هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
369 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا ، وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
369 حدثنا أحمد بن يونس ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال : حدثنا ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام ، فنظر إلى أعلامها نظرة ، فلما انصرف قال : اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية أبي جهم ، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : كنت أنظر إلى علمها ، وأنا في الصلاة فأخاف أن تفتنني
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن عَائِشَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا ، وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي .

Narrated `Aisha:

the Prophet (ﷺ) prayed in a Khamisa (a square garment) having marks. During the prayer, he looked at its marks. So when he finished the prayer he said, Take this Khamisa of mine to Abu Jahm and get me his Inbijaniya (a woolen garment without marks) as it (the Khamisa) has diverted my attention from the prayer.

Narrated `Aisha:

The Prophet (ﷺ) said, 'I was looking at its (Khamisa's) marks during the prayers and I was afraid that it may put me in trial (by taking away my attention).

0373 Aicha dit : Le Prophète de Dieu pria une fois vêtu d’une Khjamisa ayant des motifs sur lesquels il jeta son regard. Ayant terminé sa prière, il dit : « Emmenez ma khamisa à Abu Jahm et apportez-moi son anbijâniya (un manteau épais sans motif) car la khamiza m’a distrait durant ma prière.«  De Hicham ben Urwa, de son père, de Aicha : Le Prophète de Dieu dit : « Je regardais ses motifs et je craignaits qu’elle ne me causât une distraction. »  

":"ہم سے احمد بن یونس نے بیان کیا ، انھوں نے کہا کہ ہمیں ابراہیم بن سعد نے خبر دی ، انھوں نے کہا کہ ہم سے ابن شہاب نے بیان کیا ، انھوں نے عروہ سے ، انھوں نے ام المؤمنین حضرت عائشہ رضی اللہ عنہا سے کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے ایک چادر میں نماز پڑھی ۔ جس میں نقش و نگار تھے ۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے انہیں ایک مرتبہ دیکھا ۔ پھر جب نماز سے فارغ ہوئے تو فرمایا کہ میری یہ چادر ابوجہم ( عامر بن حذیفہ ) کے پاس لے جاؤ اور ان کی انبجانیہ والی چادر لے آؤ ، کیونکہ اس چادر نے ابھی نماز سے مجھ کو غافل کر دیا ۔ اور ہشام بن عروہ نے اپنے والد سے روایت کی ، انھوں نے عائشہ رضی اللہ عنہا سے کہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا میں نماز میں اس کے نقش و نگار دیکھ رہا تھا ، پس میں ڈرا کہ کہیں یہ مجھے غافل نہ کر دے ۔

0373 Aicha dit : Le Prophète de Dieu pria une fois vêtu d’une Khjamisa ayant des motifs sur lesquels il jeta son regard. Ayant terminé sa prière, il dit : « Emmenez ma khamisa à Abu Jahm et apportez-moi son anbijâniya (un manteau épais sans motif) car la khamiza m’a distrait durant ma prière.«  De Hicham ben Urwa, de son père, de Aicha : Le Prophète de Dieu dit : « Je regardais ses motifs et je craignaits qu’elle ne me causât une distraction. »  

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [373] خَمِيصَةٌ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ لَهُ عَلَمَانِ وَالْأَنْبِجَانِيَّةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَبَعْدَ النُّونِ يَاءُ النِّسْبَةِ كِسَاءٌ غَلِيظٌ لَا عَلَمَ لَهُ.

     وَقَالَ  ثَعْلَبٌ يَجُوزُ فَتْحُ هَمْزَتِهِ وَكَسْرِهَا وَكَذَا الْمُوَحَّدَةُ يُقَالُ كَبْشٌ أَنْبِجَانِيٌّ إِذَا كَانَ مُلْتَفًّا كَثِيرَ الصُّوفِ وَكِسَاءٌ أَنْبِجَانِيٌّ كَذَلِكَ وَأَنْكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى مَنْبِجَ الْبَلَدِ الْمَعْرُوفِ بِالشَّامِ قَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ إِذَا نَسَبْتَ إِلَى مَنْبِجَ فَتَحْتَ الْبَاءَ فَقُلْتَ كِسَاءٌ مَنْبَجَانِيٌّ أَخْرَجُوهُ مَخْرَجَ مَنْظَرَانِيٍّ وَفِي الْجَمْهَرَةِ مَنْبِجُ مَوْضِعٌ أَعْجَمِيٌّ تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ وَنَسَبُوا إِلَيْهِ الثِّيَابَ الْمَنْبِجَانِيَّةِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ لَا يُقَالُ كِسَاءٌ أَنْبِجَانِيٌّ وَإِنَّمَا يُقَالُ مَنْبِجَانِيٌّ قَالَ وَهَذَا مِمَّا تُخْطِئُ فِيهِ الْعَامَّةُ.

.
وَتَعَقَّبَهُ أَبُو مُوسَى كَمَا تَقَدَّمَ فَقَالَ الصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ أَنْبِجَانُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  إِلَى أَبِي جَهْمٍ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَيُقَالُ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَإِنَّمَا خَصَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرْسَالِ الْخَمِيصَةِ لِأَنَّهُ كَانَ أَهْدَاهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَهْدَى أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصَةً لَهَا عَلَمٌ فَشَهِدَ فِيهَا الصَّلَاةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رُدِّي هَذِهِ الْخَمِيصَةَ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَوَقَعَ عِنْدِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ مُرْسَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِخَمِيصَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ فَلَبِسَ إِحْدَاهُمَا وَبَعَثَ الْأُخْرَى إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَأَخَذَ كُرْدِيًّا لِأَبِي جَهْمٍ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمِيصَةُ كَانَتْ خَيْرًا مِنَ الْكُرْدِيِّ قَالَ بن بَطَّالٍ إِنَّمَا طَلَبَ مِنْهُ ثَوْبًا غَيْرَهَا لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ هَدِيَّتَهُ اسْتِخْفَافًا بِهِ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ الْوَاهِبَ إِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ عَطِيَّتَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّاجِعَ فِيهَا فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.

.

قُلْتُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ وَرِوَايَةُ الزُّبَيْرِ وَالَّتِي بَعْدَهَا تُصَرِّحُ بِالتَّعَدُّدِ .

     قَوْلُهُ  أَلْهَتْنِي أَيْ شَغَلَتْنِي يُقَالُ لَهِيَ بِالْكَسْرِ إِذَا غَفَلَ وَلَهَا بِالْفَتْحِ إِذَا لَعِبَ .

     قَوْلُهُ  آنِفًا أَيْ قَرِيبًا وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنِ ائْتِنَافِ الشَّيْءِ أَيِ ابْتِدَائِهِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ صَلَاتِي أَيْ عَنْ كَمَالِ الْحُضُورِ فِيهَا كَذَا قِيلَ وَالطَّرِيقُ الْآتِيَةُ الْمُعَلَّقَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا خَشِيَ أَنْ يَقَعَ لِقَوْلِهِ فَأَخَافُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فَكَادَ فَلْتُؤَوَّلِ الرِّوَايَة الأولى قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِيهِ مُبَادَرَةُ الرَّسُولِ إِلَى مَصَالِحِ الصَّلَاةِ وَنَفْيُ مَا لَعَلَّهُ يَخْدِشُ فِيهَا.

.
وَأَمَّا بَعْثُهُ بِالْخَمِيصَةِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا فِي الصَّلَاةِ وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ حَيْثُ بَعَثَ بِهَا إِلَى عُمَرَ إِنِّي لَمْ أَبْعَثُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ كَرَاهِيَةُ كُلِّ مَا يَشْغَلُ عَنِ الصَّلَاةِ مِنَ الْأَصْبَاغِ وَالنُّقُوشِ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنَ الْأَصْحَابِ وَالْإِرْسَالُ إِلَيْهِمْ وَالطَّلَبُ مِنْهُمْ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبَاجِيُّ عَلَى صِحَّةِ الْمُعَاطَاةِ لِعَدَمِ ذِكْرِ الصِّيغَةِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ فِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ لِلصُّوَرِ وَالْأَشْيَاءِ الظَّاهِرَةِ تَأْثِيرًا فِي الْقُلُوبِ الطَّاهِرَةِ وَالنُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ يَعْنِي فَضْلًا عَمَّنْ دُونَهَا .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  هِشَام بن عُرْوَة أخرجه أَحْمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِمْ هَذَا اللَّفْظَ نَعَمِ اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْمُوَطَّأِ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الْمُعَلَّقِ وَلَفْظُهُ فَإِنِّي نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ فَكَادَ يَفْتِنُنِي وَالْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ يحمل بقوله أَلْهَتْنِي عَلَى قَوْلِهِ كَادَتْ فَيَكُونُ إِطْلَاقُ الْأُولَى لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْقُرْبِ لَا لِتَحَقُّقِ وُقُوعِ الْإِلْهَاءِتَنْبِيه قَوْله فَأَخَاف أَن تفتنني فِي رِوَايَتِنَا بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَاقِينَ بِإِظْهَارِ النُّونِ الْأُولَى وَهُوَ بِفَتْحِ أَوله من الثلاثي ق ( وَله بَابُ إِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ فِيهِ صُلْبَانٌ مَنْسُوجَةٌ أَوْ مَنْقُوشَةٌ أَوْ تَصَاوِيرُ أَيْ فِي ثَوْبٍ ذِي تَصَاوِيرَ كَأَنَّهُ حَذَفَ الْمُضَافَ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ هُوَ عَطْفٌ عَلَى ثَوْبِ لَا عَلَى مُصَلَّبٍ وَالتَّقْدِيرُ أَوْ صَلَّى فِي تَصَاوِيرَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَوْ بِتَصَاوِيرَ وَهُوَ يُرَجِّحُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أَوْ مُصَوَّرٍ .

     قَوْلُهُ  هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ جَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي تَرْكِ الْجَزْمِ فِيمَا فِيهِ اخْتِلَافٌ وَهَذَا مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ هَلْ يَقْتَضِي الْفَسَادَ أَمْ لَا وَالْجُمْهُورُ إِنْ كَانَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ اقْتَضَاهُ وَإِلَّا فَلَا .

     قَوْلُهُ  وَمَا يُنْهَى مِنْ ذَلِكَ أَيْ وَمَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَظَاهِرُ حَدِيثِ الْبَابِ لَا يُوَفِّي بِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ التَّرْجَمَةُ إِلَّا بَعْدَ التَّأَمُّلِ لِأَنَّ السِّتْرَ وَإِنْ كَانَ ذَا تَصَاوِيرٍ لَكِنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ وَلَمْ يَكُنْ مُصَلَّبًا وَلَا نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ صَرِيحًا وَالْجَوَابُ أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ مَنْعَ لُبْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَبِإِلْحَاقِ الْمُصَلَّبِ بِالْمُصَوَّرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى.

.
وَأَمَّا ثَالِثًا فَالْأَمْرُ بِالْإِزَالَةِ مُسْتَلْزِمٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الِاسْتِعْمَالِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مُصَلَّبٌ الْإِشَارَةَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ كَعَادَتِهِ وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ فِي اللِّبَاسِ مِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصْلِيبٌ إِلَّا نَقَضَهُ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ سِتْرًا أَوْ ثَوْبًا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [373] حدثنا أحمد بن يونس: ثنا إبراهيم بن سعد: ثنا ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: ( ( اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفا في صلاتي) ) .
وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( كنت انظر إلى علمها وأنا في الصلاة، فأخاف أن تفتنني) ) .
هذا الذي علقه عن هشام بن عروة.
خرجه مسلم في ( ( صحيحه) ) من حديث وكيع، عن هشام، ولكن لفظه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت له خميصة لها علم، فكان يتشاغل بها في الصلاة، فأعطاها أبا جهم، وأخذ كساء له أنبجانيا.
ورواه أبو معاوية عن هشام - أيضا -، ولفظ حديثه: قالت: كان للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خميصة، فأعطاها أبا جهم، وأخذ أنبجانية له، قالوا: يا رسولالله، أن الخميصة هي خير من الأنبجانية؟ فقال: ( ( إني كنت انظر إلي علمها في الصلاة) ) .
خرجه الإمام أحمد.
وخرجه أبو داود بمعناه من رواية ابن أبي الزناد، عن هشام.
ورواه مالك، عن هشام، عن أبيه - مرسلا.
وذكر ابن عبد البر: أن الأنبجاني مذكر في رواية الزهري، وإنما أنثه مالك في روايته.
قلت: وكذا في رواية إبراهيم بن سعد التي خرجها البخاري هنا.
قال: وإنما هو كساء أنبجاني، والأنبجاني لا يونث، إلا أن يكون أراد الخميصة أو الشملة.
قال: وقال ثعلب: يقال: أنبجانية - بكسر الباء وفتحها - لكل ما كثف والتف.
قالوا: شاة أنبجانية: أي كثيرة الصوف ملتفة.
قال ابن عبد البر: وقال ابن قتيبة: إنما هو كساء منبجاني - بالميم –؛ لأنه منسوب إلى منبج.
قَالَ: وفتحت باؤه في النسب؛ لأنه خرج مخرج منظراني ومنجراني.
قال: وعن ابن قتيبة يقول: جائز أن يقال: أنبجاني كما جاء في الحديث؛ لأن رواته عرب فصحاء، ومن الأنساب ما لا يجري على قياس، وإنما هو مسموع، هذا لو صح أنه منسوب إلى منبج.
انتهى.
وفي الحديث: دليل على أن نظر المصلي إلى ما يلهيه عن صلاته لا يفسد صلاته، ولا يلزمه إعادتها إذا كان ذلك قليلا، ولهذا قالت عائشة: فنظر إلى أعلامها نظرة.
وأما إذا كثر شغل قلبه عن صلاته، وحدث نفسه بغيرها، فمن الفقهاء من أصحابنا وغيرهم من أوجب عليه الإعادة بذلك.
ثم منهم من علل ذلك: بأن عمل النفس إذا كثر في الصلاة أبطلها، كعمل البدن.
وحكي ذلك عن ابن حامد.
ومنهم من علل: بوجوب الخشوع في الصلاة، فإذا فقد في أكثر الصلاة أبطلها.
وجمهور العلماء: على أنه لا تبطل بذلك الصلاة، وحكاه بعضهم إجماعا، وسيأتي ذكر ذلك في موضع آخر - أن شاء الله تعالى.
واستدل الشافعي بهذا الحديث على أن مجرد الاشتغال عن صلاته بنظر إلى شيء أو فكر فيه، إذا لم يوجب له ذلك الشك في عدد الركعات لا يسجد له للسهو.
وفي الحديث: دليل على استحباب التباعد عن الأسباب الملهية عن الصلاة، ولهذا أخرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلك الخميصة عنه بالكلية.
فينبغي لمن ألهاه شيء من الدنيا عن صلاته أن يخرجه عن ملكه.
وقد ذكر مالك في ( ( الموطإ) ) عن عبد الله بن أبي بكر، أن أبا طلحة الأنصاري كان يصلي في حائط له، فطار دبسي، فانطلق يتردد يلتمس مخرجها، فلم يجده لالتفاف النخل، فأعجبه ذلك فأتبعه بصره ساعة، ثمرجع فإذا هو لا يدري كم صلى، فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة، فأتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكر ذلك له، فقال: يا رسول الله، هو صدقة لله عز وجل، فضعه حيث أراك الله.
وذكر مالك - أيضا - عن عبد الله بن أبي بكر، أن رجلا من الأنصار كان يصلي في حائط له بالقف في زمن الثمر، والنخل قد ذللت، وهي مطوقة بثمرها، فنظر إلى ذلك فأعجبه ما رأى من ثمرها، ثم رجع إلى الصلاة، فإذا هو لا يدري كم صلى، فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة، فأتى عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، فذكر ذلك له، فقال له: أنه صدقة، فاجعله في سبيل الخير؛ فباعه عثمان بخمسين ألفا فكان اسم ذلك: المال الخمسين.
و ( ( الخميصة) ) : كساء رفيع يلبسه أشراف العرب، وقد يكون له علم، وقد لا يكون، وقد يكون أبيض وأحمر وأسود وأصفر.
و ( ( الأنبجاني) ) : كساء غليظ بغير علم: ذكر ذلك ابن عبد البر وغيره.
وقال الخطابي: الخميصة: كساء أسود، والأنبجانية: كساء له زئبر.
وقال أبو عبيد: الخمائص: ثياب من خز أو صوف معلم، وهي سود، كانت من لباس الناس.
وإنما خص بها أبا جهم بن حذيفة؛ لأنه كان أهداها إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فردها إليه، وطلب منه عوضا عنها كساء له غليظا؛ تطييبا لقلبه، حتى لا يحصل له انكسار برد هديته عليه، ولذلك أعلمه بسبب الرد.
وفيه تحذير له من أن يشتغل بها أو بغيرها عن صلاته.
هذا هو الذي ذكره ابن عبد البر.
ويدل على ذلك: ما خرجه مالك في ( ( الموطإ) ) عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة، قالت: أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خميصة شامية لها علم، فشهد فيها الصلاة، فلما انصرف قال: ( ( ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم؛ فإني نظرت إلى علمها في الصلاة، فكاد يفتنني) ) .
وخرجه الإمام أحمد من طريق مالك.
ولفظ: ( ( الفتنة) ) إنما يعرف في هذا الحديث من هذا الوجه، فأما من رواية هشام، عن أبيه، عن عائشة، - كما علقه البخاري - فغير معروف.
وقد روي عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة هذا الحديث، وفيه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( فإني كنت إذا رأيت علمها ذكرت الدنيا) ) .
وروي نعيم بن حماد، عن ابن عيينة: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكره الخميصة في نفسها، وإنما أخرجها عن ملكة لما كانت سبب شغله عن صلاته؛ كما اخرج أبو طالحة ماله الذي ألهاه عن صلاته.
وهذا يؤيد ما ذكرناه من قبل.
واعلم؛ أن الصلاة في الثوب الحسن غير مكروه، إلا أن يخشى منه الإلتهاء عن الصلاة أو حدوث الكبر، وقد كان لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم، يقوم بها الليل، وقد كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحيانا يلبس حللا من حلل اليمن، وبرودا حسنة، ولم ينقل عنه أنه كان يتجنب الصلاة فيها، وإنما ترك هذه الخميصة لما وقع له من تلك النظرة إلى علمها، وقد قال الله عز وجل: { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] ، وقد سبق قول ابن عمر: الله أحق أن يتزين له.
وخرج أبو داود في ( ( مراسيله) ) من حديث عبيد الله بن عتبة، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة - مما تعجبه: الثياب النقية الريح الطيبة.
ولم يزل علماء السلف يلبسون الثياب الحسنة، ولا يعدون ذلك كبراً.
وقد صح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سئل عن الرجل يحب أن يكون ثوبه حيناً ونعله حسناً؟ فقال: ( ( ليس ذلك من الكبر، أن الله جميل يحب الجمال) ) .
وقال جرير بن حازم: رأيت على الحسن طيلساناً كردياً حسناً،وخميصة أصبهانية جيدة، ذات أعلام خضر وخمر، أزرتها من إبريسم، وكان يرتدي ببرد له يمان أسود مصلب، وبرد عدني وقباء من برد حبرة، وعمامة سوداء.
وقال حرب: سألت إسحاق عن الصلاة في المنديل، وأريته منديلاً له أعلام خضر وخطوط؟ فقال: جائز.
15 - باب أن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته؟ وما ينهي من ذلك خرج فيه:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ إِذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ وَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهَا)
قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي رِوَايَةٍ وَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهِ وَالتَّأْنِيثُ فِي عَلَمِهَا بِاعْتِبَارِ الْخَمِيصَةِ .

     قَوْلُهُ 

[ قــ :369 ... غــ :373] خَمِيصَةٌ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ لَهُ عَلَمَانِ وَالْأَنْبِجَانِيَّةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَبَعْدَ النُّونِ يَاءُ النِّسْبَةِ كِسَاءٌ غَلِيظٌ لَا عَلَمَ لَهُ.

     وَقَالَ  ثَعْلَبٌ يَجُوزُ فَتْحُ هَمْزَتِهِ وَكَسْرِهَا وَكَذَا الْمُوَحَّدَةُ يُقَالُ كَبْشٌ أَنْبِجَانِيٌّ إِذَا كَانَ مُلْتَفًّا كَثِيرَ الصُّوفِ وَكِسَاءٌ أَنْبِجَانِيٌّ كَذَلِكَ وَأَنْكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى مَنْبِجَ الْبَلَدِ الْمَعْرُوفِ بِالشَّامِ قَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ إِذَا نَسَبْتَ إِلَى مَنْبِجَ فَتَحْتَ الْبَاءَ فَقُلْتَ كِسَاءٌ مَنْبَجَانِيٌّ أَخْرَجُوهُ مَخْرَجَ مَنْظَرَانِيٍّ وَفِي الْجَمْهَرَةِ مَنْبِجُ مَوْضِعٌ أَعْجَمِيٌّ تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ وَنَسَبُوا إِلَيْهِ الثِّيَابَ الْمَنْبِجَانِيَّةِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ لَا يُقَالُ كِسَاءٌ أَنْبِجَانِيٌّ وَإِنَّمَا يُقَالُ مَنْبِجَانِيٌّ قَالَ وَهَذَا مِمَّا تُخْطِئُ فِيهِ الْعَامَّةُ.

.
وَتَعَقَّبَهُ أَبُو مُوسَى كَمَا تَقَدَّمَ فَقَالَ الصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ أَنْبِجَانُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  إِلَى أَبِي جَهْمٍ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَيُقَالُ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَإِنَّمَا خَصَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرْسَالِ الْخَمِيصَةِ لِأَنَّهُ كَانَ أَهْدَاهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَهْدَى أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصَةً لَهَا عَلَمٌ فَشَهِدَ فِيهَا الصَّلَاةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رُدِّي هَذِهِ الْخَمِيصَةَ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَوَقَعَ عِنْدِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ مُرْسَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِخَمِيصَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ فَلَبِسَ إِحْدَاهُمَا وَبَعَثَ الْأُخْرَى إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَأَخَذَ كُرْدِيًّا لِأَبِي جَهْمٍ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمِيصَةُ كَانَتْ خَيْرًا مِنَ الْكُرْدِيِّ قَالَ بن بَطَّالٍ إِنَّمَا طَلَبَ مِنْهُ ثَوْبًا غَيْرَهَا لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ هَدِيَّتَهُ اسْتِخْفَافًا بِهِ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ الْوَاهِبَ إِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ عَطِيَّتَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّاجِعَ فِيهَا فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.

.

قُلْتُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ وَرِوَايَةُ الزُّبَيْرِ وَالَّتِي بَعْدَهَا تُصَرِّحُ بِالتَّعَدُّدِ .

     قَوْلُهُ  أَلْهَتْنِي أَيْ شَغَلَتْنِي يُقَالُ لَهِيَ بِالْكَسْرِ إِذَا غَفَلَ وَلَهَا بِالْفَتْحِ إِذَا لَعِبَ .

     قَوْلُهُ  آنِفًا أَيْ قَرِيبًا وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنِ ائْتِنَافِ الشَّيْءِ أَيِ ابْتِدَائِهِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ صَلَاتِي أَيْ عَنْ كَمَالِ الْحُضُورِ فِيهَا كَذَا قِيلَ وَالطَّرِيقُ الْآتِيَةُ الْمُعَلَّقَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا خَشِيَ أَنْ يَقَعَ لِقَوْلِهِ فَأَخَافُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فَكَادَ فَلْتُؤَوَّلِ الرِّوَايَة الأولى قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِيهِ مُبَادَرَةُ الرَّسُولِ إِلَى مَصَالِحِ الصَّلَاةِ وَنَفْيُ مَا لَعَلَّهُ يَخْدِشُ فِيهَا.

.
وَأَمَّا بَعْثُهُ بِالْخَمِيصَةِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا فِي الصَّلَاةِ وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ حَيْثُ بَعَثَ بِهَا إِلَى عُمَرَ إِنِّي لَمْ أَبْعَثُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ كَرَاهِيَةُ كُلِّ مَا يَشْغَلُ عَنِ الصَّلَاةِ مِنَ الْأَصْبَاغِ وَالنُّقُوشِ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنَ الْأَصْحَابِ وَالْإِرْسَالُ إِلَيْهِمْ وَالطَّلَبُ مِنْهُمْ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبَاجِيُّ عَلَى صِحَّةِ الْمُعَاطَاةِ لِعَدَمِ ذِكْرِ الصِّيغَةِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ فِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ لِلصُّوَرِ وَالْأَشْيَاءِ الظَّاهِرَةِ تَأْثِيرًا فِي الْقُلُوبِ الطَّاهِرَةِ وَالنُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ يَعْنِي فَضْلًا عَمَّنْ دُونَهَا .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  هِشَام بن عُرْوَة أخرجه أَحْمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِمْ هَذَا اللَّفْظَ نَعَمِ اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْمُوَطَّأِ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الْمُعَلَّقِ وَلَفْظُهُ فَإِنِّي نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ فَكَادَ يَفْتِنُنِي وَالْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ يحمل بقوله أَلْهَتْنِي عَلَى قَوْلِهِ كَادَتْ فَيَكُونُ إِطْلَاقُ الْأُولَى لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْقُرْبِ لَا لِتَحَقُّقِ وُقُوعِ الْإِلْهَاءِ تَنْبِيه قَوْله فَأَخَاف أَن تفتنني فِي رِوَايَتِنَا بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَاقِينَ بِإِظْهَارِ النُّونِ الْأُولَى وَهُوَ بِفَتْحِ أَوله من الثلاثي ق

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
إذا صلى في ثوب له أعلام، ونظر إلى علمها
[ قــ :369 ... غــ :373 ]
- حدثنا أحمد بن يونس: ثنا إبراهيم بن سعد: ثنا ابن شهاب، عن
عروة، عن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: ( ( اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفا في صلاتي) ) .

وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( كنت انظر إلى علمها وأنا في الصلاة، فأخاف أن تفتنني) ) .

هذا الذي علقه عن هشام بن عروة.
خرجه مسلم في ( ( صحيحه) ) من حديث وكيع، عن هشام، ولكن لفظه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت له خميصة لها علم، فكان يتشاغل بها في الصلاة، فأعطاها أبا جهم، وأخذ كساء له أنبجانيا.

ورواه أبو معاوية عن هشام - أيضا -، ولفظ حديثه: قالت: كان للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خميصة، فأعطاها أبا جهم، وأخذ أنبجانية له، قالوا: يا رسول الله، أن الخميصة هي خير من الأنبجانية؟ فقال: ( ( إني كنت انظر إلي علمها في الصلاة) ) .

خرجه الإمام أحمد.

وخرجه أبو داود بمعناه من رواية ابن أبي الزناد، عن هشام.

ورواه مالك، عن هشام، عن أبيه - مرسلا.

وذكر ابن عبد البر: أن الأنبجاني مذكر في رواية الزهري، وإنما أنثه مالك في روايته.

قلت: وكذا في رواية إبراهيم بن سعد التي خرجها البخاري هنا.

قال: وإنما هو كساء أنبجاني، والأنبجاني لا يونث، إلا أن يكون أراد الخميصة أو الشملة.

قال: وقال ثعلب: يقال: أنبجانية - بكسر الباء وفتحها - لكل ما كثف
والتف.
قالوا: شاة أنبجانية: أي كثيرة الصوف ملتفة.

قال ابن عبد البر: وقال ابن قتيبة: إنما هو كساء منبجاني - بالميم –؛ لأنه منسوب إلى منبج.
قَالَ: وفتحت باؤه في النسب؛ لأنه خرج مخرج منظراني
ومنجراني.
قال: وعن ابن قتيبة يقول: جائز أن يقال: أنبجاني كما جاء في الحديث؛ لأن رواته عرب فصحاء، ومن الأنساب ما لا يجري على قياس، وإنما هو مسموع، هذا لو صح أنه منسوب إلى منبج.
انتهى.
وفي الحديث: دليل على أن نظر المصلي إلى ما يلهيه عن صلاته لا يفسد صلاته، ولا يلزمه إعادتها إذا كان ذلك قليلا، ولهذا قالت عائشة: فنظر إلى أعلامها نظرة.

وأما إذا كثر شغل قلبه عن صلاته، وحدث نفسه بغيرها، فمن الفقهاء من أصحابنا وغيرهم من أوجب عليه الإعادة بذلك.

ثم منهم من علل ذلك: بأن عمل النفس إذا كثر في الصلاة أبطلها، كعمل
البدن.
وحكي ذلك عن ابن حامد.

ومنهم من علل: بوجوب الخشوع في الصلاة، فإذا فقد في أكثر الصلاة أبطلها.

وجمهور العلماء: على أنه لا تبطل بذلك الصلاة، وحكاه بعضهم إجماعا، وسيأتي ذكر ذلك في موضع آخر - أن شاء الله تعالى.

واستدل الشافعي بهذا الحديث على أن مجرد الاشتغال عن صلاته بنظر إلى شيء أو فكر فيه، إذا لم يوجب له ذلك الشك في عدد الركعات لا يسجد له للسهو.

وفي الحديث: دليل على استحباب التباعد عن الأسباب الملهية عن الصلاة، ولهذا أخرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلك الخميصة عنه بالكلية.
فينبغي لمن ألهاه شيء من الدنيا عن صلاته أن يخرجه عن ملكه.

وقد ذكر مالك في ( ( الموطإ) ) عن عبد الله بن أبي بكر، أن أبا طلحة الأنصاري كان يصلي في حائط له، فطار دبسي، فانطلق يتردد يلتمس مخرجها، فلم يجده لالتفاف النخل، فأعجبه ذلك فأتبعه بصره ساعة، ثم رجع فإذا هو لا يدري كم صلى، فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة، فأتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكر ذلك له، فقال: يا رسول الله، هو صدقة لله عز وجل، فضعه حيث أراك الله.

وذكر مالك - أيضا - عن عبد الله بن أبي بكر، أن رجلا من الأنصار كان يصلي في حائط له بالقف في زمن الثمر، والنخل قد ذللت، وهي مطوقة بثمرها، فنظر إلى ذلك فأعجبه ما رأى من ثمرها، ثم رجع إلى الصلاة، فإذا هو لا يدري كم صلى، فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة، فأتى عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، فذكر ذلك له، فقال له: أنه صدقة، فاجعله في سبيل الخير؛ فباعه عثمان بخمسين ألفا فكان اسم ذلك: المال الخمسين.

و ( ( الخميصة) ) : كساء رفيع يلبسه أشراف العرب، وقد يكون له علم، وقد لا يكون، وقد يكون أبيض وأحمر وأسود وأصفر.
و ( ( الأنبجاني) ) : كساء غليظ بغير علم: ذكر ذلك ابن عبد البر وغيره.

وقال الخطابي: الخميصة: كساء أسود، والأنبجانية: كساء له زئبر.

وقال أبو عبيد: الخمائص: ثياب من خز أو صوف معلم، وهي سود، كانت من لباس الناس.
وإنما خص بها أبا جهم بن حذيفة؛ لأنه كان أهداها إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فردها إليه، وطلب منه عوضا عنها كساء له غليظا؛ تطييبا لقلبه، حتى لا يحصل له انكسار برد هديته عليه، ولذلك أعلمه بسبب الرد.

وفيه تحذير له من أن يشتغل بها أو بغيرها عن صلاته.
هذا هو الذي ذكره ابن عبد البر.

ويدل على ذلك: ما خرجه مالك في ( ( الموطإ) ) عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة، قالت: أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خميصة شامية لها علم، فشهد فيها الصلاة، فلما انصرف قال: ( ( ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم؛ فإني نظرت إلى علمها في الصلاة، فكاد يفتنني) ) .

وخرجه الإمام أحمد من طريق مالك.

ولفظ: ( ( الفتنة) ) إنما يعرف في هذا الحديث من هذا الوجه، فأما من رواية هشام، عن أبيه، عن عائشة، - كما علقه البخاري - فغير معروف.

وقد روي عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة هذا الحديث، وفيه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( فإني كنت إذا رأيت علمها ذكرت الدنيا) ) .

وروي نعيم بن حماد، عن ابن عيينة: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكره الخميصة في
نفسها، وإنما أخرجها عن ملكة لما كانت سبب شغله عن صلاته؛ كما اخرج أبو طالحة ماله الذي ألهاه عن صلاته.

وهذا يؤيد ما ذكرناه من قبل.
واعلم؛ أن الصلاة في الثوب الحسن غير مكروه، إلا أن يخشى منه الإلتهاء عن الصلاة أو حدوث الكبر، وقد كان لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم، يقوم بها الليل، وقد كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحيانا يلبس حللا من حلل اليمن، وبرودا حسنة، ولم ينقل عنه أنه كان يتجنب الصلاة فيها، وإنما ترك هذه الخميصة لما وقع له من تلك النظرة إلى علمها، وقد قال الله عز وجل: { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] ، وقد سبق قول ابن عمر: الله أحق أن يتزين له.

وخرج أبو داود في ( ( مراسيله) ) من حديث عبيد الله بن عتبة، قال: كان
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة - مما تعجبه: الثياب النقية الريح الطيبة.

ولم يزل علماء السلف يلبسون الثياب الحسنة، ولا يعدون ذلك كبراً.

وقد صح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سئل عن الرجل يحب أن يكون ثوبه حيناً ونعله حسناً؟ فقال: ( ( ليس ذلك من الكبر، أن الله جميل يحب الجمال) ) .

وقال جرير بن حازم: رأيت على الحسن طيلساناً كردياً حسناً، وخميصة أصبهانية جيدة، ذات أعلام خضر وخمر، أزرتها من إبريسم، وكان يرتدي ببرد له يمان أسود مصلب، وبرد عدني وقباء من برد حبرة، وعمامة سوداء.

وقال حرب: سألت إسحاق عن الصلاة في المنديل، وأريته منديلاً له أعلام خضر وخطوط؟ فقال: جائز.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب إِذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلاَمٌ، وَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهَا
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا صلّى) الشخص ( في ثوب) أي وهو لابس ثوبًا ( له أعلام ونظر إلى علمها) أنّث بالنظر إلى الخميصة الآتية إن شاء الله تعالى.


[ قــ :369 ... غــ : 373 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ.
فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي»..
     وَقَالَ  هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي».
[الحديث 373 - طرفاه في: 752، 5817] .

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجدّه لشهرته به وأبوه عبد الله ( قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ( قال: حدّثنا ابن شهاب) الزهري ولابن عساكر عن ابن شهاب ( عن عروة) بن الزبير بن العوّام ( عن عائشة) رضي الله عنها.

( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في خميصة) بفتح الحاء المعجمة وكسر الميم وبالصاد المهملة كساء أسود
مربع ( لها أعلام) جملة وقعت صفة لخميصة ( فنظر) عليه الصلاة والسلام ( إلى أعلامها نظرة فلما انصرف) من صلاته ( قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم) بفتح الجيم وسكون الهاء عامر بن حذيفة العدوي القرشي المدني أسلم يوم الفتح، وتوفي في آخر خلافة معاوية، ( وائتوني بأنبجانية أبي جهم) بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتخفيف الجيم وبعد النون ياء نسبة مشدّدة كساء غليظ لا علم له، ويجوز كسر الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة وتخفيف المثناة.
قال ابن قرقول: نسبة إلى منبج بفتح الميم وكسر الموحدة موضع بالشام، وقيل نسبة إلى موضع يقال له أنبجان.
وفي هذه قال ثعلب: يقال كساء أنبجاني وهذا هو الأقرب إلى الصواب في لفظ الحديث اهـ.


( فإنها) أي الخميصة ( ألهتني) من لهى بالكسر لا من لها لهوًا إذا لعب أي شغلتني ( آنفًا) أي قريبًا ( عن صلاتي) وعند مالك في الموطأ.
فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني، وفي التعليق الآتي إن شاء الله تعالى قريبًا فأخاف أن يفتنني فيحمل قوله: ألهتني على قوله كاد فيكون الإطلاق للمبالغة في القرب لا لتحقّق وقوع الإلهاء، ولا يقال أن المعنى شغلتني عن كمال الحضور في صلاتي لأنّا نقول قوله في التعليق الآتي فأخاف أن يفتتي يدلّ على نفي وقوع ذلك، وقد يقال أن له عليه الصلاة والسلام حالتين حالة بشرية وحالة يختصّ بها خارجة عن ذلك، فبالنظر إلى الحالة البشرية قال: ألهتني، وبالنظر إلى الحالة الثانية لم يجزم به، بل قال: أخاف ولا يلزم من ذلك الوقوع ونزع الخميصة ليستنّ به في ترك كل شاغل، وليس المراد أن أبا جهم يصلّي في الخميصة لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن ليبعث إلى غيره به، يكرهه لنفسه فهو كإهداء الحلّة لعمر رضي الله عنه مع تحريم لباسها عليه لينتفع بها ببيع أو غيره.

واستنبط من الحديث الحثّ على حضور القلب في الصلاة وترك ما يؤدّي إلى شغله، وقد شهد القرآن بالفلاح للمصلّين الخاشعين والفلاح أجمع اسم لسعادة الآخرة وبانتفاء الخشوع ينتفي الفلاح فالمصلّي يناجي ربّه فعظّم في نفسك قدر مناجاته وانظر مَن تناجي وكيف تناجي وبماذا تناجي فاعلم واعمل تسلم.

ورواة هذا الحديث ما بين كوفي ومدنيين، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابية والتحديث والعنعنة.

( وقال هشام بن عروة) بن الزبير ( عن أبيه) عروة ( عن عائشة) رضي الله عنها مما رواه مسلم وغيره بالمعنى.
قالت:
( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كنت أنظر إلى علمها) أي الخميصة ( وأنا في الصلاة) جملة حالية ( فأخاف أن تفتنني) بفتح المثناة الفوقية وكسر الثانية وبالنونين من باب ضرب يضرب وفي رواية يفتنني بفتح المثناة التحتية في أوّله بدل الفوقية.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابٌُ إذَا صَلَّى فِي ثَوْب لهُ أعْلاَمٌ وَنَظَر إِلَى عَلَمِها)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا صلى شخص وَهُوَ لابس ثوبا وَله أَعْلَام، وَنظر إِلَى أَعْلَامه، هَل يكره ذَلِك أم لَا؟.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَنظر إِلَى علمه، وَفِي بَعْضهَا: إِلَى علمهَا، والتأنيث فِيهِ بِاعْتِبَار الخميصة، وَنَقله بَعضهم عَنهُ بِالْعَكْسِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ الْكرْمَانِي فِي رِوَايَة: وَنظر إِلَى علمه، والأعلام جمع علم، بِفَتْح اللَّام.



[ قــ :369 ... غــ :373]
- حَدَّثَنَا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قالَ حدّثنا إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ قالَ حدّثنا ابنُ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ أنَّ النبيَّ صلَّى فِي خمِيصةٍ لَها أعْلاَمٌ فَنَظَرَ إِلَى أعْلاَمِها نَظْرَةً فَلَمَّا انْصَرَف قالَ اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أبي جَهْمٍ وأتُونِي بأنْبِجانِيَّةِ أبي جَهْمٍ فإِنَّهَا ألْهَتْنِي آنِفاً عنْ صَلاَتي.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة ذكرُوا غير مرّة.
وَأحمد بن عبد ابْن يُونُس وينسب إِلَى جده، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن رُوَاته كوفيون ومدنيون.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره.
أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِيهِ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل بِهِ.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عَمْرو النَّاقِد، وَزُهَيْر بن حَرْب، وَأبي بكر بن أبي شيبَة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان.
وَأخرجه ابْن ماجة فِي اللبَاس عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن سُفْيَان بِهِ.

ذكر لغاته ومعانيه: قَوْله: ( فِي خميصة) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم وبالصاد الْمُهْملَة: وَهِي كسَاء أسود مربع لَهُ علمَان أَو أَعْلَام، وَيكون من خَز أَو صوف، وَلَا يُسمى خميصة إلاَّ أَن تكون سَوْدَاء معلمة، سميت بذلك للينها ورقتها وَصغر حجمها إِذا طويت، مَأْخُوذ من الخمص وَهُوَ: ضمور الْبَطن..
     وَقَالَ  ابْن حبيب فِي ( شرح الْمُوَطَّأ) : الخميصة كسَاء صوف أَو مَرْعَزِيٌّ معلم الصَّنْعَة.
قَوْله: ( لَهَا أَعْلَام) جملَة وَقعت صفة لخميصة، والأعلام جمع: علم، بِفتْحَتَيْنِ، وَقد فسرناه عَن قريب.
قَوْله: ( فَلَمَّا انْصَرف) ، أَي: من صلَاته واستقبال الْقبْلَة.
قَوْله: ( إِلَى أبي جهم) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْهَاء: واسْمه عَامر بن حُذَيْفَة الْعَدوي الْقرشِي الْمدنِي الصَّحَابِيّ.
وَقيل: اسْمه عبيد، أسلم يَوْم الْفَتْح وَكَانَ مُعظما فِي قُرَيْش وعالماً بِالنّسَبِ، شهد بُنيان الْكَعْبَة مرَّتَيْنِ، مَاتَ فِي آخر خلَافَة مُعَاوِيَة، وَهُوَ غير أبي جهيم، المصغر الْمَذْكُور فِي الْمُرُور.

قَوْله: ( بأنبجانية أبي جهم) ، قد اخْتلفُوا فِي ضبط هَذَا اللَّفْظ وَمَعْنَاهُ، فَقيل: بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْجِيم وَبعد النُّون يَاء النِّسْبَة..
     وَقَالَ  ثَعْلَب: يُقَال كَبْش إنبجاني، بِكَسْر الْيَاء وَفتحهَا إِذا كَانَ ملتفاً كثير الصُّوف، وَكسَاء أنبجاني، كَذَلِك.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: إِذا نسبت إِلَى منبج فتحت الْبَاء فَقلت: كسَاء منبجاني، أَخْرجُوهُ مخرج: مخبراني ومنظراني،.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم فِي ( لحن الْعَامَّة) : لَا يُقَال: كسَاء أنبجاني، وَهَذَا مِمَّا تخطىء فِيهِ الْعَامَّة، وَإِنَّمَا يُقَال: منبجاني، بِفَتْح الْمِيم وَالْبَاء.
قَالَ: وَقلت للأصمعي: لِمَ فتحت الْبَاء وَإِنَّمَا نسب إِلَى منبح بِالْكَسْرِ؟ قَالَ: خرج مخرج: منظراني ومخبراني.
قَالَ: وَالنّسب مِمَّا يُغير الْبناء،.

     وَقَالَ  الْقَزاز فِي ( الْجَامِع) : والنباج مَوضِع تنْسب إِلَيْهِ الثِّيَاب المنبجانية.
وَفِي ( الجمهرة) : ومنبج مَوضِع أعجمي، وَقد تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب ونسبوا إِلَيْهِ الثِّيَاب المنبجانية.
وَفِي ( الْمُحكم) أَن منبج مَوضِع، قَالَ سِيبَوَيْهٍ: الْمِيم، فِيهِ زَائِدَة بِمَنْزِلَة: الْألف، لِأَنَّهَا إِنَّمَا كثرت مزيدة أَولا، فموضوع زيادتها كموضع الْألف وَكَثْرَتهَا ككثرتها إِذا كَانَت أَولا فِي الِاسْم وَالصّفة، وَكَذَلِكَ النباج، وهما نباجان: نباج نَبْتَل ونباج بن عَامر، و: كسَاء منبجاني، مَنْسُوب إِلَيْهِ على غير قِيَاس.
وَفِي ( المغيث) : الْمَحْفُوظ كسر بَاء الأنبجانية،.

     وَقَالَ  ابْن الْحصار فِي ( تقريب المدارك) : من زعم أَنه مَنْسُوب إِلَى منبج فقد وهم.
قلت: منبج، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره جِيم: بَلْدَة من كور قنسرين بناها بعض الأكاسرة الَّذِي غلب على الشَّام، وسماها: مُنَبّه، وَبنى بهَا بَيت نَار ووكل بهَا رجلا، فعربت فَقيل: منبج، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا: منبجي، على الأَصْل: ومنبجاني على غير قِيَاس، وَالْبَاء تفتح فِي النِّسْبَة كَمَا يُقَال فِي النِّسْبَة إِلَى: صدف، بِكَسْر الدَّال: صدفي بِفَتْحِهَا.
وَمن هَذَا قَالَ ابْن قرقول: نِسْبَة إِلَى منبج، بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْبَاء وَيُقَال: نِسْبَة إِلَى مَوضِع يُقَال لَهُ: أنبجان، وَعَن هَذَا قَالَ ثَعْلَب: يُقَال كسَاء أنبجاني، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَب إِلَى الصَّوَاب فِي لفظ الحَدِيث، وَأما تَفْسِيرهَا، فَقَالَ عبد الْملك بن حبيب فِي ( شرح الْمُوَطَّأ) : هِيَ كسَاء غليظ تشبه الشملة يكون سداه قطناً غليظاً أَو كتاناً غليظاً، وَلحمَته صوف لَيْسَ بالمبرم، فِي فتله لين، غليظ يلتحف بِهِ فِي الْفراش، وَقد يشْتَمل بهَا فِي شدَّة الْبرد.
وَقيل: هِيَ من أدوان الثِّيَاب الغليظة تتَّخذ من الصُّوف، وَيُقَال: هُوَ كسَاء غليظ لَا علم لَهُ، فَإِذا كَانَ للكساء علم فَهُوَ خميصة، وَإِن لم يكن فَهُوَ أنبجانية.

قَوْله: ( ألهتني) أَي: أشغلتني، وَهُوَ من: الإلهاء، وثلاثيه: لهي الرجل عَن الشَّيْء يلهى عَنهُ إِذا غفل، وَهُوَ من بابُُ: يعلم، وَأما: لَهَا يلهو إِذا لعب فَهُوَ من بابُُ: نصر ينصر.
وَفِي ( الموعب) : وَقد لهى يلهو والتهى وألهاني عَنهُ، كَذَا ... أَي أنساني وشغلني.
قَوْله: ( آنِفا) أَي: قَرِيبا، واشتقاقه من الائتلاف بالشَّيْء أَي: الِابْتِدَاء بِهِ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِئْنَاف، وَمِنْه أنف كل شَيْء وَهُوَ أَوله.
وَيُقَال: قلت آنِفا وسالفاً، وانتصابه على الظَّرْفِيَّة، قَالَ ابْن الْأَثِير: قلت: الشَّيْء آنِفا فِي أول وَقت يقرب مني.
قَوْله: ( عَن صَلَاتي) أَي: عَن كَمَال الْحُضُور فِيهَا وتدبير أَرْكَانهَا وأذكارها، وَالِاسْتِقْصَاء فِي التَّوَجُّه إِلَى جناب الجبروت.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْأَحْكَام فِيهِ: جَوَاز لبس الثَّوْب الْمعلم وَجَوَاز الصَّلَاة فِيهِ.
وَفِيه: أَن اشْتِغَال الْفِكر الْيَسِير فِي الصَّلَاة غير قَادِح فِيهَا، وَهُوَ مجمع عَلَيْهِ،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَفِيه أَن الصَّلَاة تصح وَإِن حصل فِيهَا فكر مِمَّا لَيْسَ مُتَعَلقا بِالصَّلَاةِ، وَالَّذِي حُكيَ عَن بعض السّلف أَنه مِمَّا يضر غير مُعْتَد بِهِ.
وَفِيه: طلب الْخُشُوع فِي الصَّلَاة والإقبال عَلَيْهَا وَنفي كل مَا يشغل الْقلب ويلهي عَنهُ، وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا: الْمُسْتَحبّ أَن يكون نظره إِلَى مَوضِع سُجُوده، لِأَنَّهُ أقرب إِلَى التَّعْظِيم من إرْسَال الطّرف يَمِينا وَشمَالًا.
وَفِيه: الْمُبَادرَة إِلَى ترك كل مَا يلهي ويشغل الْقلب عَن الطَّاعَة والإعراض عَن زِينَة الدُّنْيَا والفتنة بهَا.
وَفِيه: منع النّظر وَجمعه عَمَّا لَا حَاجَة بالشخص إِلَيْهِ فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا، وَقد كَانَ السّلف لَا يخطىء أَحدهمَا مَوضِع قَدَمَيْهِ، إِذا مَشى.
وَفِيه: تكنية الْعَالم لمن دونه، وَكَذَلِكَ الإِمَام.
وَفِيه: كَرَاهَة تزويق الْمِحْرَاب فِي الْمَسْجِد وحائطه ونقشه وَغير ذَلِك من الشاغلات.
وَفِيه: قبُول الْهَدِيَّة من الْأَصْحَاب والإرسال إِلَيْهِم، وَاسْتدلَّ بِهِ الْبَاجِيّ على صِحَة المعاطاة فِي الْعُقُود بِعَدَمِ ذكر الصِّيغَة،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: إِنَّمَا أرسل إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ أهداها إِيَّاه، فَلَمَّا ألهاه علمهَا أَي: شغله إِيَّاه عَن الصَّلَاة بِوُقُوع نظره على نقوش الْعلم، ردهَا، أَو تفكر فِي أَن مثل ذَلِك الرعونة الَّتِي لَا تلِيق بِهِ، ردهَا إِلَيْهِ واستبدل مِنْهُ أنبجانية كَيْلا يتَأَذَّى قلبه بردهَا إِلَيْهِ.
وَفِيه: كَرَاهِيَة الْأَعْلَام الَّتِي يتعاطاه النَّاس على أردانهم.
وَفِيه: أَن لصور الْأَشْيَاء الظَّاهِرَة تَأْثِيرا فِي النُّفُوس الطاهرة والقلوب الزكية.

الأسئلة والأجوبة: مِنْهَا مَا قيل: كَيفَ بعث بِشَيْء يكرههُ لنَفسِهِ إِلَى غَيره؟ وَأجِيب: بِأَن بعثها إِلَى أبي جهم لم يكن لما ذكر، وَإِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهَا كَانَت سَبَب غفلته وشغله عَن الْخُشُوع وَعَن ذكر ا، كَمَا قَالَ: أخرجُوا عَن هَذَا الْوَادي الَّذِي أَصَابَكُم فِيهِ الْغَفْلَة، فَإِنَّهُ وَاد بِهِ شَيْطَان، أَلا ترى إِلَى قَوْله لعَائِشَة فِي الضَّب: ( إِنَّا لَا نتصدق بِمَا لَا نَأْكُل) وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أقوى خلق الرّفْع الوسوسة، وَلَكِن كرهها لدفع الوسوسة..
     وَقَالَ  ابْن بطال: وَأما بَعثه بالخميصة إِلَى أبي جهم وَطلب أنبجانيته فَهُوَ من بابُُ الإدلال عَلَيْهِ لعلمه بِأَنَّهُ يفرح بِهِ.

وَمِنْهَا مَا قيل: مَا وَجه تعْيين أبي جهم فِي الْإِرْسَال إِلَيْهِ؟ وَأجِيب بِأَن أَبَا جهم هُوَ الَّذِي أهداها لَهُ، فَلذَلِك ردهَا عَلَيْهِ.
وروى الطَّحَاوِيّ عَن الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي قَالَ: حدّثنا مَالك عَن عَلْقَمَة بن أبي عَلْقَمَة عَن أمه عَن عَائِشَة رَضِي اتعالى عَنْهَا، قَالَت: ( أهْدى أَبُو جهم إِلَى النَّبِي خميصة شامية لَهَا علم، فَشهد فِيهَا النَّبِي الصَّلَاة، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: ردي هَذِه الخميصة إِلَى أبي جهم فَإِنَّهَا كَادَت تفتنني) .

وَمِنْهَا مَا قيل: أَلَيْسَ فِيهِ تَغْيِير خاطره بِالرَّدِّ عَلَيْهِ؟ وَأجِيب: بِمَا ذَكرْنَاهُ الْآن عَن ابْن بطال، وَالْأولَى من هَذَا مَا دلّت عَلَيْهِ رِوَايَة أبي مُوسَى الْمدنِي: ردوهَا عَلَيْهِ وخذوا أنبجانيته، لِئَلَّا يُؤثر رد الْهَدِيَّة فِي قلبه.
وَعند أبي دَاوُد.
( شغلني أَعْلَام هَذِه، وَأخذ كرديا كَانَ لأبي جهم، فَقيل: يَا رَسُول االخميصة كَانَت خيرا من الْكرْدِي) .

وَمِنْهَا مَا قيل: أَلَيْسَ فِيهِ إِشَارَة إِلَى اسْتِعْمَال أبي جهم إِيَّاهَا فِي الصَّلَاة؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا يلْزم مِنْهُ ذَلِك، وَمثله قَوْله فِي حلَّة عُطَارِد، حَيْثُ بعث بهَا إِلَى عمر: إِنِّي لم أبْعث بهَا إِلَيْك لتلبسها، وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ الِانْتِفَاع بهَا من جِهَة بيع أَو إكساء لغيره من النِّسَاء.
فَإِن قلت: لَيست قَضِيَّة أبي جهم مثل قَضِيَّة عمر، رَضِي اتعالى عَنهُ، لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ: لَم أبْعث بهَا إِلَيْك لكذا وَكَذَا، وَهِي إِذا ألهت سيد الْخلق مَعَ عصمته فَكيف لَا تلهي أَبَا جهم، على أَنه قيل: إِنَّه كَانَ أعمى فالإلهاء مَفْقُود عَنهُ.
قلت: لَعَلَّه علم أَنه لَا يُصَلِّي فِيهَا، وَيحْتَمل أَن يكون خَاصّا بالشارع، كَمَا قَالَ: ( كل فإنني أُنَاجِي من لَا تناجي) .

وَمِنْهَا مَا قيل: كَيفَ يخَاف الافتتان من لَا يلْتَفت إِلَى الأكوان { مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى} ( النَّجْم: 71) وَأجِيب: بِأَنَّهُ كَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة خَارِجا عَن طباعه فَأشبه ذَلِك نظره من وَرَائه، فَأَما إِذا رد إِلَى طبعه البشري فَإِنَّهُ يُؤثر فِيهِ مَا يُؤثر فِي الْبشر.

وَمِنْهَا مَا قيل: إِن المراقبة شغلت خلقا من أَتْبَاعه حَتَّى إِنَّه وَقع السّقف إِلَى جَانب مُسلم بن يسَار وَلم يعلم.
وَأجِيب: بِأَن أُولَئِكَ يؤخذون عَن طباعهم فيغيبون عَن وجودهم، وَكَانَ الشَّارِع يسْلك طَرِيق الْخَواص وَغَيرهم، فَإِذا سلك طَرِيق الْخَواص غير الْكل، فَقَالَ: ( لست كأحدكم) ، وَإِذا سلك طَرِيق غَيرهم، قَالَ: ( إِنَّمَا أَنا بشر) ، فَرد إِلَى حَالَة الطَّبْع، فَنزع الخميصة لَيْسَ بِهِ من ترك كل شاغل.

وقالَ هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عَن عائِشَةَ قالَ النَّبيُّ كنْتُ أنْظُرُ إِلَى عَلَمِها وَأَنا فِي الصَّلاَةِ فأخَافُ أنْ تَفْتِنَنِي.

قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا عطف على قَوْله: قَالَ ابْن شهَاب، وَهُوَ من جملَة شُيُوخ إِبْرَاهِيم، وَيحْتَمل أَن يكون تَعْلِيقا.
قلت: هَذَا رَوَاهُ مُسلم فِي ( صَحِيحه) : عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن هِشَام، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عبيد اعن معَاذ عَن أَبِيه عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَنهُ، وَرَوَاهُ أَبُو معمر فَقَالَ: عمْرَة عَن عَائِشَة قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَلَعَلَّه غلط مِنْهُ، وَالصَّحِيح: عُرْوَة، وَلم يذكر أَبُو مَسْعُود هَذَا التَّعْلِيق، وَذكره خلف.
قَوْله: ( وَأَنا فِي الصَّلَاة) جملَة حَالية.
قَوْله: ( أَن تفتنني) ، بِفَتْح التَّاء من: فتن يفتن من بابُُ: ضرب يضْرب، وَيجوز أَن تكون بِالْإِدْغَامِ، وَأَن تكون بِضَم التَّاء من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ يُقَال: فتنه وأفتنه، وَأنْكرهُ الْأَصْمَعِي.

وَاعْلَم أَن فِي هَذِه الرِّوَايَة لم يَقع لَهُ شَيْء من الْخَوْف من الإلهاء لِأَنَّهُ قَالَ: ( فَأَخَاف) وَهَذَا مُسْتَقْبل، وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا رِوَايَة مَالك: ( فكاد يفتنني) ، فَهَذَا يدل على أَنه لم يَقع، وَالرِّوَايَة الأولى تدل على أَنه قد وَقع لِأَنَّهُ صرح بقوله: ( فَإِنَّهَا ألهتني) والتوفيق بَينهمَا يُمكن بِأَن يُقَال: للنَّبِي حالتان: حَالَة بشرية وَحَالَة تخْتَص بهَا خَارِجَة عَن ذَلِك، فبالنظر إِلَى الْحَالة البشرية قَالَ: ( ألهتني) ، وبالنظر إِلَى الْحَالة الثَّانِيَة لم يجْزم بِهِ، بل قَالَ: ( أَخَاف) ، وَلَا يلْزم من ذَلِك الْوُقُوع.
وَأَيْضًا فِيهِ تَنْبِيه لأمته ليحترزوا عَن مثل ذَلِك فِي صلَاتهم، لِأَن الصَّلَاة الْمُعْتَبرَة أَن يكون فِيهَا خشوع، وَمَا يلهي الْمُصَلِّي يُنَافِي الْخُشُوع والخضوع.