هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1522 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ طَاوُسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ : إِنَّ هَذَا البَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ ، وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1522 حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : إن هذا البلد حرمه الله لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Ibn `Abbas:

On the Day of the Conquest of Mecca, Allah's Messenger (ﷺ) said, Allah has made this town a sanctuary. Its thorny bushes should not be cut, its game should not be chased, and its fallen things should not be picked up except by one who would announce it publicly.

Ibn 'Abbâs () dit: «Le jour de la prise de La Mecque, le Messager d'Allah () dit: C'est Allah qui a rendu sacrée cette ville. On ne doit ni couper ses [plantes] épineuses, ni faire fuir son gibier, ni ramasser ses objets perdus, sauf dans le cas où l'on veut les annoncer. » En effet, 'Aqil avait hérité d'Abu Tâlib, lui et Tâlib, tandis que Ja'far et 'Ali () n'avaient rien hérité de lui parce qu'ils étaient musulmans alors que 'Aqîl et Tâlib étaient alors mécréants. D'ailleurs, c'est pour cela que 'Umar ibn alKhatâb () disait: Le musulman ne doit pas hériter du mécréant. C'était ainsi, commenta ibn Chihâb, qu'on comprenait les suivantes paroles d'Allah, le TrèsHaut:

":"ہم سے علی بن عبداللہ بن جعفر نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے جریر بن عبدالحمید نے منصور سے بیان کیا ان سے مجاہد نے ، ان سے طاؤس نے اور ان سے ابن عباس رضی اللہ عنہما نے بیان کیا کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فتح مکہ پر فرمایا تھا کہ اللہ تعالیٰ نے اس شہر ( مکہ ) کو حرمت والا بنایا ہے ( یعنی عزت دی ہے ) پس اس کے ( درختوں کے ) کانٹے تک بھی نہیں کاٹے جا سکتے یہاں کے شکار بھی نہیں ہنکائے جا سکتے ۔ اور ان کے علاوہ جو اعلان کر کے ( مالک تک پہنچانے کا ارادہ رکھتے ہوں ) کوئی شخص یہاں کی گری پڑی چیز بھی نہیں اٹھا سکتا ہے ۔

Ibn 'Abbâs () dit: «Le jour de la prise de La Mecque, le Messager d'Allah () dit: C'est Allah qui a rendu sacrée cette ville. On ne doit ni couper ses [plantes] épineuses, ni faire fuir son gibier, ni ramasser ses objets perdus, sauf dans le cas où l'on veut les annoncer. » En effet, 'Aqil avait hérité d'Abu Tâlib, lui et Tâlib, tandis que Ja'far et 'Ali () n'avaient rien hérité de lui parce qu'ils étaient musulmans alors que 'Aqîl et Tâlib étaient alors mécréants. D'ailleurs, c'est pour cela que 'Umar ibn alKhatâb () disait: Le musulman ne doit pas hériter du mécréant. C'était ainsi, commenta ibn Chihâb, qu'on comprenait les suivantes paroles d'Allah, le TrèsHaut:

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1587] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ، لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا".
وبالسند قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا جرير بن عبد الحميد) بفتح الجيم، وعبد الحميد بفتح الحاء المهملة وكسر الميم ابن قرط بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر ( عن طاوس) هو ابن كيسان اليماني ( عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة.
( أن هذا البلد حرمه الله) ، زاد المؤلّف في باب: غزوة الفتح يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة يعني: أن تحريمه أمر قديم وشريعة سالفة مستمرة ليس مما أحدثه أو اختص بشرعه، وهذا لا ينافي قوله في حديث جابر عند مسلم: أن إبراهيم حرمها لأن إسناد التحريم إليه من حيث أنه مبلغه، فإن الحاكم بالشرائع والأحكام كلها هو الله تعالى والأنبياء يبلغونها، فكما تضاف إلى الله تعالى من حيث أنه الحاكم بها تضاف إلى الرسل لأنها تسمع منهم وتبين على ألسنتهم، والحاصل أنه أظهر تحريمها بعد أن كان مهجورًا إلا أنه ابتدأه أو حرمها بإذن الله يعني أنه تعالى كتب في اللوح المحفوظ يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة بأمر الله تعالى.
( لا يعضد) بضم أوّله وفتح الضاد المعجمة أي يقطع ( شوكه ولا ينفر صيده) ، لا يزعج من مكانه فإن نفره عصى سواء تلف أم لا.
لكن إن تلف في نفاره قبل السكون ضمن دمه بالتنفير على الإتلاف ونحوه لأنه إذا حرم التنفير فالإتلاف أولى.
( ولا يلتقط لقطته) بفتح القاف في اليونينية وبسكونها في غيرها.
قال الأزهري: والمحدثون لا يعرفون غير الفتح، ونقل الطيبي عن صاحب شرح السنة أنه قال: اللقطة بفتح القاف والعامة تسكنها.
وقال الخليل: هو بالسكون وأما بالفتح فهو الكثير الالتقاط.
قال الأزهري: وهو القياس.
وقال ابن بري في حواشي الصحاح: وهذا هو الصواب لأن الفعلة للفاعل كالضحكة للكثير الضحك.
وفي القاموس: واللقط محركة أي بغير هاء وكحزمة وهمزة وثمامة التقط اهـ.
وهي هنا نصب مفعول مقدم والفاعل قوله: ( إلا من عرفها) أي أشهرها ثم يحفظها لمالكها ولا يتملكها أي عرفها ليعرف مالكها فيردّها إليه، وهذا بخلاف غير الحرم فإنه يجوز تملكها بشرطه، وقال الحنفية والمالكية: حكمها واحد في سائر البلاد لعموم قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة من غير فصل.
لنا: أن قوله ولا يلتقط لقطته ورد مورد بيان الفضائل المختصة بمكة كتحريم صيدها وقطع شجرها، وإذا سوّى بين لقطة الحرم وبين لقطة غيره من البلاد بقي ذكر اللقطة في هذا الحديث خاليًا عن الفائدة.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج والجزية والجهاد، ومسلم وأبو داود في الحج والجهاد، والترمذي في السير، والنسائي في الحج.
44 - باب تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا.
وَأَنَّ النَّاسَ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ سَوَاءٌ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] .
الْبَادِي: الطَّارِئ.
مَعْكُوفًا: مَحْبُوسًا.
( باب) حكم ( توريث دور مكة وبيعها وشرائها وأن الناس في مسجد الحرام) بالتنكير في الأول، ولأبي ذر: في المسجد الحرام بالتعريف فيهما ( سواء خاصة) ، قيد للمسجد الحرام أي المساواة إنما هي في نفس المسجد لا في سائر المواضع من مكة ( لقوله تعالى) تعليل لقوله وإن الناس في المسجد الحرام سواء: ( {إن الذين كفروا}) أي أهل مكة ( {ويصدون}) يصرفون الناس ( {عن سبيل الله}) عن دين الإسلام.
قال البيضاوي كالزمخشري: لا يريد به حالاً ولا استقبالاً، وإنما يريد استمرار الصدّ منهم، ولذلك حسن عطفه على الماضي، وقيل هو حال من فاعل كفروا ( {والمسجد الحرام) عطف على اسم الله يعني وعن المسجد الحرام، والآية مدنية وذلك أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما خرج مع أصحابه عام الحديبية منعهم المشركون عن المسجد الحرام ( {الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد}) [الحج: 25] سواء رفع على أنه خبر مقدم، والعاكف والباد: مبتدأ مؤخر وإنما وحد الخبر وإن كان المبتدأ اثنين لأن سواء في الأصل مصدر وصف به.
وقرأ حفص سواء بالنصب على أنه مفعول ثان لجعل إن جعلناه يتعدى لمفعولين، وإن قلنا يتعدى لواحد كان حالاً من هاء جعلناه، وعلى التقديرين فالعاكف مرفوع على الفاعلية لأنه مصدر وصف به فهو في قوّة اسم الفاعل المشتق تقديره جعلناه مستويًا فيه العاكف والبادي، والمراد بالمسجد الذي يكون فيه النسك والصلاة لا سائر دور مكة.
وأوّله أبو حنيفة بمكة واستدلّ بقوله الذي جعلناه للناس سواء على عدم جواز بيع دورها وإجمارتها، وهو مع ضعفه معارضبحديث الباب.
وقوله تعالى: {الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} [الحشر: 8] فنسب الله الديار إليهم كما نسب الأموال إليهم، ولو كانت الديار ليست بملك لهم لما كانوا مظلومين في الإخراج من دور ليست ملك لهم.
قال ابن خزيمة: لو كان المراد بقوله تعالى: ( {سواء العاكف فيه والباد}) جميع الحرم وأن اسم المسجد الحرام واقع على جميع الحرم لما جاز حفر بئر ولا قبر ولا التغوّط ولا البول ولا إلقاء الجيف والنتن، ولا نعلم عالمًا منع من ذلك ولا كره لجنب وحائض ودخل الحرم ولا الجماع فيه، ولو كان كذلك لجاز الاعتكاف في دور مكة وحوانيتها ولا يقول بذلك أحد.
( {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}) [الحج: 25] الباء في بإلحاد صلة أي: ومن يرد فيه إلحادًا كما في قوله تعالى: {تنبت بالدهن} [المؤمنون: 20] قال في الكشاف: ومفعول يرد متروك ليتناول كل متناول كأنه قال: ومن يرد فيه مرادًا ما عادلاً عن القصد، وقوله: بإلحاد وبظلم حالان مترادفان، وخبر إن محذوف لدلالة جواب الشرط عليه تقديره إن الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم، وكل من ارتكب فيه ذنبًا فهو كذلك.
وقال المؤلّف يفسر ما وقع من غريب الألفاظ على عادته: ( البادي: الطاري) وفي الفرع بالهمز مصلح على كشط وهو تفسير منه بالمعنى.
قال في الفتح: وهو مقتضى ما جاء عن ابن عباس وغيره كما رواه عبد بن حميد وغيره وهو موافق لما قاله البيضاوي وغيره.
( معكوفًا: محبوسًا) وليست هذه الكلمة في هذه الآية بل في قوله: والهدي معكوفًا أن يبلغ محله في سورة الفتح، ويمكن أن يكون ذكرها لمناسبة قوله تعالى هنا: سواء العاكف فيه أي المقيم والباد في وجوب تعظيمه عليهم ولزوم احترامهم له وإقامة مناسكه قاله الحسن ومجاهد وغيرهما.
وذهب ابن عباس وابن جبير وقتادة وغيرهم إلى أن التسوية بين البادي والعاكف في منازل مكة، وهو مذهب أبي حنيفة وقال به محمد بن الحسن فليس المقيم بها أحق بالمنزل من القادم عليها، واحتج لذلك بحديث علقمة بن نضلة عند ابن ماجة قال: توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن.
زاد البيهقي: ومن استغنى أسكن، وزاد الطحاوي بعد قوله على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- ما تباع ولا تكرى، لكنه منقطع لأن علقمة ليس بصحابي، وقال عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن مجاهد أن عمر قال: يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابًا لينزل البادي: حيث شاء.
وأجيب: بأن المراد كراهة الكراء رفقًا بالوفود ولا يلزم من ذلك منع البيع والشراء.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب فَضْلِ الْحَرَمِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى [النمل: 91]
{ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَىْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: { أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَىْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [القصص: 57] .

( باب فضل الحرم) المكي وهو ما أحاط بمكة وأطاف بها من جوانبها جعل الله تعالى له حكمها في الحرمة تشريفًا لها، وسمي حرمًا لتحريم الله تعالى فيه كثيرًا مما ليس بمحرم في غيره من المواضع، وحده من طريق المدينة عند التنعيم على ثلاثة أميال من مكة، وقيل أربعة ومن طريق اليمن طرف أضاة لبن بفتح الهمزة والضاد المعجمة.
ولبن: بكسر اللام وسكون الموحدة على ستة أميال من مكة، وقيل سبعة ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال بتقديم المثناة الفوقية على السين ومن طريق الطائف على عرفات من بطن نمرة سبعة أميال، وقيل ثمانية.
ومن طريق جدة عشرة أميال.
وقال

الرافعي: هو من طريق المدينة على ثلاثة أميال، ومن العراق على سبعة، ومن الجعرانة على تسعة، ومن الطائف على سبعة، ومن جدة على عشرة وقد نظم ذلك بعضهم فقال:
وللحرم التحديد من أرض طيبة ... ثلاثة أميال إذا رمت اتقانه
وسبعة أميال عراق وطائف ... وجدة عشر ثم تسع جعرانه
وزاد أبو الفضل النويري هنا بيتين فقال:
ومن يمن سبع بتقديم سينها ... فسل ربك الوهاب يرزقك غفرانه
وقد زيد في حد لطائف أربع ... ولم يرض جمهور لذا القول رجحانه
وقال ابن سراقة في كتابه الإعداد: والحرم في الأرض موضع واحد وهو مكة وما حولها ومسافة ذلك ستة عشر ميلاً في مثلها وذلك بريد واحد وثلث على الترتيب، والسبب في بُعد بعض الحدود وقرب بعضها ما قيل إن الله تعالى لما أهبط على آدم بيتًا من ياقوتة أضاء له ما بين المشرق والمغرب فنفرت الجن والشياطين ليقربوا منها فاستعاذ منهم بالله وخاف على نفسه منهم، فبعث الله ملائكة فحفوا بمكة فوقفوا مكان الحرم، وذكر بعض أهل الكشف والمشاهدات أنهم يشاهدون تلك الأنوار واصلة إلى حدود الحرم فحدود الحرم موضع وقوف الملائكة، وقيل: إن الخليل لما وضع الحجر الأسود في الركن أضاء له نور وصل إلى أماكن الحدود فجاءت الشياطين فوقفت عند الأعلام فبناها الخليل عليه السلام حاجزًا.
رواه مجاهد عن ابن عباس، وعنه أن جبريل عليه السلام أرى إبراهيم عليه السلام موضع أنصاب الحرم فنصبها، ثم جددها إسماعيل عليه السلام، ثم جددها قصي بن كلاب، ثم جددها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما ولي عمر -رضي الله عنه- بعث أربعة من قريش فنصبوا أنصاب الحرم، ثم جددها معاوية -رضي الله عنه-، ثم عبد الملك بن مروان.

( وقوله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه المجرور بالإضافة ( { إنما أمرت} ) أي قل لهم يا محمد إنما أمرت ( { أن أعبد رب هذه البلدة} ) مكة ( { الذي حرمها} ) لا يسفك فيها دم حرام ولا يظلم فيها أحد ولا يهاج صيدها ولا يختلى خلاها، وتخصيص مكة بهذه الأوصاف تشريف لها وتعظيم لشأنها والذي بالذال في موضع نصب نعت لرب ( { وله كل شيء} ) البلدة وغيرها خلقًا وملكًا ( { وأمرت أن أكون من المسلمين} ) [النمل: 91] المنقادين الثابتين على الإسلام، ووجه تعلق هذه الآية بالترجمة من حيث أنه اختصها من بين جميع البلاد بإضافة اسمه إليها لأنها أحب بلاده إليه وأكرمها عليه وموطن نبيه ومهبط وحيه.

( وقوله جل ذكره) بالجر عطفًا على السابق ( { أو لم نمكن لهم حرمًا آمنًا} ) أو لم نجعل مكانهم حرمًا ذا أمن بحرمة البيت الذي فيه ( { يجبى إليه} ) يحمل إليه ويجمع فيه ( { ثمرات كل شيء رزقًا من لدنا} ) مصدر من معنى يجبى لأنه في معنى يرزق أو مفعول له أو حال بمعنى مرزوقًا من ثمرات، وجاز لتخصيصها بالإِضافة أي إذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأصنام فكيف يعترضهم التخوف

والتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد.
( { ولكن أكثرهم لا يعلمون} ) [القصص: 57] جهلة لا يتفكّرون هذه النعم التي خصوا بها.
وروى النسائي أن الحرث بن عامر بن نوفل قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا فأنزل الله تعالى ردًّا عليه { أولم نمكن لهم حرمًا آمنًا} الآية.


[ قــ :1522 ... غــ : 1587 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ، لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا".

وبالسند قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا جرير بن عبد الحميد) بفتح الجيم، وعبد الحميد بفتح الحاء المهملة وكسر الميم ابن قرط بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر ( عن طاوس) هو ابن كيسان اليماني ( عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة.

( أن هذا البلد حرمه الله) ، زاد المؤلّف في باب: غزوة الفتح يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة يعني: أن تحريمه أمر قديم وشريعة سالفة مستمرة ليس مما أحدثه أو اختص بشرعه، وهذا لا ينافي قوله في حديث جابر عند مسلم: أن إبراهيم حرمها لأن إسناد التحريم إليه من حيث أنه مبلغه، فإن الحاكم بالشرائع والأحكام كلها هو الله تعالى والأنبياء يبلغونها، فكما تضاف إلى الله تعالى من حيث أنه الحاكم بها تضاف إلى الرسل لأنها تسمع منهم وتبين على ألسنتهم، والحاصل أنه أظهر تحريمها بعد أن كان مهجورًا إلا أنه ابتدأه أو حرمها بإذن الله يعني أنه تعالى كتب في اللوح المحفوظ يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة بأمر الله تعالى.

( لا يعضد) بضم أوّله وفتح الضاد المعجمة أي يقطع ( شوكه ولا ينفر صيده) ، لا يزعج من مكانه فإن نفره عصى سواء تلف أم لا.
لكن إن تلف في نفاره قبل السكون ضمن دمه بالتنفير على الإتلاف ونحوه لأنه إذا حرم التنفير فالإتلاف أولى.
( ولا يلتقط لقطته) بفتح القاف في اليونينية وبسكونها في غيرها.
قال الأزهري: والمحدثون لا يعرفون غير الفتح، ونقل الطيبي عن صاحب شرح السنة أنه قال: اللقطة بفتح القاف والعامة تسكنها.
وقال الخليل: هو بالسكون وأما بالفتح فهو الكثير الالتقاط.
قال الأزهري: وهو القياس.
وقال ابن بري في حواشي الصحاح: وهذا هو الصواب لأن الفعلة للفاعل كالضحكة للكثير الضحك.
وفي القاموس: واللقط محركة أي بغير هاء وكحزمة وهمزة وثمامة التقط اهـ.

وهي هنا نصب مفعول مقدم والفاعل قوله: ( إلا من عرفها) أي أشهرها ثم يحفظها لمالكها ولا يتملكها أي عرفها ليعرف مالكها فيردّها إليه، وهذا بخلاف غير الحرم فإنه يجوز تملكها بشرطه،

وقال الحنفية والمالكية: حكمها واحد في سائر البلاد لعموم قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة من غير فصل.
لنا: أن قوله ولا يلتقط لقطته ورد مورد بيان الفضائل المختصة بمكة كتحريم صيدها وقطع شجرها، وإذا سوّى بين لقطة الحرم وبين لقطة غيره من البلاد بقي ذكر اللقطة في هذا الحديث خاليًا عن الفائدة.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج والجزية والجهاد، ومسلم وأبو داود في الحج والجهاد، والترمذي في السير، والنسائي في الحج.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ فَضْلِ الحَرَمِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل الْحرم، أَي: حرم مَكَّة، وَهُوَ مَا أحاطها من جوانبها، جعل الله حكمه فِي الْحُرْمَة تَشْرِيفًا لَهَا، وحدَّه من الْمَدِينَة على ثَلَاثَة أَمْيَال، وَمن الْيمن وَالْعراق على سَبْعَة، وَمن الْجدّة على عشرَة..
     وَقَالَ  الْأَزْرَقِيّ: حد الْحرم من طَرِيق الْمَدِينَة دون التَّنْعِيم عِنْد بيُوت تعار على ثَلَاثَة أَمْيَال من مَكَّة، وَمن طَرِيق الْيمن طرف أضاة على سَبْعَة أَمْيَال من مَكَّة، وَمن طَرِيق الطَّائِف إِلَى بطن بيرة على أحد عشر ميلًا، وَمن طَرِيق الْعرَاق، إِلَى ثنية رَحل عشرَة أَمْيَال، وَمن طَرِيق جعرانة فِي شعب آل عبد الله بن خَالِد بن أسيد على خَمْسَة أَمْيَال، وَمن طَرِيق جدة مُنْقَطع الأعناس، وَمن الطَّائِف سَبْعَة أَمْيَال عِنْد طرف عُرَنَة، وَمن بطن عُرَنَة أحد عشر ميلًا.
وَقيل: إِن الْخَلِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما وضع الْحجر الْأسود فِي الرُّكْن أَضَاء مِنْهُ نور وَصلى إِلَى أَمَاكِن الْحُدُود، فَجَاءَت الشَّيَاطِين فوقفت عِنْد الْأَعْلَام، فبناها الْخَلِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حاجزا.
رَوَاهُ مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، وَعنهُ أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أرى إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مَوضِع أنصاب الْحرم، فنصبها ثمَّ جددها إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثمَّ جددها قصي بن كلاب، ثمَّ جددها سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا ولي عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بعث أَرْبَعَة من قُرَيْش فنصبوا أنصاب الْحرم..
     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ فِي (المنتظم) : وَأما حُدُود الْحرم: فَأول من وَضعهَا إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَ جِبْرِيل يرِيه، ثمَّ لم يجدد حَتَّى كَانَ قصي فجددها، ثمَّ قلعتها قُرَيْش فِي زمَان نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فجَاء جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَالَ: إِنَّهُم سيعيدونها، فَرَأى رجال مِنْهُم فِي الْمَنَام قَائِلا يَقُول: حرم أكْرمكُم الله بِهِ نزعتم أنصابه؟ الْآن تختطفكم الْعَرَب، فأعادوها.
فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: قد أعادوها.
فَقَالَ: قد أَصَابُوا.
قَالَ: مَا وضعُوا مِنْهَا نصبا إلاَّ بيد ملك، ثمَّ بعث رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَام الْفَتْح تَمِيم بن أَسد فجددها، ثمَّ جددها عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ جددها مُعَاوِيَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ جددها عبد الْملك بن مَرْوَان.
فَإِن قلت: مَا السَّبَب فِي بعد بعض الْحُدُود وَقرب بَعْضهَا مِنْهُ؟ قلت: إِن الله عز وَجل، لما أهبط على آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بَيْتا من ياقوتة، أَضَاء لَهُ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب، فنفرت الْجِنّ وَالشَّيَاطِين، وَأَقْبلُوا ينظرُونَ، فَجَاءَت مَلَائِكَة فوقفوا مَكَان الْحرم إِلَى مَوضِع انْتِهَاء نوره، وَكَانَ آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يطوف بِهِ ويأنس بِهِ.

ونفسر الْأَلْفَاظ الَّتِي وَقعت هُنَا، فَنَقُول: تعار، بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة وَبعد الْألف رَاء: وَهُوَ جبل من جبال أبلى، على وزن: فعلى، بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة على طَرِيق الْآخِذ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة على بطن نخل، وتعار جبل لَا ينْبت شَيْئا،.

     وَقَالَ  كثير:
(أجيبك مَا دمت بِنَجْد وَشَيْخه ... وَمَا ثبتَتْ إبليٌّ بِهِ وتعار)

والتنعيم على لفظ الْمصدر من: نعْمَته تنعيما، وَهُوَ بَين مر وسرف، بَينه وَبَين مَكَّة فرسخان، وَمن التَّنْعِيم يحرم من أَرَادَ الْعمرَة.
وَسمي التَّنْعِيم لِأَن الْجَبَل عَن يَمِينه يُقَال لَهُ: نعيم، وَالَّذِي عَن يسَاره يُقَال لَهُ: ناعم، والوادي نعْمَان.
وَمر، بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء: مُضَاف إِلَى الظهْرَان، بالظاء الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة، بَينه وَبَين الْبَيْت سِتَّة عشر ميلًا، وسرف، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء، وَفِي آخِره فَاء،.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ: بِسُكُون الرَّاء، وَهُوَ مَاء على سِتَّة أَمْيَال من مَكَّة، وَهنا أعرس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بميمونة مرجعه من مَكَّة حَتَّى قضى نُسكه، وَهُنَاكَ مَاتَت مَيْمُونَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، لِأَنَّهَا اعتلت بِمَكَّة.
فَقَالَت: أَخْرجُونِي من مَكَّة، وَلِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخْبرنِي أَنِّي لَا أَمُوت بهَا، فحملوها حَتَّى أَتَوا بهَا سَرفًا إِلَى الشَّجَرَة الَّتِي بنى بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحتهَا مَوضِع الْقبَّة فَمَاتَتْ هُنَاكَ، سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ، وَهُنَاكَ عِنْد قبرها سِقَايَة، وروى الزُّهْرِيّ أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حمى السَّرف والربذة، هَكَذَا أورد فِي الحَدِيث: السَّرف، بِالْألف وَاللَّام، ذكره البُخَارِيّ.
والأضاة، بِفَتْح الْهمزَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة، قَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ الغدير،.

     وَقَالَ  السُّهيْلي: بَينهَا وَبَين مَكَّة عشرَة أَمْيَال..
     وَقَالَ  الْبكْرِيّ: أضاة بني غفار بِالْمَدِينَةِ.
قَوْله: (بيرة) .

وقَوْلِهِ تعالَى: { إنَّمَا أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ رَبَّ هذهِ البَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمهَا ولَهُ كُلُّ شَيْءٍ وأُمِرْتُ أنْ أكونَ مِنَ المُسْلِمينَ} (النَّمْل: 19) .


وَقَوله، بِالْجَرِّ عطفا على مَا قبله الْمَجْرُور بِالْإِضَافَة.
وَجه تعلق هَذِه الْآيَة بالترجمة من جِهَة أَنه اختصها من بَين جَمِيع الْبِلَاد بِإِضَافَة إسمه إِلَيْهَا لِأَنَّهَا أحب بِلَاده إِلَيْهِ وَأَكْرمهَا عَلَيْهِ وَأَعْظَمهَا عِنْده، حَيْثُ أَن حرمهَا لَا يسفك فِيهَا دم حرَام، وَلَا يظلم فِيهَا أحد وَلَا يهاج صيدها، وَلَا يخْتَلى خَلاهَا.
وَلما بيَّن الله تَعَالَى قبل هَذِه الْآيَة المبدأ والمعاد ومقدمات الْقِيَامَة وَأَحْوَالهَا، وَصفَة أهل الْقِيَامَة من الثَّوَاب وَالْعِقَاب، وَذَلِكَ كَمَال مَا يتَعَلَّق بأصول الدّين، ذكر هَذِه الْآيَة وَختم مَا قبله بِهَذِهِ الخاتمة، فَقَالَ: قل يَا مُحَمَّد: إِنَّمَا أمرت أَن أعبد رب هَذِه الْبَلدة، أَي: أَنِّي أخص رب هَذِه الْبَلدة بِالْعبَادَة، وَلَا اتخذ لَهُ شَرِيكا.
والبلدة: مَكَّة،.

     وَقَالَ  الزّجاج: قرىء: هَذِه الْبَلدة، الَّتِي، وَهِي قَليلَة، وَتَكون الَّتِي فِي مَوضِع خفض من نعت للبلدة، وَفِي قِرَاءَة: الَّذِي، يكون: الَّذِي، فِي مَوضِع نصب من نعت رب، وَأَشَارَ إِلَيْهَا إِشَارَة تَعْظِيمًا لَهَا وتقريبا دَالا على أَنَّهَا موطن نبيه ومهبط وحيه، وَوصف ذَاته بِالتَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ خَاص، وصفهَا فأجزل بذلك قسمهَا فِي الشّرف والعلو، ووصفها بِأَنَّهَا مُحرمَة لَا ينتهك حرمتهَا إلاَّ ظَالِم مضاد لرَبه، وَله كل شَيْء خلقا وملكا، وَجعل دُخُول كل شَيْء تَحت ربوبيته وملكوته، و: أمرت، الثَّانِي عطف على: أمرت، الأول يَعْنِي: أمرت أَن أكون من الحنفاء الثابتين على مِلَّة الْإِسْلَام.

وقولِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ { أوَ لَمْ تُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَما آمِنا يَجْبَى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقا مِنْ لَدُنَّا وَلاكِنَّ أكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} (الْقَصَص: 75) .


وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله الْمَاضِي.
وَتعلق هَذِه الْآيَة أَيْضا بالترجمة من حَيْثُ: إِن الله تَعَالَى وصف الْحرم بالأمن، ومنَّ على عباده بِأَن مكن لَهُم هَذَا الْحرم، وروى النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير: (أَن الْحَارِث بن عَامر بن نَوْفَل قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: { إِن نتبع الْهدى مَعَك نتخطف من أَرْضنَا} (الْقَصَص: 75) .
فَأنْزل الله، عز وَجل، ردا عَلَيْهِ: { أَو لم نمكن لَهُم حرما آمنا} (الْقَصَص: 75) .
الْآيَة، مَعْنَاهُ: جعلهم الله فِي بلد أَمِين وهم مِنْهُ فِي أَمَان فِي حَال كفرهم، فَكيف لَا يكون لَهُم أَمن بعد أَن أَسْلمُوا وتابعوا الْحق..
     وَقَالَ  النَّسَفِيّ فِي (تَفْسِيره) : وَنزلت هَذِه الْآيَة فِي الْحَارِث بن عُثْمَان بن نَوْفَل بن عبد منَاف، وَذَلِكَ أَنه أَتَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِنَّا لنعلم أَن الَّذِي تَقول حق، وَلَكِن يمنعنا من اتباعك أَن الْعَرَب تتخطفنا من أَرْضنَا لإجماعهم على خلافنا وَلَا طَاقَة لنا بهم، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، فَحكى أَولا عَن قَوْلهم بقوله: { وَقَالُوا: إِن نتبع الْهَدْي مَعَك نتخطف من أَرْضنَا} (الْقَصَص: 75) .
ثمَّ رد عَلَيْهِم بقوله: { أَو لم نمكن لَهُم.
.
}
(الْقَصَص: 75) .
الْآيَة، أَي: أَو لم نسكنهم حرما ونجعله مَكَانا لَهُم؟ وَمعنى: آمنا، ذُو أَمن يَأْمَن النَّاس فِيهِ، وَذَلِكَ أَن الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَت يُغير بَعضهم على بعض، وَأهل مَكَّة آمنون فِي الْحرم من السَّبي وَالْقَتْل والغارة، أَي: فَكيف يخَافُونَ إِذا أَسْلمُوا وهم فِي حرم آمن؟ قَوْله: (يَجِيء) قَرَأَ نَافِع بِالتَّاءِ من فَوق، وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، قَوْله: { إِلَيْهِ} أَي: إِلَى الْحرم، أَي: تجلب وَتحمل من النواحي { ثَمَرَات كل شَيْء رزقا من لدنا} (الْقَصَص: 75) .
أَي: من عندنَا، وَلَكِن أَكثر أهل مَكَّة لَا يعلمُونَ أَن الله تَعَالَى هُوَ الَّذِي فعل بهم فيشكرونه.



[ قــ :1522 ... غــ :1587 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا جرِيرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيدِ عنْ مَنْصُورٍ عنْ مُجَاهِدٍ عنْ طاوُوسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ إنَّ هاذا البَلَدَ حَرَّمَهُ الله لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ ولاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ ولاَ يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إلاَّ مَنْ عَرَّفَهَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِن هَذَا الْبَلَد حرمه الله) ، وَفِيه تَعْظِيم لَهُ، وتعظيمه يدل على فَضله واختصاصه من بَين سَائِر الْبِلَاد، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعلي بن عبد الله هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ الْبَصْرِيّ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِزْيَة عَن عَليّ بن عبد الله، وَأخرجه فِي الْحَج أَيْضا عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، وَفِي الْجِهَاد عَن آدم وَعَن عَليّ بن عبد الله وَعَمْرو بن عَليّ، كِلَاهُمَا عَن يحيى بن سعيد.
وَأخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد عَن يحيى بن يحيى، د وَفِيه وَفِي الْحَج عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِيهِمَا أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رَافع، وَفِي الْجِهَاد أَيْضا عَن أبي بكر وَأبي كريب وَعَن عبد بن حميد، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فيهمَا عَن عُثْمَان بِهِ مقطعا.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي السّير عَن أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج فِي الْبيعَة عَن إِسْحَاق ابْن مَنْصُور، وَفِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن قدامَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حرمه الله) أَي: جعله حَرَامًا، وَلَفظ البُخَارِيّ فِي: بابُُ غَزْوَة الْفَتْح: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ يَوْم الْفَتْح، فَقَالَ: إِن الله حرم مَكَّة يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض، فَهِيَ حرَام بحراح الله تَعَالَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
.
) الحَدِيث..
     وَقَالَ  الْبَزَّار: وَهَذَا الحَدِيث قد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس من غير وَجه.
فَإِن قلت: إِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حرم مَكَّة وَأَنا أحرم مَا بَين لابتيها) أَي: لابتي الْمَدِينَة، يُعَارض هَذَا الحَدِيث؟ قلت: لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، لِأَن معنى قَوْله: (إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة) ، أعلن بتحريمها وَعرف النَّاس بِأَنَّهَا حرَام بِتَحْرِيم الله، إِيَّاهَا، فَلَمَّا لم يعرف تَحْرِيمهَا إلاَّ فِي زَمَانه على لِسَانه أضيف إِلَيْهِ.
وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { الله يتوفى الْأَنْفس} (الزمر: 24) .
فَإِنَّهُ أضَاف إِلَيْهِ التوفي.
وَفِي آيَة أُخْرَى: { قل يتوفاكم ملك الْمَوْت} (السَّجْدَة: 11) .
أضَاف إِلَيْهِ التوفي،.

     وَقَالَ  فِي آيَة أُخْرَى: { الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة} (النَّحْل: 82) .
فأضاف إِلَيْهِم التوفي.
وَفِي الْحَقِيقَة المتوفي هُوَ الله عز وَجل، وأضاف إِلَى غَيره لِأَنَّهُ ظهر على أَيْديهم.
قَوْله: (لَا يعضد شَجَرهَا) أَي: لَا يقطع، من عضدتُ الشّجر أعضده عضد، أَمْثَال: ضرب، إِذا قطعته، وَفِي (الْمُحكم) : الشّجر معضود وعضيد..
     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: معنى: لَا يعضد لَا يفْسد وَيقطع، وَأَصله من عضد الرجل الرجل إِذا أصَاب عضده بِسوء.
قَوْله: (وَلَا ينفر صَيْده) أَي: لَا يزعج من مَكَانَهُ.
وَهُوَ تَنْبِيه من الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى، فَلَا يضْرب وَلَا يقتل بِالطَّرِيقِ الأولى.
قَوْله: (وَلَا يلتقط) على صِيغَة الْمَعْلُوم، ولقطته مَنْصُوب بِهِ.
قَوْله: (إلاَّ من عرفهَا) ، أَي: إلاَّ مَنْ عرف أَنَّهَا لقطَة فيلتقطها ليردها إِلَى صَاحبهَا وَلَا يتملكها.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن مَكَّة حرَام فَلَا يجوز لأحد أَن يدخلهَا إلاَّ بِالْإِحْرَامِ، وَهُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح وَاللَّيْث بن سعد وَالثَّوْري وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه: وَمَالك فِي رِوَايَة، وَهِي قَوْله الصَّحِيح، وَالشَّافِعِيّ فِي الْمَشْهُور عَنهُ، وَأحمد وَأبي ثَوْر،.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالشَّافِعِيّ فِي قَول، وَمَالك فِي رِوَايَة، وَدَاوُد بن عَليّ وَأَصْحَابه من الظَّاهِرِيَّة: لَا بَأْس بِدُخُول الْحرم بِغَيْر إِحْرَام، وَإِلَيْهِ ذهب البُخَارِيّ أَيْضا، قَالَه عِيَاض، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر: (أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دخل يَوْم فتح مَكَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء) ، وَبِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أنس: (أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دخل مَكَّة وعَلى رَأسه مغفر.
.
) الحَدِيث.
وَأجِيب: عَن هَذَا: بِأَن دُخُوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَكَّة كَانَ وَهِي حَلَال ساعتئذ، فَكَذَلِك دَخلهَا وَهُوَ غير محرم، وَأَنه كَانَ خَاصّا للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ عَادَتْ حَرَامًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَلَا يجوز دُخُولهَا لأحد بِغَيْر إِحْرَام.

وَفِيه: أَنه لَا يجوز قطع شَوْكَة وَلَا قطع شَجَرَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: أجمع الْعلمَاء على تَحْرِيم قطع شجر الْحرم،.

     وَقَالَ  الإِمَام: اخْتلف النَّاس فِي قطع شجر الْحرم: هَل فِيهِ جَزَاء أم لَا؟ فَعِنْدَ مَالك: لَا جَزَاء فِيهِ، وَعند أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: فِيهِ الْجَزَاء، وجزاؤه عِنْد الشَّافِعِي فِي الدوحة بقرة وَمَا دونهَا شَاة، وَعند أبي حنيفَة: يُؤْخَذ مِنْهُ قيمَة ذَلِك، يشترى بِهِ هدي، فَإِن لم تبلغ ثمنه ذَلِك تصدق بِهِ بِنصْف صَاع لكل مِسْكين،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: فِي الْخشب وَمَا أشبه قِيمَته بَالِغَة مَا بلغت، وَالْمحرم والحلال فِي ذَلِك سَوَاء، وَأجْمع كل من يحفظ عَنهُ الْعلم على إِبَاحَة أَخذ كل مَا ينبته النَّاس فِي الْحرم من الْبُقُول والزروع والرياحين وَغَيرهَا، وَاخْتلفُوا فِي أَخذ السِّوَاك من شجر الْحرم، فَعَن مُجَاهِد وَعَطَاء وَعَمْرو بن دِينَار أَنهم رخصوا فِي ذَاك، وَحكى أَبُو ثَوْر ذَلِك عَن الشَّافِعِي، وَكَانَ عَطاء يرخص فِي أَخذ ورق السنا يستمشي بِهِ وَلَا ينْزع من أَصله، ورخصوا فِيهِ عَمْرو بن دِينَار، وَفِيه أَنه لَا يجوز رفع لقطتهَا إلاَّ المنشد، قَالَ القَاضِي عِيَاض: حكم اللّقطَة فِي سَائِر الْبِلَاد وَاحِد، وَعند الشَّافِعِي: أَن لقطَة مَكَّة بِخِلَاف غَيرهَا من الْبِلَاد، وَأَنَّهَا لَا تحل إلاَّ لمن يعرفهَا، وَمذهب الْحَنَفِيَّة كمذهب مَالك لعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إعرف عفاصها ووكاءها ثمَّ عرفهَا سنة) ، من غير فصل.