هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
173 حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ فِي المَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ مَا لَمْ يُحْدِثْ فَقَالَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ : مَا الحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ : الصَّوْتُ يَعْنِي الضَّرْطَةَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
173 حدثنا آدم بن أبي إياس ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، حدثنا سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يزال العبد في صلاة ما كان في المسجد ينتظر الصلاة ما لم يحدث فقال رجل أعجمي : ما الحدث يا أبا هريرة ؟ قال : الصوت يعني الضرطة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ فِي المَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ مَا لَمْ يُحْدِثْ فَقَالَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ : مَا الحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ : الصَّوْتُ يَعْنِي الضَّرْطَةَ .

Narrated Abu Huraira:

Allah's Messenger (ﷺ) said, A person is considered in prayer as long as he is waiting for the prayer in the mosque as long as he does not do Hadath. A non-Arab man asked, O Abu Huraira! What is Hadath? I replied, It is the passing of wind (from the anus) (that is one of the types of Hadath).

0176 D’après Abu Hurayra, le Prophète dit : « Le fidèle ne cesse d’être en prière tant qu’il est dans la mosquée à attendre la prière, à moins qu’il ne lui arrive un hadath.«  Et un homme non arabe de demander : « O Abu Hurayra ! C’est quoi le hadath. » « C’est le son… » (c’est-à-dire le pet) répondit Abu Hurayra.  

":"ہم سے آدم بن ابی ایاس نے بیان کیا ، انھوں نے کہا ہم سے ابن ابی ذئب نے بیان کیا ، انھوں نے کہا ہم سے سعید المقبری نے بیان کیا ، وہ حضرت ابوہریرہ سے روایت کرتے ہیں ، وہ کہتے ہیں کہرسول کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ بندہ اس وقت تک نماز ہی میں رہتا ہے جب تک وہ مسجد میں نماز کا انتظار کرتا ہے ۔ تاوقیتکہ وہ حدث نہ کرے ۔ ایک عجمی آدمی نے پوچھا کہ اے ابوہریرہ ! حدث کیا چیز ہے ؟ انھوں نے فرمایا کہ ہوا جو پیچھے سے خارج ہو ۔ ( جسے عرف عام میں گوز مارنا کہتے ہیں ) ۔

0176 D’après Abu Hurayra, le Prophète dit : « Le fidèle ne cesse d’être en prière tant qu’il est dans la mosquée à attendre la prière, à moins qu’il ne lui arrive un hadath.«  Et un homme non arabe de demander : « O Abu Hurayra ! C’est quoi le hadath. » « C’est le son… » (c’est-à-dire le pet) répondit Abu Hurayra.  

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [176] قَوْله بن أَبِي ذِئْبٍ تَقَدَّمَ أَنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ إِلَّا آدَمَ وَقَدْ دَخَلَهَا .

     قَوْلُهُ  مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ مَا دَامَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ فِي ثَوَابِ الصَّلَاةِ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا وَإِلَّا لَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ وَنَحْوُهُ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ نكر قَوْله فِي الصَّلَاة لِيُشْعِرَ بِأَنَّ الْمُرَادَ نَوْعُ صَلَاتِهِ الَّتِي يَنْتَظِرُهَا وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  أَعْجَمِيٌّ أَيْ غَيْرُ فَصِيحٍ بِالْعَرَبِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ عَرَبِيَّ الْأَصْلِ أَمْ لَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْأَعْجَمِيُّ هُوَ الْحَضْرَمِيَّ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوُضُوءِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ الصَّوْتُ كَذَا فَسَّرَهُ هُنَا وَيُؤَيِّدُهُ الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ ضُرَاطٍ أَوْ فُسَاءٍ وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ دُونَ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمَا لِكَوْنِهِمَا لَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَرْءِ غَالِبًا فِي الْمَسْجِدِ غَيْرِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنِ الْحَدِيثِ الْخَاصِّ وَهُوَ الْمَعْهُودُ وُقُوعُهُ غَالِبًا فِي الصَّلَاةِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْوُضُوءِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [176] حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قال: عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ مَا لَمْ يُحْدِثْ».
فَقَالَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: الصَّوْتُ ( يَعْنِي الضَّرْطَةَ) .
[الحديث أطرافه في: 445، 477، 647، 648، 659، 2119، 3229، 4717] .
وبالسند قال: ( حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة ( قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحرث بن أبي ذئب واسمه هشام ( قال: حدّثنا سعيد المقبري) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر عن سعيد المقبري ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( قال) : ( قال النبي) وفي رواية أبي ذر رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا يزال العبد في) ثواب ( صلاة) لا حقيقتها وإلاّ لامتنع عليه الكلام ونحوه ( ما كان) وللكشميهني ما دام ( في المسجد ينتظر الصلاة ما لم يحدث) أي ما لم يأت بالحدث وما مصدرية ظرفية أي مدة دوام عدم الحدث وهو يعمّ ما خرج من السبيلين وغيره، ونكر الصلاة في قوله في صلاة ليشمل انتظار كل واحدة منها ( فقال رجل أعجمي) لا يفصح كلامه ولا يعينه وإن كان عربيًا: ( ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: الصوت يعني الضرطة) ونحوها وفي رواية أبي داود وغيره لا وضوء إلا من صوت أو ريح فكأنه قال: لا وضوء إلا من ضراط أو فساء، وإنما خصّهما بالذكر دون ما هو أشد منهما لكونهما لا يخرج من المرء غالبًا في المسجد غيرهما، فالظاهر أن السؤال وقع عن الحدث الخاص وهو المعهود وقوعه غالبًا في الصلاة.
وهذا الحديث من الرباعيات ورجاله كلهم مدنيون إلا آدم مع أنه دخل المدينة وفيه التحديث والعنعنة.
177 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا».
وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي ( قال: حدّثنا ابن عيينة) وفي رواية ابن عساكر سفيان بن عيينة ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( عن عباد بن تميم) بتشديد الموحدة بعد العين المفتوحة الأنصاري ( عن عمه) عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) : ( لا ينصرف) أي المصلي عن صلاته ( حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) وفي رواية: لا ينفتل وهي بمعنى لا ينصرف أورده هنا مختصرًا اقتصر منه على الجواب وسبق تامًّا في باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن من طريق علي بن المديني، حدّثنا سفيان قال: حدّثنا الزهري عن سعيد بن المسيب، وعن عباد بن تميم ولفظه عن عمه: أنه شكى إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: "لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا".
وهذا الحديث من الخماسيات ورواته أئمة أجلاء ما بين بصري وكوفي ومدني وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف في الطهارة أيضًا وفي البيوع، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي كلهم في الطهارة.
178 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «فِيهِ الْوُضُوءُ».
وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ.
وبه قال ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد ( قال: حدّثنا جرير) أي ابن عبد الحميد ( عن الأعمش) سليمان بن مهران ( عن منذر أبي يعلى الثوري) بالمثلثة ( عن محمد ابن الحنفية) أنه ( قال) : ( قال علي) أي ابن أبي طالب أبوه رضي الله عنه ( كنت رجلاً مذّاء) بالمعجمة والهمزة والنصب خبر كان وهو على وزن فعال بالتشديد أي كثيره ( فاستحييت أن أسأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن حكمه ( فأمرت المقداد بن الأسود) مجازًا إذ أبوه في الحقيقة ثعلبة البهراني نسب إلى الأسود لأنه تبناه أو حالفه أو لغير ذلك أن يسأله عليه الصلاة والسلام عن ذلك ( فسأله فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يجب ( فيه الوضوء) لا الغسل.
( ورواه) وفي رواية ابن عساكر رواه بإسقاط الواو ( شعبة) بن الحجاج ( عن الأعمش) سليمان بن مهران عن منذر الخ، والحديث سبق في آخر كتاب العلم، ويأتي إن شاء الله تعالى في باب غسل المذي من كتاب الغسل، وأورده هنا لدلالته على إيجاب الوضوء من المذي وهو خارج من أحد المخرجين.
179 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ قال: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنْ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رضي الله عنه- قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ فَلَمْ يُمْنِ؟ قَالَ عُثْمَانُ: يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ.
قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ -رضي الله عنهم- فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ.
[الحديث 179 - طرفه في: 292] .
وبه قال: ( حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين أبو محمد الطلحي بالمهملتين الكوفي ( قال: حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي أبو معاوية ( عن يحيى) بن أبي كثير البصري التابعي ( عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بفتح اللام عبد الله بنعبد الرحمن بن عوف التابعي.
( أن عطاء بن يسار) بفتح المثناة التحتية والسين المهملة المدني ( أخبره أن زيد بن خالد) المدني الصحابي ( أخبره أنه سأل عثمان بن عفان) رضي الله عنه ( قلت) بتاء التكلم على سبيل الالتفات من الغيبة للتكلم لقصد حكاية لفظه بعينه إلاّ فكان أسلوب الكلام أن يقول قال: ( أرأيت إذا جامع) الرجل امرأته أو أمته ( فلم) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت ولم ( يمن) بضم الياء وسكون الميم وقد يفتح الأوّل وقد يضم مع فتح الميم وشد النون يتوضأ.
( قال عثمان) رضي الله عنه ( يتوضأ كما يتوضأ للصلاة) أي الوضوء الشرعي لا الوضوء اللغوي، وإنما أمره بالوضوء احتياطًا لأن الغالب خروج المذي من المجامع وإن لم يشعر به ( ويغسل ذكره) لتنجسه بالمذي وهل يغسل جميعه أو بعضه المتنجس؟ قال الإمام الشافعي بالثاني ومالك بالأوّل.
ْفإن قلت: غسل الذكر متقدم على الوضوء فلم أخره؟ أجيب: بأن الواو لا تدل على الترتيب بل هو على مطلق الجمع فلا فرق بين أن يغسل الذكر قبل الوضوء أو بعده على وجه لا ينتقض الوضوء معه.
( قال عثمان) رضي الله عنه: ( سمعته) أي ما ذكر جميعه ( من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال زيد: ( فسألت عن ذلك عليًّا) أي ابن أبي طالب رضي الله عنه ( والزبير) بن العوام ( وطلحة) بن عبيد الله و ( أُبي بن كعب) رضي الله عنهم ( فأمروه) أي المجامع ( بذلك) أي بأن يتوضأ والضمير المرفوع للصحابة والمنصوب للمجامع كما هو مأخوذ من دلالة التضمن في قوله: إذا جامع.
وفي هذا الحديث وجوب الوضوء على من جامع ولم ينزل لا الغسل لكنه منسوخ كما سيأتي إن شاء الله قريبًا، وقد انعقد الإجماع على وجوب الغسل بعد أن كان في الصحابة من لا يوجب الغسل إلا بالإنزال كعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوّام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، ورافع بن خديج، وأبي سعيد الخدري، وأُبيّ بن كعب، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعطاء بن أبي رباح، وهشام بن عروة، والأعمش، وبعض أصحاب الظاهر.
فإن قلت: إذا كان الحديث منسوخًا فكيف يصح استدلال المصنف به؟ أجيب: بأن المنسوخ منه عدم وجوب الغسل لا عدم الوضوء، فحكمه باقٍ والحكمة في الأمر به قبل أن يجب الغسل إما لكون الجماع مظنة خروج الذي أو لملامسة الموطوءة فدلالته على الترجمة من هذه الجزئية وهي وجوب الوضوء من الخارج المعتاد لا على الجزء الأخير وهو عدم الوجوب في غير المنسوخ، ولا يلزم أن يدل كل حديث في الباب على كل الترجمة، بل تكفي دلالة البعض على البعض.
ورجال هذا الحديث أحد عشر رجلاً ما بين كوفي وبصري ومدني، وفيهم ثلاثة من التابعين وصحابيان يروي أحدهما عن الآخر، والتحديث والعنعنة والإخبار والسؤال والقول، وأخرجه المؤلف أيضًا في الطهارة وكذا مسلم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [176] حدّثنا آدَمُ بنُ أبي إيَاسٍ قالَ حدّثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ عَنْ سَعيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ قالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلاَةٍ مَا كانَ فِي الَمسْجِدِ ينْتَظِرُ الصَّلاَةَ مَا لمْ يُحْدِثْ فقالَ رَجُلٌ أعْجَمِيٌّ مَا الحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قالَ الصَّوْتُ يَعْنِي الضَّرْطَةَ.
اقول: إِن كَانَ البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث هَهُنَا للرَّدّ على أحد مِمَّن هُوَ معود بِالرَّدِّ عَلَيْهِ فَغير مُنَاسِب، لِأَن حكم هَذَا الحَدِيث مجمع عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ خلاف.
وَإِن كَانَ لأجل مطابقته لترجمة الْبَاب فَلَيْسَ كَذَلِك أَيْضا، لِأَنَّهُ دَاخل فِيمَن يرى الْوضُوء من المخرجين،.

     وَقَالَ  بعض الشُّرَّاح: وَالْبُخَارِيّ سَاقه لأجل تَفْسِير أبي هُرَيْرَة بالضرطة، وَهُوَ إِجْمَاع.
قلت: لم يتَأَمَّل هَذَا مَا قَالَه، لِأَن الْبَاب مَا عقد لَهُ، وَلَا لَهُ مُنَاسبَة هُنَا.
بَيَان رِجَاله وهم أَرْبَعَة كلهم قد ذكرُوا، وَابْن أبي ذِئْب: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب، واسْمه: هِشَام بن شُعْبَة، وَسَعِيد بن أبي سعيد المقبرى، بِضَم الْبَاء وَفتحهَا، وَقيل: بِكَسْرِهَا أَيْضا.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم مدنيون إلاَّ آدم فَإِنَّهُ أَيْضا دخل الْمَدِينَة.
بَيَان الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب قَوْله: ( لَا يزَال العَبْد فِي صَلَاة) اي: فِي ثَوَاب صَلَاة.
قَوْله: ( فِي صَلَاة) خبر: لَا يزَال.
قَوْله: ( مَا كَانَ فِي مَسْجِد) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( مَا دَامَ فِي مَسْجِد) .
قَوْله: ( ينْتَظر) : إِمَّا خبر للْفِعْل النَّاقِص، وَإِمَّا حَال.
و ( فِي الْمَسْجِد) خَبره، وَإِنَّمَا نكر الصَّلَاة وَعرف الْمَسْجِد لِأَنَّهُ قصد بالتنكير التنويع، ليعلم أَن المُرَاد نوع صلَاته الَّتِي ينتظرها، مثلا لَو كَانَ فِي انْتِظَار صَلَاة الظّهْر كَانَ فِي صَلَاة الظّهْر، وَفِي انْتِظَار الْعَصْر كَانَ فِي صَلَاة الْعَصْر، وهلم جراً.
وَأما تَعْرِيف الْمَسْجِد فَظَاهر، لِأَن المُرَاد بِهِ هُوَ الْمَسْجِد الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَهَذَا الْكَلَام فِيهِ الْإِضْمَار، تَقْدِيره: لَا يزَال العَبْد فِي ثَوَاب صَلَاة ينتظرها مَا دَامَ ينتظرها، والقرينة لفظ الِانْتِظَار، وَلَو كَانَ يجْرِي على ظَاهره لم يكن لَهُ أَن يتَكَلَّم، وَلَا أَن يَأْتِي بِمَا لَا يجوز فِي الصَّلَاة.
قَوْله: ( مَا لم يحدث) أَي: مَا لم يَأْتِ بِالْحَدَثِ.
وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة زمانية، وَالتَّقْدِير: مُدَّة دوَام.
عدم الْحَدث، كَمَا قَوْله تَعَالَى: { مَا دمت} ( مَرْيَم: 31) أَي: مُدَّة دوامي { حَيا} ( مَرْيَم: 31) فَحذف الظّرْف وخلفته: مَا، وصلتها.
قَوْله: ( أعجمي) نِسْبَة إِلَى الْأَعْجَم، كَذَا قيل، وَهُوَ الَّذِي لَا يفصح وَلَا يبين كَلَامه وَإِن كَانَ من الْعَرَب، والعجم خلاف الْعَرَب، وَالْوَاحد أعجمي..
     وَقَالَ  ابْن الاثير: كل من لَا يقدر على الْكَلَام فَهُوَ اعجم ومستعجم..
     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: لَا نقل: رجل أعجمي، فتنسبه إِلَى نَفسه إلاَّ أَن يكون أعجم؛ وأعجمي بِمَعْنى مثل: دوار ودواري.
قلت: فهم من كَلَامه أَن الْيَاء فِي: أعجمي، لَيست للنسبة، كَمَا قَالَ بَعضهم، وَإِنَّمَا هِيَ للْمُبَالَغَة.
قَوْله: ( فَقَالَ رجل) إِلَى آخِره: مدرج من سعيد.
بَيَان اسنتباط الاحكام الأول فِيهِ فضل انْتِظَار الصَّلَاة، لِأَن انْتِظَار الْعِبَادَة عبَادَة.
الثَّانِي: فِيهِ أَن من يتعاطى أَسبَابالصَّلَاة يُسمى مُصَليا.
الثَّالِث: فِيهِ أَن هَذِه الْفَضِيلَة الْمَذْكُورَة لمن لَا يحدث.
وَقَوله: ( مَا لم يحدث) أَعم من أَن يكون فسَاء اَوْ ضراطاً أَو غَيرهم من نواقض الْوضُوء من الْمجمع عَلَيْهِ والمختلف فِيهِ..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْحَدث لَيْسَ منحصراً فِي الضرطة.
قلت: المُرَاد الضرطة وَنَحْوهَا من الفساء وَسَائِر الخارجات من السَّبِيلَيْنِ، وَإِنَّمَا خصص بهَا لِأَن الْغَالِب أَن الْخَارِج مِنْهُمَا فِي الْمَسْجِد لَا يزِيد عَلَيْهَا.
قلت: السُّؤَال عَام وَالْجَوَاب خَاص، وَيَنْبَغِي أَن يُطَابق الْجَواب وَالسُّؤَال، وَلَكِن فهم أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن مَقْصُود هَذَا السَّائِل الْحَدث الْخَاص، وَهُوَ الَّذِي يَقع فِي الْمَسْجِد حَالَة الِانْتِظَار، وَالْعَادَة أَن ذَلِك لَا يكون إلاَّ الضرطة، فَوَقع الْجَواب طبق السُّؤَال، وإلاَّ فأسباب النَّقْض كَثِيرَة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوءَ إِلَّا مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ)
الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ وَالْمَعْنَى مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوءَ وَاجِبًا مِنَ الْخُرُوجِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ مَخَارِجِ الْبَدَنِ إِلَّا مِنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى خِلَافِ مَنْ رَأَى الْوُضُوءَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْبَدَنِ كَالْقَيْءِ وَالْحِجَامَةِ وَغَيْرِهِمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ الْمُعْتَبَرَةَ تَرْجِعُ إِلَى الْمَخْرَجَيْنِ فَالنَّوْمُ مَظِنَّةُ خُرُوجِ الرِّيحِ وَلَمْسُ الْمَرْأَةِ وَمَسُّ الذَّكَرِ مَظِنَّةُ خُرُوجِ الْمَذْيِ .

     قَوْلُهُ  لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط فَعَلَّقَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ أَوِ التَّيَمُّمَ عِنْدَ فَقَدِ الْمَاءِ عَلَى الْمَجِيءِ مِنَ الْغَائِطِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُطَمْئِنُ مِنَ الْأَرْضِ الَّذِي كَانُوا يَقْصِدُونَهُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَهَذَا دَلِيلُ الْوُضُوءِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ المخرجين وَقَوله أَو لامستم النِّسَاء دَلِيلُ الْوُضُوءِ مِنْ مُلَامَسَةِ النِّسَاءِ وَفِي مَعْنَاهُ مَسُّ الذَّكَرِ مَعَ صِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَدْ صَحَّحَهُ مَالِكٌ وَجَمِيعُ مَنْ أَخْرَجَ الصَّحِيحَ غَيْرَ الشَّيْخَيْنِ قَوْله.

     وَقَالَ  عَطاء هُوَ بن أبي رَبَاح وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ بِنَحْوِهِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَالْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالُوا لَا يَنْقُضُ النَّادِرُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ إِلَّا إِنْ حَصَلَ مَعَهُ تَلْوِيثٌ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  جَابِرٌ هَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مَرْفُوعًا لَكِنْ ضَعَّفَهَا وَالْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ قَالُوا يَنْقُضُ الضَّحِكُ إِذَا وَقَعَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ لَا خَارِجهَا قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَاخْتَلَفُوا إِذَا وَقَعَ فِيهَا فَخَالَفَ مَنْ قَالَ بِهِ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثٍ لَا يَصِحُّ وَحَاشَا أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ أَنْ يَضْحَكُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا بِعُمُومِ الْخَبَرِ الْمَرْوِيِّ فِي الضحك بل خصوه بالقهقهة قَوْله.

     وَقَالَ  الْحسن أَي بن أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالتَّعْلِيقُ عَنْهُ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَصله سعيد بن مَنْصُور وبن الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ مُجَاهِدٌ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادٌ قَالُوا مَنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ أَوْ جَزَّ شَارِبَهُ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَنَقَلَ بن الْمُنْذِرِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ اسْتَقَرَّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَأما التَّعْلِيق عَنهُ للمسأله الثَّانِيَة فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَطَاوُسٌ وَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَدَاوُدُ وَخَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ عَلَى قَوْلَيْنِ مُرَتَّبَيْنِ عَلَى إِيجَابِ الْمُوَالَاةِ وَعَدَمِهَا فَمَنْ أَوْجَبَهَا قَالَ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ إِذَا طَالَ الْفَصْلُ وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهَا قَالَ يَكْتَفِي بِغَسْلِ رِجْلَيْهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.

     وَقَالَ  فِي الْمُوَطَّأ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ الْوُضُوءَ مِنْ أَوَّلِهِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ وَإِنْ لَمْ تَجِبِ الْمُوَالَاةُ وَعَنِ اللَّيْثِ عَكْسُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  أَبُو هُرَيْرَةَ وَصَلَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْهُ مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَزَادَ أَوْ رِيحٍ .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ وَصله بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي قَالَ حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ مُطَوَّلًا وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ بن خُزَيْمَة وبن حبَان وَالْحَاكِم كلهم من طَرِيق بن إِسْحَاقَ وَشَيْخُهُ صَدَقَةُ ثِقَةٌ وَعَقِيلٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لَا أَعْرِفُ رَاوِيًا عَنْهُ غَيْرَ صَدَقَةَ وَلِهَذَا لَمْ يَجْزِمْ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَوْ لِكَوْنِهِ اخْتَصَرَهُ أَو للْخلاف فِي بن إِسْحَاقَ .

     قَوْلُهُ  فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  فَرُمِيَ بِضَمِّ الرَّاءِ .

     قَوْلُهُ  رَجُلٌ تَبَيَّنَ مِنْ سِيَاقِ الْمَذْكُورِينَ سَبَبُ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَمُحَصَّلُهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ بِشِعْبٍ فَقَالَ مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَبَاتَا بِفَمِ الشِّعْبِ فَاقْتَسَمَا اللَّيْلَ لِلْحِرَاسَةِ فَنَامَ الْمُهَاجِرِيُّ وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْعَدُوِّ فَرَأَى الْأَنْصَارِيَّ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَصَابَهُ فَنَزَعَهُ وَاسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ رَمَاهُ بِثَانٍ فَصَنَعَ كَذَلِكَ ثُمَّ رَمَاهُ بِثَالِثٍ فَانْتَزَعَهُ وَرَكَعَ وَسَجَدَ وَقَضَى صَلَاتَهُ ثُمَّ أَيْقَظَ رَفِيقَهُ فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِ مِنَ الدِّمَاءِ قَالَ لَهُ لِمَ لَا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى قَالَ كُنْتُ فِي سُورَةٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَقْطَعَهَا وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَسَمَّى الْأَنْصَارِيَّ الْمَذْكُورَ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ وَالْمُهَاجِرِيَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسر والسوره الْكَهْف قَوْله فنزفه قَالَ بن طريف فِي الْأَفْعَالِ يُقَالُ نَزَفَهُ الدَّمُ وَأَنْزَفَهُ إِذَا سَالَ مِنْهُ كَثِيرًا حَتَّى يُضْعِفَهُ فَهُوَ نَزِيفٌ وَمَنْزُوفٌ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الرَّدَّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الدَّمَ السَّائِلَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ مَضَى فِي صَلَاتِهِ مَعَ وُجُودِ الدَّمِ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ وَاجْتِنَابُ النَّجَاسَةِ فِيهَا وَاجِبٌ أَجَابَ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ جَرَى مِنَ الْجِرَاحِ عَلَى سَبِيلِ الدَّفْقِ بِحَيْثُ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا مِنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَفِيهِ بُعْدُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ أَصَابَ الثَّوْبَ فَقَطْ فَنَزَعَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَسِلْ عَلَى جِسْمِهِ إِلَّا قَدْرٌ يَسِيرٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ثُمَّ الْحُجَّةُ قَائِمَةٌ بِهِ عَلَى كَوْنِ خُرُوجِ الدَّمِ لَا يَنْقُضُ وَلَوْ لَمْ يَظْهَرِ الْجَوَابُ عَنْ كَوْنِ الدَّمِ أَصَابَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ كَانَ يَرَى أَنَّ خُرُوجَ الدَّمَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذَكَرَ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ أَثَرَ الْحَسَنِ وَهُوَ الْبَصْرِيُّ قَالَ مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى وَجُرْحُهُ يَنْبُعُ دَمًا قَوْله.

     وَقَالَ  طَاوس هُوَ بن كيسَان التَّابِعِيّ الْمَشْهُور وأثره هَذَا وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى فِي الدَّمِ وُضُوءًا يَغْسِلُ عَنْهُ الدَّمَ ثُمَّ حَسْبَهُ .

     قَوْلُهُ  وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَي بن الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ وَأَثَرُهُ هَذَا رُوِّينَاهُ مَوْصُولًا فِي فَوَائِدِ الْحَافِظِ أَبِي بِشْرٍ الْمَعْرُوفُ بِسَمُّويَهْ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ عَنِ الرُّعَافِ فَقَالَ لَوْ سَالَ نَهَرٌ مِنْ دَمٍ مَا أَعَدْتُ مِنْهُ الْوضُوء وَعَطَاء هُوَ بن أَبِي رَبَاحٍ وَأَثَرُهُ هَذَا وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَن بن جُرَيْجٍ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَأَهْلُ الْحِجَازِ هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورِينَ قَبْلُ حِجَازِيُّونَ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَخْرَجَهُ بن أبي شيبَة من طَرِيق بن عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ قَوْله وعصر بن عمر وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَزَادَ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ثُمَّ صَلَّى .

     قَوْلُهُ  بَثْرَةً بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا هِيَ خُرَّاجٌ صَغِيرٌ يُقَالُ بَثِرَ وَجْهُهُ مُثَلَّثُ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ قَوْله وبزق بن أبي أوفى هُوَ عبد الله الصَّحَابِيّ بن الصَّحَابِيِّ وَأَثَرُهُ هَذَا وَصَلَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُ رَآهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَسُفْيَانُ سَمِعَ مِنْ عَطَاءٍ قَبْلَ اخْتِلَاطه فالإسناد صَحِيح قَوْله.

     وَقَالَ  بن عمر وَصله الشَّافِعِي وبن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ كَانَ إِذَا احْتَجَمَ غَسَلَ مَحَاجِمَهُ .

     قَوْلُهُ  وَالْحَسَنُ أَيِ الْبَصْرِيُّ وَأَثَرُهُ هَذَا وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا وَلَفْظُهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَحْتَجِمُ مَاذَا عَلَيْهِ قَالَ يَغْسِلُ أَثَرَ مَحَاجِمِهِ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَغَيْرِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَحَاجِمِهِ بِإِسْقَاطِ أَدَاةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ الَّذِي ذكره الْإِسْمَاعِيلِيّ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ ثَبَتَتْ إِلَّا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي دُونَ رَفِيقَيْهِ انْتَهَى وَهِيَ فِي نُسْخَتِي ثَابِتَةٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الثَّلَاثَةِ وَتَخْرِيجُ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ يُؤَيِّدُ ثُبُوتَهَا وَقَدْ حَكَى عَنِ اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ يُجْزِئُ الْمُحْتَجِمَ أَنْ يَمْسَحَ مَوْضِعَ الْحجامَة وَيُصلي وَلَا يغسلهُ

[ قــ :173 ... غــ :176] قَوْله بن أَبِي ذِئْبٍ تَقَدَّمَ أَنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ إِلَّا آدَمَ وَقَدْ دَخَلَهَا .

     قَوْلُهُ  مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ مَا دَامَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ فِي ثَوَابِ الصَّلَاةِ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا وَإِلَّا لَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ وَنَحْوُهُ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ نكر قَوْله فِي الصَّلَاة لِيُشْعِرَ بِأَنَّ الْمُرَادَ نَوْعُ صَلَاتِهِ الَّتِي يَنْتَظِرُهَا وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  أَعْجَمِيٌّ أَيْ غَيْرُ فَصِيحٍ بِالْعَرَبِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ عَرَبِيَّ الْأَصْلِ أَمْ لَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْأَعْجَمِيُّ هُوَ الْحَضْرَمِيَّ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوُضُوءِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ الصَّوْتُ كَذَا فَسَّرَهُ هُنَا وَيُؤَيِّدُهُ الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ ضُرَاطٍ أَوْ فُسَاءٍ وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ دُونَ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمَا لِكَوْنِهِمَا لَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَرْءِ غَالِبًا فِي الْمَسْجِدِ غَيْرِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنِ الْحَدِيثِ الْخَاصِّ وَهُوَ الْمَعْهُودُ وُقُوعُهُ غَالِبًا فِي الصَّلَاةِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْوُضُوءِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوءَ إِلاَّ مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ مِنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ لقَوْلِهِ تَعَالَى: { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}
وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ الدُّودُ أَوْ مِنْ ذَكَرِهِ نَحْوُ الْقَمْلَةِ: يُعِيدُ الْوُضُوءَ.

وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِذَا ضَحِكَ فِي الصَّلاَةِ أَعَادَ الصَّلاَةَ وَلَمْ يُعِدِ الْوُضُوءَ..
     وَقَالَ  الْحَسَنُ: إِنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ فَلاَ وُضُوءَ عَلَيْهِ..
     وَقَالَ  أَبُو هُرَيْرَةَ: لاَ وُضُوءَ إِلاَّ مِنْ حَدَثٍ.
وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ..
     وَقَالَ  الْحَسَنُ: مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ..
     وَقَالَ  طَاوُسٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَطَاءٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ: لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ.
وَعَصَرَ ابْنُ عُمَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.


وَبَزَعقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى دَمًا فَمَضَى فِي صَلاَتِهِ..
     وَقَالَ  ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ فِيمَنْ يَحْتَجِمُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ غَسْلُ مَحَاجِمِهِ.

هذا ( باب من لم ير الوضوء) واجبًا من مخرج من مخارج البدن ( إلا من المخرجين القبل والدبر) بالجر فيهما عطف بيان أو بدل أي لا من مخرج آخر كالفصد والحجامة والقيء وغيرها، والقبل يتناول ذكر الرجل وفرج المرأة وزاد في رواية من قبل القبل والدبر ( لقوله تعالى) وفي رواية غير الهروي والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت، وقول الله تعالى: { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِط} [المائدة: 6] أي فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين القبل والدبر، وأصل الغائط المطمئن من الأرض تقضى فيه الحاجة سمي باسم الخارج للمجاورة، لكن ليس في هذه الآية ما يدل على الحصر الذي ذكره المؤلف غاية ما فيها أن الله تعالى أخبر أن الوضوء أو التيمم عند فقد الماء يجب بالخارج من السبيلين وبملامسة النساء المفسرة بجسّ اليد كما فسّرها به ابن عمر رضي الله عنهما، واستدل بذلك الإمام الشافعي رضي الله عنه على نقض الوضوء به، والمعنى في النقض به أنه مظنة الالتذاذ المثير للشهوة.
وقال الحنفية: الملامسة كناية عن الجماع فيكون دليلاً للغسل لا للوضوء، وأجيب: بأن اللفظ لا يختص بالجماع قال تعالى: { فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] وقال عليه الصلاة والسلام لماعز: "لعلك لمست".
( وقال عطاء) أي ابن أبي رباح مما وصله ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد صحيح ( فيمن يخرج من دبره الدود أو من ذكره نحو القملة) وغير ذلك من النادر.
قال: ( يعيد الوضوء) وهذا مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وسفيان الثوري والأوزاعي، وقال قتادة ومالك: لا وضوء فيه، وفي نسخة باليونينية يعيد الصلاة بدل الوضوء.
( وقال جابر بن عبد الله) رضي الله عنه مما وصله سعيد بن منصور والدارقطني: ( إذا ضحك) فظهر منه حرفان أو حرف مفهم ( في الصلاة أعاد الصلاة لا الوضوء) والذي في اليونينية ولم يعد الوضوء.
وقال أبو حنيفة: إذا قهقه في الصلاة ذات الركوع والسجود بصوت يسمعه جيرانه بطلت الصلاة وانتقض الوضوء وإن لم يسمعه جيرانه فلا لحديث "من ضحك في الصلاة قهقهة فليعد الوضوء والصلاة".
أخرجه ابن عديّ في كامله سواء كان بصوت يسمع أو تبسم، والخلاف إنما هو في نقض الوضوء لا في إبطال الصلاة.
( وقال الحسن) البصري مما أخرجه سعيد بن منصور، وابن المنذر بإسناد صحيح موصولاً ( إن أخذ من شعره) أي شعر رأسه أو شاربه ( أو) من ( أظفاره) ولابن عساكر وأظفاره فلا وضوء عليه خلافًا لمجاهد والحكم بن عتيبة وحماد ( أو خلع) وفي رواية ابن عساكر وخلع ( خفّيه) أو أحدهما بعد المسح عليهما ( فلا وضوء عليه) وهذا مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن هشيم عن يونس عن الحسن البصري، وإليه ذهب قتادة وعطاء وطاوس وإبراهيم النخعي وسلمان وداود، واختاره النووي في شرح المهذب كابن المنذر وفي قول يتوضأ لبطلان كل الطهارة ببطلان بعضها كالصلاة، والأظهر أنه يغسل قدميه فقط لبطلان طهرهما بالخلع أو الانتهاء.


( وقال أبو هريرة) رضي الله عنه مما وصله القاضي إسماعيل في الأحكام بإسناد صحيح من طريق مجاهد عنه: ( لا وضوء إلا من حَدَث) هو في اللغة الشيء الحادث ثم نقل إلى الأسباب الناقضة للطهارة وإلى المنع المترتب عليها مجازًا من باب قصر العام على الخاص والأول هو المراد هنا، ( ويذكر) بضم الياء ( عن جابر) رضي الله عنه مما وصله ابن إسحاق في المغازي، وأخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم كلهم من طريق ابن إسحاق ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في غزوة ذات الرقاع فرمي رجل) وهو عباد بن بشر ( بسهم فنزفه الدم) بفتح الزاي والفاء أي خرج منه دم كثير ( فركع وسجد ومضى في صلاته) فلم يقطعها لاشتغاله بحلاوتها عن مرارة ألم الجرح وفيه رد على الحنفية حيث قالوا: ينتقض الوضوء إذ سال الدم، لكن يشكل عليه الصلاة مع وجود الدم في بدنه أو ثوبه المستلزم لبطلان الصلاة للنجاسة، وأجيب باحتمال عدم إصابة الدم لهما أو إصابة الثوب فقط ونزعه عنه في الحال ولم يسل على جسده إلا مقدار ما يعفى عنه كذا قرره الحافظ ابن حجر والبرماوي والعيني وغيرهم وهو مبني على عدم العفو عن كثير دم نفسه فيكون كدم الأجنبي فلا يعفى إلا عن قليله فقط، وهو الذي صححه النووي في المجموع والتحقيق، وصحح في المنهاج والروضة أنه كدم البثرة وقضيته العفو عن قليله وكثيره، وقد صح أن عمر رضي الله عنه صلى وجرحه ينزف دمًا.

( وقال الحسن) البصري: ( ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم) بكسر الجيم.
قال العيني: منتصرًا لمذهبه: أي يصلون في جراحاتهم من غير سيلان الدم والدليل عليه ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن هشيم عن يونس عن الحسن أنه كان لا يرى الوضوء من الدم إلا ما كان سائلاً.
هذا الذي روي عن الحسن بإسناد صحيح وهو مذهل الحنفية وحجة لهم على الخصم انتهى، وليس كما قال لأن الأثر الذي رواه البخاري ليس هو الذي ذكره هو، فإن الأول هو روايته عن الصحابة وغيرهم، والثاني مذهب للحسن فافهم.

( وقال طاوس) اسمه ذكوان بن كيسان اليماني الحميري من أحد الأعلام فيما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبيد الله بن موسى بن حنظلة عنه، ( و) قال ( محمد بن علي) أي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني التابعي أبو جعفر المعروف بالباقر لأنه بقر العلم أي شقّه بحيث علم حقائقه مما وصله أبو بشر سمويه في فوائده من طريق الأعمش رضي الله عنهم أجمعين، ( و) قال ( عطاء) أي ابن أبي رباح مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه، ( و) قال ( أهل الحجاز) كسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والفقهاء السبعة ومالك والشافعي وغيرهم: وهو من باب عطف العام على الخاص لأن الثلاثة السابقة طاوس ومحمد بن علي وعطاء حجازيون ( ليس في الدم وضوء) سواء سأل أو يسل خلافًا لأبي حنيفة حيث أوجبه مع الإسالة مستدلاً بحديث الدارقطني إلا أن يكون دمًا سائلاً وأجيب:

( وعصر ابن عمر) رضي الله عنهما ( بثرة) بسكون المثلثة وقد تفتح خراجًا صغيرًا في وجهه ( فخرج منها الدم) فحكه بين أصبعيه وصلى ( ولم يتوضأ) وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي فخرج منها دم، وفي أخرى لهم الدم فلم، وفي أخرى لابن عساكر دم ولم، وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، ( وبزق) بالزاي ويجوز بالسين كالصاد ( ابن أبي أوفى) عبد الله الصحابي ابن الصحابي وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة سنة سبع وثمانين وقد كفّ بصره قبل، وقد رآه أبو حنيفة رضي الله عنه وعمره سبع سنين ( دمًا) وهو يصلي ( فمضى في صلاته) وهذا وصله سفيان الثوري في جامعه عن عطاء بن السائب بإسناد صحيح لأن سفيان سمع من عطاء قبل اختلاطه.

( وقال ابن عمر) رضي الله عنهما ( والحسن) البصري ( فيمن يحتجم) وفي رواية الأربعة فيمن احتجم ( ليس عليه إلاّ غسل محاجمه) لا الوضوء.
والمحاجم جمع محجمة بفتح الميم موضع الحجامة، وقد وصل أثر ابن عمر الشافعي وابن أبي شيبة بلفظ: كان إذا احتجم غسل محاجمه، وأما أثر الحسن فوصله ابن أبي شيبة أيضًا بلفظ: إنه سئل عن الرجل يحتجم ماذا عليه؟ قال: يغسل أثر محاجمه.
وفي رواية الكشميهني ليس عليه غسل محاجمه بإسقاط إلا وهو الذي ذكره الإسماعيلي.
وقال ابن بطال: ثبتت في رواية المستملي دون رفيقيه انتهى.
وكذا هي ثابتة في فرع اليونينية عنه وعن الهروي، وقال ابن حجر وهي في نسختي ثابتة من رواية أبي ذر عن الثلاثة.



[ قــ :173 ... غــ : 176 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قال: عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ مَا لَمْ يُحْدِثْ».
فَقَالَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: الصَّوْتُ ( يَعْنِي الضَّرْطَةَ) .
[الحديث 176 - أطرافه في: 445، 477، 647، 648، 659، 2119، 3229، 4717] .

وبالسند قال: ( حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة ( قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحرث بن أبي ذئب واسمه هشام ( قال: حدّثنا سعيد المقبري) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر عن سعيد المقبري ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( قال) :
( قال النبي) وفي رواية أبي ذر رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا يزال العبد في) ثواب ( صلاة) لا حقيقتها وإلاّ لامتنع عليه الكلام ونحوه ( ما كان) وللكشميهني ما دام ( في المسجد ينتظر الصلاة ما لم يحدث) أي ما لم يأت بالحدث وما مصدرية ظرفية أي مدة دوام عدم الحدث وهو يعمّ ما خرج من السبيلين وغيره، ونكر الصلاة في قوله في صلاة ليشمل انتظار كل واحدة منها ( فقال رجل أعجمي) لا يفصح كلامه ولا يعينه وإن كان عربيًا: ( ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: الصوت يعني الضرطة) ونحوها وفي رواية أبي داود وغيره لا وضوء إلا من صوت أو ريح فكأنه قال: لا وضوء إلا من ضراط أو فساء، وإنما خصّهما بالذكر دون ما هو أشد منهما لكونهما لا يخرج من المرء غالبًا في المسجد غيرهما، فالظاهر أن السؤال وقع عن الحدث الخاص وهو المعهود وقوعه غالبًا في الصلاة.


وهذا الحديث من الرباعيات ورجاله كلهم مدنيون إلا آدم مع أنه دخل المدينة وفيه التحديث والعنعنة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ مَنْ لَمْ يَرَ الوُضُوءَ إلاَّ مِنَ المَخْرجَيْنِ القُبُلِ والدُّبُرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان قَول من لم ير الْوضُوء إلاَّ من المخرجين، وَهُوَ تَثْنِيَة مخرج، بِفَتْح الْمِيم، وَبَين ذَلِك بطرِيق عطف الْبَيَان بقوله: (الْقبل والدبر) ، وَيجوز أَن يكون جرهما بطرِيق الْبَدَل، والقبل يتَنَاوَل الذّكر والفرج،،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: للْوُضُوء أَسبابُُ أخر مثل النّوم وَغَيره، فَكيف حصر عَلَيْهِمَا؟ قلت: الْحصْر إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى اعْتِقَاد الْخصم، إِذْ هُوَ رد لما اعتقده، وَالِاسْتِثْنَاء مفرغ، فَمَعْنَاه: من لم ير الْوضُوء من مخرج من مخارج الْبدن إلاَّ من هذَيْن المخرجين، وَهُوَ رد لمن راى أَن الْخَارِج من الْبدن بالفصد مثلا نَاقض الْوضُوء، فَكَأَنَّهُ قَالَ: من لم ير الْوضُوء إلاَّ من المخرجين لَا من مخرج آخر كالفصد، كَمَا هُوَ اعْتِقَاد الشَّافِعِي.
قلت: فِيهِ مناقشة من وُجُوه.
الأول: أَنه جعل مثل النّوم سَببا للْوُضُوء، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن النّوم وَنَحْوه سَبَب لانتقاض الْوضُوء لَا للْوُضُوء، وَالَّذِي يكون سَببا لنفي شَيْء كَيفَ يكون سَببا لإثباته؟ الثَّانِي: قَوْله: بِالنّظرِ إِلَى اعْتِقَاد الْخصم لَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ حصر بِالنّظرِ إِلَى اعْتِقَاد خصم الْخصم، والخصم لَا يَدعِي الْحصْر على المخرجين.
الثَّالِث: إِن قَوْله: فَمَعْنَاه من لم ير الْوضُوء من مخرج ... إِلَى آخِره، يردهُ حكم من طعن فِي سرته وَخرج الْبَوْل والعذرة، تنْتَقض الطَّهَارَة عِنْد الْخصم أَيْضا، فَعلمنَا من هَذَا أَن احكم الْخَارِج من الْقبل والدبر وَغَيرهمَا سَوَاء فِي الحكم فَلَا يتَفَاوَت.

ثمَّ الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ أَن الْبابُُ السَّابِق فِي نفي النَّجَاسَة عَن شعر الْإِنْسَان وَعَن سُؤْر الْكَلْب، وَفِي هَذَا الْبابُُ نفي انْتِقَاض الْوضُوء من الْخَارِج من غير المخرجين، وَأدنى الْمُنَاسبَة كَافِيَة.

لِقَوْلِ اللَّهِ تَعالَى أوْ جاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ

هَذَا لَا يصلح أَن يكون دَلِيلا لما ادَّعَاهُ من الْحصْر على الْخَارِج من المخرجين، لِأَن عِنْدهم ينْتَقض الْوضُوء من لمس النِّسَاء وَمَسّ الْفرج، فَإِذا الْحصْر بَاطِل..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْغَائِط المطمئن من الأَرْض، فَيتَنَاوَل الْقبل والدبر، إِذْ هُوَ كِنَايَة عَن الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ مُطلقًا.
قلت: تنَاوله الْقبل والدبر لَا يسْتَلْزم حصر الحكم على الْخَارِج مِنْهُمَا، فالآية لَا تدل على ذَلِك، لَان الله تَعَالَى أخبر أَن الْوضُوء، أَو التَّيَمُّم عِنْد فقد المَاء، يجب بالخارج من السَّبِيلَيْنِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على الْحصْر.
فَقَالَ بَعضهم: هَذَا دَلِيل الْوضُوء مِمَّا يخرج من المخرجين.
قلت: نَحن نسلم ذَلِك، وَلَكِن لَا نسلم دعواك أَيهَا الْقَائِل: إِن هَذَا حصر على الْخَارِج مِنْهُمَا..
     وَقَالَ  أَيْضا: { أَو لامستم النِّسَاء} (النِّسَاء: 43، الْمَائِدَة: 6) دَلِيل الْوضُوء من ملامسة النِّسَاء: قلت: الْمُلَامسَة كِنَايَة عَن الْجِمَاع،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: الْمس واللمس والغشيان والإتيان والقربان والمباشرة: الْجِمَاع، لكنه عز وَجل حَيّ كريم يعْفُو ويكني، فكنى باللمس عَن الْجِمَاع كَمَا كنى بالغائط عَن قَضَاء الْحَاجة، وَمذهب عَليّ بن أبي طَالب، وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَعبيدَة السَّلمَانِي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة، وَعبيدَة الضَّبِّيّ، بِضَم الْعين، وَعَطَاء وَطَاوُس وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالشعْبِيّ وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ: أَن اللَّمْس وَالْمُلَامَسَة كِنَايَة عَن الْجِمَاع، وَهُوَ الَّذِي صَحَّ عَن عمر بن الْخطاب أَيْضا على مَا نَقله أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ وَابْن الْجَزرِي، فَحِينَئِذٍ بَطل قَول هَذَا الْقَائِل: وَقَوله: { اَوْ لامستم النِّسَاء} (النِّسَاء: 43، الْمَائِدَة: 6) دَلِيل الْوضُوء، بل هُوَ دَلِيل الْغسْل.

     وَقَالَ  أَيْضا: وَفِي مَعْنَاهُ مس الذّكر.
قلت: هَذَا أبعد من الأول، فَإِن كَانَت الْمُلَامسَة بِمَعْنى الْجِمَاع، كَيفَ يكون مس الذّكر مثله؟ فَيلْزم من ذَلِك أَن يجب الْغسْل على من مس ذكره.
وَقَوله: مَعَ صِحَة الحَدِيث، اي: فِي مس الذّكر.
قلت: وَإِن كَانَ الحَدِيث فِيهِ صَحِيحا، قُلْنَا: أَحَادِيث وأخبار ترفع حكم هَذَا، كَمَا قَررنَا فِي مَوْضِعه فِي غير هَذَا الْكتاب.

وقالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ الدُّودُ أوْ مِنْ ذَكَرِهِ نَحْوُ القَمْلَةِ يُعِيدُ الوُضُوءَ
عَطاء هُوَ ابْن ابي رَبَاح، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله ابْن ابي شيبَة فِي (مُصَنفه) بِإِسْنَاد صَحِيح،.

     وَقَالَ : حَدثنَا حَفْص بن غياث عَن ابْن جريج عَن عَطاء، فَذكره..
     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: أَجمعُوا على أَنه ينْقض خُرُوج الْغَائِط من الدبر وَالْبَوْل من الْقبل وَالرِّيح من الدبر والمذي، قَالَ: وَدم الِاسْتِحَاضَة ينْقض فِي قَول عَامَّة الْعلمَاء الْأَرْبَعَة.
قَالَ: وَاخْتلفُوا فِي الدُّود يخرج من الدبر فَكَانَ عَطاء ابْن ابي رَبَاح وَالْحسن وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَأَبُو مجلز وَالْحكم وسُفْيَان وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن الْمُبَارك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر يرَوْنَ مِنْهُ الْوضُوء..
     وَقَالَ  قَتَادَة وَمَالك: لَا وضوء فِيهِ، روروي ذَلِك عَن النَّخعِيّ..
     وَقَالَ  مَالك: لَا وضوء فِي الدَّم يخرج من الدبر.
انْتهى.
ونقلت الشَّافِعِيَّة عَن مَالك أَن النَّادِر لَا ينْقض، والنادر كالمذي يَدُوم لَا بِشَهْوَة فَإِن كَانَ بهَا فَلَيْسَ بنادر، وَكَذَا نقل ابْن بطال عَنهُ، فَقَالَ: وَعند مَالك أَن مَا خرج من المخرجين مُعْتَادا نَاقض، وَمَا خرج نَادرا على وَجه الْمَرَض لَا يقْض الْوضُوء: كالاستحاضة وسلس الْبَوْل ابو والمذي وَالْحجر والدود وَالدَّم..
     وَقَالَ  ابْن حزم: الْمَذْي وَالْبَوْل وَالْغَائِط، من أَي مَوضِع خرجن من الدبر أَو الإحليل أَو المثانة أَو الْبَطن أَو غير ذَلِك من الْجَسَد أَو الْفَم، نَاقض للْوُضُوء لعُمُوم أمره، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِالْوضُوءِ مِنْهَا، وَلم يخص موضعا دون مَوضِع، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه.
وَالرِّيح الْخَارِجَة من ذكر الرجل وَقبل الْمَرْأَة لَا ينْقض الْوضُوء عندنَا، هَكَذَا ذكره الْكَرْخِي عَن أَصْحَابنَا إِلَّا أَن تكون الْمَرْأَة مفضاة، وَهِي الَّتِي صَار مَسْلَك بولها وَوَطئهَا وَاحِدًا، أَو الَّتِي صَار مَسْلَك الْغَائِط وَالْوَطْء مِنْهَا وَاحِدًا.
وَعَن الْكَرْخِي: إِن الرّيح لَا يخرج من الذّكر وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَاج.
وَقيل: إِن كَانَت الرّيح مُنْتِنَة يجب الْوضُوء وَإِلَّا فَلَا، وَفِي (الذَّخِيرَة) : والدودة الْخَارِجَة من قبل الْمَرْأَة على هَذِه الْأَقْوَال.
وَفِي (الْقَدُورِيّ) : توجب الْوضُوء، وَفِي الذّكر لَا تنقض وَإِن خرجت الدودة من الْفَم اَوْ الْأنف أَو الْأذن لَا تنقض.

وقالَ جابِر بنُ عَبْدِ اللَّهِ إذَا ضَحِكَ فِي الصَّلاَةِ أعادَ الصَّلاَةَ ولَمْ يُعِدِ الوُضُوءَ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) عَن أبي عبد الله الْحَافِظ: حَدثنَا أَبُو الْحسن بن ماتي حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله حَدثنَا وَكِيع عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان مَرْفُوعا: سُئِلَ جَابر فَذكره، وَرَوَاهُ أَبُو شيبَة.
قَاضِي وَاسِط عَن يزِيد بن أبي خَالِد عَن أبي سُفْيَان مَرْفُوعا، وَاخْتلف عَلَيْهِ فِي سنَنه وَالْمَوْقُوف هُوَ الصَّحِيح وَرَفعه ضَعِيف.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا عَن عبد الله ابْن مَسْعُود وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ مَا يدل على ذَلِك وَهُوَ قَول الْفُقَهَاء السَّبْعَة..
     وَقَالَ  الشّعبِيّ وَعَطَاء وَالزهْرِيّ: وَهُوَ إِجْمَاع فِيمَا ذكره ابْن بطال وَغَيره، وَإِنَّمَا الْخلاف: هَل ينْقض الْوضُوء؟ فَذهب مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَنه لَا ينْقض، وَذهب النَّخعِيّ وَالْحسن إِلَى أَنه ينْقض الْوضُوء وَالصَّلَاة، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ مستدلين بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابي الْمليح عَن أَبِيه: (بَينا نَحن نصلي خلف رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِذا أقبل رجل ضَرِير الْبَصَر، فَوَقع فِي حُفْرَة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من ضحك مِنْكُم فليعد الْوضُوء وَالصَّلَاة) .
وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث أنس وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأبي هُرَيْرَة، وضعفها كلهَا.
قلت: مَذْهَب أبي حنيفَة لَيْسَ كَمَا ذكره، وَإِنَّمَا مذْهبه مثل مَا رُوِيَ عَن جَابر أَن الضحك يبطل الصَّلَاة وَلَا يبطل الْوضُوء، والقهقهة تبطلهما جَمِيعًا، والتبسم لَا يبطلهما، والضحك مَا يكون مسموعا لَهُ دون جِيرَانه، والقهقهة مَا يكون مسموعاً لَهُ ولجيرانه، والتبسم مَا لَا صَوت فِيهِ وَلَا تَأْثِير لَهُ دون وَاحِد مِنْهُمَا.
فان قَالَ: كَيفَ استدلت الحنيفة بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَيْسَ فِيهِ إلاَّ الضحك دون القهقهة؟ قلت: المُرَاد من قَوْله: من ضحك مِنْكُم قهقهة، يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن عمر.
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من ضحك فِي الصَّلَاة قهقهة فليعد الْوضُوء وَالصَّلَاة) .
رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) من حَدِيث بَقِيَّة: حَدثنَا أبي عَمْرو بن قيس عَن عَطاء عَن ابْن عمر، وَالْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا.
فان قيل: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، فَإِن بَقِيَّة من عَادَته التَّدْلِيس.
قلت: المدلس إِذا صرح بِالتَّحْدِيثِ وَكَانَ صَدُوقًا زَالَت تُهْمَة التَّدْلِيس، وَبَقِيَّة صرح بِالتَّحْدِيثِ وَهُوَ صَدُوق.

وَلنَا فِي هَذَا الْبابُُ أحد عشر حَدِيثا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا أَرْبَعَة مُرْسلَة وَسَبْعَة مُسندَة.

فَأول الْمَرَاسِيل حَدِيث ابي الْعَالِيَة الريَاحي، رَوَاهُ عَنهُ عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة عَن ابي الْعَالِيَة، وَهُوَ عدل ثِقَة: (أَن أعمى تردى فِي بِئْر وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، فَضَحِك بعض من كَانَ يُصَلِّي مَعَه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَأمر النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، من كَانَ ضحك مِنْهُم أَن يُعِيد الْوضُوء وَيُعِيد الصَّلَاة) ، وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من جِهَة عبد الرَّزَّاق بِسَنَدِهِ، وَعبد الرَّزَّاق فَمن فَوْقه من رجال الصَّحِيح، وَأَبُو الْعَالِيَة اسْمه: رفيع ابْن مهْرَان الريَاحي الْبَصْرِيّ، أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَأسلم بعد موت النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِسنتَيْنِ، وَدخل على أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصلى خلف عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وروى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، وَوَثَّقَهُ يحيى وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم، وروى لَهُ الْجَمَاعَة،.

     وَقَالَ  ابْن رشد الْمَالِكِي: هُوَ مُرْسل صَحِيح، وَلم يقل الشَّافِعِي إلاَّ بإرساله، والمرسل عندنَا حجَّة وَكَذَا عِنْد مَالك، قَالَه أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ، وَكَذَا عَن أَحْمد، حكى ذَلِك ابْن الْجَوْزِيّ فِي التَّحْقِيق؛ وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا من طرق سَبْعَة مُتَّصِلَة، ذكرهَا جمَاعَة مِنْهُم ابْن الجوزى.
وَالثَّانِي من الْمَرَاسِيل: مُرْسل الْحسن الْبَصْرِيّ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ وَهُوَ أَيْضا مُرْسل صَحِيح.
وَالثَّالِث: مُرْسل النَّخعِيّ، رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن النَّخعِيّ قَالَ: جَاءَ رجل ضَرِير الْبَصَر وَالنَّبِيّ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يُصَلِّي ... الحَدِيث.
وَالرَّابِع: مُرْسل معبد الْجُهَنِيّ، رُوِيَ عَنهُ من طرق.

وَأول المسانيد حَدِيث عبد الله بن عمر، وَقد ذَكرْنَاهُ.
وَالثَّانِي: حَدِيث أنس بن مَالك، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طرق.
وَالثَّالِث: حَدِيث أبي هُرَيْرَة من رِوَايَة أبي أُميَّة عَن الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَنه قَالَ: إِذا قهقهه فِي الصَّلَاة أعَاد الْوضُوء وَأعَاد الصَّلَاة، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَالرَّابِع: حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن عَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَنه قَالَ: (من ضحك فِي الصَّلَاة قرقرة فليعد الْوضُوء) .
وَالْخَامِس: حَدِيث جَابر أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ.
وَالسَّادِس: حَدِيث ابي الْمليح بن أُسَامَة، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا.
وَالسَّابِع: حَدِيث رجل من الْأَنْصَار: (أَن رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَانَ يُصَلِّي، فَمر رجل فِي بَصَره سوء فتردى فِي بِئْر وَضحك طوائف من الْقَوْم، فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ ضحك أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة) ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ،.

     وَقَالَ  بَعضهم حاكياً عَن ابْن الْمُنْذر: أَجمعُوا على أَنه لَا ينْقض خَارج الصَّلَاة، وَاخْتلفُوا إِذا وَقع فِيهَا فَخَالف من قَالَ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيّ، وتمسكوا بِحَدِيث لَا يَصح، وحاشا أَصْحَاب رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، الَّذين هم خير الْقُرُون، أَن يضحكوا بَين يَدي الله سُبْحَانَهُ خلف رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قلت: هَذَا الْقَائِل أعجبه هَذَا الْكَلَام المشوب بالطعن على الْأَئِمَّة الْكِبَار، وفساده ظَاهر من وجوده: الأول: كَيفَ يجوز التَّمَسُّك بِالْقِيَاسِ مَعَ وجود الْأَخْبَار الْمُشْتَملَة على مَرَاسِيل مَعَ كَونهَا حجَّة عِنْدهم.
وَالثَّانِي قَوْله: تمسكوا بِحَدِيث لَا يَصح، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، بل تمسكوا بالأحاديث الَّتِي ذَكرنَاهَا وَإِن كَانَ بَعضهم قد ضعف مِنْهَا، فبكثرتها وَاخْتِلَاف طرقها ومتونها ورواتها تتعاضد وتتقوى على مَا لَا يخفى، وَمَعَ هَذَا فَإِن الروَاة الَّذين فِيهَا من الضُّعَفَاء على زعم الْخصم لَا يُسلمهُ من يعْمل بأحاديثهم، وَلم يسلم أحد من التَّكَلُّم فِيهِ.
وَالثَّالِث: قَوْله: حاشا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى آخِره، لَيْسَ بِحجَّة فِي ترك الْعَمَل فِي الْأَخْبَار الْمَذْكُورَة، وَكَانَ يُصَلِّي خلف النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّحَابَة وَغَيرهم من الْمُنَافِقين والأعراب الْجُهَّال، وَهَذَا من بابُُ حسن الظَّن بهم، وإلاَّ فَلَيْسَ الضحك كَبِيرَة، وهم لَيْسُوا من الصَّغَائِر بمعصومين وَلَا عَن الْكَبَائِر، على تَقْدِير كَونه كَبِيرَة، وَمَعَ هَذَا وَقع من الْأَحْدَاث فِي حَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا هُوَ أَشد من هَذَا..
     وَقَالَ  الْقَائِل الْمَذْكُور، بعد نَقله كَلَام ابْن الْمُنْذر الَّذِي ذَكرْنَاهُ: على أَنهم لم يَأْخُذُوا بِمَفْهُوم الْخَبَر الْمَرْوِيّ فِي الضحك، بل خصوه بالقهقهة.
قلت: هَذَا كَلَام من لَا ذوق لَهُ من دقائق التراكيب، وَكَيف لم يَأْخُذُوا بِمَفْهُوم الْخَبَر الْمَرْوِيّ فِي الضحك، وَلَو لم يَأْخُذُوا مَا قَالُوا: الضحك يفْسد الصَّلَاة وَلَا خصوه بالقهقهة؟ فَإِن لَفظه القهقهة ذكر صَرِيحًا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث ابْن عمر صَرِيحًا.
وَجَاء أَيْضا لفظ: القرقرة، فِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن.
وَقد ذكرناهما قَرِيبا، وَقد ذكرنَا أَن الْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا.

وقالَ الحَسَنُ: إنْ أخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وأظْفَارِهِ أوْ خَلعَ خُفَّيْهِ فَلاَ وُضُوءَ عَليْهِ
أَي قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ، رَضِي الله عَنهُ، وَهَذِه مَسْأَلَتَانِ ذكرهمَا بِالتَّعْلِيقِ.
التَّعْلِيق الأول: وَهُوَ قَوْله: (ان اخذ من شعره أَو اظفاره) أخرجه سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر بِإِسْنَاد صَحِيح مَوْصُولا، وَبِه قَالَ أهل الْحجاز وَالْعراق.
وَعَن ابي الْعَالِيَة وَالْحكم وَحَمَّاد وَمُجاهد إِيجَاب الْوضُوء فِي ذَلِك،.

     وَقَالَ  عَطاء وَالشَّافِعِيّ وَالنَّخَعِيّ: يمسهُ المَاء..
     وَقَالَ  اصحابنا الْحَنَفِيَّة: وَلَو حلق رأسة بعد الْوضُوء، أَو جزَّ شَاربه أَو قلَّم ظفره أَو قشط خفه بعد مَسحه فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ..
     وَقَالَ  ابْن جرير: وَعَلِيهِ الْإِعَادَة..
     وَقَالَ  إِبْرَاهِيم: عَلَيْهِ إمرار المَاء على ذَلِك الْموضع.
وَالتَّعْلِيق الثَّانِي: وَصله ابْن ابي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَن هِشَام عَن يُونُس عَنهُ قَوْله: (اَوْ خلع خفيه) قيد بِالْخلْعِ لِأَنَّهُ إِذا أَخذ من خفيه بِمَعْنى قشط من مَوضِع الْمسْح فَلَا وضوء عَلَيْهِ، وَأما لَو خلع خفيه بعد الْمسْح عَلَيْهِمَا فَفِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال: فَقَالَ مَكْحُول وَالنَّخَعِيّ وَابْن أبي ليلى وَالزهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق: يسْتَأْنف الْوضُوء، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الْقَدِيم.
وَالْقَوْل الثَّانِي: يغسل رجلَيْهِ مَكَانَهُ فَإِن لم يفعل اسْتَأْنف الْوضُوء، وَبِه قَالَ مَالك وَاللَّيْث.
وَالثَّالِث: يغسلهما إِذا أَرَادَ الْوضُوء، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ فِي (الْجَدِيد) والمزني وَأَبُو ثَوْر.
وَالرَّابِع: لَا شَيْء عَلَيْهِ وَيغسل كَمَا هُوَ، وَبِه قَالَ الْحسن وَقَتَادَة، وَرُوِيَ مثله عَن النَّخعِيّ.

وقالَ أبُو هُرَيْرَةَ لاَ وُضُوءَ منْ حَدَثٍ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله إِسْمَاعِيل القَاضِي فِي (الْأَحْكَام) بِإِسْنَاد صَحِيح من حَدِيث مُجَاهِد عَنهُ مَوْقُوفا، وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي كتاب (الطّهُور) بِلَفْظ (لَا وضوء إلاَّ من حدث أَو صَوت أَو ريح) ..
     وَقَالَ  بَعضهم: وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق شُعْبَة عَن سهل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَنهُ مَرْفُوعا.
قلت: الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد غير مَا رُوِيَ عَن ابي هُرَيْرَة، وَخِلَافَة على مَا تقف عَلَيْهِ الْآن..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: معنى (لَا وضوء إلاَّ من حدث) : لَا وضوء إلاَّ من الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ.
قلت: الْحَدث أَعم من هَذَا، وكل وَاحِد من الْإِغْمَاء وَالنَّوْم وَالْجُنُون حدث، وَجَمِيع الْأَئِمَّة يَقُولُونَ: لَا وضوء إلاَّ من حدث؛ فَإِن اعْتمد الْكرْمَانِي فِي هَذَا التَّفْسِير على حَدِيث أبي دَاوُد الْمَرْفُوع، فَلَا يساعده ذَلِك، لِأَن لفظ حَدِيث أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا كَانَ أحدكُم فِي الصَّلَاة فَوجدَ حَرَكَة فِي دبره أحدث أَو لم يحدث فأشكل عَلَيْهِ، فَلَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا) .
فالحدث هُنَا خَاص وَهُوَ: سَماع الصَّوْت أَو وجدان الرّيح.
وَأثر أبي هُرَيْرَة عَام فِي سَائِر الْأَحْدَاث، لِأَن قَوْله: من حدث، لفظ عَام لَا يخْتَص بِحَدَث دون حدث.

ويُذْكَرُ عَنْ جابِرٍ أنّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقاعِ فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَرَكَعَ وسَجَدَ ومَضَى فِي صَلاَتِهِ
الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع.

الأول: أَن هَذَا الحَدِيث وَصله ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي، قَالَ: حَدثنِي صَدَقَة بن يسَار عَن عقيل ابْن جَابر عَن ابيه قَالَ: (خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
يَعْنِي فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع فَأصَاب رجلٌ أمْرَأَة رجلٍ من الْمُشْركين، فَحلف أَن لَا أَنْتَهِي حَتَّى أهريق دَمًا فِي أَصْحَاب مُحَمَّد، فَخرج يتبع أثر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَنزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منزلا فَقَالَ: من رجل يكلؤنا؟ فَانْتدبَ رجل من الْمُهَاجِرين وَرجل من الْأَنْصَار، قَالَ: كونا بِفَم الشّعب.
قَالَ: فَلَمَّا خرج الرّجلَانِ إِلَى فَم الشّعب اضْطجع الْمُهَاجِرِي وَقَامَ الْأنْصَارِيّ يُصَلِّي، وأتى الرجل، فَلَمَّا رأى شخصه عرف أَنه ربيئة للْقَوْم، فَرَمَاهُ بِسَهْم فَوَضعه فِيهِ، ونزعه حَتَّى مضى ثَلَاثَة أسْهم، ثمَّ ركع وَسجد، ثمَّ انتبه صَاحبه، فَلَمَّا عرف أَنه قد نذروا بِهِ هرب، وَلما رأى الْمُهَاجِرِي مَا بِالْأَنْصَارِيِّ من الدِّمَاء قَالَ: سُبْحَانَ الله أَلا أنبهتني أول مَا رمى؟ قَالَ: كنت فِي سُورَة أقرؤها فَلم أحب أَن اقطعها.

الثَّانِي: أَن هَذَا الحَدِيث صَحِيح.
أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) وَأحمد فِي (مُسْنده) وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) كلهم من طَرِيق إِسْحَاق.
فَإِن قلت: إِذا كَانَ كَذَلِك فَلِمَ لم يجْزم بِهِ البُخَارِيّ؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: ذكره بِصِيغَة التمريض لِأَنَّهُ غير مجزوم بِهِ، بِخِلَاف قَوْله: قَالَ جَابر فِي الحَدِيث الَّذِي مضى هُنَا، لِأَن: قَالَ، وَنَحْوه تَعْلِيق بِصِيغَة التَّصْحِيح مَجْزُومًا بِهِ.
قلت: فِيهِ نظر، لِأَن الحَدِيث الَّذِي قَالَ فِيهِ: قَالَ جَابر، لَا يُقَاوم الحَدِيث على مَا وقفت عَلَيْهِ، وَكَانَ على قَوْله يَنْبَغِي ان يكون الْأَمر بِالْعَكْسِ..
     وَقَالَ  بَعضهم: لم يجْزم بِهِ لكَونه مُخْتَصرا.
قلت: هَذَا أبعد من تَعْلِيل الْكرْمَانِي، فَإِن كَون الحَدِيث مُخْتَصرا لَا يسْتَلْزم أَن يذكر بِصِيغَة التمريض،، وَالصَّوَاب فِيهِ أَن يُقَال: لأجل الِاخْتِلَاف فِي ابْن إِسْحَاق.

الثَّالِث فِي رِجَاله، وهم: صَدَقَة بن يسَار الْجَزرِي، سكن مَكَّة، قَالَ ابْن معِين: ثِقَة..
     وَقَالَ  ابو حَاتِم: صَالح، روى لَهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا.
وَعقيل، بِفَتْح الْعين: ابْن جَابر الْأنْصَارِيّ الصَّحَابِيّ، وَلم يعرف لَهُ راوٍ غير صَدَقَة وَجَابِر بن عبد الله بن عمر والأنصاري.

الرَّابِع: فِي لغاته وَمَعْنَاهُ قَوْله: (فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع) سميت بإسم شَجَرَة هُنَاكَ، وَقيل: باسم جبل هُنَاكَ فِيهِ بَيَاض وَسَوَاد وَحُمرَة، يُقَال لَهُ: الرّقاع، فسميت بِهِ.
وَقيل: سميت بِهِ لرقاع كَانَت فِي أَلْوِيَتهم.
وَقيل: سميت بذلك لِأَن أَقْدَامهم نقبت فلفوا عَلَيْهَا الْخرق، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، لِأَن أَبَا مُوسَى حَاضر ذَلِك مُشَاهدَة وَقد أخبر بِهِ، وَكَانَت غَزْوَة ذَات الرّقاع فِي سنة أَربع من الْهِجْرَة.
وَذكر البُخَارِيّ أَنَّهَا كَانَت بعد خَيْبَر، لِأَن أَبَا مُوسَى جَاءَ بعد خَيْبَر.
قَوْله: (حَتَّى أهريق) أَي: أريق، وَالْهَاء فِيهِ زَائِدَة.
قَوْله: (أثر النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) ، بِفَتْح الْهمزَة والثاء الْمُثَلَّثَة، وَيجوز بِكَسْرِهَا وَسُكُون الثَّاء.
قَوْله: (من رجل) ، كلمة: من، استفهامية أَي: أَي رجل يكلؤنا؟ اي: يحرسنا؟ من كلأ يكلأ كلاءة، من بابُُ: فتح يفتح.
كلأته أكلؤه فَأَنا كالىء، وَهُوَ مكلوء.
وَقد تخفف همزَة الكلاءة وتقلب يَاء فَيُقَال: كلاية.
قَوْله: (فَانْتدبَ) ، يُقَال نَدبه لِلْأَمْرِ فَانْتدبَ لَهُ اي: دَعَا لَهُ فَأجَاب، وَالرجلَانِ هما: عمار بن يَاسر وَعباد بن بشر.
وَيُقَال الْأنْصَارِيّ، وَهُوَ عمَارَة بن حزم، وَالْمَشْهُور الأول.
قَوْله: (الشّعب) ، بِكَسْر الشين: الطَّرِيق فِي الْجَبَل، وَجمعه شعاب.
قَوْله: (وَقَامَ الْأنْصَارِيّ) ، وَهُوَ عباد بن بشر.
قَوْله: (ربيئة) ، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: هُوَ الْعين والطليعة الَّذِي ينظر للْقَوْم لِئَلَّا يدهمهم عَدو، وَلَا يكون إلاَّ على جبل أَو شرف ينظر مِنْهُ، من: ربأ يربأ من بابُُ: فتح يفتح.
قَوْله: (فَرَمَاهُ) ، الضَّمِير الْمَرْفُوع يرجع إِلَى الْمُشرك، والمنصوب إِلَى الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: (حَتَّى مضى ثَلَاثَة أسْهم) اي: حَتَّى كمل ثَلَاثَة أسْهم.
قَوْله: (قد نذروا بِهِ) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الذَّال الْمُعْجَمَة: أَي علمُوا وأحسوا بمكانه.
قَوْله: (أَلا انبهتني) كلمة: ألاَّ، بِفَتْح الْهمزَة وَالتَّخْفِيف بِمَعْنى الْإِنْكَار، فَكَأَنَّهُ أنكر عَلَيْهِ عدم إنباهه، وَيجوز بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد، وَيكون بِمَعْنى: هلا، بِمَعْنى اللوم والعتب على ترك الإنباه.
قَوْله: (كنت فِي سُورَة أقرؤها) ، وَكَانَت سُورَة الْكَهْف، حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ.
قَوْله: (فنزفه الدَّم) ، فِي رِوَايَة البُخَارِيّ بِفَتْح الزَّاي، وبالفاء.
قَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال نزفه الدَّم إِذا خرج مِنْهُ دم كثير حَتَّى يضعف، فَهُوَ نزيف ومنزوف،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: هَكَذَا روينَاهُ، وَالِدي عِنْد أهل اللُّغَة: نزف دَمه، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَيْن: سَالَ دَمه..
     وَقَالَ  ابْن جني: أنزفت الْبِئْر وأنزفت هِيَ، جَاءَ مُخَالفا للْعَادَة.
وَفِي (الْمُحكم) : أنزفت الْبِئْر: نزحت..
     وَقَالَ  ابْن طَرِيق: تَمِيم تَقول: أنزفت، وَقيس تَقول: نزفت، ونزفه الْحجام ينزفه وينزفه: أخرج دَمه كُله، ونزفه الدَّم، وَإِن شِئْت قلت: أنزفه، وَحكى الْفراء: أنزفت الْبِئْر: ذهب مَاؤُهَا.

الْخَامِس فِي استنباط الاحكام مِنْهُ احْتج الشَّافِعِي وَمن مَعَه بِهَذَا الحَدِيث: أَن خُرُوج الدَّم وسيلانه من غير السَّبِيلَيْنِ لَا ينْقض الْوضُوء، فَإِنَّهُ لَو كَانَ ناقضاً للطَّهَارَة لكَانَتْ صَلَاة الْأنْصَارِيّ بِهِ تفْسد أول مَا أَصَابَهُ الرَّمية، وَلم يكن يجوز لَهُ بعد ذَلِك أَن يرْكَع وَيسْجد وَهُوَ مُحدث، وَاحْتج أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة بِأَحَادِيث كَثِيرَة أقواها وأصحها مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه) عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: (جَاءَت فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش إِلَى النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي امْرَأَة أسْتَحَاض فَلَا أطهر، أفأدع الصَّلَاة؟ قَالَ: لَا إِنَّمَا ذَلِك عرق وَلَيْسَت بالحيضة، فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة، وَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الدَّم.
قَالَ هِشَام: قَالَ أبي: ثمَّ توضيء لكل صَلَاة حَتَّى يَجِيء ذَلِك الْوَقْت) .
لَا يُقَال: قَوْله: (ثمَّ توضيء لكل صَلَاة) ، من كَلَام عُرْوَة، لِأَن التِّرْمِذِيّ لم يَجعله من كَلَام عُرْوَة وَصَححهُ.
وَأما احتجاج الشَّافِعِي وَمن مَعَه بذلك الحَدِيث فمشكل جدا، لِأَن الدَّم إِذا سَالَ أصَاب بدنه وَجلده، وَرُبمَا أصَاب ثِيَابه وَمن نزل عَلَيْهِ الدِّمَاء مَعَ إِصَابَة شَيْء من ذَلِك، وَإِن كَانَ يَسِيرا لَا تصح صلَاته عِنْدهم، وَلَئِن قَالُوا: إِن الدَّم كَانَ يخرج من الْجراحَة على سَبِيل الزرق حَتَّى لَا يُصِيب شَيْئا من ظَاهر بَدَنَة إِن كَانَ كَذَلِك فَهُوَ أَمر عَجِيب وَهُوَ بعيد جدا،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: لست أَدْرِي كَيفَ يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ وَالدَّم إِذا سَالَ يُصِيب بدنه وَرُبمَا أصَاب ثِيَابه، وَمَعَ إِصَابَة شَيْء من ذَلِك، وَإِن كَانَ يَسِيرا.
لَا تصح صلَاته،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَلَو لم يظْهر الْجَواب عَن كَون الدَّم أَصَابَهُ فَالظَّاهِر أَن البُخَارِيّ كَانَ يرى أَن خُرُوج الدَّم فِي الصَّلَاة لَا يبطل، بِدَلِيل أَنه ذكر عقيب هَذَا الحَدِيث اثر الْحسن الْبَصْرِيّ، قَالَ: مَا زَالَ الْمُسلمُونَ يصلونَ فِي جراحاتهم.
قلت: هَذَا أعجب من الْكل وَأبْعد من الْعقل، وَكَيف يجوز هَذَا الْقَائِل نِسْبَة جَوَاز الصَّلَاة مَعَ خُرُوج الدَّم فِيهَا مَعَ غير دَلِيل قوي إِلَى البُخَارِيّ؟ وَأثر الْحسن لَا يدل على شَيْء من ذَلِك أصلا، لِأَنَّهُ لَا يلْزم من قَوْله: (يصلونَ فِي جراحاتهم) ، أَن يكون الدَّم خَارِجا وقتئذ، وَمن لَهُ جِرَاحَة لَا يتْرك الصَّلَاة لأَجلهَا بل يُصَلِّي وجراحته إِمَّا معصبة بِشَيْء، أَو مربوطة بجبيرة، وَمَعَ ذَلِك لَو خرج شَيْء من ذَلِك تفْسد صلَاته بِمُجَرَّد الْخُرُوج، وَلَا بُد من سيلانه ووصوله إِلَى مَوضِع يلْحقهُ حكم التَّطْهِير.

وَقَالَ الحَسَنُ مَا زَال المُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحاتِهِمْ
اي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: وَمَعْنَاهُ يصلونَ فِي جراحاتهم من غير سيلان الدَّم، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : عَن هِشَام عَن يُونُس عَن الْحسن: أَنه كَانَ لَا يرى الْوضُوء من الدَّم إلاَّ مَا كَانَ سَائِلًا، هَذَا الَّذِي رُوِيَ عَن الْحسن بِإِسْنَاد صَحِيح هُوَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة، وَحجَّة لَهُم على الْخصم، فَبَطل بذلك قَول الْقَائِل الْمَذْكُور، وَلَو لم يظْهر الْجَواب ... إِلَى آخِره، وَلم يكن المُرَاد من أثر الْحسن مَا ذهب إِلَيْهِ فهمه بل وهمه، فَذَلِك مَعَ علمه ووقوفه على الَّذِي رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) الْمَذْكُور تَركه، وَلم يذكرهُ لكَونه يرد عَلَيْهِ مَا ذهب إِلَيْهِ، وَيبْطل مَا اعْتمد عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا شَأْن المنصفين وَإِنَّمَا هَذَا دأب المعاندين المعتصبين الَّذِي يدقون الْحَدِيد الْبَارِد على السندان.

وقالَ طَاوُسٌ ومُحمَّدُ بنُ عَلِيٍّ وأهْلُ الحِجَازِ لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ

طَاوس هُوَ ابْن كيسَان الْيَمَانِيّ الْحِمْيَرِي، أحد الْأَعْلَام التَّابِعين وَخيَار عباد الله الصَّالِحين.
قَالَ يحيى بن معِين: اسْمه ذكْوَان، وَسمي طاوساً لِأَنَّهُ كَانَ طَاوس الْقُرَّاء، وَوصل أَثَره ابْن ابي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عبيد الله بن مُوسَى عَن حَنْظَلَة عَن طَاوس أَنه كَانَ لَا يرى فِي الدَّم السَّائِل وضوء يغسل مِنْهُ الدَّم ثمَّ حَبسه، وَهَذَا لَيْسَ بِحجَّة لَهُم لأَنهم لَا يرَوْنَ الْعَمَل بِفعل التَّابِعِيّ، وَلَا هُوَ حجَّة على الْحَنَفِيَّة من وَجْهَيْن: الأول: أَنه لَا يدل على أَن طاوساً كَانَ يُصَلِّي وَالدَّم سَائل.
وَالثَّانِي: وَإِن سلمنَا ذَلِك، فالمنقول عَن أبي حنيفَة أَنه كَانَ يَقُول: التابعون رجال وَنحن رجال يزاحموننا ونزاحمهم، وَالْمعْنَى أَن أحدا مِنْهُم إِذا أدّى اجْتِهَاده إِلَى شَيْء لَا يلْزمنَا الْأَخْذ بِهِ، بل نجتهد كَمَا اجْتهد هُوَ، فَمَا أدّى اجتهادنا إِلَيْهِ عَملنَا بِهِ وَتَركنَا اجْتِهَاده.
واما مُحَمَّد بن عَليّ فَهُوَ: مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ، الْهَاشِمِي الْمدنِي، أَبُو جَعْفَر الْمَعْرُوف: بالباقر، سمي بِهِ لِأَنَّهُ بقر الْعلم أَي: شقَّه بِحَيْثُ عرف حقائقه، وَهُوَ أحد الْأَعْلَام التَّابِعين الأجلاء، وروى هَذَا مَوْصُولا فِي (فَوَائِد) الْحَافِظ أبي بشر الْمَعْرُوف بسمويه، من طَرِيق الْأَعْمَش، قَالَ: سَأَلت أَبَا جَعْفَر الباقر عَن الرعاف، فَقَالَ: لَو سَالَ نهر من دم مَا أعدت مِنْهُ الْوضُوء..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يكون مُحَمَّد بن عَليّ هَذَا مُحَمَّد بن عَلَيْهِ الْمَشْهُور بِابْن الحنيفة، وَالظَّاهِر الاول.
وَاعْلَم أَن جَمِيع مَا ذكر فِي هَذَا الْبابُُ لَيْسَ بِحجَّة على الْحَنَفِيَّة، فَإِن كَانَ من أَقْوَال الصَّحَابَة فَكل وَاحِد لَهُ تَأْوِيل ومحمل صَحِيح، وَإِن كَانَ من قَول التَّابِعين فَلَيْسَ بِحجَّة عَلَيْهِم، لما ذكرنَا عَن ابي حنيفَة الْآن.
وَأما عَطاء فَهُوَ ابْن أبي رَبَاح وأثره وَصله عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَنهُ.
قَوْله: (وَأهل الْحجاز) من عطف الْعَام على الْخَاص، لِأَن طاوساً وَمُحَمّد بن عَليّ وَعَطَاء حجازيون، وَغير هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة مثل سعيد بن الْمسيب وَسَعِيد بن جُبَير وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة من أهل الْمَدِينَة، وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَآخَرُونَ، وَخَالفهُم أَبُو حنيفَة، وَاسْتدلَّ بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ: إلاَّ أَن يكون دَمًا سَائِلًا، وَهُوَ مَذْهَب جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ.
قَالَ ابو عمر: وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ وَعبيد الله بن الْحسن وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَإِن كَانَ الدَّم يَسِيرا غير خَارج وَلَا سَائل فَإِنَّهُ لَا ينْقض الْوضُوء عِنْد جَمِيعهم، وَمَا أعلم أحدا أوجب الْوضُوء من يسير الدَّم إلاَّ مُجَاهدًا وَحده.

وعَصَر ابنُ عُمَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ ولَمْ يَتَوضَّا

وَصله ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب حَدثنَا سُلَيْمَان بن التَّيْمِيّ عَن بكر، قَالَ: (رَأَيْت ابْن عمر عصر بثرة فِي وَجهه فَخرج مِنْهَا شَيْء من دم، فحكه بَين إصبعيه ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ) .
(البثرة) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَيجوز فتحهَا وَهُوَ خَرّاج صَغِير.
يُقَال: بثر وَجهه، وَهَذَا الْأَثر حجَّة للحنفية، لِأَن الدَّم الْخَارِج بالعصر لَا ينْقض الْوضُوء عِنْدهم لِأَنَّهُ مخرج، والنقض يُضَاف إِلَى الْخَارِج دون الْمخْرج كَمَا هُوَ مُقَرر فِي كتبهمْ، فَإِن فَرح أحد من الْخُصُوم أَنه حجَّة على الْحَنَفِيَّة فَهِيَ فرحة غير مستمرة.

وبَزَقَ ابنُ أبي أوْفَى دَماً فَمَضَى فِي صَلاَتِهِ

ابْن أبي أوفى: اسْمه عبد الله، وَأَبُو أوفى اسْمه: عَلْقَمَة بن الْحَارِث الصَّحَابِيّ بن الصَّحَابِيّ، شهد بيعَة الرضْوَان وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد، وَهُوَ آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة بِالْكُوفَةِ سنة سبع وَثَمَانِينَ، وَقد كف بَصَره، وَهُوَ أحد من رَآهُ أَبُو حنيفَة من الصَّحَابَة وروى عَنهُ، وَلَا يلْتَفت إِلَى قَول الْمُنكر المتعصب: وَكَانَ عمر أبي حنيفَة حِينَئِذٍ سبع سِنِين، وَهُوَ سنّ التَّمْيِيز.
هَذَا على الصَّحِيح إِن مولد أبي حنيفَة سنة ثَمَانِينَ، وعَلى قَول من قَالَ: سنة سبعين، يكون عمره حِينَئِذٍ سَبْعَة عشر سنة، ويستبعد جدا أَن يكون صَحَابِيّ مُقيما ببلدة، وَفِي أَهلهَا من لَا يكون رَآهُ وَأَصْحَابه أخبر بِحَالهِ وهم ثِقَات فِي أنفسهم قَوْله: (بزق) ، بالزاي وَالسِّين وَالصَّاد: بِمَعْنى وَاحِد، وَهَذَا الْأَثر وَصله سُفْيَان الثَّوْريّ، وَفِي (جَامعه) عَن عَطاء بن السَّائِب أَنه رَآهُ يفعل ذَلِك، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) بِسَنَد جيد عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن عَطاء بن السَّائِب، قَالَ: رَأَيْت ابْن أبي أوفى بزق دَمًا هُوَ يُصَلِّي ثمَّ مضى فِي صلَاته، وَهَذَا لَيْسَ بِحجَّة لَهُم علينا، لِأَن الدَّم الَّذِي يخرج من الْفَم، إِن كَانَ من جَوْفه فَلَا ينْقض وضوءه، وَإِن كَانَ من بَين أَسْنَانه فالاعتبار للغلبة بالبزاق وَالدَّم، وَلم يتَعَرَّض الرَّاوِي لذَلِك، فَلم يبْق حجَّة.
وَالْحكم بالغلبة لَهُ أصل وروى ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن فِي رجل بزق فَرَأى فِي بزاقه دَمًا أَنه لم يرد ذَلِك شَيْئا حَتَّى يكون عبيطاً، وَرُوِيَ عَن ابْن سِيرِين أَنه رُبمَا بزق فَيَقُول لرجل: أنظر هَل تغير الرِّيق؟ فَإِن تغير، بزق الثَّانِيَة، فان كَانَ فِي الثَّانِيَة متغيراً فَإِنَّهُ يتَوَضَّأ، وَإِن لم يكن فِي الثَّانِيَة متغيراً لم ير وضوأً.
قلت: التَّغَيُّر لَا يكون إلاَّ بالغلبة.

وقالَ ابنُ عُمَرَ والَحسنُ فِيمَنْ يَحْتَجِمُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ غَسْلُ مَحاجِمِهِ عبد الله بن عمر وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَهَذَانِ رَوَاهُمَا ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا ابْن نمير حَدثنَا عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا (أَنه كَانَ إِذا احْتجم غسل أثر محاجمه) .
وَحدثنَا حَفْص عَن أَشْعَث عَن الْحسن وَابْن سِيرِين (أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ بِغسْل أثر المحاجم) .
وَلما ذكر ابْن بطال فِي شَرحه أثر ابْن عمر وَالْحسن.
قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ الْمُسْتَمْلِي وَحده بِإِثْبَات: إلاَّ، وَرَوَاهُ الْكشميهني، وَأكْثر الروَاة بِغَيْر: إلاَّ، ثمَّ قَالَ: وَرِوَايَة الْمُسْتَمْلِي هِيَ الصَّوَاب، وَكَذَا قَالَ الْكرْمَانِي، ومقصودهم من تَصْحِيح هَذِه الرِّوَايَة إِلْزَام الْحَنَفِيَّة، وَلَا يصعد ذَلِك مَعَهم لِأَن جمَاعَة من الصَّحَابَة رَأَوْا فِيهِ الْغسْل، مِنْهُم: ابْن عَبَّاس وَعبد الله بن عَمْرو وَعلي بن أبي طَالب، وروته عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا، عَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة بأسانيد جِيَاد، وَهُوَ مَذْهَب مُجَاهِد أَيْضا، وَأَيْضًا فالدم الَّذِي يخرج من مَوضِع الْحجامَة مخرج وَلَيْسَ بِخَارِج، والنقض يتَعَلَّق بالخارج كَمَا ذكرنَا، فَإِذا احْتجم وَخرج الدَّم فِي المحجم بمص الْحجام وَلم يسل وَلم يلْحق إِلَى مَوضِع يلْحقهُ حكم التَّطْهِير، فعلى الأَصْل الْمَذْكُور لَا ينْتَقض وضوؤه، وَلَكِن لَا بُد من غسل مَوضِع الْحجامَة، وَالْمَقْصُود إِزَالَة ذَلِك من مَوضِع الْحجامَة بِأَيّ شَيْء كَانَ، وَلَا يتَعَيَّن المَاء، وَفِي (الْمحلى) فِي أثر ابْن عمر: غسله بحصاة فَقَط، وَعَن اللَّيْث: يجْزِيه أَن يمسحه وَيُصلي وَلَا يغسلهُ، فَهَذَا يدل على أَن المُرَاد إِزَالَة ذَلِك.
قَوْله: (محاجمه) جمع محجمة، بِفَتْح الْمِيم: مَكَان الْحجامَة، وبكسر الْمِيم: اسْم القارورة، وَالْمرَاد هَهُنَا الأول.



[ قــ :173 ... غــ :176 ]
- حدّثنا آدَمُ بنُ أبي إيَاسٍ قالَ حدّثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ عَنْ سَعيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ قالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلاَةٍ مَا كانَ فِي الَمسْجِدِ ينْتَظِرُ الصَّلاَةَ مَا لمْ يُحْدِثْ فقالَ رَجُلٌ أعْجَمِيٌّ مَا الحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قالَ الصَّوْتُ يَعْنِي الضَّرْطَةَ.


اقول: إِن كَانَ البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث هَهُنَا للرَّدّ على أحد مِمَّن هُوَ معود بِالرَّدِّ عَلَيْهِ فَغير مُنَاسِب، لِأَن حكم هَذَا الحَدِيث مجمع عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ خلاف.
وَإِن كَانَ لأجل مطابقته لترجمة الْبابُُ فَلَيْسَ كَذَلِك أَيْضا، لِأَنَّهُ دَاخل فِيمَن يرى الْوضُوء من المخرجين،.

     وَقَالَ  بعض الشُّرَّاح: وَالْبُخَارِيّ سَاقه لأجل تَفْسِير أبي هُرَيْرَة بالضرطة، وَهُوَ إِجْمَاع.
قلت: لم يتَأَمَّل هَذَا مَا قَالَه، لِأَن الْبابُُ مَا عقد لَهُ، وَلَا لَهُ مُنَاسبَة هُنَا.

بَيَان رِجَاله وهم أَرْبَعَة كلهم قد ذكرُوا، وَابْن أبي ذِئْب: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب، واسْمه: هِشَام بن شُعْبَة، وَسَعِيد بن أبي سعيد المقبرى، بِضَم الْبَاء وَفتحهَا، وَقيل: بِكَسْرِهَا أَيْضا.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم مدنيون إلاَّ آدم فَإِنَّهُ أَيْضا دخل الْمَدِينَة.

بَيَان الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب قَوْله: (لَا يزَال العَبْد فِي صَلَاة) اي: فِي ثَوَاب صَلَاة.
قَوْله: (فِي صَلَاة) خبر: لَا يزَال.
قَوْله: (مَا كَانَ فِي مَسْجِد) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (مَا دَامَ فِي مَسْجِد) .
قَوْله: (ينْتَظر) : إِمَّا خبر للْفِعْل النَّاقِص، وَإِمَّا حَال.
و (فِي الْمَسْجِد) خَبره، وَإِنَّمَا نكر الصَّلَاة وَعرف الْمَسْجِد لِأَنَّهُ قصد بالتنكير التنويع، ليعلم أَن المُرَاد نوع صلَاته الَّتِي ينتظرها، مثلا لَو كَانَ فِي انْتِظَار صَلَاة الظّهْر كَانَ فِي صَلَاة الظّهْر، وَفِي انْتِظَار الْعَصْر كَانَ فِي صَلَاة الْعَصْر، وهلم جراً.
وَأما تَعْرِيف الْمَسْجِد فَظَاهر، لِأَن المُرَاد بِهِ هُوَ الْمَسْجِد الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَهَذَا الْكَلَام فِيهِ الْإِضْمَار، تَقْدِيره: لَا يزَال العَبْد فِي ثَوَاب صَلَاة ينتظرها مَا دَامَ ينتظرها، والقرينة لفظ الِانْتِظَار، وَلَو كَانَ يجْرِي على ظَاهره لم يكن لَهُ أَن يتَكَلَّم، وَلَا أَن يَأْتِي بِمَا لَا يجوز فِي الصَّلَاة.
قَوْله: (مَا لم يحدث) أَي: مَا لم يَأْتِ بِالْحَدَثِ.
وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة زمانية، وَالتَّقْدِير: مُدَّة دوَام.
عدم الْحَدث، كَمَا قَوْله تَعَالَى: { مَا دمت} (مَرْيَم: 31) أَي: مُدَّة دوامي { حَيا} (مَرْيَم: 31) فَحذف الظّرْف وخلفته: مَا، وصلتها.
قَوْله: (أعجمي) نِسْبَة إِلَى الْأَعْجَم، كَذَا قيل، وَهُوَ الَّذِي لَا يفصح وَلَا يبين كَلَامه وَإِن كَانَ من الْعَرَب، والعجم خلاف الْعَرَب، وَالْوَاحد أعجمي..
     وَقَالَ  ابْن الاثير: كل من لَا يقدر على الْكَلَام فَهُوَ اعجم ومستعجم..
     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: لَا نقل: رجل أعجمي، فتنسبه إِلَى نَفسه إلاَّ أَن يكون أعجم؛ وأعجمي بِمَعْنى مثل: دوار ودواري.
قلت: فهم من كَلَامه أَن الْيَاء فِي: أعجمي، لَيست للنسبة، كَمَا قَالَ بَعضهم، وَإِنَّمَا هِيَ للْمُبَالَغَة.
قَوْله: (فَقَالَ رجل) إِلَى آخِره: مدرج من سعيد.

بَيَان اسنتباط الاحكام الأول فِيهِ فضل انْتِظَار الصَّلَاة، لِأَن انْتِظَار الْعِبَادَة عبَادَة.
الثَّانِي: فِيهِ أَن من يتعاطى أَسبابُُ الصَّلَاة يُسمى مُصَليا.
الثَّالِث: فِيهِ أَن هَذِه الْفَضِيلَة الْمَذْكُورَة لمن لَا يحدث.
وَقَوله: (مَا لم يحدث) أَعم من أَن يكون فسَاء اَوْ ضراطاً أَو غَيرهم من نواقض الْوضُوء من الْمجمع عَلَيْهِ والمختلف فِيهِ..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْحَدث لَيْسَ منحصراً فِي الضرطة.
قلت: المُرَاد الضرطة وَنَحْوهَا من الفساء وَسَائِر الخارجات من السَّبِيلَيْنِ، وَإِنَّمَا خصص بهَا لِأَن الْغَالِب أَن الْخَارِج مِنْهُمَا فِي الْمَسْجِد لَا يزِيد عَلَيْهَا.
قلت: السُّؤَال عَام وَالْجَوَاب خَاص، وَيَنْبَغِي أَن يُطَابق الْجَواب وَالسُّؤَال، وَلَكِن فهم أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن مَقْصُود هَذَا السَّائِل الْحَدث الْخَاص، وَهُوَ الَّذِي يَقع فِي الْمَسْجِد حَالَة الِانْتِظَار، وَالْعَادَة أَن ذَلِك لَا يكون إلاَّ الضرطة، فَوَقع الْجَواب طبق السُّؤَال، وإلاَّ فأسبابُ النَّقْض كَثِيرَة.