هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
940 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ ؟ قَالُوا : وَلاَ الجِهَادُ ؟ قَالَ : وَلاَ الجِهَادُ ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
940 حدثنا محمد بن عرعرة ، قال : حدثنا شعبة ، عن سليمان ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما العمل في أيام أفضل منها في هذه ؟ قالوا : ولا الجهاد ؟ قال : ولا الجهاد ، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله ، فلم يرجع بشيء
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ ؟ قَالُوا : وَلاَ الجِهَادُ ؟ قَالَ : وَلاَ الجِهَادُ ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ .

Narrated Ibn `Abbas:

The Prophet (ﷺ) said, No good deeds done on other days are superior to those done on these (first ten days of Dhul Hijja). Then some companions of the Prophet (ﷺ) said, Not even Jihad? He replied, Not even Jihad, except that of a man who does it by putting himself and his property in danger (for Allah's sake) and does not return with any of those things.

D'après ibn 'Abbâs, le Prophète (r ) dit: «Les actes de dévotion, pendant les dix [premiers] jours [de dhulhijja], ne sont pas mieux que ceux de ces jours. — Pas même le combat [pour la cause d'Allah]! demandèrent les présents. — Pas même le combat [pour la cause d'Allah], sauf s'il s'agit d'un homme qui sort en exposant [au danger] sa vie et ses biens et qui ne revient avec aucune chose.»

":"ہم سے محمد بن عرعرہ نے بیان کیا ، انہوں نے کہا کہ ہم سے شعبہ نے سلیمان کے واسطے سے بیان کیا ، ان سے مسلم بطین نے ، ان سے سعید بن جبیر نے ، ان سے عبداللہ بن عباس رضی اللہ عنہما نے کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا ان دنوں کے عمل سے زیادہ کسی دن کے عمل میں فضیلت نہیں ۔ لوگوں نے پوچھا اور جہاد میں بھی نہیں ۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ ہاں جہاد میں بھی نہیں سوا اس شخص کے جو اپنی جان و مال خطرہ میں ڈال کر نکلا اور واپس آیا تو ساتھ کچھ بھی نہ لایا ( سب کچھ اللہ کی راہ میں قربان کر دیا ) ۔

D'après ibn 'Abbâs, le Prophète (r ) dit: «Les actes de dévotion, pendant les dix [premiers] jours [de dhulhijja], ne sont pas mieux que ceux de ces jours. — Pas même le combat [pour la cause d'Allah]! demandèrent les présents. — Pas même le combat [pour la cause d'Allah], sauf s'il s'agit d'un homme qui sort en exposant [au danger] sa vie et ses biens et qui ne revient avec aucune chose.»

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [969] .

     قَوْلُهُ  عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الْأَعْمَشُ وَمُسْلِمٌ هُوَ الْبَطِينُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ لُقِّبَ بِذَلِكَ لِعِظَمِ بَطْنِهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ فَصَرَّحَ بِسَمَاعِ الْأَعْمَشِ لَهُ مِنْهُ وَلَفْظُهُ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ مُسْلِمًا وَهَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْحُفَّاظِ عَنِ الْأَعْمَشِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ مُسْلِمٍ وَمُجَاهِدٍ وَأَبِي صَالِحٍ عَن بن عَبَّاسٍ فَأَمَّا طَرِيقُ مُجَاهِدٍ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَن مُجَاهِد فَقَالَ عَن بن عمر بدل بن عَبَّاسٍ.

.
وَأَمَّا طَرِيقُ أَبِي صَالِحٍ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَحْفُوظُ فِي هَذَا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ آخَرُ عَنِ الْأَعْمَشِ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ أبي وَائِل عَن بن مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَقَدْ وَافَقَ الْأَعْمَشُ عَلَىرِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ أَيْضًا وَرَوَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَبُو جَرِيرٍ السِّخْتِيَانِيُّ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَعَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَسَنَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالزَّوَائِدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِالْإِبْهَامِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي نَفْيَ أَفْضَلِيَّةِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ عَلَى الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إِنْ فُسِّرَتْ بِأَنَّهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ تَرْجَمَةُ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورَةُ فَزَعَمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ فَسَّرَ الْأَيَّامَ الْمُبْهَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَفَسَّرَ الْعَمَلَ بِالتَّكْبِيرِ لِكَوْنِهِ أَوْرَدَ الْآثَارَ الْمَذْكُورَةَ الْمُتَعَلّقَة بِالتَّكْبِيرِ فَقَط.

     وَقَالَ  بن أَبِي جَمْرَةَ الْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ فِي غَيْرِهِ قَالَ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُهَا أَيَّامَ عِيدٍ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَا مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ فِيهَا بَلْ قَدْ شَرَعَ فِيهَا أَعْلَى الْعِبَادَاتِ وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُمْنَعْ فِيهَا مِنْهَا إِلَّا الصِّيَامُ قَالَ وَسِرُّ كَوْنِ الْعِبَادَةِ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا أَنَّ الْعِبَادَةَ فِي أَوْقَاتِ الْغَفْلَةِ فَاضِلَةٌ عَلَى غَيْرِهَا وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ غَفْلَةٍ فِي الْغَالِبِ فَصَارَ لِلْعَابِدِ فِيهَا مَزِيدُ فَضْلٍ عَلَى الْعَابِدِ فِي غَيْرِهَا كَمَنْ قَامَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ نِيَامٌ وَفِي أَفْضَلِيَّةِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ نُكْتَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِيهَا مِحْنَةُ الْخَلِيلِ بِوَلَدِهِ ثُمَّ مُنَّ عَلَيْهِ بِالْفِدَاءِ فَثَبَتَ لَهَا الْفَضْلُ بِذَلِكَ اه وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ الْمَنْقُولَ يُعَارِضُهُ وَالسِّيَاقُ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ شَيْخِ كَرِيمَةَ بِلَفْظِ مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذَا الْعَشْرِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ شُعْبَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّام الْعشْر وَكَذَا رَوَاهُ بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ بِدُونِ يَعْنِي وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ قَوْلَهُ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ لَكِنْ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ وَغَيْرِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مِنْ نَفْسِ الْخَبَرِ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ بِلَفْظِ مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي صحيحى أبي عوَانَة وبن حِبَّانَ مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَيَّامِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى تَرْجَمَةِ الْبُخَارِيِّ بِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيُجَابُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ الشَّيْءَ يشرف بمجاورته للشئ الشَّرِيفِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ تَقَعُ تِلْوَ أَيَّامِ الْعَشْرِ وَقَدْ ثَبَتَتِ الْفَضِيلَةُ لِأَيَّامِ الْعَشْرِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَثَبَتَتْ بِذَلِكَ الْفَضِيلَةُ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثَانِيهَا أَنَّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ إِنَّمَا شُرِّفَ لِوُقُوعِ أَعْمَالِ الْحَجِّ فِيهِ وَبَقِيَّةُ أَعْمَالِ الْحَجِّ تَقَعُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّاتِهِ فَصَارَتْ مُشْتَرِكَةً مَعَهَا فِي أَصْلِ الْفَضْلِ وَلِذَلِكَ اشْتَرَكَتْ مَعَهَا فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي كُلٍّ مِنْهَا وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ إِيرَادِ الْآثَارِ الْمَذْكُورَة فِي صدر التَّرْجَمَة لحَدِيث بن عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا ثَالِثُهَا أَنَّ بَعْضَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ هُوَ بَعْضُ أَيَّامِ الْعَشْرِ وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ وَكَمَا أَنَّهُ خَاتِمَةُ أَيَّامِ الْعَشْرِ فَهُوَ مُفْتَتَحُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَمَهْمَا ثَبَتَ لِأَيَّامِ الْعَشْرِ مِنَ الْفَضْلِ شَارَكَتْهَا فِيهِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهَا بَلْ هُوَ رَأْسُ كُلٍّ مِنْهَا وَشَرِيفُهُ وَعَظِيمُهُ وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّالْأَكْبَرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ فِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ رَجُلٌ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْيِينَ هَذَا السَّائِلِ وَفِي رِوَايَةِ غُنْدَرٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ أَيْضًا حَتَّى أَعَادَهَا ثَلَاثًا وَدَلَّ سُؤَالُهُمْ هَذَا عَلَى تَقَرُّرِ أَفْضَلِيَّةِ الْجِهَادِ عِنْدَهُمْ وَكَأَنَّهُمُ اسْتَفَادُوهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَوَابِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ فَقَالَ لَا أَجِدُهُ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَالتَّقْدِيرُ إِلَّا عَمَلُ رَجُلٍ وَلِلْمُسْتَمْلِي إِلَّا مَنْ خَرَجَ .

     قَوْلُهُ  يُخَاطِرُ أَيْ يَقْصِدُ قَهْرَ عَدُوِّهِ وَلَوْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى قَتْلِ نَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ أَيْ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الْعَامِلِ فِي أَيَّامِ الْعشْر أَو مُسَاوِيا لَهُ قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ رَجَعَ هُوَ وَأَنْ لَا يَرْجِعَ هُوَ وَلَا مَالُهُ بِأَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ الشَّهَادَةَ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنَفْسِهِ وَلَا بُدَّ اه وَهُوَ تَعَقُّبٌ مَرْدُودٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ مَا ذَكَرَ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ وَغُنْدَرٍ وَغَيْرِهِمَا عَنْ شُعْبَةَ وَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْيَ الرُّجُوعِ بِالشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتَ الرُّجُوعِ بِغَيْرِ شَيْءٍ بَلْ هُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ كَمَا قَالَ بن بَطَّالٍ وَيَدُلُّ عَلَى الثَّانِي وُرُودُهُ بِلَفْظٍ يَقْتَضِيهِ فَعِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ إِلَّا مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ وَعِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ إِلَّا مَنْ لَا يَرْجِعُ بِنَفْسِهِ وَلَا مَالِهِ وَفِي طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ فَقَالَ لَا إِلَّا أَنْ لَا يَرْجِعَ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ إِلَّا مَنْ عُفِّرَ وَجْهُهُ فِي التُّرَابِ فَظَهَرَ بِهَذِهِ الطُّرُقِ تَرْجِيحُ مَا رَدَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ قَدْرِ الْجِهَادِ وَتَفَاوُتُ دَرَجَاتِهِ وَأَنَّ الْغَايَةَ الْقُصْوَى فِيهِ بَذْلُ النَّفْسِ لِلَّهِ وَفِيهِ تَفْضِيلُ بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ عَلَى بَعْضٍ كَالْأَمْكِنَةِ وَفَضْلُ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِيمَنْ نَذَرَ الصِّيَامَ أَوْ عَلَّقَ عَمَلًا مِنَ الْأَعْمَالِ بِأَفْضَلِ الْأَيَّامِ فَلَوْ أَفْرَدَ يَوْمًا مِنْهَا تعْيين يَوْمُ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعشْر الْمَذْكُور فَإِنْ أَرَادَ أَفْضَلَ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ تَعَيَّنَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ جَمْعًا بَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ لَمْ يُرِدْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ خَيْرٌ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَعْنِي فَيَلْزَمُ تَفْضِيلُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ سَوَاءٌ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ أَفْضَلُ مِنَ الْجُمُعَةِ فِي غَيْرِهِ لِاجْتِمَاعِ الْفَضْلَيْنِ فِيهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَضْلِ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِانْدِرَاجِ الصَّوْمِ فِي الْعَمَلِ وَاسْتَشْكَلَ بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ يَوْمَ الْعِيدِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ كَمَا رَوَاهُ الصَّحِيحَانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا هَلْ يَخْتَصُّ الْفَضْلُ بِالْحَاجِّ أَوْ يَعُمُّ الْمُقِيمَ فِيهِ احْتِمَالٌ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ الْمُرَادُ بِالْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ التَّكْبِيرُ فَقَطْ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ وَثَبَتَ تَحْرِيمُ صَوْمِهَا وَوَرَدَ فِيهِ إِبَاحَةُ اللَّهْوِ بِالْحِرَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى تَفْرِيغِهَا لِذَلِكَ مَعَ الْحَضِّ عَلَى الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ مِنْهُ فِيهَا التَّكْبِيرُفَقَطْ وَمِنْ ثَمَّ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى إِيرَادِ الْآثَارِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّكْبِيرِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْعَمَلَ إِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ الْعِبَادَةَ وَهِيَ لَا تُنَافِي اسْتِيفَاءَ حَظِّ النَّفْسِ مِنَ الْأَكْلِ وَسَائِرِ مَا ذُكِرَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَغْرِقُ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ الْحَثُّ عَلَى الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَنْحَصِرُ فِي التَّكْبِيرِ بَلِ الْمُتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ مِنْهُ أَنَّهُ الْمَنَاسِكُ مِنَ الرَّمْيِ وَغَيْرِهِ الَّذِي يَجْتَمِعُ مَعَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَالَ مَعَ أَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى التَّكْبِيرِ وَحْدَهُ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَهُ بَابُ التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى مَعْنًى وَيَكُونُ تَكْرَارًا مَحْضًا اه وَالَّذِي يَجْتَمِعُ مَعَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادَةِ هُوَ الذِّكْرُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَقَدْ فُسِّرَ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا قَالَ بن بَطَّالٍ.

.
وَأَمَّا الْمَنَاسِكُ فَمُخْتَصَّةٌ بِالْحَاجِّ وَجَزْمُهُ بِأَنَّهُ تَكْرَارٌ مُتَعَقَّبٌ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ الْأُولَى لِفَضْلِ التَّكْبِيرِ وَالثَّانِيَةَ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ وَصِفَتِهِ أَوْ أَرَادَ تَفْسِيرَ الْعَمَلِ الْمُجْمَلِ فِي الْأُولَى بِالتَّكْبِيرِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا تَكْرَارَ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن عُمَرَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي آخِرِهِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ فِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَهَذَا يُؤَيّد مَا ذهب إِلَيْهِ بن بَطَّالٍ وَفِي رِوَايَةِ عَدِيٍّ مِنَ الزِّيَادَةِ وَأَنَّ صِيَامَ يَوْمٍ مِنْهَا يَعْدِلُ صِيَامَ سَنَةٍ وَالْعَمَلَ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ لَكِنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَكَذَا الْإِسْنَادُ إِلَى عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ وَاللَّهُ أعلم (قَولُهُ بَابُ التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى) أَيْ يَوْمَ الْعِيدِ وَالثَّلَاثَةِ بَعْدَهُ وَقَولُهُ وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفَةَ أَيْ صُبْحَ يَوْمِ التَّاسِعِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ حِكْمَةُ التَّكْبِيرِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَذْبَحُونَ لِطَوَاغِيتِهِمْ فِيهَا فَشُرِعَ التَّكْبِيرُ فِيهَا إِشَارَة إِلَىالظِّلِّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِضَافَةُ مِلْكٍ وَكُلُّ ظِلٍّ فَهُوَ لِلَّهِ وَمِلْكِهِ وَخَلْقِهِ وَسُلْطَانِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا ظِلُّ الْعَرْشِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مُبَيَّنًا وَالْمُرَادُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا قَامَ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَدَنَتْ مِنْهُمُ الشَّمْسُ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ حَرُّهَا وَأَخَذَهُمُ الْعَرَقُ وَلَا ظِلَّ هُنَاكَ لِشَيْءٍ إِلَّا لِلْعَرْشِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ هُنَا ظِلُّ الْجَنَّةِ وَهُوَ نَعِيمُهَا وَالْكَوْنُ فِيهَا كَمَا قال تعالى وندخلهم ظلا ظليلا قال القاضي وقال بن دِينَارٍ الْمُرَادُ بِالظِّلِّ هُنَا الْكَرَامَةُ وَالْكَنَفُ وَالْكَفُّ مِنَ الْمَكَارِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ قَالَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظِلَّ الشَّمْسِ قَالَ الْقَاضِي وَمَا قَالَهُ مَعْلُومٌ فِي اللِّسَانِ يُقَالُ فُلَانٌ فِي ظِلِّ فُلَانٍ أَيْ فِي كَنَفِهِ وَحِمَايَتِهِ قَالَ وَهَذَا أولى الأقوال وَتَكُونُ إِضَافَتُهُ إِلَى الْعَرْشِ لِأَنَّهُ مَكَانُ التَّقْرِيبِ وَالْكَرَامَةِ وَإِلَّا فَالشَّمْسُ وَسَائِرُ الْعَالَمِ تَحْتَ الْعَرْشِ وَفِي ظِلِّهِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْإِمَامُ الْعَادِلُ) قَالَ الْقَاضِي هُوَ كُلُّ مَنْ إِلَيْهِ نَظَرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ وَبَدَأَ بِهِ لِكَثْرَةِ مَصَالِحِهِ وَعُمُومِ نَفْعِهِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَفِي بَعْضِهَا الْإِمَامُ الْعَدْلُ وَهُمَا صَحِيحَانِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَالْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَى رِوَايَةِ الْبَاءِ نَشَأَ مُتَلَبِّسًا لِلْعِبَادَةِ أَوْ مُصَاحِبًا لَهَا أَوْ مُلْتَصِقًا بِهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالْمَسَاجِدِ وَوَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَفِي بَعْضِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالتَّاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ شَدِيدُ الْحُبِّ لَهَا وَالْمُلَازَمَةِ لِلْجَمَاعَةِ فِيهَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ دَوَامُ الْقُعُودِ فِي الْمَسْجِدِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ) مَعْنَاهُ اجْتَمَعَا عَلَى حُبِّ اللَّهِ وَافْتَرَقَا عَلَى حُبِّ اللَّهِ أَيْ كَانَ سَبَبُ اجْتِمَاعِهِمَا حُبَّ اللَّهِ وَاسْتَمَرَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا وَهُمَا صَادِقَانِ فِي حُبِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ لِلَّهِ تَعَالَى حَالَ اجْتِمَاعِهِمَا وَافْتِرَاقِهِمَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى التَّحَابِّ فِي اللَّهِ وَبَيَانُ عِظَمِ فَضْلِهِ وَهُوَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ فَإِنَّ الْحُبَّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضَ فِي اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَهُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ كَثِيرٌ يُوَفَّقُ لَهُأَكْثَرُ النَّاسِ أَوْ مَنْ وُفِّقَ لَهُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ) قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ .

     قَوْلُهُ  أَخَافُ اللَّهَ بِاللِّسَانِ وَيَحْتَمِلُ .

     قَوْلُهُ  فِي قَلْبِهِ لِيَزْجُرَ نَفْسَهُ وَخَصَّ ذَاتَ الْمَنْصِبِ وَالْجَمَالِ لِكَثْرَةِ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَعُسْرِ حُصُولِهَا وَهِيَ جَامِعَةٌ لِلْمَنْصِبِ وَالْجَمَالِ لَا سِيَّمَا وَهِيَ دَاعِيَةٌ إِلَى نَفْسِهَا طَالِبَةٌ لِذَلِكَ قَدْ أَغْنَتْ عَنْ مَشَاقِّ التَّوَصُّلِ إِلَى مُرَاوَدَةٍ وَنَحْوِهَا فَالصَّبْرُ عَنْهَا لِخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ دَعَتْ إِلَى نَفْسِهَا مَعَ جَمْعِهَا الْمَنْصِبَ وَالْجَمَالَ مِنْ أَكْمَلِ الْمَرَاتِبِ وَأَعْظَمِ الطَّاعَاتِ فَرَتَّبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُظِلَّهُ فِي ظِلِّهِ وَذَاتُ الْمَنْصِبِ هِيَ ذَاتُ الْحَسَبِ وَالنَّسَبِ الشَّرِيفِ وَمَعْنَى دَعَتْهُ أي دعته إلى الزنى بِهَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَاهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ احْتِمَالَيْنِ أَصَحَّهُمَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا دَعَتْهُ لِنِكَاحِهَا فَخَافَ الْعَجْزَ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا أَوْ أَنَّ الْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى شَغْلَهُ عَنْ لِذَاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ فِي بِلَادِنَا وَغَيْرِهَا وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ رِوَايَاتِ نُسَخِ مُسْلِمٍ لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي النَّفَقَةِ فِعْلُهَا بِالْيَمِينِ قَالَ الْقَاضِي وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْوَهَمُ فِيهَا مِنَ النَّاقِلِينَ عَنْ مُسْلِمٍ لَا مِنْ مُسْلِمٍ بِدَلِيلِ إِدْخَالِهِ بَعْدَهُ حَدِيثَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.

     وَقَالَ  بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيْدٍ وَبَيَّنَ الْخِلَافَ فِي قَوْلِهِ.

     وَقَالَ  رَجُلٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ فَلَوْ كَانَ مَا رَوَاهُ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ مَالِكٍ لَنَبَّهَ عَلَيْهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلُ صَدَقَةِ السِّرِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهَذَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَالسِّرُّ فِيهَا أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَأَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ.

.
وَأَمَّا الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ فَإِعْلَانُهَا أَفْضَلُ وَهَكَذَا حُكْمُ الصَّلَاةِ فَإِعْلَانُ فَرَائِضِهَا أَفْضَلُ وَإِسْرَارُ نَوَافِلِهَا أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَذَكَرَ الْيَمِينَ وَالشِّمَالَ مُبَالَغَةً فِي الْإِخْفَاءِ وَالِاسْتِتَارِ بِالصَّدَقَةِ وَضَرَبَ الْمَثَلَ بِهِمَا لِقُرْبِ الْيَمِينِ مِنَ الشِّمَالِ وَمُلَازَمَتِهَا لَهَا وَمَعْنَاهُ لَوْ قَدَّرْتَ الشِّمَالَ رَجُلًا مُتَيَقِّظًا لَمَا عَلِمَ صَدَقَةَ الْيَمِينِ لِمُبَالَغَتِهِ فِي الْإِخْفَاءِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنَ النَّاسِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى خَالِيًا فَفَاضَتْ عيناهالظِّلِّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِضَافَةُ مِلْكٍ وَكُلُّ ظِلٍّ فَهُوَ لِلَّهِ وَمِلْكِهِ وَخَلْقِهِ وَسُلْطَانِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا ظِلُّ الْعَرْشِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مُبَيَّنًا وَالْمُرَادُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا قَامَ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَدَنَتْ مِنْهُمُ الشَّمْسُ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ حَرُّهَا وَأَخَذَهُمُ الْعَرَقُ وَلَا ظِلَّ هُنَاكَ لِشَيْءٍ إِلَّا لِلْعَرْشِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ هُنَا ظِلُّ الْجَنَّةِ وَهُوَ نَعِيمُهَا وَالْكَوْنُ فِيهَا كَمَا قال تعالى وندخلهم ظلا ظليلا قال القاضي وقال بن دِينَارٍ الْمُرَادُ بِالظِّلِّ هُنَا الْكَرَامَةُ وَالْكَنَفُ وَالْكَفُّ مِنَ الْمَكَارِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ قَالَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظِلَّ الشَّمْسِ قَالَ الْقَاضِي وَمَا قَالَهُ مَعْلُومٌ فِي اللِّسَانِ يُقَالُ فُلَانٌ فِي ظِلِّ فُلَانٍ أَيْ فِي كَنَفِهِ وَحِمَايَتِهِ قَالَ وَهَذَا أولى الأقوال وَتَكُونُ إِضَافَتُهُ إِلَى الْعَرْشِ لِأَنَّهُ مَكَانُ التَّقْرِيبِ وَالْكَرَامَةِ وَإِلَّا فَالشَّمْسُ وَسَائِرُ الْعَالَمِ تَحْتَ الْعَرْشِ وَفِي ظِلِّهِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْإِمَامُ الْعَادِلُ) قَالَ الْقَاضِي هُوَ كُلُّ مَنْ إِلَيْهِ نَظَرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ وَبَدَأَ بِهِ لِكَثْرَةِ مَصَالِحِهِ وَعُمُومِ نَفْعِهِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَفِي بَعْضِهَا الْإِمَامُ الْعَدْلُ وَهُمَا صَحِيحَانِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَالْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَى رِوَايَةِ الْبَاءِ نَشَأَ مُتَلَبِّسًا لِلْعِبَادَةِ أَوْ مُصَاحِبًا لَهَا أَوْ مُلْتَصِقًا بِهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالْمَسَاجِدِ وَوَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَفِي بَعْضِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالتَّاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ شَدِيدُ الْحُبِّ لَهَا وَالْمُلَازَمَةِ لِلْجَمَاعَةِ فِيهَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ دَوَامُ الْقُعُودِ فِي الْمَسْجِدِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ) مَعْنَاهُ اجْتَمَعَا عَلَى حُبِّ اللَّهِ وَافْتَرَقَا عَلَى حُبِّ اللَّهِ أَيْ كَانَ سَبَبُ اجْتِمَاعِهِمَا حُبَّ اللَّهِ وَاسْتَمَرَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا وَهُمَا صَادِقَانِ فِي حُبِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ لِلَّهِ تَعَالَى حَالَ اجْتِمَاعِهِمَا وَافْتِرَاقِهِمَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى التَّحَابِّ فِي اللَّهِ وَبَيَانُ عِظَمِ فَضْلِهِ وَهُوَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ فَإِنَّ الْحُبَّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضَ فِي اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَهُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ كَثِيرٌ يُوَفَّقُ لَهُأَكْثَرُ النَّاسِ أَوْ مَنْ وُفِّقَ لَهُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ) قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ .

     قَوْلُهُ  أَخَافُ اللَّهَ بِاللِّسَانِ وَيَحْتَمِلُ .

     قَوْلُهُ  فِي قَلْبِهِ لِيَزْجُرَ نَفْسَهُ وَخَصَّ ذَاتَ الْمَنْصِبِ وَالْجَمَالِ لِكَثْرَةِ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَعُسْرِ حُصُولِهَا وَهِيَ جَامِعَةٌ لِلْمَنْصِبِ وَالْجَمَالِ لَا سِيَّمَا وَهِيَ دَاعِيَةٌ إِلَى نَفْسِهَا طَالِبَةٌ لِذَلِكَ قَدْ أَغْنَتْ عَنْ مَشَاقِّ التَّوَصُّلِ إِلَى مُرَاوَدَةٍ وَنَحْوِهَا فَالصَّبْرُ عَنْهَا لِخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ دَعَتْ إِلَى نَفْسِهَا مَعَ جَمْعِهَا الْمَنْصِبَ وَالْجَمَالَ مِنْ أَكْمَلِ الْمَرَاتِبِ وَأَعْظَمِ الطَّاعَاتِ فَرَتَّبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُظِلَّهُ فِي ظِلِّهِ وَذَاتُ الْمَنْصِبِ هِيَ ذَاتُ الْحَسَبِ وَالنَّسَبِ الشَّرِيفِ وَمَعْنَى دَعَتْهُ أي دعته إلى الزنى بِهَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَاهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ احْتِمَالَيْنِ أَصَحَّهُمَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا دَعَتْهُ لِنِكَاحِهَا فَخَافَ الْعَجْزَ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا أَوْ أَنَّ الْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى شَغْلَهُ عَنْ لِذَاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ فِي بِلَادِنَا وَغَيْرِهَا وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ رِوَايَاتِ نُسَخِ مُسْلِمٍ لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي النَّفَقَةِ فِعْلُهَا بِالْيَمِينِ قَالَ الْقَاضِي وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْوَهَمُ فِيهَا مِنَ النَّاقِلِينَ عَنْ مُسْلِمٍ لَا مِنْ مُسْلِمٍ بِدَلِيلِ إِدْخَالِهِ بَعْدَهُ حَدِيثَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.

     وَقَالَ  بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيْدٍ وَبَيَّنَ الْخِلَافَ فِي قَوْلِهِ.

     وَقَالَ  رَجُلٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ فَلَوْ كَانَ مَا رَوَاهُ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ مَالِكٍ لَنَبَّهَ عَلَيْهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلُ صَدَقَةِ السِّرِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهَذَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَالسِّرُّ فِيهَا أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَأَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ.

.
وَأَمَّا الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ فَإِعْلَانُهَا أَفْضَلُ وَهَكَذَا حُكْمُ الصَّلَاةِ فَإِعْلَانُ فَرَائِضِهَا أَفْضَلُ وَإِسْرَارُ نَوَافِلِهَا أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَذَكَرَ الْيَمِينَ وَالشِّمَالَ مُبَالَغَةً فِي الْإِخْفَاءِ وَالِاسْتِتَارِ بِالصَّدَقَةِ وَضَرَبَ الْمَثَلَ بِهِمَا لِقُرْبِ الْيَمِينِ مِنَ الشِّمَالِ وَمُلَازَمَتِهَا لَهَا وَمَعْنَاهُ لَوْ قَدَّرْتَ الشِّمَالَ رَجُلًا مُتَيَقِّظًا لَمَا عَلِمَ صَدَقَةَ الْيَمِينِ لِمُبَالَغَتِهِ فِي الْإِخْفَاءِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنَ النَّاسِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى خَالِيًا فَفَاضَتْ عيناهتَخْصِيصِ الذَّبْحِ لَهُ وَعَلَى اسْمِهِ عَزَّ وَجَلَّ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ عُمَرُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى إِلَخْ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ السُّوقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا وَوَصَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ التَّعْلِيقِ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَقَولُهُ تَرْتَجُّ بِتَثْقِيلِ الْجِيمِ أَيْ تَضْطَرِبُ وَتَتَحَرَّكُ وَهِيَ مُبَالَغَةٌ فِي اجْتِمَاعِ رفع الْأَصْوَات قَوْله وَكَانَ بن عمر الخ وَصله بن الْمُنْذِرِ وَالْفَاكِهِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ بن جريج أَخْبرنِي نَافِع أَن بن عُمَرَ فَذِكْرُهُ سَوَاءٌ وَالْفُسْطَاطُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَيَجُوزُ كسرهَا وَيجوز مَعَ ذَلِكَ بِالْمُثَنَّاةِ بَدَلَ الطَّاءِ وَبِإِدْغَامِهَا فِي السِّينِ فَتِلْكَ سِتُّ لُغَاتٍ وَقَولُهُ فِيهِ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ جَمِيعًا أَرَادَ بِذَلِكَ التَّأْكِيدَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ بِدُونِ وَاوٍ عَلَى أَنَّهَا ظَرْفٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ أَيْ بِنْتُ الْحَارِثِ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَثَرِهَا هَذَا مَوْصُولًا .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ النِّسَاءُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَكُنَّ النِّسَاءُ وَهِيَ عَلَى اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ وَأَبَان الْمَذْكُور هُوَ بن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ فى زمن بن عَمِّ أَبِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَقَدْ وَصَلَ هَذَا الْأَثَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْعِيدَيْنِ وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي الْبَابِ سَلَفُهُنَّ فِي ذَلِكَ وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآثَارُ عَلَى وُجُودِ التَّكْبِيرِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي مَوَاضِعَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَ التَّكْبِيرَ عَلَى أَعْقَابِ الصَّلَوَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ ذَلِكَ بِالْمَكْتُوبَاتِ دُونَ النَّوَافِلِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَبِالْجَمَاعَةِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ وَبِالْمُؤَدَّاةِ دُونَ الْمَقْضِيَّةِ وَبِالْمُقِيمِ دُونَ الْمُسَافِرِ وَبِسَاكِنِ الْمِصْرِ دُونَ الْقَرْيَةِ وَظَاهِرُ اخْتِيَارِ الْبُخَارِيِّ شُمُولُ ذَلِكَ لِلْجَمِيعِ وَالْآثَارُ الَّتِي ذَكَرَهَا تُسَاعِدُهُ وَلِلْعُلَمَاءِ اخْتِلَافٌ أَيْضًا فِي ابْتِدَائِهِ وَانْتِهَائِهِ فَقِيلَ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَقِيلَ مِنْ ظُهْرِهِ وَقِيلَ مِنْ عَصْرِهِ وَقِيلَ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ النَّحْرِ وَقِيلَ مِنْ ظُهْرِهِ وَقِيلَ فِي الِانْتِهَاءِ إِلَى ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَقِيلَ إِلَى عَصْرِهِ وَقِيلَ إِلَى ظُهْرِ ثَانِيهِ وَقِيلَ إِلَى صُبْحِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقِيلَ إِلَى ظُهْرِهِ وَقِيلَ إِلَى عَصْرِهِ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا النَّوَوِيُّ إِلَّا الثَّانِيَ مِنَ الِانْتِهَاءِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَن أَصْحَاب بن مَسْعُودٍ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ وَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهِ عَنِ الصَّحَابَةِ قَوْلُ على وبن مَسْعُود إِنَّه من صبح يَوْم عَرَفَة إِلَى آخر أَيَّام منى أخرجه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.
وَأَمَّا صِيغَةُ التَّكْبِيرِ فَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهِ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ كَبِّرُوا اللَّهَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَنُقِلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ فِي كِتَابِ الْعِيدَيْنِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَزَادَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَقِيلَ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَزِيدُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِلَخْ وَقِيلَ يُكَبِّرُ ثِنْتَيْنِ بَعْدَهُمَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ جَاءَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَنِ بن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَدْ أُحْدِثَ فِي هَذَا الزَّمَانِ زِيَادَةٌ فِي ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهَا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [969] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ».
قَالُوا: وَلاَ الْجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الْجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَىْءٍ».
وبالسند قال: ( حدثنا محمد بن عرعرة) بفتح العينين المهملتين، وبالراءين ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن سليمان) بن مهران الأعمش، ( عن مسلم البطين) بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية آخره نون، لقب به لعظم بطنه، وهو كوفي ( عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس) رضي الله عنهما ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال) : ( ما العمل) مبتدأ، يشمل أنواع العبادات: كالصلاة والتكبير، والذكر، والصوم، وغيرها ( في أيام) من أيام السنة، وهو متعلق المبتدأ، أو خبره قوله: ( أفضل منها) الجار والمجرور متعلق بأفضل، والضمير عائد إلى العمل، بتقدير الإعمال كما في قوله تعالى { أو الطفل الذين} [النور: 31] كذا قرره البرماوي والزركشي.
وتعقبه المحقق ابن الدماميني فقال: هذا غلط، لأن الطفل يطلق على الواحد والجماعة بلفظ واحد، بخلاف العمل، وزاد فخرّجه على أن يكون الضمير عائدًا إلى العمل، باعتبار إرادة القربة مع عدم تأويله بالجمع، أي: ما القربة في أيام أفضل منها ( في هذا العشر) الأول من ذي الحجة.
كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني بالتصريح: بالعشر، وكذا عند أحمد، عن غندر، عن شعبة بالإسناد المذكور.
بل في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة بلفظ: عشر الحجة.
وممن صرّح بالعشر أيضًا ابن ماجة، وابن حبان، وأبو عوانة.
ولكريمة عن الكشميهني: "ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه".
بتأنيث الضمير مع إبهام الأيام.
وفسرها بعض الشارحين بأيام التشريق لكون المؤلّف ترجم لها، وهو يقتضي نفي أفضلية العمل في أيام العشر على أيام التشريق.
ووجهه صاحب بهجة النفوس: بأن أيام التشريق أيام غفلة، والعبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها، كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام، وبأنه وقع فيها محنة الخليل بولده عليهما الصلاة والسلام، ثم منّ عليه بالفداء.
وهو معارض بالنقول كما قاله في الفتح: فالعمل في أيام العشر أفضل من العمل في غيرها من أيام الدنيا من غير استثناء شيء.
وعلى هذا فرواية كريمة شاذة لمخالفتها رواية أبي ذر، وهو من الحفاظ عن شيخهما الكشميهني، لكن يعكر عليه ترجمة المؤلّف: بأيام التشريق.
وأجيب: باشتراكهما في أصل الفضيلة لوقوع أعمال الحج فيهما، ومن ثم اشتركا في مشروعية التكبير.
وفي رواية أبي الوقت، والأصيلي وابن عساكر: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذه".
بتأنيث الضمير، وهي ظرف مستقر، حال من الضمير المجرور "بمن" وإذا كان العمل في أيام العشر أفضل من العمل في أيام غيره من السنة، لزم منه أن تكون أيام العشر أفضل من غيرها من أيام السنة، حتى يوم الجمعة منه أفضل منه في غيره، لجمعه الفضيلتين.
وخرج البزار وغيره، عن جابر مرفوعًا: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر".
وفي حديث عند ابن عمر المروي "ليس يوم أعظم عند الله من يوم الجمعة، ليس العشر".
وهو يدل على أن أيام العشر أفضل من يوم الجمعة الذي هو أفضل الأيام، وأيضًا فأيام العشرتشتمل على يوم عرفة وقد روي: أنه أفضل أيام الدنيا، والأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي تبعًا، وقد أقسم الله تعالى بها، فقال: { وَالْفَجْرِ ( 1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1 - 2] وقد زعم بعضهم: أن ليالي عشر رمضان: أفضل من لياليه لاشتمالها على ليلة القدر.
قال الحافظ ابن رجب: وهذا بعيد جدًّا، ولو صح حديث أبي هريرة، المروي في الترمذي: "قيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر".
لكان صريحًا في تفضيل لياليه على ليالي عشر رمضان، فإن عشر رمضان فضل بليلة واحدة، وهذا جمع لياليه متساوية.
والتحقيق ما قاله بعض أعيان المتأخرين من العلماء: إن مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها.
انتهى.
واستدلّ به على فضل صيام عشر الحجة لاندراج الصوم في العمل، وعورض بتحريم صوم يوم العيد.
وأجيب: بحمله على الغالب، ولا ريب أن صيام رمضان أفضل من صوم العشر، لأن فعل الفرض أفضل من النفل من غير تردّد، وعلى هذا فكل ما فعل من فرض في العشر فهو أفضل من فرض فعل في غيره، وكذا النفل.
( قالوا) : يا رسول الله ( ولا الجهاد) ؟ أفضل منه، وزاد أبو ذر: في سبيل الله ( قال) عليه الصلاة والسلام.
( ولا الجهاد) في سبيل الله، ثم استثنى جهادًا واحدًا هو أفضل الجهاد فقال: ( إلا رجل خرج) أي: إلا عمل رجل.
فهو مرفوع على البدل، والاستثناء متصل، وقيل: منقطع أي: لكن رجل خرج يخاطر بنفسه فهو أفضل من غيره أو مساوٍ له.
وتعقبه في المصابيح بأنه: إنما يستقيم على اللغة التميمية، وإلا فالمنقطع عند غيرهم واجب النصب.
ولأبي ذر، عن المستملي: إلا من خرج حال كونه ( يخاطر) من المخاطرة، وهي ارتكاب ما فيه خطر ( بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء) من ماله، وإن رجع هو أو لم يرجع هو ولا ماله، بأن ذهب ماله واستشهد.
كذا قرره ابن بطال.
وتعقبه الزين بن المنير بأن قوله فلم يرجع بشيء، يستلزم أنه يرجع بنفسه ولا بد.
وأجيب: بأن قوله: "فلم يرجع بشيء" نكرة في سياق النفي فتعمّ ما ذكره.
وعند أبي عوانة من طريق إبراهيم بن حميد عن شعبة: إلا من عقر جواده، وأهريق دمه وعنده، من رواية القاسم بن أيوب: إلا من لا يرجع بنفسه ولا ماله.
وفي هذا الحديث أن العمل المفضول في الوقت الفاضل يلتحق بالعمل الفاضل في غيره، ويزيد عليه لمضاعفة ثوابه وأجره.
ورواته كوفيون إلا شيخه فبصري، والثاني بسطامي، وفيه التحديث، والعنعنة، وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة: في الصيام، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
12 - باب التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى، وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفَةَ وَكَانَ عُمَرُ -رضي الله عنه- يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا.
وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزَ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ.
( باب التكبير أيام منى) يوم العيد، الثلاثة بعده.
( و) التكبير ( إذا غدا) صبيحة التاسع ( إلى عرفة) للوقوف بها.
( وكان عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنه) مما وصله سعيد بن منصور، من رواية عبيد بن عمير عنه، وأبو عبيدة من وجه آخر، والبيهقي من طريقه، ولأبي ذر مما في فرع اليونينية: وكان ابن عمر ( يكبر في قبته) بضم القاف وتشديد الموحدة، بيت صغير من الخيام مستدير من بيوت العرب ( بمنى) في أيامها ( فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق) بتكبيره ( حتى ترتج منى) بتشديد الجيم، أي: تضطرب وتتحرك مبالغة في اجتماع رفع الأصوات ( تكبيرًا) بالنصب، أي: لأجل التكبير.
وقد أبدى الخطابي للتكبير أيام منى حكمة وهي: أن الجاهلية كانوا يذبحون لطواغيتهم فيها، فشرع التكبير فيها إشارة إلى تخصيص الذبح له، وعلى اسمه عز وجل.
( وكان ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، مما وصله ابن المنذر، والفاكهي في أخبار مكة، من طريق ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر كان ( يكبر بمنى تلك الأيام) أي: أيام منى ( وخلف الصلوات) المكتوبات وغيرها ( وعلى فراشه) بالإفراد، وللحموي والمستملي: وعلى فراشه، ( وفي فسطاطه) بضم الفاء وقد تكسر: بيت من شعر ( ومجلسه وممشاه) بفتح الميم الأولى، موضع مشيه ( تلك الأيام) ظرف للمذكورات.
أي: في تلك الأيام وكررها للتأكيد والمبالغة، ثم أكد ذلك أيضًا بقوله ( جميعًا) .
ويروي، وتلك بواو العطف ( وكانت ميمونة) بنت الحرث الهلالية المتوفاة بسرف، بين مكةوالمدينة، حيث بنى بها عليه الصلاة والسلام، سنة إحدى وخمسين ( تكبر يوم النحر) قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله تعالى: لم أقف على أثرها هذا موصولاً، وقال صاحب العمدة: روى البيهقي تكبيرها يوم النحر.
( وكن النساء) على لغة: أكلوني البراغيث، ولأبي ذر: وكان النساء ( يكبّرن خلف أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة وبعد الألف نون ( بن عثمان) بن عفان، وكان أميرًا على المدينة في زمن ابن عمّ أبيه، عبد الملك بن مروان ( و) خلف أمير المؤمنين ( عمر بن عبد العزيز) أحد الخلفاء الراشدين، مما وصله أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب العيد ( ليالي) أيام ( التشريق مع الرجال في المسجد) .
فهذه الآثار قد اشتملت على وجود التّكبير في تلك الأيام عقب الصلوات وغيرها من الأحوال، وللعلماء في ذلك اختلاف: هل يختص بالمكتوبات أو يعمّ النوافل؟ وبالمؤداة أو يعمّ المقضية؟ وهل ابتداؤه من صبح عرفة أو من ظهره؟ أو من صبح يوم النحر أو من ظهره؟ وهل الانتهاء إلى ظهر يوم النحر أو إلى ظهر ثانيه؟ أو إلى صبح آخر أيام التشريق أو إلى عصره؟ وقد اجتمع من هذه: ستة وسبعون.
بيان ذلك: أن تضرب أربعة الابتداء في خمسة الانتهاء تبلغ عشرين.
يسقط منها كون ظهر النحر مبتدأ ومنتهى كليهما معًا، تصير تسعة عشر.
تضربها في الأربعة الأولى الباقية تبلغ: ستة وسبعين.
كذا قرره البرماوي، مع ما نقله عن الكرماني وغيره.
ويزاد على ذلك: هل يختص بالرجال أو يعمّ النساء؟ وبالجماعة أو يعمّ المنفرد؟ وبالمقيم أو يعمّ المسافر؟ وساكن مصر أو يعمّ أهل القرى؟ فهي ثمانية حكاها مع سابقها النووي، وزاد غيره في الانتهاء، فقال: وقيل: إلى عصر يوم النحر.
قال في الفتح، وقد رواه البيهقي عن أصحاب ابن مسعود: ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حديث، وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود: إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى، أخرجهما ابن المنذر وغيره.
والصحيح من مذهب الشافعية: أن استحبابه يعمّ الصلاة فرضًا ونفلاً، ولو جنازة ومندورة ومقضية في زمن استحبابه لكل مصلٍّ: حاجّ أو غيره؟ مقيم أو مسافر؟ ذكر أو أُنثى؟ منفرد أو غيره؟ من صبح عرفة إلى عقيب عصر آخر أيام التشريق للاتباع، رواه الحاكم، وصححه، لكن ضعفه البيهقي.
قال في الجموع: والبيهقي أتقن من شيخه الحاكم وأشد تحريًّا.
ِوهذا في غير الحج وعليه العمل كما قاله النووي وصححه في الأذكار، وقال في الروضة: إنه الأظهر عند المحققين، لكن صحح في المنهاج كأصله: أن غير الحاج كالحاج يكبّر من ظهر يوم النحر إلى صبح آخر أيام التشريق.
وخصّ المالكية استحبابه بالفرائض الحاضرة، وهو عندهم: من ظهر يوم النحر إلى آخر اليوم الرابع.
وقال أبو حنيفة: يجب من صلاة صبح يوم عرفة وينتهي بعصر يوم النحر، وقال صاحباه: يختم بعصر ثالث أيام التشريق.
وهو: على المقيمين بالمصر خلف الفرائض في جماعة مستحبة عند أبي حنيفة، فلا يجب على أهل القرى، ولا بعد النوافل والوتر، ولا على منفرد ونساء إذا صلين في جماعة.
وقال صاحباه: يجب على كل من يصلّي المكتوبة لأنه شرع تبعًا لها.
وأما صفة التكبير، فقال المالكية: الله أكبر، ثلاثًا وإن قال: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد" كان حسنًا، لما روي أن جابرًا صلّى في أيام التشريق، فلما فرغ قال: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر" قيل: واستمر عيه العمل فلذا أخذ به مالك من غير تضييق.
وقال الحنفية: يقول مرة واحدة: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد".
قالوا: وهذا هو المأثور عن الخليل.
وقال الشافعية: يكبّر ثلاثًا نسقًا اتباعًا للسلف والخلف، ويزيد: "لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد".
قال الشافعي: وما زاد من ذكر الله فحسن، واستحسن في الأمُ أن تكون زيادته: "الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، لا إله إلاّ الله ولا نعبد إلاّ إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده.
ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، والله أكبر".
وأن يرفع بذلك صوته.
وأصحّ ما ورد في صفته، ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان، قال: كبّروا الله: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر،كبيرًا".

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ)
مُقْتَضَى كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ هَلْ هِيَ ثَلَاثَةٌ أَوْ يَوْمَانِ لَكِنْ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ يَقْتَضِي دُخُولَ يَوْمِ الْعِيدِ فِيهَا وَقَدْ حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ أَيْ يُقَدِّدُونَهَا وَيُبْرِزُونَهَا لِلشَّمْسِ ثَانِيهُمَا لِأَنَّهَا كُلَّهَا أَيَّامُ تَشْرِيقٍ لِصَلَاةِ يَوْمِ النَّحْرِ فَصَارَتْ تَبَعًا لِيَوْمِ النَّحْرِ قَالَ وَهَذَا أَعْجَبُ الْقَوْلَيْنِ إِلَيَّ وَأَظُنُّهُ أَرَادَ مَا حَكَاهُ غَيْرُهُ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ إِنَّمَا تُصَلَّى بَعْدَ أَنْ تُشْرِقَ الشَّمْس وَعَن بن الْأَعْرَابِيِّ قَالَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا لَا تُنْحَرُ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ وَعَنْ يَعْقُوبَ بْنِ السِّكِّيتِ قَالَ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَشْرَقَ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ أَيْ نَدْفَعُ لِنَنْحَرَ انْتَهَى وَأَظُنُّهُمْ أَخْرَجُوا يَوْمَ الْعِيدِ مِنْهَا لِشُهْرَتِهِ بِلَقَبٍ يَخُصُّهُ وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَبَعٌ لَهُ فِي التَّسْمِيَةِ كَمَا تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ مَوْقُوفًا وَمَعْنَاهُ لَا صَلَاةَ جُمُعَةٍ وَلَا صَلَاةَ عِيدٍ قَالَ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَذْهَبُ بِالتَّشْرِيقِ فِي هَذَا إِلَى التَّكْبِيرِ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ يَقُولُ لَا تَكْبِيرَ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ قَالَ وَهَذَا لَمْ نَجِدْ أَحَدًا يَعْرِفُهُ وَلَا وَافَقَهُ عَلَيْهِ صَاحِبَاهُ وَلَا غَيْرُهُمَا انْتَهَى وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ التَّشْرِيقِ أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَلْيُعِدْ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ مُرْسَلِ الشَّعْبِيِّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيق وَالله أعلم قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَة وبن شبويه.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ وَاذْكُرُوا اللَّهَ إِلَخْ وَلِلْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي وَيَذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ التِّلَاوَةَ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أَو واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ التِّلَاوَةَ وَإِنَّمَا حَكَى كَلَام بن عَبَّاس وبن عَبَّاسٍ أَرَادَ تَفْسِيرَ الْمَعْدُودَاتِ وَالْمَعْلُومَاتِ وَقَدْ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ وَفِيهِ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْأَيَّام المعلومات أَيَّام الْعشْر وروى بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ الَّتِي قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَظَاهِرُهُ إِدْخَالُ يَوْمِ الْعِيدِ فِي أَيَّام التَّشْرِيق وَقد روى بن أبي شيبَة من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْمَعْلُومَاتِ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَرَجَّحَ الطَّحَاوِيُّ هَذَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَيَّامُ النَّحْرِ انْتَهَى وَهَذَا لَا يَمْنَعُ تَسْمِيَةَ أَيَّامِ الْعَشْرِ مَعْلُومَاتٍ وَلَا أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَعْدُودَاتٍ بَلْ تَسْمِيَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَعْدُودَاتٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات الْآيَةَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا إِنَّمَا سُمِّيَتْ مَعْدُودَاتٍ لِأَنَّهَا إِذَا زِيدَ عَلَيْهَا شَيْءٌ عُدَّ ذَلِكَ حَصْرًا أَيْ فِي حُكْمِ حَصْرِ الْعَدَدِ وَاللَّهُ أعلم قَوْله وَكَانَ بن عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ إِلَخْ لَمْ أَرَهُ مَوْصُولًا عَنْهُمَا وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مُعَلَّقًا عَنْهُمَا وَكَذَا الْبَغَوِيُّ.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيُّ كَانَ مَشَايِخُنَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ أَيْ بِالتَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي ذِكْرِ هَذَا الْأَثَرِ فِي تَرْجَمَةِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ عَادَتَهُ أَنْ يُضِيفَ إِلَى التَّرْجَمَةِ مَا لَهُ بِهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ اسْتِطْرَادًا انْتَهَى وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ تَسَاوِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِأَيَّامِ الْعَشْرِ لِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِمَّا يَقَعُ فِيهِمَا مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أثر أبي هُرَيْرَة وبن عُمَرَ صَرِيحٌ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ وَالْأَثَرَ الَّذِي بَعْدَهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ بَعْدَ قَلِيلٍ .

     قَوْلُهُ  وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ على خَلَفٍ النَّافِلَةَ هُوَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ وَقَدْ وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُؤْتَلَفِ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى الْقَزَّازِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو وَهْنَةَ رُزَيْقٌ الْمَدَنِيُّ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يُكَبِّرُ بِمِنًى فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خَلْفَ النَّوَافِلِ وَأَبُو وَهْنَةَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدَهَا نُونٌ وَرُزَيْقٌ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ مُصَغَّرًا وَفِي سِيَاقِ هَذَا الْأَثَرِ تَعَقُّبٌ عَلَى الْكِرْمَانِيِّ حَيْثُ جَعَلَهُ يَتَعَلَّقُ بِتَكْبِيرِ أَيَّامِ الْعَشْرِ كَالَّذِي قبله قَالَ بن التِّينِ لَمْ يُتَابِعْ مُحَمَّدًا عَلَى هَذَا أَحَدٌ كَذَا قَالَ وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ هَلْ يَخْتَصُّ التَّكْبِيرُ الَّذِي بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْعِيدِ بِالْفَرَائِضِ أَوْ يَعُمُّ وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الِاخْتِصَاصُ

[ قــ :940 ... غــ :969] .

     قَوْلُهُ  عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الْأَعْمَشُ وَمُسْلِمٌ هُوَ الْبَطِينُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ لُقِّبَ بِذَلِكَ لِعِظَمِ بَطْنِهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ فَصَرَّحَ بِسَمَاعِ الْأَعْمَشِ لَهُ مِنْهُ وَلَفْظُهُ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ مُسْلِمًا وَهَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْحُفَّاظِ عَنِ الْأَعْمَشِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ مُسْلِمٍ وَمُجَاهِدٍ وَأَبِي صَالِحٍ عَن بن عَبَّاسٍ فَأَمَّا طَرِيقُ مُجَاهِدٍ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَن مُجَاهِد فَقَالَ عَن بن عمر بدل بن عَبَّاسٍ.

.
وَأَمَّا طَرِيقُ أَبِي صَالِحٍ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَحْفُوظُ فِي هَذَا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ آخَرُ عَنِ الْأَعْمَشِ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ أبي وَائِل عَن بن مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَقَدْ وَافَقَ الْأَعْمَشُ عَلَى رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ أَيْضًا وَرَوَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَبُو جَرِيرٍ السِّخْتِيَانِيُّ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَعَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَسَنَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالزَّوَائِدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِالْإِبْهَامِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي نَفْيَ أَفْضَلِيَّةِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ عَلَى الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إِنْ فُسِّرَتْ بِأَنَّهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ تَرْجَمَةُ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورَةُ فَزَعَمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ فَسَّرَ الْأَيَّامَ الْمُبْهَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَفَسَّرَ الْعَمَلَ بِالتَّكْبِيرِ لِكَوْنِهِ أَوْرَدَ الْآثَارَ الْمَذْكُورَةَ الْمُتَعَلّقَة بِالتَّكْبِيرِ فَقَط.

     وَقَالَ  بن أَبِي جَمْرَةَ الْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ فِي غَيْرِهِ قَالَ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُهَا أَيَّامَ عِيدٍ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَا مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ فِيهَا بَلْ قَدْ شَرَعَ فِيهَا أَعْلَى الْعِبَادَاتِ وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُمْنَعْ فِيهَا مِنْهَا إِلَّا الصِّيَامُ قَالَ وَسِرُّ كَوْنِ الْعِبَادَةِ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا أَنَّ الْعِبَادَةَ فِي أَوْقَاتِ الْغَفْلَةِ فَاضِلَةٌ عَلَى غَيْرِهَا وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ غَفْلَةٍ فِي الْغَالِبِ فَصَارَ لِلْعَابِدِ فِيهَا مَزِيدُ فَضْلٍ عَلَى الْعَابِدِ فِي غَيْرِهَا كَمَنْ قَامَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ نِيَامٌ وَفِي أَفْضَلِيَّةِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ نُكْتَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِيهَا مِحْنَةُ الْخَلِيلِ بِوَلَدِهِ ثُمَّ مُنَّ عَلَيْهِ بِالْفِدَاءِ فَثَبَتَ لَهَا الْفَضْلُ بِذَلِكَ اه وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ الْمَنْقُولَ يُعَارِضُهُ وَالسِّيَاقُ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ شَيْخِ كَرِيمَةَ بِلَفْظِ مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذَا الْعَشْرِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ شُعْبَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّام الْعشْر وَكَذَا رَوَاهُ بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ بِدُونِ يَعْنِي وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ قَوْلَهُ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ لَكِنْ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ وَغَيْرِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مِنْ نَفْسِ الْخَبَرِ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ بِلَفْظِ مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي صحيحى أبي عوَانَة وبن حِبَّانَ مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَيَّامِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى تَرْجَمَةِ الْبُخَارِيِّ بِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيُجَابُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ الشَّيْءَ يشرف بمجاورته للشئ الشَّرِيفِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ تَقَعُ تِلْوَ أَيَّامِ الْعَشْرِ وَقَدْ ثَبَتَتِ الْفَضِيلَةُ لِأَيَّامِ الْعَشْرِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَثَبَتَتْ بِذَلِكَ الْفَضِيلَةُ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثَانِيهَا أَنَّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ إِنَّمَا شُرِّفَ لِوُقُوعِ أَعْمَالِ الْحَجِّ فِيهِ وَبَقِيَّةُ أَعْمَالِ الْحَجِّ تَقَعُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّاتِهِ فَصَارَتْ مُشْتَرِكَةً مَعَهَا فِي أَصْلِ الْفَضْلِ وَلِذَلِكَ اشْتَرَكَتْ مَعَهَا فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي كُلٍّ مِنْهَا وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ إِيرَادِ الْآثَارِ الْمَذْكُورَة فِي صدر التَّرْجَمَة لحَدِيث بن عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا ثَالِثُهَا أَنَّ بَعْضَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ هُوَ بَعْضُ أَيَّامِ الْعَشْرِ وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ وَكَمَا أَنَّهُ خَاتِمَةُ أَيَّامِ الْعَشْرِ فَهُوَ مُفْتَتَحُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَمَهْمَا ثَبَتَ لِأَيَّامِ الْعَشْرِ مِنَ الْفَضْلِ شَارَكَتْهَا فِيهِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهَا بَلْ هُوَ رَأْسُ كُلٍّ مِنْهَا وَشَرِيفُهُ وَعَظِيمُهُ وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ فِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ رَجُلٌ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْيِينَ هَذَا السَّائِلِ وَفِي رِوَايَةِ غُنْدَرٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ أَيْضًا حَتَّى أَعَادَهَا ثَلَاثًا وَدَلَّ سُؤَالُهُمْ هَذَا عَلَى تَقَرُّرِ أَفْضَلِيَّةِ الْجِهَادِ عِنْدَهُمْ وَكَأَنَّهُمُ اسْتَفَادُوهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَوَابِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ فَقَالَ لَا أَجِدُهُ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَالتَّقْدِيرُ إِلَّا عَمَلُ رَجُلٍ وَلِلْمُسْتَمْلِي إِلَّا مَنْ خَرَجَ .

     قَوْلُهُ  يُخَاطِرُ أَيْ يَقْصِدُ قَهْرَ عَدُوِّهِ وَلَوْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى قَتْلِ نَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ أَيْ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الْعَامِلِ فِي أَيَّامِ الْعشْر أَو مُسَاوِيا لَهُ قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ رَجَعَ هُوَ وَأَنْ لَا يَرْجِعَ هُوَ وَلَا مَالُهُ بِأَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ الشَّهَادَةَ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنَفْسِهِ وَلَا بُدَّ اه وَهُوَ تَعَقُّبٌ مَرْدُودٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ مَا ذَكَرَ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ وَغُنْدَرٍ وَغَيْرِهِمَا عَنْ شُعْبَةَ وَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْيَ الرُّجُوعِ بِالشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتَ الرُّجُوعِ بِغَيْرِ شَيْءٍ بَلْ هُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ كَمَا قَالَ بن بَطَّالٍ وَيَدُلُّ عَلَى الثَّانِي وُرُودُهُ بِلَفْظٍ يَقْتَضِيهِ فَعِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ إِلَّا مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ وَعِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ إِلَّا مَنْ لَا يَرْجِعُ بِنَفْسِهِ وَلَا مَالِهِ وَفِي طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ فَقَالَ لَا إِلَّا أَنْ لَا يَرْجِعَ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ إِلَّا مَنْ عُفِّرَ وَجْهُهُ فِي التُّرَابِ فَظَهَرَ بِهَذِهِ الطُّرُقِ تَرْجِيحُ مَا رَدَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ قَدْرِ الْجِهَادِ وَتَفَاوُتُ دَرَجَاتِهِ وَأَنَّ الْغَايَةَ الْقُصْوَى فِيهِ بَذْلُ النَّفْسِ لِلَّهِ وَفِيهِ تَفْضِيلُ بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ عَلَى بَعْضٍ كَالْأَمْكِنَةِ وَفَضْلُ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِيمَنْ نَذَرَ الصِّيَامَ أَوْ عَلَّقَ عَمَلًا مِنَ الْأَعْمَالِ بِأَفْضَلِ الْأَيَّامِ فَلَوْ أَفْرَدَ يَوْمًا مِنْهَا تعْيين يَوْمُ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعشْر الْمَذْكُور فَإِنْ أَرَادَ أَفْضَلَ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ تَعَيَّنَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ جَمْعًا بَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ لَمْ يُرِدْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ خَيْرٌ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَعْنِي فَيَلْزَمُ تَفْضِيلُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ سَوَاءٌ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ أَفْضَلُ مِنَ الْجُمُعَةِ فِي غَيْرِهِ لِاجْتِمَاعِ الْفَضْلَيْنِ فِيهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَضْلِ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِانْدِرَاجِ الصَّوْمِ فِي الْعَمَلِ وَاسْتَشْكَلَ بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ يَوْمَ الْعِيدِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ كَمَا رَوَاهُ الصَّحِيحَانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا هَلْ يَخْتَصُّ الْفَضْلُ بِالْحَاجِّ أَوْ يَعُمُّ الْمُقِيمَ فِيهِ احْتِمَالٌ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ الْمُرَادُ بِالْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ التَّكْبِيرُ فَقَطْ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ وَثَبَتَ تَحْرِيمُ صَوْمِهَا وَوَرَدَ فِيهِ إِبَاحَةُ اللَّهْوِ بِالْحِرَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى تَفْرِيغِهَا لِذَلِكَ مَعَ الْحَضِّ عَلَى الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ مِنْهُ فِيهَا التَّكْبِيرُ فَقَطْ وَمِنْ ثَمَّ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى إِيرَادِ الْآثَارِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّكْبِيرِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْعَمَلَ إِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ الْعِبَادَةَ وَهِيَ لَا تُنَافِي اسْتِيفَاءَ حَظِّ النَّفْسِ مِنَ الْأَكْلِ وَسَائِرِ مَا ذُكِرَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَغْرِقُ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ الْحَثُّ عَلَى الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَنْحَصِرُ فِي التَّكْبِيرِ بَلِ الْمُتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ مِنْهُ أَنَّهُ الْمَنَاسِكُ مِنَ الرَّمْيِ وَغَيْرِهِ الَّذِي يَجْتَمِعُ مَعَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَالَ مَعَ أَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى التَّكْبِيرِ وَحْدَهُ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَهُ بَابُ التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى مَعْنًى وَيَكُونُ تَكْرَارًا مَحْضًا اه وَالَّذِي يَجْتَمِعُ مَعَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادَةِ هُوَ الذِّكْرُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَقَدْ فُسِّرَ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا قَالَ بن بَطَّالٍ.

.
وَأَمَّا الْمَنَاسِكُ فَمُخْتَصَّةٌ بِالْحَاجِّ وَجَزْمُهُ بِأَنَّهُ تَكْرَارٌ مُتَعَقَّبٌ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ الْأُولَى لِفَضْلِ التَّكْبِيرِ وَالثَّانِيَةَ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ وَصِفَتِهِ أَوْ أَرَادَ تَفْسِيرَ الْعَمَلِ الْمُجْمَلِ فِي الْأُولَى بِالتَّكْبِيرِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا تَكْرَارَ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن عُمَرَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي آخِرِهِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ فِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَهَذَا يُؤَيّد مَا ذهب إِلَيْهِ بن بَطَّالٍ وَفِي رِوَايَةِ عَدِيٍّ مِنَ الزِّيَادَةِ وَأَنَّ صِيَامَ يَوْمٍ مِنْهَا يَعْدِلُ صِيَامَ سَنَةٍ وَالْعَمَلَ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ لَكِنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَكَذَا الْإِسْنَادُ إِلَى عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ وَاللَّهُ أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
فضل العمل في أيام التشريق

وقال ابن عباس ( ( واذكروا الله في أيام معلومات) ) : أيام العشر.
والأيام المعدودات: أيام التشريق.

وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر، ويكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.

وكبر محمد بن علي خلف النافلة.

بوب على فضل أيام التشريق والعمل فيها.

وذكر في الباب أيام التشريق وأيام العشر، وفضلهما جميعاً.

وذكر ابن عباس: أن الأيام المعلومات المذكورة في سورة الحج هي أيام العشر، والأيام المعدودات المذكورة في سورة البقرة هي أيام التشريق.

وفي كل منهما اختلاف بين العلماء:
فأما المعلومات:
فقد روي عن ابن عباس، أنها أيام عشر ذي الحجة، كما حكاه عنه البخاري.

وروي - أيضاً - عن ابن عمر، وعن عطاء والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة.

وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد - في المشهور، عنه.

وقالت طائفة: الأيام المعلومات: يوم النحر ويومان بعده، روي عن ابن عمر وغيره من السلف.
وقالوا: هي أيام الذبح.

وروي - أيضاً - عن علي وابن عباس، وعن عطاء الخراساني والنخعي وهو قول مالك وأبي يوسف ومحمد وأحمد - في رواية عنه.

ومن قال: أيام الذبح أربعة، قال: هي يوم النحر وثلاثة أيام بعده.

وقد روي عن أبي موسى الأشعري، أنه قال - في خطبته يوم النحر -: هذا يوم الحج الأكبر، وهذه الأيام المعلومات التسعة التي ذكر الله في القرآن، لا يرد فيهن
الدعاء، هذا يوم الحج الأكبر، وما بعده من الثلاثة اللائي ذكر الله الأيام المعدودات، لا يرد فيهن الدعاء.

وهؤلاء جعلوا ذكر الله فيها هو ذكره على الذبائح.

وروي عن محمد بن كعب، أن المعلومات أيام التشريق خاصة.

والقول الأول أصح؛ فان الله سبحانه وتعالى قالَ – بعد ذكره في هذه الأيام المعلومات: { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29] .

والتفث: هو ما يصيب الحاج من الشعث والغبار.

وقضاؤه: إكماله.

وذلك يحصل يوم النحر بالتحلل فيه من الإحرام، فقد جعل ذلك بعد ذكره في الأيام المعلومات، فدل على أن الأيام المعلومات قبل يوم النحر الذي يقضى فيه التفث ويطوف فيه بالبيت العتيق.

فلو كانت الأيام المعلومات أيام الذبح لكان الذكر فيها بعد قضاء التفث ووفاء النذور والتطوف بالبيت العتيق، والقران يدل على أن الذكر فيها قبل ذلك.

وأما قوله تعالى: { عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنعام} [الحج:28] .

فأما أن يقال: إن ذكره على الذبائح يحصل في يوم النحر، وهو أفضل أوقات الذبح، وهو آخر العشر.

وإما أن يقال: إن ذكره على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، ليس هو ذكره على الذبائح، بل ذكره في أيام العشر كلها، شكراً على نعمة رزقه لنا من بهيمة الأنعام؛ فإن لله تعالى علينا فيها نعماً كثيرة دنيوية ودينية.

وقد عدد بعض الدنيوية في سورة النحل، وتختص عشر ذي الحجة منها بحمل أثقال الحاج، وإيصالهم إلى قضاء مناسكهم والانتفاع بركوبها ودرها ونسلها وأصوافها وأشعارها.

وأما الدينية فكثيرة، مثل: إيجاب الهدي وإشعاره وتقليده، وغالبا يكون ذلك في أيام العشر أو بعضها، وذبحه في آخر العشر، والتقرب به إلى الله، والأكل من لحمه، وإطعام القانع والمعتر.

فلذلك شرع ذكر الله في أيام العشر شكراً على هذه النعم كلها، كما صرح به في قوله تعالى: { كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [الحج: 37] ، كما أمر بالتكبير عند قضاء صيام رمضان، وإكمال العدة، شكراً على ما هدانا إليه من الصيام والقيام المقتضي لمغفرة الذنوب السابقة.

وأما الأيام المعدودات:
فالجمهور على أنها أيام التشريق، وروي عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما.

واستدل ابن عمر يقوله: { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وإنما يكون التعجيل في ثاني أيام التشريق.

قال الإمام أحمد: ما أحسن ما قال ابن عمر.

وقد روي عن ابن عباس وعطاء، أنها أربعة أيام: يوم النحر، وثلاثة بعده.

وفي إسناد المروي عن ابن عباس ضعف.

وأما ما ذكره البخاري عن ابن عمر وأبي هريرة، فهو من رواية سلام أبي المنذر، عن حميد الأعرج، عن مجاهد، أن ابن عمر وأبا هريرة كانا يخرجان في العشر إلى السوق يكبران، لا يخرجان إلاّ لذلك.

خرجه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في ( ( كتاب الشافي) ) وأبو بكر المروزي القاضي في ( ( كتاب العيدين) ) .

ورواه عفان: نا سلام أبو المنذر - فذكره، ولفظه: كان أبو هريرة وابن عمر يأتيان السوق أيام العشر، فيكبران، ويكبر الناس معهما، ولا يأتيان لشيء إلا لذلك.

وروى جعفر الفريابي، من رواية يزيد بن أبي زياد، قال: رأيت سعيد بن جبير
وعبد الرحمن بن أبي ليلى ومجاهدا - أو اثنين من هؤلاء الثلاثة - ومن رأينا من فقهاء الناس يقولون في أيام العشر: ( ( الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر.
الله أكبر ولله الحمد)
)
.
وروى المروزي، عن ميمون بن مهران، قال: أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر، حتى كنت أشبهه بالأمواج من كثرتها، ويقول: إن الناس قد نقصوا في تركهم التكبير.

وهو مذهب أحمد، ونص على أنه يجهر به.

وقال الشافعي: يكبر عند رؤية الأضاحي.

وكأنه أدخله في التكبير على بهيمة الأنعام المذكور في القران، وهو وإن كان داخلا فيه، إلا أنه لا يختص به، بل هو أعم من ذلك كما تقدم.

وهذا على اصل الشافعي وأحمد: في أن الأيام المعلومات هي أيام العشر، كما
سبق.

فأما من قال: هي أيام الذبح، فمنهم من لم يستحب التكبير في أيام العشر، وحكي عن مالك وأبي حنيفة.

ومن الناس من بالغ، وعده من البدع، ولم يبلغه ما في ذلك من السنة.

وروى شعبة، قال: سالت الحكم وحماداً عن التكبير أيام العشر؟ فقالا: لا؛ محدث.

خرّجه المروزي.

وخرّج الإمام أحمد من حديث ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( ما من أيام اعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيه من هذه الأيام العشر؛ فاكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) ) .

ويروي نحوه من حديث ابن عباس – مرفوعاً، وفيه: ( ( فاكثروا فيهن التهليل والتكبير؛ فإنها أيام تهليل وتكبير وذكر الله عز وجل) ) .

وأما ما ذكره عن محمد بن علي في التكبير خلف النافلة، فهوَ في أيام التشريق.

ومراده: أن التكبير يشرع في أيام العشر وأيام التشريق جميعاً، وسيأتي ذكر التكبير في أيام التشريق فيما بعد - إن شاء الله سبحانه وتعالى.

قال البخاري - رحمه الله تعالى -:
[ قــ :940 ... غــ :969 ]
- نا محمد بن عرعرة: نا شعبة، عن سليمان، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( ما العمل في أيام أفضل منها في هذه الأيام - يعني: أيام العشر -) ) قالوا: ولا الجهاد؟ قالَ: ( ( ولا الجهاد، إلاّ رجل يخرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء) ) .
هكذا في أكثر النسخ المعتمدة، وفي أكثر النسخ: ( ( ما العمل في العشر أفضل منه في هذه الأيام) ) –وكأنه يشير إلى أيام التشريق -، والحديث بهذا اللفظ غير معروف.

وفيه: تفصيل العمل في أيام التشريق وأيام العشر جميعاً.

ولعل هذا من تصرف بعض الرواة، حيث أشكل عليه إدخال الحديث باللفظ المشهور في ( ( باب: فضل العمل في أيام التشريق) ) .

والبخاري اتبع عبد الرزاق؛ فانه خرج هذا الحديث في ( مصنفه) في ( ( باب: فضل أيام التشريق) ) –أيضاً.

وقد ذكر أن البخاري وإن بوب على أيام التشريق، لكنه ذكر في الباب فضل أيام العشر وأيام التشريق جميعا، ولهذا ذكر عن ابن عباس تفسير الأيام المعلومات، والأيام المعدودات.
وعن ابن عمر وأبي هريرة التكبير في أيام العشر.
وعن محمد بن علي التكبير في أيام التشريق خلف النوافل، فعلم انه أراد ذكر فضائل هذه الأيام جميعها، وليس في فضل العمل في أيام التشريق حديث مرفوع، فخرج فيه حديث فضل العمل في أيام العشر.

وهذا الحديث حديث عظيم جليل.

وسليمان الذي رواه عنه شعبة هو الأعمش، وقد رواه جماعة عن الأعمش بهذا الإسناد، وهو المحفوظ -: قاله الدارقطني وغيره.

واختلف على الأعمش فيه:
ورواه عن مسلم البطين مع الأعمش: حبيب بن أبي عمرة ومخول بن راشد.

ورواه عن سعيد بن جبير مع البطين: أبو صالح ومجاهد وسلمة بن كهيل وأبو إسحاق والحكم وعدي بن ثابت وغيرهم، مع اختلاف على بعضهم فيه.
ورواه عن ابن عباس مع سعيد بن جبير، عطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة
ومقسم، مع اختلاف على بعضهم يطول ذكره.

ولعل مسلماً لم يخرجه للاختلاف في إسناده.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

وهذا الحديث نص في أن العمل المفضول يصير فاضلا إذا وقع في زمان فاضل، حتى يصير أفضل من غيره من الأعمال الفاضلة؛ لفضل زمانه.

وفي أن العمل في عشر ذي الحجة أفضل من جميع الأعمال الفاضلة في غيره.

ولا يستثنى من ذلك سوى أفضل أنواع الجهاد، وهو أن يخرج الرجل بنفسه
وماله، ثم لا يرجع منهما بشيء.

وقد سئل: ( ( أي الجهاد أفضل؟) ) ، قالَ: ( ( من عقر جواده، وأهريق
دمه)
)
.

وسمع رجلا يقول: اللَّهُمَّ اعطني أفضل ما تعطي عبادك الصالحين، فقالَ لهُ:
( ( إذن يعقر جوادك، وتستشهد) ) .

فهذا الجهاد بخصوص يفضل على العمل في العشر، وأما سائر أنواع الجهاد مع سائر الأعمال، فإن العمل في عشر ذي الحجة أفضل منها.

وفي رواية: ( ( وأحب الله عز وجل) ) .

فإن قيل: فإذا كان كذلك فينبغي أن يكون الحج أفضل من الجهاد؛ لأن الحج يختص بهده العشر، وهو من أفضل أعماله، ومع هذا فالجهاد أفضل منه؛ لما في ( ( الصحيحين) ) ، عن أبي هريرة، عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قالَ: ( ( أفضل الأعمال الإيمان بالله ورسوله، ثُمَّ الجهاد في سبيل الله، ثُمَّ حج مبرور) ) .

قيل: للجمع بينهما وجهان:
أحدهما: بان يكون الحج أفضل من سائر أنواع الجهاد، إلاّ الجهاد الذي لا يرجع صاحبه منه بشيء من نفسه وماله، فيكون هذا الجهاد هو الذي يفضل على الحج
خاصة.

وقد روي عن طائفة من الصحابة تفضيل الحج على الجهاد، ومنهم: عمر وابنه وأبو موسى وغيرهم، عن مجاهد وغيره.

فيحمل على تفضيله على ما عدا هذا الجهاد الخاص، ويجمع بذلك بين النصوص كلها.

الوجه الثاني: أن الجهاد في نفسه أفضل من الحج، لكن قد يقترن بالحج ما يصير به أفضل من الجهاد، وقد يتجرد عن ذلك فيكون الجهاد أفضل منه حينئذ.

ولذلك أمثله:
منها: أن يكون الحج مفروضا، فيكون حينئذ أفضل من التطوع بالجهاد، هذا قول جمهور العلماء.

وقد روي صريحاً، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

وروي - مرفوعاً - من وجوه متعددة، في أسانيدها لين.
ونص عليه الإمام أحمد وغيره.

وقد دل عليه: قول النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكاية عن ربه عز وجل: ( ( ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه) ) .

وقد خرجه البخاري في ( ( كتابه) ) هذا.

ومنها: أن يكون الحاج ليس من أهل الجهاد، فحجه أفضل من جهاده،
كالمرأة.

وقد خرج البخاري حديث عائشة، أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قالَ: ( ( لكن أفضل الجهاد حج مبرور) )
ومنها: أن يستوعب عمل الحج جميع أيام العشر، ويؤتي به على أكمل الوجوه، وجوه البر من أداء الواجبات وفعل المندوبات واجتناب المحرمات والمكروهات، مع كثرة ذكر الله عز وجل والإحسان إلى عباده، وكثرة العج والثج، فهذا الحج قد يفضل على الجهاد.

وقد يحمل عليه ما روي عن الصحابة من تفضل الحج على الجهاد، كما سبق.

وإن وقع عمل الحج في جزء يسير من العشر، ولم يؤت به على الوجه الكامل من البر، فإن الجهاد حينئذ أفضل منه.

ويدل عليه - أيضاً -: أن النبي لما سئل عن عمل يعدل الجهاد، فقال: ( ( هل تستطيع إذا خرج المجاهد، أن تقوم فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر؟) ) .

فدل على أن العمل من [فتور] في أي وقت كانَ يعدل الجهاد، فإذا وقع هذا العمل الدائم في العشر بخصوصه في عدد أيامه من سائر السنة، إلا من أفضل الجهاد بخصوصه كما تقدم.

ولهذا كان سعيد بن جبير - وهو راوي هذا الحديث، عن ابن عباس - إذا دخل العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه.

وروي عنه، أنه قال: لا تطفئوا مصابيحكم في العشر - يعجبه العبادة.

فإن قيل: هل المراد: تفضيل العمل في هذه العشر على العمل في كل عشر غيره من أيام الدنيا، فيدخل في ذلك عشر رمضان وغيره، أم على العمل في أكثر من عشر أخر من الأيام، وإن طالت المدة؟
قيل: أما تفضيل العمل فيهِ على العمل في كل عشر غيره، فلا شك في ذَلِكَ.

ويدل عليه: ما خرجه ابن حبان في ( ( صحيحه) ) ، من حديث جابر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة) ) .
فقال رجل: يا رسول الله، هو أفضل أو عدتهن جهاد في سبيل الله؟ قالَ: ( ( هوَ أفضل من عدتهن جهاد في سبيل الله عز وجل) ) .

فيدخل في ذلك تفضيل العمل في عشر ذي الحجة على العمل في جميع أعشار الشهور كلها، ومن ذلك عشر رمضان.

لكن فرائض عشر ذي الحجة أفضل من فرائض سائر الأعشار، ونوافله أفضل من نوافلها، فأما نوافل العشر فليست أفضل من فرائض غيره، كما سبق تقريره في الحج والجهاد.

وحينئذ؛ فصيام عشر رمضان أفضل من صيام عشر ذي الحجة؛ لأن الفرض أفضل من النفل.

وأما نوافل عشر ذي الحجة فأفضل من نوافل عشر رمضان، وكذلك فرائض عشر ذي الحجة تضاعف أكثر من مضاعفة فرائض غيره.

وقد كان عمر يستحب قضاء رمضان في عشر ذي الحجة؛ لفضل أيامه، وخالفه في ذَلِكَ علي، وعلل قوله باستحباب تفريغ أيامه للتطوع وبذلك علله أحمد وإسحاق، وعن أحمد في ذَلِكَ روايتان.

وأما تفضيل العمل في عشر ذي الحجة على العمل في أكثر من عشرة أيام من
غيره، ففيه نظر.

وقد روي ما يدل عليهِ:
فخرج الترمذي وابن ماجه من رواية النهاس بن قهم، عن قتادة، عن ابن
المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي قالَ: ( ( ما من أيام احب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بسنة، وكل ليلة منها بليلة القدر) ) .
والنهاس، ضعفوه.

وذكر الترمذي عن البخاري، أن الحديث يروى عن قتادة، عن ابن المسيب - مرسلا.

وروى ثوير بن أبي فاختة - وفيه ضعف -، عن مجاهد، عن ابن عمر، قالَ: ليس يوم أعظم عند الله من يوم الجمعة، ليس العشر؛ فإن العمل فيهِ يعدل عمل سنة.

وممن روي عنه: أن صيام كل يوم من العشر يعدل سنة: ابن سيرين وقتادة وعن الحسن: صيام يوم منه يعدل شهرين.

وروى هارون بن موسى النحوي: سمعت الحسن يحدث، عن أنس، قالَ: كان يقال في أيام العشر بكل ألف يوم، ويوم عرفة عشرة الآف يوم.

وفي ( ( صحيح مسلم) ) ، من حديث أبي قتادة - مرفوعا - ( ( إن صيامه كفارة سنتين) ) .

وهذه النصوص: تدل على أن كل عمل في العشر فإنه أفضل من العمل في غيره، أما سنة أو أكثر من ذلك أو اقل.
والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة ذلك كله.
وحديث جابر الذي خرجه ابن حبان: يدل على أن أيام العشر أفضل من الأيام مطلقا.

وقد خرجه أبو موسى المديني من الوجه الذي خرجه ابن حبان، بزيادة فيهِ، وهي: ( ( ولا ليالي أفضل من لياليهن) ) .

وفي ( ( مسند البزار) ) من وجه آخر، عن جابر، عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ( ( أفضل أيام الدنيا العشر) ) .

وروي مرسلاً.

وقيل: إنه أصح.

وقد سبق قول ابن عمر في تفضيل أيام العشر على يوم الجمعة، الذي هوَ أفضل أيام الدنيا.

وقال مسروق في قوله: { وَلَيَالٍ عَشْرٍ} هي أفضل أيام السنة.

وهذه العشر تشتمل على يوم عرفة.

وفي ( ( صحيح ابن حبان) ) عن جابر - مرفوعا -: ( ( إنه أفضل أيام الدنيا) ) وفيه: يوم النحر.

وفي حديث عبد الله بن قرط، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: ( ( أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر) ) .

خرّجه أبو داود وغيره.
وقد سبق في الحديث المرفوع: أن صيام كل يوم [منه] بسنة، وقيام كل ليلة منه يعدل ليلة القدر.

وهذا يدل على أن عشر ذي الحجة أفضل من عشر رمضان، لياليه وأيامه.

وقد زعم طائفة من أصحابنا: أن ليلة الجمعة أفضل من ليلة القدر.

وقد تقدم عن ابن عمر، أن أيام العشر أفضل من يوم الجمعة، فلا يستنكر حينئذ تفضيل ليالي عشر ذي الحجة على ليلة القدر.

وعلى تقدير أن لا يثبت ذلك، فقال بعض أعيان أصحابنا المتأخرين: مجموع عشر ذي الحجة أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشر رمضان ليلة لا تفضل عليها غيرها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

وروى سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن كعب: أحب الزمان إلى الله الشهر الحرام، وأحب الأشهر الحرم إلى الله ذو الحجة، وأحب ذي الحجة إلى الله العشر الأول.

وروي عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة – مرفوعا، ولا يصح، وكذا قال سعيد بن جبير: ما من الشهور أعظم حرمة من ذي الحجة.

وفي ( ( مسند البزار) ) من حديث أبي سعيد - مرفوعا -: ( ( سيد الشهور رمضان، وأعظمها حرمة ذو الحجة) ) .

وفي إسناده مقال.

وفي ( ( مسند الإمام أحمد) ) ، عن أبي سعيد، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال - في خطبته في حجة الوداع يوم النحر -: ( ( ألا إن أحرم الأيام يومكم هذا، وأحرم الشهور شهركم هذا، وأحرم البلاد بلدكم هذا) ) .

وروي هذا من حديث جابر، ووابصة، ونبيط بن شريط وغيرهم - أيضاً.

وهذا كله يدل على أن شهر ذي الحجة أفضل الأشهر الحرم؛ حيث كانَ أعظمها حرمة.

وروي عن الحسن: أن أفضلها المحرم.

وأما ما قاله بعض الفقهاء الشافعية: أن أفضلها رجب: فقوله ساقط مردود.
والله تعالى أعلم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَات}: أَيَّامُ الْعَشْرِ.
وَالأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ.

(باب فضل العمل في أيام التشريق) الثلاثة بعد يوم النحر، أو: هو منها عملاً بسبب التسمية به، لأن لحوم الأضاحي كانت تشرك فيها بمنى، أيّ تقدد، ويبزر بها للشمس.

أو: أنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر، لأنها إنما تصلّي بعد أن تشرق الشمس، فصارت تبعًا ليوم النحر.

أو: من قول الجاهلية:
أشرق ثبير كيما نغير
أي ندفع فننحر.

وحينئذ فإخراجهم يوم النحر منها إنما هو لشهرته بلقب خاص، وهو: يوم العيد، وإلاّ فهي في الحقيقة تبع له في التسمية.

وقد روى أبو عبيد، من مرسل الشعبي، بسند رجاله ثقات: "من ذبح قبل التشريق فليعد".
أي: قبل صلاة العيد.
لكن مقتضى كلام الفقهاء واللغويين: أنها غيره، والله تعالى أعلم.

(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما، مما وصله عبد بن حميد في تفسيره (واذكروا {الله في أيام معلومات}) [الحج: 28] باللام هي: (أيام العشر) الأول من ذي الحجة.

قال: (والأيام المعدودات) بالدال: هي (أيام التشريق) الثلاثة: الحادي عشر من ذي الحجة: يوم القرّ بفتح القاف، لأن الحجاج يقرّون فيه بمنى، والثاني عشر، والثالث عشر: المسمّيان بالنفر الأول لجواز النفر فيه لمن تعجل، والنفر الثاني.

ويقال لها: أيام منى، لأن الحجاج يقيمون فيها بمنى.
وهذا، أي قوله: واذكروا {الله في أيام معلومات} باللام، رواية كريمة وابن شبويه، وهي خلاف التلاوة، لأنها في سورة البقرة: معدودات بالدال، ولأبي ذر، عن الحموي والمستملي {واذكروا الله في أيام معدودات) بالدال، وهي مخالفة للتلاوة أيضًا، لأنها، وإن كانت موافقة لآية البقرة في {معدودات} بالدال لكنها مخالفة لها من حيث التعبير بفعل الأمر، موافقة لآية الحج في التعبير بالمضارع، لكن تلك: أي: آية الحج، {معلومات} باللام مع إثبات: اسم، في قوله: {ويذكروا اسم الله} ولأبي ذر أيضًا، عن

الكشميهني، مما في الفتح والعمدة {ويذكروا الله في أيام معلومات} باللام بلفظ سورة الحج، لكنه حذف لفظ: اسم.

وبالجملة فليس في هذه الروايات الثلاثة ما يوافق التلاوة، ومن ثم استشكلت.

وأجيب: بأنه لم يقصد بها التلاوة، وإنما حكي كلام ابن عباس.
وابن عباس إنما أراد تفسير المعدودات والمعلومات.

نعم، في فرع اليونينية، مما رقم له بعلامة أبي ذر، عن الكشميهني: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} باللام، وهذا موافق لما في الحج.

(وكان ابن عمر) بن الخطاب (وأبو هريرة) رضي الله عنهم، مما ذكره البغوي والبيهقي معلقًا عنهما، (يخرجان إلى السوق في أيام العشر) الأول من ذي الحجة (يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما).

قال البرماوي كالكرماني: هذا لا يناسب الترجمة، إلا أن المصنف، رحمه الله كثيرًا ما يضيف إلى الترجمة ما له أدنى ملابسة استطرادًا.

وقال في الفتح: الظاهر أنه أراد تساوي أيام التشريق بأيام العشر، لجامع ما بينهما مما يقع فيهما من أعمال الحج.

(وكبر محمد بن علي) الباقر، فيما وصله الدارقطني في: المؤتلف، عنه في: أيام التشريق بمنى، (خلف النافلة) كالفريضة.
وفي ذلك خلاف يأتي إن شاء الله تعالى في الباب اللاحق مع غيره.


[ قــ :940 ... غــ : 969 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ».
قَالُوا: وَلاَ الْجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الْجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَىْءٍ».

وبالسند قال: (حدثنا محمد بن عرعرة) بفتح العينين المهملتين، وبالراءين (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش، (عن مسلم البطين) بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية آخره نون، لقب به لعظم بطنه، وهو كوفي (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال):
(ما العمل) مبتدأ، يشمل أنواع العبادات: كالصلاة والتكبير، والذكر، والصوم، وغيرها (في أيام) من أيام السنة، وهو متعلق المبتدأ، أو خبره قوله: (أفضل منها) الجار والمجرور متعلق

بأفضل، والضمير عائد إلى العمل، بتقدير الإعمال كما في قوله تعالى {أو الطفل الذين} [النور: 31] كذا قرره البرماوي والزركشي.

وتعقبه المحقق ابن الدماميني فقال: هذا غلط، لأن الطفل يطلق على الواحد والجماعة بلفظ واحد، بخلاف العمل، وزاد فخرّجه على أن يكون الضمير عائدًا إلى العمل، باعتبار إرادة القربة مع عدم تأويله بالجمع، أي:
ما القربة في أيام أفضل منها (في هذا العشر) الأول من ذي الحجة.
كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني بالتصريح: بالعشر، وكذا عند أحمد، عن غندر، عن شعبة بالإسناد المذكور.
بل في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة بلفظ: عشر الحجة.

وممن صرّح بالعشر أيضًا ابن ماجة، وابن حبان، وأبو عوانة.

ولكريمة عن الكشميهني: "ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه".
بتأنيث الضمير مع إبهام الأيام.
وفسرها بعض الشارحين بأيام التشريق لكون المؤلّف ترجم لها، وهو يقتضي نفي أفضلية العمل في أيام العشر على أيام التشريق.

ووجهه صاحب بهجة النفوس: بأن أيام التشريق أيام غفلة، والعبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها، كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام، وبأنه وقع فيها محنة الخليل بولده عليهما الصلاة والسلام، ثم منّ عليه بالفداء.

وهو معارض بالنقول كما قاله في الفتح: فالعمل في أيام العشر أفضل من العمل في غيرها من أيام الدنيا من غير استثناء شيء.
وعلى هذا فرواية كريمة شاذة لمخالفتها رواية أبي ذر، وهو من الحفاظ عن شيخهما الكشميهني، لكن يعكر عليه ترجمة المؤلّف: بأيام التشريق.

وأجيب: باشتراكهما في أصل الفضيلة لوقوع أعمال الحج فيهما، ومن ثم اشتركا في مشروعية التكبير.

وفي رواية أبي الوقت، والأصيلي وابن عساكر: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذه".
بتأنيث الضمير، وهي ظرف مستقر، حال من الضمير المجرور "بمن" وإذا كان العمل في أيام العشر أفضل من العمل في أيام غيره من السنة، لزم منه أن تكون أيام العشر أفضل من غيرها من أيام السنة، حتى يوم الجمعة منه أفضل منه في غيره، لجمعه الفضيلتين.

وخرج البزار وغيره، عن جابر مرفوعًا: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر".
وفي حديث عند ابن عمر المروي "ليس يوم أعظم عند الله من يوم الجمعة، ليس العشر".
وهو يدل على أن أيام العشر أفضل من يوم الجمعة الذي هو أفضل الأيام، وأيضًا فأيام العشر تشتمل على يوم عرفة وقد روي: أنه أفضل أيام الدنيا، والأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي تبعًا، وقد أقسم الله تعالى بها، فقال:

{وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1 - 2] وقد زعم بعضهم: أن ليالي عشر رمضان: أفضل من لياليه لاشتمالها على ليلة القدر.

قال الحافظ ابن رجب: وهذا بعيد جدًّا، ولو صح حديث أبي هريرة، المروي في الترمذي: "قيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر".
لكان صريحًا في تفضيل لياليه على ليالي عشر رمضان، فإن عشر رمضان فضل بليلة واحدة، وهذا جمع لياليه متساوية.

والتحقيق ما قاله بعض أعيان المتأخرين من العلماء: إن مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها.
انتهى.

واستدلّ به على فضل صيام عشر الحجة لاندراج الصوم في العمل، وعورض بتحريم صوم يوم العيد.

وأجيب: بحمله على الغالب، ولا ريب أن صيام رمضان أفضل من صوم العشر، لأن فعل الفرض أفضل من النفل من غير تردّد، وعلى هذا فكل ما فعل من فرض في العشر فهو أفضل من فرض فعل في غيره، وكذا النفل.

(قالوا): يا رسول الله (ولا الجهاد)؟ أفضل منه، وزاد أبو ذر: في سبيل الله (قال) عليه الصلاة والسلام.

(ولا الجهاد) في سبيل الله، ثم استثنى جهادًا واحدًا هو أفضل الجهاد فقال: (إلا رجل خرج) أي: إلا عمل رجل.
فهو مرفوع على البدل، والاستثناء متصل، وقيل: منقطع أي: لكن رجل خرج يخاطر بنفسه فهو أفضل من غيره أو مساوٍ له.

وتعقبه في المصابيح بأنه: إنما يستقيم على اللغة التميمية، وإلا فالمنقطع عند غيرهم واجب النصب.

ولأبي ذر، عن المستملي: إلا من خرج حال كونه (يخاطر) من المخاطرة، وهي ارتكاب ما فيه خطر (بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء) من ماله، وإن رجع هو أو لم يرجع هو ولا ماله، بأن ذهب ماله واستشهد.
كذا قرره ابن بطال.

وتعقبه الزين بن المنير بأن قوله فلم يرجع بشيء، يستلزم أنه يرجع بنفسه ولا بد.

وأجيب: بأن قوله: "فلم يرجع بشيء" نكرة في سياق النفي فتعمّ ما ذكره.

وعند أبي عوانة من طريق إبراهيم بن حميد عن شعبة: إلا من عقر جواده، وأهريق دمه وعنده، من رواية القاسم بن أيوب: إلا من لا يرجع بنفسه ولا ماله.


وفي هذا الحديث أن العمل المفضول في الوقت الفاضل يلتحق بالعمل الفاضل في غيره، ويزيد عليه لمضاعفة ثوابه وأجره.

ورواته كوفيون إلا شيخه فبصري، والثاني بسطامي، وفيه التحديث، والعنعنة، وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة: في الصيام، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ فَضْلِ العَمَلَ فِي أيَّامِ التَّشْرِيقِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل الْعَمَل فِي أَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ مصدر من شَرق اللَّحْم إِذا بَسطه فِي الشَّمْس ليجف، وَسميت بذلك أَيَّام التَّشْرِيق لِأَن لُحُوم الْأَضَاحِي كَانَت تشرق فِيهَا بمنى، وَقيل: سميت بِهِ لِأَن الْهَدْي والضحايا لَا تنحر حَتَّى تشرق الشَّمْس، أَي: تطلع.
وَكَانَ الْمُشْركُونَ يَقُولُونَ: أشرق ثبير كَيْمَا نغير، و: ثبير، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء: وَهُوَ جبل بمنى، أَي: أَدخل أَيهَا الْجَبَل فِي الشروق، وَهُوَ ضوء الشَّمْس، كَيْمَا نغير أَي: ندفع للنحر، وَذكر بَعضهم أَن أَيَّام التَّشْرِيق سميت بذلك، وَقيل: التَّشْرِيق صَلَاة الْعِيد لِأَنَّهَا تُؤدِّي عِنْد إشراق الشَّمْس وارتفاعها، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث: ( لَا جُمُعَة وَلَا تَشْرِيق إلاّ فِي مصر جَامع) .
أخرجه أَبُو عبيد بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَوْقُوفا، وَمَعْنَاهُ: لَا صَلَاة جُمُعَة وَلَا صَلَاة عيد.
وَفِي ( الْخُلَاصَة) : أَيَّام النَّحْر ثَلَاثَة، وَأَيَّام التَّشْرِيق ثَلَاثَة، ويمضي ذَلِك فِي أَرْبَعَة أَيَّام، فَإِن الْعَاشِر من ذِي الْحجَّة نحر خَاص، وَالثَّالِث عشر تَشْرِيق خَاص، وَمَا بَينهمَا اليومان للنحر والتشريق جَمِيعًا.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وَاذْكُرُوا الله فِي أيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أيامُ العَشْرِ والأيَّامُ المَعْدُودَاتُ أيَّامُ التَّشْرِيقِ
قَالَ ابْن عَبَّاس: واذْكُرُوا الله ... إِلَى آخِره، رِوَايَة كَرِيمَة وَابْن شبويه وَرِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي: { ويذكروا الله فِي أَيَّام معدودات} ( الْحَج: 28) .
وَرِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: { ويذكروا الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات} ( الْبَقَرَة: 203) .
الْحَاصِل من ذَلِك إِن ابْن عَبَّاس لَا يُرِيد بِهِ لفظ الْقُرْآن، إِذْ لَفظه هَكَذَا: { ويذكروا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات} ( الْحَج: 28) .
وَمرَاده أَن الْأَيَّام المعلومات هِيَ: الْعشْر الأول من ذِي الْحجَّة وَالْأَيَّام المعدودات الْمَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى: { واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات} ( الْحَج: 28) .
هِيَ الْأَيَّام الثَّلَاثَة هِيَ: الْحَادِي عشر من ذِي الْحجَّة الْمُسَمّى بِيَوْم النَّفر، وَالثَّانِي عشر وَالثَّالِث عشر المسميان بالنفر الأول والنفر الثَّانِي.

وَالتَّعْلِيق الْمَذْكُور وَصله عبد الله بن حميد فِي تَفْسِيره: حَدثنَا قبيصَة عَن سُفْيَان عَن ابْن جريج: ( عَن عَمْرو بن دِينَار: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: اذْكروا الله فِي أَيَّام معدودات: الله أكبر، واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات: الله أكبر الْأَيَّام المعدودات أَيَّام التَّشْرِيق وَالْأَيَّام المعلومات الْعشْر) .
وَاخْتلف السّلف فِي الْأَيَّام المعدودات والمعلومات، فالأيام المعلومات الْعشْر، والمعدودات أَيَّام التَّشْرِيق وَهِي ثَلَاثَة أَيَّام بعد يَوْم النَّحْر عِنْد أبي حنيفَة، رَوَاهُ عَنهُ الْكَرْخِي، وَهُوَ قَول الْحسن وَقَتَادَة، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عمر أَن المعلومات هِيَ: ثَلَاثَة أَيَّام النَّحْر، والمعدودات: أَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد: سميت معدودات لقلتهن ومعلومات لجزم النَّاس على علمهَا لأجل فعل الْمَنَاسِك فِي الْحَج،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: من الْأَيَّام المعلومات النَّحْر، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَعمر: يَوْم النَّحْر ويومان بعده، وَبِه قَالَ مَالك.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَإِلَيْهِ أذهب لقَوْله تَعَالَى: { لِيذكرُوا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام} ( الْحَج: 28) .
وَهِي أَيَّام النَّحْر، وَسميت معدودات لقَوْله تَعَالَى: { واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} ( الْبَقَرَة: 203) .
وَسميت أَيَّام التَّشْرِيق معدودات لِأَنَّهُ إِذا زيد عَلَيْهَا فِي الْبَقَاء كَانَ حصرا.
لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا يبْقين مُهَاجِرِي بِمَكَّة بعد قَضَاء نُسكه فَوق ثَلَاث) .

وكانَ ابنُ عُمَرَ وأبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إلَى السُّوقِ فِي أيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ ويُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا
كَذَا ذكره الْبَغَوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة مُعَلّقا..
     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : أخرجه الشَّافِعِي: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد أَخْبرنِي عبيد الله عَن نَافِع ( عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ يَغْدُو إِلَى الْمصلى يَوْم الْفطر إِذا طلعت الشَّمْس فيكبر حَتَّى يَأْتِي الْمصلى يَوْم الْعِيد، ثمَّ يكبر بالمصلى حَتَّى إِذا جلس الإِمَام ترك التَّكْبِير) .
زَاد فِي ( المُصَنّف) : ( وَيرْفَع صَوته حَتَّى يبلغ الإِمَام) .
قلت: الَّذِي رَوَاهُ الشَّافِعِي لَيْسَ بمطابق لما علقه البُخَارِيّ، فَكيف يَقُول صَاحب ( التَّوْضِيح) : أخرجه الشَّافِعِي؟ وَلِهَذَا قَالَ صَاحب ( التَّلْوِيح) الَّذِي هُوَ عمدته فِي شَرحه: قَالَ الشَّافِعِي: حَدثنَا إِبْرَاهِيم ... إِلَى آخِره، وَلم يقل: أخرجه وَلَا وَصله، وَنَحْو ذَلِك..
     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ عبد الله بن عمر عَن نَافِع عَن إِبْنِ عمر مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رفع الصَّوْت بالتهليل وَالتَّكْبِير حَتَّى يَأْتِي الْمصلى، وروى فِي ذَلِك عَن عَليّ وَغَيره من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأَعْتَرِض: على البُخَارِيّ فِي ذكر هَذَا الْأَثر فِي تَرْجَمَة الْعَمَل فِي أَيَّام التَّشْرِيق وَأجِيب: بِأَن البُخَارِيّ كثيرا يذكر التَّرْجَمَة ثمَّ يضيف إِلَيْهَا مَا لَهُ أدنى مُلَابسَة بهَا اسْتِطْرَادًا.

وكَبَّرَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ
مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، الْمَعْرُوف بالباقر، مر فِي: بابُُ من لم ير الْوضُوء إلاّ من المخرجين.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الدَّارَقُطْنِيّ فِي ( المؤتلف) من طَرِيق معن بن عِيسَى الْقَزاز: أخبرنَا أَبُو وهنة رُزَيْق الْمدنِي، قَالَ: رَأَيْت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ يكبر بمنى فِي أَيَّام التَّشْرِيق خلف النَّوَافِل، و: أَبُو وهنة، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْهَاء وبالنون.
ورزيق بِتَقْدِيم الرَّاء مُصَغرًا..
     وَقَالَ  السفاقسي: لم يُتَابع مُحَمَّدًا على هَذَا أحد، وَعَن بعض الشَّافِعِيَّة: يكبر عقيب النَّوَافِل والجنائز على الْأَصَح.
وَعَن مَالك قَولَانِ، وَالْمَشْهُور أَنه: مُخْتَصّ بالفرائض.
قَالَ ابْن بطال: وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَسَائِر الْفُقَهَاء لَا يرَوْنَ التَّكْبِير إلاّ خلف الْفَرِيضَة.
وَفِي ( الْأَشْرَاف) : التَّكْبِير فِي الْجَمَاعَة مَذْهَب ابْن مَسْعُود، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة، وَهُوَ الْمَشْهُور عَن أَحْمد،.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يكبر الْمُنْفَرد، وَالصَّحِيح مَذْهَب أبي حنيفَة: إِن التَّكْبِير وَاجِب.
وَفِي ( قاضيخان) : سنة، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد، وَاخْتلف الْمَشَايِخ على قَول أبي حنيفَة: هَل يشْتَرط على إِقَامَتهَا الْحُرِّيَّة أم لَا؟ وَالأَصَح أَنَّهَا لَيست بِشَرْط عِنْده، وَكَذَا السُّلْطَان لَيْسَ بِشَرْط عِنْده، وَلَيْسَ على جمَاعَة النِّسَاء إِذا لم يكن مَعَهُنَّ رجل، فَإِذا كَانَ يجب عَلَيْهِنَّ بطرِيق التّبعِيَّة.



[ قــ :940 ... غــ :969 ]
- حدَّثنا محَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَالَ مَا العَمَلُ فِي أيَّامِ العَشْرِ أفْضَلَ مِنَ العَمَلِ فِي هاذِهِ قالُوا وَلاَ الجِهَادُ قَالَ وَلاَ الجِهَادُ إلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ ومالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيءٍ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة إِن كَانَ المُرَاد من قَوْله: ( فِي هَذِه) أَيَّام التَّشْرِيق.
فَإِن قلت: المُرَاد مِنْهُ أَيَّام الْعشْر، بِدَلِيل أَن التِّرْمِذِيّ روى الحَدِيث الْمَذْكُور من حَدِيث الْأَعْمَش: عَن مُسلم عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: ( مَا من أيامٍ العملُ الصَّالح فيهم أحب إِلَى الله من هَذِه الْأَيَّام الْعشْر) الحَدِيث، فَحِينَئِذٍ لَا يكون الحَدِيث مطابقا للتَّرْجَمَة.
قلت: يحْتَمل أَن البُخَارِيّ زعم أَن قَوْله: ( فِي هَذِه) ، إِشَارَة إِلَى أَيَّام التَّشْرِيق وَفسّر الْعَمَل بِالتَّكْبِيرِ لكَونه أورد الْآثَار الْمَذْكُورَة الْمُتَعَلّقَة بِالتَّكْبِيرِ فَقَط.
فَإِن قلت: الْأَكْثَرُونَ من الروَاة على أَن قَوْله: ( فِي هَذِه) على الْإِبْهَام، إلاّ رِوَايَة كَرِيمَة عَن الْكشميهني: ( مَا الْعَمَل فِي أَيَّام الْعشْر أفضل من الْعَمَل فِي هَذِه) .
قلت: هَذَا مِمَّا يُقَوي مَا زَعمه البُخَارِيّ.
فَإِن قلت: رِوَايَة كَرِيمَة شَاذَّة مُخَالفَة لما رَوَاهُ أَبُو ذَر، وَهُوَ من الْحفاظ عَن الْكشميهني شيخ كَرِيمَة بِلَفْظ: ( مَا الْعَمَل فِي أَيَّام أفضلُ مِنْهَا فِي هَذَا الْعشْر) ، وَكَذَا أخرجه أَحْمد وَغَيره عَن غنْدر عَن شُعْبَة بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي ( مُسْنده) عَن شُعْبَة فَقَالَ: ( فِي أَيَّام أفضل مِنْهُ فِي عشر ذِي الْحجَّة) ، وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارمِيّ عَن سعيد بن الرّبيع عَن شُعْبَة، وروى أَبُو عوَانَة وَابْن حبَان فِي ( صَحِيحَيْهِمَا) من حَدِيث جَابر: ( مَا من أيامٍ أفضل عِنْد الله من أَيَّام عشر ذِي الْحجَّة) ، فَظهر من هَذَا كُله أَن المُرَاد بِالْأَيَّامِ فِي حَدِيث الْبابُُ أَيَّام عشر ذِي الْحجَّة، فعلى هَذَا لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة.
قلت: الشَّيْء يشرف بمجاورته للشَّيْء الشريف، وَأَيَّام التَّشْرِيق تقع تلو أَيَّام الْعشْر، وَقد ثَبت بِهَذَا الحَدِيث أَفضَلِيَّة أَيَّام الْعشْر، وَثَبت أَيْضا بذلك أَفضَلِيَّة أَيَّام التَّشْرِيق، وَأَيْضًا قد ذكرنَا أَن من جملَة صَنِيع البُخَارِيّ فِي جَامعه أَنه يضيف إِلَى تَرْجَمَة شَيْئا من غَيرهَا لأدنى مُلَابسَة بهَا.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن عرْعرة، بِفَتْح الْعَينَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وتكرير الرَّاء، وَقد تقدم.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث: سُلَيْمَان الْأَعْمَش.
الرَّابِع: مُسلم، بِلَفْظ الْفَاعِل من الْإِسْلَام، وَهُوَ مُسلم بن أبي عمرَان الْكُوفِي، والبطين، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون: وَهُوَ صفة لمُسلم، لقب بذلك لعظم بَطْنه.
الْخَامِس: سعيد بن جُبَير، وَقد تكَرر ذكره.
السَّادِس: عبد الله بن عَبَّاس.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَالثَّانِي من الروَاة بسطامي والبقية كوفيون.
وَفِيه: أَن الْأَعْمَش يروي عَن البطين بالعنعنة، وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ عَن الْأَعْمَش سَمِعت مُسلما، وَأخرجه أَبُو دَاوُد من رِوَايَة وَكِيع عَن الْأَعْمَش، فَقَالَ: عَن مُسلم وَمُجاهد وَأبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس أما طَرِيق مُجَاهِد فقد رَوَاهُ أَبُو عوَانَة من طَرِيق مُوسَى بن أبي عَائِشَة عَن مُجَاهِد، فَقَالَ: عَن ابْن عمر بدل عَن ابْن عَبَّاس.
وَأما طَرِيق أبي صَالح فقد رَوَاهَا أَبُو عوَانَة أَيْضا من طَرِيق مُوسَى بن أعين عَن الْأَعْمَش فَقَالَ: عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، وَالْمَحْفُوظ فِي هَذَا حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَفِيه اخْتِلَاف آخر عَن الْأَعْمَش، رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ عَن الْأَعْمَش، فَقَالَ: عَن أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود أخرجه الطَّبَرَانِيّ.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصّيام عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن الْأَعْمَش.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن هناد،.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح غَرِيب.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن أبي مُعَاوِيَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( مَا الْعَمَل) ، قَالَ ابْن بطال: الْعَمَل فِي أَيَّام التَّشْرِيق هُوَ التَّكْبِير الْمسنون، وَهُوَ أفضل من صَلَاة النَّافِلَة، لِأَنَّهُ لَو كَانَ هَذَا الْكَلَام حضا على الصَّلَاة وَالصِّيَام فِي هَذِه الْأَيَّام لعارضه مَا قَالَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب) .
وَقد نهى عَن صِيَام هَذِه الْأَيَّام، وَهَذَا يدل على تَفْرِيغ هَذِه الْأَيَّام للْأَكْل وَالشرب، فَلم يبْق تعَارض إِذا عَنى بِالْعَمَلِ التَّكْبِير، ورد عَلَيْهِ بِأَن الَّذِي يفهم من الْعَمَل عِنْد الْإِطْلَاق: الْعِبَادَة، وَهِي لَا تنَافِي اسْتِيفَاء حَظّ النَّفس من الْأكل وَسَائِر مَا ذكر، فَإِن ذَلِك لَا يسْتَغْرق الْيَوْم وَاللَّيْلَة..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْعَمَل فِي أَيَّام التَّشْرِيق لَا ينْحَصر فِي التَّكْبِير، بل الْمُتَبَادر مِنْهُ إِلَى الذِّهْن أَنه هُوَ الْمَنَاسِك من: الرَّمْي وَغَيره، الَّذِي يجْتَمع بِالْأَكْلِ وَالشرب، مَعَ أَنه لَو حمل على التَّكْبِير لم يبْق لقَوْله بعده: بابُُ التَّكْبِير أَيَّام منى، معنى، وَيكون تَكْرَارا مَحْضا.
ورد عَلَيْهِ بَعضهم: بِأَن التَّرْجَمَة الأولى لفضل التَّكْبِير، وَالثَّانيَِة لمشروعيته أَو صفته.
أَو أَرَادَ تَفْسِير الْعَمَل الْمُجْمل فِي الأولى بِالتَّكْبِيرِ الْمُصَرّح بِهِ فِي الثَّانِيَة، فَلَا تكْرَار.
قلت: الَّذِي يدل على فضل التَّكْبِير يدل على مشروعيته أَيْضا بِالضَّرُورَةِ، والمجمل والمفسر فِي نفس الْأَمر شَيْء وَاحِد.
قَوْله: ( مِنْهَا) أَي: فِي هَذِه الْأَيَّام أَي: فِي أَيَّام التَّشْرِيق على تَأْوِيل من أَوله بِهَذَا، وَلَكِن الَّذِي يدل عَلَيْهِ رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: أَنَّهَا أَيَّام الْعشْر، كَمَا ذَكرْنَاهُ مُبينًا عَن قريب.
قَوْله: ( وَلَا الْجِهَاد) أَي: وَلَا الْجِهَاد أفضل مِنْهَا.
وَفِي رِوَايَة سَلمَة بن كهيل: ( فَقَالَ رجل: وَلَا الْجِهَاد) ، وَفِي رِوَايَة غنْدر عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، قَالَ: ( وَلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله، مرَّتَيْنِ) .
قَوْله: ( إلاّ رجلٌ) فِيهِ حذف أَي: إلاّ جهادُ رجلٍ.
قَوْله: ( يخاطر بِنَفسِهِ) ، جملَة حَالية أَي: يكافح الْعَدو بِنَفسِهِ وسلاحه وجواده فَيسلم من الْقَتْل أَو لَا يسلم، فَهَذِهِ المخاطرة وَهَذَا الْعَمَل أفضل من هَذِه الْأَيَّام وَغَيرهَا، مَعَ أَن هَذَا الْعَمَل لَا يمْنَع صَاحبه من إتْيَان التَّكْبِير والإعلان بِهِ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: ( وَلَا الْجِهَاد إلاّ من خرج يخاطر) .
قَوْله: ( فَلم يرجع بِشَيْء) أَي: من مَاله وَيرجع هُوَ وَيحْتَمل أَن لَا يرجع هُوَ وَلَا مَاله فيرزقه الله الشَّهَادَة، وَقد وعد الله عَلَيْهَا الْجنَّة.
قيل: قَوْله: ( فَلم يرجع بِشَيْء) يسْتَلْزم أَنه يرجع بِنَفسِهِ، وَلَا بُد ورد بِأَن.
قَوْله: ( بِشَيْء) نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي، فتعم مَا ذكر..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ( بِشَيْء) أَي: لَا بِنَفسِهِ وَلَا بِمَالِه كليهمَا، أَو لَا بِمَالِه إِذْ صدق هَذِه السالبة يحْتَمل أَن يكون بِعَدَمِ الرُّجُوع، وَأَن يكون بِعَدَمِ المرجوع بِهِ.
وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن حميد عَن شُعْبَة بِلَفْظ: ( إِلَّا من عقر جَوَاده وَأُهْرِيقَ دَمه) ، وَله فِي رِوَايَة الْقَاسِم بن أبي أَيُّوب: ( إِلَّا من لَا يرجع بِنَفسِهِ وَلَا مَاله) .
وَفِي طَرِيق سَلمَة بن كهيل، فَقَالَ: ( لَا إلاّ أَن لَا يرجع) وَفِي حَدِيث جَابر: ( إلاّ من عفر وَجهه فِي التُّرَاب) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: تَعْظِيم قدر الْجِهَاد وتفاوت درجاته، وَأَن الْغَايَة القصوى فِيهِ بذل النَّفس لله تَعَالَى.
وَفِيه: تَفْضِيل بعض الْأَزْمِنَة على بعض، كالأمكنة، وَفضل أَيَّام عشر ذِي الْحجَّة على غَيرهَا من أَيَّام السّنة، وَتظهر فَائِدَة ذَلِك فِيمَن نذر الصّيام أَو علق عملا من الْأَعْمَال بِأَفْضَل الْأَيَّام، فَلَو أفرد يَوْمًا مِنْهَا تعين يَوْم عَرَفَة لِأَنَّهُ على الصَّحِيح أفضل أَيَّام الْعشْر الْمَذْكُور، فَإِن أَرَادَ أفضل أَيَّام الْأُسْبُوع تعين يَوْم الْجُمُعَة جمعا بَين حَدِيث الْبابُُ وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: ( خير يَوْم طلعت فِيهِ الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة) .
رَوَاهُ مُسلم..
     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: لم يرد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن هَذِه الْأَيَّام خير من يَوْم الْجُمُعَة، لِأَنَّهُ قد يكون فِيهَا يَوْم الْجُمُعَة فَيلْزم تَفْضِيل الشَّيْء على نَفسه، ورد بِأَن المُرَاد أَن كل يَوْم من أَيَّام الْعشْر أفضل من غَيره من أَيَّام السّنة، سَوَاء كَانَ يَوْم الْجُمُعَة أم لَا، وَيَوْم الْجُمُعَة فِيهِ أفضل من يَوْم الْجُمُعَة فِي غَيره.
لِاجْتِمَاع الفضيلتين فِيهِ، وَالله أعلم.