هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1986 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ، قَالَ : لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي ، وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ المُسْلِمِينَ ، فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا المَالِ ، وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1986 حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، قال : حدثني ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، قال : حدثني عروة بن الزبير ، أن عائشة رضي الله عنها ، قالت : لما استخلف أبو بكر الصديق ، قال : لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مئونة أهلي ، وشغلت بأمر المسلمين ، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال ، ويحترف للمسلمين فيه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated `Aisha:

When Abu Bakr As-Siddiq was chosen Caliph, he said, My people know that my profession was not incapable of providing substance to my family. And as I will be busy serving the Muslim nation, my family will eat from the National Treasury of Muslims, and I will practice the profession of serving the Muslims.

Selon 'Urwa ibn azZubayr, 'A'icha (radiallahanho) dit: «Lorsqu'il fut désigné au Califat. Abu Bakr asSiddîq dit: Mon peuple sait que mon métier me permettait de subvenir aux besoins de ma famille; mais je viens d'être occupé par les intérêts des Musulmans. Donc, la famille d'Abu Bakr mangera de ce bien^ et Abu Bakr fera de son mieux pour les intérêts des Musulmans. »

Selon 'Urwa ibn azZubayr, 'A'icha (radiallahanho) dit: «Lorsqu'il fut désigné au Califat. Abu Bakr asSiddîq dit: Mon peuple sait que mon métier me permettait de subvenir aux besoins de ma famille; mais je viens d'être occupé par les intérêts des Musulmans. Donc, la famille d'Abu Bakr mangera de ce bien^ et Abu Bakr fera de son mieux pour les intérêts des Musulmans. »

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [2070] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عبد الله هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ .

     قَوْلُهُ  لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَيْ قُرَيْشٌ وَالْمُسْلِمُونَ .

     قَوْلُهُ  حِرْفَتِي بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ أَيْ جِهَةَ اكْتِسَابِي وَالْحِرْفَةُ جِهَةُ الِاكْتِسَابِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَعَاشِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ كَسُوبًا لِمُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ بِالتِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِ عَجْزٍ تَمْهِيدًا عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِذَارِ عَمَّا يَأْخُذُهُ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وَشُغِلْتُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ إِنَّ الْقِيَامَ بِأُمُورِ الْخِلَافَةِ شَغَلَهُ عَنِ الِاحْتِرَافِ وَقد روى بن سعد وبن الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَالَ انْظُرُوا مَا زَاد فِي مَا لي مُنْذُ دَخَلَتِ الْإِمَارَةُ فَابْعَثُوا بِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ بَعْدِي قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ نَظَرْنَا فَإِذَا عَبْدٌ نُوبِيٌّ كَانَ يَحْمِلُ صِبْيَانَهُ وَنَاضِحٌ كَانَ يَسْقِي بُسْتَانًا لَهُ فَبَعَثْنَا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ فَقَالَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ من بعده وَأخرج بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ وَزَادَ إِنَّ الْخَادِمَ كَانَ صَيْقَلًا يَعْمَلُ سُيُوفَ الْمُسْلِمِينَ وَيَخْدُمُ آلَ أَبِي بَكْرٍ وَمِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوُهُ وَفِيهِ قَدْ كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أُوَفِّرَ مَالَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ كُنْتُ أَصَبْتُ مِنَ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَفِيهِ وَمَا كَانَ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مَا كَانَ إِلَّا خَادِمٌ وَلِقْحَةٌ وَمِحْلَبٌ .

     قَوْلُهُ  آلُ أَبِي بَكْرٍ أَيْ هُوَ نَفْسُهُ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَقِيلَ أَرَادَ نَفْسَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ احترفحَاكِمٍ عَالِمٍ أَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ وَأَجْرٌ بِإِصَابَتِهِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ وَفِي الْحَدِيثِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ إِذَا أَرَادَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ قَالُوا فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْحُكْمُ فَإِنْ حَكَمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ بَلْ هُوَ آثِمٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ سَوَاءٌ وَافَقَ الْحَقَّ أم لا لأن إصابته اتفاقه لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ عَاصٍ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ سَوَاءٌ وَافَقَ الصَّوَابَ أَمْ لَا وَهِيَ مَرْدُودَةٌ كُلُّهَا وَلَا يُعْذَرُ فِي شئ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي السُّنَنِ الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ قَاضٍ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَاضٍ قَضَى عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَمِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَنْ وَافَقَ الْحُكْمَ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآخَرُ مُخْطِئٌ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ وَقَدِ احْتَجَّتِ الطَّائِفَتَانِ بِهَذَا الْحَدِيثِ.

.
وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ الْقَائِلُونَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَقَالُوا قَدْ جُعِلَ لِلْمُجْتَهِدِ أَجْرٌ فَلَوْلَا إِصَابَتُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ.

.
وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَقَالُوا سَمَّاهُ مُخْطِئًا ولو كَانَ مُصِيبًا لَمْ يُسَمِّهِ مُخْطِئًا.

.
وَأَمَّا الْأَجْرُ فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ عَلَى تَعَبِهِ فِي الِاجْتِهَادِ قَالَ الْأَوَّلُونَ إِنَّمَا سَمَّاهُ مُخْطِئًا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ النَّصَّ أَوِ اجْتَهَدَ فِيمَا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي الِاجْتِهَادِ فِي لفروع فَأَمَّا أُصُولُ التَّوْحِيدِ فَالْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَلَمْ يُخَالِفْ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَبْتَرِيُّ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ فَصَوَّبَا الْمُجْتَهِدِينَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ الْعُلَمَاءُ الظَّاهِرُ أنهما أراد الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْكُفَّارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُحَاكِمٍ عَالِمٍ أَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ وَأَجْرٌ بِإِصَابَتِهِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ وَفِي الْحَدِيثِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ إِذَا أَرَادَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ قَالُوا فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْحُكْمُ فَإِنْ حَكَمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ بَلْ هُوَ آثِمٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ سَوَاءٌ وَافَقَ الْحَقَّ أم لا لأن إصابته اتفاقه لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ عَاصٍ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ سَوَاءٌ وَافَقَ الصَّوَابَ أَمْ لَا وَهِيَ مَرْدُودَةٌ كُلُّهَا وَلَا يُعْذَرُ فِي شئ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي السُّنَنِ الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ قَاضٍ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَاضٍ قَضَى عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَمِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَنْ وَافَقَ الْحُكْمَ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآخَرُ مُخْطِئٌ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ وَقَدِ احْتَجَّتِ الطَّائِفَتَانِ بِهَذَا الْحَدِيثِ.

.
وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ الْقَائِلُونَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَقَالُوا قَدْ جُعِلَ لِلْمُجْتَهِدِ أَجْرٌ فَلَوْلَا إِصَابَتُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ.

.
وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَقَالُوا سَمَّاهُ مُخْطِئًا ولو كَانَ مُصِيبًا لَمْ يُسَمِّهِ مُخْطِئًا.

.
وَأَمَّا الْأَجْرُ فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ عَلَى تَعَبِهِ فِي الِاجْتِهَادِ قَالَ الْأَوَّلُونَ إِنَّمَا سَمَّاهُ مُخْطِئًا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ النَّصَّ أَوِ اجْتَهَدَ فِيمَا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي الِاجْتِهَادِ فِي لفروع فَأَمَّا أُصُولُ التَّوْحِيدِ فَالْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَلَمْ يُخَالِفْ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَبْتَرِيُّ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ فَصَوَّبَا الْمُجْتَهِدِينَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ الْعُلَمَاءُ الظَّاهِرُ أنهما أراد الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْكُفَّارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُحَاكِمٍ عَالِمٍ أَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ وَأَجْرٌ بِإِصَابَتِهِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ وَفِي الْحَدِيثِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ إِذَا أَرَادَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ قَالُوا فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْحُكْمُ فَإِنْ حَكَمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ بَلْ هُوَ آثِمٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ سَوَاءٌ وَافَقَ الْحَقَّ أم لا لأن إصابته اتفاقه لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ عَاصٍ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ سَوَاءٌ وَافَقَ الصَّوَابَ أَمْ لَا وَهِيَ مَرْدُودَةٌ كُلُّهَا وَلَا يُعْذَرُ فِي شئ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي السُّنَنِ الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ قَاضٍ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَاضٍ قَضَى عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَمِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَنْ وَافَقَ الْحُكْمَ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآخَرُ مُخْطِئٌ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ وَقَدِ احْتَجَّتِ الطَّائِفَتَانِ بِهَذَا الْحَدِيثِ.

.
وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ الْقَائِلُونَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَقَالُوا قَدْ جُعِلَ لِلْمُجْتَهِدِ أَجْرٌ فَلَوْلَا إِصَابَتُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ.

.
وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَقَالُوا سَمَّاهُ مُخْطِئًا ولو كَانَ مُصِيبًا لَمْ يُسَمِّهِ مُخْطِئًا.

.
وَأَمَّا الْأَجْرُ فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ عَلَى تَعَبِهِ فِي الِاجْتِهَادِ قَالَ الْأَوَّلُونَ إِنَّمَا سَمَّاهُ مُخْطِئًا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ النَّصَّ أَوِ اجْتَهَدَ فِيمَا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي الِاجْتِهَادِ فِي لفروع فَأَمَّا أُصُولُ التَّوْحِيدِ فَالْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَلَمْ يُخَالِفْ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَبْتَرِيُّ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ فَصَوَّبَا الْمُجْتَهِدِينَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ الْعُلَمَاءُ الظَّاهِرُ أنهما أراد الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْكُفَّارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُحَكَاهُ الطِّيبِيُّ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نَسَقُ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ الِاحْتِرَافَ إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ عَاطِفًا لَهُ على فسيأكل فلوكان الْمُرَادُ الْأَهْلَ لَتَنَافَرَ انْتَهَى وَجَزَمَ الْبَيْضَاوِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ آلُ أَبِي بَكْرٍ عُدُولٌ عَنِ الْمُتَكَلِّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ قَالَ وَقِيلَ أَرَادَ نَفْسَهُ وَالْأَوَّلُ مُقْحَمٌ لِقَوْلِهِ وَأَحْتَرِفُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلِ الْمَعْنَى أَنِّي كُنْتُ أَكْتَسِبُ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَهُ وَالْآنَ أَكْتَسِبُ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ الطِّيبِيُّ فَائِدَةُ الِالْتِفَاتِ أَنَّهُ جَرَّدَ مِنْ نَفْسِهِ شَخْصًا كَسُوبًا لِمُؤْنَةِ الْأَهْلِ بِالتِّجَارَةِ فَامْتَنَعَ لِشُغْلِهِ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الِاكْتِسَابِ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِالْعِلَّةِ وَأَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِالشُّغْلِ الْمَذْكُورِ حَقِيقٌ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ وَعِيَالُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَخَصَّ الْأَكْلَ مِنْ بَيْنِ الِاحْتِيَاجَاتِ لِكَوْنِهِ أَهَمَّهَا وَمُعْظَمَهَا قَالَ بن التِّينِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ عَرَضِ الْمَالِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ قَدْرَ حَاجَتِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ إِمَامٌ يَقْطَعُ لَهُ أُجْرَةً مَعْلُومَةً وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ.

.

قُلْتُ لَكِنْ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي كَانَ يَتَنَاوَلُهُ فُرِضَ لَهُ بِاتِّفَاق من الصَّحَابَة فروى بن سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَالَ لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ أَصْبَحَ غَادِيًا إِلَى السُّوقِ عَلَى رَأْسِهِ أَثْوَابٌ يَتَّجِرُ بِهَا فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَقَالَ كَيْفَ تَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ وُلِّيتَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَمِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ عِيَالِي قَالُوا نَفْرِضُ لَك فَفَرَضُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ شَطْرَ شَاةٍ .

     قَوْلُهُ  وَأَحْتَرِفُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَيَحْتَرِفُ قَالَ بن الْأَثِيرِ أَرَادَ بِاحْتِرَافِهِ لِلْمُسْلِمِينَ نَظَرَهُ فِي أُمُورِهِمْ وَتَمْيِيزَ مَكَاسِبِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ وَكَذَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الْمَعْنَى أَكْتَسِبُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِالسَّعْيِ فِي مَصَالِحِهِمْ وَنَظْمِ أَحْوَالِهِمْ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يُقَالُ احْتَرَفَ الرَّجُلُ إِذَا جَازَى عَلَى خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ .

     قَوْلُهُ  أَحْتَرِفُ لَهُمْ أَيْ أَتَّجِرُ لَهُمْ فِي مَالِهِمْ حَتَّى يَعُودَ عَلَيْهِمْ مِنْ رِبْحِهِ بِقَدْرِ مَا آكُلُ أَوْ أَكْثَرُ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِقَدْرِ مُؤْنَتِهِ إِلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ بِذَلِكَ كَمَا تَطَوَّعَ أَبُو بَكْرٍ.

.

قُلْتُ وَالتَّوْجِيهُ الَّذِي ذَكَرَهُ بن الْأَثِيرِ أَوْجَهُ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَيَّنَ السَّبَبَ فِي تَرْكِ الِاحْتِرَافِ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِالْإِمَارَةِ فَمَتَى يَتَفَرَّغُ لِلِاحْتِرَافِ لِغَيْرِهِ إِذْ لَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَافُ لَاحْتَرَفَ لِنَفْسِهِ كَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي الْمَالَ لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ وَيَجْعَلُ رِبْحَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ رَوَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ أَكَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنَ الْمَالِ أَيْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتَرَفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ تَنْبِيهٌ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْوَقْفَ لَكِنَّهُ بِمَا اقْتَضَاهُ مِنْ أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَخْلَفَ كَانَ يَحْتَرِفُ لِتَحْصِيلِ مُؤْنَةِ أَهْلِهِ يَصِيرُ مَرْفُوعًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَى بن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ تَاجِرًا إِلَى بُصْرَى فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ إِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ وَيَأْتِي حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِ الْبُخَارِيِّ لَهُ عَقِبَ حَدِيثِهَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَدِيثُ الثَّانِي

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ كَسْبِ الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ بِيَدِهِ)
عَطْفُ الْعَمَلَ بِالْيَدِ عَلَى الْكَسْبِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ الْكَسْبَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَمَلًا بِالْيَدِ أَوْ بِغَيْرِهَا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَفْضَلِ الْمَكَاسِبِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أُصُولُ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ وَالتِّجَارَةُ وَالصَّنْعَةُ وَالْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَطْيَبَهَا التِّجَارَةُ قَالَ وَالْأَرْجَحُ عِنْدِي أَنَّ أَطْيَبَهَا الزِّرَاعَةُ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى التَّوَكُّلِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِحَدِيثِ الْمِقْدَامِ الَّذِي فِي هَذَا الْبَابِ وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ أَطْيَبَ الْكَسْبِ مَا كَانَ بِعَمَلِ الْيَدِ قَالَ فَإِنْ كَانَ زِرَاعًا فَهُوَ أَطْيَبُ الْمَكَاسِبِ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ عَمَلَ الْيَدِ وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّوَكُّلِ وَلِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْعَامِّ لِلْآدَمِيِّ وَلِلدَّوَابِّ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُوكَلَ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ.

.

قُلْتُ وَفَوْقَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْيَدِ مَا يُكْتَسَبُ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِالْجِهَادِ وَهُوَ مَكْسَبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ أَشْرَفُ الْمَكَاسِبِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَخِذْلَانِ كَلِمَةِ أَعْدَائِهِ وَالنَّفْعِ الْأُخْرَوِيِّ قَالَ وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِيَدِهِ فَالزِّرَاعَةُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَا.

.

قُلْتُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا بُحِثَ فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي وَلَمْ يَنْحَصِرِ النَّفْعُ الْمُتَعَدِّي فِي الزِّرَاعَةِ بَلْ كُلُّ مَا يُعْمَلُ بِالْيَدِ فَنَفْعُهُ مُتَعَدٍّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَهْيِئَةِ أَسْبَابِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفُ الْمَرَاتِبِ وَقَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى قَالَ بن الْمُنْذِرِ إِنَّمَا يَفْضُلُ عَمَلُ الْيَدِ سَائِرَ الْمَكَاسِبِ إِذَا نَصَحَ الْعَامِلُ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

.

قُلْتُ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ أَنَّ الرِّزْقَ مِنَ الْكَسْبِ بَلْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ وَمِنْ فَضْلِ الْعَمَلِ بِالْيَدِ الشُّغْلُ بِالْأَمْرِ الْمُبَاحِ عَنِ الْبَطَالَةِ وَاللَّهْوِ وَكَسْرُ النَّفْسِ بِذَلِكَ وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذِلَّةِ السُّؤَالِ وَالْحَاجَةِ إِلَى الْغَيْر ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ أَوَّلَهَا فِي التِّجَارَةِ وَالثَّانِي فِي الزِّرَاعَةِ وَالثَّالِثُ وَمَا بَعْدَهُ فِي الصَّنْعَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ

[ قــ :1986 ... غــ :2070] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عبد الله هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ .

     قَوْلُهُ  لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَيْ قُرَيْشٌ وَالْمُسْلِمُونَ .

     قَوْلُهُ  حِرْفَتِي بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ أَيْ جِهَةَ اكْتِسَابِي وَالْحِرْفَةُ جِهَةُ الِاكْتِسَابِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَعَاشِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ كَسُوبًا لِمُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ بِالتِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِ عَجْزٍ تَمْهِيدًا عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِذَارِ عَمَّا يَأْخُذُهُ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وَشُغِلْتُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ إِنَّ الْقِيَامَ بِأُمُورِ الْخِلَافَةِ شَغَلَهُ عَنِ الِاحْتِرَافِ وَقد روى بن سعد وبن الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَالَ انْظُرُوا مَا زَاد فِي مَا لي مُنْذُ دَخَلَتِ الْإِمَارَةُ فَابْعَثُوا بِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ بَعْدِي قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ نَظَرْنَا فَإِذَا عَبْدٌ نُوبِيٌّ كَانَ يَحْمِلُ صِبْيَانَهُ وَنَاضِحٌ كَانَ يَسْقِي بُسْتَانًا لَهُ فَبَعَثْنَا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ فَقَالَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ من بعده وَأخرج بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ وَزَادَ إِنَّ الْخَادِمَ كَانَ صَيْقَلًا يَعْمَلُ سُيُوفَ الْمُسْلِمِينَ وَيَخْدُمُ آلَ أَبِي بَكْرٍ وَمِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوُهُ وَفِيهِ قَدْ كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أُوَفِّرَ مَالَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ كُنْتُ أَصَبْتُ مِنَ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَفِيهِ وَمَا كَانَ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مَا كَانَ إِلَّا خَادِمٌ وَلِقْحَةٌ وَمِحْلَبٌ .

     قَوْلُهُ  آلُ أَبِي بَكْرٍ أَيْ هُوَ نَفْسُهُ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَقِيلَ أَرَادَ نَفْسَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ احترف حَكَاهُ الطِّيبِيُّ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نَسَقُ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ الِاحْتِرَافَ إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ عَاطِفًا لَهُ على فسيأكل فلوكان الْمُرَادُ الْأَهْلَ لَتَنَافَرَ انْتَهَى وَجَزَمَ الْبَيْضَاوِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ آلُ أَبِي بَكْرٍ عُدُولٌ عَنِ الْمُتَكَلِّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ قَالَ وَقِيلَ أَرَادَ نَفْسَهُ وَالْأَوَّلُ مُقْحَمٌ لِقَوْلِهِ وَأَحْتَرِفُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلِ الْمَعْنَى أَنِّي كُنْتُ أَكْتَسِبُ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَهُ وَالْآنَ أَكْتَسِبُ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ الطِّيبِيُّ فَائِدَةُ الِالْتِفَاتِ أَنَّهُ جَرَّدَ مِنْ نَفْسِهِ شَخْصًا كَسُوبًا لِمُؤْنَةِ الْأَهْلِ بِالتِّجَارَةِ فَامْتَنَعَ لِشُغْلِهِ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الِاكْتِسَابِ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِالْعِلَّةِ وَأَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِالشُّغْلِ الْمَذْكُورِ حَقِيقٌ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ وَعِيَالُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَخَصَّ الْأَكْلَ مِنْ بَيْنِ الِاحْتِيَاجَاتِ لِكَوْنِهِ أَهَمَّهَا وَمُعْظَمَهَا قَالَ بن التِّينِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ عَرَضِ الْمَالِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ قَدْرَ حَاجَتِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ إِمَامٌ يَقْطَعُ لَهُ أُجْرَةً مَعْلُومَةً وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ.

.

قُلْتُ لَكِنْ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي كَانَ يَتَنَاوَلُهُ فُرِضَ لَهُ بِاتِّفَاق من الصَّحَابَة فروى بن سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَالَ لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ أَصْبَحَ غَادِيًا إِلَى السُّوقِ عَلَى رَأْسِهِ أَثْوَابٌ يَتَّجِرُ بِهَا فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَقَالَ كَيْفَ تَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ وُلِّيتَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَمِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ عِيَالِي قَالُوا نَفْرِضُ لَك فَفَرَضُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ شَطْرَ شَاةٍ .

     قَوْلُهُ  وَأَحْتَرِفُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَيَحْتَرِفُ قَالَ بن الْأَثِيرِ أَرَادَ بِاحْتِرَافِهِ لِلْمُسْلِمِينَ نَظَرَهُ فِي أُمُورِهِمْ وَتَمْيِيزَ مَكَاسِبِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ وَكَذَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الْمَعْنَى أَكْتَسِبُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِالسَّعْيِ فِي مَصَالِحِهِمْ وَنَظْمِ أَحْوَالِهِمْ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يُقَالُ احْتَرَفَ الرَّجُلُ إِذَا جَازَى عَلَى خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ .

     قَوْلُهُ  أَحْتَرِفُ لَهُمْ أَيْ أَتَّجِرُ لَهُمْ فِي مَالِهِمْ حَتَّى يَعُودَ عَلَيْهِمْ مِنْ رِبْحِهِ بِقَدْرِ مَا آكُلُ أَوْ أَكْثَرُ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِقَدْرِ مُؤْنَتِهِ إِلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ بِذَلِكَ كَمَا تَطَوَّعَ أَبُو بَكْرٍ.

.

قُلْتُ وَالتَّوْجِيهُ الَّذِي ذَكَرَهُ بن الْأَثِيرِ أَوْجَهُ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَيَّنَ السَّبَبَ فِي تَرْكِ الِاحْتِرَافِ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِالْإِمَارَةِ فَمَتَى يَتَفَرَّغُ لِلِاحْتِرَافِ لِغَيْرِهِ إِذْ لَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَافُ لَاحْتَرَفَ لِنَفْسِهِ كَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي الْمَالَ لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ وَيَجْعَلُ رِبْحَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ رَوَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ أَكَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنَ الْمَالِ أَيْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتَرَفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ تَنْبِيهٌ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْوَقْفَ لَكِنَّهُ بِمَا اقْتَضَاهُ مِنْ أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَخْلَفَ كَانَ يَحْتَرِفُ لِتَحْصِيلِ مُؤْنَةِ أَهْلِهِ يَصِيرُ مَرْفُوعًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَى بن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ تَاجِرًا إِلَى بُصْرَى فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ إِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ وَيَأْتِي حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِ الْبُخَارِيِّ لَهُ عَقِبَ حَدِيثِهَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَدِيثُ الثَّانِي

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب كَسْبِ الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ بِيَدِهِ
( باب) بيان فضل ( كسب الرجل وعمله بيده) هو من عطف الخاص على العام لأن الكسب أعمّ من أن يكون بعمل اليد أو بغيرها.


[ قــ :1986 ... غــ : 2070 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي، وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ".

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( ابن وهب) عبد الله ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( قال: حدّثني) ولأبوي ذر والوقت: أخبرني بالإفراد فيهما ( عروة بن الزبير) بن العوّام ( أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما استخلف أبو بكر الصدّيق) -رضي الله عنه- ( قال: لقد علم قومي) قريش أو المسلمون ( أن حرفتي) بكسر المهملة وسكون الراء بعدها فاء أي جهة كسبي ( لم تكن تعجز) بكسر الجيم ( عن مؤنة أهلي وشغلت) بضم المعجمة مبنيًّا للمفعول ( بأمر المسلمين) عن الاحترام ( فسيأكل آل أبي بكر من هذا

المال)
لأنه لما اشتغل بالنظر في أمور المسلمين لكونه خليفة احتاج أن يأكل هو وأهله من بيت المال.

وقد روى ابن سعد بإسناد مرسل رجاله ثقات قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غاديًا إلى السوق على رأسه أثواب يتجر بها فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجرّاح -رضي الله عنهما- فقالا: كيف تصنع هذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالوا: نفرض لك ففرضوا له كل يوم شطر شاة.
ففيه أن القدر الذي كان يتناوله فرض له باتفاق من الصحابة.

( ويحترف للمسلمين فيه) أي يتجر في أموالهم بأن يعطي المال لمن يتجر فيه ويجعل ربحه للمسلمين في نظير ما يأخذه، وللمستملي والحموي: واحترف بهمزة بدل الياء وهذا تطوّع منه فإنه لا يجب على الإمام الاتجار في أموال المسلمين بقدر مؤنته لأنها فرض في بيت المال، أو المراد من الاحتراف نظره في أمورهم وتمييز مكاسبهم وأرزاقهم أو المعنى يجازيهم يقال: احترف الرجل إذا جازى على خير أو شر.

ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن فيه ما يدل على أن كسب الرجل بيده أفضل، وذلك أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان يحترف أي يكتسب ما يكفي عياله ثم لما اشتغل بأمر المسلمين حين استخلف لم يكن يفرغ للاحترام بيده فصار يحترف للمسلمين وإنه يعتذر عن تركه الاحترام لأهله، فلولا أن الكسب بيده أفضل لم يكن ليعتذر، وقد صوّب النووي أن أطيب الكسب ما كان بعمل اليد.

وهذا الحديث وإن كان ظاهره أنه موقوف لكنه بما اقتضاه من أنه قبل أن يستخلف كان يحترف لتحصيل مؤنة أهله يصير مرفوعًا لأنه كقول الصحابي: كنا نفعل كذا على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ كَسْبِ الرَّجُلِ وعَمَلِهِ بِيَدِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل كسب الرجل وَعَمله بِيَدِهِ.
قَوْله: (وَعَمله بِيَدِهِ) ، من عطف الْخَاص على الْعَام، لِأَن الْكسْب أَعم من أَن يكون بِعَمَل الْيَد أَو بغَيْرهَا.



[ قــ :1986 ... غــ :2070 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني ابنُ وَهْب عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ حدَّثني عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ لَمَّا اسْتُخْلِفَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَالَ لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَن حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عنْ مَؤنَةِ أهْلِي وشُغِلْتُ بِأمْرِ المُسْلِمِينَ فسَيَأكُلُ آلُ أبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا المَالِ ويَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِنَ فِيهِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ مَا يدل على أَن كسب الرجل بِيَدِهِ أفضل، وَذَلِكَ أَن أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ يحترف أَي يكْتَسب مَا يَكْفِي عِيَاله، ثمَّ لما شغل بِأَمْر الْمُسلمين حِين اسْتخْلف لم يكن يتفرغ للاحتراف بِيَدِهِ، فَصَارَ يحترف للْمُسلمين.
وَأَنه يعْتَذر عَن تَركه الاحتراف لأَهله، فلولا أَن الْكسْب بِيَدِهِ لأَهله كَانَ أفضل لم يكن يتأسف بقوله: {فسيأكل آل أبي بكر من هَذَا المَال) ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين.

وَهَذَا الحَدِيث مَوْقُوف، وَهُوَ مِمَّا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ.
وَإِسْمَاعِيل ابْن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَقد تكَرر ذكره، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن زيد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ الْمدنِي.

قَوْله: (إِن حرفتي) الحرفة والاحتراف: الْكسْب وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يتجر قبل استخلافه وَقد روى ابْن مَاجَه وَغَيره من حَدِيث أم سَلمَة أَن أَبَا بكر خرج تَاجِرًا إِلَى بصرى فِي عهد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وشغلت) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (بِأَمْر الْمُسلمين) ، أَي: بِالنّظرِ فِي أُمُورهم لكَونه خَليفَة.
قَوْله: (فسيأكل آل أبي بكر) يَعْنِي: نَفسه وَمن تلْزمهُ نَفَقَته، لِأَنَّهُ لما اشْتغل بِأَمْر الْمُسلمين احْتَاجَ إِلَى أَن يَأْكُل هُوَ وَأَهله من بَيت المَال..
     وَقَالَ  ابْن التِّين: يُقَال: إِن أَبَا بكر ارتزق كل يَوْم شَاة، وَكَانَ شَأْن الْخَلِيفَة أَن يطعم من حَضَره قصعتين كل يَوْم غدْوَة وعشيا.
وروى ابْن سعد بِإِسْنَاد مُرْسل بِرِجَال ثِقَات، قَالَ: (لما اسْتخْلف أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أصبح غاديا إِلَى السُّوق على رَأسه أَثوَاب يتجر بهَا، فَلَقِيَهُ عمر بن الْخطاب وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَقَالَا: كَيفَ تصنع هَذَا وَقد وليت أَمر الْمُسلمين؟ قَالَ: فَمن أَيْن أطْعم عيالي؟ قَالَا: نفرض لَك، ففرضوا لَهُ كل يَوْم شطر شَاة) .

وَفِي الطَّبَقَات: عَن حميد بن هِلَال: لما ولي أَبُو بكر، قَالَت الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: افرضوا للخليفة مَا يُغْنِيه.
قَالُوا: نعم! برْدَاهُ إِذا أخلقهما وضعهما وَأخذ مثلهمَا، وظهره إِذا سَافر، وَنَفَقَته على أَهله كَمَا كَانَ ينْفق قبل أَن يسْتَخْلف.
فَقَالَ أَبُو بكر: رضيت.
وَعَن مَيْمُون قَالَ: لما اسْتخْلف أَبُو بكر جعلُوا لَهُ أَلفَيْنِ فَقَالَ: زيدوني فَإِن لي عيالا فزاروه خمس مائَة فَقَالَ أما أَن يكون أَلفَيْنِ فزادوه خمس مائَة أَو كَانَت أَلفَيْنِ وَخمْس مائَة فزاده خَمْسمِائَة، وَلما حضرت أَبَا بكر الْوَفَاة حسب مَا أنْفق من بَيت المَال فوجدوه سَبْعَة آلَاف دِرْهَم، فَأمر بِمَالِه غير الرباع، فَأدْخل فِي بَيت المَال، فَكَانَ أَكثر مِمَّا أنْفق.
قَالَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: فربح الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ وَمَا ربحوا على غَيره.
وروى ابْن سعد وَابْن الْمُنْذر بِإِسْنَاد صَحِيح عَن مَسْرُوق (عَن عَائِشَة، قَالَت: لما مرض أَبُو بكر مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، قَالَ: انْظُرُوا مَا زَاد فِي مَالِي مُنْذُ دخلت الْإِمَارَة فَابْعَثُوا بِهِ إِلَى الْخَلِيفَة بعدِي.
قَالَت: فَلَمَّا مَاتَ نَظرنَا فَإِذا عبد نوبي كَانَ يحمل صبيانه، وناضح كَانَ يسْقِي بستانا لَهُ، فَبَعَثنَا بهما إى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: رَحمَه الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده) .
وَأخرج ابْن سعد من طَرِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة نَحوه، وَزَاد: أَن الْخَادِم كَانَ صيقلاً يعْمل سيوف الْمُسلمين ويخدم آل بكر وَمن طَرِيق ثَابت عَن أنس نَحوه.
وَفِيه: وَقد كنت حَرِيصًا على أَن أوفر مَال الْمُسلمين، وَقد كنت أصبت من اللَّحْم وَاللَّبن.
وَفِيه: وَمَا كَانَ عِنْده دِينَار وَلَا دِرْهَم.
مَا كَانَ إلاَّ خَادِم ولقحة ومحلب.

قَوْله: (ويحترف للْمُسلمين) أَي: يتجر لَهُم حَتَّى يعود عَلَيْهِم من ربحه بِقدر مَا أكل، أَو أَكثر، وَلَيْسَ بِوَاجِب على الإِمَام أَن يتجر فِي مَال الْمُسلمين بِقدر مؤونته إلاَّ أَن يتَطَوَّع بذلك، كَمَا تطوع أَبُو بكر.
قَوْله: (ويحترف) على صِيغَة الْمُضَارع الْغَائِب.
رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (وأحترف) ، على صِيغَة الْمُتَكَلّم وَحده.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن أفضل الْكسْب مَا يكسبه الرجل بِيَدِهِ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث الْمِقْدَام عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا يدل على ذَلِك.
وروى الْحَاكِم عَن أبي بردة يَعْنِي ابْن نيار: (سُئِلَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَي الْكسْب أطيب وَأفضل؟ قَالَ: عمل الرجل بِيَدِهِ، أَو كل عمل مبرور) .
وَعَن الْبَراء بن عَازِب نَحوه..
     وَقَالَ : صَحِيح الْإِسْنَاد، وَعَن رَافع بن خديج مثله، وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث عَائِشَة: (أَن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه) .
وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا: (إِن أطيب مَا أكلْتُم من كسبكم) ..
     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيّ: أصُول المكاسب الزِّرَاعَة وَالتِّجَارَة والصناعة، وأيها أطيب؟ فِيهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب للنَّاس، وأشبهها مَذْهَب الشَّافِعِي أَن التِّجَارَة أطيب، وَالْأَشْبَه عِنْدِي أَن الزِّرَاعَة أطيب لِأَنَّهَا أقرب إِلَى التَّوَكُّل..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَحَدِيث البُخَارِيّ صَرِيح فِي تَرْجِيح الزِّرَاعَة والصنعة لِكَوْنِهِمَا عمل يَده.
لَكِن الزِّرَاعَة أفضلهما لعُمُوم النَّفْع بهَا للآدمي وَغَيره.
وَعُمُوم الْحَاجة إِلَيْهَا.
وَفِيه: فَضِيلَة أبي بكر وزهده وورعه غَايَة الْوَرع.
وَفِيه: أَن لِلْعَامِلِ أَن يَأْخُذ من عرض المَال الَّذِي يعْمل فِيهِ قدر عمالته إِذا لم يكن فَوْقه إِمَام يقطع لَهُ أُجْرَة مَعْلُومَة، وكل من يتَوَلَّى عملا من أَعمال الْمُسلمين يُعْطي لَهُ شَيْء من بَيت المَال لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى كِفَايَته وكفاية عِيَاله، لِأَنَّهُ إِن لم يُعْط لَهُ شَيْء لَا يرضى أَن يعْمل شَيْئا فتضيع أَحْوَال الْمُسلمين.
وَعَن ذَلِك قَالَ أَصْحَابنَا: وَلَا بَأْس برزق القَاضِي، وَكَانَ شُرَيْح، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَأْخُذ على الْقَضَاء.
ذكره البُخَارِيّ فِي: بابُُ رزق الْحُكَّام والعاملين عَلَيْهَا، ثمَّ القَاضِي إِن كَانَ فَقِيرا فَالْأَفْضَل بل الْوَاجِب أَخذ كِفَايَته من بَيت المَال، وَإِن كَانَ غَنِيا فَالْأَفْضَل الِامْتِنَاع، رفقا بِبَيْت المَال.
وَقيل: الْأَخْذ هُوَ الْأَصَح صِيَانة للْقَضَاء عَن الهوان، لِأَنَّهُ إِذا لم يَأْخُذ لم يلْتَفت إِلَى أُمُور الْقَضَاء كَمَا يَنْبَغِي لاعتماده على غناهُ، فَإِذا أَخذ يلْزمه حِينَئِذٍ إِقَامَة أُمُور الْقَضَاء.