هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
7080 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرٌو ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى أَهُوَ خَضِرٌ ؟ فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ : إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ شَأْنَهُ ، قَالَ : نَعَمْ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : بَيْنَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ ؟ فَقَالَ مُوسَى : لاَ ، فَأُوحِيَ إِلَى مُوسَى ، بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الحُوتَ آيَةً ، وَقِيلَ لَهُ إِذَا فَقَدْتَ الحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ ، فَكَانَ مُوسَى يَتْبَعُ أَثَرَ الحُوتِ فِي البَحْرِ ، فَقَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى : ( أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ) ، قَالَ مُوسَى : ( ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ) ، فَوَجَدَا خَضِرًا ، وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
7080 حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أبو حفص عمرو ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى أهو خضر ؟ فمر بهما أبي بن كعب الأنصاري ، فدعاه ابن عباس ، فقال : إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه ، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه ، قال : نعم ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بينا موسى في ملإ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال : هل تعلم أحدا أعلم منك ؟ فقال موسى : لا ، فأوحي إلى موسى ، بلى عبدنا خضر ، فسأل موسى السبيل إلى لقيه ، فجعل الله له الحوت آية ، وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه ، فكان موسى يتبع أثر الحوت في البحر ، فقال فتى موسى لموسى : ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ) ، قال موسى : ( ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا ) ، فوجدا خضرا ، وكان من شأنهما ما قص الله
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Ibn `Abbas:

That he differed with Al-Hurr bin Qais bin Hisn Al-Fazari about the companion of Moses, (i.e., whether he was Kha,dir or not). Ubai bin Ka`b Al-Ansari passed by them and Ibn `Abbas called him saying, 'My friend (Hur) and I have differed about Moses' Companion whom Moses asked the way to meet. Did you hear Allah's Messenger (ﷺ) mentioning anything about him? Ubai said, Yes, I heard Allah's Apostle saying, While Moses was sitting in the company of some Israelites a man came to him and asked, 'Do you know Someone who is more learned than you (Moses)?' Moses said, 'No.' So Allah sent the Divine inspiration to Moses:-- 'Yes, Our Slave Khadir is more learned than you' Moses asked Allah how to meet him ( Khadir) So Allah made the fish as a sign for him and it was said to him, 'When you lose the fish, go back (to the place where you lose it) and you will meet him.' So Moses went on looking for the sign of the fish in the sea. The boy servant of Moses (who was accompanying him) said to him, 'Do you remember (what happened) when we betook ourselves to the rock? I did indeed forget to tell you (about) the fish. None but Satan made me forget to tell you about it' (18.63) Moses said: 'That is what we have been seeking. Sa they went back retracing their footsteps. (18.64). So they both found Kadir (there) and then happened what Allah mentioned about them (in the Qur'an)!' (See 18.60- 82)

":"ہم سے عبداللہ بن محمد نے بیان کیا ‘ انہوں نے کہا ہم سے ابو حفص عمرو نے بیان کیا ‘ ان سے اوزاعی نے بیان کیا ان سے ابن شہاب نے بیا کیا ‘ ان سے عبیداللہ بن عبداللہ بن عقبہ بن مسعود نے بیان کیا اور ان سے حضرت عبداللہ بن عباس رضی اللہ عنہما نے بیان کیا کہوہ اور حربن قیس بن حصین الفزاری موسیٰ علیہ السلام کے ساتھی کے بارے میں اختلا ف کر رہے تھے کہ کیا وہ خضر علیہ السلام ہی تھے ۔ اتنے میں ابی بن کعب رضی اللہ عنہ کا ادھر سے گزر ہوا اور ابن عباس رضی اللہ عنہما نے انہیں بلایا اور ان سے کہا کہ میں اور میرا یہ ساتھی اس بارے میں شک میں ہیں کہ موسیٰ علیہ السلام کے وہ ” صاحب “ کون تھے جن سے ملاقات کے لیے حضرت موسیٰ علیہ السلام نے راستہ پوچھا تھا ۔ کیا آپ نے رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم سے اس سلسلہ میں کوئی حدیث سنی ہے انہوں نے کہا کہ ہاں ۔ میں نے رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم سے سنا ہے ۔ آپ نے فرمایا کہ موسیٰ علیہ السلام بنی اسرائیل کے ایک مجمع میں تھے کہ ایک شخص نے آ کر پوچھا کیا آپ کسی ایسے شخص کو جانتے ہیں جو آپ سے زیادہ علم رکھتا ہو ؟ موسیٰ علیہ السلام نے کہا کہ نہیں ۔ چنانچہ آپ پر وحی نازل ہوئی کہ کیوں نہیں ہمارا بندہ خضر ہے ۔ موسیٰ علیہ السلام نے ان سے ملاقات کا راستہ معلوم کیا اور اللہ تعالیٰ نے اس کے لیے مچھلی کو نشان قرار دیا اور آپ سے کہا گیا کہ جب تم مچھلی کو گم پاؤ تو لوٹ جا کہ وہیں ان سے ملاقات ہو گی ۔ چنانچہ موسیٰ علیہ السلام مچھلی کا نشان دریا میں ڈھونڈنے لگے اور آپ کے ساتھی نے آپ کو بتایا کہ آپ کو معلوم ہے ۔ جب ہم نے چٹان پر ڈیرہ ڈالا تھا تو وہیں میں مچھلی بھول گیا اور مجھے شیطان نے اسے بھلا دیا ۔ موسیٰ علیہ السلام نے کہا کہ یہ جگہ وہی ہے جس کی تلاش میں ہم سر گرداں ہیں پس وہ دونوں اپنے قدموں کے نشانوں پر واپس لوٹے اور انہوں نے حضرت خضر علیہ السلام کو پا لیا ان ہی دونوں کا یہ قصہ ہے جو اللہ نے بیان فرمایا ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [7478] .

     قَوْلُهُ  فِيهِ حِكَايَةً عَنْ مُوسَى سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قَوْلَ ذَلِكَ يُرْجَى فِيهِ النُّجْحُ وَوُقُوعُ الْمَطْلُوبِ غَالِبًا وَقَدْ يَتَخَلَّفُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهُ وُقُوعَهُ كَمَا سَيَأْتِي مِثَالُهُ فِي الحَدِيث الآخر الحَدِيث السَّادِس عَشَرَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَنْزِلُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ أَيْضًا الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَاصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْغَزَوَاتِ وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ تَابِعِيِّهِ هَلْ هُوَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَوْ بِفَتْحِهَا وَبَيَانُ الصَّوَابِ مِنْ ذَلِكَ وَذُكِرَ هُنَا لِقَوْلِهِ إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَرَّتَيْنِ فَمَا قَفَلُوا فِي الأولى وقفلوا فِي الثَّانِيَة( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْده الا لمن أذن لَهُ) وَسَاقَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يقل مَاذَا خلق ربكُم قَالَ بن بَطَّالٍ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ قَدِيمٌ لِذَاتِهِ قَائِمٌ بِصِفَاتِهِ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا بِهِ وَلَا يَزَالُ كَلَامُهُ لَا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقِينَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الَّتِي نَفَتْ كَلَامَ اللَّهِ وَلِلْكِلَابِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْفِعْلِ وَالتَّكْوِينِ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِ الْعَرَبِ.

.

قُلْتُ بِيَدِي هَذَا أَيْ حَرَّكْتُهَا وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يُعْقَلُ إِلَّا بِأَعْضَاءٍ وَلِسَانٍ وَالْبَارِيمُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ الْبُخَارِيُّ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَالْآيَةِ وَفِيهِ أَنَّهُمْ إِذَا ذَهَبَ عَنْهُمُ الْفَزَعُ قَالُوا لِمَنْ فَوْقَهُمْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ سَمِعُوا قَوْلًا لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهُ مِنْ أَجْلِ فَزَعِهِمْ فَقَالُوا مَاذَا قَالَ وَلَمْ يَقُولُوا مَاذَا خَلَقَ وَكَذَا أَجَابَهُمْ مَنْ فَوْقَهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِمْ قَالُوا الْحَقَّ وَالْحَقُّ أَحَدُ صِفَتَيِ الذَّاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى كَلَامِهِ الْبَاطِلُ فَلَوْ كَانَ خَلْقًا أَوْ فِعْلًا لَقَالُوا خَلَقَ خَلْقًا إِنْسَانًا أَوْ غَيْرَهُ فَلَمَّا وَصَفُوهُ بِمَا يُوصَفُ بِهِ الْكَلَامُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِمَعْنَى التَّكْوِينِ انْتَهَى وَهَذَا الَّذِي نَسَبَهُ لِلْكِلَابِيَّةِ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّ الْمَرِيسِيَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نقُول لَهُ كن فَيكون هُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ قَالَتِ السَّمَاءُ فَأَمْطَرَتْ.

     وَقَالَ  الْجِدَارُ هَكَذَا إِذَا مَالَ فَمَعْنَاهُ .

     قَوْلُهُ  إِذَا أَرَدْنَاهُ إِذَا كَوَّنَّاهُ.

.
وَتَعَقَّبَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَنَّهُ أُغْلُوطَةٌ لِأَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ قَالَتِ السَّمَاءُ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا صَحِيحًا حَتَّى يَقُولَ فَأَمْطَرَتْ بِخِلَافِ مَنْ يَقُولُ قَالَ الْإِنْسَانُ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَلَامًا فَلَوْلَا .

     قَوْلُهُ  فَأَمْطَرَتْ لَكَانَ الْكَلَامُ بَاطِلًا لِأَنَّ السَّمَاءَ لَا قَوْلَ لَهَا فَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا أَوَّلُ بَابٍ تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ وَهِيَ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ قَدْ أَكْثَرَ أَئِمَّةُ الْفِرَقِ فِيهَا الْقَوْلَ وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ اللَّهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ مَخْلُوقًا وَلَا مُحْدَثًا وَلَا حَادِثًا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نقُول لَهُ كن فَيكون فَلَو كَانَ الْقُرْآن مخلوقا لَكَانَ مخلوقا يكن وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ لِشَيْءٍ بِقَوْلٍ لِأَنَّهُ يُوجِبُ قَوْلًا ثَانِيًا وَثَالِثًا فَيَتَسَلْسَلُ وَهُوَ فَاسِدٌ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خلق الْإِنْسَان فَخَصَّ الْقُرْآنَ بِالتَّعْلِيمِ لِأَنَّهُ كَلَامُهُ وَصِفَتُهُ وَخَصَّ الْإِنْسَانَ بِالتَّخْلِيقِ لِأَنَّهُ خَلْقُهُ وَمَصْنُوعُهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ خَلَقَ الْقُرْآنَ وَالْإِنْسَانَ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى وكلم الله مُوسَى تكليما وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ قَائِمًا بِغَيْرِهِ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحيا الْآيَةَ فَلَوْ كَانَ لَا يُوجَدُ إِلَّا مَخْلُوقًا فِي شَيْءٍ مَخْلُوقٍ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ مَعْنًى لِاسْتِوَاءِ جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي سَمَاعِهِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ فَبَطَلَ قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ إِنَّهُ مَخْلُوقٌ فِي غَيْرِ اللَّهِ وَيَلْزَمُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ كَلَامًا فِي شَجَرَةٍ كَلَّمَ بِهِ مُوسَى أَنْ يَكُونَ مَنْ سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ مَلَكٍ أَوْ نَبِيٍّ أَفْضَلَ فِي سَمَاعِ الْكَلَامِ مِنْ مُوسَى وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ هِيَ الْمُتَكَلِّمَةَ بِمَا ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ كَلَّمَ بِهِ مُوسَى وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعبدني وَقَدْ أَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ الْمُشْرِكِينَ إِنْ هَذَا الا قَول الْبشر وَلَا يُعْتَرَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كريم لِأَنَّ مَعْنَاهُ قَوْلٌ تَلَقَّاهُ عَنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وَلَا بقوله انا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لِأَنَّ مَعْنَاهُ سَمَّيْنَاهُ قُرْآنًا وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَتَجْعَلُونَ رزقكم انكم تكذبون وَقَوله ويجعلون لله مَا يكْرهُونَ وَقَوْلِهِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فَالْمُرَادُ أَنَّ تَنْزِيلَهُ إِلَيْنَا هُوَ الْمُحْدَثُ لَا الذِّكْرُ نَفْسُهُ وَبِهَذَا احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثُمَّ سَاقَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ نِيَارٍ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّة بن مُكْرَمٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرُّومِ فَقَالُوا هَذَا كَلَامُكَ أَوْ كَلَامُ صَاحِبِكَ قَالَ لَيْسَ كَلَامِي وَلَا كَلَامَ صَاحِبِي وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُصَحَّحًا وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَا حَكَّمْتُ مَخْلُوقًا مَا حَكَّمْتُ إِلَّا الْقُرْآنَ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ وَغَيْرَهُ مِنْ مَشْيَخَتِنَا يَقُولُونَ الْقُرْآنُ كَلَامُ الله لَيْسَ بمخلوق.

     وَقَالَ  بن حَزْمٍ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى وَعَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَالصُّحُفِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ ان كَلَاماللَّهِ صِفَةُ فِعْلٍ مَخْلُوقَةٌ وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِكَلَامٍ أَحْدَثَهُ فِي الشَّجَرَةِ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ وَمَنْ تَبِعَهُ كَلَامُ اللَّهِ هُوَ عِلْمُهُ لَمْ يَزَلْ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.

     وَقَالَ تِ الْأَشْعَرِيَّةُ كَلَامُ اللَّهِ صِفَةُ ذَاتٍ لَمْ يَزَلْ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَهُوَ غَيْرُ عِلْمِ اللَّهِ وَلَيْسَ لِلَّهِ إِلَّا كَلَامٌ وَاحِدٌ وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ بِأَنَّ الدَّلَائِلَ الْقَاطِعَةَ قَامَتْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَلَمَّا كَانَ كَلَامُنَا غَيْرَنَا وَكَانَ مَخْلُوقًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ غَيْرَهُ وَلَيْسَ مَخْلُوقًا وَأَطَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لِذَلِكَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ اخْتَلَفُوا فَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَبَعْضُ الزَّيْدِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةُ وَبَعْضُ الْخَوَارِجِ كَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَجْسَامِ كَالشَّجَرَةِ حِينَ كَلَّمَ مُوسَى وَحَقِيقَتُهُ .

     قَوْلُهُ مْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ وَإِنْ نُسِبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ فَبِطَرِيقِ الْمَجَازِ.

     وَقَالَ تِ الْمُعْتَزِلَةُ يَتَكَلَّمُ حَقِيقَةً لَكِنْ يَخْلُقُ ذَلِكَ الْكَلَامَ فِي غَيْرِهِ.

     وَقَالَ تِ الْكِلَابِيَّةُ الْكَلَامُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ قَدِيمَةُ الْعَيْنِ لَازِمَةٌ لِذَاتِ اللَّهِ كَالْحَيَاةِ وَأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَتَكْلِيمِهِ لِمَنْ كَلَّمَهُ إِنَّمَا هُوَ خَلْقُ إِدْرَاكٍ لَهُ يَسْمَعُ بِهِ الْكَلَامَ وَنِدَاؤُهُ لِمُوسَى لَمْ يَزَلْ لَكِنَّهُ أَسْمَعَهُ ذَلِكَ النِّدَاءَ حِينَ نَاجَاهُ وَيُحْكَى عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ خَلَقَ صَوْتًا حِينَ نَادَاهُ فَأَسْمَعَهُ كَلَامَهُ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ السَّلَفِ الَّذِينَ قَالُوا ان الْقُرْآن لَيْسَ بمخلوق وَأخذ بقول بن كِلَابٍ الْقَابِسِيِّ وَالْأَشْعَرِيِّ وَأَتْبَاعِهِمَا وَقَالُوا إِذَا كَانَ الْكَلَامُ قَدِيمًا لِعَيْنِهِ لَازِمًا لِذَاتِ الرَّبِّ وَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ فَالْحُرُوفُ لَيْسَتْ قَدِيمَةً لِأَنَّهَا مُتَعَاقِبَةٌ وَمَا كَانَ مَسْبُوقًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا وَالْكَلَامُ الْقَدِيمُ مَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ لَا يَتَعَدَّدُ وَلَا يَتَجَزَّأُ بَلْ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ إِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ قُرْآنٌ أَوْ بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَهُوَ تَوْرَاةٌ مَثَلًا وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ كَلَامُ اللَّهِ وَكَذَا التَّوْرَاةُ وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ وَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِحُرُوفِ الْقُرْآنِ وَأَسْمَعَ مَنْ شَاءَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ صَوْتَهُ وَقَالُوا إِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ قَدِيمَةُ الْعَيْنِ لَازِمَةُ الذَّات لَيْسَ مُتَعَاقِبَةً بَلْ لَمْ تَزَلْ قَائِمَةً بِذَاتِهِ مُقْتَرِنَةً لَا تُسْبَقُ وَالتَّعَاقُبُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ بِخِلَافِ الْخَالِقِ وَذَهَبَ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ إِلَى أَنَّ الْأَصْوَاتَ وَالْحُرُوفَ هِيَ الْمَسْمُوعَةُ مِنَ الْقَارِئِينَ وَأَبَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا لَيْسَتْ هِيَ الْمَسْمُوعَةُ مِنَ الْقَارِئِينَ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِالْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لَكِنَّهُ فِي الْأَزَلِ لَمْ يَتَكَلَّمْ لِامْتِنَاعِ وُجُودِ الْحَادِثِ فِي الْأَزَلِ فَكَلَامُهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ لَا مُحْدَثٌ وَذَهَبَ الْكَرَّامِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ وَمُحْدَثٌ وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِذَاتِهِ وَبِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ هُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ نَقْلًا وَعَقْلًا وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ تَرْكُ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ وَالتَّعَمُّقِ فِيهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ثُمَّ السُّكُوتُ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  جَلَّ ذِكْرُهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ زعم بن بَطَّالٍ أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى سَبَبِ النُّزُولِ لِأَنَّهُ جَاءَ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ الْأَصْنَامُ نَزَلَتْ فَأَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّ الَّذِينَ يَشْفَعُونَ عِنْدَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ إِنَّمَا يَشْفَعُونَ فِيمَنْ يَشْفَعُونَ فِيهِ بَعْدَ إِذْنِهِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِخُصُوصِهَا وَأَظُنُّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ عَنْ قُلُوبِهِمْ لِلْمَلَائِكَةِ وَأَنَّ فَاعِلَ الشَّفَاعَةِ فِي قَوْلِهِ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ هُمُ الْمَلَائِكَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مشفقون بِخِلَافِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْكُفَّارِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيس ظَنّه فَاتَّبعُوهُ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفْزِيعِ حَالَةُ مُفَارَقَةِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ اتِّبَاعُهُمْ إِيَّاهُ مستصحباإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ قُلِ ادْعُوا إِلَى آخِرِهِ مُعْتَرِضَةٌ وَحَمَلَ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى هَذَا الزَّعْمِ أَنَّ قَوْله حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم غَايَةٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُغَيَّا فَادَّعَى أَنَّهُ مَا ذَكَرَهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ الْمُرَادُ بِالزَّعْمِ الْكُفْرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى زَعَمْتُمْ أَيْ تَمَادَيْتُمْ فِي الْكُفْرِ إِلَى غَايَةِ التَّفْزِيعِ ثُمَّ تَرَكْتُمْ زَعْمَكُمْ وَقُلْتُمْ قَالَ الْحَقُّ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ وَيُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ أَنَّ هُنَاكَ فَزَعًا مِمَّنْ يَرْجُو الشَّفَاعَة هَل يُؤذن لَهُ بالشفاعة اولا فَكَأَنَّهُ قَالَ يَتَرَبَّصُونَ زَمَانًا فَزِعِينَ حَتَّى إِذَا كُشِفَ الْفَزَعُ عَنِ الْجَمِيعِ بِكَلَامٍ يَقُولُ اللَّهُ فِي إِطْلَاقِ الْإِذْنِ تَبَاشَرُوا بِذَلِكَ وَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ أَيِ الْقَوْلُ الْحَقُّ وَهُوَ الْإِذْنُ فِي الشَّفَاعَةِ لِمَنِ ارْتَضَى.

.

قُلْتُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تُؤَيِّدُهُ قَدْ ذَكَرْتُ بَعْضَهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ سَبَإٍ وَسَأُشِيرُ إِلَيْهَا هُنَا بعد وَالصَّحِيح فِي اعرابها مَا قَالَه بن عَطِيَّةَ وَهُوَ أَنَّ الْمُغَيَّا مَحْذُوفٌ كَأَنَّهُ قِيلَ وَلَا هُمْ شُفَعَاءُ كَمَا تَزْعُمُونَ بَلْ هُمْ عِنْدَهُ مُمْتَثِلُونَ لِأَمْرِهِ إِلَى أَنْ يَزُولَ الْفَزَعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

.
وَأَمَّا اعْتِرَاضُ مَنْ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُنْقَادِينَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ دَفْعُ مَا تَأَوَّلَهُ لَكِنَّ حَقَّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ بَلْ هُمْ خَاضِعُونَ لِأَمْرِهِ مُرْتَقِبُونَ لِمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ قِبَلِهِ خَائِفُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ إِلَى أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ جِبْرِيلَ بِمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ إِبْلَاغِ الْوَحْيِ لِلرُّسُلِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مَسْرُوق عَن بن مَسْعُودٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ وَنَادَوْا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكشميهني وَثَبت بمثلثه وموحدة مفتوحتين بَدَلَ وَسَكَنَ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّعْلِيقَ مُخْتَصَرًا وَقَدْ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ وَهُوَ أَبُو الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَلَفْظُهُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَاءِ فَيُصْعَقُونَ فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ فَإِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالَ وَيَقُولُونَ يَا جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالَ فَيَقُولُ الْحَقَّ قَالَ فَيُنَادُونَ الْحَقُّ الْحَقُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ شُرَيْحٍ الرَّازِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ إِشْكَابَ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ عَنْهُمْ وَلَفْظُهُ مِثْلُهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فَيَقُولُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ قَالَ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا وَجَاءَ عَنْهُ مَرْفُوعا أَيْضا قلت وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا السَّنَدِ إِلَى مَسْرُوقٍ قَالَ مَنْ كَانَ يُحَدِّثُنَا بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ لَوْلَا بن مَسْعُودٍ سَأَلْنَاهُ عَنْهُ فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الصَّحِيحِ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ بِهَذَا وَأَخْرَجَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِشْكَابَ مَرْفُوعًا.

     وَقَالَ  هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ أَبُو مُعَاوِيَةَ مُسْنَدًا وَوَجَدْتُهُ بِالْكُوفَةِ مَوْقُوفًا ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَشُعْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا وَمِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ مَعًا وَمِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ كَذَلِكَ وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ وَجَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ عَنْ أَبِي الضُّحَى مَرْفُوعا وَأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ مَسْرُوقٍ كَذَلِكَ وَأَغْفَلَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَحَادِيثِ الصَّوْتِ هَذِهِ الطُّرُقَ كُلَّهَا وَاقْتَصَرَ عَلَى طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ فَنَقَلَ كَلَامَ مَنْ تكلم فِيهِوَأَسْنَدَ إِلَى أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ مُخَرَّجٌ حَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلم ينْفَرد بِهِ وَقد نقل بن دَقِيق الْعِيد عَن بن الْمُفَضَّلِ وَكَانَ شَيْخَ وَالِدِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ خُرِّجَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ هَذَا جَازَ القنطرة وَقرر بن دَقِيقِ الْعِيدِ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى التَّخْرِيجِ لَهُمْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَصْحِيحِ مَا أَخْرَجَاهُ وَمِنْ لَازِمِهِ عَدَالَةُ رُوَاتِهِ إِلَى أَنْ تَتَبَيَّنَ الْعِلَّةُ الْقَادِحَةُ بِأَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً وَلَا تَقْبَلَ التَّأْوِيلَ .

     قَوْلُهُ  سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا وَلِبَعْضِهِمْ الصَّفْوَانِ بَدَلَ الصَّفَا وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ الْحَدِيدِ بَدَلَ السِّلْسِلَةِ وَفِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن مَنْصُور عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ مِثْلَ صَوْتِ السِّلْسِلَةِ وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَة عَامر الشّعبِيّ عَن بن مَسْعُودٍ سَمِعَ مَنْ دُونَهُ صَوْتًا كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ بن أَبِي حَاتِمٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاوَاتُ مِنْهُ رَجْفَةً أَوْ قَالَ رِعْدَةً شَدِيدَةً مِنْ خَوْفِ اللَّهِ فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صُعِقُوا وَخَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا وَكَذَا وَقَعَ .

     قَوْلُهُ  وَيَخِرُّونَ سُجَّدًا فِي رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ وَكَذَا فِي رِوَايَة سُفْيَان وبن نُمَيْرٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ فَيَفْزَعُونَ الْحَدِيثُ الثَّانِي .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ بِنُونٍ ومهملة مُصَغَّرٌ هُوَ الْجُهَنِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَأَنَّ الْحَدِيثَ الْمَوْقُوفَ هُنَاكَ طَرَفٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي إِيرَادِهِ هُنَاكَ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَهُنَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَسَاقَ هُنَا مِنَ الْحَدِيثِ بَعْضَهُ وَأَخْرَجَهُ بِتَمَامِهِ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَكِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَأَوَّلُ الْمَتْنِ الْمَرْفُوعُ يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ قَالَ الْعِبَادَ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا قَالَ قُلْنَا وَمَا بُهْمًا قَالَ لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ثُمَّ يُنَادِيهِمْ فَذَكَرَهُ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ الدَّيَّانُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ قَالَ قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي عُرَاةً بُهْمًا قَالَ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ لَفْظُ أَحْمَدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ هَمَّامٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى ذِكْرِ مَنْ تَابَعَهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَقَولُهُ غُرْلًا بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الرِّقَاقِ فِي شرح حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَفِيهِ حُفَاةً بَدَلَ قَوْلِهِ بُهْمًا وَهُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الَّذِينَ لَا شَيْءَ مَعَهُمْ وَقِيلَ الْمَجْهُولُونَ وَقِيلَ الْمُتَشَابِهُو الْأَلْوَانِ وَالْأَوَّلُ الْمُوَافِقُ لِمَا هُنَا .

     قَوْلُهُ  فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ حَمَلَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ عَلَى مَجَازِ الْحَذْفِ أَيْ يَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ مَنْ أَثْبَتَ الصَّوْتَ بِأَنَّ فِي قَوْلِهِ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُ هَذَا فِيهِمْ وَبِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا سَمِعُوهُ صُعِقُوا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَإِذَا سَمِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَمْ يُصْعَقُوا قَالَ فَعَلَى هَذَا فَصِفَاتُهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ لَا تُشْبِهُ صَوْتَ غَيْرِهِ إِذْ لَيْسَ يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ هَكَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ مَعْنَى يُنَادِيهِمْ يَقُولُ وَقَولُهُ بِصَوْتٍ أَيْ مَخْلُوقٍ غَيْرِ قَائِمٍ بِذَاتِهِ وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ خَارِقًا لِعَادَةِ الْأَصْوَاتِ الْمَخْلُوقَةِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ فِي سَمَاعِهَا بَيْنَ الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ هِيَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ كَلَامُ اللَّهِ كَمَا أَنَّ مُوسَى لَمَّا كَلَّمَهُ اللَّهُ كَانَ يَسْمَعُهُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ الْكَلَامُ مَا يَنْطِقُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي نَفْسِهِ كَمَا جَاءَ( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْده الا لمن أذن لَهُ) وَسَاقَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يقل مَاذَا خلق ربكُم قَالَ بن بَطَّالٍ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ قَدِيمٌ لِذَاتِهِ قَائِمٌ بِصِفَاتِهِ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا بِهِ وَلَا يَزَالُ كَلَامُهُ لَا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقِينَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الَّتِي نَفَتْ كَلَامَ اللَّهِ وَلِلْكِلَابِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْفِعْلِ وَالتَّكْوِينِ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِ الْعَرَبِ.

.

قُلْتُ بِيَدِي هَذَا أَيْ حَرَّكْتُهَا وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يُعْقَلُ إِلَّا بِأَعْضَاءٍ وَلِسَانٍ وَالْبَارِيمُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ الْبُخَارِيُّ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَالْآيَةِ وَفِيهِ أَنَّهُمْ إِذَا ذَهَبَ عَنْهُمُ الْفَزَعُ قَالُوا لِمَنْ فَوْقَهُمْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ سَمِعُوا قَوْلًا لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهُ مِنْ أَجْلِ فَزَعِهِمْ فَقَالُوا مَاذَا قَالَ وَلَمْ يَقُولُوا مَاذَا خَلَقَ وَكَذَا أَجَابَهُمْ مَنْ فَوْقَهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِمْ قَالُوا الْحَقَّ وَالْحَقُّ أَحَدُ صِفَتَيِ الذَّاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى كَلَامِهِ الْبَاطِلُ فَلَوْ كَانَ خَلْقًا أَوْ فِعْلًا لَقَالُوا خَلَقَ خَلْقًا إِنْسَانًا أَوْ غَيْرَهُ فَلَمَّا وَصَفُوهُ بِمَا يُوصَفُ بِهِ الْكَلَامُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِمَعْنَى التَّكْوِينِ انْتَهَى وَهَذَا الَّذِي نَسَبَهُ لِلْكِلَابِيَّةِ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّ الْمَرِيسِيَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نقُول لَهُ كن فَيكون هُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ قَالَتِ السَّمَاءُ فَأَمْطَرَتْ.

     وَقَالَ  الْجِدَارُ هَكَذَا إِذَا مَالَ فَمَعْنَاهُ .

     قَوْلُهُ  إِذَا أَرَدْنَاهُ إِذَا كَوَّنَّاهُ.

.
وَتَعَقَّبَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَنَّهُ أُغْلُوطَةٌ لِأَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ قَالَتِ السَّمَاءُ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا صَحِيحًا حَتَّى يَقُولَ فَأَمْطَرَتْ بِخِلَافِ مَنْ يَقُولُ قَالَ الْإِنْسَانُ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَلَامًا فَلَوْلَا .

     قَوْلُهُ  فَأَمْطَرَتْ لَكَانَ الْكَلَامُ بَاطِلًا لِأَنَّ السَّمَاءَ لَا قَوْلَ لَهَا فَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا أَوَّلُ بَابٍ تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ وَهِيَ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ قَدْ أَكْثَرَ أَئِمَّةُ الْفِرَقِ فِيهَا الْقَوْلَ وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ اللَّهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ مَخْلُوقًا وَلَا مُحْدَثًا وَلَا حَادِثًا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نقُول لَهُ كن فَيكون فَلَو كَانَ الْقُرْآن مخلوقا لَكَانَ مخلوقا يكن وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ لِشَيْءٍ بِقَوْلٍ لِأَنَّهُ يُوجِبُ قَوْلًا ثَانِيًا وَثَالِثًا فَيَتَسَلْسَلُ وَهُوَ فَاسِدٌ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خلق الْإِنْسَان فَخَصَّ الْقُرْآنَ بِالتَّعْلِيمِ لِأَنَّهُ كَلَامُهُ وَصِفَتُهُ وَخَصَّ الْإِنْسَانَ بِالتَّخْلِيقِ لِأَنَّهُ خَلْقُهُ وَمَصْنُوعُهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ خَلَقَ الْقُرْآنَ وَالْإِنْسَانَ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى وكلم الله مُوسَى تكليما وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ قَائِمًا بِغَيْرِهِ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحيا الْآيَةَ فَلَوْ كَانَ لَا يُوجَدُ إِلَّا مَخْلُوقًا فِي شَيْءٍ مَخْلُوقٍ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ مَعْنًى لِاسْتِوَاءِ جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي سَمَاعِهِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ فَبَطَلَ قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ إِنَّهُ مَخْلُوقٌ فِي غَيْرِ اللَّهِ وَيَلْزَمُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ كَلَامًا فِي شَجَرَةٍ كَلَّمَ بِهِ مُوسَى أَنْ يَكُونَ مَنْ سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ مَلَكٍ أَوْ نَبِيٍّ أَفْضَلَ فِي سَمَاعِ الْكَلَامِ مِنْ مُوسَى وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ هِيَ الْمُتَكَلِّمَةَ بِمَا ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ كَلَّمَ بِهِ مُوسَى وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعبدني وَقَدْ أَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ الْمُشْرِكِينَ إِنْ هَذَا الا قَول الْبشر وَلَا يُعْتَرَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كريم لِأَنَّ مَعْنَاهُ قَوْلٌ تَلَقَّاهُ عَنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وَلَا بقوله انا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لِأَنَّ مَعْنَاهُ سَمَّيْنَاهُ قُرْآنًا وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَتَجْعَلُونَ رزقكم انكم تكذبون وَقَوله ويجعلون لله مَا يكْرهُونَ وَقَوْلِهِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فَالْمُرَادُ أَنَّ تَنْزِيلَهُ إِلَيْنَا هُوَ الْمُحْدَثُ لَا الذِّكْرُ نَفْسُهُ وَبِهَذَا احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثُمَّ سَاقَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ نِيَارٍ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّة بن مُكْرَمٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرُّومِ فَقَالُوا هَذَا كَلَامُكَ أَوْ كَلَامُ صَاحِبِكَ قَالَ لَيْسَ كَلَامِي وَلَا كَلَامَ صَاحِبِي وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُصَحَّحًا وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَا حَكَّمْتُ مَخْلُوقًا مَا حَكَّمْتُ إِلَّا الْقُرْآنَ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ وَغَيْرَهُ مِنْ مَشْيَخَتِنَا يَقُولُونَ الْقُرْآنُ كَلَامُ الله لَيْسَ بمخلوق.

     وَقَالَ  بن حَزْمٍ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى وَعَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَالصُّحُفِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ ان كَلَاماللَّهِ صِفَةُ فِعْلٍ مَخْلُوقَةٌ وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِكَلَامٍ أَحْدَثَهُ فِي الشَّجَرَةِ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ وَمَنْ تَبِعَهُ كَلَامُ اللَّهِ هُوَ عِلْمُهُ لَمْ يَزَلْ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.

     وَقَالَ تِ الْأَشْعَرِيَّةُ كَلَامُ اللَّهِ صِفَةُ ذَاتٍ لَمْ يَزَلْ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَهُوَ غَيْرُ عِلْمِ اللَّهِ وَلَيْسَ لِلَّهِ إِلَّا كَلَامٌ وَاحِدٌ وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ بِأَنَّ الدَّلَائِلَ الْقَاطِعَةَ قَامَتْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَلَمَّا كَانَ كَلَامُنَا غَيْرَنَا وَكَانَ مَخْلُوقًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ غَيْرَهُ وَلَيْسَ مَخْلُوقًا وَأَطَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لِذَلِكَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ اخْتَلَفُوا فَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَبَعْضُ الزَّيْدِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةُ وَبَعْضُ الْخَوَارِجِ كَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَجْسَامِ كَالشَّجَرَةِ حِينَ كَلَّمَ مُوسَى وَحَقِيقَتُهُ .

     قَوْلُهُ مْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ وَإِنْ نُسِبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ فَبِطَرِيقِ الْمَجَازِ.

     وَقَالَ تِ الْمُعْتَزِلَةُ يَتَكَلَّمُ حَقِيقَةً لَكِنْ يَخْلُقُ ذَلِكَ الْكَلَامَ فِي غَيْرِهِ.

     وَقَالَ تِ الْكِلَابِيَّةُ الْكَلَامُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ قَدِيمَةُ الْعَيْنِ لَازِمَةٌ لِذَاتِ اللَّهِ كَالْحَيَاةِ وَأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَتَكْلِيمِهِ لِمَنْ كَلَّمَهُ إِنَّمَا هُوَ خَلْقُ إِدْرَاكٍ لَهُ يَسْمَعُ بِهِ الْكَلَامَ وَنِدَاؤُهُ لِمُوسَى لَمْ يَزَلْ لَكِنَّهُ أَسْمَعَهُ ذَلِكَ النِّدَاءَ حِينَ نَاجَاهُ وَيُحْكَى عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ خَلَقَ صَوْتًا حِينَ نَادَاهُ فَأَسْمَعَهُ كَلَامَهُ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ السَّلَفِ الَّذِينَ قَالُوا ان الْقُرْآن لَيْسَ بمخلوق وَأخذ بقول بن كِلَابٍ الْقَابِسِيِّ وَالْأَشْعَرِيِّ وَأَتْبَاعِهِمَا وَقَالُوا إِذَا كَانَ الْكَلَامُ قَدِيمًا لِعَيْنِهِ لَازِمًا لِذَاتِ الرَّبِّ وَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ فَالْحُرُوفُ لَيْسَتْ قَدِيمَةً لِأَنَّهَا مُتَعَاقِبَةٌ وَمَا كَانَ مَسْبُوقًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا وَالْكَلَامُ الْقَدِيمُ مَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ لَا يَتَعَدَّدُ وَلَا يَتَجَزَّأُ بَلْ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ إِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ قُرْآنٌ أَوْ بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَهُوَ تَوْرَاةٌ مَثَلًا وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ كَلَامُ اللَّهِ وَكَذَا التَّوْرَاةُ وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ وَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِحُرُوفِ الْقُرْآنِ وَأَسْمَعَ مَنْ شَاءَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ صَوْتَهُ وَقَالُوا إِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ قَدِيمَةُ الْعَيْنِ لَازِمَةُ الذَّات لَيْسَ مُتَعَاقِبَةً بَلْ لَمْ تَزَلْ قَائِمَةً بِذَاتِهِ مُقْتَرِنَةً لَا تُسْبَقُ وَالتَّعَاقُبُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ بِخِلَافِ الْخَالِقِ وَذَهَبَ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ إِلَى أَنَّ الْأَصْوَاتَ وَالْحُرُوفَ هِيَ الْمَسْمُوعَةُ مِنَ الْقَارِئِينَ وَأَبَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا لَيْسَتْ هِيَ الْمَسْمُوعَةُ مِنَ الْقَارِئِينَ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِالْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لَكِنَّهُ فِي الْأَزَلِ لَمْ يَتَكَلَّمْ لِامْتِنَاعِ وُجُودِ الْحَادِثِ فِي الْأَزَلِ فَكَلَامُهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ لَا مُحْدَثٌ وَذَهَبَ الْكَرَّامِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ وَمُحْدَثٌ وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِذَاتِهِ وَبِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ هُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ نَقْلًا وَعَقْلًا وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ تَرْكُ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ وَالتَّعَمُّقِ فِيهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ثُمَّ السُّكُوتُ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  جَلَّ ذِكْرُهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ زعم بن بَطَّالٍ أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى سَبَبِ النُّزُولِ لِأَنَّهُ جَاءَ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ الْأَصْنَامُ نَزَلَتْ فَأَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّ الَّذِينَ يَشْفَعُونَ عِنْدَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ إِنَّمَا يَشْفَعُونَ فِيمَنْ يَشْفَعُونَ فِيهِ بَعْدَ إِذْنِهِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِخُصُوصِهَا وَأَظُنُّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ عَنْ قُلُوبِهِمْ لِلْمَلَائِكَةِ وَأَنَّ فَاعِلَ الشَّفَاعَةِ فِي قَوْلِهِ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ هُمُ الْمَلَائِكَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مشفقون بِخِلَافِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْكُفَّارِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيس ظَنّه فَاتَّبعُوهُ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفْزِيعِ حَالَةُ مُفَارَقَةِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ اتِّبَاعُهُمْ إِيَّاهُ مستصحباإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ قُلِ ادْعُوا إِلَى آخِرِهِ مُعْتَرِضَةٌ وَحَمَلَ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى هَذَا الزَّعْمِ أَنَّ قَوْله حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم غَايَةٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُغَيَّا فَادَّعَى أَنَّهُ مَا ذَكَرَهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ الْمُرَادُ بِالزَّعْمِ الْكُفْرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى زَعَمْتُمْ أَيْ تَمَادَيْتُمْ فِي الْكُفْرِ إِلَى غَايَةِ التَّفْزِيعِ ثُمَّ تَرَكْتُمْ زَعْمَكُمْ وَقُلْتُمْ قَالَ الْحَقُّ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ وَيُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ أَنَّ هُنَاكَ فَزَعًا مِمَّنْ يَرْجُو الشَّفَاعَة هَل يُؤذن لَهُ بالشفاعة اولا فَكَأَنَّهُ قَالَ يَتَرَبَّصُونَ زَمَانًا فَزِعِينَ حَتَّى إِذَا كُشِفَ الْفَزَعُ عَنِ الْجَمِيعِ بِكَلَامٍ يَقُولُ اللَّهُ فِي إِطْلَاقِ الْإِذْنِ تَبَاشَرُوا بِذَلِكَ وَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ أَيِ الْقَوْلُ الْحَقُّ وَهُوَ الْإِذْنُ فِي الشَّفَاعَةِ لِمَنِ ارْتَضَى.

.

قُلْتُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تُؤَيِّدُهُ قَدْ ذَكَرْتُ بَعْضَهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ سَبَإٍ وَسَأُشِيرُ إِلَيْهَا هُنَا بعد وَالصَّحِيح فِي اعرابها مَا قَالَه بن عَطِيَّةَ وَهُوَ أَنَّ الْمُغَيَّا مَحْذُوفٌ كَأَنَّهُ قِيلَ وَلَا هُمْ شُفَعَاءُ كَمَا تَزْعُمُونَ بَلْ هُمْ عِنْدَهُ مُمْتَثِلُونَ لِأَمْرِهِ إِلَى أَنْ يَزُولَ الْفَزَعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

.
وَأَمَّا اعْتِرَاضُ مَنْ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُنْقَادِينَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ دَفْعُ مَا تَأَوَّلَهُ لَكِنَّ حَقَّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ بَلْ هُمْ خَاضِعُونَ لِأَمْرِهِ مُرْتَقِبُونَ لِمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ قِبَلِهِ خَائِفُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ إِلَى أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ جِبْرِيلَ بِمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ إِبْلَاغِ الْوَحْيِ لِلرُّسُلِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مَسْرُوق عَن بن مَسْعُودٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ وَنَادَوْا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكشميهني وَثَبت بمثلثه وموحدة مفتوحتين بَدَلَ وَسَكَنَ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّعْلِيقَ مُخْتَصَرًا وَقَدْ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ وَهُوَ أَبُو الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَلَفْظُهُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَاءِ فَيُصْعَقُونَ فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ فَإِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالَ وَيَقُولُونَ يَا جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالَ فَيَقُولُ الْحَقَّ قَالَ فَيُنَادُونَ الْحَقُّ الْحَقُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ شُرَيْحٍ الرَّازِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ إِشْكَابَ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ عَنْهُمْ وَلَفْظُهُ مِثْلُهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فَيَقُولُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ قَالَ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا وَجَاءَ عَنْهُ مَرْفُوعا أَيْضا قلت وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا السَّنَدِ إِلَى مَسْرُوقٍ قَالَ مَنْ كَانَ يُحَدِّثُنَا بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ لَوْلَا بن مَسْعُودٍ سَأَلْنَاهُ عَنْهُ فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الصَّحِيحِ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ بِهَذَا وَأَخْرَجَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِشْكَابَ مَرْفُوعًا.

     وَقَالَ  هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ أَبُو مُعَاوِيَةَ مُسْنَدًا وَوَجَدْتُهُ بِالْكُوفَةِ مَوْقُوفًا ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَشُعْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا وَمِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ مَعًا وَمِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ كَذَلِكَ وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ وَجَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ عَنْ أَبِي الضُّحَى مَرْفُوعا وَأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ مَسْرُوقٍ كَذَلِكَ وَأَغْفَلَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَحَادِيثِ الصَّوْتِ هَذِهِ الطُّرُقَ كُلَّهَا وَاقْتَصَرَ عَلَى طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ فَنَقَلَ كَلَامَ مَنْ تكلم فِيهِوَأَسْنَدَ إِلَى أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ مُخَرَّجٌ حَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلم ينْفَرد بِهِ وَقد نقل بن دَقِيق الْعِيد عَن بن الْمُفَضَّلِ وَكَانَ شَيْخَ وَالِدِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ خُرِّجَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ هَذَا جَازَ القنطرة وَقرر بن دَقِيقِ الْعِيدِ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى التَّخْرِيجِ لَهُمْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَصْحِيحِ مَا أَخْرَجَاهُ وَمِنْ لَازِمِهِ عَدَالَةُ رُوَاتِهِ إِلَى أَنْ تَتَبَيَّنَ الْعِلَّةُ الْقَادِحَةُ بِأَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً وَلَا تَقْبَلَ التَّأْوِيلَ .

     قَوْلُهُ  سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا وَلِبَعْضِهِمْ الصَّفْوَانِ بَدَلَ الصَّفَا وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ الْحَدِيدِ بَدَلَ السِّلْسِلَةِ وَفِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن مَنْصُور عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ مِثْلَ صَوْتِ السِّلْسِلَةِ وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَة عَامر الشّعبِيّ عَن بن مَسْعُودٍ سَمِعَ مَنْ دُونَهُ صَوْتًا كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ بن أَبِي حَاتِمٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاوَاتُ مِنْهُ رَجْفَةً أَوْ قَالَ رِعْدَةً شَدِيدَةً مِنْ خَوْفِ اللَّهِ فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صُعِقُوا وَخَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا وَكَذَا وَقَعَ .

     قَوْلُهُ  وَيَخِرُّونَ سُجَّدًا فِي رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ وَكَذَا فِي رِوَايَة سُفْيَان وبن نُمَيْرٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ فَيَفْزَعُونَ الْحَدِيثُ الثَّانِي .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ بِنُونٍ ومهملة مُصَغَّرٌ هُوَ الْجُهَنِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَأَنَّ الْحَدِيثَ الْمَوْقُوفَ هُنَاكَ طَرَفٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي إِيرَادِهِ هُنَاكَ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَهُنَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَسَاقَ هُنَا مِنَ الْحَدِيثِ بَعْضَهُ وَأَخْرَجَهُ بِتَمَامِهِ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَكِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَأَوَّلُ الْمَتْنِ الْمَرْفُوعُ يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ قَالَ الْعِبَادَ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا قَالَ قُلْنَا وَمَا بُهْمًا قَالَ لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ثُمَّ يُنَادِيهِمْ فَذَكَرَهُ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ الدَّيَّانُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ قَالَ قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي عُرَاةً بُهْمًا قَالَ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ لَفْظُ أَحْمَدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ هَمَّامٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى ذِكْرِ مَنْ تَابَعَهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَقَولُهُ غُرْلًا بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الرِّقَاقِ فِي شرح حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَفِيهِ حُفَاةً بَدَلَ قَوْلِهِ بُهْمًا وَهُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الَّذِينَ لَا شَيْءَ مَعَهُمْ وَقِيلَ الْمَجْهُولُونَ وَقِيلَ الْمُتَشَابِهُو الْأَلْوَانِ وَالْأَوَّلُ الْمُوَافِقُ لِمَا هُنَا .

     قَوْلُهُ  فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ حَمَلَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ عَلَى مَجَازِ الْحَذْفِ أَيْ يَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ مَنْ أَثْبَتَ الصَّوْتَ بِأَنَّ فِي قَوْلِهِ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُ هَذَا فِيهِمْ وَبِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا سَمِعُوهُ صُعِقُوا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَإِذَا سَمِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَمْ يُصْعَقُوا قَالَ فَعَلَى هَذَا فَصِفَاتُهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ لَا تُشْبِهُ صَوْتَ غَيْرِهِ إِذْ لَيْسَ يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ هَكَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ مَعْنَى يُنَادِيهِمْ يَقُولُ وَقَولُهُ بِصَوْتٍ أَيْ مَخْلُوقٍ غَيْرِ قَائِمٍ بِذَاتِهِ وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ خَارِقًا لِعَادَةِ الْأَصْوَاتِ الْمَخْلُوقَةِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ فِي سَمَاعِهَا بَيْنَ الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ هِيَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ كَلَامُ اللَّهِ كَمَا أَنَّ مُوسَى لَمَّا كَلَّمَهُ اللَّهُ كَانَ يَسْمَعُهُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ الْكَلَامُ مَا يَنْطِقُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي نَفْسِهِ كَمَا جَاءَ( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْده الا لمن أذن لَهُ) وَسَاقَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يقل مَاذَا خلق ربكُم قَالَ بن بَطَّالٍ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ قَدِيمٌ لِذَاتِهِ قَائِمٌ بِصِفَاتِهِ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا بِهِ وَلَا يَزَالُ كَلَامُهُ لَا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقِينَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الَّتِي نَفَتْ كَلَامَ اللَّهِ وَلِلْكِلَابِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْفِعْلِ وَالتَّكْوِينِ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِ الْعَرَبِ.

.

قُلْتُ بِيَدِي هَذَا أَيْ حَرَّكْتُهَا وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يُعْقَلُ إِلَّا بِأَعْضَاءٍ وَلِسَانٍ وَالْبَارِيمُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ الْبُخَارِيُّ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَالْآيَةِ وَفِيهِ أَنَّهُمْ إِذَا ذَهَبَ عَنْهُمُ الْفَزَعُ قَالُوا لِمَنْ فَوْقَهُمْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ سَمِعُوا قَوْلًا لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهُ مِنْ أَجْلِ فَزَعِهِمْ فَقَالُوا مَاذَا قَالَ وَلَمْ يَقُولُوا مَاذَا خَلَقَ وَكَذَا أَجَابَهُمْ مَنْ فَوْقَهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِمْ قَالُوا الْحَقَّ وَالْحَقُّ أَحَدُ صِفَتَيِ الذَّاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى كَلَامِهِ الْبَاطِلُ فَلَوْ كَانَ خَلْقًا أَوْ فِعْلًا لَقَالُوا خَلَقَ خَلْقًا إِنْسَانًا أَوْ غَيْرَهُ فَلَمَّا وَصَفُوهُ بِمَا يُوصَفُ بِهِ الْكَلَامُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِمَعْنَى التَّكْوِينِ انْتَهَى وَهَذَا الَّذِي نَسَبَهُ لِلْكِلَابِيَّةِ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّ الْمَرِيسِيَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نقُول لَهُ كن فَيكون هُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ قَالَتِ السَّمَاءُ فَأَمْطَرَتْ.

     وَقَالَ  الْجِدَارُ هَكَذَا إِذَا مَالَ فَمَعْنَاهُ .

     قَوْلُهُ  إِذَا أَرَدْنَاهُ إِذَا كَوَّنَّاهُ.

.
وَتَعَقَّبَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَنَّهُ أُغْلُوطَةٌ لِأَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ قَالَتِ السَّمَاءُ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا صَحِيحًا حَتَّى يَقُولَ فَأَمْطَرَتْ بِخِلَافِ مَنْ يَقُولُ قَالَ الْإِنْسَانُ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَلَامًا فَلَوْلَا .

     قَوْلُهُ  فَأَمْطَرَتْ لَكَانَ الْكَلَامُ بَاطِلًا لِأَنَّ السَّمَاءَ لَا قَوْلَ لَهَا فَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا أَوَّلُ بَابٍ تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ وَهِيَ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ قَدْ أَكْثَرَ أَئِمَّةُ الْفِرَقِ فِيهَا الْقَوْلَ وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ اللَّهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ مَخْلُوقًا وَلَا مُحْدَثًا وَلَا حَادِثًا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نقُول لَهُ كن فَيكون فَلَو كَانَ الْقُرْآن مخلوقا لَكَانَ مخلوقا يكن وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ لِشَيْءٍ بِقَوْلٍ لِأَنَّهُ يُوجِبُ قَوْلًا ثَانِيًا وَثَالِثًا فَيَتَسَلْسَلُ وَهُوَ فَاسِدٌ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خلق الْإِنْسَان فَخَصَّ الْقُرْآنَ بِالتَّعْلِيمِ لِأَنَّهُ كَلَامُهُ وَصِفَتُهُ وَخَصَّ الْإِنْسَانَ بِالتَّخْلِيقِ لِأَنَّهُ خَلْقُهُ وَمَصْنُوعُهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ خَلَقَ الْقُرْآنَ وَالْإِنْسَانَ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى وكلم الله مُوسَى تكليما وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ قَائِمًا بِغَيْرِهِ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحيا الْآيَةَ فَلَوْ كَانَ لَا يُوجَدُ إِلَّا مَخْلُوقًا فِي شَيْءٍ مَخْلُوقٍ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ مَعْنًى لِاسْتِوَاءِ جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي سَمَاعِهِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ فَبَطَلَ قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ إِنَّهُ مَخْلُوقٌ فِي غَيْرِ اللَّهِ وَيَلْزَمُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ كَلَامًا فِي شَجَرَةٍ كَلَّمَ بِهِ مُوسَى أَنْ يَكُونَ مَنْ سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ مَلَكٍ أَوْ نَبِيٍّ أَفْضَلَ فِي سَمَاعِ الْكَلَامِ مِنْ مُوسَى وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ هِيَ الْمُتَكَلِّمَةَ بِمَا ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ كَلَّمَ بِهِ مُوسَى وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعبدني وَقَدْ أَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ الْمُشْرِكِينَ إِنْ هَذَا الا قَول الْبشر وَلَا يُعْتَرَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كريم لِأَنَّ مَعْنَاهُ قَوْلٌ تَلَقَّاهُ عَنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وَلَا بقوله انا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لِأَنَّ مَعْنَاهُ سَمَّيْنَاهُ قُرْآنًا وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَتَجْعَلُونَ رزقكم انكم تكذبون وَقَوله ويجعلون لله مَا يكْرهُونَ وَقَوْلِهِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فَالْمُرَادُ أَنَّ تَنْزِيلَهُ إِلَيْنَا هُوَ الْمُحْدَثُ لَا الذِّكْرُ نَفْسُهُ وَبِهَذَا احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثُمَّ سَاقَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ نِيَارٍ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّة بن مُكْرَمٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرُّومِ فَقَالُوا هَذَا كَلَامُكَ أَوْ كَلَامُ صَاحِبِكَ قَالَ لَيْسَ كَلَامِي وَلَا كَلَامَ صَاحِبِي وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُصَحَّحًا وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَا حَكَّمْتُ مَخْلُوقًا مَا حَكَّمْتُ إِلَّا الْقُرْآنَ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ وَغَيْرَهُ مِنْ مَشْيَخَتِنَا يَقُولُونَ الْقُرْآنُ كَلَامُ الله لَيْسَ بمخلوق.

     وَقَالَ  بن حَزْمٍ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى وَعَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَالصُّحُفِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ ان كَلَاماللَّهِ صِفَةُ فِعْلٍ مَخْلُوقَةٌ وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِكَلَامٍ أَحْدَثَهُ فِي الشَّجَرَةِ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ وَمَنْ تَبِعَهُ كَلَامُ اللَّهِ هُوَ عِلْمُهُ لَمْ يَزَلْ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.

     وَقَالَ تِ الْأَشْعَرِيَّةُ كَلَامُ اللَّهِ صِفَةُ ذَاتٍ لَمْ يَزَلْ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَهُوَ غَيْرُ عِلْمِ اللَّهِ وَلَيْسَ لِلَّهِ إِلَّا كَلَامٌ وَاحِدٌ وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ بِأَنَّ الدَّلَائِلَ الْقَاطِعَةَ قَامَتْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَلَمَّا كَانَ كَلَامُنَا غَيْرَنَا وَكَانَ مَخْلُوقًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ غَيْرَهُ وَلَيْسَ مَخْلُوقًا وَأَطَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لِذَلِكَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ اخْتَلَفُوا فَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَبَعْضُ الزَّيْدِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةُ وَبَعْضُ الْخَوَارِجِ كَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَجْسَامِ كَالشَّجَرَةِ حِينَ كَلَّمَ مُوسَى وَحَقِيقَتُهُ .

     قَوْلُهُ مْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ وَإِنْ نُسِبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ فَبِطَرِيقِ الْمَجَازِ.

     وَقَالَ تِ الْمُعْتَزِلَةُ يَتَكَلَّمُ حَقِيقَةً لَكِنْ يَخْلُقُ ذَلِكَ الْكَلَامَ فِي غَيْرِهِ.

     وَقَالَ تِ الْكِلَابِيَّةُ الْكَلَامُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ قَدِيمَةُ الْعَيْنِ لَازِمَةٌ لِذَاتِ اللَّهِ كَالْحَيَاةِ وَأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَتَكْلِيمِهِ لِمَنْ كَلَّمَهُ إِنَّمَا هُوَ خَلْقُ إِدْرَاكٍ لَهُ يَسْمَعُ بِهِ الْكَلَامَ وَنِدَاؤُهُ لِمُوسَى لَمْ يَزَلْ لَكِنَّهُ أَسْمَعَهُ ذَلِكَ النِّدَاءَ حِينَ نَاجَاهُ وَيُحْكَى عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ خَلَقَ صَوْتًا حِينَ نَادَاهُ فَأَسْمَعَهُ كَلَامَهُ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ السَّلَفِ الَّذِينَ قَالُوا ان الْقُرْآن لَيْسَ بمخلوق وَأخذ بقول بن كِلَابٍ الْقَابِسِيِّ وَالْأَشْعَرِيِّ وَأَتْبَاعِهِمَا وَقَالُوا إِذَا كَانَ الْكَلَامُ قَدِيمًا لِعَيْنِهِ لَازِمًا لِذَاتِ الرَّبِّ وَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ فَالْحُرُوفُ لَيْسَتْ قَدِيمَةً لِأَنَّهَا مُتَعَاقِبَةٌ وَمَا كَانَ مَسْبُوقًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا وَالْكَلَامُ الْقَدِيمُ مَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ لَا يَتَعَدَّدُ وَلَا يَتَجَزَّأُ بَلْ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ إِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ قُرْآنٌ أَوْ بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَهُوَ تَوْرَاةٌ مَثَلًا وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ كَلَامُ اللَّهِ وَكَذَا التَّوْرَاةُ وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ وَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِحُرُوفِ الْقُرْآنِ وَأَسْمَعَ مَنْ شَاءَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ صَوْتَهُ وَقَالُوا إِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ قَدِيمَةُ الْعَيْنِ لَازِمَةُ الذَّات لَيْسَ مُتَعَاقِبَةً بَلْ لَمْ تَزَلْ قَائِمَةً بِذَاتِهِ مُقْتَرِنَةً لَا تُسْبَقُ وَالتَّعَاقُبُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ بِخِلَافِ الْخَالِقِ وَذَهَبَ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ إِلَى أَنَّ الْأَصْوَاتَ وَالْحُرُوفَ هِيَ الْمَسْمُوعَةُ مِنَ الْقَارِئِينَ وَأَبَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا لَيْسَتْ هِيَ الْمَسْمُوعَةُ مِنَ الْقَارِئِينَ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِالْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لَكِنَّهُ فِي الْأَزَلِ لَمْ يَتَكَلَّمْ لِامْتِنَاعِ وُجُودِ الْحَادِثِ فِي الْأَزَلِ فَكَلَامُهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ لَا مُحْدَثٌ وَذَهَبَ الْكَرَّامِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ وَمُحْدَثٌ وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِذَاتِهِ وَبِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ هُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ نَقْلًا وَعَقْلًا وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ تَرْكُ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ وَالتَّعَمُّقِ فِيهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ثُمَّ السُّكُوتُ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  جَلَّ ذِكْرُهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ زعم بن بَطَّالٍ أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى سَبَبِ النُّزُولِ لِأَنَّهُ جَاءَ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ الْأَصْنَامُ نَزَلَتْ فَأَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّ الَّذِينَ يَشْفَعُونَ عِنْدَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ إِنَّمَا يَشْفَعُونَ فِيمَنْ يَشْفَعُونَ فِيهِ بَعْدَ إِذْنِهِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِخُصُوصِهَا وَأَظُنُّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ عَنْ قُلُوبِهِمْ لِلْمَلَائِكَةِ وَأَنَّ فَاعِلَ الشَّفَاعَةِ فِي قَوْلِهِ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ هُمُ الْمَلَائِكَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مشفقون بِخِلَافِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْكُفَّارِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيس ظَنّه فَاتَّبعُوهُ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفْزِيعِ حَالَةُ مُفَارَقَةِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ اتِّبَاعُهُمْ إِيَّاهُ مستصحباإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ قُلِ ادْعُوا إِلَى آخِرِهِ مُعْتَرِضَةٌ وَحَمَلَ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى هَذَا الزَّعْمِ أَنَّ قَوْله حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم غَايَةٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُغَيَّا فَادَّعَى أَنَّهُ مَا ذَكَرَهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ الْمُرَادُ بِالزَّعْمِ الْكُفْرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى زَعَمْتُمْ أَيْ تَمَادَيْتُمْ فِي الْكُفْرِ إِلَى غَايَةِ التَّفْزِيعِ ثُمَّ تَرَكْتُمْ زَعْمَكُمْ وَقُلْتُمْ قَالَ الْحَقُّ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ وَيُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ أَنَّ هُنَاكَ فَزَعًا مِمَّنْ يَرْجُو الشَّفَاعَة هَل يُؤذن لَهُ بالشفاعة اولا فَكَأَنَّهُ قَالَ يَتَرَبَّصُونَ زَمَانًا فَزِعِينَ حَتَّى إِذَا كُشِفَ الْفَزَعُ عَنِ الْجَمِيعِ بِكَلَامٍ يَقُولُ اللَّهُ فِي إِطْلَاقِ الْإِذْنِ تَبَاشَرُوا بِذَلِكَ وَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ أَيِ الْقَوْلُ الْحَقُّ وَهُوَ الْإِذْنُ فِي الشَّفَاعَةِ لِمَنِ ارْتَضَى.

.

قُلْتُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تُؤَيِّدُهُ قَدْ ذَكَرْتُ بَعْضَهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ سَبَإٍ وَسَأُشِيرُ إِلَيْهَا هُنَا بعد وَالصَّحِيح فِي اعرابها مَا قَالَه بن عَطِيَّةَ وَهُوَ أَنَّ الْمُغَيَّا مَحْذُوفٌ كَأَنَّهُ قِيلَ وَلَا هُمْ شُفَعَاءُ كَمَا تَزْعُمُونَ بَلْ هُمْ عِنْدَهُ مُمْتَثِلُونَ لِأَمْرِهِ إِلَى أَنْ يَزُولَ الْفَزَعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

.
وَأَمَّا اعْتِرَاضُ مَنْ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُنْقَادِينَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ دَفْعُ مَا تَأَوَّلَهُ لَكِنَّ حَقَّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ بَلْ هُمْ خَاضِعُونَ لِأَمْرِهِ مُرْتَقِبُونَ لِمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ قِبَلِهِ خَائِفُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ إِلَى أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ جِبْرِيلَ بِمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ إِبْلَاغِ الْوَحْيِ لِلرُّسُلِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مَسْرُوق عَن بن مَسْعُودٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ وَنَادَوْا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكشميهني وَثَبت بمثلثه وموحدة مفتوحتين بَدَلَ وَسَكَنَ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّعْلِيقَ مُخْتَصَرًا وَقَدْ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ وَهُوَ أَبُو الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَلَفْظُهُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَاءِ فَيُصْعَقُونَ فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ فَإِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالَ وَيَقُولُونَ يَا جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالَ فَيَقُولُ الْحَقَّ قَالَ فَيُنَادُونَ الْحَقُّ الْحَقُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ شُرَيْحٍ الرَّازِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ إِشْكَابَ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ عَنْهُمْ وَلَفْظُهُ مِثْلُهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فَيَقُولُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ قَالَ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا وَجَاءَ عَنْهُ مَرْفُوعا أَيْضا قلت وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا السَّنَدِ إِلَى مَسْرُوقٍ قَالَ مَنْ كَانَ يُحَدِّثُنَا بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ لَوْلَا بن مَسْعُودٍ سَأَلْنَاهُ عَنْهُ فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الصَّحِيحِ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ بِهَذَا وَأَخْرَجَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِشْكَابَ مَرْفُوعًا.

     وَقَالَ  هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ أَبُو مُعَاوِيَةَ مُسْنَدًا وَوَجَدْتُهُ بِالْكُوفَةِ مَوْقُوفًا ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَشُعْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا وَمِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ مَعًا وَمِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ كَذَلِكَ وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ وَجَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ عَنْ أَبِي الضُّحَى مَرْفُوعا وَأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ مَسْرُوقٍ كَذَلِكَ وَأَغْفَلَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَحَادِيثِ الصَّوْتِ هَذِهِ الطُّرُقَ كُلَّهَا وَاقْتَصَرَ عَلَى طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ فَنَقَلَ كَلَامَ مَنْ تكلم فِيهِوَأَسْنَدَ إِلَى أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ مُخَرَّجٌ حَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلم ينْفَرد بِهِ وَقد نقل بن دَقِيق الْعِيد عَن بن الْمُفَضَّلِ وَكَانَ شَيْخَ وَالِدِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ خُرِّجَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ هَذَا جَازَ القنطرة وَقرر بن دَقِيقِ الْعِيدِ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى التَّخْرِيجِ لَهُمْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَصْحِيحِ مَا أَخْرَجَاهُ وَمِنْ لَازِمِهِ عَدَالَةُ رُوَاتِهِ إِلَى أَنْ تَتَبَيَّنَ الْعِلَّةُ الْقَادِحَةُ بِأَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً وَلَا تَقْبَلَ التَّأْوِيلَ .

     قَوْلُهُ  سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا وَلِبَعْضِهِمْ الصَّفْوَانِ بَدَلَ الصَّفَا وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ الْحَدِيدِ بَدَلَ السِّلْسِلَةِ وَفِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن مَنْصُور عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ مِثْلَ صَوْتِ السِّلْسِلَةِ وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَة عَامر الشّعبِيّ عَن بن مَسْعُودٍ سَمِعَ مَنْ دُونَهُ صَوْتًا كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ بن أَبِي حَاتِمٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاوَاتُ مِنْهُ رَجْفَةً أَوْ قَالَ رِعْدَةً شَدِيدَةً مِنْ خَوْفِ اللَّهِ فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صُعِقُوا وَخَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا وَكَذَا وَقَعَ .

     قَوْلُهُ  وَيَخِرُّونَ سُجَّدًا فِي رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ وَكَذَا فِي رِوَايَة سُفْيَان وبن نُمَيْرٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ فَيَفْزَعُونَ الْحَدِيثُ الثَّانِي .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ بِنُونٍ ومهملة مُصَغَّرٌ هُوَ الْجُهَنِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَأَنَّ الْحَدِيثَ الْمَوْقُوفَ هُنَاكَ طَرَفٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي إِيرَادِهِ هُنَاكَ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَهُنَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَسَاقَ هُنَا مِنَ الْحَدِيثِ بَعْضَهُ وَأَخْرَجَهُ بِتَمَامِهِ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَكِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَأَوَّلُ الْمَتْنِ الْمَرْفُوعُ يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ قَالَ الْعِبَادَ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا قَالَ قُلْنَا وَمَا بُهْمًا قَالَ لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ثُمَّ يُنَادِيهِمْ فَذَكَرَهُ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ الدَّيَّانُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ قَالَ قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي عُرَاةً بُهْمًا قَالَ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ لَفْظُ أَحْمَدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ هَمَّامٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى ذِكْرِ مَنْ تَابَعَهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَقَولُهُ غُرْلًا بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الرِّقَاقِ فِي شرح حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَفِيهِ حُفَاةً بَدَلَ قَوْلِهِ بُهْمًا وَهُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الَّذِينَ لَا شَيْءَ مَعَهُمْ وَقِيلَ الْمَجْهُولُونَ وَقِيلَ الْمُتَشَابِهُو الْأَلْوَانِ وَالْأَوَّلُ الْمُوَافِقُ لِمَا هُنَا .

     قَوْلُهُ  فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ حَمَلَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ عَلَى مَجَازِ الْحَذْفِ أَيْ يَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ مَنْ أَثْبَتَ الصَّوْتَ بِأَنَّ فِي قَوْلِهِ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُ هَذَا فِيهِمْ وَبِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا سَمِعُوهُ صُعِقُوا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَإِذَا سَمِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَمْ يُصْعَقُوا قَالَ فَعَلَى هَذَا فَصِفَاتُهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ لَا تُشْبِهُ صَوْتَ غَيْرِهِ إِذْ لَيْسَ يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ هَكَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ مَعْنَى يُنَادِيهِمْ يَقُولُ وَقَولُهُ بِصَوْتٍ أَيْ مَخْلُوقٍ غَيْرِ قَائِمٍ بِذَاتِهِ وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ خَارِقًا لِعَادَةِ الْأَصْوَاتِ الْمَخْلُوقَةِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ فِي سَمَاعِهَا بَيْنَ الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ هِيَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ كَلَامُ اللَّهِ كَمَا أَنَّ مُوسَى لَمَّا كَلَّمَهُ اللَّهُ كَانَ يَسْمَعُهُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ الْكَلَامُ مَا يَنْطِقُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي نَفْسِهِ كَمَا جَاءَ( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْده الا لمن أذن لَهُ) وَسَاقَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يقل مَاذَا خلق ربكُم قَالَ بن بَطَّالٍ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ قَدِيمٌ لِذَاتِهِ قَائِمٌ بِصِفَاتِهِ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا بِهِ وَلَا يَزَالُ كَلَامُهُ لَا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقِينَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الَّتِي نَفَتْ كَلَامَ اللَّهِ وَلِلْكِلَابِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْفِعْلِ وَالتَّكْوِينِ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِ الْعَرَبِ.

.

قُلْتُ بِيَدِي هَذَا أَيْ حَرَّكْتُهَا وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يُعْقَلُ إِلَّا بِأَعْضَاءٍ وَلِسَانٍ وَالْبَارِيمُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ الْبُخَارِيُّ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَالْآيَةِ وَفِيهِ أَنَّهُمْ إِذَا ذَهَبَ عَنْهُمُ الْفَزَعُ قَالُوا لِمَنْ فَوْقَهُمْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ سَمِعُوا قَوْلًا لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهُ مِنْ أَجْلِ فَزَعِهِمْ فَقَالُوا مَاذَا قَالَ وَلَمْ يَقُولُوا مَاذَا خَلَقَ وَكَذَا أَجَابَهُمْ مَنْ فَوْقَهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِمْ قَالُوا الْحَقَّ وَالْحَقُّ أَحَدُ صِفَتَيِ الذَّاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى كَلَامِهِ الْبَاطِلُ فَلَوْ كَانَ خَلْقًا أَوْ فِعْلًا لَقَالُوا خَلَقَ خَلْقًا إِنْسَانًا أَوْ غَيْرَهُ فَلَمَّا وَصَفُوهُ بِمَا يُوصَفُ بِهِ الْكَلَامُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِمَعْنَى التَّكْوِينِ انْتَهَى وَهَذَا الَّذِي نَسَبَهُ لِلْكِلَابِيَّةِ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّ الْمَرِيسِيَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نقُول لَهُ كن فَيكون هُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ قَالَتِ السَّمَاءُ فَأَمْطَرَتْ.

     وَقَالَ  الْجِدَارُ هَكَذَا إِذَا مَالَ فَمَعْنَاهُ .

     قَوْلُهُ  إِذَا أَرَدْنَاهُ إِذَا كَوَّنَّاهُ.

.
وَتَعَقَّبَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَنَّهُ أُغْلُوطَةٌ لِأَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ قَالَتِ السَّمَاءُ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا صَحِيحًا حَتَّى يَقُولَ فَأَمْطَرَتْ بِخِلَافِ مَنْ يَقُولُ قَالَ الْإِنْسَانُ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَلَامًا فَلَوْلَا .

     قَوْلُهُ  فَأَمْطَرَتْ لَكَانَ الْكَلَامُ بَاطِلًا لِأَنَّ السَّمَاءَ لَا قَوْلَ لَهَا فَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا أَوَّلُ بَابٍ تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ وَهِيَ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ قَدْ أَكْثَرَ أَئِمَّةُ الْفِرَقِ فِيهَا الْقَوْلَ وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ اللَّهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ مَخْلُوقًا وَلَا مُحْدَثًا وَلَا حَادِثًا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نقُول لَهُ كن فَيكون فَلَو كَانَ الْقُرْآن مخلوقا لَكَانَ مخلوقا يكن وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ لِشَيْءٍ بِقَوْلٍ لِأَنَّهُ يُوجِبُ قَوْلًا ثَانِيًا وَثَالِثًا فَيَتَسَلْسَلُ وَهُوَ فَاسِدٌ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خلق الْإِنْسَان فَخَصَّ الْقُرْآنَ بِالتَّعْلِيمِ لِأَنَّهُ كَلَامُهُ وَصِفَتُهُ وَخَصَّ الْإِنْسَانَ بِالتَّخْلِيقِ لِأَنَّهُ خَلْقُهُ وَمَصْنُوعُهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ خَلَقَ الْقُرْآنَ وَالْإِنْسَانَ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى وكلم الله مُوسَى تكليما وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ قَائِمًا بِغَيْرِهِ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحيا الْآيَةَ فَلَوْ كَانَ لَا يُوجَدُ إِلَّا مَخْلُوقًا فِي شَيْءٍ مَخْلُوقٍ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ مَعْنًى لِاسْتِوَاءِ جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي سَمَاعِهِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ فَبَطَلَ قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ إِنَّهُ مَخْلُوقٌ فِي غَيْرِ اللَّهِ وَيَلْزَمُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ كَلَامًا فِي شَجَرَةٍ كَلَّمَ بِهِ مُوسَى أَنْ يَكُونَ مَنْ سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ مَلَكٍ أَوْ نَبِيٍّ أَفْضَلَ فِي سَمَاعِ الْكَلَامِ مِنْ مُوسَى وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ هِيَ الْمُتَكَلِّمَةَ بِمَا ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ كَلَّمَ بِهِ مُوسَى وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعبدني وَقَدْ أَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ الْمُشْرِكِينَ إِنْ هَذَا الا قَول الْبشر وَلَا يُعْتَرَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كريم لِأَنَّ مَعْنَاهُ قَوْلٌ تَلَقَّاهُ عَنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وَلَا بقوله انا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لِأَنَّ مَعْنَاهُ سَمَّيْنَاهُ قُرْآنًا وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَتَجْعَلُونَ رزقكم انكم تكذبون وَقَوله ويجعلون لله مَا يكْرهُونَ وَقَوْلِهِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فَالْمُرَادُ أَنَّ تَنْزِيلَهُ إِلَيْنَا هُوَ الْمُحْدَثُ لَا الذِّكْرُ نَفْسُهُ وَبِهَذَا احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثُمَّ سَاقَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ نِيَارٍ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّة بن مُكْرَمٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرُّومِ فَقَالُوا هَذَا كَلَامُكَ أَوْ كَلَامُ صَاحِبِكَ قَالَ لَيْسَ كَلَامِي وَلَا كَلَامَ صَاحِبِي وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُصَحَّحًا وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَا حَكَّمْتُ مَخْلُوقًا مَا حَكَّمْتُ إِلَّا الْقُرْآنَ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ وَغَيْرَهُ مِنْ مَشْيَخَتِنَا يَقُولُونَ الْقُرْآنُ كَلَامُ الله لَيْسَ بمخلوق.

     وَقَالَ  بن حَزْمٍ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى وَعَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَالصُّحُفِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ ان كَلَاماللَّهِ صِفَةُ فِعْلٍ مَخْلُوقَةٌ وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِكَلَامٍ أَحْدَثَهُ فِي الشَّجَرَةِ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ وَمَنْ تَبِعَهُ كَلَامُ اللَّهِ هُوَ عِلْمُهُ لَمْ يَزَلْ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.

     وَقَالَ تِ الْأَشْعَرِيَّةُ كَلَامُ اللَّهِ صِفَةُ ذَاتٍ لَمْ يَزَلْ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَهُوَ غَيْرُ عِلْمِ اللَّهِ وَلَيْسَ لِلَّهِ إِلَّا كَلَامٌ وَاحِدٌ وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ بِأَنَّ الدَّلَائِلَ الْقَاطِعَةَ قَامَتْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَلَمَّا كَانَ كَلَامُنَا غَيْرَنَا وَكَانَ مَخْلُوقًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ غَيْرَهُ وَلَيْسَ مَخْلُوقًا وَأَطَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لِذَلِكَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ اخْتَلَفُوا فَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَبَعْضُ الزَّيْدِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةُ وَبَعْضُ الْخَوَارِجِ كَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَجْسَامِ كَالشَّجَرَةِ حِينَ كَلَّمَ مُوسَى وَحَقِيقَتُهُ .

     قَوْلُهُ مْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ وَإِنْ نُسِبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ فَبِطَرِيقِ الْمَجَازِ.

     وَقَالَ تِ الْمُعْتَزِلَةُ يَتَكَلَّمُ حَقِيقَةً لَكِنْ يَخْلُقُ ذَلِكَ الْكَلَامَ فِي غَيْرِهِ.

     وَقَالَ تِ الْكِلَابِيَّةُ الْكَلَامُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ قَدِيمَةُ الْعَيْنِ لَازِمَةٌ لِذَاتِ اللَّهِ كَالْحَيَاةِ وَأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَتَكْلِيمِهِ لِمَنْ كَلَّمَهُ إِنَّمَا هُوَ خَلْقُ إِدْرَاكٍ لَهُ يَسْمَعُ بِهِ الْكَلَامَ وَنِدَاؤُهُ لِمُوسَى لَمْ يَزَلْ لَكِنَّهُ أَسْمَعَهُ ذَلِكَ النِّدَاءَ حِينَ نَاجَاهُ وَيُحْكَى عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ خَلَقَ صَوْتًا حِينَ نَادَاهُ فَأَسْمَعَهُ كَلَامَهُ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ السَّلَفِ الَّذِينَ قَالُوا ان الْقُرْآن لَيْسَ بمخلوق وَأخذ بقول بن كِلَابٍ الْقَابِسِيِّ وَالْأَشْعَرِيِّ وَأَتْبَاعِهِمَا وَقَالُوا إِذَا كَانَ الْكَلَامُ قَدِيمًا لِعَيْنِهِ لَازِمًا لِذَاتِ الرَّبِّ وَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ فَالْحُرُوفُ لَيْسَتْ قَدِيمَةً لِأَنَّهَا مُتَعَاقِبَةٌ وَمَا كَانَ مَسْبُوقًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا وَالْكَلَامُ الْقَدِيمُ مَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ لَا يَتَعَدَّدُ وَلَا يَتَجَزَّأُ بَلْ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ إِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ قُرْآنٌ أَوْ بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَهُوَ تَوْرَاةٌ مَثَلًا وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ كَلَامُ اللَّهِ وَكَذَا التَّوْرَاةُ وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ وَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِحُرُوفِ الْقُرْآنِ وَأَسْمَعَ مَنْ شَاءَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ صَوْتَهُ وَقَالُوا إِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ قَدِيمَةُ الْعَيْنِ لَازِمَةُ الذَّات لَيْسَ مُتَعَاقِبَةً بَلْ لَمْ تَزَلْ قَائِمَةً بِذَاتِهِ مُقْتَرِنَةً لَا تُسْبَقُ وَالتَّعَاقُبُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ بِخِلَافِ الْخَالِقِ وَذَهَبَ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ إِلَى أَنَّ الْأَصْوَاتَ وَالْحُرُوفَ هِيَ الْمَسْمُوعَةُ مِنَ الْقَارِئِينَ وَأَبَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا لَيْسَتْ هِيَ الْمَسْمُوعَةُ مِنَ الْقَارِئِينَ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِالْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لَكِنَّهُ فِي الْأَزَلِ لَمْ يَتَكَلَّمْ لِامْتِنَاعِ وُجُودِ الْحَادِثِ فِي الْأَزَلِ فَكَلَامُهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ لَا مُحْدَثٌ وَذَهَبَ الْكَرَّامِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ وَمُحْدَثٌ وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِذَاتِهِ وَبِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ هُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ نَقْلًا وَعَقْلًا وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ تَرْكُ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ وَالتَّعَمُّقِ فِيهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ثُمَّ السُّكُوتُ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  جَلَّ ذِكْرُهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ زعم بن بَطَّالٍ أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى سَبَبِ النُّزُولِ لِأَنَّهُ جَاءَ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ الْأَصْنَامُ نَزَلَتْ فَأَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّ الَّذِينَ يَشْفَعُونَ عِنْدَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ إِنَّمَا يَشْفَعُونَ فِيمَنْ يَشْفَعُونَ فِيهِ بَعْدَ إِذْنِهِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِخُصُوصِهَا وَأَظُنُّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ عَنْ قُلُوبِهِمْ لِلْمَلَائِكَةِ وَأَنَّ فَاعِلَ الشَّفَاعَةِ فِي قَوْلِهِ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ هُمُ الْمَلَائِكَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مشفقون بِخِلَافِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْكُفَّارِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيس ظَنّه فَاتَّبعُوهُ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفْزِيعِ حَالَةُ مُفَارَقَةِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ اتِّبَاعُهُمْ إِيَّاهُ مستصحباإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ قُلِ ادْعُوا إِلَى آخِرِهِ مُعْتَرِضَةٌ وَحَمَلَ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى هَذَا الزَّعْمِ أَنَّ قَوْله حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم غَايَةٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُغَيَّا فَادَّعَى أَنَّهُ مَا ذَكَرَهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ الْمُرَادُ بِالزَّعْمِ الْكُفْرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى زَعَمْتُمْ أَيْ تَمَادَيْتُمْ فِي الْكُفْرِ إِلَى غَايَةِ التَّفْزِيعِ ثُمَّ تَرَكْتُمْ زَعْمَكُمْ وَقُلْتُمْ قَالَ الْحَقُّ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ وَيُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ أَنَّ هُنَاكَ فَزَعًا مِمَّنْ يَرْجُو الشَّفَاعَة هَل يُؤذن لَهُ بالشفاعة اولا فَكَأَنَّهُ قَالَ يَتَرَبَّصُونَ زَمَانًا فَزِعِينَ حَتَّى إِذَا كُشِفَ الْفَزَعُ عَنِ الْجَمِيعِ بِكَلَامٍ يَقُولُ اللَّهُ فِي إِطْلَاقِ الْإِذْنِ تَبَاشَرُوا بِذَلِكَ وَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ أَيِ الْقَوْلُ الْحَقُّ وَهُوَ الْإِذْنُ فِي الشَّفَاعَةِ لِمَنِ ارْتَضَى.

.

قُلْتُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تُؤَيِّدُهُ قَدْ ذَكَرْتُ بَعْضَهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ سَبَإٍ وَسَأُشِيرُ إِلَيْهَا هُنَا بعد وَالصَّحِيح فِي اعرابها مَا قَالَه بن عَطِيَّةَ وَهُوَ أَنَّ الْمُغَيَّا مَحْذُوفٌ كَأَنَّهُ قِيلَ وَلَا هُمْ شُفَعَاءُ كَمَا تَزْعُمُونَ بَلْ هُمْ عِنْدَهُ مُمْتَثِلُونَ لِأَمْرِهِ إِلَى أَنْ يَزُولَ الْفَزَعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

.
وَأَمَّا اعْتِرَاضُ مَنْ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُنْقَادِينَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ دَفْعُ مَا تَأَوَّلَهُ لَكِنَّ حَقَّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ بَلْ هُمْ خَاضِعُونَ لِأَمْرِهِ مُرْتَقِبُونَ لِمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ قِبَلِهِ خَائِفُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ إِلَى أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ جِبْرِيلَ بِمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ إِبْلَاغِ الْوَحْيِ لِلرُّسُلِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مَسْرُوق عَن بن مَسْعُودٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ وَنَادَوْا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكشميهني وَثَبت بمثلثه وموحدة مفتوحتين بَدَلَ وَسَكَنَ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّعْلِيقَ مُخْتَصَرًا وَقَدْ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ وَهُوَ أَبُو الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَلَفْظُهُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَاءِ فَيُصْعَقُونَ فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ فَإِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالَ وَيَقُولُونَ يَا جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالَ فَيَقُولُ الْحَقَّ قَالَ فَيُنَادُونَ الْحَقُّ الْحَقُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ شُرَيْحٍ الرَّازِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ إِشْكَابَ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ عَنْهُمْ وَلَفْظُهُ مِثْلُهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فَيَقُولُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ قَالَ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا وَجَاءَ عَنْهُ مَرْفُوعا أَيْضا قلت وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا السَّنَدِ إِلَى مَسْرُوقٍ قَالَ مَنْ كَانَ يُحَدِّثُنَا بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ لَوْلَا بن مَسْعُودٍ سَأَلْنَاهُ عَنْهُ فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الصَّحِيحِ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ بِهَذَا وَأَخْرَجَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِشْكَابَ مَرْفُوعًا.

     وَقَالَ  هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ أَبُو مُعَاوِيَةَ مُسْنَدًا وَوَجَدْتُهُ بِالْكُوفَةِ مَوْقُوفًا ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَشُعْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا وَمِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ مَعًا وَمِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ كَذَلِكَ وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ وَجَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ عَنْ أَبِي الضُّحَى مَرْفُوعا وَأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ مَسْرُوقٍ كَذَلِكَ وَأَغْفَلَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَحَادِيثِ الصَّوْتِ هَذِهِ الطُّرُقَ كُلَّهَا وَاقْتَصَرَ عَلَى طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ فَنَقَلَ كَلَامَ مَنْ تكلم فِيهِوَأَسْنَدَ إِلَى أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ مُخَرَّجٌ حَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلم ينْفَرد بِهِ وَقد نقل بن دَقِيق الْعِيد عَن بن الْمُفَضَّلِ وَكَانَ شَيْخَ وَالِدِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ خُرِّجَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ هَذَا جَازَ القنطرة وَقرر بن دَقِيقِ الْعِيدِ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى التَّخْرِيجِ لَهُمْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَصْحِيحِ مَا أَخْرَجَاهُ وَمِنْ لَازِمِهِ عَدَالَةُ رُوَاتِهِ إِلَى أَنْ تَتَبَيَّنَ الْعِلَّةُ الْقَادِحَةُ بِأَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً وَلَا تَقْبَلَ التَّأْوِيلَ .

     قَوْلُهُ  سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا وَلِبَعْضِهِمْ الصَّفْوَانِ بَدَلَ الصَّفَا وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ الْحَدِيدِ بَدَلَ السِّلْسِلَةِ وَفِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن مَنْصُور عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ مِثْلَ صَوْتِ السِّلْسِلَةِ وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَة عَامر الشّعبِيّ عَن بن مَسْعُودٍ سَمِعَ مَنْ دُونَهُ صَوْتًا كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ بن أَبِي حَاتِمٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاوَاتُ مِنْهُ رَجْفَةً أَوْ قَالَ رِعْدَةً شَدِيدَةً مِنْ خَوْفِ اللَّهِ فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صُعِقُوا وَخَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا وَكَذَا وَقَعَ .

     قَوْلُهُ  وَيَخِرُّونَ سُجَّدًا فِي رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ وَكَذَا فِي رِوَايَة سُفْيَان وبن نُمَيْرٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ فَيَفْزَعُونَ الْحَدِيثُ الثَّانِي .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ بِنُونٍ ومهملة مُصَغَّرٌ هُوَ الْجُهَنِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَأَنَّ الْحَدِيثَ الْمَوْقُوفَ هُنَاكَ طَرَفٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي إِيرَادِهِ هُنَاكَ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَهُنَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَسَاقَ هُنَا مِنَ الْحَدِيثِ بَعْضَهُ وَأَخْرَجَهُ بِتَمَامِهِ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَكِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَأَوَّلُ الْمَتْنِ الْمَرْفُوعُ يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ قَالَ الْعِبَادَ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا قَالَ قُلْنَا وَمَا بُهْمًا قَالَ لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ثُمَّ يُنَادِيهِمْ فَذَكَرَهُ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ الدَّيَّانُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ قَالَ قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي عُرَاةً بُهْمًا قَالَ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ لَفْظُ أَحْمَدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ هَمَّامٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى ذِكْرِ مَنْ تَابَعَهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَقَولُهُ غُرْلًا بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الرِّقَاقِ فِي شرح حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَفِيهِ حُفَاةً بَدَلَ قَوْلِهِ بُهْمًا وَهُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الَّذِينَ لَا شَيْءَ مَعَهُمْ وَقِيلَ الْمَجْهُولُونَ وَقِيلَ الْمُتَشَابِهُو الْأَلْوَانِ وَالْأَوَّلُ الْمُوَافِقُ لِمَا هُنَا .

     قَوْلُهُ  فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ حَمَلَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ عَلَى مَجَازِ الْحَذْفِ أَيْ يَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ مَنْ أَثْبَتَ الصَّوْتَ بِأَنَّ فِي قَوْلِهِ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُ هَذَا فِيهِمْ وَبِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا سَمِعُوهُ صُعِقُوا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَإِذَا سَمِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَمْ يُصْعَقُوا قَالَ فَعَلَى هَذَا فَصِفَاتُهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ لَا تُشْبِهُ صَوْتَ غَيْرِهِ إِذْ لَيْسَ يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ هَكَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ مَعْنَى يُنَادِيهِمْ يَقُولُ وَقَولُهُ بِصَوْتٍ أَيْ مَخْلُوقٍ غَيْرِ قَائِمٍ بِذَاتِهِ وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ خَارِقًا لِعَادَةِ الْأَصْوَاتِ الْمَخْلُوقَةِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ فِي سَمَاعِهَا بَيْنَ الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ هِيَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ كَلَامُ اللَّهِ كَمَا أَنَّ مُوسَى لَمَّا كَلَّمَهُ اللَّهُ كَانَ يَسْمَعُهُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ الْكَلَامُ مَا يَنْطِقُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي نَفْسِهِ كَمَا جَاءَإِنْ شَاءَ اللَّهُ بِحَسَبِ اللُّغَةِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَالَ بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الطِّبِّ وَذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْحَدِيثُ الثَّامِنُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حِينَ نَامُوا عَنِ الصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ وَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ ذَكَرَهُ هُنَا مُخْتَصَرًا وَتَقَدَّمَ بِأَتَمَّ مِنْهُ فِي بَابِ الْأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْحَدِيثُ التَّاسِعُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَطَمَ الْيَهُودِيَّ أَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ فِيهِ أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :7080 ... غــ :7478] .

     قَوْلُهُ  فِيهِ حِكَايَةً عَنْ مُوسَى سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قَوْلَ ذَلِكَ يُرْجَى فِيهِ النُّجْحُ وَوُقُوعُ الْمَطْلُوبِ غَالِبًا وَقَدْ يَتَخَلَّفُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهُ وُقُوعَهُ كَمَا سَيَأْتِي مِثَالُهُ فِي الحَدِيث الآخر الحَدِيث السَّادِس عَشَرَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَنْزِلُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ أَيْضًا الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَاصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْغَزَوَاتِ وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ تَابِعِيِّهِ هَلْ هُوَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَوْ بِفَتْحِهَا وَبَيَانُ الصَّوَابِ مِنْ ذَلِكَ وَذُكِرَ هُنَا لِقَوْلِهِ إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَرَّتَيْنِ فَمَا قَفَلُوا فِي الأولى وقفلوا فِي الثَّانِيَة

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :7080 ... غــ : 7478 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ، عَمْرٌو، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِىُّ فِى صَاحِبِ مُوسَى أَهُوَ خَضِرٌ؟ فَمَرَّ بِهِمَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِىُّ فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّى تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِى هَذَا فِى صَاحِبِ مُوسَى الَّذِى سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَا مُوسَى فِى مَلإِ بَنِى إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ فَقَالَ مُوسَى: لاَ فَأُوحِىَ إِلَى مُوسَى بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً وَقِيلَ لَهُ إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، فَكَانَ مُوسَى يَتْبَعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِى الْبَحْرِ فَقَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى: { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} ؟ [الكهف: 63] قَالَ مُوسَى: { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِى فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا} [الكهف: 64] خَضِرًا وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ».

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا أبو حفص عمرو) بفتح العين ابن أبي سلمة التنيسي بكسر الفوقية والنون المشدّدة قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه) أي ابن عباس (تمارى) تنازع وتجادل (هو والحر) بضم الحاء المهملة وتشديد الراء (ابن قيس بن حصن الفزاري) بفتح الفاء والزاي (في صاحب موسى) عليه السلام (أهو خضر فمرّ بهما أُبيّ بن كعب الأنصاري فدعاه ابن عباس فقال) له: (إني تماريت) تجادلت (أنا وصاحبي هذا) الحر بن قيس (في صاحب موسى الذي سأل) موسى (السبيل إلى لقيه هل سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر شأنه؟ قال) أبي (نعم إني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(بينا) بغير ميم (موسى في ملأ بني) ولأبي ذر في مل (من بني (إسرائيل) أي من أشرافهم أو في جماعة منهم (إذ جاءه رجل فقال) يا موسى (هل تعلم أحدًا أعلم منكم؟ فقال موسى: لا) أعلم أحدًا أعلم مني (فأوحى) بضم الهمزة ولأبي ذر عن الكشميهني فأوحى الله (إلى موسى) عليه السلام (بلى) بفتح اللام كعلى (عبدنا خضر) أعلم منك بما أعلمته من الغيوب وحوادث القدرة مما لا يعلم الأنبياء منه إلا ما أعلموا به (فسأل موسى السبيل) الطريق (إلى لقيه فجعل الله) عز وجل
(له الحوت) المملوح الميت (آية) علامة على مكان الخضر ولقيه (وقيل له) يا موسى (إذا فقدت الحوت) بفتح القاف (فارجع فإنك ستلقاه فكان موسى يتبع) بسكون القافية (أثر الحوت في البحر، فقال فتى موسى) يوشع بن نون (لموسى: { أرأيت} ) ما دهاني ({ إذ} ) أي حين ({ أوينا إلى الصخرة} ) أي الصخرة التي رقد عندها موسى أو التي دون نهر الزيت وذلك أن الحوت اضطرب ووقع في البحر ({ فإني نسيت الحوت وما إنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} )؟ قال موسى: ({ ذلك} ) أي فَقْد الحوت ({ ما كنا نبغ} ) أي الذي نطلبه علامة على وجدان الخضر ({ فارتدا على آثارهما} ) يقصّان ({ قصصًا فوجدا} خضرًا) عليه السلام (فكان من شأنهما) الخضر وموسى (ما قصّ الله) عز وجل في سورة الكهف.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله بقية الآية ستجدني إن شاء الله صابرًا وقوله فأراد ربك.

والحديث سبق في باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر من كتاب العلم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :7080 ... غــ :7478 ]
- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا أبُو حَفْصٍ عَمْرٌ و، حدّثنا الأوْزاعِيُّ، حدّثني ابنُ شِهابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْد الله بنِ عُتْبةَ بن مَسْعُودٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّهُ تُماراى هُوَ والحُرُّ بنُ قَيْسِ بنِ حِصْنٍ الفَزَارِيُّ فِي صاحِبِ مُوساى: أهُوَ خَضَرٌ؟ فَمَرَّ بِهِما أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ الأنْصارِيُّ فَدَعاهُ ابنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إنِّي تَمَارَيْتُ أَنا وصاحِبِي هَذَا فِي صاحبِ مُوساى الَّذِي سَألَ السَّبيلَ إِلَى لُقِيِّهِ.
هَلْ سَمِعْتَ رسولَ الله يَذْكُرُ شَأْنَهُ قَالَ: نَعَمْ إنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ قَوْله: بَيْنا مُوساى فِي مَلإِ بَنِي إسْرائِيلَ إذْ جاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أحَداً أعْلَمَ مِنْكَ؟ فَقَالَ مُوساى: لَا، فأوحِيَ إِلَى مُوساى: بَلَى عَبْدُنا خَضِرٌ، فَسألَ مُوساى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، فَجَعَلَ الله لهُ الحُوتَ آيَةً، وقيلَ لهُ: إِذْ فَقَدْتَ الحُوتَ فارْجِعْ فإنَّكَ سَتَلْقَاهُ، فَكَانَ مُوساى يَتْبعُ أثَرَ الحُوتِ فِي البَحر، فَقَالَ فَتَى مُوساى لِمُوساى { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ عَجَبًا} قَالَ مُوساى { فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَآءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} خَضراً وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِما مَا قَصَّ الله.
0 ا مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من بَقِيَّة الْآيَة الَّتِي قصّ الله فِيهَا قصتهما وَهُوَ {.
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً}

وَعبد الله بن مُحَمَّد المسندي، وَأَبُو حَفْص عَمْرو بِفَتْح الْعين ابْن أبي سَلمَة التنيسِي بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَالنُّون الْمُشَدّدَة، وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ مَا يذكر فِي ذهَاب مُوسَى فِي الْبَحْر إِلَى الْخضر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ، وَمضى أَيْضا بِوُجُوه كَثِيرَة فِي تَفْسِير سُورَة الْكَهْف.

قَوْله: تمارى أَي: تجَادل وتناظر.
قَوْله: أهوَ خضر؟ بِفَتْح الْخَاء وَكسرهَا وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَبِفَتْحِهَا وَكسر الضَّاد سمي بِهِ لِأَنَّهُ جلس على الأَرْض الْيَابِسَة فَصَارَت خضراء وَكَانَ اسْمه بلياً بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون اللَّام وبالياء آخر الْحُرُوف مَقْصُورا وكنيته أَبُو الْعَبَّاس.
قَوْله: لقِيه بِضَم اللَّام وَكسر الْقَاف وَتَشْديد الْبَاء آخر الْحُرُوف أَي: لِقَائِه.
قَوْله: السَّبِيل إِلَيْهِ أَي: الطَّرِيق إِلَيْهِ أَي إِلَى اجتماعه بِهِ.
قَوْله: فِي مَلأ أَي: فِي جمَاعَة وفتى مُوسَى هُوَ يُوشَع بن نون بِضَم النُّون.