مصدر ولذلك لا يثنى ولا يجمع تقول هو حرض وهم حرض وهي حرض وهن حرض.

( { تحسسوا} ) يريد قوله تعالى: { يا بني اذهبوا فتحسسوا} [يوسف: 87] أي ( تخبروا) خبرًا من أخبار يوسف وأخيه والتحسس طلب الشيء بالحاسة.

( { مزجاة} ) بالرفع لأبي ذر ولغيره مزجاة بالجر حكاية قوله: { وجئنا ببضاعة مزجاة} [يوسف: 88] أي ( قليلة) بالرفع لأبي ذر ولغيره قليلة بالجر وقيل رديئة وقوله تعالى: { أفأمنوا أن تأتيهم} ( { غاشية} ) ( من عذاب الله) أي عقوبة ( عامة مجللة) بفتح الجيم وكسر اللام الأولى مشددة من جلل الشيء إذا عمه صفة لغاشية.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ إطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلاَمِ)

الْكَلَام مثل الْكَلَام فِيمَا قبله فِي الْإِعْرَاب وَتَركه، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: من الْإِيمَان، مَوضِع: من الْإِسْلَام، وَالتَّقْدِير: إطْعَام الطَّعَام من شعب الْإِسْلَام أَو الْإِيمَان، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما قَالَ: أَولا بابُُ أُمُور الْإِيمَان، وَذكر فِيهِ أَن الْإِيمَان لَهُ شعب، ذكر عَقِيبه أبواباً، كل بابُُ مِنْهَا يشْتَمل على شَيْء من الشّعب، وَهَذَا الْبابُُ فِيهِ شعبتان: الأولى: إطْعَام الطَّعَام وَالثَّانيَِة: إقراء السَّلَام مُطلقًا.
وَبقيت الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ وَهِي: أَن الْبابُُ الأول فِيهِ أَفضَلِيَّة من سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده، وَقد ذكرنَا أَن المُرَاد من الْأَفْضَلِيَّة الْخَيْرِيَّة وأكثرية الثَّوَاب، وَهَذَا الْبابُُ فِيهِ خيرية من يطعم الطَّعَام وَيقْرَأ السَّلَام، وَلَا شكّ إِن الْمطعم فِي سَلامَة من لِسَان الْمطعم وَيَده، لِأَنَّهُ لم يطعمهُ إلاَّ عَن قصد خير لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُسلم عَلَيْهِ فِي سَلامَة من لِسَان الْمُسلم وَيَده؛ لِأَن معنى: السَّلَام عَلَيْك: أَنْت سَالم مني وَمن جهتي.
فَإِن قلت: كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول بابُُ: أَي الْإِسْلَام خير، كَمَا قَالَ فِي الْبابُُ الأول أَي الْإِسْلَام أفضل؟ قلت: لاخْتِلَاف الْمقَام، لِأَن أفضليته هُنَاكَ رَاجِعَة إِلَى الْفَاعِل، والخيرية هَهُنَا رَاجِعَة إِلَى الْفِعْل، وَهَذَا وَجه.
وَأحسن من الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي، وَهُوَ: إِن الْجَواب هَهُنَا وَهُوَ: تطعم الطَّعَام، صَرِيح فِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الْإِطْعَام من الْإِسْلَام، بِخِلَاف مَا تقدم، إِذْ لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَن سَلامَة الْمُسلمين مِنْهُ من الْإِسْلَام انْتهى.
قلت: إِذا كَانَ من سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده أفضل ذَوي الْإِسْلَام، فبالضرورة إطْعَام الطَّعَام يكون بِكَوْن السَّلامَة مِنْهُ من الْإِسْلَام، على أَن الْكِنَايَة أبلغ من التَّصْرِيح.
فَافْهَم.
فَإِن قلت: هَل فرق بَين: أفضل، وَبَين: خير؟ قلت: لَا شكّ أَنَّهُمَا من بابُُ التَّفْضِيل، لَكِن أفضل يَعْنِي كَثْرَة الثَّوَاب فِي مُقَابلَة الْقلَّة، وَالْخَيْر يَعْنِي النَّفْع فِي مُقَابلَة الشَّرّ، وَالْأول من الكمية، وَالثَّانِي من الْكَيْفِيَّة.
وَتعقبه بَعضهم بقوله: الْفرق لَا يتم إلاَّ إِذا اخْتصَّ كل مِنْهُمَا بِتِلْكَ المقولة، أما إِذا كَانَ كل مِنْهُمَا يعقل تَأتيه فِي الْأُخْرَى، فَلَا، وَكَأَنَّهُ بني على أَن لفظ: خير، اسْم لَا أفعل تَفْضِيل.
انْتهى.
قلت: الْفرق تَامّ بِلَا شكّ، لِأَن الْفضل فِي اللُّغَة: الزِّيَادَة، ويقابله: الْقلَّة، وَالْخَيْر إِيصَال النَّفْع، ويقابله: الشَّرّ، والأشياء تتبين بضدها.
وَفِي ( الْعبابُ) الْفضل والفضيلة خلاف النَّقْص والنقيصة،.

     وَقَالَ : الْخَيْر ضد الشَّرّ، وَقَوله: كَأَنَّهُ يبْنى على أَن لفظ: خير، اسْم لَا أفعل تَفْضِيل، لَيْسَ مَوضِع التشكيك، لِأَن لَفْظَة: خير، هَهُنَا أفعل التَّفْضِيل قطعا، لِأَن السُّؤَال لَيْسَ عَن نفس الْخَيْرِيَّة، وَإِنَّمَا السُّؤَال عَن وصف زَائِد وَهُوَ الأخيرية، غير أَن الْعَرَب اسْتعْملت أفعل التَّفْضِيل من هَذَا الْبابُُ على لَفظه فَيُقَال: زيد خير من عَمْرو، على معنى أخير مِنْهُ، وَلِهَذَا لَا يثنى وَلَا يجمع وَلَا يؤنث.



[ قــ :12 ... غــ :12 ]
- حدّثنا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قالَ حدّثنا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أبِي الخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِي الله عَنْهُمَا أنّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيُّ الإِسْلاَمِ خيْرٌ قالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ علىَ مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ.

الحَدِيث مُطَابق للتَّرْجَمَة لِأَنَّهُ أَخذ جُزْء مِنْهُ فبوب عَلَيْهِ.
فَإِن قلت: لم بوب على الْجُزْء الأول وَلم يقل بابُُ: إقراء السَّلَام على من عرف وَمن لم يعرف من الْإِسْلَام؟ قلت: لَا شكّ أَن كَون إطْعَام الطَّعَام من الْإِسْلَام أقوى وآكد من كَون إقراء السَّلَام مِنْهُ، وَلِأَن السَّلَام لَا يخْتَلف بِحَال من الْأَحْوَال بِخِلَاف الْإِطْعَام، فَإِنَّهُ يخْتَلف بِحَسب الْأَحْوَال، فأدناه مُسْتَحبّ وَأَعلاهُ فرض.
وَبَينهمَا دَرَجَات أخر، وَلِأَن التَّبْوِيب بالمقدم والمصدر أولى على مَا لَا يخفى.

( بَيَان رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول: أَبُو الْحسن عَمْرو، بِفَتْح الْعين، بن خَالِد بن فروخ، بِفَتْح الْفَاء وَتَشْديد الرَّاء المضمومة، وَفِي آخِره خاء مُعْجمَة، بن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن وَاقد بن لَيْث بن وَاقد بن عبد الله الْحَرَّانِي، سكن مصر، روى عَن: اللَّيْث بن سعد وَعبيد الله بن عمر وَغَيرهمَا، روى عَنهُ: الْحسن بن مُحَمَّد الصَّباح وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم.

     وَقَالَ : صَدُوق،.

     وَقَالَ  أَحْمد بن عبد الله: ثَبت ثِقَة مصري، انْفَرد البُخَارِيّ بالرواية عَنهُ دون أَصْحَاب الْكتب الْخَمْسَة، وروى ابْن مَاجَه عَن رجل عَنهُ، توفّي بِمصْر سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد الْمصْرِيّ الإِمَام الْمَشْهُور الْمُتَّفق على جلالته وإمامته، ويكنى بِأبي الْحَارِث، مولى عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن مُسَافر، وَأهل بَيته يَقُولُونَ: نَحن من الْفرس من أهل أَصْبَهَان، وَالْمَشْهُور أَنه فهمي، وَفهم من قيس غيلَان، ولد بقلقشندة قَرْيَة على نَحْو أَرْبَعَة فراسخ من مصر، روى عَن جمَاعَة كثيرين، وروى عَن أبي حنيفَة وعده أَصْحَابنَا من أَصْحَاب أبي حنيفَة، وَكَذَا قَالَ القَاضِي شمس الدّين ابْن خلكان، وروى عَنهُ خلق كثير،.

     وَقَالَ  أَحْمد: ثِقَة ثَبت وَكَانَ سرياً نبيلاً سخياً لَهُ ضِيَافَة، ولد فِي سنة أَربع وَتِسْعين، وَمَات يَوْم الْجُمُعَة النّصْف من شعْبَان سنة خمس وَسبعين وَمِائَة.
الثَّالِث: يزِيد ابْن أبي حبيب، وَاسم أبي حبيب سُوَيْد الْمصْرِيّ أَبُو رَجَاء، تَابِعِيّ جليل، سمع عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء الزبيدِيّ، وَأَبا الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة من الصَّحَابَة وخلقاً من التَّابِعين، روى عَنهُ: سُلَيْمَان التَّيْمِيّ وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد وَيحيى بن أَيُّوب وَخلق كثير من أكَابِر مصر، قَالَ ابْن يُونُس: كَانَ يُفْتِي أهل مصر فِي زَمَانه وَكَانَ حَلِيمًا عَاقِلا، وَهُوَ أول من أظهر الْعلم بِمصْر وَالْفِقْه وَالْكَلَام بالحلال وَالْحرَام، وَكَانُوا قبل ذَلِك، إِنَّمَا يتحدثون بالفتن والملاحم، وَكَانَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين جعل إِلَيْهِم عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ، الْفتيا بِمصْر، وَعنهُ قَالَ: كَانَ يزِيد نوبياً من أهل دنقلة، فابتاعه شريك بن الطُّفَيْل العامري فاعتقه، ولد سنة ثَلَاث وَخمسين،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة أَيْضا.
الرَّابِع: أَبُو الْخَيْر، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، مرْثَد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة، أَبُو عبد الله الْيَزنِي الْمصْرِيّ، روى عَن: عَمْرو بن الْعَاصِ وَسَعِيد بن زيد وَأبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَغَيرهم، توفّي سنة تسعين، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الْخَامِس: عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَقد تقدم.

( بَيَان الْأَنْسَاب) الْحَرَّانِي: نِسْبَة إِلَى حران، بِفَتْح الْحَاء وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ فِي آخِره نون بعد الْألف، مَدِينَة عَظِيمَة قديمَة تعد من ديار مصر، وَالْيَوْم خراب، وَقيل: هِيَ مولد إِبْرَاهِيم الْخَلِيل ويوسف وَإِخْوَته، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام؛ الْيَزنِي: بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَالزَّاي الْمُعْجَمَة بعْدهَا نون، نِسْبَة إِلَى ذِي يزن، وَهُوَ عَامر بن أسلم بن الْحَارِث بن مَالك بن زيد بن الْغَوْث بن سعد بن عَوْف بن عدي بن مَالك بن زيد بن سرد بن زرْعَة بن سبأ الْأَصْغَر، وَإِلَيْهِ تنْسب الأسنة اليزنية، وَهُوَ أول من عمل سِنَان حَدِيد، وَإِنَّمَا كَانَت أسنتهم صياصي الْبَقر، وَقيل: يزن: مَوضِع.

( بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة لَيْسَ إِلَّا.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم مصريون، وَهَذَا من الغرائب، لِأَنَّهُ فِي غَايَة الْقلَّة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم أَئِمَّة أجلاء.

( بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بابُُ الْإِيمَان بعد هَذَا بِأَبْوَاب، عَن قُتَيْبَة بن سعيد، وَفِي الاسْتِئْذَان أَيْضا فِي بابُُ السَّلَام للمعرفة وَغير الْمعرفَة عَن ابْن يُوسُف، كلهم قَالُوا: حَدثنَا اللَّيْث بن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر مرْثَد عَن ابْن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ؛ وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة وَابْن رمح عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر عَنهُ؛ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْإِيمَان؛ وَأَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب جَمِيعًا عَن قُتَيْبَة بِهِ؛ وَابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن رمح بِهِ.

( بَيَان الْإِعْرَاب) : قَوْله: ( أَن رجلا) لم يعرف هَذَا من هُوَ، وَقيل: أَبُو ذَر.
قَوْله: ( أَي الْإِسْلَام خير) ؟ مُبْتَدأ وَخبر، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
قَوْله: ( قَالَ) الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( تطعم) فِي مَحل الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف بِتَقْدِير: أَن، أَي هُوَ أَن تطعم، فَإِن مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير: هُوَ إطْعَام الطَّعَام.
وَهَذَا نَظِير قَوْلهم: تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ، أَي: أَن تسمع، أَي: سماعك، غير أَن فِي هَذَا المؤول مُبْتَدأ، وَفِي الحَدِيث المؤول خبر.
قَوْله: ( وتقرأ) بِفَتْح التَّاء وَضم الْهمزَة، لِأَنَّهُ مضارع قَرَأَ.
قَوْله: ( السَّلَام) بِالنّصب مَفْعُوله.
وَقَوله: ( على) يتَعَلَّق بقوله تقْرَأ، وَكلمَة: من، مَوْصُولَة؛ وَعرفت، جملَة صلتها، والعائد مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير عَرفته.
وَقَوله: ( وَمن لم تعرف) عطف على: من عرفت، وَهَذِه الْجُمْلَة نَظِير الْجُمْلَة السَّابِقَة.

( بَيَان استنباط الْفَوَائِد) مِنْهَا: أَن فِيهِ حثاً على إطْعَام الطَّعَام الَّذِي هُوَ أَمارَة الْجُود والسخاء وَمَكَارِم الْأَخْلَاق، وَفِيه نفع للمحتاجين وسد الْجُوع الَّذِي استعاذ مِنْهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ إفشاء السَّلَام الَّذِي يدل على خفض الْجنَاح للْمُسلمين والتواضع والحث على تألف قُلُوبهم واجتماع كلمتهم وتواددهم ومحبتهم.
وَمِنْهَا: الْإِشَارَة إِلَى تَعْمِيم السَّلَام وَهُوَ أَن لَا يخص بِهِ أحدا دون أحد، كَمَا يَفْعَله الْجَبابُُِرَة، لِأَن الْمُؤمنِينَ كلهم أخوة وهم متساوون فِي رِعَايَة الْأُخوة، ثمَّ هَذَا الْعُمُوم مَخْصُوص بِالْمُسْلِمين، فَلَا يسلم ابْتِدَاء على كَافِر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا تبدؤا الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذا لَقِيتُم أحدهم فِي الطَّرِيق فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أضيقه) ، رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَكَذَلِكَ خص مِنْهُ الْفَاسِق، بِدَلِيل آخر، وَأما من يشك فِيهِ فَالْأَصْل فِيهِ الْبَقَاء على الْعُمُوم حَتَّى يثبت الْخُصُوص، وَيُمكن أَن يُقَال: إِن الحَدِيث كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام لمصْلحَة التَّأْلِيف ثمَّ ورد النَّهْي.

( الأسئلة والأجوبة) مِنْهَا مَا قيل: لم قَالَ تطعم الطَّعَام، وَلم يقل تُؤْكَل وَنَحْوه من الْأَلْفَاظ الدَّالَّة عَلَيْهِ؟ وَأجِيب: بِأَن لَفْظَة الْإِطْعَام عَام يتَنَاوَل الْأكل وَالشرب والذوق، قَالَ الشَّاعِر:
( وَإِن شِئْت حرمت النِّسَاء سواكم ... وَإِن شِئْت لم أطْعم نقاخاً وَلَا بردا)

فَإِنَّهُ عطف الْبرد الَّذِي هُوَ النّوم على النقاخ، بِضَم النُّون وبالقاف وَالْخَاء الْمُعْجَمَة، الَّذِي هُوَ المَاء العذب،.

     وَقَالَ  تَعَالَى: { وَمن لم يطعمهُ} ( الْبَقَرَة: 249) أَي: وَمن لم يذقه، من: طعم الشَّيْء إِذا ذاقه، وبعمومه يتَنَاوَل الضِّيَافَة وَسَائِر الولائم، وإطعام الْفُقَرَاء وَغَيرهم.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن بابُُ أطعمت يَقْتَضِي مفعولين، يُقَال: أطعمته الطَّعَام، فَمَا الْمَفْعُول الثَّانِي هُنَا، وَلم حذفه؟ وَأجِيب: بِأَن التَّقْدِير: أَن تطعم الْخلق الطَّعَام، وَحذف ليدل على التَّعْمِيم، إِشَارَة إِلَى أَن إطْعَام الطَّعَام غير مُخْتَصّ بِأحد، سَوَاء كَانَ الْمطعم مُسلما أَو كَافِرًا أَو حَيَوَانا، وَنَفس الْإِطْعَام أَيْضا سَوَاء كَانَ فرضا أَو سنة أَو مُسْتَحبا.
وَمِنْهَا مَا قيل: لم قَالَ: وتقرأ السَّلَام وَلم يقل: وتسلم؟ أُجِيب: بِأَنَّهُ يتَنَاوَل سَلام الْبَاعِث بِالْكتاب المتضمن بِالسَّلَامِ، قَالَ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي: تَقول اقْرَأ عَلَيْهِ السَّلَام، واقرأه الْكتاب، وَلَا تَقول: اقرؤه السَّلَام إلاَّ فِي لُغَة إلاَّ أَن يكون مَكْتُوبًا، فَتَقول: أقرئه السَّلَام، أَي: اجْعَلْهُ يَقْرَؤُهُ، وَفِيه إِشَارَة أَيْضا إِلَى أَن تَحِيَّة الْمُسلمين بِلَفْظ السَّلَام، وزيدت لَفْظَة: الْقِرَاءَة، تَنْبِيها على تَخْصِيص هَذِه اللَّفْظَة فِي التَّحِيَّات، مُخَالفَة لتحايا أهل الْجَاهِلِيَّة بِأَلْفَاظ وضعوها لذَلِك.
وَمِنْهَا مَا قيل: لم خص هَاتين الخصلتين فِي هَذَا الحَدِيث؟ وَأجِيب: بِأَن المكارم لَهَا نَوْعَانِ.
أَحدهمَا: مَالِيَّة أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله: ( تطعم الطَّعَام) ، وَالْآخر: بدنية أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله: ( وتقرأ السَّلَام) وَيُقَال: وَجه تَخْصِيص هَاتين الخصلتين وَهُوَ مساس الْحَاجة إِلَيْهِمَا فِي ذَلِك الْوَقْت لما كَانُوا فِيهِ من الْجهد، ولمصلحة التَّأْلِيف، وَيدل على ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حث عَلَيْهِمَا أول مَا دخل الْمَدِينَة، كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مصححاً من حَدِيث عبد الله بن سَلام، قَالَ: ( أول مَا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة انجفل النَّاس إِلَيْهِ، فَكنت مِمَّن جَاءَهُ، فَلَمَّا تَأَمَّلت وَجهه واشتبهته عرفت أَن وَجهه لَيْسَ بِوَجْه كَذَّاب، قَالَ: وَكَانَ أول مَا سَمِعت من كَلَامه أَن قَالَ: أَيهَا النَّاس أفشوا السَّلَام وأطعموا الطَّعَام وصلوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام تدْخلُوا الْجنَّة بِسَلام) ..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ: جعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضلهَا إطْعَام الطَّعَام الَّذِي هُوَ قوام الْأَبدَان، ثمَّ جعل خير الْأَقْوَال فِي الْبر وَالْإِكْرَام إفشاء السَّلَام الَّذِي يعم وَلَا يخص من عرف وَمن لم يعرف، حَتَّى يكون خَالِصا لله تَعَالَى، بَرِيئًا من حَظّ النَّفس والتصنع، لِأَنَّهُ شعار الْإِسْلَام، فَحق كل مُسلم فِيهِ شَائِع، ورد فِي حَدِيث: ( إِن السَّلَام فِي آخر الزَّمَان للمعرفة يكون) ، وَمِنْهَا مَا قيل: جَاءَ فِي الْجَواب هَهُنَا أَن الْخَيْر أَن تطعم الطَّعَام، وَفِي الحَدِيث الَّذِي قبله أَنه من سلم الْمُسلمُونَ.
فَمَا وَجه التَّوْفِيق بَينهمَا؟ أُجِيب: بِأَن الجوابين كَانَا فِي وَقْتَيْنِ، فَأجَاب فِي كل وَقت بِمَا هُوَ الْأَفْضَل فِي حق السَّامع أَو أهل الْمجْلس، فقد يكون ظهر من أَحدهمَا: قلَّة المراعاة ليده وَلسَانه وإيذاء الْمُسلمين، وَمن الثَّانِي: إمْسَاك من الطَّعَام وتكبر، فأجابهما على حسب حَالهمَا، أَو علم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن السَّائِل الأول يسْأَل عَن أفضل التروك، وَالثَّانِي عَن خير الْأَفْعَال؛ أَو أَن الأول يسْأَل عَمَّا يدْفع المضار، وَالثَّانِي عَمَّا يجلب المسار، أَو أَنَّهُمَا بِالْحَقِيقَةِ متلازمان إِذْ الْإِطْعَام مُسْتَلْزم لِسَلَامَةِ الْيَد، وَالسَّلَام لِسَلَامَةِ اللِّسَان.
قلت: يَنْبَغِي أَن يُقيد هَذَا بالغالب أَو فِي الْعَادة، فَافْهَم.