هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1410 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ ، فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ ، وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا ، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَمَّا خَالِدٌ : فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا ، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَأَمَّا العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ ، فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، هِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : حُدِّثْتُ عَنِ الأَعْرَجِ بِمِثْلِهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1410 حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة ، فقيل منع ابن جميل ، وخالد بن الوليد ، وعباس بن عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا ، فأغناه الله ورسوله ، وأما خالد : فإنكم تظلمون خالدا ، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله ، وأما العباس بن عبد المطلب ، فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي عليه صدقة ومثلها معها تابعه ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، وقال ابن إسحاق : عن أبي الزناد ، هي عليه ومثلها معها وقال ابن جريج : حدثت عن الأعرج بمثله
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ ، فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ ، وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا ، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَمَّا خَالِدٌ : فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا ، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَأَمَّا العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ ، فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا.

Narrated Abu Huraira:

Allah's Messenger (ﷺ) (p.b.u.h) ordered (a person) to collect Zakat, and that person returned and told him that Ibn Jamil, Khalid bin Al-Walid, and `Abbas bin `Abdul Muttalib had refused to give Zakat. The Prophet said, What made Ibn Jamil refuse to give Zakat though he was a poor man, and was made wealthy by Allah and His Apostle ? But you are unfair in asking Zakat from Khalid as he is keeping his armor for Allah's Cause (for Jihad). As for `Abbas bin `Abdul Muttalib, he is the uncle of Allah's Apostle (p.b.u.h) and Zakat is compulsory on him and he should pay it double.

Abu Hurayra () dit: «Le Messager d'Allah () donna l'ordre de faire l'aumône... On [lui] dit: II y a ibn Jamîl, ainsi que Khâlid ibn alWalîd et al'Abbâs ibn 'AbdalMuttalib, qui refuse [de la faire]. Estce qu'ibn Jamîl refuse parce qu'il était pauvre et Allah et son Messager l'ont rendu riche!? Quant à Khâlid, vous êtes injustes envers lui; car il garde ses cuirasses et ses équipements pour la cause d'Allah. Quant à al'Abbâs ibn 'AbdalMuttalib, il est l'oncle paternel du Messager d'Allah (); [ce qu'il a refusé de donner] est une aumône pour lui et il aura également une somme égale. » Rapporté aussi par ibn azZinâd, et ce de son père. Ibn 'Ishâq rapporte d'ibn azZinâd ceci: ... cela est pour lui et il aura en plus une somme égale. Ibn Jurayj: On m'a rapporté d'al'A'raj une chose similaire.

":"ہم سے ابوالیمان نے بیان کیا ‘ کہا کہ ہمیں شعیب نے خبر دی ‘ کہا کہ ہم سے ابوالزناد نے اعرج سے خبر دی اور ان سے ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے بیان کیا کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے زکوٰۃ وصول کرنے کا حکم دیا ۔ پھر آپ صلی اللہ علیہ وسلم سے کہا گیا کہ ابن جمیل اور خالد بن ولید اور عباس بن عبدالمطلب نے زکوٰۃ دینے سے انکار کر دیا ہے ۔ اس پر نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ ابن جمیل یہ شکر نہیں کرتا کہ کل تک وہ فقیر تھا ۔ پھر اللہ نے اپنے رسول کی دعا کی برکت سے اسے مالدار بنا دیا ۔ باقی رہے خالد ‘ تو ان پر تم لوگ ظلم کرتے ہو ۔ انہوں نے تو اپنی زرہیں اللہ تعالیٰ کے راستے میں وقف کر رکھی ہیں ۔ اور عباس بن عبدالمطلب ‘ تو وہ رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم کے چچا ہیں ۔ اور ان کی زکوٰۃ انہی پر صدقہ ہے ۔ اور اتنا ہی اور انہیں میری طرف سے دینا ہے ۔ اس روایت کی متابعت ابوالزناد نے اپنے والد سے کی اور ابن اسحاق نے ابوالزناد سے یہ الفاظ بیان کیے ۔ «هي عليه ومثلها معها» ( صدقہ کے لفظ کے بغیر ) اور ابن جریج نے کہا کہ مجھ سے اعرج سے اسی طرح یہ حدیث بیان کی گئی ۔

Abu Hurayra () dit: «Le Messager d'Allah () donna l'ordre de faire l'aumône... On [lui] dit: II y a ibn Jamîl, ainsi que Khâlid ibn alWalîd et al'Abbâs ibn 'AbdalMuttalib, qui refuse [de la faire]. Estce qu'ibn Jamîl refuse parce qu'il était pauvre et Allah et son Messager l'ont rendu riche!? Quant à Khâlid, vous êtes injustes envers lui; car il garde ses cuirasses et ses équipements pour la cause d'Allah. Quant à al'Abbâs ibn 'AbdalMuttalib, il est l'oncle paternel du Messager d'Allah (); [ce qu'il a refusé de donner] est une aumône pour lui et il aura également une somme égale. » Rapporté aussi par ibn azZinâd, et ce de son père. Ibn 'Ishâq rapporte d'ibn azZinâd ceci: ... cela est pour lui et il aura en plus une somme égale. Ibn Jurayj: On m'a rapporté d'al'A'raj une chose similaire.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1468] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْأَعْرَجِ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ شُعَيْبٍ مِمَّا حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ سَمَعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ قَالَ عُمَرُ فَذَكَرَهُ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فِي الْإِسْنَادِ وَزَادَ فِيهِ عُمَرَ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا جَرَى لِعُمَرَ فِيهِ ذِكْرٌ فَقَطْ .

     قَوْلُهُ  أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدقَة فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ وَرْقَاءَ عَنْ أبيالزِّنَادِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ سَاعِيًا عَلَى الصَّدَقَةِ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهَا صَدَقَةُ الْفَرْضِ لِأَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَا يبْعَث عَلَيْهَا السعاة.

     وَقَالَ  بن الْقَصَّارِ الْمَالِكِيُّ الْأَلْيَقُ أَنَّهَا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ مَنَعُوا الْفَرْضَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ مَا مَنَعُوهُ كُلُّهُمْ جَحْدًا وَلَا عنادا أما بن جَمِيلٍ فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا ثُمَّ تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ كَذَا حَكَاهُ الْمُهَلَّبُ وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ فِيهِ نَزَلَتْ وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله الْآيَةَ انْتَهَى وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَعْلَبَةَ.

.
وَأَمَّا خَالِدٌ فَكَانَ مُتَأَوِّلًا بِإِجْزَاءِ مَا حَبَسَهُ عَنِ الزَّكَاةِ وَكَذَلِكَ الْعَبَّاسُ لِاعْتِقَادِهِ مَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ وَلِهَذَا عَذَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم خَالِدا وَالْعَبَّاس وَلم يعْذر بن جميل قَوْله فَقيل منع بن جَمِيلٍ قَائِلُ ذَلِكَ عُمَرُ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِصَّةِ الْعَبَّاسِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة بن أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ فَقَالَ بَعْضُ من يلمز أَي يعيب وبن جَمِيلٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ لَكِنْ وَقَعَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيِّ الشَّافِعِيِّ وَتَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ بْنِ الملقن أَن بن بَزِيزَةَ سَمَّاهُ حُمَيْدًا وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي كتاب بن بزيزة وَوَقع فِي رِوَايَة بن جريج أَبُو جهم بن حُذَيْفَة بدل بن جميل وَهُوَ خطأ لإطباق الْجَمِيع على بن جَمِيلٍ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ كَانَ أَنْصَارِيًّا.

.
وَأَمَّا أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ فَهُوَ قُرَشِيٌّ فَافْتَرَقَا وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ الْبَكْرِيَّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَمْثَالِ لَهُ أَنَّهُ أَبُو جهم بن جميل قَوْله وَالْعَبَّاس زَاد بن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ أَنْ يُعْطُوا الصَّدَقَةَ قَالَ فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَبَّ عَنِ اثْنَيْنِ الْعَبَّاسِ وَخَالِدٍ .

     قَوْلُهُ  مَا يَنْقِمُ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ مَا يُنْكِرُ أَوْ يَكْرَهُ وَقَولُهُ فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِنَّمَا ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لِدُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ فَأَصْبَحَ غَنِيًّا بَعْدَ فَقْرِهِ بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَأَبَاحَ لِأُمَّتِهِ مِنَ الْغَنَائِمِ وَهَذَا السِّيَاقُ مِنْ بَابِ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ إِلَّا مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ أَغْنَاهُ فَلَا عُذْرَ لَهُ وَفِيهِ التَّعْرِيضُ بِكُفْرَانِ النِّعَمِ وَتَقْرِيعٌ بِسُوءِ الصَّنِيعِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِحْسَانِ .

     قَوْلُهُ  احْتَبَسَ أَيْ حَبَسَ .

     قَوْلُهُ  وَأَعْتُدَهُ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ جَمْعُ عَتَدٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَعْتَادَهُ وَهُوَ جَمْعُهُ أَيْضًا قَيلَ هُوَ مَا يَعُدُّهُ الرَّجُلُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّلَاحِ وَقِيلَ الْخَيْلُ خَاصَّةً يُقَالُ فَرَسٌ عَتِيدٌ أَيْ صُلْبٌ أَوْ مُعَدٌّ لِلرُّكُوبِ أَوْ سَرِيعُ الْوُثُوبِ أَقْوَالٌ وَقِيلَ إِنَّ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ وَأَعْبُدَهُ بِالْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ عَبْدٍ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ .

     قَوْلُهُ  فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا كَذَا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَلَمْ يَقُلْ وَرْقَاءُ وَلَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ صَدَقَةٌ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَكُونُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألزمهُ بِتَضْعِيف صدقته لِيَكُونَ أَرْفَعَ لِقَدْرِهِ وَأَنْبَهَ لِذِكْرِهِ وَأَنْفَى لِلذَّمِّ عَنهُ فَالْمَعْنى فَهِيَ صَدَقَةٌ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ سَيَصَّدَّقُ بِهَا وَيُضِيفُ إِلَيْهَا مِثْلَهَا كَرَمًا وَدَلَّتْ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَزَمَ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ فَهِيَ عَلَيَّ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى سَبَبِ ذَلِكَ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الْعَمَّ صِنْوُ الْأَبِ تَفْضِيلًا لَهُ وَتَشْرِيفًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحَمَّلَ عَنْهُ بِهَا فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ رِوَايَةِ عَلَيَّ وَرِوَايَةِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ رِوَايَةُ عَلَيَّ وَرِوَايَةُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا إِلَّا أَن فِيهَا زِيَادَة هاه السكت حَكَاهُ بن الْجَوْزِيّ عَن بن نَاصِرٍ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيَّ أَيْ هِيَ عِنْدِي قَرْضٌ لِأَنَّنِي اسْتَسْلَفْتُ مِنْهُ صَدَقَةَ عَامَيْنِ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِيمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثٍ عَلِيٍّ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّا كُنَّا احْتَجْنَا فَتَعَجَّلْنَا مِنَالْعَبَّاسِ صَدَقَةَ مَالِهِ سَنَتَيْنِ وَهَذَا مُرْسَلٌ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مَوْصُولًا بِذِكْرِ طَلْحَةَ فِيهِ وَإِسْنَادُ الْمُرْسَلِ أَصَحُّ وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عُمَرَ سَاعِيًا فَأَتَى الْعَبَّاسَ فَأَغْلَظَ لَهُ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ الْعَبَّاسَ قَدْ أَسْلَفَنَا زَكَاةَ مَالِهِ الْعَامَ وَالْعَامَ الْمُقْبِلَ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا هُوَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ نَحْوَ هَذَا وَإِسْنَاده ضَعِيف أَيْضا وَمن حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَتَهُ سَنَتَيْنِ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ رَافِعًا لِلْإِشْكَالِ وَلَرَجَحَ بِهِ سِيَاقُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَلَى بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ قِصَّةَ التَّعْجِيلِ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي وَقْتٍ غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي بَعَثَ فِيهِ عُمَرَ لِأَخْذِ الصَّدَقَةِ وَلَيْسَ ثُبُوتُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَةِ الْعَبَّاسِ بِبَعِيدٍ فِي النَّظَرِ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقِيلَ الْمَعْنَى اسْتَسْلَفَ مِنْهُ قَدْرَ صَدَقَةِ عَامَيْنِ فَأَمَرَ أَنْ يُقَاصَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتُبْعِدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَقَعَ لَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ عُمَرَ بِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الْعَبَّاسَ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَمَعْنَى عَلَيْهِ عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ أَيْ لَازِمَةٌ لَهُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْبِضُهَا لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ حَرَامٌ لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ رِوَايَةَ الْبَابِ عَلَى ظَاهِرِهَا فَقَالَ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَن بن خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ فَهِيَ لَهُ بَدَلَ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ اللَّامُ هُنَا بِمَعْنَى عَلَى لِتَتَّفِقَ الرِّوَايَاتُ وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْمَخْرَجَ وَاحِدٌ وَإِلَيْهِ مَالَ بن حِبَّانَ وَقِيلَ مَعْنَاهَا فَهِيَ لَهُ أَيْ الْقَدْرُ الَّذِي كَانَ يُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُخْرِجَهُ لِأَنَّنِي الْتَزَمْتُ عَنْهُ بِإِخْرَاجِهِ وَقِيلَ إِنَّهُ أَخَّرَهَا عَنْهُ ذَلِكَ الْعَامَ إِلَى عَامٍ قَابِلٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ عَامَيْنِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ اسْتَدَانَ حِينَ فَادَى عَقِيلًا وَغَيْرَهُ فَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَارِمِينَ فَسَاغَ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَأَبْعَدُ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ كَانَ هَذَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ التَّأْدِيبُ بِالْمَالِ فَأَلْزَمَ الْعَبَّاسَ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ ضِعْفَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِعَظَمَةِ قَدْرِهِ وَجَلَالَتِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين الْآيَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ خَالِدٍ عَلَى جَوَازِ إِخْرَاجِ مَالِ الزَّكَاةِ فِي شِرَاءِ السِّلَاحِ وَغَيْرِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَالْإِعَانَةِ بِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَجَازَ لِخَالِدٍ أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ بِمَا حَبَسَهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْبُخَارِيِّ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْبَلْ أَخْبَارَ مَنْ أَخْبَرَهُ بِمَنْعِ خَالِدٍ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَنْعِ وَإِنَّمَا نَقَلُوهُ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمُوهُ وَيَكُونُ .

     قَوْلُهُ  تَظْلِمُونَهُ أَيْ بِنِسْبَتِكُمْ إِيَّاهُ إِلَى الْمَنْعِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ وَكَيْفَ يَمْنَعُ الْفَرْضَ وَقَدْ تَطَوَّعَ بِتَحْبِيسِ سِلَاحِهِ وَخَيْلِهِ ثَانِيهَا أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهَا لِلتِّجَارَةِ فَطَالَبُوهُ بِزَكَاةِ قِيمَتِهَا فَأَعْلَمَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا حَبَسَ وَهَذَا يَحْتَاجُ لِنَقْلٍ خَاصٍّ فَيَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنِ الْأَمْوَالِ الْمُحَبَّسَةِ وَلِمَنْ أَوْجَبَهَا فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ ثَالِثُهَا أَنَّهُ كَانَ نَوَى بِإِخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ الزَّكَاةَ عَنْ مَالِهِ لِأَنَّ أَحَدَ الْأَصْنَافِ سَبِيلُ اللَّهِ وَهُمُ الْمُجَاهِدُونَ وَهَذَا يَقُولُهُ مَنْ يُجِيزُ إِخْرَاجَ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ كَالْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ يُجِيزُ التَّعْجِيلَ كَالشَّافِعِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ اسْتِدْلَالُ الْبُخَارِيِّ بِهِ عَلَى إِخْرَاجِ الْعُرُوضِ فِي الزَّكَاةِ وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ خَالِدٍ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَحْبِيسِ الْحَيَوَانِ وَالسِّلَاحِ وَأَنَّ الْوَقْفَ يَجُوزُ بَقَاؤُهُ تَحْتَ يَدِ مُحْتَبِسِهِ وَعَلَى جَوَازِ إِخْرَاجِ الْعُرُوضِ فِي الزَّكَاةِ وَقَدْ سَبَقَ مَا فِيهِ وَعَلَى صَرْفِ الزَّكَاةِ إِلَى صنف وَاحِد من الثَّمَانِية وَتعقب بن دَقِيقِ الْعِيدِ جَمِيعَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ مُحْتَمِلَةٌ لِمَا ذُكِرَ وَلِغَيْرِهِ فَلَا يَنْهَضُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحْبِيسُ خَالِدٍ إِرْصَادًا وَعَدَمَ تَصَرُّفٍ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ التَّحْبِيسِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَلِمَا ذُكِرَ وَفِي الْحَدِيثِ بَعْثُ الْإِمَامِ الْعُمَّالَ لِجِبَايَةِ الزَّكَاةِ وَتَنْبِيهُ الْغَافِلِ عَلَى مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ نِعْمَةِ الْغِنَى بَعْدَ الْفَقْرِ لِيَقُومَ بِحَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ وَالْعَتَبُ عَلَى مَنْ مَنَعَ الْوَاجِبَ وَجَوَازُ ذِكْرِهِ فِي غَيْبَتِهِ بِذَلِكَ وَتَحَمُّلُ الْإِمَامِ عَنْ بَعْضِ رَعِيَّتِهِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَالِاعْتِذَارُ عَنْ بَعْضِ الرَّعِيَّةِ بِمَا يَسُوغُ الِاعْتِذَارُ بِهِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ( قَوْله بَاب الإستعفاف عَن الْمَسْأَلَة أ) ي فِي شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1468] حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهْيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا".
تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ "هِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا".
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حُدِّثْتُ عَنِ الأَعْرَجِ بِمِثْلِهِ.
وبالسند قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( قال: حدَّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصدقة) ، الواجبة أو صدقة التطوّع، ورجحه بعضهم تحسينًا للظن بالصحابة إذ لا يظن بهم منع الواجب، وعلى هذا فعذر خالد واضح لأنه أخرج ماله في سبيل الله فما بقي له مال يحتمل المواساة، وتعقب بأنهم ما منعوه جحدًا ولا عنادًا، أما ابن جميل فقد قيل إنه كان منافقًا ثم تاب بعد كما حكاه المهلب.
قيل وفيه نزلت { وما نقموا} الآية إلى قوله: { فإن يتوبوا يك خيرًا لهم} [التوبة: 74] فقال استتابني الله، فتاب وصلح حاله والمشهور نزولها في غيره، وأما خالد فكان متأوّلاً بإجزاء ما حبسه عن الزكاة فالظاهر أنها الصدقةالواجبة لتعريف الصدقة باللام العهدية.
وقال النووي: إنه الصحيح المشهور ويؤيده ما في رواية مسلم من طريق ورقاء عن أبي الزناد بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمر ساعيًا على الصدقة فهو مشعر بأنها صدقة الفرض لأن صدقة التطوّع لا تبعث عليها السعاة.
ولأبي ذر: بصدقة ( فقيل) : القائل عمر -رضي الله عنه- لأنه المرسل ( منع ابن جميل) بفتح الجيم وكسر الميم.
قال ابن منده: لم يعرف اسمه ومنهم من سماه حميدًا، وقيل عبد الله.
وذكره الذهبي فيمن عرف بأبيه ولم يسم ( وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب) بالرفع في عباس عطفًا على وخالد المعطوف على ابن جميل المرفوع على الفاعلية.
زاد في رواية أبي عبيد: أن يعطوا وهو مقدّر هنا لأن منع يستدعي مفعولاً.
وقوله: أن يعطوا في محل نصب على المفعولية وكلمة أن مصدرية أي منع هؤلاء الإعطاء، ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بيان لوجه الامتناع ومن ثم عبر بالفاء: ( ما ينقم ابن جميل) بكسر القاف مضارع نقم بالفتح أي ما يكره وينكر ( إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ورسوله) ، من فضله بما أفاء الله على رسوله وأباح لأمته من الغنائم ببركته عليه الصلاة والسلام والاستثناء مفرغ، فمحل أن وصلتها نصب على المفعول به أو على أنه مفعول لأجله والمفعول به حينئذٍ محذوف.
ومعنى الحديث كما قاله غير واحد أنه ليس ثم شيء ينقم ابن جميل فلا، موجب للمنع، وهذا مما تقصد العرب في مثله تأكيد النفي والمبالغة فيه بإثبات شيء وذلك الشيء لا يقتضي إثباته فهو منتف أبدًا، ويسمى مثل ذلك عند البيانيين تأكيد المدح بما يشبه الذم وبالعكس، فمن الأوّل نحو قول الشاعر: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ...
بهنّ فلول من قراع الكتائب ومن الثاني هذا الحديث وشبهه أي: ما ينبغي لابن جميل أن ينقم شيئًْا إلا هذا وهذا لا يوجب له أن ينقم شيئًا فليس ثم شيء ينقمه، فينبغي أن يعطي مما أعطاه الله ولا يكفر بأنعمه.
( وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا) ، عبر بالظاهر دون أن يقول تظلمونه بالضمير على الأصل تفخيمًا لشأنه وتعظيمًا لأمره نحو: { وما أدراك ما الحاقة} [الحاقة: 3] والمعنى تظلمونه بطلبكم منه زكاة ما عنده فإنه ( قد احتبس) أي وقف قبل الحول ( أدراعه) جمع درع بكسر الدال وهو الزردية ( وأعتده) التي كانت للتجارة على المجاهدين ( في سبيل الله) ، فلا زكاة عليه فيها، وتاء أعتده مضمومة جمع عتد بفتحتين ما يعدّه الرجل من السلاح والدواب وآلات الحرب، ولأبي ذر: وأعتده بكسرها.
قيل، ورواه بعض رواة البخاري: وأعبده بالموحدة جمع عبد حكاه عياض وهو موافق لرواية واحتبس رقيقه، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام لم يقبل قول من أخبره بمنع خالد حملاً على أنه لم يصرّح بالمنع وإنما نقله عنه بناء على ما فهمه، ويكون قوله عليه الصلاة والسلام: تظلمون خالدًا أي بنسبتكم إياه إلى المنع وهو لم يمنع وكيف يمنع الفرض وقد تطوّع بوقف خيله وسلاحه، أو يكون عليه الصلاة والسلام احتسب له ما فعله من ذلك من الزكاة لأنه في سبيل الله وذلك من مصار الزكاة لكن يلزم منه إعطاء الزكاة لصنف واحد وهو قول مالك وغيره خلافًا للشافعي في وجوب قسمتها على الأصناف الثمانية.
وقد سبق استدلال البخاري به على إخراج العروض في الزكاة، واستشكله ابن دقيق العيد: بأنه إذا حبس على جهة معينة تعين صرفه إليها واستحقه أهل تلك الصفة مضافًا إلى جهة الحبس فإن كان قد طلب من خالد زكاة ما حبسه فكيف يمكن ذلك مع تعين ما حبسه لصرفه؟ وإن كان طلب منه زكاة المال الذي لم يحبسه من العين والحرث والماشية فكيف يحاسب بما وجب عليه في ذلك وقد تعين صرف ذلك المحبس إلى جهته؛ ثم انفصل عن ذلك باحتمال أن يكون المراد بالتحبيس الإرصاد لذلك لا الوقف فيزول الإشكال، لكن هذا الإشكال إنما يتأتى على القول بأن المراد بالصدقةالمفروضة، أما على القول بأن المراد التطوّع فلا إشكال كما لا يخفى.
( وأما العباس بن عبد المطلب فعمّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللحموي والكشميهني: عم بغير فاء وفي وصفه بأنه عمه تنبيه على تفخيمه واستحقاق إكرامه، ودخول اللام على عباس مع كونه علمًا للمح الصفة ( فهي) أي الصدقة المطلوبة منه ( عليه صدقة) ثابتة سيتصدق بها ( ومثلها معها) أي ويضيف إليها مثلها كرمًا منه فيكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألزمه بتضعيف صدقته ليكون ذلك أرفع لقدره وأنبه لذكره وأنفى للذب عنه، أو المعنى أن أمواله كالصدقة عليه لأنه استدان في مفاداة نفسه وعقيل فصار من الغارمين الذين لا تلزمهم الزكاة.
وهذا التأويل على تقدير ثبوت لفظة صدقة، واستبعدها البيهقي لأن العباس من بني هاشم فتحرم عليهم الصدقة.
أي: وظاهر هذا الحديث أنها صدقة عليه ومثلها معها فكأنه أخذها منه وأعطاها له، وحمل غيره على أن ذلك كان قبل تحريم الصدقة على آله عليه الصلاة والسلام.
وفي رواية مسلم من طريق ورقاء: وأما العباس فهي عليّ ومثلها ثم قال: يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه؟ فلم يقل فيه صدقة بل فيه دلالة على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التزم بإخراج ذلك عنه لقوله: فهي عليّ ويرجحه قوله: إن عم الرجل صنو أبيه أي مثله ففي هذه اللفظة إشعار بما ذكرنا فإن كون صنو الأب يناسب أن يحمل عنه أي هي عليّ إحسانًا إليه وبرًّا به هي عندي فرض لأني استلفت منه صدقة عامين.
وقد ورد ذلك صريحًا في حديث عليّ عند الترمذي لكن في إسناده مقال، وفي حديث ابن عباس عند الدارقطني بإسناد فيه ضعف: بعث النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عمر ساعيًا فأتى العباس فأغلظ له فأخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إن العباس قد استلفنا زكاة ماله العام والعام المقبل.
وعن الحكم بن عقبة ( تابعه) أي تابع شعيبًا ( ابن أبي الزناد) عبد الرحمن ( عن أبيه) أبي الزناد عبد الله بن ذكوان على ثبوت لفظ الصدقة وهذا وصله أحمد وغيره وذلك يرد على الخطابي حيث قال: إن لفظ الصدقة لم يتابع عليها شعيب بن أبي حمزة كما ترى، وكذا تابعه موسى بن عقبة فيما رواه النسائي.
( وقال ابن إسحاق) : محمد إمام المغازي فيما وصله الدارقطني ( عن أدب الزناد) عبد الله بن ذكوان ( هي عليه ومثلها معها) من غير ذكر الصدقة.
( وقال ابن جريج) : عبد الملك ( حدثت) بضم الحاء مبنيًا للمفعول ( عن الأعرج) عبد الرحمن ( بمثله) ولأبي ذر، وابن عساكر: مثله رواية ابن إسحاق بدون لفظ الصدقة وهي أولى لأن العباس لا تحل له الصدقة كما مرّ، ورواية ابن جريج هذه وصلها عبد الرزاق في مصنفه لكنه خالف الناس في ابن جميل فجعل مكانه أبا جهم بن حذيفة.
50 - باب الاِسْتِعْفَافِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ ( باب الاستعفاف عن المسألة) في غير المصالح الدينية.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الرِّقَابِ والغارمين وَفِي سَبِيل الله)
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ اقْتَطَعَ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ التَّفْسِيرِ لِلِاحْتِيَاجِ إِلَيْهَا فِي بَيَانِ مصاريف الزَّكَاة قَوْله وَيذكر عَن بن عَبَّاسٍ يُعْتِقُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَيُعْطِي فِي الْحَجِّ وَصَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ مِنْ طَرِيقِ حَسَّانَ بْنِ أَبِي الْأَشْرَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلَ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ فِي الْحَجِّ وَأَنْ يُعْتِقَ مِنْهُ الرَّقَبَةَ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْهُ وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ أَعْتِقْ مِنْ زَكَاةِ مَالِكَ وَتَابَعَ أَبَا مُعَاوِيَةَ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ رُوِّينَاهُ فِي فَوَائِدِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ رِوَايَةَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَرْوَزِيِّ عَنْهُ عَنْ عَبْدَةَ عَنِ الْأَعْمَش عَن بن أَبِي الْأَشْرَسِ وَلَفْظُهُ كَانَ يُخْرِجُ زَكَاتَهُ ثُمَّ يَقُولُ جَهِّزُوا مِنْهَا إِلَى الْحَجِّ.

     وَقَالَ  الْمَيْمُونِيُّ.

.

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَشْتَرِي الرَّجُلُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ الرِّقَابَ فَيُعْتِقُ وَيجْعَل فِي بن السَّبِيل قَالَ نعم بن عَبَّاسٍ يَقُولُ ذَلِكَ وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ.

     وَقَالَ  الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ قَالَ أَحْمَدُ كُنْتُ أَرَى أَنْ يُعْتِقَ مِنَ الزَّكَاةِ ثُمَّ كَفَفْتُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنِّي لَمْ أَرَهُ يَصِحُّ قَالَ حَرْبٌ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ بن عَبَّاسٍ فَقَالَ هُوَ مُضْطَرِبٌ انْتَهَى وَإِنَّمَا وَصَفَهُ بِالِاضْطِرَابِ لِلِاخْتِلَافِ فِي إِسْنَادِهِ عَلَى الْأَعْمَشِ كَمَا تَرَى وَلِهَذَا لَمْ يَجْزِمْ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَفِي الرِّقَابِ فَقِيلَ الْمُرَادُ شِرَاءُ الرَّقَبَةِ لِتُعْتَقَ وَهُوَ رِوَايَة بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْر وَقَول إِسْحَاق وَإِلَيْهِ مَال البُخَارِيّ وبن الْمُنْذِرِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ أَعْلَى مَا جَاءَ فِيهِ قَول بن عَبَّاسٍ وَهُوَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ وَأَعْلَمُ بِالتَّأْوِيلِ وَرَوَى بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا فِي الْمُكَاتَبِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَاللَّيْثِ وَالْكُوفِيِّينَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّ سَهْمَ الرِّقَابِ يُجْعَلُ نِصْفَيْنِ نَصِفٌ لِكُلِّ مُكَاتَبٍ يَدَّعِي الْإِسْلَام وَنصف يَشْتَرِي بهَا رِقَاب مِمَّن صلى وَصَامَ أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَتَبَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاحْتَجَّ لِلْأَوَّلِ بِأَنَّهَا لَوِ اخْتَصَّتْ بِالْمُكَاتَبِ لَدَخَلَ فِي حُكْمِ الْغَارِمِينَ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَبِأَنَّ شِرَاءَ الرَّقِيقِ لِيُعْتَقَ أَوْلَى مِنْ إِعَانَةِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ قَدْ يُعَانُ وَلَا يُعْتَقُ وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَالزَّكَاةُ لَا تُصْرَفُ لِلْعَبْدِ وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يَتَيَسَّرُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَلِأَنَّ وَلَاءَهُ يَرْجِعُ لِلسَّيِّدِ فَيَأْخُذُ الْمَالَ وَالْوَلَاءُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِنَّ عِتْقَهُ يَتَنَجَّزُ وَيَصِيرُ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الْأَخِيرُ عَلَى طَرِيقَةِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَرِدُ وَلَاؤُهُ فِي شِرَاءِ الرِّقَابِ لِلْعِتْقِ أَيْضًا وَعَنْ مَالِكٍ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ تَمَسُّكًا بِالْعُمُومِ.

     وَقَالَ  عُبَيْدُ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ.

.
وَأَمَّا سَبِيلُ اللَّهِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْغَازِي غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ يَخْتَصُّ بِالْغَازِي الْمُحْتَاجِ وَعَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ الْحَجُّ مِنْ سَبِيلِ الله وَقد تقدم أثر بن عَبَّاس.

     وَقَالَ  بن عُمَرَ أَمَا إِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ إِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ أَبِي لَاسٍ يَعْنِي الْآتِي فِي هَذَا الْبَابِ.

.

قُلْتُ بِذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَانُوا فُقَرَاءَ وَحَمَلُوا عَلَيْهَا خَاصَّةً وَلَمْ يَتَمَلَّكُوهَا .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  الْحَسَنُ إِلَخْ هَذَا صَحِيح عَنهُ أخرج أَوله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِهِ وَهُوَ مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى الْقَوْلِ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا الْإِعْتَاقِ مِنَ الزَّكَاةِ وَالصَّرْفِ مِنْهَا فِي الْحَجِّ إِلَّا أَنَّ تَنْصِيصَهُ عَلَى شِرَاءِ الْأَبِ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ الْبَاقُونَ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا يَصِيرُ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَسْتَعِيدُ الْمَنْفَعَةَ وَيُوَفِّرُ مَا كَانَ يُخْرِجُهُ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ لِدَفْعِ عَارِ اسْتِرْقَاقِ أَبِيهِ وَقَولُهُ فِي أَيِّهَا أَعْطَيْتَ جَزَتْ كَذَا فِي الْأَصْلِ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَيْ قَضَتْ وَفِيهِ مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ لِلْفُقَرَاءِ لِبَيَانِ الْمَصْرِفِ لَا لِلتَّمْلِيكِ فَلَوْ صَرَفَ الزَّكَاةَ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ كَفَى .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ خَالِدًا إِلَخْ سَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي هَذَا الْبَابِ .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي لَاسٍ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ خُزَاعِيٌّ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ زِيَادٌ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَنَمَةَ بِمُهْمَلَةٍ وَنُونٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ لَهُ صُحْبَةٌ وَحَدِيثَانِ هَذَا أَحَدُهُمَا وَقَدْ وَصَلَهُ أَحْمد وبن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَفْظُ أَحْمَدَ عَلَى إِبِلٍ مِنَ إِبِلِ الصَّدَقَةِ ضِعَافٌ لِلْحَجِّ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَرَى أَنْ تَحْمِلَ هَذِهِ فَقَالَ إِنَّمَا يَحْمِلُ اللَّهُ الْحَدِيثَ وَرِجَاله ثِقَات إِلَّا أَن فِيهِ عنعنة بن إِسْحَاق وَلِهَذَا توقف بن الْمُنْذِرِ فِي ثُبُوتِهِ

[ قــ :1410 ... غــ :1468] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْأَعْرَجِ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ شُعَيْبٍ مِمَّا حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ سَمَعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ قَالَ عُمَرُ فَذَكَرَهُ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فِي الْإِسْنَادِ وَزَادَ فِيهِ عُمَرَ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا جَرَى لِعُمَرَ فِيهِ ذِكْرٌ فَقَطْ .

     قَوْلُهُ  أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدقَة فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ وَرْقَاءَ عَنْ أبي الزِّنَادِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ سَاعِيًا عَلَى الصَّدَقَةِ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهَا صَدَقَةُ الْفَرْضِ لِأَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَا يبْعَث عَلَيْهَا السعاة.

     وَقَالَ  بن الْقَصَّارِ الْمَالِكِيُّ الْأَلْيَقُ أَنَّهَا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ مَنَعُوا الْفَرْضَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ مَا مَنَعُوهُ كُلُّهُمْ جَحْدًا وَلَا عنادا أما بن جَمِيلٍ فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا ثُمَّ تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ كَذَا حَكَاهُ الْمُهَلَّبُ وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ فِيهِ نَزَلَتْ وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله الْآيَةَ انْتَهَى وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَعْلَبَةَ.

.
وَأَمَّا خَالِدٌ فَكَانَ مُتَأَوِّلًا بِإِجْزَاءِ مَا حَبَسَهُ عَنِ الزَّكَاةِ وَكَذَلِكَ الْعَبَّاسُ لِاعْتِقَادِهِ مَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ وَلِهَذَا عَذَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم خَالِدا وَالْعَبَّاس وَلم يعْذر بن جميل قَوْله فَقيل منع بن جَمِيلٍ قَائِلُ ذَلِكَ عُمَرُ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِصَّةِ الْعَبَّاسِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة بن أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ فَقَالَ بَعْضُ من يلمز أَي يعيب وبن جَمِيلٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ لَكِنْ وَقَعَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيِّ الشَّافِعِيِّ وَتَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ بْنِ الملقن أَن بن بَزِيزَةَ سَمَّاهُ حُمَيْدًا وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي كتاب بن بزيزة وَوَقع فِي رِوَايَة بن جريج أَبُو جهم بن حُذَيْفَة بدل بن جميل وَهُوَ خطأ لإطباق الْجَمِيع على بن جَمِيلٍ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ كَانَ أَنْصَارِيًّا.

.
وَأَمَّا أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ فَهُوَ قُرَشِيٌّ فَافْتَرَقَا وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ الْبَكْرِيَّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَمْثَالِ لَهُ أَنَّهُ أَبُو جهم بن جميل قَوْله وَالْعَبَّاس زَاد بن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ أَنْ يُعْطُوا الصَّدَقَةَ قَالَ فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَبَّ عَنِ اثْنَيْنِ الْعَبَّاسِ وَخَالِدٍ .

     قَوْلُهُ  مَا يَنْقِمُ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ مَا يُنْكِرُ أَوْ يَكْرَهُ وَقَولُهُ فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِنَّمَا ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لِدُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ فَأَصْبَحَ غَنِيًّا بَعْدَ فَقْرِهِ بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَأَبَاحَ لِأُمَّتِهِ مِنَ الْغَنَائِمِ وَهَذَا السِّيَاقُ مِنْ بَابِ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ إِلَّا مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ أَغْنَاهُ فَلَا عُذْرَ لَهُ وَفِيهِ التَّعْرِيضُ بِكُفْرَانِ النِّعَمِ وَتَقْرِيعٌ بِسُوءِ الصَّنِيعِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِحْسَانِ .

     قَوْلُهُ  احْتَبَسَ أَيْ حَبَسَ .

     قَوْلُهُ  وَأَعْتُدَهُ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ جَمْعُ عَتَدٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَعْتَادَهُ وَهُوَ جَمْعُهُ أَيْضًا قَيلَ هُوَ مَا يَعُدُّهُ الرَّجُلُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّلَاحِ وَقِيلَ الْخَيْلُ خَاصَّةً يُقَالُ فَرَسٌ عَتِيدٌ أَيْ صُلْبٌ أَوْ مُعَدٌّ لِلرُّكُوبِ أَوْ سَرِيعُ الْوُثُوبِ أَقْوَالٌ وَقِيلَ إِنَّ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ وَأَعْبُدَهُ بِالْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ عَبْدٍ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ .

     قَوْلُهُ  فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا كَذَا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَلَمْ يَقُلْ وَرْقَاءُ وَلَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ صَدَقَةٌ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَكُونُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألزمهُ بِتَضْعِيف صدقته لِيَكُونَ أَرْفَعَ لِقَدْرِهِ وَأَنْبَهَ لِذِكْرِهِ وَأَنْفَى لِلذَّمِّ عَنهُ فَالْمَعْنى فَهِيَ صَدَقَةٌ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ سَيَصَّدَّقُ بِهَا وَيُضِيفُ إِلَيْهَا مِثْلَهَا كَرَمًا وَدَلَّتْ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَزَمَ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ فَهِيَ عَلَيَّ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى سَبَبِ ذَلِكَ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الْعَمَّ صِنْوُ الْأَبِ تَفْضِيلًا لَهُ وَتَشْرِيفًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحَمَّلَ عَنْهُ بِهَا فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ رِوَايَةِ عَلَيَّ وَرِوَايَةِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ رِوَايَةُ عَلَيَّ وَرِوَايَةُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا إِلَّا أَن فِيهَا زِيَادَة هاه السكت حَكَاهُ بن الْجَوْزِيّ عَن بن نَاصِرٍ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيَّ أَيْ هِيَ عِنْدِي قَرْضٌ لِأَنَّنِي اسْتَسْلَفْتُ مِنْهُ صَدَقَةَ عَامَيْنِ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِيمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثٍ عَلِيٍّ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّا كُنَّا احْتَجْنَا فَتَعَجَّلْنَا مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ مَالِهِ سَنَتَيْنِ وَهَذَا مُرْسَلٌ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مَوْصُولًا بِذِكْرِ طَلْحَةَ فِيهِ وَإِسْنَادُ الْمُرْسَلِ أَصَحُّ وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عُمَرَ سَاعِيًا فَأَتَى الْعَبَّاسَ فَأَغْلَظَ لَهُ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ الْعَبَّاسَ قَدْ أَسْلَفَنَا زَكَاةَ مَالِهِ الْعَامَ وَالْعَامَ الْمُقْبِلَ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا هُوَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ نَحْوَ هَذَا وَإِسْنَاده ضَعِيف أَيْضا وَمن حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَتَهُ سَنَتَيْنِ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ رَافِعًا لِلْإِشْكَالِ وَلَرَجَحَ بِهِ سِيَاقُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَلَى بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ قِصَّةَ التَّعْجِيلِ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي وَقْتٍ غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي بَعَثَ فِيهِ عُمَرَ لِأَخْذِ الصَّدَقَةِ وَلَيْسَ ثُبُوتُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَةِ الْعَبَّاسِ بِبَعِيدٍ فِي النَّظَرِ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقِيلَ الْمَعْنَى اسْتَسْلَفَ مِنْهُ قَدْرَ صَدَقَةِ عَامَيْنِ فَأَمَرَ أَنْ يُقَاصَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتُبْعِدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَقَعَ لَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ عُمَرَ بِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الْعَبَّاسَ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَمَعْنَى عَلَيْهِ عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ أَيْ لَازِمَةٌ لَهُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْبِضُهَا لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ حَرَامٌ لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ رِوَايَةَ الْبَابِ عَلَى ظَاهِرِهَا فَقَالَ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَن بن خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ فَهِيَ لَهُ بَدَلَ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ اللَّامُ هُنَا بِمَعْنَى عَلَى لِتَتَّفِقَ الرِّوَايَاتُ وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْمَخْرَجَ وَاحِدٌ وَإِلَيْهِ مَالَ بن حِبَّانَ وَقِيلَ مَعْنَاهَا فَهِيَ لَهُ أَيْ الْقَدْرُ الَّذِي كَانَ يُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُخْرِجَهُ لِأَنَّنِي الْتَزَمْتُ عَنْهُ بِإِخْرَاجِهِ وَقِيلَ إِنَّهُ أَخَّرَهَا عَنْهُ ذَلِكَ الْعَامَ إِلَى عَامٍ قَابِلٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ عَامَيْنِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ اسْتَدَانَ حِينَ فَادَى عَقِيلًا وَغَيْرَهُ فَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَارِمِينَ فَسَاغَ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَأَبْعَدُ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ كَانَ هَذَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ التَّأْدِيبُ بِالْمَالِ فَأَلْزَمَ الْعَبَّاسَ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ ضِعْفَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِعَظَمَةِ قَدْرِهِ وَجَلَالَتِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين الْآيَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ خَالِدٍ عَلَى جَوَازِ إِخْرَاجِ مَالِ الزَّكَاةِ فِي شِرَاءِ السِّلَاحِ وَغَيْرِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَالْإِعَانَةِ بِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَجَازَ لِخَالِدٍ أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ بِمَا حَبَسَهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْبُخَارِيِّ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْبَلْ أَخْبَارَ مَنْ أَخْبَرَهُ بِمَنْعِ خَالِدٍ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَنْعِ وَإِنَّمَا نَقَلُوهُ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمُوهُ وَيَكُونُ .

     قَوْلُهُ  تَظْلِمُونَهُ أَيْ بِنِسْبَتِكُمْ إِيَّاهُ إِلَى الْمَنْعِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ وَكَيْفَ يَمْنَعُ الْفَرْضَ وَقَدْ تَطَوَّعَ بِتَحْبِيسِ سِلَاحِهِ وَخَيْلِهِ ثَانِيهَا أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهَا لِلتِّجَارَةِ فَطَالَبُوهُ بِزَكَاةِ قِيمَتِهَا فَأَعْلَمَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا حَبَسَ وَهَذَا يَحْتَاجُ لِنَقْلٍ خَاصٍّ فَيَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنِ الْأَمْوَالِ الْمُحَبَّسَةِ وَلِمَنْ أَوْجَبَهَا فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ ثَالِثُهَا أَنَّهُ كَانَ نَوَى بِإِخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ الزَّكَاةَ عَنْ مَالِهِ لِأَنَّ أَحَدَ الْأَصْنَافِ سَبِيلُ اللَّهِ وَهُمُ الْمُجَاهِدُونَ وَهَذَا يَقُولُهُ مَنْ يُجِيزُ إِخْرَاجَ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ كَالْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ يُجِيزُ التَّعْجِيلَ كَالشَّافِعِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ اسْتِدْلَالُ الْبُخَارِيِّ بِهِ عَلَى إِخْرَاجِ الْعُرُوضِ فِي الزَّكَاةِ وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ خَالِدٍ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَحْبِيسِ الْحَيَوَانِ وَالسِّلَاحِ وَأَنَّ الْوَقْفَ يَجُوزُ بَقَاؤُهُ تَحْتَ يَدِ مُحْتَبِسِهِ وَعَلَى جَوَازِ إِخْرَاجِ الْعُرُوضِ فِي الزَّكَاةِ وَقَدْ سَبَقَ مَا فِيهِ وَعَلَى صَرْفِ الزَّكَاةِ إِلَى صنف وَاحِد من الثَّمَانِية وَتعقب بن دَقِيقِ الْعِيدِ جَمِيعَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ مُحْتَمِلَةٌ لِمَا ذُكِرَ وَلِغَيْرِهِ فَلَا يَنْهَضُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحْبِيسُ خَالِدٍ إِرْصَادًا وَعَدَمَ تَصَرُّفٍ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ التَّحْبِيسِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ وَفِي الْحَدِيثِ بَعْثُ الْإِمَامِ الْعُمَّالَ لِجِبَايَةِ الزَّكَاةِ وَتَنْبِيهُ الْغَافِلِ عَلَى مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ نِعْمَةِ الْغِنَى بَعْدَ الْفَقْرِ لِيَقُومَ بِحَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ وَالْعَتَبُ عَلَى مَنْ مَنَعَ الْوَاجِبَ وَجَوَازُ ذِكْرِهِ فِي غَيْبَتِهِ بِذَلِكَ وَتَحَمُّلُ الْإِمَامِ عَنْ بَعْضِ رَعِيَّتِهِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَالِاعْتِذَارُ عَنْ بَعْضِ الرَّعِيَّةِ بِمَا يَسُوغُ الِاعْتِذَارُ بِهِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: يُعْتِقُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَيُعْطِي فِي الْحَجِّ.

     وَقَالَ  الْحَسَنُ: إِنِ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ جَازَ، وَيُعْطِي فِي الْمُجَاهِدِينَ وَالَّذِي لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ تَلاَ { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآيَةَ، فِي أَيِّهَا أَعْطَيْتَ أَجْزَأَتْ.

     وَقَالَ  النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ خَالِدًا احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي لاَسٍ: "حَمَلَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ"
( باب قول الله تعالى: { وفي الرقاب والغارمين} ) أي: وللصرف في فك الرقاب
بأن يعاون المكاتب الذي ليس له ما يفي بالنجوم بشيء من الزكاة على أداء النجوم، وقيل بأن تباع الرقاب فتعتق، وبه قال مالك في المشهور، وإليه مال البخاري وابن المنذر واحتج له بأن شراء الرقيق ليعتق أولى من إعانة المكاتب لأنه قد يعان ولا يعتق ولأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم والزكاة لا تصرف للعبد، والأول مذهب الشافعي، والليث والكوفيين وأكثر أهل العلم.
ورواه ابن وهب عن مالك وقال المرداوي من الحنابلة في مقنعه: وللمكاتب الأخذ أي من الزكاة قبل حلول نجم ويجزئ أن يشتري منها رقبة لا تعتق عليه فيعتقها ولا يجزئ عتق عبده ومكاتبه عنها، وهو موافق لما رواه

ابن أبي حاتم وأبو عبيد في الأموال بسند صحيح عن الزهري أنه كتب لعمر بن عبد العزيز أن سهم الرقاب يجعل نصفين: نصف لكل مكاتب يدعي الإسلام ونصف يشتري به رقاب من صلّى وصام وعدل من اللام إلى في قوله: { وفي الرقاب} للدلالة على أن الاستحقاق للجهة لا للرقاب، وقيل للإيذان بأنهم أحق بها ( { وفي سبيل الله} ) [التوبة: 60] أي وللصرف في الجهاد بالإنفاق على المتطوّعة به ولو كانوا أغنياء لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله" وخصه أبو حنيفة بالمحتاج، وعن أحمد الحج من سبيل الله.

( ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) مما وصله أبو عبيد في كتاب الأموال عن مجاهد عنه: ( يعتق) الرجل بضم التحتية وكسر الفوقية ( من زكاة ماله) الرقبة ( ويعطي) منها ( في الحج) المفروض للفقير، وبه قال أحمد محتجًّا بقول ابن عباس هذا مع عدم ما يدفعه، ثم رجع عنه كما في رواية الميموني لاضطرابه لكونه اختلف في إسناده على الأعمش، ومن ثم لم يجزم به المؤلّف بل أورده بصيغة التمريض لكن جزم المرداوي بصحته في العتق والحج وعلى قوله الفتوى عند الحنابلة.

( وقال الحسن) : البصري ( إن اشترى أباه من الزكاة جاز) هذا بمفرده وصله ابن أبي شيبة بلفظ: سئل الحسن عن رجل اشترى أباه من الزكاة فأعتقه، قال: اشترى خير الرقاب ( ويعطي في المجاهدين) في سبيل الله ( والذي لم يحج) إذا كان فقيرًا ( ثم تلا) الحسن قوله تعالى: ( { إنما الصدقات للفقراء} ) [التوبة: 60] ومفهوم تلاوته للآية أنه يرى أن اللام في للفقراء لبيان المصرف لا للتمليك فلو صرف الزكاة في صنف واحد كفى ( وفي أيها) أي أيّ مصرف من المصارف الثمانية ( أعطيت أجزأت) بسكون الهمزة وفتح التاء، ولأبي ذر: أجزأت بفتح الهمزة وسكون التاء، وفي بعض النسخ أجزت بغير همزة مع تسكين التاء أي قضت عنه، وفي بعضها أجرت بضم الهمزة وسكون الراء من الأجر.

( وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : مما يأتي موصولاً في هذا الباب إن شاء الله تعالى: ( إن خالدا احتبس أدراعه في سبيل الله) بفتح الراء وألف بعدها، ولأبي ذر: أدرعه بضمها من غير ألف ( ويذكر) بصيغة التمريض ( عن أبي لاس) بسين مهملة منوّنة بعد ألف مسبوقة بلام، ولأبي الوقت زيادة: الخزاعى.
قال في فتح الباري؛ وتبعه العيني: اختلف في اسمه فقيل عبد الله، وقيل زياد بن عنمة بمهملة ونون مفتوحتين وكذا قال في الإصابة، وقال في المقدمة يقال اسمه عبد الله بن عنمة ولا يصح، وقال في تقريب التهذيب والصواب أنه غيره انتهى.

ولأبي لاس هذا صحبة وحديثان.
هذا أحدهما وقد وصله ابن خزيمة والحاكم ( حملنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على إبل الصدقة للحج) ولفظ أحمد على إبل من إبل الصدقة ضعاف للحج فقلنا يا رسول الله ما نرى أن تحمل هذه فقال: "إنما يحمل الله" الحديث ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته، وأورده المؤلّف بصيغة التمريض.



[ قــ :1410 ... غــ : 1468 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ،.

.
وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،.

.
وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهْيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا".

تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ..
     وَقَالَ  ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ "هِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا".

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حُدِّثْتُ عَنِ الأَعْرَجِ بِمِثْلِهِ.

وبالسند قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( قال: حدَّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصدقة) ، الواجبة أو صدقة التطوّع، ورجحه بعضهم تحسينًا للظن بالصحابة إذ لا يظن بهم منع الواجب، وعلى هذا فعذر خالد واضح لأنه أخرج ماله في سبيل الله فما بقي له مال يحتمل المواساة، وتعقب بأنهم ما منعوه جحدًا ولا عنادًا، أما ابن جميل فقد قيل إنه كان منافقًا ثم تاب بعد كما حكاه المهلب.
قيل وفيه نزلت { وما نقموا} الآية إلى قوله: { فإن يتوبوا يك خيرًا لهم} [التوبة: 74] فقال استتابني الله، فتاب وصلح حاله والمشهور نزولها في غيره، وأما خالد فكان متأوّلاً بإجزاء ما حبسه عن الزكاة فالظاهر أنها الصدقة الواجبة لتعريف الصدقة باللام العهدية.
وقال النووي: إنه الصحيح المشهور ويؤيده ما في رواية مسلم من طريق ورقاء عن أبي الزناد بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمر ساعيًا على الصدقة فهو مشعر بأنها صدقة الفرض لأن صدقة التطوّع لا تبعث عليها السعاة.
ولأبي ذر: بصدقة ( فقيل) : القائل عمر -رضي الله عنه- لأنه المرسل ( منع ابن جميل) بفتح الجيم وكسر الميم.
قال ابن منده: لم يعرف اسمه ومنهم من سماه حميدًا، وقيل عبد الله.
وذكره الذهبي فيمن عرف بأبيه ولم يسم ( وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب) بالرفع في عباس عطفًا على وخالد المعطوف على ابن جميل المرفوع على الفاعلية.
زاد في رواية أبي عبيد: أن يعطوا وهو مقدّر هنا لأن منع يستدعي مفعولاً.
وقوله: أن يعطوا في محل نصب على المفعولية وكلمة أن مصدرية أي منع هؤلاء الإعطاء، ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بيان لوجه الامتناع ومن ثم عبر بالفاء:
( ما ينقم ابن جميل) بكسر القاف مضارع نقم بالفتح أي ما يكره وينكر ( إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ورسوله) ، من فضله بما أفاء الله على رسوله وأباح لأمته من الغنائم ببركته عليه الصلاة والسلام والاستثناء مفرغ، فمحل أن وصلتها نصب على المفعول به أو على أنه مفعول لأجله والمفعول به حينئذٍ محذوف.
ومعنى الحديث كما قاله غير واحد أنه ليس ثم شيء ينقم ابن جميل فلا، موجب للمنع، وهذا مما تقصد العرب في مثله تأكيد النفي والمبالغة فيه بإثبات شيء وذلك الشيء لا يقتضي

إثباته فهو منتف أبدًا، ويسمى مثل ذلك عند البيانيين تأكيد المدح بما يشبه الذم وبالعكس، فمن الأوّل نحو قول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب
ومن الثاني هذا الحديث وشبهه أي: ما ينبغي لابن جميل أن ينقم شيئًْا إلا هذا وهذا لا يوجب له أن ينقم شيئًا فليس ثم شيء ينقمه، فينبغي أن يعطي مما أعطاه الله ولا يكفر بأنعمه.

( وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا) ، عبر بالظاهر دون أن يقول تظلمونه بالضمير على الأصل تفخيمًا لشأنه وتعظيمًا لأمره نحو: { وما أدراك ما الحاقة} [الحاقة: 3] والمعنى تظلمونه بطلبكم منه زكاة ما عنده فإنه ( قد احتبس) أي وقف قبل الحول ( أدراعه) جمع درع بكسر الدال وهو الزردية ( وأعتده) التي كانت للتجارة على المجاهدين ( في سبيل الله) ، فلا زكاة عليه فيها، وتاء أعتده مضمومة جمع عتد بفتحتين ما يعدّه الرجل من السلاح والدواب وآلات الحرب، ولأبي ذر: وأعتده بكسرها.
قيل، ورواه بعض رواة البخاري: وأعبده بالموحدة جمع عبد حكاه عياض وهو موافق لرواية واحتبس رقيقه، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام لم يقبل قول من أخبره بمنع خالد حملاً على أنه لم يصرّح بالمنع وإنما نقله عنه بناء على ما فهمه، ويكون قوله عليه الصلاة والسلام: تظلمون خالدًا أي بنسبتكم إياه إلى المنع وهو لم يمنع وكيف يمنع الفرض وقد تطوّع بوقف خيله وسلاحه، أو يكون عليه الصلاة والسلام احتسب له ما فعله من ذلك من الزكاة لأنه في سبيل الله وذلك من مصار الزكاة لكن يلزم منه إعطاء الزكاة لصنف واحد وهو قول مالك وغيره خلافًا للشافعي في وجوب قسمتها على الأصناف الثمانية.
وقد سبق استدلال البخاري به على إخراج العروض في الزكاة، واستشكله ابن دقيق العيد: بأنه إذا حبس على جهة معينة تعين صرفه إليها واستحقه أهل تلك الصفة مضافًا إلى جهة الحبس فإن كان قد طلب من خالد زكاة ما حبسه فكيف يمكن ذلك مع تعين ما حبسه لصرفه؟ وإن كان طلب منه زكاة المال الذي لم يحبسه من العين والحرث والماشية فكيف يحاسب بما وجب عليه في ذلك وقد تعين صرف ذلك المحبس إلى جهته؛ ثم انفصل عن ذلك باحتمال أن يكون المراد بالتحبيس الإرصاد لذلك لا الوقف فيزول الإشكال، لكن هذا الإشكال إنما يتأتى على القول بأن المراد بالصدقة المفروضة، أما على القول بأن المراد التطوّع فلا إشكال كما لا يخفى.

( وأما العباس بن عبد المطلب فعمّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللحموي والكشميهني: عم بغير فاء وفي وصفه بأنه عمه تنبيه على تفخيمه واستحقاق إكرامه، ودخول اللام على عباس مع كونه علمًا للمح الصفة ( فهي) أي الصدقة المطلوبة منه ( عليه صدقة) ثابتة سيتصدق بها ( ومثلها معها) أي ويضيف إليها مثلها كرمًا منه فيكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألزمه بتضعيف صدقته ليكون ذلك أرفع لقدره وأنبه لذكره وأنفى للذب عنه، أو المعنى أن أمواله كالصدقة عليه لأنه استدان في مفاداة نفسه وعقيل فصار من
الغارمين الذين لا تلزمهم الزكاة.
وهذا التأويل على تقدير ثبوت لفظة صدقة، واستبعدها البيهقي لأن العباس من بني هاشم فتحرم عليهم الصدقة.
أي: وظاهر هذا الحديث أنها صدقة عليه ومثلها معها فكأنه أخذها منه وأعطاها له، وحمل غيره على أن ذلك كان قبل تحريم الصدقة على آله عليه الصلاة والسلام.
وفي رواية مسلم من طريق ورقاء: وأما العباس فهي عليّ ومثلها ثم قال: يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه؟ فلم يقل فيه صدقة بل فيه دلالة على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التزم بإخراج ذلك عنه لقوله: فهي عليّ ويرجحه قوله: إن عم الرجل صنو أبيه أي مثله ففي هذه اللفظة إشعار بما ذكرنا فإن كون صنو الأب يناسب أن يحمل عنه أي هي عليّ إحسانًا إليه وبرًّا به هي عندي فرض لأني استلفت منه صدقة عامين.
وقد ورد ذلك صريحًا في حديث عليّ عند الترمذي لكن في إسناده مقال، وفي حديث ابن عباس عند الدارقطني بإسناد فيه ضعف: بعث النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عمر ساعيًا فأتى العباس فأغلظ له فأخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إن العباس قد استلفنا زكاة ماله العام والعام المقبل.

وعن الحكم بن عقبة ( تابعه) أي تابع شعيبًا ( ابن أبي الزناد) عبد الرحمن ( عن أبيه) أبي الزناد عبد الله بن ذكوان على ثبوت لفظ الصدقة وهذا وصله أحمد وغيره وذلك يرد على الخطابي حيث قال: إن لفظ الصدقة لم يتابع عليها شعيب بن أبي حمزة كما ترى، وكذا تابعه موسى بن عقبة فيما رواه النسائي.

( وقال ابن إسحاق) : محمد إمام المغازي فيما وصله الدارقطني ( عن أدب الزناد) عبد الله بن ذكوان ( هي عليه ومثلها معها) من غير ذكر الصدقة.

( وقال ابن جريج) : عبد الملك ( حدثت) بضم الحاء مبنيًا للمفعول ( عن الأعرج) عبد الرحمن ( بمثله) ولأبي ذر، وابن عساكر: مثله رواية ابن إسحاق بدون لفظ الصدقة وهي أولى لأن العباس لا تحل له الصدقة كما مرّ، ورواية ابن جريج هذه وصلها عبد الرزاق في مصنفه لكنه خالف الناس في ابن جميل فجعل مكانه أبا جهم بن حذيفة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ قَولِ الله تعَالَى { وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله} (التَّوْبَة: 06)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان المُرَاد من قَول الله تَعَالَى: { وَفِي الرّقاب} (التَّوْبَة: 06) .
وَكَذَا من قَوْله: { وَفِي سَبِيل الله} (التَّوْبَة: 06) .
وهما من آيَة الصَّدقَات، وَهِي قَوْله تَعَالَى: { إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين.
.
}
(التَّوْبَة: 06) .
الْآيَة، اقتطعهما مِنْهَا للاحتياج إِلَيْهِمَا فِي جملَة مصارف الزَّكَاة، وَهِي ثَمَانِيَة، من جُمْلَتهَا: الرّقاب، وَهُوَ جمع: رَقَبَة، وَالْمرَاد: المكاتبون يعانون من الزَّكَاة فِي فك رقابهم، وَهُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء، مِنْهُم سعيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالزهْرِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَاللَّيْث، وَهُوَ رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَابْن نَافِع عَن اللَّيْث، وَفِي (الْمُغنِي) : وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد،.

     وَقَالَ  ابْن تَيْمِية: إِن كَانَ مَعَه وَفَاء لكتابته لم يُعْط لأجل فقره لِأَنَّهُ عبد، وَإِن لم يكن مَعَه شَيْء أعطي الْجَمِيع، وَإِن كَانَ مَعَه بعضه تمم، سَوَاء كَانَ قبل حُلُول النَّجْم أَو بعده كَيْلا يحل النَّجْم وَلَيْسَ مَعَه شَيْء فتفسخ الْكِتَابَة، وَيجوز دَفعهَا إِلَى سَيّده.
وَعند الشَّافِعِيَّة: إِن لم يحل عَلَيْهِ نجم فَفِي صرفه إِلَيْهِ وَجْهَان، وَإِن دَفعه إِلَيْهِ فَأعْتقهُ الْمولى أَو أَبرَأَهُ من بدل الْكِتَابَة أَو عجر نَفسه وَالْمَال فِي يَد الْمكَاتب رَجَعَ فِيهِ.
قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ الْمَذْهَب.
قَوْله: { فِي سَبِيل الله} (التَّوْبَة: 06) .
وَهُوَ مُنْقَطع الْغُزَاة عِنْد أبي يُوسُف، ومنقطع الْحَاج عِنْد مُحَمَّد، وَفِي (الْمَبْسُوط) : وَفِي سَبِيل الله فُقَرَاء الْغُزَاة عِنْد أبي يُوسُف، وَعند مُحَمَّد: فُقَرَاء الْحَاج..
     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: وَفِي (الْأَشْرَاف) قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد: فِي سَبِيل الله هُوَ الْغَازِي غير الْغَنِيّ، وَحكى أَبُو ثَوْر عَن أبي حنيفَة أَنه الْغَازِي دون الْحَاج، وَذكر ابْن بطال أَنه قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ، وَمثله النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) ..
     وَقَالَ  صَاحب (التَّوْضِيح) : وَأما قَول أبي حنيفَة: لَا يُعطى الْغَازِي من الزَّكَاة إلاَّ أَن يكون مُحْتَاجا، فَهُوَ خلاف ظَاهر للْكتاب وَالسّنة، فَأَما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى: { وَفِي سَبِيل الله} (التَّوْبَة: 06) .
وَأما السّنة فروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ إلاَّ لخمسة: لعامل عَلَيْهَا، أَو لغاز فِي سَبِيل الله، أَو غَنِي اشْتَرَاهَا بِمَالِه، أَو فَقير تصدق عَلَيْهِ فأهدى لَغَنِيّ إو غَارِم) .
وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم،.

     وَقَالَ : صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُرْسلا فَإِن قلت: مَا أحسن الْأَدَب سِيمَا مَعَ الأكابر، وَأَبُو حنيفَة لم يُخَالف الْكتاب وَلَا السّنة، وَإِنَّمَا عمل بِالسنةِ فِيمَا ذهب إِلَيْهِ، وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ) ،.

     وَقَالَ : المُرَاد من قَوْله: (لغاز فِي سَبِيل الله) ، هُوَ الْغَازِي الْغَنِيّ بِقُوَّة الْبدن، وَالْقُدْرَة على الْكسْب لَا الْغَنِيّ بالنصاب الشَّرْعِيّ، بِدَلِيل حَدِيث معَاذ: وردهَا إِلَى فقرائهم.

وَيُذْكَرُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يُعْتِقُ مِنْ زَكَاةِ مالِهِ ويُعْطِي فِي الحَجِّ

علق هَذَا عَن ابْن عَبَّاس ليشير أَن شِرَاء العَبْد وعتقه من مَال الزَّكَاة جَائِز، وَهُوَ مُطَابق للجزء الأول من التَّرْجَمَة، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو بكر فِي (مُصَنفه) : عَن أبي جَعْفَر عَن الْأَعْمَش عَن حسان عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يعْطى الرجل من زَكَاته فِي الْحَج، وَأَن يعْتق النَّسمَة مِنْهَا.
وَفِي (كتاب الْعِلَل) لعبد الله بن أَحْمد عَن أَبِيه: حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش حَدثنَا الْأَعْمَش عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، قَالَ ابْن عَبَّاس: أعتق من زكاتك، وَفِي رِوَايَة أبي عبيد: أعتق من زَكَاة مَالك..
     وَقَالَ  الْمَيْمُونِيّ: قيل لأبي عبد الله: يشترى الرجل من زَكَاة مَاله الرّقاب فَيعتق وَيجْعَل فِي ابْن السَّبِيل؟ قَالَ: نعم، ابْن عَبَّاس يَقُول ذَلِك، وَلَا أعلم شَيْئا يَدْفَعهُ، وَهُوَ ظَاهر الْكتاب.
قَالَ الْخلال فِي (علله) : هَذَا قَوْله الأول، وَالْعَمَل على مَا بَينه الْجَمَاعَة فِي ضعف الحَدِيث.
أخبرنَا أَحْمد بن هَاشم الْأَنْطَاكِي، قَالَ: قَالَ أَحْمد: كنت أرى أَن يعْتق من الزَّكَاة، ثمَّ كَفَفْت عَن ذَلِك لِأَنِّي لم أر إِسْنَادًا يَصح.
قَالَ حَرْب: فاحتج عَلَيْهِ بِحَدِيث ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: هُوَ مُضْطَرب.
انْتهى.
وَبقول ابْن عَبَّاس فِي عتق الرَّقَبَة من الزَّكَاة قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَعبد الله بن الْحسن الْعَنْبَري وَمَالك وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.
وَفِي (الْجَوَاهِر) للمالكية: يَشْتَرِي بهَا الإِمَام الرّقاب فيعقتها عَن الْمُسلمين وَالْوَلَاء لجميعهم..
     وَقَالَ  ابْن وهب: هُوَ فِي فكاك المكاتبين، وَوَافَقَ الْجَمَاعَة، وَلَو اشْترى بِزَكَاتِهِ رَقَبَة فَأعْتقهَا ليَكُون ولاؤها لَهُ لَا يجْزِيه عِنْد ابْن الْقَاسِم، خلافًا لأَشْهَب، وَلَا يَجْزِي فك الْأَسير بهَا عِنْد ابْن الْقَاسِم خلافًا لِابْنِ حبيب، وَلَا يدْفع عِنْد مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ إِلَى مكَاتب وَلَا إِلَى عبد مُوسِرًا كَانَ سَيّده أَو مُعسرا، وَلَا من الْكَفَّارَات.
وَجه قَول الْجُمْهُور مَا رَوَاهُ الْبَراء بن عَازِب: (أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: دلَّنِي على عمل يقربنِي من الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي من النَّار، فَقَالَ: أعتق النَّسمَة، وَفك الرَّقَبَة، قَالَ: يَا رَسُول الله أوليسا وَاحِدًا، قَالَ: لَا، عتق النَّسمَة أَن تنفرد بِعتْقِهَا، وَفك الرَّقَبَة: أَن تعين فِي ثمنهَا) .
رَوَاهُ أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ.

وَقَالَ الحسَنُ إنِ اشْتَرَى أباهُ مِنَ الزَّكَاةِ جازَ وَيُعْطِي فِي المُجَاهِدِينَ وَالَّذِي لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ تَلا إنَّما الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ الآيةَ فِي أيِّهَا أعْطَيْتَ أجْزَأتْ

مطابقته فِي الْجُزْء الْأَخير من التَّرْجَمَة، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، هَذَا التَّعْلِيق روى بعضه أَبُو بكر بن أبي شيبَة عَن حَفْص عَن أَشْعَث بن سوار، قَالَ: سُئِلَ الْحسن عَن رجل اشْترى أَبَاهُ من الزَّكَاة فَأعْتقهُ.
قَالَ: اشْترى خير الرّقاب.
قَوْله: (فِي أَيهَا) أَي: فِي مصرف من المصارف الثَّمَانِية أَعْطَيْت (أجزت) كَذَا فِي الأَصْل بِغَيْر همز أَي: قَضَت.
قَالَ الْكرْمَانِي: أَعْطَيْت، بِلَفْظ الْمَعْرُوف والمجهول، وَكَذَلِكَ: أَجْزَأت، من الْإِجْزَاء، وَذكر ابْن التِّين بِلَفْظ: أجزت، بِدُونِ الْهمزَة،.

     وَقَالَ : مَعْنَاهُ قَضَت عَنهُ وَقيل: جزأ وأجزأ بِمَعْنى، أَي: قضى.
وَمن قَول الْحسن يعلم أَن اللَّام فِي قَوْله: (للْفُقَرَاء) لبَيَان الْمصرف لَا للتَّمْلِيك.
فَلَو صرف الزَّكَاة فِي صنف وَاحِد كفى.

وَقَالَ النبيُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ خالِدا احْتَبَسَ أدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ الله

هَذَا التَّعْلِيق يَأْتِي فِي هَذَا الْبابُُ مَوْصُولا، والإدراع جمع: درع، ويروى: أدرعه.

وَيُذْكَرُ عنْ أبِي لاَسٍ حَمَلَنَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ

أَبُو لاس، بِالسِّين الْمُهْملَة: خزاعي، وَقيل: حارثي يعد فِي الْمَدَنِيين، اخْتلف فِي اسْمه فَقيل: زِيَاد، وَقيل: عبد الله بن عتمة، بِعَين مُهْملَة مَفْتُوحَة بعْدهَا نون مَفْتُوحَة، وَقيل: مُحَمَّد بن الْأسود، وَله حديثان أَحدهمَا هَذَا، وَلَيْسَ لَهُم أَبُو لاس غَيره، وَهُوَ فَرد.
وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن عبيد بن غَنَّام: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَحدثنَا أَبُو خَليفَة حَدثنَا ابْن الْمَدِينِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد الطنافسي، حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث عَن عمر بن الحكم بن ثَوْبَان عَن أبي لاس، قَالَ: (حملنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على إبل من إبل الصَّدَقَة ضِعَاف لِلْحَجِّ، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله مَا نرى أَن تحملنا هَذِه! فَقَالَ: مَا من بعير إلاَّ وَفِي ذروته شَيْطَان، فَإِذا ركبتموها فاذكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم كَمَا أَمركُم الله ثمَّ امتهنوها لأنفسكم، فَإِنَّمَا يحمل الله) ، وَأخرجه أَحْمد أَيْضا وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَغَيرهم وَرِجَاله ثِقَات، إلاَّ أَن فِيهِ عنعنة ابْن إِسْحَاق، وَلِهَذَا توقف ابْن الْمُنْذر فِي ثُبُوته.



[ قــ :1410 ... غــ :1468 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ قَالَ حدَّثنا أبُو الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
قَالَ أمَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالصَّدَقَةِ فَقِيلَ منَعَ ابنُ جَميلٍ وخالِدُ بنُ الوَلِيدِ وعَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يَنْقِمُ ابنُ جَمِيلٍ ألاَّ أنَّهُ كانَ فَقِيرا فأغْنَاهُ الله ورسولُهُ وأمَّا خالِدٌ فإنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خالِدا قَدِ احْتَبَسَ أدْرَاعَهُ وَأعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ الله وأمَّا العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَعَمُّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهْيَ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا معَهَا.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وأعبده فِي سَبِيل الله) .
وَرِجَال هَذَا الْإِسْنَاد قد مضوا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن حَمْزَة، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق عَليّ بن عَيَّاش: عَن شُعَيْب مِمَّا حَدثهُ عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج مِمَّا ذكر أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَذكره، صرح بِالْحَدِيثِ فِي الْإِسْنَاد وَزَاد فِيهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَالْمَحْفُوظ أَنه من مُسْند أبي هُرَيْرَة، وَإِنَّمَا جرى لعمر فِيهِ ذكر فَقَط.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّدَقَةِ) أَي: بِالصَّدَقَةِ الْوَاجِبَة، يَعْنِي: الزَّكَاة لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَة بانصراف الْألف وَاللَّام إِلَيْهَا..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: الْجُمْهُور صَارُوا إِلَى أَن الصَّدَقَة هِيَ الْوَاجِبَة، لَكِن يلْزم على هَذَا استبعاد هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين لَهَا، وَلذَلِك قَالَ بعض الْعلمَاء: كَانَت صَدَقَة التَّطَوُّع، وَقد روى عبد الرَّزَّاق هَذَا الحَدِيث.
وَفِيه: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ندب النَّاس إِلَى الصَّدَقَة) الحَدِيث،.

     وَقَالَ  ابْن الْقصار: وَهَذَا أليق بالقصة لأَنا لَا نظن بأحدهم منع الْوَاجِب.
قَوْله: (فَقيل: منع ابْن جميل) الْقَائِل هُوَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن أبي الزِّنَاد عِنْد أبي عبيد، فَقَالَ بعض من يلمز أَي: يعيب وَابْن جميل بِفَتْح الْجِيم، ذكره الذَّهَبِيّ فِيمَن عرف بِابْنِهِ وَلم يسم، قيل: وَقع فِي تَعْلِيق القَاضِي حُسَيْن الْمروزِي الشَّافِعِي وَتَبعهُ الرَّوْيَانِيّ أَن اسْمه: عبد الله، وَوَقع فِي (التَّوْضِيح) أَن ابْن بزيزة سَمَّاهُ حميدا، وَلَيْسَ بمذكور فِي كِتَابه، وَقيل: وَقع فِي رِوَايَة ابْن جريج: أَبُو جهم ابْن حُذَيْفَة، بدل ابْن جميل وَهُوَ خطأ لإطباق الْجَمِيع على ابْن جميل لِأَنَّهُ أَنْصَارِي، وَأَبُو جهم قرشي.
قَوْله: (وخَالِد بن الْوَلِيد) بِالرَّفْع عطف على: منع ابْن جميل، (وعباس بن عبد الْمطلب) عطف عَلَيْهِ، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي عبيد: (منع ابْن جميل وخَالِد وعباس أَن يُعْطوا) ، وَهُوَ مُقَدّر هَهُنَا، لِأَن: منع، يَسْتَدْعِي مَفْعُولا.
وَقَوله: (أَن يُعْطوا) فِي مَحل النصب على المفعولية، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير: منع هَؤُلَاءِ الْإِعْطَاء.
قَوْله: (فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بَيَان لوجه امْتنَاع هَؤُلَاءِ عَن الْإِعْطَاء فَلذَلِك ذكره بِالْفَاءِ.
قَوْله: (مَا ينقم) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتحهَا، أَي: مَا يُنكر أَي: لَا يَنْبَغِي أَن يمْنَع الزَّكَاة، وَقد كَانَ فَقِيرا فأغناه الله إِذْ لَيْسَ هَذَا جَزَاء النِّعْمَة قَالَ ابْن الْمُهلب: كَانَ ابْن جميل منافقا فَمنع الزَّكَاة فاستتابه الله تَعَالَى بقوله: { وَمَا نقموا إِلَّا أَن أغناهم الله وَرَسُوله من فَضله فَإِن يتوبوا يَك خيرا لَهُم} (التَّوْبَة: 47) .
فَقَالَ: استتابني رَبِّي، فَتَابَ وصلحت حَاله، انْتهى.
وَفِيه تَأْكِيد الْمَدْح بِمَا يشبه الذَّم لِأَنَّهُ إِذا لم يكن لَهُ عذر إلاَّ مَا ذكر من أَن الله أغناه فَلَا عذر لَهُ.
قَوْله: (وَأما خَالِد) إِلَى آخِره، قَالَ الْخطابِيّ: قصَّة خَالِد تؤول على وُجُوه: أَحدهَا: أَنه قد اعتذر لخَالِد ودافع عَنهُ بِأَنَّهُ احْتبسَ فِي سَبِيل الله تقربا إِلَيْهِ، وَذَلِكَ غير وَاجِب عَلَيْهِ، فَكيف يجوز عَلَيْهِ منع الْوَاجِب؟ وَثَانِيها: أَن خَالِدا طُولِبَ بِالزَّكَاةِ عَن أَثمَان الأدرع، على معنى أَنَّهَا كَانَت عِنْده للتِّجَارَة، فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَا زَكَاة عَلَيْهِ فِيهَا إِذْ جعلهَا حبسا فِي سَبِيل الله.
وَثَالِثهَا: أَنه قد أجَاز لَهُ أَن يحْتَسب بِمَا حَبسه فِي سَبِيل الله من الصَّدَقَة الَّتِي أَمر بقبضها مِنْهُ، وَذَلِكَ لِأَن أحد الْأَصْنَاف: سَبِيل الله، وهم المجاهدون، فصرفها فِي الْحَال كصرفها فِي الْمَآل.
قَوْله: (قد احْتبسَ) أَي: حبس (أدراعه) ، جمع: درع.
قَوْله: (وأعبده) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: جمع عبد، حَكَاهُ عِيَاض، وَالْمَشْهُور: أعتده، بِضَم التَّاء المثناء من فَوق، جمع: عتد، بِفتْحَتَيْنِ.
وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: أعتاده، وَهُوَ أَيْضا جمع: عتد.
قيل: هُوَ مَا يعده الرجل من الدَّوَابّ وَالسِّلَاح، وَقيل: الْخَيل خَاصَّة، يُقَال: فرس عتيد، أَي: صلب أَو معد للرُّكُوب أَو سريع الْوُثُوب.
قَوْله: (وَأما الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب) فَأخْبر عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه عَمه، وَعم الرجل صنو أَبِيه، وَعَن الحكم بن عتيبة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مُصدقا، فَشَكَاهُ الْعَبَّاس إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا ابْن الْخطاب! أما علمت أَن عَم الرجل صنو الْأَب؟ وَأَنا استسلفنا زَكَاته عَام الأول؟ وَمعنى: صنو أَبِيه: أَصله وأصل أَبِيه وَاحِد، وأصل ذَلِك أَن طلع النخلات من عرق وَاحِد.
قَوْله: (فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَة) ، مَعْنَاهُ: هِيَ صَدَقَة ثَابِتَة عَلَيْهِ سيتصدق بهَا وَمثلهَا مَعهَا، أَي: وَيتَصَدَّق مثل هَذِه الصَّدَقَة مَعهَا كرما مِنْهُ، إِ لَا امْتنَاع مِنْهُ وَلَا بخل فِيهِ، وَقيل: مَعْنَاهُ فأمواله هِيَ كالصدقة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَدَانَ فِي مفاداة نَفسه، وَعقيل، فَصَارَ من الغارمين الَّذين لَا تلزمهم الزَّكَاة، وَقيل: إِن الْقِصَّة جرت فِي صَدَقَة التَّطَوُّع فَلَا إِشْكَال عَلَيْهِ، لكنه خلاف الْمَشْهُور وَمَا عَلَيْهِ الرِّوَايَات.

ثمَّ إعلم أَن لَفْظَة الصَّدَقَة إِنَّمَا وَقعت فِي رِوَايَة شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد كَمَا مرت..
     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ، فِي رِوَايَة شُعَيْب هَذِه: يبعد أَن تكون مَحْفُوظَة لِأَن الْعَبَّاس كَانَ من صلبية بني هَاشم مِمَّن تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة، فَكيف يَجْعَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عَلَيْهِ من صَدَقَة عَاميْنِ صَدَقَة عَلَيْهِ؟.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيّ: لَعَلَّ ذَلِك قبل تَحْرِيم الصَّدَقَة على آل النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَأى إِسْقَاط الزَّكَاة عَنهُ عَاميْنِ لوجه رَآهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَذِه لَفْظَة لم يُتَابع عَلَيْهَا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة، ورد عَلَيْهِ بِأَن اثْنَيْنِ تَابعا شعيبا: أَحدهمَا: عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، كَمَا سَيَأْتِي عَن قريب، وَالْآخر: مُوسَى بن عقبَة، فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن عمرَان: حَدثنَا عَليّ ابْن عَيَّاش عَن شُعَيْب.
.
وَسَاقه بِلَفْظ البُخَارِيّ، قَالَ: وَأَخْبرنِي أَحْمد بن حَفْص حَدثنِي أبي حَدثنِي إِبْرَاهِيم عَن مُوسَى أَخْبرنِي أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج (عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: أَمر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِصَدقَة) الحَدِيث، وَفِي آخِره: (فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَة وَمثلهَا مَعهَا) .

وَاعْلَم أَيْضا أَنه وَقع اخْتِلَاف فِي هَذَا اللَّفْظ، فَفِي لفظ وَقع: مثلهَا، فِي متن حَدِيث الْبابُُ، وَفِي لفظ: (فَهِيَ لَهُ وَمثلهَا مَعهَا) ، وَفِي لفظ: (فَهِيَ عَليّ وَمثلهَا مَعهَا) ، وَفِي لفظ: (فَهِيَ عَلَيْهِ وَمثلهَا مَعهَا) .
أما معنى الَّذِي فِي متن حَدِيث الْبابُُ أَي: (فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَة) وَاجِبَة فأداها قبلمحلها (وَمثلهَا مَعهَا) : أَي: قد أَدَّاهَا لعام آخر، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن الحكم آنِفا.
وَأما معنى: (فَهِيَ لَهُ وَمثلهَا مَعهَا) ، وَهِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة، أَي: فَهِيَ عَلَيْهِ، قيل: عَلَيْهِ وَله بِمَعْنى وَاحِد، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَهُم اللَّعْنَة} (غَافِر: 25) .
وَفِي قَوْله: { وَإِن أسأتم فلهَا} (الْإِسْرَاء: 7) .
وَيحْتَمل أَن يكون: فَهِيَ لَهُ، أَي فَهِيَ لَهُ عَليّ، وَيحْتَمل أَنَّهَا كَانَت لَهُ عَلَيْهِ إِذا كَانَ قدمهَا.
وَأما معنى قَوْله: (فَهِيَ عَليّ وَمثلهَا مَعهَا) ، أَي: فَهَذِهِ الصَّدَقَة عَليّ بِمَعْنى: أؤديها عَنهُ لما لَهُ عَليّ من الْحق، خُصُوصا لَهُ، وَلِهَذَا قَالَ: عَم الرجل صنو أَبِيه، وَأما معنى: (فَهِيَ عَلَيْهِ وَمثلهَا مَعهَا) ، وَهِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، قَالَ أَبُو عبيد: نرَاهُ، وَالله أعلم، أَنه كَانَ أخر الصَّدَقَة عَنهُ عَاميْنِ من أجل حَاجَة الْعَبَّاس فَإِنَّهُ يجوز للْإِمَام أَن يؤخرها على وَجه النظرة ثمَّ يَأْخُذهَا مِنْهُ بعد، كَمَا فعل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِصَدقَة عَام الرَّمَادَة، فَلَمَّا أجبى النَّاس فِي الْعَام الْمقبل أَخذ مِنْهُم صَدَقَة عَاميْنِ.
وَقيل: إِنَّمَا تعجل مِنْهُ لِأَنَّهُ أوجبهَا عَلَيْهِ وضمنها إِيَّاه وَلم يقبضهَا مِنْهُ، فَكَانَت دينا على الْعَبَّاس.
ألاَ ترى قَوْله: (فَإِنَّهَا عَلَيْهِ وَمثلهَا مَعَه؟) قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: قَالَ لنا ابْن نَاصِر: يجوز أَن يكون قد قَالَ: هُوَ عَلَيْهِ، بتَشْديد الْيَاء، وَزَاد فِيهَا هَاء السكت.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: إِثْبَات الزَّكَاة فِي أَمْوَال التِّجَارَة.
وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز أَخذ الْقيمَة عَن أَعْيَان الْأَمْوَال.
وَفِيه: جَوَاز وضع الصَّدَقَة فِي صنف وَاحِد.
وَفِيه: جَوَاز تَأْخِير الزَّكَاة إِذا رأى الإِمَام فِيهِ نظرة.
وَفِيه: جَوَاز تَعْجِيل الزَّكَاة..
     وَقَالَ  أَبُو عَليّ الطوسي: اخْتلف أهل الْعلم فِي تَعْجِيل الزَّكَاة قبل محلهَا، فَرَأى طَائِفَة من أهل الْعلم أَن لَا يعجلها، وَبِه يَقُول سُفْيَان،.

     وَقَالَ  أَكثر أهل الْعلم: إِن عجلها قبل محلهَا أَجْزَأت عَنهُ، وَبِه يَقُول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: وَكره مَالك وَاللَّيْث بن سعد تَعْجِيلهَا قبل وَقتهَا،.

     وَقَالَ  الْحسن: من زكى قبل الْوَقْت أعَاد، كَالصَّلَاةِ.
وَفِي (التَّوْضِيح) : وَعند مَالك فِي إخْرَاجهَا قبل الْحول بِيَسِير قَولَانِ، وحدَّ الْقَلِيل بِشَهْر وَنصف شهر وَخَمْسَة أَيَّام وَثَلَاثَة.
وَفِيه: تحبيس آلَات الْحَرْب وَالثيَاب وكل مَا ينْتَفع بِهِ مَعَ بَقَاء عينه وَالْخَيْل وَالْإِبِل كالأعبد، وَفِي تحبيس غير الْعقار ثَلَاثَة أَقْوَال للمالكية: الْمَنْع الْمُطلق فِي مُقَابلَة الْخَيل فَقَط.
وَقيل: يكره فِي الرَّقِيق خَاصَّة، وَرُوِيَ أَن أَبَا معقل وقف بَعِيرًا لَهُ فَقيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يُنكره..
     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: لَا يلْزم الْوَقْف فِي شَيْء إلاَّ أَن يحكم بِهِ حَاكم، أَو يكون الْوَقْف مَسْجِدا أَو سِقَايَة أَو وَصِيَّة من الثُّلُث.
قلت: التَّحْقِيق فِيهِ أَن أصل الْخلاف أَن الْوَقْف لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة أصلا، وَهُوَ الْمَذْكُور فِي الأَصْل، وَقيل: يجوز عِنْده إلاَّ أَنه لَا يلْزم بِمَنْزِلَة الْعَارِية حَتَّى يرجع فِيهِ أَي وَقت شَاءَ، وَيُورث عَنهُ إِذا مَاتَ وَهُوَ الْأَصَح، وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد: يجوز وَيَزُول ملك الْوَاقِف عَنهُ، غير أَنه عِنْد أبي يُوسُف يَزُول بِمُجَرَّد القَوْل، وَعند مُحَمَّد حَتَّى يَجْعَل للْوَقْف وليا ويسلمه إِلَيْهِ.
وَأما وقف الْمَنْقُول فإمَّا أَن يكون فِيهِ تعامل بوقفه أَو لَا يكون، فَالْأول: يجوز وَقفه كالكراع وَالسِّلَاح والفأس وَالْقدر والقدوم والمنشار والجنازة وثيابها والمصاحف وَكتب الْفِقْه والْحَدِيث والأدبية وَنَحْوهَا.
وَالثَّانِي: لَا يجوز وَقفه كالزرع وَالثَّمَر وَنَحْوهمَا، وَعند أبي يُوسُف: لَا يجوز إلاَّ فِي الكراع وَالسِّلَاح والكراع الْخَيل.
وَفِيه: بعث الإِمَام الْعمَّال لجباية الزكوات بِشَرْط أَن يَكُونُوا أُمَنَاء فُقَهَاء عارفين بِأُمُور الجباية.
وَفِيه: تَنْبِيه الغافل على مَا أنعم الله بِهِ من نعْمَة الْغنى بعد الْفقر ليقوم بِحَق الله عَلَيْهِ.
وَفِيه: الْعَيْب على من منع الْوَاجِب وَجَوَاز ذكره فِي غيبته بذلك.
وَفِيه: تحمل الإِمَام عَن بعض رَعيته مَا يجب عَلَيْهِ.
وَفِيه: الِاعْتِذَار بِمَا يسوغ الِاعْتِذَار بِهِ.
وَفِيه: إِسْقَاط الزَّكَاة عَن الْأَمْوَال المحبسة.
وَفِيه: التَّعْرِيض بكفران النِّعْمَة والتقريع بِسوء الصَّنِيع فِي مُقَابلَة الْإِحْسَان.

تابَعَهُ ابنُ أبي الزِّنَادِ عنْ أبِيهِ
أَي: تَابع الْأَعْرَج عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه أبي الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان بِوُجُود لفظ الصَّدَقَة، وروى هَذِه الْمُتَابَعَة الدَّارَقُطْنِيّ عَن الْمحَامِلِي: حَدثنَا عَليّ بن شُعَيْب حَدثنَا شَبابَُة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج بِهِ، كَذَا هُوَ فِي نُسْخَة، وَفِي أُخْرَى بِسُقُوط: ابْن، وَهِي رِوَايَة مُسلم، وَهِي الصَّحِيحَة.

وَقَالَ ابنُ إسْحَاقَ عنْ أبِي الزِّنادِ هيَ عَلَيْهِ ومِثْلُهَا معَهَا
قَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن ابْن إِسْحَاق هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار ضد الْيَمين الْمدنِي الإِمَام صَاحب الْمَغَازِي، مَاتَ سنة خمسين وَمِائَة، وَدفن بمقبرة الخيزران بِبَغْدَاد، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن إبي الزِّنَاد بِحَذْف لفظ: الصَّدَقَة، وروى الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا هَذِه الْمُتَابَعَة عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن زِيَاد: حَدثنِي عبد الْكَرِيم بن الْهَيْثَم حَدثنَا ابْن يعِيش حَدثنِي يُونُس بن بكير حَدثنَا ابْن أبي إِسْحَاق عَن أبي الزِّنَاد، فَذكره.

وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ حُدِّثْتُ عَن الأعْرَجِ بِمِثْلِهِ

ابْن جريج، هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، بِضَم الْجِيم.
قَوْله: (حدثت) بِصِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (بِمثلِهِ) ، أَي: بِمثل مَا روى ابْن إِسْحَاق، بِدُونِ لفظ: الصَّدَقَة.