هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
587 حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ ، فَذَكَرُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ ، وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
587 حدثنا عمران بن ميسرة ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، قال : ذكروا النار والناقوس ، فذكروا اليهود والنصارى فأمر بلال أن يشفع الأذان ، وأن يوتر الإقامة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ ، فَذَكَرُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ ، وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ .

Narrated Anas:

The people mentioned the fire and the bell (they suggested those as signals to indicate the starting of prayers), and by that they mentioned the Jews and the Christians. Then Bilal was ordered to pronounce Adhan for the prayer by saying its wordings twice, and for the Iqama (the call for the actual standing for the prayers in rows) by saying its wordings once. (Iqama is pronounced when the people are ready for the prayer).

":"ہم سے عمران بن میسرہ نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے عبدالوارث بن سعید نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے خالد حذاء نے ابوقلابہ عبداللہ بن زید سے ، انھوں نے حضرت انس رضی اللہ عنہ سے کہ( نماز کے وقت کے اعلان کے لیے ) لوگوں نے آگ اور ناقوس کا ذکر کیا ۔ پھر یہود و نصاریٰ کا ذکر آ گیا ۔ پھر بلال رضی اللہ عنہ کو یہ حکم ہوا کہ اذان کے کلمات دو دو مرتبہ کہیں اور اقامت میں ایک ایک مرتبہ ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [603] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِث هُوَ بن سَعِيدٍ وَخَالِدُ هُوَ الْحَذَّاءُ كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ قَوْله ذَكَرُوا النَّار والناقوسفَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى كَذَا سَاقَهُ عَبْدُ الْوَارِثِ مُخْتَصَرًا وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْآتِيَةُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ أَوْضَحُ قَلِيلًا حَيْثُ قَالَ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا أَنْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ رَوْحِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ خَالِدٍ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ وَلَفْظُهُ فَقَالُوا لَوِ اتَّخَذْنَا نَاقُوسًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ لِلنَّصَارَى فَقَالُوا لَوِ اتَّخَذْنَا بُوقًا فَقَالَ ذَاكَ لِلْيَهُودِ فَقَالُوا لَوْ رَفَعْنَا نَارًا فَقَالَ ذَاكَ لِلْمَجُوسِ فَعَلَى هَذَا فَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ اخْتِصَارٌ كَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ وَالْبُوقَ فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَاللَّفُّ وَالنَّشْرُ فِيهِ مَعْكُوسٌ فَالنَّارُ لِلْمَجُوسِ وَالنَّاقُوسُ لِلنَّصَارَى وَالْبُوقُ لِلْيَهُودِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث بن عُمَرَ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ الْبُوقَ لِلْيَهُودِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ النَّارُ وَالْبُوقُ جَمِيعًا للْيَهُود جمعا بَين حَدِيثي أنس وبن عُمَرَ انْتَهَى وَرِوَايَةُ رَوْحٍ تُغْنِي عَنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ قَوْله فَأُمِرَ بِلَالٌ هَكَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَأَهْلُ الْأُصُولِ فِي اقْتِضَاءِ هَذِهِ الصِّيغَةِ لِلرَّفْعِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ مُحَقِّقِي الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا تَقْتَضِيهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ مَنْ لَهُ الْأَمْرُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ وَهُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ هُنَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ التَّقْرِيرَ فِي الْعِبَادَةِ إِنَّمَا يُؤْخَذُ عَنْ تَوْقِيفٍ فَيَقْوَى جَانِبُ الرَّفْعِ جِدًّا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ رَوْحِ بْنِ عَطَاءٍ الْمَذْكُورَةِ فَأَمَرَ بِلَالًا بِالنَّصْبِ وَفَاعِلُ أَمَرَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَيِّنٌ فِي سِيَاقِهِ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا قَالَ الْحَاكِمُ صَرَّحَ بِرَفْعِهِ إِمَامُ الْحَدِيثِ بِلَا مُدَافَعَةٍ قُتَيْبَةُ.

.

قُلْتُ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَطَرِيقُ يَحْيَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَقد رَوَاهُ البلاذري من طَرِيق بن شِهَابٍ الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَقَضِيَّةُ وُقُوعِ ذَلِكَ عَقِبَ الْمُشَاوَرَةِ فِي أَمْرِ النِّدَاءِ إِلَى الصَّلَاةِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْآمِرَ بِذَلِكَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا غَيْرُهُ كَمَا اسْتدلَّ بِهِ بن الْمُنْذر وبن حِبَّانَ وَاسْتَدَلَّ بِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوب الْأَذَان وَتعقب بِأَن الْأَمر إِنَّمَا وَرَدَ بِصِفَةِ الْأَذَانِ لَا بِنَفْسِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ الْأَمْرُ بِالصِّفَةِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الأَصْل مَأْمُورا بِهِ قَالَه بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ مُطْلَقًا الْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُد وبن الْمُنْذِرِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَحَكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَقِيلَ وَاجِبٌ فِي الْجُمُعَةِ فَقَطْ وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مُنْشَأِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَأَخْطَأَ مَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [603] حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ، فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ.
[الحديث أطرافه في: 605، 606، 607، 3457] .
وبالسند قال ( حدّثنا عمران بن ميسرة) بفتح الميم وسكون المثناة التحتية الأدمي البصري ( قال حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التنوري بفتح المثناة الفوقية وتشديد النون البصري ( قال حدّثنا خالد) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي ( خالد الحذاء) ( عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد ( عن أنس) وللأصيلي زيادة ابن مالك ( قال ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى) كذا وقع مختصرًا في رواية عبد الوارث وساقه بتمامه عبد الوهاب في الباب اللاحق حيث قال لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيءيعرفونه فذكروا أن يوروا نارًا ويضربوا ناقوسًا ( فأمر بلال) بضم الهمزة أي أمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما وقع مصرحًا به في رواية النسائي وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب ( أن يشفع الأذان) بفتحات وسكون الشين أي يأتي بألفاظه مثنى إلا لفظ التكبير في أوّله فإنه أربع وإلا كلمة التوحيد في آخره فإنها مفردة فالمراد معظمه ( وأن يوتر الإقامة) إلاّ لفظ الإقامة فإنه يثنى واستنبط من قوله فأمر بلال وجوب الأذان والجمهور على أنه سُنّة وأجاب القائل بالوجوب بأن الأمر إنما وقع بصفة الأذان في كونه شفعًا لا لأصل الأذان ولئن سلمنا أنه لنفس الأذان لكن الصيغة الشرعية واجبة في الشيء ولو كان نفلاً كالطهارة لصلاة النفل وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفة لزم أن يكون الأصل مأمورًا به قاله ابن دقيق العيد.
ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون وفيه التحديث والعنعنة والقول وأخرجه المؤلّف في ذكر بني إسرائيل ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [603] ثنا عمران بن ميسرة: ثنا عبد الوارث: ثنا خالد، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: ذكروا النار والناقوس، فذكروا اليهود والنصارى، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
وخرجه البخاري في الباب الآتي، بلفظ آخر، وهو: " قال: لما كثرالناس وانتشروا في المدينة.
قال: ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا ناراً أو يضربوا ناقوساً، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة".
وخرجه مسلم - أيضا.
وهذا يدل على أن الأذان تأخر عن أول قدوم النبي ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة حتى كثر الناس وانتشروا في المدينة ومن حولها، واحتاجوا حينئذ إلى تعليم وقت الصلاة بشيء يعرفونه معرفة تامة.
وقوله في هذه الرواية: " فذكروا اليهود والنصارى" - يعني: أنهم كرهوا النار والناقوس؛ لمشابهة اليهود والنصارى في أفعالهم.
ولا يعرف ذكر " النار" إلا في هذه الرواية، وإنما في أكثر الأحاديث ذكر الناقوس والبوق، وفي بعضها ذكر راية تنصب ليراها الناس.
وقد روي من حديث خالد، عن أبي قلابة ذكر الناقوس والبوق - أيضا.
خرجها ابن خزيمة في " صحيحه" والطبراني من رواية روح بن عطاء بن أبي ميمونة، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: كانت الصلاة إذا حضرت على عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سعى رجل إلىالطريق، فنادى: الصلاة الصلاة، فاشتد ذلك على الناس، فقالوا: لو اتخذنا ناقوساً يا رسول الله؟ قال: " ذلك للنصارى".
قالوا: فلو اتخذنا بوقاً؟ قال: " ذلك لليهود".
فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
وقال الطبراني: لم يروه - بهذا التمام - عن خالد إلا روح.
انتهى.
وروح، متكلم فيه.
وفي حديث عبد الله بن زيد، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة.
خرجه أبو داود وغيره.
ويعضده: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء.
وفي رواية إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق لحديث عبد الله بن زيد، قال: لما أجمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يضرب بالناقوس لجمع الناس للصلاة، وهو كاره لموافقة النصارى.
وهذا يدل على أن الناس قد اجتمعوا على ذلك، ووافقهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع كراهته له.
وقوله: " فأمر بلال" لا يشك أن الآمر له هو رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما صرح به ابن عمر في حديثه الآتي.
قال الخطأبي: الأذان شريعة من الشرائع، والأمر المضاف إلى الشريعة في زمان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يضاف إلى غيره.
قال: ومن زعم ان الآمر لبلال به أبو بكر فقد غلط؛ لأن بلالاً لم يقم بالمدينة بعد موت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما لحق بالشام أيام أبي بكر.
أنتهى.
ولقد أبطل من زعم أن أمر بلال بالأذان تأخر إلى زمن أبي بكر، وأن مدة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلت عن أذان، وهذا لا يقوله من يعقل ما يقول.
ولعل هذا الزاعم إنما زعم أن أبا بكر أمر بابتار الإقامة بعد أن كانت على غير ذلك في زمن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وهذا في غاية البطلان - أيضا -، وإنما يحمل عليه الهوى والتعصب، وكيف يغير أبو بكر بعد موت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شريعته في إقامة الصلاة ويقره الناس على ذلك؟ والحديث صريح في أن أمر بلال بذلك كان في أول أمر الأذان، حيث كانوا يترددون فيما يحصل به إعلام الناس بوقت الصلاة، فيحنئذ أمر بلال بأن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، لا يحتمل الكلام غير هذا المعنى.
والله اعلم.
وقد خرج النسائي هذا الحديث من رواية عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
ونقل عباس الدوري، عن ابن معين، قال: لم يرفعه إلا الثقفي.
وقد خرجه الدارقطني من طرق أخرى مصرحاً برفعه - أيضا - كما رواه الثقفي.
الحديث الثاني:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَوْله بَابُ بَدْءِ الْأَذَانِ)
أَيِ ابْتِدَائِهِ وَسَقَطَ لَفْظُ بَابُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَكَذَلِكَ سَقَطَتِ الْبَسْمَلَةُ مِنْ رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ وَغَيْرِهِ قَوْله وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ الْآيَةَ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الْأَذَانِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا سَمِعُوا الْأَذَانَ قَالُوا لَقَدِ ابْتَدَعْتَ يَا مُحَمَّدُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ فِيمَا مَضَى فَنَزَلَتْ وَإِذَا نَادَيْتُمْ الىالصلاة الْآيَةَ قَوْله وَقَولُهُ تَعَالَى إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يُشِيرُ بِذَلِكَ أَيْضًا إِلَى الِابْتِدَاءِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْجُمُعَةِ إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَاخْتُلِفَ فِي السَّنَةِ الَّتِي فُرِضَ فِيهَا فَالرَّاجِحُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَقِيلَ بَلْ كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وروى عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ فَرْضَ الْأَذَانِ نَزَلَ مَعَ هَذِهِ الْآيَةِ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ تَنْبِيهٌ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا فِي الْآيَتَيْنِ مِنَ التَّعْدِيَةِ بِإِلَى وَاللَّامِ أَنَّ صِلَاتِ الْأَفْعَالِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ مَقَاصِدِ الْكَلَامِ فَقَصَدَ فِي الْأُولَى مَعْنَى الِانْتِهَاءِ وَفِي الثَّانِيَةِ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ بِمَعْنَى إِلَى أَوِ الْعَكْسُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَحَدِيث بن عُمَرَ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْبَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْأَذَانَ إِنَّمَا شُرِعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَإِنَّهُ نَفَى النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَقَولُهُ فِي آخِرِهِ يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ رُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَسِيَاقُ حَدِيثهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا أخرجه بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فَذكر نَحْو حَدِيث بن عُمَرَ وَفِي آخِرِهِ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أُرِيَ عَبْدُ اللَّهِ النِّدَاءَ فَذَكَرَ الرُّؤْيَا وَفِيهَا صِفَةُ الْأَذَانِ لَكِنْ بِغَيْرِ تَرْجِيعٍ وَفِيهِ تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ وَإِفْرَادُ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَفِي آخِرِهِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ وَفِيهِ مَجِيءُ عُمَرَ وَقَولُهُ إِنَّهُ رَأَى مِثْلَ ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَرْجَمَةِ بَدْءِ الْأَذَانِ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مَعَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ شَرْطِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيد من طرق وَحكى بن خُزَيْمَةَ عَنِ الذُّهْلِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي طُرُقِهِ أَصَحُّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَشَاهِدُهُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا وَمِنْهُمْ مَنْ وَصَلَهُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَالْمُرْسَلُ أَقْوَى إِسْنَادًا وَوَقَعَ فِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَيْضًا رَأَى الْأَذَانَ وَوَقَعَ فِي الْوَسِيطِ لِلْغَزَالِيِّ أَنَّهُ رَآهُ بِضْعَةُ عَشَرَ رَجُلًا وَعِبَارَةُ الْجِيلِيِّ فِي شَرْحِ التَنْبِيهِ أَرْبَعَةُ عَشَرَ رجلا وَأنْكرهُ بن الصَّلَاحِ ثُمَّ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَ مُغْلَطَايْ أَنَّ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ رَآهُ سَبْعَةٌ وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَقِصَّةُ عُمَرَ جَاءَتْ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ بِسَنَدٍ وَاهٍ قَالَ أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ جِبْرِيلُ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا فَسَمِعَهُ عُمَرُ وَبِلَالٌ فَسَبَقَ عُمَرُ بِلَالًا فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَ بِلَالٌ فَقَالَ لَهُ سَبَقَكَ بِهَا عُمَرُ فَائِدَتَانِ الْأُولَى وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مِنْهَا لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ الْأَذَانَ فَنَزَلَ بِهِ فَعَلَّمَهُ بِلَالًا وَفِي إِسْنَادِهِ طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ مَتْرُوك وللدارقطني فِي الْأَطْرَاف مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَذَانِ حِينَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا لَمَّا أُسْرِيَ بِي أَذَّنَ جِبْرِيلُ فَظَنَّتِ الْمَلَائِكَةُ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ فَقَدَّمَنِي فَصَلَّيْتُ وَفِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ وَلِلْبَزَّارِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الْأَذَانَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِدَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا الْبُرَاقُ فَرَكِبَهَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ إِذْ خَرَجَ مَلَكٌ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ أَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِهِ فَأَمَّ بِأَهْلِ السَّمَاءِ وَفِي إِسْنَادِهِ زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَبُو الْجَارُودِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ أَيْضًا وَيُمْكِنُ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَعَدُّدِ الْإِسْرَاءِ فَيَكُونُ ذَلِكَ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ سَمِعَهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّهِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِهِ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الْأَذَانَ وَكَذَا قَوْلُ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ يُحْمَلُ الْأَذَانُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْإِعْلَامُ فَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِتَصْرِيحِهِ بِكَيْفِيَّتِهِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَيْء من هَذِه الْأَحَادِيث وَقد جزم بن الْمُنْذِرِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِغَيْرِ أَذَانٍ مُنْذُ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ إِلَى أَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِلَى أَنْ وَقَعَ التَّشَاوُرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ثُمَّ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ انْتَهَى وَقَدْ حَاوَلَ السُّهيْلي الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فَتَكَلَّفَ وَتَعَسَّفَ وَالْأَخْذُ بِمَا صَحَّ أولى فَقَالَ بانيا على صِحَة الْحِكْمَةُ فِي مَجِيءِ الْأَذَانِ عَلَى لِسَانِ الصَّحَابِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَهُ فَوق سبع سماوات وَهُوَ أَقْوَى مِنَ الْوَحْيِ فَلَمَّا تَأَخَّرَ الْأَمْرُ بِالْأَذَانِ عَنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَأَرَادَ إِعْلَامَهُمْ بِالْوَقْتِ فَرَأَى الصَّحَابِيُّ الْمَنَامَ فَقَصَّهَا فَوَافَقَتْ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَهُ فَقَالَ إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ وَعَلِمَ حِينَئِذٍ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ بِمَا أَرَاهُ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فِي الْأَرْضِ وَتَقَوَّى ذَلِكَ بِمُوَافَقَةِ عُمَرَ لِأَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِ وَالْحِكْمَةُ أَيْضًا فِي إِعْلَامِ النَّاسِ بِهِ عَلَى غَيْرِ لِسَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّنْوِيهُ بِقَدْرِهِ وَالرَّفْعِ لذكره بِلِسَان غَيره ليَكُون أقوى لأَمره وأفخم لِشَأْنِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَالثَّانِي حَسَنٌ بَدِيعٌ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ حَتَّى أُضِيفَ عُمَرُ لِلتَّقْوِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَكِنْ قَدْ يُقَالُ فَلِمَ لَا أَقْتَصِرُ عَلَى عُمَرَ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ لِيَصِيرَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ سَبَقَتْ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ بِلَالًا أَيْضًا رَأَى لَكِنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ فَإِنَّ لَفْظَهَا سَبَقَكَ بِهَا بِلَالٌ فَيُحْمَلُ الْمُرَادُ بِالسَّبْقِ عَلَى مُبَاشَرَةِ التَّأْذِينِ بِرُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَمِمَّا كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهُ هَلْ بَاشَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ بِنَفْسِهِ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ السُّهَيْلِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ فِي سَفَرٍ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُمْ عَلَى رَوَاحِلِهِمُ السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقٍ تَدُورُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الرَّمَّاحِ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ اه وَلَيْسَ هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَكَذَا جَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ مَرَّةً فِي السَّفَرِ وَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ وَقَوَّاهُ وَلَكِنْ وَجَدْنَاهُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ فَعَرَفَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ اخْتِصَارًا وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَذَّنَ أَمَرَ بِلَالًا بِهِ كَمَا يُقَالُ أَعْطَى الْخَلِيفَةُ الْعَالِمَ الْفُلَانِيَّ أَلْفًا وَإِنَّمَا بَاشَرَ الْعَطَاءَ غَيْرُهُ وَنُسِبَ لِلْخَلِيفَةِ لِكَوْنِهِ آمِرًا بِهِ وَمِنْ أَغْرَبِ مَا وَقَعَ فِي بَدْءِ الْأَذَانِ مَا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ أُخِذَ الْأَذَانُ مِنْ أَذَانِ إِبْرَاهِيمَ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ الْآيَةَ قَالَ فَأَذَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجَاهِيلُ أَنَّ جِبْرِيلَ نَادَى بِالْأَذَانِ لِآدَمَ حِينَ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ أَعْرَضَ الْبُخَارِيُّ عَنِ التَّصْرِيحِ بِحُكْمِ الْأَذَانِ لِعَدَمِ إِفْصَاحِ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِيهِ عَنْ حُكْمٍ مُعَيَّنٍ فَأَثْبَتَ مَشْرُوعِيَّتَهُ وَسَلِمَ مِنَ الِاعْتِرَاضِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ وَمَنْشَأُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ مَبْدَأَ الْأَذَانِ لَمَّا كَانَ عَنْ مَشُورَةٍ أَوْقَعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ حَتَّى اسْتَقَرَّ بِرُؤْيَا بَعْضِهِمْ فَأَقَرَّهُ كَانَ ذَلِكَ بِالْمَنْدُوبَاتِ أَشْبَهَ ثُمَّ لَمَّا وَاظَبَ عَلَى تَقْرِيرِهِ وَلَمْ يُنْقَلُ أَنَّهُ تَرَكَهُ وَلَا أَمَرَ بِتَرْكِهِ وَلَا رَخَّصَ فِي تَرْكِهِ كَانَ ذَلِكَ بِالْوَاجِبَاتِ أَشْبَهَ انْتَهَى وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

[ قــ :587 ... غــ :603] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِث هُوَ بن سَعِيدٍ وَخَالِدُ هُوَ الْحَذَّاءُ كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ قَوْله ذَكَرُوا النَّار والناقوس فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى كَذَا سَاقَهُ عَبْدُ الْوَارِثِ مُخْتَصَرًا وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْآتِيَةُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ أَوْضَحُ قَلِيلًا حَيْثُ قَالَ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا أَنْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ رَوْحِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ خَالِدٍ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ وَلَفْظُهُ فَقَالُوا لَوِ اتَّخَذْنَا نَاقُوسًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ لِلنَّصَارَى فَقَالُوا لَوِ اتَّخَذْنَا بُوقًا فَقَالَ ذَاكَ لِلْيَهُودِ فَقَالُوا لَوْ رَفَعْنَا نَارًا فَقَالَ ذَاكَ لِلْمَجُوسِ فَعَلَى هَذَا فَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ اخْتِصَارٌ كَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ وَالْبُوقَ فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَاللَّفُّ وَالنَّشْرُ فِيهِ مَعْكُوسٌ فَالنَّارُ لِلْمَجُوسِ وَالنَّاقُوسُ لِلنَّصَارَى وَالْبُوقُ لِلْيَهُودِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث بن عُمَرَ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ الْبُوقَ لِلْيَهُودِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ النَّارُ وَالْبُوقُ جَمِيعًا للْيَهُود جمعا بَين حَدِيثي أنس وبن عُمَرَ انْتَهَى وَرِوَايَةُ رَوْحٍ تُغْنِي عَنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ قَوْله فَأُمِرَ بِلَالٌ هَكَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَأَهْلُ الْأُصُولِ فِي اقْتِضَاءِ هَذِهِ الصِّيغَةِ لِلرَّفْعِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ مُحَقِّقِي الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا تَقْتَضِيهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ مَنْ لَهُ الْأَمْرُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ وَهُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ هُنَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ التَّقْرِيرَ فِي الْعِبَادَةِ إِنَّمَا يُؤْخَذُ عَنْ تَوْقِيفٍ فَيَقْوَى جَانِبُ الرَّفْعِ جِدًّا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ رَوْحِ بْنِ عَطَاءٍ الْمَذْكُورَةِ فَأَمَرَ بِلَالًا بِالنَّصْبِ وَفَاعِلُ أَمَرَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَيِّنٌ فِي سِيَاقِهِ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا قَالَ الْحَاكِمُ صَرَّحَ بِرَفْعِهِ إِمَامُ الْحَدِيثِ بِلَا مُدَافَعَةٍ قُتَيْبَةُ.

.

قُلْتُ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَطَرِيقُ يَحْيَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَقد رَوَاهُ البلاذري من طَرِيق بن شِهَابٍ الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَقَضِيَّةُ وُقُوعِ ذَلِكَ عَقِبَ الْمُشَاوَرَةِ فِي أَمْرِ النِّدَاءِ إِلَى الصَّلَاةِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْآمِرَ بِذَلِكَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا غَيْرُهُ كَمَا اسْتدلَّ بِهِ بن الْمُنْذر وبن حِبَّانَ وَاسْتَدَلَّ بِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوب الْأَذَان وَتعقب بِأَن الْأَمر إِنَّمَا وَرَدَ بِصِفَةِ الْأَذَانِ لَا بِنَفْسِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ الْأَمْرُ بِالصِّفَةِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الأَصْل مَأْمُورا بِهِ قَالَه بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ مُطْلَقًا الْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُد وبن الْمُنْذِرِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَحَكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَقِيلَ وَاجِبٌ فِي الْجُمُعَةِ فَقَطْ وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مُنْشَأِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَأَخْطَأَ مَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
بدء الأذان
وقول الله عز وجل: { وَإذا نَادَيْتُمْ إلى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58] .
وقول تعالى: { إذا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] .

يشير إلى أن الأذان مذكور في القرآن في هاتين الآيتين:
الأولى منهما: تشتمل النداء إلى جميع الصلوات؛ فإن الأفعال نكرات، والنكرة في سياق الشرط تعم كل صلاة.

والثانية منهما: تختص بالنداء إلى صلاة الجمعة.

وقد روى عبد العزيز بن عمران، عن إبراهيم بن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الأذان نزل على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع فرض الصلاة:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ} .

هذا إسناد ساقط لا يصح.

وهذه الآية مدنية، والصلاة فرضت بمكة، ولم يصح أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بمكة جمعة.
وقوله: { وَإذا نَادَيْتُمْ إلى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا} [المائدة: 58] مدنية - أيضا -، ولم يؤذن للصلاة بمكة.

والحديث الذي روي أن جبريل لما أم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أول ما فرضت الصلاة أمره أن يؤذن بالصلاة، قد جاء مفسراً في رواية أخرى، أنه يؤذن: الصلاة جامعة.

وقد سبق ذكره في أول " كتاب الصلاة".

وقد روي أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة أسري خرج ملك من وراء الحجاب فأذن، فحدثه ربه عز وجل والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسمع ذلك، ثم أخذ الملك بيد محمد فقدمه فأم أهل السماء، منهم آدم ونوح.

قال أبو جعفر محمد بن علي: فيومئذ أكمل الله لمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشرف على أهل السماء وأهل الأرض.

وقد خرجه البزار والهيثم بن كليب في " مسنديهما" بسياق مطول من طريق زياد بن المنذر أبي الجارود، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي.
وهو حديث لا يصح.

وزياد بن المنذر أبو الجارود الكوفي، قال فيه الإمام أحمد: متروك.
وقال ابن معين: كذاب عدو الله، لا يساوي فلساً.
وقال ابن حبان: كان رافضياً يضع الحديث.

وروى طلحة بن زيد الرقي، عن يونس، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أسري به إلى السماء أوحى الله إليه الأذان، فنزل به، فعلمه جبريل.

خرجه الطبراني.

وهو موضوع بهذا الإسناد بغير شك.

وطلحة هذا، كذاب مشهور.

ونبهنا على ذلك لئلا يغتر بشيء منه.

وإنما شرع الأذان بعد هجرة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، والأحاديث الصحيحة كلها تدل على ذلك.

والأذان له فوائد:
منها: أنه إعلام بوقت الصلاة أو فعلها.

ومن هذا الوجه هو إخبار بالوقت أو الفعل.
ولهذا كان المؤذن مؤتمنا.

ومنها: أنه إعلام للغائبين عن المسجد؛ فلهذا شرع فيه رفع الصوت، وسمي نداءً؛ فإن النداء هو الصوت الرفيع.

ولهذا المعنى قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد الله بن زيد: " قم فألقه على بلال؛ فإنه أندي صوتاً منك".
ومنها: أنه دعاء إلى الصلاة؛ فإنه معنى قوله: " حي على الصلاة، حي على الفلاح".

وقد قيل: إن قوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} [فصلت: 33] الآية: نزلت في المؤذنين، روي عن طائفة من الصحابة.

وقيل في قوله تعالى: { وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 43] : إنها الصلوات الخمس حين ينادي بها.

ومنها: أنه إعلان بشرائع الإسلام من التوحيد والتكبير والتهليل والشهادة بالوحدانية والرسالة.

خرج البخاري في هذا الباب حديثين:
الحديث [الأول] :
قال:
[ قــ :587 ... غــ :603 ]
- ثنا عمران بن ميسرة: ثنا عبد الوارث: ثنا خالد، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: ذكروا النار والناقوس، فذكروا اليهود والنصارى، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.

وخرجه البخاري في الباب الآتي، بلفظ آخر، وهو: " قال: لما كثر الناس وانتشروا في المدينة.
قال: ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا ناراً أو يضربوا ناقوساً، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة".

وخرجه مسلم - أيضا.

وهذا يدل على أن الأذان تأخر عن أول قدوم النبي ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة حتى كثر الناس وانتشروا في المدينة ومن حولها، واحتاجوا حينئذ إلى تعليم وقت الصلاة بشيء يعرفونه معرفة تامة.

وقوله في هذه الرواية: " فذكروا اليهود والنصارى" - يعني: أنهم كرهوا النار والناقوس؛ لمشابهة اليهود والنصارى في أفعالهم.

ولا يعرف ذكر " النار" إلا في هذه الرواية، وإنما في أكثر الأحاديث ذكر الناقوس والبوق، وفي بعضها ذكر راية تنصب ليراها الناس.

وقد روي من حديث خالد، عن أبي قلابة ذكر الناقوس والبوق - أيضا.

خرجها ابن خزيمة في " صحيحه" والطبراني من رواية روح بن عطاء بن أبي ميمونة، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: كانت الصلاة إذا حضرت على عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سعى رجل إلى الطريق، فنادى: الصلاة الصلاة، فاشتد ذلك على الناس، فقالوا: لو اتخذنا ناقوساً يا رسول الله؟ قال: " ذلك للنصارى".
قالوا: فلو اتخذنا بوقاً؟ قال: " ذلك لليهود".
فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.

وقال الطبراني: لم يروه - بهذا التمام - عن خالد إلا روح.
انتهى.

وروح، متكلم فيه.

وفي حديث عبد الله بن زيد، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة.

خرجه أبو داود وغيره.

ويعضده: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء.

وفي رواية إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق لحديث عبد الله بن زيد، قال: لما أجمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يضرب بالناقوس لجمع الناس للصلاة، وهو كاره لموافقة النصارى.

وهذا يدل على أن الناس قد اجتمعوا على ذلك، ووافقهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع كراهته له.
وقوله: " فأمر بلال" لا يشك أن الآمر له هو رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما صرح به ابن عمر في حديثه الآتي.

قال الخطأبي: الأذان شريعة من الشرائع، والأمر المضاف إلى الشريعة في زمان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يضاف إلى غيره.
قال: ومن زعم ان الآمر لبلال به أبو بكر فقد غلط؛ لأن بلالاً لم يقم بالمدينة بعد موت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما لحق بالشام أيام أبي بكر.
أنتهى.

ولقد أبطل من زعم أن أمر بلال بالأذان تأخر إلى زمن أبي بكر، وأن مدة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلت عن أذان، وهذا لا يقوله من يعقل ما يقول.

ولعل هذا الزاعم إنما زعم أن أبا بكر أمر بابتار الإقامة بعد أن كانت على غير ذلك في زمن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وهذا في غاية البطلان - أيضا -، وإنما يحمل عليه الهوى والتعصب، وكيف يغير أبو بكر بعد موت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شريعته في إقامة الصلاة ويقره الناس على ذلك؟
والحديث صريح في أن أمر بلال بذلك كان في أول أمر الأذان، حيث كانوا يترددون فيما يحصل به إعلام الناس بوقت الصلاة، فيحنئذ أمر بلال بأن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، لا يحتمل الكلام غير هذا المعنى.
والله اعلم.
وقد خرج النسائي هذا الحديث من رواية عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.

ونقل عباس الدوري، عن ابن معين، قال: لم يرفعه إلا الثقفي.

وقد خرجه الدارقطني من طرق أخرى مصرحاً برفعه - أيضا - كما رواه الثقفي.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  كتاب الأذان
بالذال المعجمة وهو في اللغة الإعلام وفي الشرع إعلام مخصوص بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة ثابت لابن عساكر ساقط في رواية أبي ذر وغيره.

باب بَدْءُ الأَذَانِ
وقوله عزَّ وجلَّ: { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58] .

وقوله: { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] .

( باب بدء الأذان) بهمزة بعد الدال المهملة أي ابتدائه وللأصيلي وأبي ذر بدء الأذان فأسقط التبويب ( وقوله) بالرفع أو بالجر عطفًا على المجرور السابق وللأصيلي وقول الله ( عز وجل) ( وإذا ناديتم) أذنتم داعين ( إلى الصلاة) التي هي أفضل الأعمال عند ذوي الألباب { اتخذوها هزوًّا ولعبًا} أي اتخذوا الصلاة أو المناداة وفيه دليل على أن الأذان مشروع للصلاة { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58] معاني عبادة الله وشرائعه واستدلّ به على مشروعية الأذان بالنص لا بالمنام وحده قال الزهري: فيما ذكره ابن كثير الحافظ قد ذكر الله التأذين في هذه الآية رواه ابن أبي حاتم ( وقوله) تعالى بالرفع والجر كما مر { إذا نودي للصلاة} أذن لها { مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] عند قعود الإمام على المنبر للخطبة زاد في رواية الأصيلي، الآية واللام للاختصاص، وعن ابن عباس فيما رواه أبو الشيخ أن فرض الأذان نزل مع الصلاة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] والأكثرون على أنه برؤيا عبد الله بن يزيد وغيره، ووجه المطابقة بين الترجمة والآيتين كونهما مدنيتين وابتداء الجمعة إنما كان بالمدينة فالراجح أن الأذان كان في السنة الأولى من الهجرة.



[ قــ :587 ... غــ : 603 ]
- حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ، فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ.
[الحديث 603 - أطرافه في: 605، 606، 607، 3457] .

وبالسند قال ( حدّثنا عمران بن ميسرة) بفتح الميم وسكون المثناة التحتية الأدمي البصري ( قال حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التنوري بفتح المثناة الفوقية وتشديد النون البصري ( قال حدّثنا خالد) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي ( خالد الحذاء) ( عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد ( عن أنس) وللأصيلي زيادة ابن مالك ( قال ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى) كذا وقع مختصرًا في رواية عبد الوارث وساقه بتمامه عبد الوهاب في الباب اللاحق حيث قال لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه فذكروا أن يوروا نارًا ويضربوا ناقوسًا ( فأمر بلال) بضم الهمزة أي أمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما وقع مصرحًا به في رواية النسائي وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب ( أن يشفع الأذان) بفتحات وسكون الشين أي يأتي بألفاظه مثنى إلا لفظ التكبير في أوّله فإنه أربع وإلا كلمة التوحيد في آخره فإنها مفردة فالمراد معظمه ( وأن يوتر الإقامة) إلاّ لفظ الإقامة فإنه يثنى واستنبط من قوله فأمر بلال وجوب الأذان والجمهور على أنه سُنّة وأجاب القائل بالوجوب بأن الأمر إنما وقع بصفة الأذان في كونه شفعًا لا لأصل الأذان ولئن سلمنا أنه لنفس الأذان لكن الصيغة الشرعية واجبة في الشيء ولو كان نفلاً كالطهارة لصلاة النفل وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفة لزم أن يكون الأصل مأمورًا به قاله ابن دقيق العيد.

ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون وفيه التحديث والعنعنة والقول وأخرجه المؤلّف في ذكر بني إسرائيل ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( كِتَابُ الأذَانِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الآذان.
وَفِي بعض النّسخ، بعد الْبَسْمَلَة: أَبْوَاب الآذان.
وَسَقَطت الْبَسْمَلَة فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ وَغَيره.
والآذان فِي اللُّغَة: الْإِعْلَام.
قَالَ الله تَعَالَى: {وأذان من الله وَرَسُوله} ( التَّوْبَة: 3) .
من: أذن يُؤذن تأذينا وأذانا، مثل: كلم يكلم تكليما وكلاما، فالأذان وَالْكَلَام: اسْم الْمصدر القياسي..
     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ: وَالْأَذَان والأذين والتأذين بِمَعْنى.
وَقيل: الأذين: الْمُؤَذّن، فعيل بِمَعْنى مفعل.
وَأَصله من الْأذن كَأَنَّهُ يلقِي فِي آذان النَّاس بِصَوْتِهِ مَا يَدعُوهُم إِلَى الصَّلَاة.
وَفِي الشَّرِيعَة: الْأَذَان إِعْلَام مَخْصُوص بِأَلْفَاظ مَخْصُوصَة فِي أَوْقَات مَخْصُوصَة، وَيُقَال: الْإِعْلَام بِوَقْت الصَّلَاة الَّتِي عينهَا الشَّارِع بِأَلْفَاظ مثناة..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ وَغَيره: الْأَذَان على قلَّة أَلْفَاظه مُشْتَمل على مسَائِل العقيدة، لِأَنَّهُ بَدَأَ بالأكبرية، وَهِي تَتَضَمَّن وجود الله تَعَالَى وكماله، ثمَّ ثنى بِالتَّوْحِيدِ وَنفي الشَّرِيك، ثمَّ بِإِثْبَات الرسَالَة، ثمَّ دَعَا إِلَى الطَّاعَة الْمَخْصُوصَة عقيب الشَّهَادَة بالرسالة لِأَنَّهَا لَا تعرف إلاَّ من جِهَة الرَّسُول، ثمَّ دَعَا إِلَى الْفَلاح وَهُوَ الْبَقَاء الدَّائِم، وَفِيه الْإِشَارَة إِلَى الْمعَاد، ثمَّ أعَاد مَا أعَاد توكيدا.
وَيحصل من الْأَذَان الْإِعْلَام بِدُخُول الْوَقْت، وَالدُّعَاء إِلَى الْجَمَاعَة، وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام، وَالْحكمَة فِي اخْتِيَار القَوْل لَهُ دون الْفِعْل وسهولة القَوْل وتيسره لكل أحد فِي كل زمَان وَمَكَان، وَالله أعلم.

( بابُُ بِدْءَ الأَذَانِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان ابْتِدَاء الْأَذَان، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر لفظ: بابُُ.

وقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وإذَا نادَيْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ اتخذُوهَا هُزُوا ولَعِبا ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ} ( الْمَائِدَة: 58) .
وقَولُهُ: {إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ} ( الْجُمُعَة: 9)
وَقَول الله مجرور لِأَنَّهُ عطف على لفظ: بَدْء، وَقَوله الثَّانِي عطف عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذكر هَاتين الْآيَتَيْنِ إِمَّا للتبرك أَو لإِرَادَة مَا بوب لَهُ: وَهُوَ بَدْء الْأَذَان.
وَإِن ذَلِك كَانَ بِالْمَدِينَةِ، والآيتان المذكورتان مدنيتان.
وَعَن ابْن عَبَّاس: إِن فرض الْأَذَان نزل مَعَ الصَّلَاة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} ( الْجُمُعَة: 9) .
رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ، أما الْآيَة الأولي فَفِي سُورَة الْمَائِدَة، وإيراد البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة هَهُنَا إِشَارَة إِلَى بَدْء الْأَذَان بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة، كَمَا ذكرنَا.
وَعَن هَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي ( تَفْسِيره) : قيل: فِيهِ دَلِيل على ثُبُوت الْأَذَان بِنَصّ الْكتاب لَا بالمنام وَحده.
قَوْله: {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة} ( الْمَائِدَة: 58) .
يَعْنِي: إِذا أذن الْمُؤَذّن للصَّلَاة، وَإِنَّمَا أضَاف النداء إِلَى جَمِيع الْمُسلمين لِأَن الْمُؤَذّن يُؤذن لَهُم ويناديهم، فأضاف إِلَيْهِم، فَقَالَ: {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة اتَّخَذُوهَا هزوا وَلَعِبًا} ( الْمَائِدَة: 58) .
يَعْنِي: الْكفَّار إِذا سمعُوا الْأَذَان استهزؤا بهم، وَإِذا رَأَوْهُمْ رُكُوعًا سجودا ضحكوا عَلَيْهِم واستهزأو بذلك.
قَوْله: {ذَلِك} ( الْمَائِدَة: 58) .
يَعْنِي: الِاسْتِهْزَاء {بِأَنَّهُم قوم لَا يعْقلُونَ} ( الْمَائِدَة: 58) .
يَعْنِي: لَا يعلمُونَ ثوابهم..
     وَقَالَ  أَسْبَاط عَن السّديّ، قَالَ: ( كَانَ رجل من النَّصَارَى بِالْمَدِينَةِ إِذا سمع الْمُنَادِي يُنَادي: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، قَالَ: حرق الْكَاذِب، فَدخلت خادمته لَيْلَة من اللَّيَالِي بِنَار وَهُوَ نَائِم وَأَهله نيام، فَسَقَطت شرارة فأحرقت الْبَيْت فَاحْتَرَقَ هُوَ وَأَهله) .
رَوَاهُ ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم.
وَأما الْآيَة الثَّانِيَة فَفِي سُورَة الْجُمُعَة، فَقَوله: {إِذا نُودي للصَّلَاة} ( الْجُمُعَة: 9) .
أَرَادَ بِهَذَا النداء الْأَذَان عِنْد قعُود الإِمَام على الْمِنْبَر للخطبة، ذكره النَّسَفِيّ فِي ( تَفْسِيره) وَاخْتلفُوا فِي هَذَا، فَمنهمْ من قَالَ: إِن الْأَذَان كَانَ وَحيا لَا مناما.
وَقيل: إِنَّه أَخذ من أَذَان إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي الْحَج.
{وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر} ( الْحَج: 27) ، قَالَ: فَأذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقيل: نزل بِهِ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه كَانَ برؤيا عبد الله بن زيد وَغَيره، على مَا يَجِيء إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَاعْلَم أَن النداء عدى فِي الْآيَة الأولى بِكَلِمَة: إِلَى، وَفِي الثَّانِيَة: بِاللَّامِ، لِأَن صَلَاة الْأَفْعَال تخْتَلف بِحَسب مَقَاصِد الْكَلَام، وَالْمَقْصُود فِي الأولى: معنى الِانْتِهَاء، وَفِي الثَّانِيَة: معنى الِاخْتِصَاص.
وَيحْتَمل أَن يكون: إِلَى، بِمَعْنى: اللَّام، وَبِالْعَكْسِ، لِأَن الْحُرُوف يَنُوب بَعْضهَا عَن بعض.



[ قــ :587 ... غــ :603 ]
- حدَّثنا عِمْرَانُ بنُ مَيْسَرَةَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ الحَذَاء عنْ أبي قِلاَبَةَ عنْ أنَسٍ قَالَ ذكَرْوا النَّارَ والنَّاقُوسَ فَذَكَرُوا اليَهُودَ والنَّصَارَي فَامِرَ بِلاَل أنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وأنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن بَدْء الْأَذَان كَانَ بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَالًا، لأَنهم كَانُوا يصلونَ قبل ذَلِك فِي أَوْقَات الصَّلَوَات بالمناداة فِي الطّرق: الصَّلَاة الصَّلَاة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ حَدِيث أنس أَيْضا، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ ابْن حبَان فِي ( كتاب الْأَذَان) تأليفه، من حَدِيث عَطاء بن أبي مَيْمُونَة عَن خَالِد عَن أبي قلَابَة: ( عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَت الصَّلَاة إِذا حضرت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سعى رجل فِي الطَّرِيق فينادي: الصَّلَاة الصَّلَاة، فَاشْتَدَّ ذَلِك على النَّاس، فَقَالُوا: لَو اتخذنا ناقوسا {فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك لِلنَّصَارَى، فَقَالُوا: لَو اتخذنا بوقا} فَقَالَ: ذَاك للْيَهُود، فَقَالُوا: لَو رفعنَا نَارا.
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَاك للمجوس.
فَأمر بِلَال ... .
)
الحَدِيث، وَعند الطَّبَرَانِيّ من هَذَا الطَّرِيق: ( فَأمر بِلَالًا) .
فَإِن قلت: قد أخرج التِّرْمِذِيّ فِي تَرْجَمَة بَدْء الْأَذَان حَدِيث عبد الله بن يزِيد مَعَ حَدِيث عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلِمَ اخْتَار البُخَارِيّ فِيهِ حَدِيث أنس؟ قلت: لِأَنَّهُ لم يكن على شَرطه.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عمرَان بن ميسرَة ضد الميمنة وَقد تقدم.
الثَّانِي: عبد الْوَارِث ابْن سعيد التنوري.
الثَّالِث: خَالِد الْحذاء.
الرَّابِع: أَبُو قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف: عبد الله بن زيد الْجرْمِي.
الْخَامِس: أنس بن مَالك.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده.
وَفِيه: أَن رُوَاته بصريون.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن عمرَان بن ميسرَة، وَعَن مُحَمَّد بن سَلام، وَعَن عَليّ بن عبد الله، وَعَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن خلف بن هِشَام، وَعَن يحيى بن يحيى وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم، وَعَن عبيد الله بن عمر.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَعبد الرَّحْمَن ابْن الْمُبَارك، وَعَن مُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل، وَعَن حميد بن مسْعدَة، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن عبد الْوَهَّاب وَيزِيد بن زُرَيْع.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عبد الله بن الْجراح، وَعَن نصر بن عَليّ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( والناقوس) ، وَهُوَ الَّذِي يضْربهُ النَّصَارَى لأوقات الصَّلَاة..
     وَقَالَ  ابْن سَيّده: النقس: ضرب من النواقيس، وَهُوَ الْخَشَبَة الطَّوِيلَة والوبيلة القصيرة..
     وَقَالَ  الجواليقي: ينظر فِيهِ هَل هُوَ مُعرب أَو عَرَبِيّ؟ وَهُوَ على وزن: فاعول، قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: لم يَأْتِ فِي الْكَلَام: فاعول، لَام الْكَلِمَة فِيهِ: سين إلاَّ الناقوس.
وَذكر ألفاظا أخر على هَذَا الْوَزْن، وَلم يذكر فِيهَا الناقوس، وَالظَّاهِر أَنه مُعرب.
قَوْله: ( فَذكرُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى) ، وَعبد الْوَارِث اختصر هَذَا الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة روح بن عَطاء عَن خَالِد عَن أبي الشَّيْخ، وَلَفظه: ( فَقَالُوا: لَو اتخذنا ناقوسا، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَاك لِلنَّصَارَى، فَقَالُوا: لَو اتخذنا بوقا، فَقَالَ: ذَاك للْيَهُود، فَقَالُوا: لَو رفعنَا نَارا! فَقَالَ: ذَاك للمجوس) ، فعلى هَذَا كَأَنَّهُ كَانَ فِي رِوَايَة عبد الْوَارِث: وَذكروا النَّار والناقوس والبوق، فَذكرُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس، فَهَذَا لف وَنشر غير مُرَتّب، لِأَن الناقوس لِلنَّصَارَى، والبوق للْيَهُود، وَالنَّار للمجوس.
قَوْله: ( فَأمر بِلَال) أَمر بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول، وَهَذِه الصِّيغَة يحْتَمل أَن يكون الْآمِر فِيهَا غير الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه خلاف عِنْد الْأُصُولِيِّينَ كَمَا عرف فِي مَوْضِعه..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَالصَّوَاب وَعَلِيهِ الْأَكْثَر: أَنه مَرْفُوع لِأَن إِطْلَاق مثله ينْصَرف عرفا إِلَى صَاحب الْأَمر وَالنَّهْي.
وَهُوَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: مَقْصُود من هَذَا الْكَلَام تَقْوِيَة مذْهبه، وقوى بَعضهم هَذَا بقوله: وَقد وَقع فِي رِوَايَة روح عَن عَطاء: فَأمر بِلَالًا، بِالنّصب، وفاعل: أَمر، هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: روى الْبَيْهَقِيّ فِي ( سنَنه الْكَبِير) من حَدِيث ابْن الْمُبَارك: عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن عبد الله بن زيد بن عبد ربه.
وَأَبُو عوَانَة فِي ( صَحِيحه) من حَدِيث الشّعبِيّ: عَنهُ، وَلَفظه: ( أذن مثنى وَأقَام مثنى) .
وَحَدِيث أبي مَحْذُورَة عِنْد التِّرْمِذِيّ مصححا: ( علمه الْأَذَان مثنى مثنى، وَالْإِقَامَة مثنى مثنى) .
وَحَدِيث أبي جُحَيْفَة: أَن بِلَالًا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ( كَانَ يُؤذن مثنى مثنى) .
وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث وَكِيع: عَن إِبْرَاهِيم ابْن إِسْمَاعِيل عَن مجمع بن حَارِثَة عَن عبيد، مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع كَانَ ( يثني الآذان وَالْإِقَامَة) .
حَدثنَا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة حَدثنَا مُحَمَّد بن سِنَان حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن حَمَّاد بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: ( كَانَ ثَوْبَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يُؤذن مثنى مثنى، وَيُقِيم مثنى مثنى) .
حَدثنَا يزِيد بن سِنَان حَدثنَا يحيى بن سعيد الْقطَّان حَدثنَا قطر بن خَليفَة عَن مُجَاهِد قَالَ: فِي الْإِقَامَة مرّة مرّة، إِنَّمَا هُوَ شَيْء أحدثه الْأُمَرَاء، وَأَن الأَصْل التَّثْنِيَة.
قلت: وَقد ظهر لَك بِهَذِهِ الدَّلَائِل أَن قَول النَّوَوِيّ فِي ( شرح مُسلم) :.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: الْإِقَامَة سبع عشرَة كلمة، وَهَذَا الْمَذْهَب شَاذ، قَول واهٍ لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وَكَيف يكون شاذا مَعَ وجود هَذِه الْأَحَادِيث وَالْأَخْبَار الصَّحِيحَة؟ فَإِن قَالُوا: حَدِيث أبي مَحْذُورَة لَا يوازي حَدِيث أنس الْمَذْكُور من جِهَة وَاحِدَة، فضلا عَن الْجِهَات كلهَا، مَعَ أَن جمَاعَة من الْحفاظ ذَهَبُوا إِلَى أَن اللَّفْظَة فِي تَثْنِيَة الْإِقَامَة غير مَحْفُوظَة، ثمَّ رووا من طَرِيق البُخَارِيّ: عَن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة: أَنه سمع أَبَا مَحْذُورَة يَقُول: ( إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة) .
قُلْنَا: قد ذكرنَا أَن التِّرْمِذِيّ صَححهُ، وَكَذَا ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان صححا هَذِه اللَّفْظَة، فَإِن قَالُوا: سلمنَا أَن هَذِه مَحْفُوظَة، وَأَن الحَدِيث ثَابت، وَلَكِن نقُول: إِنَّه مَنْسُوخ لِأَن أَذَان بِلَال هُوَ آخر الأذانين؟ قُلْنَا: لَا نسلم أَنه مَنْسُوخ، لِأَن حَدِيث بِلَال إِنَّمَا كَانَ أول مَا شرع الْأَذَان، كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث أنس، وَحَدِيث أبي مَحْذُورَة كَانَ عَام حنين، وَبَينهمَا مُدَّة مديدة.
قَوْله: ( ويوتر) ، بِالنّصب عطفا على: يشفع، من: أوتر إيتارا أَي: يَأْتِي بِالْإِقَامَةِ فُرَادَى.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ فِيهِ: التَّصْرِيح بِأَن الْأَذَان مثنى مثنى، وَالْإِقَامَة فُرَادَى، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد، وَحَاصِل مَذْهَب الشَّافِعِي: أَن الْأَذَان تسع عشرَة كلمة بِإِثْبَات الترجيع، وَالْإِقَامَة إِحْدَى عشرَة، وَأسْقط مَالك تربيع التَّكْبِير فِي أَوله وَجعله مثنى، وَجعل الْإِقَامَة عشرَة بإفراد كلمة الْإِقَامَة..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ: وَالَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل فِي الْحَرَمَيْنِ والحجاز وَالشَّام واليمن ومصر وَالْمغْرب إِلَى أقْصَى بِلَاد الْإِسْلَام: أَن الْإِقَامَة فُرَادَى، وَمذهب عَامَّة الْعلمَاء أَن يكون لفظ: قد قَامَت الصَّلَاة مكررا، إِلَّا مَالِكًا، فَالْمَشْهُور عَنهُ: أَنه لَا تَكْرِير،.

     وَقَالَ : فرق بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة فِي التَّثْنِيَة والإفراد ليعلم أَن الْأَذَان إِعْلَام بورود الْوَقْت، وَالْإِقَامَة أَمارَة لقِيَام الصَّلَاة، وَلَو سوى بَينهمَا لاشتبه الْأَمر فِي ذَلِك، وَصَارَ سَببا لِأَن يفوت كثير من النَّاس صَلَاة الْجَمَاعَة إِذا سمعُوا الْإِقَامَة، فظنوا أَنَّهَا الْأَذَان.
انْتهى.
قلت: الْعجب من الْخطابِيّ كَيفَ يصدر عَنهُ مثل هَذَا الْكَلَام الَّذِي تمجه الأسماع، وَمثل هَذَا الْفرق الَّذِي بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة غير صَحِيح، لِأَن الْأَذَان إِعْلَام الغائبين، وَلِهَذَا لَا يكون إِلَّا على الْمَوَاضِع الْعَالِيَة كالمنائر وَنَحْوهَا، وَالْإِقَامَة إِعْلَام الْحَاضِرين من الْجَمَاعَة للصَّلَاة، فَكيف يَقع الِاشْتِبَاه بَينهمَا؟ فَالَّذِي يتَأَمَّل الْكَلَام لَا يَقُول هَذَا، وَأبْعد من ذَلِك قَوْله: إِن تَثْنِيَة الْإِقَامَة تكون سَببا لفَوَات كثير من النَّاس صَلَاة الْجَمَاعَة لظنهم أَنَّهَا الْأَذَان، وَكَيف يظنون هَذَا وهم حاضرون، لِأَن الْإِقَامَة إِعْلَام الْحَاضِرين؟ وبمثل هَذَا الْكَلَام يحْتَج أحد لنصرة مذْهبه وتمشية قَوْله، وأعجب من هَذَا قَول الْكرْمَانِي: قَالَ أَبُو حنيفَة: تثنى الْإِقَامَة، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ، وَكَيف يكون حجَّة عَلَيْهِ وَقد تمسك فِيمَا ذهب إِلَيْهِ بالأحاديث الصَّحِيحَة الدَّالَّة على تَثْنِيَة الْإِقَامَة على مَا ذَكرنَاهَا عَن قريب؟ وَنحن أَيْضا نقُول: هَذِه الْأَحَادِيث حجَّة على الشَّافِعِي، وَرُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه مر بمؤذن أوتر الْإِقَامَة فَقَالَ لَهُ: اشفعها لَا أم لَك.
وَرُوِيَ عَن النَّخعِيّ أَنه قَالَ: أول من أفرد الْإِقَامَة مُعَاوِيَة،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: كَانَت الْإِقَامَة فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثنى مثنى حَتَّى استخفه بعض أُمَرَاء الْجور لحَاجَة لَهُم، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي أَيْضا: ظَاهر الْأَمر للْوُجُوب، لَكِن الْأَذَان سنة؟ قلت: ظَاهر صِيغَة الْأَمر لَهُ لَا ظَاهر لَفظه، يَعْنِي: ( أَمر) ، وَهَهُنَا لم تذكر الصِّيغَة، سلمنَا أَنه للْإِيجَاب، لكنه لإِيجَاب الشفع لَا لأصل الْأَذَان، وَلَا شكّ أَن الشفع وَاجِب ليَقَع الْأَذَان مَشْرُوعا، كَمَا أَن الطَّهَارَة وَاجِبَة لصِحَّة صَلَاة النَّفْل، وَلَئِن سلمنَا أَنه لنَفس الْأَذَان يُقَال: إِنَّه فرض كِفَايَة، لِأَن أهل بَلْدَة لَو اتَّفقُوا على تَركه قاتلناهم، أَو أَن الْإِجْمَاع مَانع عَن الْحمل على ظَاهره قلت: كَيفَ يَقُول: إِن الْإِجْمَاع مَانع عَن الْحمل على ظَاهره، وَقد حمله قوم على ظَاهره، وَقَالُوا: إِنَّه وَاجِب؟.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: إِنَّه فرض كِفَايَة فِي حق الْجَمَاعَة فِي الْحَضَر وَالسّفر،.

     وَقَالَ  مَالك: يجب فِي مَسْجِد الْجَمَاعَة..
     وَقَالَ  عَطاء وَمُجاهد: لَا تصح الصَّلَاة بِغَيْر أَذَان، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ، وَعنهُ: يُعَاد فِي الْوَقْت..
     وَقَالَ  أَبُو عَليّ والاصطخري: هُوَ فرض فِي الْجُمُعَة..
     وَقَالَ : الظَّاهِرِيَّة هما واجبان لكل صَلَاة، وَاخْتلفُوا فِي صِحَة الصَّلَاة بدونهما..
     وَقَالَ  دَاوُد: هما فرض الْجَمَاعَة وليسا بِشَرْط لصحتها.
وَذكر مُحَمَّد بن الْحسن مَا يدل على وُجُوبه، فَإِنَّهُ قَالَ: لَو أَن أهل بَلْدَة اجْتَمعُوا على ترك الْأَذَان لقاتلتهم عَلَيْهِ، وَلَو تَركه وَاحِد ضَربته وحبسته.
وَقيل: إِنَّه عِنْد مُحَمَّد من فروض الْكِفَايَة، وَفِي ( الْمُحِيط) و ( التُّحْفَة) و ( الْهِدَايَة) : الآذان سنة مُؤَكدَة، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَإِسْحَاق..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء.