هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
960 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى وَعَنْ نَافِعٍ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ : كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
960 حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : أخبرنا مالك ، عن نافع ، وعبد الله بن دينار ، عن ابن عمر : أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل ، فقال رسول الله عليه السلام : صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى وعن نافع : أن عبد الله بن عمر : كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى وَعَنْ نَافِعٍ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ : كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ .

Narrated Ibn Umar:

Once a person asked Allah's Messenger (ﷺ) about the night prayer. Allah's Apostle replied, The night prayer is offered as two Rakat followed by two Rakat and so on and if anyone is afraid of the approaching dawn (Fajr prayer) he should pray one Raka and this will be a Witr for all the Rakat which he has prayed before.

Ibn 'Umar: Interrogé par un homme sur la prière de nuit, le Messager d'Allah (r ) répondit: La prière de nuit se fait par paire de deux rak'a, et lorsque l'un de vous craint l'arrivée de l'heure de la prière du subh, il fera alors une seule rak'a qui lui rendrait impair le nombre des rak'a qu'il aura faites.

":"ہم سے عبداللہ بن یوسف نے بیان کیا ، انہوں نے کہا کہ ہمیں امام مالک رحمہ اللہ نے نافع اور عبداللہ ابن دینار سے خبر دی اور انہیں حضرت عبداللہ بن عمر رضی اللہ عنہما نے کہایک شخص نے نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم سے رات میں نماز کے متعلق معلوم کیا تو آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ رات کی نماز دو دو رکعت ہے پھر جب کوئی صبح ہو جانے سے ڈرے تو ایک رکعت پڑھ لے ، وہ اس کی ساری نماز کو طاق بنا دے گی ۔

Ibn 'Umar: Interrogé par un homme sur la prière de nuit, le Messager d'Allah (r ) répondit: La prière de nuit se fait par paire de deux rak'a, et lorsque l'un de vous craint l'arrivée de l'heure de la prière du subh, il fera alors une seule rak'a qui lui rendrait impair le nombre des rak'a qu'il aura faites.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [990] .

     قَوْلُهُ  أَنَّ رَجُلًا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَوَقَعَ فِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ لِلطَبَرَانِيِّ أَنَّ السَّائِلَ هُوَ بن عُمَرَ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بن شَقِيق عَن بن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّائِلِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ وَأَنَا بِذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْهُ قَالَ فَمَا أَدْرِي أهوَ ذَلِك الرجل أوغيره وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ السَّائِلَ الْمَذْكُورَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْوِتْرِ وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِي مُجَلَّدِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ بِتَعَدُّدِ مَنْ سَأَلَ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْحِلَقِ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ وَقَعَ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فِي بَابِ الْحِلَقِ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فِي أَبْوَابِ التَّطَوُّعِ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنَ الْجَوَابِ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ عَدَدِهَا أَوْ عَنِ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَن بن عُمَرَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيفَتَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ مِنَ اللَّيْلِ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ بن بَزِيزَةَ جَوَابُهُ بِقَوْلِهِ مَثْنَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فُهِمَ مِنَ السَّائِلِ طَلَبُ كَيْفِيَّةِ الْعَدَدِ لَا مُطْلَقُ الْكَيْفِيَّةِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَأَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْحَدِيثُ مِنَ الْحَدِيثِ وَاسْتُدِلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا وَهُوَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِسْحَاقَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الرَّاجِحِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْأَخْذِ بِهِ فَلَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي أَرْبَعٍ وَبِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقُيِّدَ الْجَوَابُ بِذَلِكَ مُطَابَقَةً لِلسُّؤَالِ وَبِأَنَّهُ قَدْ تبين من رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ حُكْمُ الْمَنْطُوق بِهِ فَفِي السّنَن وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقٍ عَلَى الْأَزْدِيِّ عَنِ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا الْأَخِيرُ بِأَنَّ أَكْثَرَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَعَلُّوا هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  وَالنَّهَارِ بِأَن الْحفاظ من أَصْحَاب بن عُمَرَ لَمْ يَذْكُرُوهَا عَنْهُ وَحَكَمَ النَّسَائِيُّ عَلَى رَاوِيهَا بِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهَا.

     وَقَالَ  يَحْيَى بْنُ معِين من عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ حَتَّى أَقْبَلَ مِنْهُ وَادَّعَى يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن نَافِع أَن بن عُمَرَ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ وَلَوْ كَانَ حَدِيثُ الْأَزْدِيِّ صَحِيحًا لَمَا خَالفه بن عُمَرَ يَعْنِي مَعَ شِدَّةِ اتِّبَاعِهِ رَوَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي سُؤَالَاتِهِ لَكِنْ رَوَى بن وهب بِإِسْنَاد قوي عَن بن عُمَرَ قَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى مَوْقُوف أخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ فَلَعَلَّ الْأَزْدِيَّ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ الْمَوْقُوفُ بِالْمَرْفُوعِ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةً عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِي الصَّحِيحِ أَن لَا يكون شاذا وَقد روى بن أبي شيبَة من وَجه آخر عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَهَذَا مُوَافق لما نَقله بن معِين .

     قَوْلُهُ  مَثْنَى مَثْنَى أَيِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِتَكْرَارِ الْعَدْلِ فِيهِ قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ لِلْعَدْلِ وَالْوَصْفِ.

.
وَأَمَّا إِعَادَةُ مثنى فللمبالغة فِي التَّأْكِيد وَقد فسره بن عمر رَاوِي الحَدِيث فَعِنْدَ مُسلم من طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ.

.

قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ مَا مَعْنَى مَثْنَى مَثْنَى قَالَ تُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى مَثْنَى أَنْ يَتَشَهَّدَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ بِهِ وَمَا فَسَّرَهُ بِهِ هُوَ الْمُتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا إِنَّهَا مَثْنَى وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى تَعَيُّنِ الْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْل قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ لِحَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ لِمَا صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِهِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَيْضًا كَوْنُهُ لِذَلِكَ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِرْشَادِ إِلَى الْأَخَفِّ إِذِ السَّلَامُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَخَفُّ عَلَى الْمُصَلِّي مِنَ الْأَرْبَعِ فَمَا فَوْقَهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الرَّاحَةِ غَالِبًا وَقَضَاءُ مَا يُعْرَضُ مِنْ أَمْرٍ مُهِمٍّ وَلَوْ كَانَ الْوَصْلُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَقَطْ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنِ ادَّعَى اخْتِصَاصَهُ بِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَصْلُ كَمَا صَحَّ عَنْهُ الْوَصْلُ فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقَيِ الْأَوْزَاعِيّ وبن أَبِي ذِئْبٍ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنَ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَإِسْنَادُهُمَا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ النُّقْصَانِ عَنْ رَكْعَتَيْنِ فِي النَّافِلَةِ مَا عَدَا الْوِتْرَ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ أَقْوَى مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِامْتِنَاعِ قَصْرِ الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ إِلَى رَكْعَةٍ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى مَنْعِ التَّنَفُّلِ بِرَكْعَةٍ بِذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لِلْجَوَازِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ وَمَنْ شَاءَ اسْتَقل صَححهُ بن حِبَّانَ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ.

     وَقَالَ  الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِنْ صَلَّى بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَلَا بَأْسَ.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ نَحْوَهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ قَالَ وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَوْتَرُوا بِوَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ نَفْلٍ قَبْلَهَا فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عُثْمَانَ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَيْلَةً فِي رَكْعَةٍ لَمْ يُصَلِّ غَيْرَهَا وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَنَّ سَعْدًا أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ وَسَيَأْتِي فِي الْمَنَاقِبِ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِرَكْعَة وَأَن بن عَبَّاسٍ اسْتَصْوَبَهُ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى بن التِّينِ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْفُقَهَاءَ لَمْ يَأْخُذُوا بِعَمَلِ مُعَاوِيَةَ فِي ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ فُقَهَاءَهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَعَنْ نَافِعٍ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَقْرُونًا فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ بَلْ بَيْنَ الْمَرْفُوعِ وَالْمَوْقُوفِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ وَلِهَذَا فَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْوِتْرَ مَوْصُولًا فَإِنْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَصَلَ ثُمَّ بَنَى عَلَى مَا مَضَى وَفِي هَذَا دَفْعٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يَصِحُّ الْوِتْرُ إِلَّا مَفْصُولًا وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ صَلَّى بن عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ يَا غُلَامُ أَرْحِلْ لَنَا ثُمَّ قَامَ فَأَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ شَفْعِهِ وَوِتْرِهِ بِتَسْلِيمَةٍ وَأَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ وَلَمْ يَعْتَذِرِ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ إِلَّا بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِتَسْلِيمَةٍ أَيِ التَّسْلِيمَةِ الَّتِي فِي التَّشَهُّدِ وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا التَّأْوِيلِ وَالله أعلم وَأما حَدِيث بن عَبَّاسٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فِي الْعِلْمِ وَالطَّهَارَةِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْإِمَامَةِ وَأَحَلْتُ بِشَرْحِهِ عَلَى مَا هُنَا وَقد رَوَاهُ عَن بن عَبَّاسٍ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ كُرَيْبٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالشَّعْبِيُّ وَطَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ وَيَحْيَى بْنُ الْجَزَّارِ وَأَبُو جَمْرَةَ وَغَيْرُهُمْ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا وَسَأَذْكُرُ مَا فِي طُرُقِهِ مِنَ الْفَوَائِدِ نَاسِبًا كُلَّ رِوَايَةٍ إِلَى مُخْرِجِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [990] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى".
وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا) ولأبي ذر في نسخة: حدّثنا ( مالك) الإمام ( عن نافع) مولى ابن عمر ( وعبد الله بن دينار) كلاهما ( عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، ( أن رجلاً سأل) قيل: هو ابن عمر كما هو في المعجم الصغير.
وعورض برواية عبد الله بن شقيق، عن ابن عمر، عند مسلم: أن رجلاً سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنا بينه وبين السائل.
وقيل: هو من أهل البادية، ولا تنافي لاحتمال تعدد من سأل ( رسول الله) ولأبي ذر، والأصيلي: سأل النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) عدد ( صلاة الليل) أو: عن الفصل والوصل ( فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) .
( صلاة الليل مثنى مثنى) غير مصروف للعدل، والوصف والتكرير للتأكيد لأنه في معنى: اثنين، اثنين: أربع مرات.
والمعنى: يسلم من كل ركعتين، كما فسره به ابن عمر في حديثه عند مسلم.
واستدلّ بمفهومه للحنفية على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعًا.
وعورض بأنه مفهوم لقب، وليس حجة على الراجح، ولئن سلمناه لا نسلم الحصر في الأربع.
على أنه قد تبين من رواية أخرى أن حكم المسكوت عنه حكم المنطوق به، ففي السنن وصححه ابن خزيمة، وغيره من طريق علي الأزدي، عن ابن عمر، مرفوعًا: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى".
لكن أكثر أئمة الحديث أعلوا هذه الزيادة، وهي قوله: والنهار، بأن الحفاظ من أصحاب ابن عمر لم يذكروها عنه، وحكم النسائي على راويها بأنه: أخطأ فيها.
( فإذا خشي أحدكم الصبح) أي: فوات صلاة الصبح ( صلّى ركعة واحدة توتر له) تلك الركعة الواحدة ( ما قد صلّى) .
فيه أن أقل الوتر ركعة، وأنها تكون مفصولة بالتسليم مما قبلها، وبه قال الأئمة الثلاثة خلافًا للحنفية حيث قالوا: يوتر بثلاث كالمغرب، لحديث عائشة: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يوتر بها.
كذلك رواه الحاكم وصححه.
نعم، قال الشافعية: لو أوتر بثلاث موصولة فأكثر وتشهد في الأخيرتين، أو فيالأخيرة جاز للاتباع، رواه مسلم: لا أن تشهد في غيرهما فقط، أو معهما، أو مع أحدهما، لأنه خلاف المنقول بخلاف النفل المطلق، لأنه لا حصر لركعاته وتشهداته.
لكن الفصل، ولو بواحدة، أفضل من الوصل، لأنه أكثر أخبارًا وعملاً، ثم الوصل بتشهد أفضل منه بتشهدين، فرقًا بينه وبين المغرب.
وروى الدارقطني بإسناد رواته ثقات حديث: "لا توتروا بثلاث، ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب".
وثلاثة موصولة أفضل من ركعة لزيادة العبادة، بل قال القاضي أبو الطيب: إن الإيتار بركعة مكروه.
اهـ.
واستدلّ به المالكية على تعيين الشفع قبل الوتر، لأن المقصود من الوتر أن تكون الصلاة كلها وترًا لقوله عليه الصلاة والسلام صلّى ركعة توتر له ما قد صلّى.
وأجيب: بأن سبق الشفع شرط في الكمال لا في الصحة، لحديث أبي داود والنسائي، وصححه ابن حبان، عن أبي أيوب مرفوعًا: الوتر حق، فمن شاء أوتر بخمس، ومن شاء بثلاث، ومن شاء بواحدة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [990] حدثنا عبد الله بن يوسف: انا مالك، عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر، أن رجلاً سأل النبي ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صلاة الليل، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح، صلى ركعه واحدة، توتر له ما قد صلى) ) .
991 - وعن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر، حتى يأمر ببعض حاجته.
وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( صلاة الليل مثنى مثنى) ) –يعني: ركعتين ركعتين.
والمراد: انه يسلم في كل ركعتين، وبذلك فسره ابن عمر.
أخرجه مسلم في ( ( صحيحه) ) .
ويدل بمفهومه على أن صلاة النهار ليست كذلك، وأنه يجوز أن تصلى أربعا.
وقد كان ابن عمر –وهو راوي الحديث – يصلي بالنهار أربعا، فدل على أنه عمل بمفهوم ما روى.
فروى يحيى الأنصاري وعبيد الله بن عمر، عن نافع، أن ابن عمر كان يتطوع بالنهار ( ( بأربعٍ) ) ، لا يفصل بينهن.
وبهذا رد يحيى بن معين وغيره الحديث المروي، عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) ) .
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، من رواية شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن علي الازدي، عن ابن عمر.
وقد أعله الترمذي، بأن شعبة اختلف عليه في رفعه ووقفه.
وذكر الإمام أحمد: أن شعبة كان يتهيبه.
وأعله ابن معين وغيره، بأن أصحاب ابن عمر الحفاظ رووا كلهم، عنه، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( صلاة الليل مثنى مثنى) ) ، من غير ذكر النهار، أكثر من خمسة عشر نفسا، فلا يقبل تفرد علي الازدي بما يخالفهم.
وأعله الإمام أحمد وغيره بأنه روي عن ابن عمر، أنه كان يصلي بالنهار أربعاً، فلو كان عنده نص عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يخالفه.
وتوقف أحمد –في رواية، عنه – في حديث الأزدي.
وقال - مرة -: إسناده جيد، ونحن لا نتقيه.
وقد روي، عن ابن عمر موقوفاً عليه - أيضاً - ( ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) ) .
وروي عنه - مرفوعاً - من وجه آخر.
وقيل: إنه ليس بمحفوظ.
قاله الدارقطني وغيره.
وذكر مالك، أنه بلغه، أن ابن عمر كان يقول: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، يسلم من كل ركعتين.
قلت: من يقول: لا مفهوم لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( صلاة والليل مثنى مثنى) ) يقول: إن ذكر الليل إنما كان جوابا لسؤال سائل، سأل عن صلاة الليل، ومثل هذا يدفع أن يكون له مفهوم معتبر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد بوب البخاري في ( ( أبواب صلاة التطوع) ) على أن ( ( صلاة النهار مثنى مثنى) ) ، ويأتي الكلام فيه في موضعه – إن شاء الله تعالى.
والكلام هنا في صلاة الليل.
وهذا الحديث: يدل على أن التطوع بالليل كله مثنى مثنى، سوى ركعة الوتر، فإنها واحدة.
وقد عارض هذا حديث عائشة الذي خرجه مسلم، خرجه من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي من الليلثلاث عشرة ركعة، يوتر في ذلك بخمس، لا يجلس في شيء منهن، إلا في آخرهن.
وقد تكلم في حديث هشام هذا غير واحد.
قال ابن عبر البر: قد أنكر مالك.
وقال: مذ صار هشام إلى العراق أتانا عنه ما لم يعرف منه.
وقد أعله الأثرم، بأن يقال في حديثه: ( ( كان يوتر بواحدة) ) ، كذا رواه مالك وغيره عن الزهري.
ورواه عمرو بن الحارث ويونس، عن الزهري، وفي حديثهما: ( ( يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة) ) .
وقد خرجه مسلم من طريقهما – أيضا.
وكذا رواه ابن أبي ذئب والأوزاعي، عن الزهري.
خرج حديثهما أبو داود 0 قال الأثرم: وقد روى هذا الحديث عن عائشة غير واحد، لم يذكروا في حديثهم ما ذكره هشام عن أبيه، من سرد الخمس.
ورواه القاسم، عن عائشة، في حديثه: ( ( يوتر بواحدة) ) .
ولم يوافق هشاماً على قوله إلا ابن إسحاق، فرواه عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة – بنحو روايةهشام.
وخرجه أبو داود من طريقه كذلك.
ورواه - أيضا - سعد بن هشام، عن عائشة، واختلف عليه فيه: فخرجه مسلم من رواية قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، أنه سال عائشة عن وتر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: كان يصلي تسع ركعات، لا يجلس إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثُمَّ ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي ركعة، ثم يقعد، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة، فلما أسن نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخذه اللحم أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسع يا بني.
وفي رواية له: أن قتادة اخبره سعد بن هشام بهذا، وكان جاراً له.
وقد خرّجه أبو داود بلفظ آخر، وهو: أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي ثمان ركعات، لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيجلس فيذكر الله، ثم يدعو، ثم يسلم تسليماً، ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم، ثم يصلي ركعة، فتلك إحدى عشرة ركعة.
وفي هذه الرواية: أنه كان يصلي الركعتين جالساً قبل الوتر، ثم يوتر بعدها بواحدة.
وهذا يخالف ما في رواية مسلم.
ورواه سعد بن هشام، عن عائشة، واختلف عليه في لفظه:فروي عنه: الوتر بتسعٍ، وروى عنه: بواحدة.
ورواه أبان عن قتادة بهذا الإسناد، ولفظه: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوتر بثلاث، ولا يقعد إلا في آخرهن.
قال الإمام أحمد: فهذه الرواية خطأ.
يشير إلى إنها مختصرة من رواية قتادة المبسوطة.
وقد روي في هذا المعنى من حديث ابن عباس وأم سلمة.
وقد تكلم الأثرم في إسنادهما.
وطعن البخاري في حديث أم سلمة بانقطاعه، وذكر أن حديث ابن عمر في الوتر بركعة أصح من ذلك.
وكذلك الروايات الصحيحة عن ابن عباس في وصفه صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة بات عند خالته ميمونة، يدل عليه: أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كل ركعتين وأوتر بواحدة.
فلهذا رجحت طائفة حديث ابن عمر وابن عباس، وقالوا: لا يصلي بالليل إلا مثنى مثنى، ويوتر بواحدة.
وهذه طريقة البخاري والأثرم.
وقال ابن عبد البر: هو قول أهل الحجاز، وبعض أهل العراق 0 ثم حكى عن مالك والشافعي وابن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد، أن صلاة الليل مثنى مثنى.
قال: وقال أبو حنيفة في صلاة الليل: إن شئت ركعتين، وإن شئت أربعا، وإن شئت ستاً وثمانياً، ولا تسلم إلا في آخرهن.
وقال الثوري والحسن بن حي: صلاة الليل ما شئت، بعد أن تقعد في كل ركعتين وتسلم في آخرهن.
وحكى الترمذي في ( ( كتابه) ) أن العمل عند أهل العلم على أن صلاة الليل مثنى مثنى.
قال: وهو قول سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.
وحكاه ابن المنذر وغيره عن ابن عمر وعمار، وعن الحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وسعيد بن جبيرٍ وحماد ومالك والأوزاعي.
وحكي عن عطاء، أنه قال: في صلاة الليل والنهار: يجزئك التشهد.
وهذا يشبه ما حكاه ابن عبد البر، عن الثوري والحسن بن حي.
وهو مبني على أن السلام ليس من الصلاة، وأنه يخرج منها بدونه، كما سبق ذكره.
وقد روي عن النخعي نحوه.
ومذهب سفيان الذي حكاه أصحابه أنه لا بأس أن يصلي بالليل والنهار أربعا أو ستا أو أكثر من ذلك، لا يفصل بينهنً إلا في آخرهن.
قال: وإذا صلى بالليل مثنى، فهو أحب إليّ.
وحمل هؤلاء كلهم قول عائشة: ( ( كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي أربعا، ثم أربعا) ) على أنه كان لا يسلم بينها، وسيأتي حديثها بذلك –إن شاء الله سبحانه وتعالى.
وحمله الآخرون على أنه كان يفصل بينها بسلام.
وهذاكله في التطوع المطلق في الليل، فأما الوتر فاختلفوا فيه على أقوال: أحدها: أنه ركعة واحدة، مفصولة مما قبلها، على مقتضى حديث ابن عمر، وبعض ألفاظ حديث عائشة.
قال ابن المنذر: [روينا عن ابن عمر، أنه] يقول: الوتر ركعة.
ويقول: كان ذلك وتر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر.
قالَ: وممن روينا عنه: الوتر ركعة: عثمان وسعد وزيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية وأبو موسى وابن الزبير وعائشة، وفعله معاذ القاري، ومعه رجال من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا ينكر ذلك منهم أحد.
وبه قال ابن المسيب وعطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق [أبو ثور، غير أن مالكاً والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق] رأوا أن يصلي ركعتين، ثم يسلم، ثم يوتر بركعة.
انتهى.
وذكر الزهري وغيره: أن عمل المدينة كان على ذلك إلى زمن الخير.
وممن قال الوتر: ركعة –أيضاً -: فقهاء أهل الحديث، سليمان بن داود الهاشمي أبو خيثمة وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهم.
والأفضلعندهم: أن يصلي ركعة يوتر بها بعد ركعتين.
أما إن اقتصر على ركعة يوتر بها، ففي كراهته قولان: أحدهما: أنه يكره.
وهو قول أحمد –في أكثر الروايات، عنه.
ويستثني من ذلك من يستيقظ قرب الفجر، ويخاف أن يطلع عليه الفجر، فيوتر بواحدة.
وهو قول إسحاق، قال: إلا من عذر مرض أو سفر.
وكذا قال أبو بكر من أصحابنا.
قال أحمد: إنما جاء الوتر بركعة بعد تطوع مثنى.
وقال سفيان: إن خشي الفجر فأوتر بواحدة أجزأه، والثلاث أحب إلينا.
ومذهب مالك: لابد أن يكون قبل ركعة الوتر شفع يسلم بينهما في الحضر والسفر.
وقال مجاهد: ما أحب إن يكون وتري إلا على صلاة.
وروى ابن عبد البر، بإسناد فيه نظر، عن عثمان بن محمد بن ربيعة، عن الدراوردي، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه نهى عن البتيراء، أن يصلي الرجل ركعة واحدة، يوتر بها.
وعثمان هذا، قال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم.
وقبله فيالإسناد من لا يعرف.
وقد روي هذا –مرسلاً.
خرجه سعيد بن منصور، من حديث محمد بن كعب القرظي –مرسلاً.
والقول الثاني: لا يكره.
وروي عن سعد بن أبي وقاص، وأبي موسى، ومعاوية أنهم فعلوه.
وعن ابن عباس، أنه صوب فعل معاوية.
وقال أحمد –في رواية الشالنجي -: لا بأس به.
وهو قول الشافعي.
واختلف أصحابه: هل الركعة المفردة أفضل من ثلاث موصولة؟ على وجهين لهم.
ومنهم من قالَ: المنفردة افضل من إحدى عشرة موصولة.
وقال الأوزاعي: حدثني المطلب بن عبد الله المخزومي، قال: أتى ابن عمر رجل، فقال: كيف أوتر؟ قالَ: أوتر بواحدة.
قالَ: إني أخشى أن يقول الناس: إنها البتيراء.
قالَ: سنة الله ورسوله – يريد: هذه سنة الله ورسوله.
المطلب، لم يسمع من ابن عمر.
وروى ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي منصور مولى سعد ابن أبي وقاص، قال: سألت ابن عمر عن الوتر، فقال: وتر الليل واحدة، بذلك أمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قلت: يا أبا عبد الرحمن، إن الناس يقولون: البتيراء؟ قالَ: يا بني، ليس تلك البتيراء، إنما البتيراء إن يصلي الرجل الركعة التامة في ركوعها وسجودها وقيامها، ثُمَّ يقوم في الأخرى ولا يتم لها ركوعاً ولا سجوداً ولا قياماً، فتلك البتيراء.
خرجهما البيهقي.
وأجاز أحمد وأصحابه وإسحاق: أن يوتر بثلاث موصولة، وأن يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن، وبتسع لا يجلس إلا في الثامنة، ولا يسلم ثم يقوم فيصلي ركعة، ثم يسلم؛ لما جاء في حديث عائشة المتقدم.
وجعلوا هذه النصوص خاصة، تخص عموم حديث صلاة الليل مثنى مثنى، وقالوا - في التسع والسبع والخمس -: الأفضل أن تكون بسلام واحد؛ لذلك.
فأما الوتر بسبع، فنص أحمد على أنه لا يجلس إلا في آخرهن.
ومن أصحابنا من قالَ: يجلس عقيب السادسة بتشهد، ولا يسلم.
وقد اختلف ألفاظ حديث عائشة في ذلك.
فأما الوتر بإحدى عشرة، فيكون بست تسليمات، وإن صلاه بتسليمةواحدة، وتشهد عقب العاشرة، ولم يسلم جاز -: قاله بعض [....] .
ومنهم من حكى في الجميع وجهين: أحدهما: أن الأفضل أن يسلم من كل ركعتين، وصححه غير واحد من أصحابنا.
والثاني: الأفضل سرد الجميع بسلام واحد، ولا يجلس إلا في آخر الاشفاع، فيتشهد، ثم يصلي ركعة ويسلم.
ومذهب إسحاق: أن أوتر بإحدى عشرة ركعة في كل ركعتين.
و [يجوز] عند أصحابنا أن يتطوع بأربع، وبأكثر من أربع، بسلام واحد، وحكوه عن أكثر العلماء، إلا عن محمد بن الحسن وزفر، فإنهما قإلا: لا بد أن يتشهد عقيب كل ركعتين.
وفي صحة التنفل بالإشفاع، كثلاث ركعات، وخمس ركعات، وسبع في غير صلاة الوتر عن أحمد روايتان.
ومذهب الشافعي وأصحابه: أنه يجوز أن يصلي بسلام واحد، ما شاء من الركعات، من واحدة إلى ما لانهاية له بالليل والنهار، وإن كان الأفضل أن يسلم فيهما في كل ركعتين، والوتر وغيره.
ونص الشافعي في ( ( الإملاء) ) على أنه يجوز له أن يصلي عدداً لا يعلمه، ثم يسلم، كما روى عن أبي ذر أنه فعله.
ولأصحابه وجه: أنهلا يجوز الزيادة على ثلاثة عشر ركعة بتسليمة واحدة؛ لأنه أكثر المنقول في الوتر، هوَ ضعيف عندهم.
فإن صلى ركعة واحدة تشهد عقيبها وسلم، وإن صلى أكثر من ذلك فله أن يقتصر على تشهد في آخر الركعات –وإن كثرت -، ويسلم عقيبه بغير خلاف عندهم، إلا في وجه ضعيف لا يعبأ به.
وإن أراد الزيادة على تشهد واحد، ففيه أوجه لهم: أحدها: أن له أن يتشهد في كل ركعتين، وإن كثرت التشهدات، ويتشهد في الأخيرة، وله أن يتشهد في كل أربع، أو ثلاث أو ست، أو غير ذلك.
ولا يجوز أن يتشهد في كل ركعة؛ لأنه اختراع صورة في الصَّلاة لا عهد بها.
والثاني: لهُ أن يتشهد في كل ركعتين، وفي كل ركعة.
وضعفه المحققون منهم.
والثالث: لا يجلس إلا في الأخيرة، وغلطوه –أيضا.
والرابع: لا يجوز الزيادة على تشهدين بحال في الصلاة الواحدة، ولا يجوز أن يكون بين التشهدين أكثر من ركعتين، أن كان العدد شفعاً، وإن كان وتراً لم يجز بينهما أكثر من ركعة.
قال صاحب ( ( شرحالمهذب) ) : وهو قوي، وظواهر السنة تقتضيه.
وهذا كله في النوافل المطلقة، فأما في الوتر بخصوصه، فهل يجوز أن يزاد فيه على تشهدين؟ فيهِ وجهان: أصحهما –عندهم -: لا يجوز؛ لأنه خلاف المروي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولأن النوافل المطلقة لا حصر لركعاتها وتشهداتها، بخلاف الوتر.
وذهبت طائفة إلى أنها لا تجوز الزيادة على ركعتين بتسليمة واحدة، ولا زياد الوتر على ركعة.
وهو الذي رجحه الأثرم، وقال لم يصح في الوتر بثلاث فما زاد من غير تسليم حديث واحد، ولا أكثر منه.
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الوتر بثلاث ركعات بتشهدين من غير تسليم كالمغرب لا يجوز زيادته ولا نقصه.
وروي الوتر بثلاث عن جماعة من الصحابة والتابعين.
وحكاه الحسن، عن عمر وأبي بن كعب.
وهو منقطع عنهما.
وروى الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمان بن يزيد، قال: قال عبد الله بن مسعود: الوتر بثلاث كوتر النهار المغرب.
قال البيهقي: هو صحيح عن ابن مسعود، ورفعه رجل ضعيفعن الأعمش 0 وكذا قال الدارقطني: إن رفعه لا يصح.
وروي - أيضا - عن أنس بن مالك.
وهو قول ابن المسيب، وأبي العالية ومكحول والنخعي وعمر بن عبد العزيز.
وقال الأوزاعي: إن فصل فحسن، وإن لم يفصل فحسن.
وأجاز أحمد الفصل وتركه، والفصل عنده أحسن، وقال: الأحاديث فيه أقوى وأكثر وأثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وكذلك مذهب الشافعي، كما سبق.
ولأصحابنا وجه: أن الوتر بثلاث موصولة بتشهد واحد.
وروي عن عطاء، أنه كان يوتر بثلاث لا يجلس فيهن، ولا يتشهد إلا في آخرهن.
وروى البخاري في ( ( تاريخه) ) بإسناده، عن إسماعيل بن زيد بن ثابت، أن زيدا كان يوتر بخمس، لا يسلم إلا في الخامسة، وكان أبي يفعله.
قال البيهقي: كذا وجدته ( ( أبي) ) مقيداً.
يعني: بالتشديد، يريد: ابن أبي بن كعب.
وروى وكيع، عن الأعمش، عن بعض أصحابه، قال: قالَ عبد الله: الوتر سبع أو خمس، ولا أقل من ثلاث.
وروي عن عراك، عن أبي هريرة، قال: لا توتروا بثلاث؛ تشبهوابالمغرب ولكن أوتروا بخمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة أو أكثر من ذَلِكَ.
وروي، عنه - مرفوعاً.
خرجه الحاكم، وصححه.
وفي رفعه نكارة.
وقال أبو أيوب الأنصاري: أوتر بخمس، أو بثلاث، أو بواحدة.
خرجه النسائي وغيره - موقوفا.
وخرجه أبو داود والنسائي –أيضا - وابن ماجه مرفوعاً.
والموقوف أصح عند أبي حاتم والنسائي والأثرم وغيرهم.
وقال ابن سيرين: كانوا يوترون بخمسٍ، وبثلاثٍ، وبركعة، ويرون كل ذلك حسناً.
خرجه الترمذي.
قال: وقال سفيان: إن شئت أوترت بخمسٍ، وإن شئت أوترت بثلاث، وإن شئت أوترت بواحدة.
قال: والذي استحب أن يوتر بثلاث.
وحكى أصحاب سفيان، عنه، أنه إن شاء أوتر بخمسٍ، أو سبع، أو تسعٍ، أو إحدى عشرة، لا يسلم إلا في آخرهن، إذا فرغ.
ومن العلماء من قال: الوتر ثلاث عشرة، وهو قول بعض الشافعية، ووجه لأصحابنا.
ولو زاد على ذلك لم يجز ولم يصح وتره عند جمهور الشافعية.
ولهم وجه آخر: بصحته وجوازه.
وهذا إذا كان الجميع بسلام واحد، أو نوى بالجميع الوتر.
وروى الشافعي بإسناده، عن كريب، عن ابن عباس، قال: هي واحدة، أو خمس، أو سبع، أو أكثر من ذلك، الوتر ما شاء.
وقد كره قوم الوتر بثلاث، وقالوا: لا يكون إلا سبع أو خمس.
فروى شعبة، عن الحكم، قالَ: قلت لمقسم: إني أسمع الأذان فأوتر بثلاث، ثم أخرج إلى الصلاة؛ خشية أن تفوتني؟ قالَ: أن ذَلِكَ لا يصلح إلا بخمس، إلا سبع.
فسألته عمن؟ فقالَ: عن الثقة، عن الثقة، عن عائشة وميمونة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
خرجه الإمام أحمد.
وروى الشافعي بإسناده، عن ابن مسعود، أنه كان يوتر بخمس أو سبع.
[و] بإسناد منقطع عنه، أنه كان يكره أن يكون ثلاثا تترى، ولكن خمساً أو سبعا.
وقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عمر: ( ( صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى) ) يدل على أن هذه الركعة الواحدة جعلت مجموع ما صلى قبلها وتراً، فيكون الوتر هو مجموع صلاة الليل الذي يختم بوتر.
وهذا قول إسحاق بن راهويه 0 واستدل بقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أوتروا يا أهل القرآن) ) ، وإنما أراد صلات الليل..وقالت طائفة: الوتر هو الركعة الأخيرة، وما قبله فليس منه.
وهو قول طائفة من أصحابنا، منهم: الخرقي وأبو بكر وابن أبي موسى.
وفي كلام أحمد ما يدلُّ عليه.
ومن أصحابنا من قال: الجميع وتر.
وقد اختلفت الرواية عن أحمد فيمن فاته الوتر، وقلنا: يقضيه: هل يقضي ركعة واحدة؟ أو ثلاث ركعات؟ على روايتين، عنه.
ويحسن أن يكون مأخذهما أن الوتر: هل هو الركعة الواحدة، وما قبله تنفل مطلق؟ أو الوتر مجموع الثلاث؟ وإلى هذا أشار أبو حفص البرمكي من أصحابنا.
وقد نقل الأثرم وغيره، عن أحمد، أنه إذا قضى الوتر بعد طلوع الفجر فإنه يقضي ثلاث ركعات.
وقال: لم يرد التطوع، وإنما أراد الوتر.
وهذا ظاهر في أن المجموع وتر، ويحتمل أن يكون مراده أن الركعتين قبل الوتر متأكدة تابعة للوتر، فتقضي معه في أوقات النهي –أيضا.
وقد تقدم عن المالكية، أن ما قبل الوتر هو شفع له.
وقاله بعض أصحابنا – أيضا.
وقد ذكر أبو عمرو ابن الصلاح: أن أصحاب الشافعي اختلفوا في ذلك على أوجه:أحدها: أن من أوتر بثلاث ينوي بالركعتين مقدمة الوتر، وبالأخيرة الوتر -: قاله أبو محمد الجويني.
والثاني: أنه ينوي بالركعتين سنة الوتر وبالثالثة الوتر -: حكاه الروياني.
قال: وفي هذين الوجهين تخصيص للوتر بالركعة الأخيرة، والثاني يشعر بأن للوتر سنة، ولا عهد لنا بسنة لها سنة هي صلاة.
وفي الوجهين أن الركعتين قبل الوتر لهما تعلق بالوتر.
والثالث: أن ينوي بما قبل الركعة الأخيرة التهجد أو قيام الليل، وفي هذا قطع لذلك عن الوتر.
قال: وما اتفقت عليه هذه الوجوه من تخصيص الوتر بالركعة المفردة على وفق قول الشافعي في رواية البويطي -: الوتر ركعة واحدة.
وقال الماوردي: لا يختلف قول الشافعي: أن الوتر ركعة واحدة.
ويشهد للوجه الثالث حديث ابن عمر: ( ( صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح، فأوتر بواحدة) ) .
والرابع: أنه ينوي بالجميع الوتر -: قاله القاضي أبو الطيب الطبري، واختاره الروياني.
ويشهد له: قول الشيخ أبي إسحاق وغيره: أقل الوتر ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة.
وفي بعض كلام الشافعي إيماء إليه.
قال: وهو المختار؛ لأن فيهِجمعا بين الأحاديث كلها؛ إذ الواحدة الأصل في الإيتار، وبها يصير ما قبلها وتراً.
واستدل برواية من روى: ( ( توتر له ما قد صلى) ) ، كما خرجه البخاري، وبأن نافعا ذكر عن ابن عمر، أنه كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر فإنه يدل على أن الجميع من الوتر.
ورواية من روى: ( ( فأوتر بواحدة) ) فيها محذوف، تقديره: فأوتر ما مضى من صلاتك بواحدة، كما صرح به في الرواية الأخرى.
قالَ: ويلي هذا الوجه في القوة الوجهان الأولان، وأبعدها الثالث.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفي ( ( شرح المهذب) ) : الصحيح المنصوص – يعني: عن الشافعي في ( ( الأم) ) و ( ( المختصر) ) -: أن الوتر يسمى تهجداً.
وفيه وجه: أنه لا يسمى تهجدا بل الوتر غير التهجد.
وهذا هو الذي ذكره بعض أصحابنا.
وينبغي أن يكون مبنياً على القول بأن الوتر هو الركعة المنفردة وحدها، فأما إن قلنا: الوتر الركعة بما قبلها، فالوتر هو التهجد، وإن لم ينو به الوتر.
وقد كان ابن عمر يفصل بين الركعة التي يوتر بها وما قبلها بكلام، كما في رواية البخاري.
واستحب أحمد أن يكون عقيبها، ولا يؤخرها عما قبلها.
وقال: كان ابن عمر يستحب أن يتكلم بينهما بالشيء، ثم يقوم فيوتر بركعة 0وقال: هذا عندنا ثبت، ونحن نأخذ به.
وينبغي أن يكون الاختلاف في تسمية ما قبل الركعة الأخيرةوتراً مختصاً بما إذا كانت الركعات مفصولة بالتسليم بينها، فأما إن أوتر بتسع، أو بسبع، أو بخمس، أو ثلاث بسلام واحد، فلا ينبغي التردد في أن الجميع وتر.
ويدل عليه: ما خرجه مسلم، عن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ن يوتر في ذلك بخمس، ولا يجلس إلا في آخرهن.
فجعلت الوتر الخمس الموصولة بسلام واحد، دون ما قبلها.
وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عمر -: ( ( فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما صلى) ) –وفي رواية تأتي فيما بعد: ( ( فاركع ركعة واحدة) ) - يدل على أن الأفضل تأخير الوتر الإمام آخر الليل.
ويأتي الكلام فيه فيما بعد – إن شاء الله سبحانه وتعالى.
ويدل على أن الوتر مأمور به.
وهل الأمر به للوجوب، أم لتأكد الاستحباب؟ فيهِ قولان مشهوران.
وأكثر العلماء على أنه للاستحباب، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم.
وروي عن علي بن أبي طالب وعبادة بن الصامت.
وروي عن أبي أيوب الأنصاري، أنه واجب.
وعن معاذ، من وجه منقطع.
وهو قول أبيحنيفة وأصحابه، أبي بكر بن جعفر من أصحابنا، ذكره في ( ( كتاب التنبيه) ) .
وكذا قال في صلاة التراويح، مع أنه صرح في ( ( كتاب الشافي) ) بأن الوتر ليس بواجب، وليس هو بفرض كالصلوات الخمس بغير خلاف.
وقد سبق الكلام في ذلك في ( ( كتاب الإيمان) ) عند ذكر حديث طلحة، أن أعرابيا سال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الإسلام، فذكر له الصلوات الخمس فقالَ: هل علي غيرها؟ قالَ: ( ( لا، إلا أن تتطوع) ) .
وذكرنا قول من قال: أن الوتر واجب على أهل القرآن دون غيرهم، وأنه يرجع إلى القول بوجوب قيام شيء من الليل على أن أهل القرآن خاصة.
وعن الحسن وابن سيرين: لابد من قيام الليل، ولو قدر حلب شاة.
وعن عبيدة السلماني.
وفيه حديث مرفوع، ولا يصح.
ومن المتأخرين من قال: من صلى بالليل تهجدا وجب عليه أن يوتره، ويجعل آخره وترا؛ لحديث ابن عمر، ومن لم يتهجد فلا وتر عليهِ.
وقال أحمد: من ترك الوتر فهو رجل سوء؛ هوَ سنة سنها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقال – في رواية جعفر بن محمد: هوَ رجل سوء، لا شهادة لهُ.
فاختلف أصحابنا في وجه ذلك: فمنهم من حمله على أنه أراد أنه واجب، كما قاله أبو بكر ابن جعفر، وهو بعيد؛ فإن أحمد صرح بأنه سنة.
ومنهم من قال: أراد إن داوم على تركه أو أكثر منه؛ فإنه ترد شهادته بذلك؛ لما فيه من التهاون بالسنن المؤكدة.
وكذا حكم سائر السنن الرواتب، وهذا قول المحققين من أصحابنا.
ومنهم من قال: هو يدل على أن ترك المستحبات المؤكدة يلحق بها إثم دون إثم ترك الفرائض.
وقال القاضي أبو يعلى: من داوم على ترك السنن الرواتب أثم.
وهو قول إسحاق بن راهويه، قال في ( ( كتاب الجامع) ) : لا يعذب أحد على ترك شيء من ترك النوافل، وقد سن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنناً غير الفرائض التي فرضها الله، فلا يجوز لمسلم أن يتهاون بالسنن التي سنها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مثل الفطر والأضحى والوتر والأضحية، وما أشبه ذلك؛ فإن تركها تهاوناً بها فهوَ معذب، إلا أن يرحمه الله، وإني لأخشى في ركعتي الفجر والمغرب؛ لما وصفهما الله في كتابه وحرض عليها، قالَ: { فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [قّ: 40] ، وقال: { فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49] .
وقال سعيد بن جبير: لو تركت الركعتين بعد المغرب لخشيت أن لا يغفر لي.
انتهى.
الحديث الثاني:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا)
أَوْرَدَ فِيهِ أثر بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْعِيدِ وَحَدِيثُهُ الْمَرْفُوعُ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَلَمْ يَجْزِمْ بِحُكْمِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَثَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْعُ التَّنَفُّلِ أَوْ نَفْيُ الرَّاتِبَةِ وَعَلَى الْمَنْعِ فَهَلْ هُوَ لِكَوْنِهِ وَقْتَ كَرَاهَةٍ أَوْ لِأَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَبْلِ.

.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ فَيُحْتَمَلُ اخْتِصَاصُهُ بِالْإِمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِ أَوْ بِالْمُصَلَّى دُونَ الْبَيْتِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السّلف فِي جَمِيع ذَلِك فَذكر بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ الْكُوفِيُّونَ يُصَلُّونَ بَعْدَهَا لَا قَبْلهَا وَالْبَصْرِيُّونَ يُصَلُّونَ قَبْلَهَا لَا بَعْدَهَا وَالْمَدَنِيُّونَ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ وَبِالثَّانِي قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيّ وَجَمَاعَة وبالثالث قَالَ الزُّهْرِيّ وبن جُرَيْجٍ وَأَحْمَدُ.

.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَمَنَعَهُ فِي الْمُصَلَّى وَعَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ رِوَايَتَانِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ فِي الْمَعْرِفَةِ بَعْدَ أَن روى حَدِيث بن عَبَّاسٍ حَدِيثَ الْبَابِ مَا نَصُّهُ وَهَكَذَا يَجِبُ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَتَنَفَّلَ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا.

.
وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَمُخَالِفٌ لَهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيُّ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ التَّنَفُّلُ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا وَقَيَّدَهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ بِالْمُصَلَّى وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الصَّيْمَرِيُّ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِالنَّافِلَةِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مُطْلَقًا إِلَّا لِلْإِمَامِ فِي مَوْضِعِ الصَّلَاةِ.

.
وَأَمَّا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ لَا كَرَاهَةَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فَإِنَّ حَمْلَ كَلَامِهِ عَلَى الْمَأْمُومِ وَإِلَّا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ وَيُؤَيِّدُ مَا فِي الْبُوَيْطِيِّ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا فَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ صلى رَكْعَتَيْنِ أخرجه بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ وَنَقَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمُصَلَّى.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ التَّنَفُّلُ فِي الْمُصَلَّى لَوْ فُعِلَ لَنُقِلَ وَمَنْ أَجَازَهُ رَأَى أَنَّهُ وَقْتٌ مُطْلَقٌ لِلصَّلَاةِ وَمَنْ تَرَكَهُ رَأَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْهُ وَمَنِ اقْتَدَى فَقَدِ اهْتَدَى انْتَهَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا سُنَّةٌ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا خِلَافًا لِمَنْ قَاسَهَا عَلَى الْجُمُعَةِ.

.
وَأَمَّا مُطْلَقُ النَّفْلِ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مَنْعٌ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ إِلَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ الَّذِي فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  أَبُو الْمُعَلَّى بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ مَيْمُونٍ الْعَطَّارُ الْكُوفِيُّ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَثَرِهِ هَذَا مَوْصُولًا وَقَدْ تقدم حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْمَرْفُوعُ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِي بَابِ الْخُطْبَةِ بَعْدَ الْعِيدِ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الْعِيدَيْنِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا الْمُعَلَّقُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ وَالْبَقِيَّةُ خَالِصَةٌ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ أَنَسٍ فِي أَكْلِ التَّمْرِ قَبْلَ صَلَاةِ عِيدِ الْفطر وَحَدِيث بن عمر فِي قصَّته مَعَ الْحجَّاج وَحَدِيث بن عَبَّاس فِي الْعَمَل فِي ذِي الْحجَّة وَحَدِيث بن عُمَرَ فِي الذَّبْحِ بِالْمُصَلَّى وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِي مُخَالَفَةِ الطَّرِيقِ.

.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ الْمَاضِي فَإِنْ كَانَ مُرَادًا زَادَتِ الْعِدَّةُ وَاحِدًا مُعَلَّقًا وَلَيْسَ هُوَ فِي مُسْلِمٍ وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ أَثَرًا مُعَلَّقَةً إِلَّا أَثَرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْخطْبَة فَإِنَّهَا مَوْصُولَة فِي حَدِيث بن عَبَّاس وَالله الْهَادِي إِلَى الصَّوَاب أَبْوَاب الْوتر كَذَا عِنْد الْمُسْتَمْلِي وَعند الْبَاقِينَ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ وَسَقَطَتِ الْبَسْمَلَة عِنْد بن شَبُّوَيْهِ وَالْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ وَالْوِتْرُ بِالْكَسْرِ الْفَرْدُ وَبِالْفَتْحِ للثأر وَفِي لُغَةٍ مُتَرَادِفَانِ وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْبُخَارِيُّ لِحُكْمِهِ لَكِنْ إِفْرَادُهُ بِتَرْجَمَةٍ عَنْ أَبْوَابِ التَّهَجُّدِ وَالتَّطَوُّعِ يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ مُلْحَقٍ بِهَا عِنْدَهُ وَلَوْلَا أَنَّهُ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ إِيقَاعُهُ عَلَى الدَّابَّةِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث مَرْفُوعَة حَدِيث بن عمر من وَجْهَيْن وَحَدِيث بن عَبَّاس وَحَدِيث عَائِشَة فَأَما حَدِيث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْمُوَطَّأِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى مَالِكٍ فِي إِسْنَادِهِ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ نَافِعًا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ أَخْبَرَاهُ كَذَا فِي الْمُوَطَّآتِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَأَوْرَدَهُ الْبَاقُونَ بِالْعَنْعَنَةِ فَائِدَةٌ قَالَ بن التِّينِ اخْتُلِفَ فِي الْوِتْرِ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ فِي وُجُوبه وعدده وَاشْتِرَاط النِّيَّة فِيهِ واختصاصه بِقِرَاءَةٍ وَاشْتِرَاطِ شَفْعٍ قَبْلَهُ وَفِي آخِرِ وَقْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي السَّفَرِ عَلَى الدَّابَّةِ.

.

قُلْتُ وَفِي قَضَائِهِ وَالْقُنُوتِ فِيهِ وَفِي مَحَلِّ الْقُنُوتِ مِنْهُ وَفِيمَا يُقَالُ فِيهِ وَفِي فَصْلِهِ وَوَصْلِهِ وَهَلْ تُسَنُّ رَكْعَتَانِ بَعْدَهُ وَفِي صَلَاتِهِ مِنْ قُعُودٍ لَكِنْ هَذَا الْأَخِيرُ يَنْبَنِي عَلَى كَوْنِهِ مَنْدُوبًا أَوْ لَا وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ أَيْضًا وَفِي كَوْنِهِ أَفْضَلَ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَوِ الرَّوَاتِبِ أَفْضَلَ مِنْهُ أَوْ خُصُوصِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ لِبَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا لَمْ يُتَرْجِمْ لَهُ أَثْنَاءَ الْكَلَامِ عَلَى أَحَادِيثِ الْبَابِ وَمَا بَعْدَهَا

[ قــ :960 ... غــ :990] .

     قَوْلُهُ  أَنَّ رَجُلًا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَوَقَعَ فِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ لِلطَبَرَانِيِّ أَنَّ السَّائِلَ هُوَ بن عُمَرَ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بن شَقِيق عَن بن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّائِلِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ وَأَنَا بِذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْهُ قَالَ فَمَا أَدْرِي أهوَ ذَلِك الرجل أوغيره وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ السَّائِلَ الْمَذْكُورَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْوِتْرِ وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِي مُجَلَّدِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ بِتَعَدُّدِ مَنْ سَأَلَ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْحِلَقِ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ وَقَعَ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فِي بَابِ الْحِلَقِ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فِي أَبْوَابِ التَّطَوُّعِ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنَ الْجَوَابِ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ عَدَدِهَا أَوْ عَنِ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَن بن عُمَرَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيفَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ مِنَ اللَّيْلِ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ بن بَزِيزَةَ جَوَابُهُ بِقَوْلِهِ مَثْنَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فُهِمَ مِنَ السَّائِلِ طَلَبُ كَيْفِيَّةِ الْعَدَدِ لَا مُطْلَقُ الْكَيْفِيَّةِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَأَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْحَدِيثُ مِنَ الْحَدِيثِ وَاسْتُدِلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا وَهُوَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِسْحَاقَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الرَّاجِحِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْأَخْذِ بِهِ فَلَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي أَرْبَعٍ وَبِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقُيِّدَ الْجَوَابُ بِذَلِكَ مُطَابَقَةً لِلسُّؤَالِ وَبِأَنَّهُ قَدْ تبين من رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ حُكْمُ الْمَنْطُوق بِهِ فَفِي السّنَن وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقٍ عَلَى الْأَزْدِيِّ عَنِ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا الْأَخِيرُ بِأَنَّ أَكْثَرَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَعَلُّوا هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  وَالنَّهَارِ بِأَن الْحفاظ من أَصْحَاب بن عُمَرَ لَمْ يَذْكُرُوهَا عَنْهُ وَحَكَمَ النَّسَائِيُّ عَلَى رَاوِيهَا بِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهَا.

     وَقَالَ  يَحْيَى بْنُ معِين من عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ حَتَّى أَقْبَلَ مِنْهُ وَادَّعَى يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن نَافِع أَن بن عُمَرَ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ وَلَوْ كَانَ حَدِيثُ الْأَزْدِيِّ صَحِيحًا لَمَا خَالفه بن عُمَرَ يَعْنِي مَعَ شِدَّةِ اتِّبَاعِهِ رَوَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي سُؤَالَاتِهِ لَكِنْ رَوَى بن وهب بِإِسْنَاد قوي عَن بن عُمَرَ قَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى مَوْقُوف أخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ فَلَعَلَّ الْأَزْدِيَّ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ الْمَوْقُوفُ بِالْمَرْفُوعِ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةً عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِي الصَّحِيحِ أَن لَا يكون شاذا وَقد روى بن أبي شيبَة من وَجه آخر عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَهَذَا مُوَافق لما نَقله بن معِين .

     قَوْلُهُ  مَثْنَى مَثْنَى أَيِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِتَكْرَارِ الْعَدْلِ فِيهِ قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ لِلْعَدْلِ وَالْوَصْفِ.

.
وَأَمَّا إِعَادَةُ مثنى فللمبالغة فِي التَّأْكِيد وَقد فسره بن عمر رَاوِي الحَدِيث فَعِنْدَ مُسلم من طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ.

.

قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ مَا مَعْنَى مَثْنَى مَثْنَى قَالَ تُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى مَثْنَى أَنْ يَتَشَهَّدَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ بِهِ وَمَا فَسَّرَهُ بِهِ هُوَ الْمُتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا إِنَّهَا مَثْنَى وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى تَعَيُّنِ الْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْل قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ لِحَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ لِمَا صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِهِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَيْضًا كَوْنُهُ لِذَلِكَ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِرْشَادِ إِلَى الْأَخَفِّ إِذِ السَّلَامُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَخَفُّ عَلَى الْمُصَلِّي مِنَ الْأَرْبَعِ فَمَا فَوْقَهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الرَّاحَةِ غَالِبًا وَقَضَاءُ مَا يُعْرَضُ مِنْ أَمْرٍ مُهِمٍّ وَلَوْ كَانَ الْوَصْلُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَقَطْ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنِ ادَّعَى اخْتِصَاصَهُ بِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَصْلُ كَمَا صَحَّ عَنْهُ الْوَصْلُ فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقَيِ الْأَوْزَاعِيّ وبن أَبِي ذِئْبٍ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنَ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَإِسْنَادُهُمَا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ النُّقْصَانِ عَنْ رَكْعَتَيْنِ فِي النَّافِلَةِ مَا عَدَا الْوِتْرَ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ أَقْوَى مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِامْتِنَاعِ قَصْرِ الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ إِلَى رَكْعَةٍ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى مَنْعِ التَّنَفُّلِ بِرَكْعَةٍ بِذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لِلْجَوَازِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ وَمَنْ شَاءَ اسْتَقل صَححهُ بن حِبَّانَ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ.

     وَقَالَ  الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِنْ صَلَّى بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَلَا بَأْسَ.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ نَحْوَهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ قَالَ وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي آخِرِهَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوَصْلِ إِلَّا أَنَّا نَخْتَارُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِكَوْنِهِ أَجَابَ بِهِ السَّائِلَ وَلِكَوْنِ أَحَادِيثِ الْفَصْلِ أَثْبَتَ وَأَكْثَرَ طُرُقًا وَقَدْ تَضَمَّنَ كَلَامُهُ الرَّدَّ عَلَى الدَّاوُدِيِّ الشَّارِحِ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى النَّافِلَةَ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ الْوِتْرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ أَنه حَدثهُ أَن بن عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلَاتِهِ وِتْرًا فَإِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ فَإِذَا كَانَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْل وَالْوتر وَفِي صَحِيح بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ وَلَمْ يُوتِرْ فَلَا وِتْرَ لَهُ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّعَمُّدِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ أَدَاء لما رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا مَرْفُوعًا مَنْ نَسِيَ الْوِتْرَ أَوْ نَامَ عَنْهُ فَلْيُصَلِّهِ إِذَا ذَكَرَهُ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ إِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ أَيْ وَهُوَ فِي شَفْعٍ فَلْيَنْصَرِفْ عَلَى وِتْرٍ وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَا يفْتَقر إِلَى نِيَّة وَحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّ الَّذِي يَخْرُجُ بِالْفَجْرِ وَقْتُهُ الِاخْتِيَارِيُّ وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ إِلَى قِيَامِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِنَّمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيم.

     وَقَالَ  بن قُدَامَةَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ تَرْكَ الْوِتْرِ حَتَّى يُصْبِحَ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ قَضَائِهِ فَنَفَاهُ الْأَكْثَرُ وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَقُمْ مِنَ اللَّيْلِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ لَمْ نَجِدْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ قَضَى الْوِتْرَ وَلَا أَمَرَ بِقَضَائِهِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ نَوْمِهِمْ عَنِ الصُّبْحِ فِي الْوَادِي قَضَى الْوِتْرَ فَلَمْ يُصِبْ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ يَقْضِي وَلَوْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَقْضِي مِنَ الْقَابِلَةِ وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ يَقْضِي مُطْلَقًا وَيُسْتَدَلُّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَائِدَةٌ يُؤْخَذُ مِنْ سِيَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْس من النَّهَار شرعا وَقد روى بن دُرَيْدٍ فِي أَمَالِيهِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ أَنَّ الْخَلِيلَ بْنَ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ حَدِّ النَّهَارِ فَقَالَ مِنَ الْفَجْرِ الْمُسْتَطِيرِ إِلَى بَدَاءَةِ الشَّفَقِ وَحُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ وَقْتٌ مُنْفَرِدٌ لَا مِنَ اللَّيْل وَلَا من النَّهَار .

     قَوْلُهُ  صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَمَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ هَكَذَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَسَيَأْتِي بِصِيغَةِ الْأَمر أَيْضا من طَرِيق بن عُمَرَ الثَّانِيَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْوِتْرِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي مَشْرُوعِيَّةِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ عَنْ جُلُوسٍ وَالثَّانِي فِيمَنْ أَوْتَرَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَنَفَّلَ فِي اللَّيْلِ هَلْ يَكْتَفِي بِوِتْرِهِ الْأَوَّلِ وَلْيَتَنَفَّلْ مَا شَاءَ أَوْ يَشْفَعْ وِتْرَهُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ يَتَنَفَّلْ ثُمَّ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ هَلْ يَحْتَاجُ إِلَى وِتْرٍ آخَرَ أَوْ لَا فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَهُوَ جَالِسٌ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَعَلُوا الْأَمْرَ فِي

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
ما جاء في الوتر

فيه أربعة أحاديث:
الحديث الأول:
[ قــ :960 ... غــ :990 ]
- حدثنا عبد الله بن يوسف: انا مالك، عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر، أن رجلاً سأل النبي ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صلاة الليل، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح، صلى ركعه واحدة، توتر له ما قد صلى) ) .
وعن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر، حتى يأمر ببعض حاجته.
وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( صلاة الليل مثنى مثنى) ) –يعني: ركعتين ركعتين.

والمراد: انه يسلم في كل ركعتين، وبذلك فسره ابن عمر.

أخرجه مسلم في ( ( صحيحه) ) .

ويدل بمفهومه على أن صلاة النهار ليست كذلك، وأنه يجوز أن تصلى أربعا.

وقد كان ابن عمر –وهو راوي الحديث – يصلي بالنهار أربعا، فدل على أنه عمل بمفهوم ما روى.

فروى يحيى الأنصاري وعبيد الله بن عمر، عن نافع، أن ابن عمر كان يتطوع بالنهار ( ( بأربعٍ) ) ، لا يفصل بينهن.

وبهذا رد يحيى بن معين وغيره الحديث المروي، عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) ) .
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، من رواية شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن علي الازدي، عن ابن عمر.

وقد أعله الترمذي، بأن شعبة اختلف عليه في رفعه ووقفه.

وذكر الإمام أحمد: أن شعبة كان يتهيبه.

وأعله ابن معين وغيره، بأن أصحاب ابن عمر الحفاظ رووا كلهم، عنه، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( صلاة الليل مثنى مثنى) ) ، من غير ذكر النهار، أكثر من خمسة عشر نفسا، فلا يقبل تفرد علي الازدي بما يخالفهم.

وأعله الإمام أحمد وغيره بأنه روي عن ابن عمر، أنه كان يصلي بالنهار أربعاً، فلو كان عنده نص عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يخالفه.
وتوقف أحمد –في رواية، عنه – في حديث الأزدي.

وقال - مرة -: إسناده جيد، ونحن لا نتقيه.

وقد روي، عن ابن عمر موقوفاً عليه - أيضاً - ( ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) ) .

وروي عنه - مرفوعاً - من وجه آخر.

وقيل: إنه ليس بمحفوظ.

قاله الدارقطني وغيره.
وذكر مالك، أنه بلغه، أن ابن عمر كان يقول: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، يسلم من كل ركعتين.

قلت: من يقول: لا مفهوم لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( صلاة والليل مثنى مثنى) ) يقول: إن ذكر الليل إنما كان جوابا لسؤال سائل، سأل عن صلاة الليل، ومثل هذا يدفع أن يكون له مفهوم معتبر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقد بوب البخاري في ( ( أبواب صلاة التطوع) ) على أن ( ( صلاة النهار مثنى
مثنى)
)
، ويأتي الكلام فيه في موضعه – إن شاء الله تعالى.

والكلام هنا في صلاة الليل.

وهذا الحديث: يدل على أن التطوع بالليل كله مثنى مثنى، سوى ركعة الوتر، فإنها واحدة.

وقد عارض هذا حديث عائشة الذي خرجه مسلم، خرجه من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر في ذلك بخمس، لا يجلس في شيء منهن، إلا في آخرهن.

وقد تكلم في حديث هشام هذا غير واحد.

قال ابن عبر البر: قد أنكر مالك.
وقال: مذ صار هشام إلى العراق أتانا عنه ما لم يعرف منه.

وقد أعله الأثرم، بأن يقال في حديثه: ( ( كان يوتر بواحدة) ) ، كذا رواه مالك وغيره عن الزهري.

ورواه عمرو بن الحارث ويونس، عن الزهري، وفي حديثهما: ( ( يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة) ) .

وقد خرجه مسلم من طريقهما – أيضا.

وكذا رواه ابن أبي ذئب والأوزاعي، عن الزهري.

خرج حديثهما أبو داود 0
قال الأثرم: وقد روى هذا الحديث عن عائشة غير واحد، لم يذكروا في حديثهم ما ذكره هشام عن أبيه، من سرد الخمس.

ورواه القاسم، عن عائشة، في حديثه: ( ( يوتر بواحدة) ) .

ولم يوافق هشاماً على قوله إلا ابن إسحاق، فرواه عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة – بنحو رواية هشام.

وخرجه أبو داود من طريقه كذلك.

ورواه - أيضا - سعد بن هشام، عن عائشة، واختلف عليه فيه:
فخرجه مسلم من رواية قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، أنه سال عائشة عن وتر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: كان يصلي تسع ركعات، لا يجلس إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثُمَّ ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي ركعة، ثم يقعد، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة، فلما أسن نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخذه اللحم أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسع يا بني.

وفي رواية له: أن قتادة اخبره سعد بن هشام بهذا، وكان جاراً له.

وقد خرّجه أبو داود بلفظ آخر، وهو: أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي ثمان ركعات، لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيجلس فيذكر الله، ثم يدعو، ثم يسلم تسليماً، ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم، ثم يصلي ركعة، فتلك إحدى عشرة ركعة.

وفي هذه الرواية: أنه كان يصلي الركعتين جالساً قبل الوتر، ثم يوتر بعدها بواحدة.

وهذا يخالف ما في رواية مسلم.

ورواه سعد بن هشام، عن عائشة، واختلف عليه في لفظه: فروي عنه: الوتر بتسعٍ، وروى عنه: بواحدة.

ورواه أبان عن قتادة بهذا الإسناد، ولفظه: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوتر بثلاث، ولا يقعد إلا في آخرهن.

قال الإمام أحمد: فهذه الرواية خطأ.

يشير إلى إنها مختصرة من رواية قتادة المبسوطة.

وقد روي في هذا المعنى من حديث ابن عباس وأم سلمة.

وقد تكلم الأثرم في إسنادهما.

وطعن البخاري في حديث أم سلمة بانقطاعه، وذكر أن حديث ابن عمر في الوتر بركعة أصح من ذلك.

وكذلك الروايات الصحيحة عن ابن عباس في وصفه صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة بات عند خالته ميمونة، يدل عليه: أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كل ركعتين وأوتر بواحدة.

فلهذا رجحت طائفة حديث ابن عمر وابن عباس، وقالوا: لا يصلي بالليل إلا مثنى مثنى، ويوتر بواحدة.

وهذه طريقة البخاري والأثرم.

وقال ابن عبد البر: هو قول أهل الحجاز، وبعض أهل العراق 0
ثم حكى عن مالك والشافعي وابن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد، أن صلاة الليل مثنى مثنى.

قال: وقال أبو حنيفة في صلاة الليل: إن شئت ركعتين، وإن شئت أربعا، وإن شئت ستاً وثمانياً، ولا تسلم إلا في آخرهن.

وقال الثوري والحسن بن حي: صلاة الليل ما شئت، بعد أن تقعد في كل ركعتين وتسلم في آخرهن.
وحكى الترمذي في ( ( كتابه) ) أن العمل عند أهل العلم على أن صلاة الليل مثنى مثنى.

قال: وهو قول سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.

وحكاه ابن المنذر وغيره عن ابن عمر وعمار، وعن الحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وسعيد بن جبيرٍ وحماد ومالك والأوزاعي.

وحكي عن عطاء، أنه قال: في صلاة الليل والنهار: يجزئك التشهد.

وهذا يشبه ما حكاه ابن عبد البر، عن الثوري والحسن بن حي.

وهو مبني على أن السلام ليس من الصلاة، وأنه يخرج منها بدونه، كما سبق ذكره.

وقد روي عن النخعي نحوه.

ومذهب سفيان الذي حكاه أصحابه أنه لا بأس أن يصلي بالليل والنهار أربعا أو ستا أو أكثر من ذلك، لا يفصل بينهنً إلا في آخرهن.

قال: وإذا صلى بالليل مثنى، فهو أحب إليّ.

وحمل هؤلاء كلهم قول عائشة: ( ( كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي أربعا، ثم أربعا) ) على أنه كان لا يسلم بينها، وسيأتي حديثها بذلك –إن شاء الله سبحانه وتعالى.

وحمله الآخرون على أنه كان يفصل بينها بسلام.

وهذا كله في التطوع المطلق في الليل، فأما الوتر فاختلفوا فيه على أقوال:
أحدها: أنه ركعة واحدة، مفصولة مما قبلها، على مقتضى حديث ابن عمر، وبعض ألفاظ حديث عائشة.

قال ابن المنذر: [روينا عن ابن عمر، أنه] يقول: الوتر ركعة.
ويقول: كان ذلك وتر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر.

قالَ: وممن روينا عنه: الوتر ركعة: عثمان وسعد وزيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية وأبو موسى وابن الزبير وعائشة، وفعله معاذ القاري، ومعه رجال من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا ينكر ذلك منهم أحد.

وبه قال ابن المسيب وعطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق [أبو ثور، غير أن مالكاً والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق] رأوا أن يصلي ركعتين، ثم يسلم، ثم يوتر بركعة.
انتهى.

وذكر الزهري وغيره: أن عمل المدينة كان على ذلك إلى زمن الخير.

وممن قال الوتر: ركعة –أيضاً -: فقهاء أهل الحديث، سليمان بن داود الهاشمي أبو خيثمة وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهم.

والأفضل عندهم: أن يصلي ركعة يوتر بها بعد ركعتين.

أما إن اقتصر على ركعة يوتر بها، ففي كراهته قولان:
أحدهما: أنه يكره.
وهو قول أحمد –في أكثر الروايات، عنه.

ويستثني من ذلك من يستيقظ قرب الفجر، ويخاف أن يطلع عليه الفجر، فيوتر بواحدة.

وهو قول إسحاق، قال: إلا من عذر مرض أو سفر.

وكذا قال أبو بكر من أصحابنا.

قال أحمد: إنما جاء الوتر بركعة بعد تطوع مثنى.

وقال سفيان: إن خشي الفجر فأوتر بواحدة أجزأه، والثلاث أحب إلينا.

ومذهب مالك: لابد أن يكون قبل ركعة الوتر شفع يسلم بينهما في الحضر والسفر.

وقال مجاهد: ما أحب إن يكون وتري إلا على صلاة.

وروى ابن عبد البر، بإسناد فيه نظر، عن عثمان بن محمد بن ربيعة، عن الدراوردي، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه نهى عن البتيراء، أن يصلي الرجل ركعة واحدة، يوتر بها.

وعثمان هذا، قال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم.

وقبله في الإسناد من لا يعرف.

وقد روي هذا –مرسلاً.

خرجه سعيد بن منصور، من حديث محمد بن كعب القرظي –مرسلاً.

والقول الثاني: لا يكره.

وروي عن سعد بن أبي وقاص، وأبي موسى، ومعاوية أنهم فعلوه.

وعن ابن عباس، أنه صوب فعل معاوية.

وقال أحمد –في رواية الشالنجي -: لا بأس به.

وهو قول الشافعي.

واختلف أصحابه: هل الركعة المفردة أفضل من ثلاث موصولة؟ على وجهين
لهم.

ومنهم من قالَ: المنفردة افضل من إحدى عشرة موصولة.

وقال الأوزاعي: حدثني المطلب بن عبد الله المخزومي، قال: أتى ابن عمر رجل، فقال: كيف أوتر؟ قالَ: أوتر بواحدة.
قالَ: إني أخشى أن يقول الناس: إنها البتيراء.
قالَ: سنة الله ورسوله – يريد: هذه سنة الله ورسوله.

المطلب، لم يسمع من ابن عمر.
وروى ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي منصور مولى سعد ابن أبي وقاص، قال: سألت ابن عمر عن الوتر، فقال: وتر الليل واحدة، بذلك أمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قلت: يا أبا عبد الرحمن، إن الناس يقولون: البتيراء؟ قالَ: يا بني، ليس تلك البتيراء، إنما البتيراء إن يصلي الرجل الركعة التامة في ركوعها وسجودها وقيامها، ثُمَّ يقوم في الأخرى ولا يتم لها ركوعاً ولا سجوداً ولا قياماً، فتلك البتيراء.

خرجهما البيهقي.

وأجاز أحمد وأصحابه وإسحاق: أن يوتر بثلاث موصولة، وأن يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن، وبتسع لا يجلس إلا في الثامنة، ولا يسلم ثم يقوم فيصلي ركعة، ثم يسلم؛ لما جاء في حديث عائشة المتقدم.

وجعلوا هذه النصوص خاصة، تخص عموم حديث صلاة الليل مثنى مثنى، وقالوا - في التسع والسبع والخمس -: الأفضل أن تكون بسلام واحد؛ لذلك.

فأما الوتر بسبع، فنص أحمد على أنه لا يجلس إلا في آخرهن.

ومن أصحابنا من قالَ: يجلس عقيب السادسة بتشهد، ولا يسلم.

وقد اختلف ألفاظ حديث عائشة في ذلك.

فأما الوتر بإحدى عشرة، فيكون بست تسليمات، وإن صلاه بتسليمة واحدة، وتشهد عقب العاشرة، ولم يسلم جاز -: قاله بعض .

ومنهم من حكى في الجميع وجهين:
أحدهما: أن الأفضل أن يسلم من كل ركعتين، وصححه غير واحد من أصحابنا.
الأفضل سرد الجميع بسلام واحد، ولا يجلس إلا في آخر الاشفاع، فيتشهد، ثم يصلي ركعة ويسلم.

ومذهب إسحاق: أن أوتر بإحدى عشرة ركعة في كل ركعتين.

و [يجوز] عند أصحابنا أن يتطوع بأربع، وبأكثر من أربع، بسلام واحد، وحكوه عن أكثر العلماء، إلا عن محمد بن الحسن وزفر، فإنهما قإلا: لا بد أن يتشهد عقيب كل ركعتين.

وفي صحة التنفل بالإشفاع، كثلاث ركعات، وخمس ركعات، وسبع في غير صلاة الوتر عن أحمد روايتان.

ومذهب الشافعي وأصحابه: أنه يجوز أن يصلي بسلام واحد، ما شاء من الركعات، من واحدة إلى ما لانهاية له بالليل والنهار، وإن كان الأفضل أن يسلم فيهما في كل ركعتين، والوتر وغيره.

ونص الشافعي في ( ( الإملاء) ) على أنه يجوز له أن يصلي عدداً لا يعلمه، ثم يسلم، كما روى عن أبي ذر أنه فعله.

ولأصحابه وجه: أنه لا يجوز الزيادة على ثلاثة عشر ركعة بتسليمة واحدة؛ لأنه أكثر المنقول في الوتر، هوَ ضعيف عندهم.

فإن صلى ركعة واحدة تشهد عقيبها وسلم، وإن صلى أكثر من ذلك فله أن يقتصر على تشهد في آخر الركعات –وإن كثرت -، ويسلم عقيبه بغير خلاف عندهم، إلا في وجه ضعيف لا يعبأ به.

وإن أراد الزيادة على تشهد واحد، ففيه أوجه لهم:
أحدها: أن له أن يتشهد في كل ركعتين، وإن كثرت التشهدات، ويتشهد في الأخيرة، وله أن يتشهد في كل أربع، أو ثلاث أو ست، أو غير ذلك.

ولا يجوز أن يتشهد في كل ركعة؛ لأنه اختراع صورة في الصَّلاة لا عهد بها.
لهُ أن يتشهد في كل ركعتين، وفي كل ركعة.
وضعفه المحققون منهم.

والثالث: لا يجلس إلا في الأخيرة، وغلطوه –أيضا.

والرابع: لا يجوز الزيادة على تشهدين بحال في الصلاة الواحدة، ولا يجوز أن يكون بين التشهدين أكثر من ركعتين، أن كان العدد شفعاً، وإن كان وتراً لم يجز بينهما أكثر من ركعة.

قال صاحب ( ( شرح المهذب) ) : وهو قوي، وظواهر السنة تقتضيه.

وهذا كله في النوافل المطلقة، فأما في الوتر بخصوصه، فهل يجوز أن يزاد فيه على
تشهدين؟ فيهِ وجهان:
أصحهما –عندهم -: لا يجوز؛ لأنه خلاف المروي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولأن النوافل المطلقة لا حصر لركعاتها وتشهداتها، بخلاف الوتر.

وذهبت طائفة إلى أنها لا تجوز الزيادة على ركعتين بتسليمة واحدة، ولا زياد الوتر على
ركعة.

وهو الذي رجحه الأثرم، وقال لم يصح في الوتر بثلاث فما زاد من غير تسليم حديث واحد، ولا أكثر منه.

وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الوتر بثلاث ركعات بتشهدين من غير تسليم كالمغرب لا يجوز زيادته ولا نقصه.

وروي الوتر بثلاث عن جماعة من الصحابة والتابعين.

وحكاه الحسن، عن عمر وأبي بن كعب.

وهو منقطع عنهما.

وروى الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمان بن يزيد، قال: قال عبد الله بن مسعود: الوتر بثلاث كوتر النهار المغرب.

قال البيهقي: هو صحيح عن ابن مسعود، ورفعه رجل ضعيف عن الأعمش 0 وكذا قال الدارقطني: إن رفعه لا يصح.

وروي - أيضا - عن أنس بن مالك.

وهو قول ابن المسيب، وأبي العالية ومكحول والنخعي وعمر بن عبد العزيز.

وقال الأوزاعي: إن فصل فحسن، وإن لم يفصل فحسن.

وأجاز أحمد الفصل وتركه، والفصل عنده أحسن، وقال: الأحاديث فيه أقوى وأكثر وأثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وكذلك مذهب الشافعي، كما سبق.

ولأصحابنا وجه: أن الوتر بثلاث موصولة بتشهد واحد.

وروي عن عطاء، أنه كان يوتر بثلاث لا يجلس فيهن، ولا يتشهد إلا في آخرهن.

وروى البخاري في ( ( تاريخه) ) بإسناده، عن إسماعيل بن زيد بن ثابت، أن زيدا كان يوتر بخمس، لا يسلم إلا في الخامسة، وكان أبي يفعله.

قال البيهقي: كذا وجدته ( ( أبي) ) مقيداً.

يعني: بالتشديد، يريد: ابن أبي بن كعب.

وروى وكيع، عن الأعمش، عن بعض أصحابه، قال: قالَ عبد الله: الوتر سبع أو خمس، ولا أقل من ثلاث.

وروي عن عراك، عن أبي هريرة، قال: لا توتروا بثلاث؛ تشبهوا بالمغرب ولكن أوتروا بخمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة أو أكثر من ذَلِكَ.

وروي، عنه - مرفوعاً.

خرجه الحاكم، وصححه.

وفي رفعه نكارة.

وقال أبو أيوب الأنصاري: أوتر بخمس، أو بثلاث، أو بواحدة.

خرجه النسائي وغيره - موقوفا.

وخرجه أبو داود والنسائي –أيضا - وابن ماجه مرفوعاً.

والموقوف أصح عند أبي حاتم والنسائي والأثرم وغيرهم.
وقال ابن سيرين: كانوا يوترون بخمسٍ، وبثلاثٍ، وبركعة، ويرون كل ذلك حسناً.

خرجه الترمذي.

قال: وقال سفيان: إن شئت أوترت بخمسٍ، وإن شئت أوترت بثلاث، وإن شئت أوترت بواحدة.
قال: والذي استحب أن يوتر بثلاث.

وحكى أصحاب سفيان، عنه، أنه إن شاء أوتر بخمسٍ، أو سبع، أو تسعٍ، أو إحدى عشرة، لا يسلم إلا في آخرهن، إذا فرغ.

ومن العلماء من قال: الوتر ثلاث عشرة، وهو قول بعض الشافعية، ووجه لأصحابنا.

ولو زاد على ذلك لم يجز ولم يصح وتره عند جمهور الشافعية.

ولهم وجه آخر: بصحته وجوازه.

وهذا إذا كان الجميع بسلام واحد، أو نوى بالجميع الوتر.

وروى الشافعي بإسناده، عن كريب، عن ابن عباس، قال: هي واحدة، أو خمس، أو سبع، أو أكثر من ذلك، الوتر ما شاء.

وقد كره قوم الوتر بثلاث، وقالوا: لا يكون إلا سبع أو خمس.
فروى شعبة، عن الحكم، قالَ: قلت لمقسم: إني أسمع الأذان فأوتر بثلاث، ثم أخرج إلى الصلاة؛ خشية أن تفوتني؟ قالَ: أن ذَلِكَ لا يصلح إلا بخمس، إلا سبع.
فسألته عمن؟ فقالَ: عن الثقة، عن الثقة، عن عائشة وميمونة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

خرجه الإمام أحمد.

وروى الشافعي بإسناده، عن ابن مسعود، أنه كان يوتر بخمس أو سبع.

[و] بإسناد منقطع عنه، أنه كان يكره أن يكون ثلاثا تترى، ولكن خمساً أو سبعا.

وقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عمر: ( ( صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى) ) يدل على أن هذه الركعة الواحدة جعلت مجموع ما صلى قبلها وتراً، فيكون الوتر هو مجموع صلاة الليل الذي يختم بوتر.

وهذا قول إسحاق بن راهويه 0 واستدل بقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أوتروا يا أهل القرآن) ) ، وإنما أراد صلات الليل.. وقالت طائفة: الوتر هو الركعة الأخيرة، وما قبله فليس منه.

وهو قول طائفة من أصحابنا، منهم: الخرقي وأبو بكر وابن أبي موسى.

وفي كلام أحمد ما يدلُّ عليه.

ومن أصحابنا من قال: الجميع وتر.

وقد اختلفت الرواية عن أحمد فيمن فاته الوتر، وقلنا: يقضيه: هل يقضي ركعة واحدة؟ أو ثلاث ركعات؟ على روايتين، عنه.

ويحسن أن يكون مأخذهما أن الوتر: هل هو الركعة الواحدة، وما قبله تنفل مطلق؟ أو الوتر مجموع الثلاث؟
وإلى هذا أشار أبو حفص البرمكي من أصحابنا.

وقد نقل الأثرم وغيره، عن أحمد، أنه إذا قضى الوتر بعد طلوع الفجر فإنه يقضي ثلاث ركعات.

وقال: لم يرد التطوع، وإنما أراد الوتر.

وهذا ظاهر في أن المجموع وتر، ويحتمل أن يكون مراده أن الركعتين قبل الوتر متأكدة تابعة للوتر، فتقضي معه في أوقات النهي –أيضا.

وقد تقدم عن المالكية، أن ما قبل الوتر هو شفع له.

وقاله بعض أصحابنا – أيضا.

وقد ذكر أبو عمرو ابن الصلاح: أن أصحاب الشافعي اختلفوا في ذلك على أوجه: أحدها: أن من أوتر بثلاث ينوي بالركعتين مقدمة الوتر، وبالأخيرة الوتر -: قاله أبو محمد الجويني.
أنه ينوي بالركعتين سنة الوتر وبالثالثة الوتر -: حكاه الروياني.

قال: وفي هذين الوجهين تخصيص للوتر بالركعة الأخيرة، والثاني يشعر بأن للوتر سنة، ولا عهد لنا بسنة لها سنة هي صلاة.

وفي الوجهين أن الركعتين قبل الوتر لهما تعلق بالوتر.

والثالث: أن ينوي بما قبل الركعة الأخيرة التهجد أو قيام الليل، وفي هذا قطع لذلك عن الوتر.

قال: وما اتفقت عليه هذه الوجوه من تخصيص الوتر بالركعة المفردة على وفق قول الشافعي في رواية البويطي -: الوتر ركعة واحدة.

وقال الماوردي: لا يختلف قول الشافعي: أن الوتر ركعة واحدة.

ويشهد للوجه الثالث حديث ابن عمر: ( ( صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح، فأوتر بواحدة) ) .

والرابع: أنه ينوي بالجميع الوتر -: قاله القاضي أبو الطيب الطبري، واختاره الروياني.

ويشهد له: قول الشيخ أبي إسحاق وغيره: أقل الوتر ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة.

وفي بعض كلام الشافعي إيماء إليه.

قال: وهو المختار؛ لأن فيهِ جمعا بين الأحاديث كلها؛ إذ الواحدة الأصل في الإيتار، وبها يصير ما قبلها وتراً.

واستدل برواية من روى: ( ( توتر له ما قد صلى) ) ، كما خرجه البخاري، وبأن نافعا ذكر عن ابن عمر، أنه كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر فإنه يدل على أن الجميع من الوتر.

ورواية من روى: ( ( فأوتر بواحدة) ) فيها محذوف، تقديره: فأوتر ما مضى من صلاتك بواحدة، كما صرح به في الرواية الأخرى.

قالَ: ويلي هذا الوجه في القوة الوجهان الأولان، وأبعدها الثالث.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

وفي ( ( شرح المهذب) ) : الصحيح المنصوص – يعني: عن الشافعي في ( ( الأم) ) و ( ( المختصر) ) -: أن الوتر يسمى تهجداً.

وفيه وجه: أنه لا يسمى تهجدا بل الوتر غير التهجد.

وهذا هو الذي ذكره بعض أصحابنا.

وينبغي أن يكون مبنياً على القول بأن الوتر هو الركعة المنفردة وحدها، فأما إن قلنا: الوتر الركعة بما قبلها، فالوتر هو التهجد، وإن لم ينو به الوتر.

وقد كان ابن عمر يفصل بين الركعة التي يوتر بها وما قبلها بكلام، كما في رواية البخاري.

واستحب أحمد أن يكون عقيبها، ولا يؤخرها عما قبلها.
وقال: كان ابن عمر يستحب أن يتكلم بينهما بالشيء، ثم يقوم فيوتر بركعة 0وقال: هذا عندنا ثبت، ونحن نأخذ به.

وينبغي أن يكون الاختلاف في تسمية ما قبل الركعة الأخيرة وتراً مختصاً بما إذا كانت الركعات مفصولة بالتسليم بينها، فأما إن أوتر بتسع، أو بسبع، أو بخمس، أو ثلاث بسلام
واحد، فلا ينبغي التردد في أن الجميع وتر.

ويدل عليه: ما خرجه مسلم، عن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ن يوتر في ذلك بخمس، ولا يجلس إلا في آخرهن.

فجعلت الوتر الخمس الموصولة بسلام واحد، دون ما قبلها.

وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عمر -: ( ( فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما صلى) ) –وفي رواية تأتي فيما بعد: ( ( فاركع ركعة واحدة) ) - يدل على أن الأفضل تأخير الوتر الإمام آخر الليل.
ويأتي الكلام فيه فيما بعد – إن شاء الله سبحانه وتعالى.

ويدل على أن الوتر مأمور به.

وهل الأمر به للوجوب، أم لتأكد الاستحباب؟ فيهِ قولان مشهوران.

وأكثر العلماء على أنه للاستحباب، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم.

وروي عن علي بن أبي طالب وعبادة بن الصامت.

وروي عن أبي أيوب الأنصاري، أنه واجب.

وعن معاذ، من وجه منقطع.

وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، أبي بكر بن جعفر من أصحابنا، ذكره في ( ( كتاب التنبيه) ) .

وكذا قال في صلاة التراويح، مع أنه صرح في ( ( كتاب الشافي) ) بأن الوتر ليس بواجب، وليس هو بفرض كالصلوات الخمس بغير خلاف.

وقد سبق الكلام في ذلك في ( ( كتاب الإيمان) ) عند ذكر حديث طلحة، أن أعرابيا سال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الإسلام، فذكر له الصلوات الخمس فقالَ: هل علي غيرها؟ قالَ: ( ( لا، إلا أن تتطوع) ) .

وذكرنا قول من قال: أن الوتر واجب على أهل القرآن دون غيرهم، وأنه يرجع إلى القول بوجوب قيام شيء من الليل على أن أهل القرآن خاصة.

وعن الحسن وابن سيرين: لابد من قيام الليل، ولو قدر حلب شاة.

وعن عبيدة السلماني.

وفيه حديث مرفوع، ولا يصح.

ومن المتأخرين من قال: من صلى بالليل تهجدا وجب عليه أن يوتره، ويجعل آخره وترا؛ لحديث ابن عمر، ومن لم يتهجد فلا وتر عليهِ.

وقال أحمد: من ترك الوتر فهو رجل سوء؛ هوَ سنة سنها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقال – في رواية جعفر بن محمد: هوَ رجل سوء، لا شهادة لهُ.
فاختلف أصحابنا في وجه ذلك:
فمنهم من حمله على أنه أراد أنه واجب، كما قاله أبو بكر ابن جعفر، وهو بعيد؛ فإن أحمد صرح بأنه سنة.

ومنهم من قال: أراد إن داوم على تركه أو أكثر منه؛ فإنه ترد شهادته بذلك؛ لما فيه من التهاون بالسنن المؤكدة.
وكذا حكم سائر السنن الرواتب، وهذا قول المحققين من أصحابنا.

ومنهم من قال: هو يدل على أن ترك المستحبات المؤكدة يلحق بها إثم دون إثم ترك الفرائض.

وقال القاضي أبو يعلى: من داوم على ترك السنن الرواتب أثم.

وهو قول إسحاق بن راهويه، قال في ( ( كتاب الجامع) ) : لا يعذب أحد على ترك شيء من ترك النوافل، وقد سن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنناً غير الفرائض التي فرضها الله، فلا يجوز لمسلم أن يتهاون بالسنن التي سنها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مثل الفطر والأضحى والوتر والأضحية، وما أشبه ذلك؛ فإن تركها تهاوناً بها فهوَ معذب، إلا أن يرحمه الله، وإني لأخشى في ركعتي الفجر والمغرب؛ لما وصفهما الله في كتابه وحرض عليها، قالَ: { فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [قّ: 40] ، وقال: { فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49] .

وقال سعيد بن جبير: لو تركت الركعتين بعد المغرب لخشيت أن لا يغفر لي.
انتهى.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ
( بسم الله الرحمن الرحيم) .

( باب ما جاء في الوتر) بكسر الواو، وقد تفتح، ولأبي ذر، عن المستملي: أبواب الوتر، بسم الله الرحمن الرحيم، لكن في فتح الباري تقديم البسملة على قوله: أبواب للمستملي، ولأبي الوقت، مما في الفرع، وأصله بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الوتر.
وسقطت البسملة عند كريمة وابن شبويه والأصيلي، كما نبه عليه في الفتح.

واختلف في الوتر، فقال أبو حنيفة بوجوبه لقوله عليه الصلاة والسلام، المروي عنه: "إن الله زادكم صلاة، ألا، وهي: الوتر".
والزائد لا يكون إلا من جنس المزيد عليه، فيكون فرضًا.

لكن لم يكفر جاحده لأنه ثبت بخبر الواحد، ولحديث أبي داود، بإسناد صحيح: "الوتر حق على كل مسلم".

والصارف له عن الوجوب عند الشافعية قوله تعالى: { والصلاة الوسطى} ولو وجب لم يكن للصلوات وسطى، وقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ، لما بعثه إلى اليمن: "فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة".
وليس قوله: حق، بمعنى: واجب في عرف الشرع.


[ قــ :960 ... غــ : 990 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى".

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا) ولأبي ذر في نسخة: حدّثنا

( مالك) الإمام ( عن نافع) مولى ابن عمر ( وعبد الله بن دينار) كلاهما ( عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، ( أن رجلاً سأل) قيل: هو ابن عمر كما هو في المعجم الصغير.

وعورض برواية عبد الله بن شقيق، عن ابن عمر، عند مسلم: أن رجلاً سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنا بينه وبين السائل.

وقيل: هو من أهل البادية، ولا تنافي لاحتمال تعدد من سأل ( رسول الله) ولأبي ذر، والأصيلي: سأل النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) عدد ( صلاة الليل) أو: عن الفصل والوصل ( فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) .

( صلاة الليل مثنى مثنى) غير مصروف للعدل، والوصف والتكرير للتأكيد لأنه في معنى: اثنين، اثنين: أربع مرات.
والمعنى: يسلم من كل ركعتين، كما فسره به ابن عمر في حديثه عند مسلم.

واستدلّ بمفهومه للحنفية على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعًا.

وعورض بأنه مفهوم لقب، وليس حجة على الراجح، ولئن سلمناه لا نسلم الحصر في الأربع.

على أنه قد تبين من رواية أخرى أن حكم المسكوت عنه حكم المنطوق به، ففي السنن وصححه ابن خزيمة، وغيره من طريق علي الأزدي، عن ابن عمر، مرفوعًا: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى".
لكن أكثر أئمة الحديث أعلوا هذه الزيادة، وهي قوله: والنهار، بأن الحفاظ من أصحاب ابن عمر لم يذكروها عنه، وحكم النسائي على راويها بأنه: أخطأ فيها.

( فإذا خشي أحدكم الصبح) أي: فوات صلاة الصبح ( صلّى ركعة واحدة توتر له) تلك الركعة الواحدة ( ما قد صلّى) .

فيه أن أقل الوتر ركعة، وأنها تكون مفصولة بالتسليم مما قبلها، وبه قال الأئمة الثلاثة خلافًا للحنفية حيث قالوا: يوتر بثلاث كالمغرب، لحديث عائشة: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يوتر بها.
كذلك رواه الحاكم وصححه.

نعم، قال الشافعية: لو أوتر بثلاث موصولة فأكثر وتشهد في الأخيرتين، أو في الأخيرة جاز للاتباع، رواه مسلم: لا أن تشهد في غيرهما فقط، أو معهما، أو مع أحدهما، لأنه خلاف المنقول بخلاف النفل المطلق، لأنه لا حصر لركعاته وتشهداته.
لكن الفصل، ولو بواحدة، أفضل من الوصل، لأنه أكثر أخبارًا وعملاً، ثم الوصل بتشهد أفضل منه بتشهدين، فرقًا بينه وبين المغرب.

وروى الدارقطني بإسناد رواته ثقات حديث: "لا توتروا بثلاث، ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب".
وثلاثة موصولة أفضل من ركعة لزيادة العبادة، بل قال القاضي أبو الطيب: إن الإيتار بركعة مكروه.
اهـ.


واستدلّ به المالكية على تعيين الشفع قبل الوتر، لأن المقصود من الوتر أن تكون الصلاة كلها وترًا لقوله عليه الصلاة والسلام صلّى ركعة توتر له ما قد صلّى.

وأجيب: بأن سبق الشفع شرط في الكمال لا في الصحة، لحديث أبي داود والنسائي، وصححه ابن حبان، عن أبي أيوب مرفوعًا: الوتر حق، فمن شاء أوتر بخمس، ومن شاء بثلاث، ومن شاء بواحدة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :960 ... غــ : 991 ]
- حدثنا وَعَنْ نَافِعٍ "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ".

( وعن نافع) بالإسناد السابق، كما قاله الحافظ ابن حجر، وقال العيني: إنما هو معلق، ولو كان مسندًا لم يفرقه، ( أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما ( كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته) ظاهره أنه كان يصلّي الوتر موصولاً، فإن عرضت له حاجة فصل ثم بنى على ما مضى.

وعند سعيد بن منصور بإسناد صحيح، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: صلّى ابن عمر ركعتين، ثم قال: يا غلام ارحل لنا، ثم قام فأوتر بركعة.

وهذا الحديث الأول أخرجه أبو داود، والنسائي.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُُ مَا جَاءَ فِي الوِتْرِ)

أَي: هَذِه أَبْوَاب الْوتر: أَي: فِي بَيَان أَحْكَامهَا، هَكَذَا هُوَ عِنْد الْمُسْتَمْلِي، وَعند البَاقِينَ: بابُُ مَا جَاءَ فِي الْوتر، وَسَقَطت الْبَسْمَلَة عِنْد ابْن شيبويه والأصيلية وكريمة، وَفِي بعض النّسخ: كتاب الْوتر.
والمناسبة بَين أَبْوَاب الْوتر وأبواب الْعِيد كَون كل وَاحِد من صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَالْوتر وَاجِبا ثبوتهما بِالسنةِ.
وَالْوتر بِالْكَسْرِ الْفَرد، وَالْوتر بِالْفَتْح الدخل، هَذِه لُغَة أهل الْعَالِيَة.
وَأما لُغَة أهل الْحجاز فبالضد مِنْهُم، وَأما تَمِيم فبالكسر فيهمَا، وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ غير عَاصِم { وَالشَّفْع وَالْوتر} ( الْفجْر: 3) .
بِكَسْر الْوَاو،.

     وَقَالَ  يُونُس فِي كتاب ( اللُّغَات) : وترت الصَّلَاة، مثل: أوترتها.



[ قــ :960 ... غــ :990 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ وعَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ عنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ رَجُلاً سألَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإذَا خشِيَ أحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( توتر لَهُ مَا قد صلى) ، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.

وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن مسلمة والْحَارث بن مِسْكين، كِلَاهُمَا عَن ابْن الْقَاسِم، ثَلَاثَتهمْ عَن مَالك عَن نَافِع وَعبد الله بن دِينَار، وَكِلَاهُمَا عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أَن رجلا) ، وَقع فِي ( مُعْجم الطَّبَرَانِيّ) هُوَ: ابْن عمر، لَكِن يُعَكر عَلَيْهِ رِوَايَة عبد الله بن شَقِيق: ( عَن ابْن عمر أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ وَأَنا بَينه وَبَين السَّائِل) ، فَذكر الحَدِيث، وَذكر مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب ( أَحْكَام الْوتر) من رِوَايَة عَطِيَّة: عَن ابْن عمر أَن أَعْرَابِيًا سَأَلَ؟ قلت: إِذا حمل الْأَمر على تعدد السَّائِل لَا اعْتِرَاض فِيهِ، وَيجوز أَن يكون ابْن عمر عبر عَن السَّائِل تَارَة برجلاً، وَتارَة بأعرابيا، وَيجوز أَن يكون هُوَ السَّائِل مَعَ سُؤال الرجل.
قَوْله: ( عَن صَلَاة اللَّيْل) أَي: عَن عَددهَا، لِأَن جَوَابه بقوله: ( مثنى) يدل على ذَلِك، لِأَن من شَأْن الْجَواب أَن يكون مطابقا للسؤال.
قَوْله: ( مثنى) مَرْفُوع بِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ، وَهُوَ قَوْله: ( صَلَاة اللَّيْل) وَهُوَ بِدُونِ التَّنْوِين لِأَنَّهُ غير منصرف لتكرر الْعدْل فِيهِ، قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ،.

     وَقَالَ  غَيره: للعدل وَالْوَصْف، والتكرير للتَّأْكِيد لِأَنَّهُ فِي معنى: اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَربع مَرَّات، وَقد فسره ابْن عمر رَاوِي الحَدِيث، فَقَالَ مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: سَمِعت عقبَة بن حُرَيْث قَالَ: ( سَمِعت ابْن عمر يحدث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى، فَإِذا رَأَيْت الصُّبْح يدركك فأوتر بِوَاحِدَة فَقيل لِابْنِ عمر: مَا معنى مثنى مثنى؟ قَالَ: تسلم فِي كل رَكْعَتَيْنِ) ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: فِيهِ رد على من زعم من الْحَنَفِيَّة أَن معنى: اثْنَيْنِ، أَن يتَشَهَّد بَين كل رَكْعَتَيْنِ، لِأَن رَاوِي الحَدِيث أعلم بالمراد بِهِ، وَمَا فسره هُوَ الْمُتَبَادر إِلَى الْفَهم لِأَنَّهُ لَا يُقَال فِي الرّبَاعِيّة مثلا، أَنَّهَا: مثنى.
قلت: زعم هَذَا الْحَنَفِيّ بِمَا ذكر لَا يسْتَلْزم نفي السَّلَام، ومقصوده أَن لَا بُد من التَّشَهُّد بَين كل رَكْعَتَيْنِ، وَأما أَنه يسلم أَو لَا يسلم فَهُوَ بحث آخر.
وَيجوز أَن يُقَال فِي الرّبَاعِيّة: مثنى مثنى، بِالنّظرِ إِلَى أَن كل رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا مثنى، مَعَ قطع النّظر عَن السَّلَام، قَوْله: ( فَإِذا خشِي أحدكُم الصُّبْح) أَي: فَوَات صَلَاة الصُّبْح.
قَوْله: ( توتر لَهُ) على صِيغَة الْمَجْهُول أسْند إِلَى مَا فِيمَا قد صلى، وَالْمعْنَى: تصير بِهِ تِلْكَ الرَّكْعَة الْوَاحِدَة وترا.
وَبِه احْتج الشَّافِعِي، على أَن الإيتار بِرَكْعَة وَاحِدَة جَائِز، وسنتكلم فِيهِ مَبْسُوطا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه الأول: احْتج بِهِ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: أَن صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى، وَهُوَ أَن يسلم فِي آخر كل رَكْعَتَيْنِ، وَأما صَلَاة النَّهَار فأربع عِنْدهمَا، وَعند أبي حنيفَة: أَربع فِي اللَّيْل وَالنَّهَار، وَعند الشَّافِعِي فيهمَا.
مثنى مثنى، وَاحْتج بِمَا رَوَاهُ الْأَرْبَعَة من حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى) ، وَبِمَا رَوَاهُ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى) ، وَبِمَا رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي ( تَارِيخ أَصْبَهَان) : عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى) .
وَلأبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي اللَّيْل مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي ( سنَنه) من حَدِيث زُرَارَة بن أوفى، ( عَن عَائِشَة أَنَّهَا سُئِلت عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَوف اللَّيْل، فَقَالَت: كَانَ يُصَلِّي صَلَاة الْعشَاء فِي جمَاعَة، ثمَّ يرجع إِلَى أَهله فيركع أَربع رَكْعَات، ثمَّ يأوي إِلَى فرَاشه) الحَدِيث،.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: فِي سَماع زُرَارَة عَن عَائِشَة نظر، ثمَّ أخرجه عَن زُرَارَة عَن سعيد بن هِشَام عَن عَائِشَة، قَالَ: وَهَذِه الرِّوَايَة هِيَ المحفوظة عِنْدِي.
وروى أَحْمد فِي ( مُسْنده) : عَن عبد الله بن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: ( كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الْعشَاء ركع أَربع رَكْعَات وأوتر بِسَجْدَة، ثمَّ نَام حَتَّى يُصَلِّي بعْدهَا صلَاته من اللَّيْل) .
فَإِن قلت: أخرج مُسلم عَن عبد الله بن شَقِيق، ( عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِي بَيْتِي.
.
)
الحَدِيث، وَفِيه: ( وَيُصلي بِالنَّاسِ الْعشَاء ثمَّ يدْخل بَيْتِي وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ) ، فَهَذَا مُخَالف لحديثها الْمُتَقَدّم.
قلت: قد وَقع عَن عَائِشَة اخْتِلَاف كثير فِي أعداد الرَّكْعَات فِي صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللَّيْل، فَهَذَا إِمَّا من الروَاة عَنْهَا، وَإِمَّا مِنْهَا بِاعْتِبَار أَنَّهَا أخْبرت عَن حالات، مِنْهَا مَا هُوَ الْأَغْلَب من فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمِنْهَا مَا هُوَ نَادِر، وَمِنْهَا مَا هُوَ بِحَسب اتساع الْوَقْت وضيقه، وَلأبي حنيفَة فِي النَّهَار مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث معَاذَة أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: ( كم كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَت: أَربع رَكْعَات يزِيد مَا شَاءَ) .
وَفِي رِوَايَة: ( وَيزِيد مَا شَاءَ) ، وروى أَبُو يعلى فِي ( مُسْنده) من حَدِيث عمْرَة ( عَن عَائِشَة قَالَت: سَمِعت أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة تَقول: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُصَلِّي الضُّحَى أَربع رَكْعَات لَا يفصل بَينهُنَّ بِكَلَام) .
( وَالْجَوَاب) : من حَدِيث الْأَرْبَعَة الَّذِي فِيهِ ذكر النَّهَار إِن التِّرْمِذِيّ لما رَوَاهُ سكت عَنهُ إلاّ أَنه قَالَ: اخْتلف أَصْحَاب شُعْبَة فِيهِ، فرفعه بَعضهم، وَوَقفه بَعضهم، وَرَوَاهُ الثِّقَات عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يذكر فِيهِ صَلَاة النَّهَار،.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: هَذَا الحَدِيث عِنْدِي خطأ..
     وَقَالَ  فِي ( سنَنه الْكُبْرَى) : إِسْنَاده جيد إلاّ أَن جمَاعَة من أَصْحَاب ابْن عمر خالفوا الْأَزْدِيّ فِيهِ، فَلم يذكرُوا فِيهِ النَّهَار، مِنْهُم: سَالم وَنَافِع وطاووس، والْحَدِيث فِي ( الصَّحِيحَيْنِ) من حَدِيث جمَاعَة عَن ابْن عمر، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر النَّهَار،.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان عَن ابْن عمر مَرْفُوعا ( صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى) غير مَحْفُوظ، وَإِنَّمَا تعرف صَلَاة النَّهَار عَن يعلى بن عَطاء عَن عَليّ الْبَارِقي عَن ابْن عمر، وَقد خَالفه نَافِع وَهُوَ أحفظ مِنْهُ فَذكر إِن صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى وَالنَّهَار أَرْبعا.
فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: سُئِلَ أَبُو عبد الله البُخَارِيّ عَن حَدِيث الْبَارِقي هَذَا: أصحيح هُوَ؟ قَالَ: نعم..
     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: هَذِه زِيَادَة من ثِقَة فَهِيَ مَقْبُولَة.
قلت: لَو كَانَ هَذَا صَحِيحا لخرجه البُخَارِيّ هُنَا،.

     وَقَالَ  يحيى: كَانَ شُعْبَة يَنْفِي هَذَا الحَدِيث، وَرُبمَا لم يرفعهُ، وروى إِبْرَاهِيم الحنيني عَن مَالك والنمري عَن نَافِع عَن ابْن عمر، يرفعهُ: ( صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى) ..
     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: رِوَايَة الحنيني خطأ، وَلم يُتَابِعه عَن مَالك أحد.

الْوَجْه الثَّانِي: أَن الشَّافِعِي احْتج بِهِ على أَن الإيتار بِرَكْعَة وَاحِدَة جَائِز، وَاحْتج أَيْضا بِحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي من اللَّيْل عشر رَكْعَات ويوتر بِسَجْدَة وَيسْجد بسجدتي الْفجْر، فَذَلِك ثَلَاث عشرَة رَكْعَة) .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمذهب الْجُمْهُور..
     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: لَا يَصح الإيتار بِوَاحِدَة وَلَا تكون الرَّكْعَة الْوَاحِدَة صَلَاة قطّ، وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ترد عَلَيْهِ قلت: مَعْنَاهُ يُوتر بِسَجْدَة أَي: بِرَكْعَة وَرَكْعَتَيْنِ قبله فَيصير وتره ثَلَاثًا ونفله ثمانيا، والركعتان للفجر، وَلأبي حنيفَة أَيْضا أَحَادِيث صَحِيحَة ترد عَلَيْهِ.
مِنْهَا: مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي ( سنَنه) بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَائِشَة، قَالَت: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسلم فِي رَكْعَتي الْوتر) ، وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ فِي ( مُسْتَدْركه) بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَائِشَة، قَالَت: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوتر بِثَلَاث لَا يسلم إلاّ فِي آخِرهنَّ) ..
     وَقَالَ : إِنَّه صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَن يحيى بن زَكَرِيَّا عَن الْأَعْمَش عَن مَالك بن الْحَارِث عَن عبد الرَّحْمَن ابْن يزِيد النَّخعِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( وتر اللَّيْل ثَلَاث كوتر النَّهَار صَلَاة الْمغرب) .
فَإِن قلت: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يروه عَن الْأَعْمَش مَرْفُوعا غير يحيى بن زَكَرِيَّا وَهُوَ ضَعِيف،.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الثَّوْريّ وَعبد الله بن نمير وَغَيرهمَا عَن الْأَعْمَش فوقفوه.
قلت: لَا يضرنا كَونه مَوْقُوفا على مَا عرف، مَعَ أَن الدَّارَقُطْنِيّ أخرج عَن عَائِشَة أَيْضا نَحوه مَرْفُوعا.
وَأخرج النَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة عَن الفضيل بن عِيَاض عَن هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن ابْن عمر، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( صَلَاة الْمغرب وتر صَلَاة النَّهَار فأوتروا صَلَاة اللَّيْل) .
وَهَذَا السَّنَد على شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وروى الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا روح بن الْفرج حَدثنَا يحيى بن عبد الله بن بكير حَدثنَا بكر بن مُضر عَن جَعْفَر بن ربيعَة ( عَن عقبَة بن مُسلم، قَالَ: سَأَلت عبد الله بن عمر عَن الْوتر، فَقَالَ: أتعرف وتر النَّهَار؟ فَقلت: نعم صَلَاة الْمغرب، قَالَ: صدقت وأحسنت) ..
     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: وَعَلِيهِ يحمل حَدِيث ابْن عمر ( أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَلَاة اللَّيْل) إِلَى آخر حَدِيث الْبابُُ، قَالَ: مَعْنَاهُ: صل رَكْعَة فِي ثِنْتَيْنِ قبلهَا وتتفق بذلك الْأَخْبَار.
حَدثنَا أَبُو بكرَة حَدثنَا أَبُو دَاوُد حَدثنَا أَبُو خَالِد: سَأَلت أَبَا الْعَالِيَة عَن الْوتر.
فَقَالَ: علمنَا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْوتر مثل صَلَاة الْمغرب، هَذَا وتر اللَّيْل، وَهَذَا وتر النَّهَار.
وروى الطَّحَاوِيّ عَن أنس قَالَ: الْوتر ثَلَاث رَكْعَات.
وروى أَيْضا عَن الْمسور بن مخرمَة، قَالَ: دفنا أَبَا بكر لَيْلًا فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِنِّي لم أوتر، فَقَامَ وصففنا وَرَاءه فصلى بِنَا ثَلَاث رَكْعَات لم يسلم إلاّ فِي آخِرهنَّ.
وروى ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) : حَدثنَا حَفْص بن عمر عَن الْحسن، قَالَ: أجمع الْمُسلمُونَ على أَن الْوتر ثَلَاثَة لَا يسلم إلاّ فِي آخِرهنَّ..
     وَقَالَ  الْكَرْخِي: أجمع الْمُسلمُونَ ... إِلَى آخِره، نَحوه، ثمَّ قَالَ: وأوتر سعد بن أبي وَقاص بِرَكْعَة فَأنْكر عَلَيْهِ ابْن مَسْعُود،.

     وَقَالَ : مَا هَذِه البتيراء الَّتِي لَا نعرفها على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَعَن عبد الله بن قيس، قَالَ: ( قلت لعَائِشَة: بكم كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوتر؟ قَالَت: كَانَ يُوتر بِأَرْبَع وَثَلَاث، وست وَثَلَاث وثمان وَثَلَاث، وَعشر وَثَلَاث، وَلم يكن يُوتر بِأَقَلّ من سبع وَلَا بِأَكْثَرَ من عشرَة) .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فقد نصت على الْوتر بِثَلَاثَة وَلم تذكر الْوتر بِوَاحِدَة، فَدلَّ على أَنه لَا اعْتِبَار للركعة البتيراء..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ:.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: لم يقل أحد من الْعلمَاء: إِن الرَّكْعَة الْوَاحِدَة لَا يَصح الإيتار بهَا إلاّ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَمن تابعهما قلت: عجبا للنووي كَيفَ ينْقل هَذَا النَّقْل الْخَطَأ وَلَا يردهُ مَعَ علمه بخطئه، وَقد ذكرنَا عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ أَن الإيتار بِثَلَاث، وَلَا تجزى الرَّكْعَة الْوَاحِدَة.
وروى الطَّحَاوِيّ: عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه أثبت الْوتر بِالْمَدِينَةِ بقول الْفُقَهَاء: ثَلَاث لَا يسلم إلاّ فِي آخِرهنَّ، واتفاق الْفُقَهَاء بِالْمَدِينَةِ على اشْتِرَاط الثَّلَاث بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة يبين لَك خطأ نقل النَّاقِل اخْتِصَاص ذَلِك بِأبي حنيفَة وَالثَّوْري وأصحابهما.
فَإِن قلت: مَا تَقول فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( فَإِذا خشيت الصُّبْح فأوتر بِرَكْعَة؟) قلت: مَعْنَاهُ مُتَّصِلَة بِمَا قبلهَا، وَلذَلِك قَالَ: ( توتر لَك مَا قبلهَا) ، وَمن يقْتَصر على رَكْعَة وَاحِدَة كَيفَ توتر لَهُ مَا قبلهَا وَلَيْسَ قبلهَا شَيْء؟ فَإِن قلت: رُوِيَ أَنه قَالَ: ( من شَاءَ أوتر بِرَكْعَة، وَمن شَاءَ أوتر بِثَلَاث أَو بِخمْس) قلت: هُوَ هُوَ مَحْمُول على أَنه كَانَ قبل استقرارها، لِأَن الصَّلَاة المستقرة لَا يُخَيّر فِي أعداد ركعاتها، وَكَذَا قَول عَائِشَة: ( كَانَ يسلم بَين كل رَكْعَتَيْنِ ويوتر بِوَاحِدَة) ، يُعَارضهُ مَا روى ابْن مَاجَه عَن أم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: أَنه كَانَ يُوتر بِسبع أَو بِخمْس لَا يفصل بَينهُنَّ بِتَسْلِيم وَلَا كَلَام، فَيحمل على أَنه كَانَ قبل اسْتِقْرَار الْوتر، وَمِمَّا يدل على مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ حَدِيث النَّهْي عَن البتيراء: أَن يُصَلِّي الرجل وَاحِدَة يُوتر بهَا.
أخرجه ابْن عبد الْبر فِي ( التَّمْهِيد) عَن أبي سعيد: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن البتيراء، وَمِمَّنْ قَالَ: يُوتر بِثَلَاث لَا يفصل بَينهُنَّ: عمر وعَلى وَابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَأبي بن كَعْب وَابْن عَبَّاس وَأنس وَأَبُو أُمَامَة وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة وَأهل الْكُوفَة،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: ذهب جمَاعَة من الصَّحَابَة وَغَيرهم إِلَيْهِ.
وَعند النَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح ( عَن ابي بن كَعْب: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوتر: بسبح اسْم رَبك الْأَعْلَى، وَقل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ، وَقل هُوَ الله أحد وَلَا يسلم إلاّ فِي آخِرهنَّ) .
وَعند التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْحَارِث: ( عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُوتر بِثَلَاث) .

الْوَجْه الثَّالِث: فِي وَقت الْوتر، وَوَقته وَقت الْعشَاء، فَإِذا خرج وقته لَا يسْقط عَنهُ بل يَقْضِيه.
وَفِي ( شرح الْمُهَذّب) : جُمْهُور الْعلمَاء على أَن وَقت الْوتر يخرج بِطُلُوع الْفجْر، وَقيل: إِنَّه يَمْتَد بعد الْفجْر إِلَى أَن يصلى الْفجْر.
قَالَ ابْن بزيزة: ومشهور مَذْهَب مَالك أَن يصليه بعد طُلُوع الْفجْر مَا لم يصل الصُّبْح، والشاذ من مذْهبه إِنَّه لَا يُصَلِّي بعد طُلُوع الْفجْر.
قَالَ: وبالمشهور من مذْهبه قَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ، وَمن السّلف: ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَعبادَة بن الصَّامِت وَحُذَيْفَة وَأَبُو الدَّرْدَاء وَعَائِشَة..
     وَقَالَ  طَاوُوس: يُصَلِّي الْوتر بعد صَلَاة الصُّبْح،.

     وَقَالَ  أَبُو ثَوْر وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن وَاللَّيْث: يُصَلِّي وَلَو طلعت الشَّمْس،.

     وَقَالَ  سعيد بن جُبَير: يُوتر من الْقَابِلَة، وَفِي ( المُصَنّف) : عَن الْحسن قَالَ: لَا وتر بعد الْغَدَاة، وَفِي لفظ: ( إِذا طلعت الشَّمْس فَلَا وتر) ،.

     وَقَالَ  الشّعبِيّ: من صلى الْغَدَاة وَلم يُوتر فَلَا وتر عَلَيْهِ، وَكَذَا قَالَه مَكْحُول وَسَعِيد بن جُبَير.


هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :960 ... غــ :991 ]
- وعَنْ نافِعٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ كانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ والرَّكْعَتَيْنِ فِي الوِتْرِ حَتَّى يَأمُرَ بِبَعْضِ حاجَتِهِ.

قَالَ بَعضهم: وَهُوَ مَعْطُوف على الْإِسْنَاد الأول، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ مُعَلّق، وَلَو كَانَ مُسْندًا لم يفرقه، وَإِنَّمَا فرقه لأمرين: أَحدهمَا: أَنه كَانَ سمع كلا مِنْهُمَا مفترقا عَن الآخر.
وَالْآخر: أَنه أَرَادَ الْفرق بَين الحَدِيث والأثر، وَهَذَا مَا رَوَاهُ مَالك عَن نَافِع أَن ابْن عمر ... إِلَى آخِره، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن أبي وهب عَن مَالك، وَأخرجه أَيْضا عَن صَالح بن عبد الرَّحْمَن عَن سعيد بن مَنْصُور: حَدثنَا هشيم عَن مَنْصُور ( عَن بكر بن عبد الله، قَالَ: صلى عمر رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: يَا غُلَام أرحل لنا، ثمَّ قَامَ فأوتر بِرَكْعَة) .
قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَفِي هَذِه الْآثَار أَنه كَانَ يُوتر بِثَلَاث، وَلَكِن يفصل بَين الْوَاحِدَة والاثنتين.
فَإِن قلت: هَذَا يُؤَيّد مَذْهَب من قَالَ: إِن الْوتر رَكْعَة وَاحِدَة.
قُلْنَا: إِن ابْن عمر لما سَأَلَهُ عقبَة بن مُسلم عَن الْوتر فَقَالَ: أتعرف وتر النَّهَار؟ فَقَالَ: نعم، صَلَاة الْمغرب.
قَالَ: صدقت، أَو أَحْسَنت، فَهَذَا يُنَادي بِأَعْلَى صَوته أَن الْوتر كَانَ عِنْد ابْن عمر ثَلَاث رَكْعَات كَصَلَاة الْمغرب، فَالَّذِي روى عَنهُ مِمَّا ذكرنَا فعله، وَهَذَا قَوْله وَالْأَخْذ بالْقَوْل أولى لِأَنَّهُ أقوى، وَقد قُلْنَا: إِن الْحسن الْبَصْرِيّ حكى إِجْمَاع الْمُسلمين على الثَّلَاث بِدُونِ الْفَصْل.