هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4164 حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيُّ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، قَالَ أَحْمَدُ : كَتَبْنَاهُ مِنْ نُسْخَتِهِ وَهَذَا لَفْظُهُ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ ، يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، جُهِدَتِ الْأَنْفُسُ ، وَضَاعَتِ الْعِيَالُ ، وَنُهِكَتِ الْأَمْوَالُ ، وَهَلَكَتْ الْأَنْعَامُ ، فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا تَقُولُ ؟ وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ ، ثُمَّ قَالَ : وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ، وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ ، إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ لَهَكَذَا وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ : إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ ، وَعَرْشُهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ ، وَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى : وَابْنُ الْمُثَنَّى ، وَابْنُ بَشَّارٍ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ ، وَجُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ وَالْحَدِيثُ بِإِسْنَادِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ ، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، كَمَا قَالَ أَحْمَدُ ، أَيْضًا وَكَانَ سَمَاعُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، وَابْنِ الْمُثَنَّى ، وَابْنِ بَشَّارٍ مِنْ نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا بَلَغَنِي
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4164 حدثنا عبد الأعلى بن حماد ، ومحمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، وأحمد بن سعيد الرباطي ، قالوا : حدثنا وهب بن جرير ، قال أحمد : كتبناه من نسخته وهذا لفظه قال : حدثنا أبي ، قال : سمعت محمد بن إسحاق ، يحدث عن يعقوب بن عتبة ، عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي ، فقال : يا رسول الله ، جهدت الأنفس ، وضاعت العيال ، ونهكت الأموال ، وهلكت الأنعام ، فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويحك أتدري ما تقول ؟ وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ، ثم قال : ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه ، شأن الله أعظم من ذلك ، ويحك أتدري ما الله ، إن عرشه على سماواته لهكذا وقال بأصابعه مثل القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب قال ابن بشار في حديثه : إن الله فوق عرشه ، وعرشه فوق سماواته وساق الحديث ، وقال عبد الأعلى : وابن المثنى ، وابن بشار ، عن يعقوب بن عتبة ، وجبير بن محمد بن جبير ، عن أبيه ، عن جده والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح وافقه عليه جماعة منهم يحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، ورواه جماعة عن ابن إسحاق ، كما قال أحمد ، أيضا وكان سماع عبد الأعلى ، وابن المثنى ، وابن بشار من نسخة واحدة فيما بلغني
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Muhammad b. Jubair b. Mut’im said from his father on the authority of his grandfather:

An A’rab(a nomadic Arab) came to the Messenger of Allah(ﷺ) and said: People suffering distress, the children are hungry, the crops are withered, and the animals are perished, so ask Allah to grant us rain, for we seek you as our intercessor with Allah, and Allah as intercessor with you. The Messenger of Allah(ﷺ) said: Woe to you: Do you know what you are saying? Then the Messenger of Allah(ﷺ) declared Allah’s glory and he continued declaring His glory till the effect of that was apparent in the faces of his Companions. He then said: Woe to you: Allah is not to be sought as intercessor with anyone. Allah’s state is greater than that. Woe to you! Do you know how great Allah is? His throne is above the heavens thus(indicating with his fingers like a dome over him), and it groans on account of Him as a saddle does because of the rider.

Ibn Bashshar said in his version: Allah is above the throne, and the throne is above the heavens. He then mentioned the rest of the tradition. ‘Abd al-A’la, Ibn al- Muthana and Ibn Bashshar transmitted it from Ya’qub b. ‘Utbah and Jubair b. Muhammad b. Jubair from his father on the authority of his grandfather.

Abu Dawud said: This tradition with the chain of Ahmad b. Sa’ad is sound. It has been approved by the body (of traditionists) , which includes Yahya b. Ma’in and ‘Ali b. al-Madani, and a group has transmitted it from Ibn Ishaq, as Ahmad also said. And so far as I have been informed ‘Abd al-A’la, Ibn al-Muthanna, and Ibn Bashshar had heard from the same copy(of the collection of tradition).

شرح الحديث من عون المعبود لابى داود

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    [4726] ( قال أحمد) هو بن سَعِيدٍ ( كَتَبْنَاهُ) أَيِ الْحَدِيثَ ( مِنْ نُسْخَتِهِ) أَيْ مِنْ نُسْخَةِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ ( وَهَذَا لَفْظُهُ) أَيْ لَفْظُ أَحْمَدَ ( عَنْ أَبِيهِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ ( عَنْ جَدِّهِ) هُوَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ ( جُهِدَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُوقِعَتْ فِي الْمَشَقَّةِ ( وَضَاعَتِ الْعِيَالُ) عِيَالُ الرَّجُلِ بِالْكَسْرِ مَنْ يَعُولُهُ وَيُمَوِّنُهُ مِنَ الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالْعَبِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ( وَنُهِكَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ نُقِصَتْ ( وَهَلَكَتِ الْأَنْعَامُ) جَمْعُ نَعَمٍ مُحَرَّكَةٌ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ ( فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا) أَيِ اطْلُبْ لَنَا السُّقْيَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ( فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ) أَيْ نَطْلُبُ الشَّفَاعَةَ ( بِكَ) أَيْ بِوُجُودِكَ وَحُرْمَتِكَ وَبِعَظَمَتِكَQمِنْهُمَا لِلْآخَرِ فَإِنَّ الْمَسَافَة يَخْتَلِف تَقْدِيرهَا
بِحَسَبِ اِخْتِلَاف السَّيْر الْوَاقِع فِيهَا فَسَيْر الْبَرِيد مَثَلًا يُقْطَع بِقَدْرِ سَيْر رِكَاب الْإِبِل سَبْع مَرَّات وَهَذَا مَعْلُوم بِالْوَاقِعِ فَمَا تَسِيرهُ الْإِبِل سَيْرًا قَاصِدًا فِي عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْطَعهُ الْبَرِيد فِي ثَلَاثَة فَحَيْثُ قَدَّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّبْعِينَ أَرَادَ بِهِ السَّيْر السَّرِيع سَيْر الْبَرِيد وَحَيْثُ قَدَّرَ بِالْخَمْسِمِائَةِ أَرَادَ بِهِ السَّيْر الَّذِي يَعْرِفُونَهُ سَيْر الْإِبِل وَالرِّكَاب فَكُلّ مِنْهُمَا يُصَدِّق الْآخَر وَيَشْهَد بِصِحَّتِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا ( وَيْحَكَ) بِمَعْنَى وَيْلَكَ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ مَعْنَى الشَّفَقَةِ عَنِ الْمَزَلَّةِ وَالْمَزْلَقَةِ وَالثَّانِيَّ دُعَاءٌ عليه بالهلكة والعقوبة قاله القارىء ( وَسَبَّحَ) أَيْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ قَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ أَنْ يُقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ انْتَهَى ( حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ حَتَّى تَبَيَّنَ أَثَرُ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ ( فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ) لأنهم فهموا من تكرير تسبيحه أنه غَضِبَ مِنْ ذَلِكَ فَخَافُوا مِنْ غَضَبِهِ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ( إِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ ( لَا يُسْتَشْفَعُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَنْ يُسْتَشْفَعَ بِهِ عَلَى أَحَدٍQذكر الشيخ بن القيم رحمه الله حديث بن إِسْحَاق الَّذِي فِيهِ وَإِنَّ عَرْشه فَوْق سَمَاوَاته كَالْقُبَّةِ وَتَعْلِيل الْمُنْذِرِيِّ لَهُ
ثُمَّ قَالَ قَالَ أَهْل الْإِثْبَات لَيْسَ فِي شَيْء مِنْ هَذَا مُسْتَرَاح لَكُمْ فِي رَدّ الْحَدِيث
أَمَّا حَمْلكُمْ فيه على بن إسحاق فجوابه أن بن إِسْحَاق بِالْمَوْضِعِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه مِنْ الْعِلْم وَالْأَمَانَة
قَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ حَدِيثه عِنْدِي صحيح وقال شعبة بن إِسْحَاق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيث وَقَالَ أَيْضًا هُوَ صَدُوق وَقَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ أَيْضًا لَمْ أَجِد لَهُ سِوَى حَدِيثَيْنِ مُنْكَرَيْنِ
وَهَذَا فِي غَايَة الثَّنَاء وَالْمَدْح إِذْ لَمْ يَجِد له عل كَثْرَة مَا رَوَى إِلَّا حَدِيثَيْنِ مُنْكَرَيْنِ
وَقَالَ علي أيضا سمعت بن عُيَيْنَةَ يَقُول مَا سَمِعْت أَحَدًا يَتَكَلَّم فِي بن إِسْحَاق إِلَّا فِي قَوْله فِي الْقَدَر وَلَا رَيْب أَنَّ أَهْل عَصْره أَعْلَم بِهِ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْدهمْ
وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم سَمِعْت الشَّافِعِيّ يَقُول قَالَ الزُّهْرِيُّ لَا يَزَال بِهَذِهِ الْحَرَّة عِلْم ما دام بها ذلك الأحول يريد بن إِسْحَاق
وَقَالَ يَعْقُوب بْن شَيْبَة سَأَلْت يَحْيَى بن معين كيف بن إِسْحَاق قَالَ لَيْسَ بِذَاكَ قُلْت فَفِي نَفْسك مِنْ حَدِيثه شَيْء قَالَ لَا كَانَ صَدُوقًا
وَقَالَ يَزِيد بْن هَارُون سَمِعْت شُعْبَة يَقُول لو كان لي سلطان لأمرت بن إسحاق على المحدثين
وقال بن عدي قد فتشت أحاديث بن إِسْحَاق الْكَبِير فَلَمْ أَجِد فِي حَدِيثه مَا يَتَهَيَّأ أَنْ نَقْطَع عَلَيْهِ بِالضَّعْفِ وَرُبَّمَا أَخْطَأَ أو وهم كما يخطيء غَيْره وَلَمْ يَتَخَلَّف فِي الرِّوَايَة عِنْد الثِّقَات وَالْأَئِمَّة وَهُوَ لَا بَأْس بِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ اسْتَشْفَعْتُ بِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ لِيَشْفَعَ لِي إِلَيْهِ فَشَفَّعَهُ أَجَابَ شَفَاعَتَهُ وَلَمَّا قِيلَ إِنَّ الشَّفَاعَةَ هِيَ الِانْضِمَامُ إِلَى آخَرٍ نَاصِرًا لَهُ وَسَائِلًا عَنْهُ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ عَظِيمٍ منع أَنْ يُسْتَشْفَعَ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ وَقَوْلُهُ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَثَرِ هَيْبَةٍ أَوْ خَوْفٍ اسْتُشْعِرَ مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ تَنْزِيهًا عَمَّا نُسِبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الِاسْتِشْفَاعِ بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَتَكْرَارِهِ مِرَارًا ( إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ) قَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَاقِفَةٌ غَيْرُ مُتَحَرِّكَةٍ وَلَا دَائِرَةٍ كَمَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ خِلَافًا لِلْمُنَجِّمِينَ وَالْفَلَاسِفَةِ انْتَهَى ( لَهَكَذَا) بِفَتْحِ اللَّامِ الِابْتِدَائِيَّةِ دَخَلَتْ عَلَى خَبَرِ إِنَّ تَأْكِيدًا لِلْحُكْمِ ( وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ) أَيْ أَشَارَ بها ( مثل القبة عليه) قال القارىء حَالٌ مِنَ الْعَرْشِ أَيْ مُمَاثِلًا لَهَا عَلَى مَا فِي جَوْفِهَاQوقال أحمد بن عبد الله العجلي بن إِسْحَاق ثِقَة
وَقَدْ اِسْتَشْهَدَ مُسْلِم بِخَمْسَةِ أَحَادِيث ذَكَرَهَا لِابْنِ إِسْحَاق فِي صَحِيحه
وَقَدْ رَوَى الترمذي في جامعه من حديث بن إِسْحَاق حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عُبَيْد بْن السَّبَّاق عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْل بْن حُنَيْف قَالَ كُنْت أَلْقَى مِنْ الْمَذْي شِدَّة فَأُكْثِر الِاغْتِسَال مِنْهُ الْحَدِيث
قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث صَحِيح لا نعرفه إلا من حديث بن إسحاق فهذا حكم قد تفرد به بن إِسْحَاق فِي الدُّنْيَا وَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ كَذَّبَهُ مَالِك فَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيّ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ قَالَ قَالَ يَحْيَى بْن الْقَطَّان أَشْهَد أَنَّ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق كَذَّاب
قُلْت وَمَا يُدْرِيك قَالَ قَالَ لِي وَهْب فَقُلْت لِوَهْبٍ وَمَا يُدْرِيك قَالَ قَالَ لِي مَالِك بْن أَنَس فَقُلْت لِمَالِك وَمَا يُدْرِيك قَالَ قَالَ لِي هِشَام بْن عُرْوَة قَالَ قُلْت لِهِشَامٍ وَمَا يُدْرِيك قَالَ حَدَّثَ عَنْ اِمْرَأَتِي فَاطِمَة بِنْت الْمُنْذِر وَأُدْخِلْت عَلَيْهَا وَهِيَ بِنْت تِسْع وَمَا رَآهَا رَجُل حَتَّى لَقِيت اللَّه قِيلَ هَذِهِ الْحِكَايَة وَأَمْثَالهَا هِيَ الَّتِي غَرَّتْ مَنْ اِتَّهَمَهُ بِالْكَذِبِ
وَجَوَابهَا مِنْ وُجُوه أَحَدهَا أَنَّ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ رَاوِيهَا عَنْ يَحْيَى هُوَ الشَّاذَكُونِيّ وَقَدْ اُتُّهِمَ بِالْكَذِبِ فَلَا يَجُوز الْقَدْح فِي الرَّجُل بِمِثْلِ رِوَايَة الشَّاذَكُونِيّ
الثَّانِي أَنَّ فِي الْحِكَايَة مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا كَذِب فَإِنَّهُ قَالَ أُدْخِلَتْ فَاطِمَة عَلَيَّ وَهِيَ بِنْت تِسْع وفاطمة أكبر من هشام بثلاث عشر سَنَة وَلَعَلَّهَا لَمْ تُزَفّ إِلَيْهِ إِلَّا وَقَدْ زادت على العشرين
ولما أخذ عنها بن إِسْحَاق كَانَ لَهَا نَحْو بِضْع وَخَمْسِينَ سَنَة
الثَّالِث أَنَّ هِشَامًا إِنَّمَا نَفَى رُؤْيَته لَهَا وَلَمْ يَنْفِ سَمَاعه مِنْهَا وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ اِنْتِفَاء قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ حَالٌ مِنَ الْمُشَارِ بِهِ وَفِي قَالَ مَعْنَى الْإِشَارَةِ أَيْ أَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى مُشَابَهَةِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَهِيَ الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ لِلْأَصَابِعِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى الْكَفِّ مِثْلَ حَالَةِ الْإِشَارَةِ انْتَهَى ( وَإِنَّهُ) أَيِ الْعَرْشُ ( لَيَئِطَّ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يُصَوِّتُ ( بِهِ) أَيْ بِاللَّهِ تَعَالَى ( أَطِيطُ الرَّحْلِ) أَيْ كَصَوْتِهِ وَالرَّحْلُ كُوَرُ النَّاقَةِ ( بِالرَّاكِبِ) أَيِ الثَّقِيلُ
وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ إِنَّ الْعَرْشَ لَيَعْجِزَ عَنْ حَمْلِهِ وَعَظَمَتِهِ إِذْ كان معلوما أن أطيط الرحل بِالرَّاكِبِ إِنَّمَا يَكُونُ لِقُوَّةِ مَا فَوْقَهُ وَعَجْزِهِ عَنِ احْتِمَالِهِ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْكَلَامُ إِذَا أُجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ فِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْكَيْفِيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ فَعُقِلَ أَنَّ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ تَحْقِيقَ هَذِهِ الصِّفَةِ وَلَا تَحْدِيدَهُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ تَقْرِيبٍ أُرِيدَ بِهِ تَقْرِيرُ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ جَلَّ جَلَالُهُ سُبْحَانَهُ وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ إِفْهَامُ السَّائِلِ مِنْ حَيْثُ أَدْرَكَهُ فَهْمَهُ إِذَا كَانَ أَعْرَابِيًّا جِلْفًا لَا عِلْمَ لَهُ لِمَعَانِي مَا دَقَّ مِنَ الْكَلَامِ وَمَا لَطَفَ مِنْهُ عَنْ دَرْكِ الْأَفْهَامِ
وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَإِضْمَارٌ فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ فَمَعْنَاهُ أَتَدْرِي مَا عَظَمَتُهُ وَجَلَالُهُ
وَقَوْلُهُ إِنَّهُ لَيَئِطَّ بِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيَعْجِزَ عَنْ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ حَتَّى يَئِطَّ بِهِ إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ أَطِيطَ الرَّجُلِ بِالرَّاكِبِ إِنَّمَا يَكُونُ لِقُوَّةِ مَا فَوْقَهُ وَلِعَجْزِهِ عَنِ احْتِمَالِهِ
فَقَرَّرَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّمْثِيلِ عِنْدِهِ مَعْنَىQالرُّؤْيَة اِنْتِفَاء السَّمَاع قَالَ الْإِمَام أَحْمَد لَعَلَّهُ سَمِعَ مِنْهَا فِي الْمَسْجِد أَوْ دَخَلَ عَلَيْهَا فَحَدَّثَتْهُ مِنْ وَرَاء حِجَاب فَأَيّ شَيْء فِي هَذَا فَقَدْ كَانَتْ اِمْرَأَة كَبِرَتْ وَأَسَنَّتْ
وَقَالَ يعقوب بن شيبة سألت بن المديني عن بن إِسْحَاق فَقَالَ حَدِيثه عِنْدِي صَحِيح
قُلْت فَكَلَام مَالِك فِيهِ قَالَ مَالِك لَمْ يُجَالِسهُ وَلَمْ يَعْرِفهُ وَأَيّ شَيْء حَدَّثَ بِالْمَدِينَةِ قُلْت فَهِشَام بْن عُرْوَة قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ قَالَ الَّذِي قَالَ هِشَام لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَعَلَّهُ دَخَلَ عَلَى اِمْرَأَته وَهُوَ غُلَام فَسَمِعَ مِنْهَا فَإِنَّ حَدِيثه لَيَتَبَيَّن فِيهِ الصِّدْق يَرْوِي مَرَّة يَقُول حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَاد وَمَرَّة يَقُول ذَكَرَ أَبُو الزِّنَاد وَيَقُول حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن دِينَار عَنْ أَيُّوب عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب فِي سَلَف وَبَيْع وَهُوَ أَرْوَى النَّاس عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب

فَصْل وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّهُ لَمْ يُصَرِّح بِسَمَاعِهِ مِنْ يَعْقُوب بْن عُتْبَة فَعَلَى تَقْدِير الْعِلْم بِهَذَا النَّفْي لَا يَخْرُج عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَارْتِفَاعِ عَرْشِهِ لِيُعْلِمَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِعُلُوِّ الشَّأْنِ وَجَلَالَةَ الْقَدْرِ وَفَخَامَةَ الذِّكْرِ لَا يُجْعَلُ شَفِيعًا إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْقَدْرِ وَأَسْفَلَ مِنْهُ فِي الدَّرَجَةِ وَتَعَالَى اللَّهُ أَنْ يَكُونَ مُشَبَّهًا بِشَيْءٍ أَوْ مُكَيَّفًا بِصُورَةِ خَلْقٍ أَوْ مُدْرِكًا بِحِسٍّ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ انْتَهَى
قُلْتُ كَلَامُ الْإِمَامِ الْخَطَّابِيِّ فِيهِ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ خِلَافٌ لِلظَّاهِرِ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ إِمْرَارَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلَا تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَمْثِيلٍ كَمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
( وَقَالَ عبد الأعلى وبن المثنى وبن بَشَّارٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَجُبَيْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ) أَيْ قَالُوا فِي رِوَايَتِهِمْ بِالْوَاوِ بَيْنَ يَعْقُوبَ وَجُبَيْرٍ وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ بِعَنْ بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ ( وَافَقَهُ عَلَيْهِ) أَيْ وَافَقَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ عَلَى إِسْنَادِهِ ( وَكَانَ سَمَاعُ عَبْدِ الْأَعْلَى إِلَخْ) أَيْ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ كُلُّهُمْ عَلَى مَا هُوَ غَيْرُ الصَّحِيحِ حَيْثُ قَالُوا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَQالْحَدِيث عَنْ كَوْنه حَسَنًا فَإِنَّهُ قَدْ لَقِيَ يَعْقُوب وَسَمِعَ مِنْهُ وَفِي الصَّحِيح قَطْعه مِنْ الِاحْتِجَاج بِعَنْعَنَةِ الْمُدَلِّس كَأَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر وَسُفْيَان عَنْ عَمْرو بْن دِينَار وَنَظَائِر كَثِيرَة لِذَلِكَ
وَأَمَّا قَوْلكُمْ تَفَرَّدَ بِهِ يَعْقُوب بْن عُتْبَة وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَد مِنْ أَصْحَاب الصَّحِيح فَهَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنَّ يَعْقُوب لَمْ يُضَعِّفهُ أَحَد وَكَمْ مِنْ ثِقَة قَدْ اِحْتَجُّوا بِهِ وَهُوَ غَيْر مُخَرَّج عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَاب عَنْ تَفَرُّد مُحَمَّد بْن جُبَيْر عَنْهُ فَإِنَّهُ ثِقَة
وَأَمَّا قولكم إن بن إِسْحَاق اِضْطَرَبَ فِيهِ إِلَى آخِره فَقَدْ اِتَّفَقَ ثلاثة من الحفاظ وهم عبد الأعلى وبن المثنى وبن يَسَار عَلَى وَهْب بْن جَرِير عَنْ أَبِيهِ عن بن إِسْحَاق أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ عَنْ يَعْقُوب بْن عُتْبَة وَجُبَيْر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ وَخَالَفَهُمْ أَحْمَد بْن سَعِيد الدِّمْيَاطِيّ فَقَالَ عَنْ وَهْب بْن جَرِير عَنْ أَبِيهِ سَمِعْت مُحَمَّد بْن إِسْحَاق يُحَدِّث عَنْ يَعْقُوب بْن عُتْبَة عَنْ جُبَيْر فَإِمَّا أَنْ يَكُون الثَّلَاثَة أَوْلَى وَإِمَّا أَنْ يَكُون يَعْقُوب رَوَاهُ عَنْ جُبَيْر بْن محمد فسمعه منه بن إِسْحَاق ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ جُبَيْر نَفْسه فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْوَاو غَلَط وَأَنَّ الصَّوَاب عَنْ يَعْقُوب بْن عُتْبَة عَنْ جُبَيْر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ وَاَللَّه أَعْلَم
وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي لَفْظه فَبَعْضهمْ قَالَ لِيَئِطّ بِهِ وَبَعْضهمْ لَمْ يَذْكُر لَفْظَة بِهِ فَلَيْسَ فِي وَجُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِلَخْ بِالْوَاوِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يروي عن النبي مِنْ جِهَةٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلَّا مِنْ هَذَا الوجه ولم يقل فيه محمد بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٌ وَإِذَا قَالَ الْمُدَلِّسُ عَنْ فُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا أَوْ سَمِعْتُ أَوْ أَخْبَرَنَا لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَإِلَى هذا أشار البزار مع بن إِسْحَاقَ إِذَا صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ اخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ لَفْظَةَ بِهِ
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ الثَّقَفِيُّ الْأَخْنَسِيُّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ الْقُرَشِيِّ النَّوْفَلِيِّ وَلَيْسَ لَهُمَا فِي صَحِيحِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ النَّيْسَابُورِيِّ رِوَايَةٌ وَانْفَرَدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عن يعقوب وبن إِسْحَاقَ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَقَدْ طَعَنَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَكَذَّبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ التَّشْبِيهُ بِالْقُبَّةِ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْعَرْشِ وَهَذَا حَدِيثٌ يَنْفَرِدُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ يَعْقُوبَ بن عتبة وصاحبا الحديث الصحيح لم يحتجابهما
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ الْأَئِمَّةُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ فَوْرَكٍ وَذَلِكَ لَا يَرْجِعُ إِلَى الْعَرْشِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُمَاسٌّ لَهُ مُمَاسَّةَ الرَّاكِبِ الرَّحْلِ بَلْ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ يُسْمَعُ لِلْعَرْشِ أَطِيطٌ فَضُرِبَ كَأَطِيطِ الرَّجُلِ إِذَا رَكِبَ وَيَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا آخَرَ أَيْضًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ مَعْنَاهُ أَطِيطُ الْمَلَائِكَةِ وَضَجَّتِهِمْ بِالتَّسْبِيحِ حَوْلَ الْعَرْشِ وَالْمُرَادُ بِهِ الطَّائِفُونَ بِهِ وَهَذَا شَائِعٌ كَمَا قَالَQهَذَا اِخْتِلَاف يُوجِب رَدّ الْحَدِيث فَإِذَا زَادَ بَعْض الْحُفَّاظ لَفْظَة لَمْ يَنْفِهَا غَيْره
وَلَمْ يرو ما يخالفا فَإِنَّهَا لَا تَكُون مُوجِبَة لِرَدِّ الْحَدِيث
فَهَذَا جَوَاب الْمُنْتَصِرِينَ لِهَذَا الْحَدِيث
قَالُوا
وَقَدْ رُوِيَ هذا المعنى عن النبي من غير حديث بن إِسْحَاق
فَقَالَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْكُوفِيّ الْمَعْرُوف بِمُطَيَّنٍ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن الْحَكَم وَعُثْمَان قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْرَائِيل عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَبْد اللَّه بْن خَلِيفَة عن عمر قال أتت النبي اِمْرَأَة فَقَالَتْ اُدْعُ اللَّه أَنْ يُدْخِلنِي الْجَنَّة فَعَظَّمَ أَمْر الرَّبّ ثُمَّ قَالَ إِنَّ كُرْسِيّه فَوْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَإِنَّهُ يَقْعُد عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُل مِنْهُ مِقْدَار أَرْبَع أَصَابِع ثُمَّ قَالَ بِأَصَابِعِهِ فَجَمَعَهَا وَإِنَّ لَهُ أَطِيطًا كَأَطِيطِ الرَّحْل الْحَدِيث فَإِنْ قِيلَ عَبْد اللَّه بْن الْحَكَم وَعُثْمَان لَا يُعْرَفَانِ
قِيلَ بَلْ هُمَا ثِقَتَانِ مَشْهُورَانِ عُثْمَان بْنُ أَبِي شَيْبَة وَعَبْد اللَّه بْن الْحَكَم الْقَطْوَانِيُّ وَهُمَا مِنْ رِجَال الصَّحِيح
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله لَمَّا قَضَى اللَّه الْخَلْق كَتَبَ فِي كِتَاب فَهُوَ عِنْده فَوْق عَرْشه إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي
وَفِي لَفْظ الْبُخَارِيّ هُوَ وَضْع عِنْده عَلَى الْعَرْش
وَفِي لَفْظ لَهُ أَيْضًا فَهُوَ مَكْتُوب فَوْق الْعَرْش واستب بعدك يا كليب المجلس إنما المراد أَهْلُ الْمَجْلِسِ وَكَذَلِكَ تَقُولُ الْعَرَبُ اجْتَمَعَتْ الْيَمَامَةُ وَالْمُرَادُ أَهْلُهَا وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ بَنُو فُلَانٍ هُمُ الطَّرِيقُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَاطِئُونَ الطَّرِيقَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ مَعْنَاهُ أَتَدْرِي مَا عَظَمَةُ اللَّهِ وَجَلَالُهُ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ فِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْكَيْفِيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةُ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ تَقْرِيبٍ أُرِيدَ بِهِ تَقْرِيبُ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ سُبْحَانَهُ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ هَذَا حَدِيثٌ يَنْفَرِدُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَصَاحِبَا الصَّحِيحِ لَمْ يَحْتَجَّا بِهِ إِنَّمَا اسْتَشْهَدَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ بِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فِي أَحَادِيثَ مَعْدُودَةٍ أَظُنُّهُنَّ خَمْسَةٌ قَدْ رَوَاهُنَّ غَيْرُهُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الشَّوَاهِدِ ذِكْرًا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةٍ وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يَرْضَاهُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لَا يَرْوِي عَنْهُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَقُولُ لَيْسَ هُوَ بِحُجَّةٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ يُكْتَبُ عَنْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ يَعْنِي الْمَغَازِيَّ وَنَحْوَهَا فَإِذَا جَاءَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ أَرَدْنَا قَوْمًا هَكَذَا يُرِيدُ أَقْوَى مِنْهُ فَإِذَا كَانَ لَاQوَوَضْع بِمَعْنَى مَوْضُوع مَصْدَر بِمَعْنَى الْمَفْعُول كَنَظَائِرِهِ
وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ ثَابِت الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَس قَالَ كَانَتْ زَيْنَب تَفْخَر عَلَى أَزْوَاج النَّبِيّ وَتَقُول زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّه مِنْ فَوْق سَبْع سَمَاوَات
وَفِي لَفْظ لِلْبُخَارِيِّ كَانَتْ تَقُول أَنْكَحَنِي اللَّه فِي السَّمَاء
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قال رسول الله مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَة مِنْ كَسْب طَيِّب وَلَا يَصْعَد إِلَى اللَّه إِلَّا الطَّيِّب فَإِنَّ اللَّه يَتَقَبَّلهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُون مِثْل الْجَبَل لَفْظ الْبُخَارِيّ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هريرة عن النبي أَنَّهُ قَالَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَة بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاة الْعَصْر وَصَلَاة الْفَجْر ثُمَّ يَعْرُج الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلهُمْ اللَّه وَهُوَ أَعْلَم بِهِمْ كَيْف تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَرَوَاهُ البيهقي بإسناد الصحيح وَقَالَ ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ وَقَالَ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيح يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُحْتَجَّ بِهِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنَّمَا نَقَمُوا عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ عَنْ ضُعَفَاءِ النَّاسِ وَتَدْلِيسِهِ أَسَامِيهِمْ فَإِذَا رَوَى عَنْ ثِقَةٍ وَبَيَّنَ سَمَاعَهُ مِنْهُ فَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا
وَهُوَ إِنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ عَنْهُ وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ سَمَاعَهُ مِنْهُمَا وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ
وَقَدْ جَعَلَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ ثَابِتًا وَاشْتَغَلَ بِتَأْوِيلِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ
ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ كَلَامَ الْخَطَّابِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ آنِفًا
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى تَأْوِيلِ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ حَدِيثُ الْعَبَّاسِ ضَعِيفٌ مِنْ وُجُوهٍ وَمُعَارَضٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَحَادِيثِ أَمَّا الضَّعْفُ فَمِنْ جِهَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمِسَاحَةِ وَالْمَسَافَةِ وَفِي صِفَةِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فَإِنَّهَا جَاءَتْ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِ مِائَةٍ وَاشْتُهِرَتْ عَنْ أَبِي ذَرِّ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي بُرْدَةَ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْإِجْمَاعِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ فَهَذِهِ دَعْوَى مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ فَإِنَّ الْمُفَسِّرِينَ بِأَجْمَعِهِمْ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى خِلَافِ مَعْنَى حَدِيثِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَهَابُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَيْضًا إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْإِجْمَاعَ وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْ رواية المسافة بقدر مَسِيرَةِ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ كَمَا فِي حَدِيثٍ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ وبينQوَفِي الصَّحِيحَيْنِ قِصَّة سَعْد بْن مُعَاذ وَحُكْمه في بني قريظة وقول النبي لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِك وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيث سَعْد بْن إِبْرَاهِيم عَنْ عَامِر بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ وَفِيهِ فَقَالَ النَّبِيّ لَقَدْ حَكَمَ فِيهِمْ الْيَوْم بِحُكْمِ اللَّه الَّذِي حَكَمَ بِهِ مِنْ فَوْق سَبْع سَمَاوَات
وَقَالَ بن إِسْحَاق فِي حَدِيثه لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّه الَّذِي حَكَمَ بِهِ مِنْ فَوْق سَبْعَة أَرْقِعَة وَالرَّقِيع مِنْ أَسْمَاء السَّمَاء وَقَدْ تَقَدَّمَ
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَالْإِمَام أَحْمَد مِنْ حَدِيث الْحَسَن عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله لِأَبِي يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُد الْيَوْم إِلَهًا قَالَ أَبِي سَبْعَة سِتَّة فِي الْأَرْض وَوَاحِدًا فِي السَّمَاء قَالَ فَأَيّهمْ تَعُدّ لِرَغْبَتِك وَرَهْبَتك قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاء قَالَ يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّك لَوْ أَسْلَمْت عَلَّمْتُك كَلِمَتَيْنِ يَنْفَعَانِك
قَالَ فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ يَا رَسُول اللَّه عَلِّمْنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتنِي قَالَ قُلْ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرّ نَفْسِي
وقد ثبت عن النبي أَنَّهُ شَهِدَ لِلْجَارِيَةِ بِالْإِيمَانِ حَيْثُ أَقَرَّتْ بِأَنَّ اللَّه فِي السَّمَاء وَحَدِيثهَا فِي صَحِيح مُسْلِم رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ هَذِهِ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فَقَالَ بَعْدَ إِخْرَاجِ رِوَايَةِ أَبَى هُرَيْرَةَ مَا نَصُّهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ اشْتُهِرَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَرَوَيْنَا عن بن مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَلِفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ قُوَّةِ السَّيْرِ وَضَعْفِهِ وَخِفَّتِهِ وَثِقَلِهِ فَيَكُونُ بِسَيْرِ الْقَوِيِّ أَقَلَّ وَبِسَيْرِ الضَّعِيفِ أَكْثَرَ انتهى
وقال بن الْقَيِّمِ وَأَمَّا اخْتِلَافُ مِقْدَارِ الْمَسَافَةِ فِي حَدِيثَيِّ الْعَبَّاسِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ مِمَّا يَشْهَدُ بِتَصْدِيقِ كُلُّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ وَأَنَّ الْمَسَافَةَ تَخْتَلِفُ تَقْدِيرُهَا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ السَّيْرِ الْوَاقِعِ فِيهَا فَسَيْرُ الْبَرِيدِ مَثَلًا يُقْطَعُ بِقَدْرِ سَيْرِ رُكَّابِ الْإِبِلِ سَبْعُ مَرَّاتٍ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالْوَاقِعِQوَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيح أَنَّهُ جَعَلَ يُشِير بِأُصْبُعِهِ إِلَى السَّمَاء فِي خُطْبَته فِي حَجَّة الْوَدَاع وَيُنَكِّسهَا إِلَى النَّاس وَيَقُول اللَّهُمَّ اِشْهَدْ وَكَانَ مُسْتَشْهِدًا بِاَللَّهِ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ دَاعِيًا حَتَّى يُقَال السَّمَاء قِبْلَة الدُّعَاء
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي نُعَيْم قَالَ سَمِعْت أَبَا سَعِيد الْخُدْرِيَّ يَقُول بَعَثَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب إِلَى رَسُول اللَّه مِنْ الْيَمَن بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيم مَقْرُوظ لَمْ تُحَصَّل مِنْ تُرَابهَا فَقَسَمَهَا بَيْن أَرْبَعَة نَفَر بَيْن عُيَيْنَةَ بْن بَدْر وَالْأَقْرَع بْن حَابِس وَزَيْد الْخَيْل وَالرَّابِع إِمَّا عَلْقَمَة بْن عُلَاثَة وَأَمَّا عَامِر بْن الطُّفَيْل فَقَالَ رَجُل مِنْ أَصْحَابه كُنَّا أَحَقّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ فَبَلَغَ ذلك النبي فقال ألا تؤمنوني وَأَنَا أَمِين مَنْ فِي السَّمَاء يَأْتِينِي خَبَر السَّمَاء صَبَاحًا وَمَسَاء
وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه حديث أبي الدرداء سمعت رسول الله يَقُول رَبّنَا اللَّه الَّذِي فِي السَّمَاء تَقَدَّسَ اِسْمك أَمْرك فِي السَّمَاء وَالْأَرْض كَمَا رَحْمَتك فِي السَّمَاء الْحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الطِّبّ
وَرَوَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ أَبِي قَابُوس مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّه بْنِ عَمْرو بْن الْعَاصِ عَنْ عَبْد الله بن عمرو أن رسول الله قَالَ اِرْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْض يَرْحَمكُمْ مَنْ فِي السَّمَاء رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حَسَن صَحِيح وَسَيَأْتِي فِي كِتَاب الْأَدَب
وَفِي صَحِيح بن حِبَّان عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَنْ سَلْمَان الفارسي عن النبي قَالَ إِنَّ رَبّكُمْ حَيّ كَرِيم يَسْتَحْيِ مِنْ عَبْده إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدّهُمَا صِفْرًا
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيث حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء عَنْ وَكِيع بْن عُدُس عَنْ أَبِي رَزِين الْعُقَيْلِيّ قَالَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَيْنَ كَانَ رَبّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض قَالَ كَانَ فِي عَمَاء مَا فَوْقه هَوَاء وَمَا تَحْته هَوَاء ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْش ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَيْهِ هَذَا لَفْظ الْبَيْهَقِيِّ وَهَذَا الْإِسْنَاد صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ فِي مَوْضِع وَحَسَّنَهُ فِي مَوْضِع
فَصَحَّحَهُ فِي الرُّؤْيَا أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ الْخَلَّال حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُون حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء عَنْ وَكِيع بْن عُدُس عَنْ عَمّه أَبِي رَزِين العقيلي قال قال رسول الله رُؤْيَا الْمُؤْمِن جُزْء فَمَا يَسِيرُهُ الْإِبِلُ سَيْرًا قَاصِدًا فِي عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْطَعُهُ الْبَرِيدُ فِي ثَلَاثَةٍ
فَحَيْثُ قَدَّرَ النبي بِالسَّبْعِينَ أَرَادَ بِهِ السَّيْرَ السَّرِيعَ سَيْرَ الْبَرِيدِ وحيث قدر بالخمس مائة أَرَادَ بِهِ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ سَيْرَ الْإِبِلِ وَالرُّكَّابِ فَكُلُّ مِنْهُمَا يُصَدِّقُ الْآخَرَ وَيَشْهَدُ بِصِحَّتِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختلافا كثيرا انْتَهَى
وَقَدْ جَاءَتْ فِي صِفَةِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ أَلْوَانٌ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ فَأَنَّى يَصِحُّ الْإِجْمَاعُ وَاللَّهُ أعلم
قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي تَهْذِيبِ السُّنَنِ أَمَّا حَمْلُكُمْ فِيهِ على بن إسحاق فجوابه أن بن إِسْحَاقَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْأَمَانَةِ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ حَدِيثُهُ عِنْدِي صَحِيحٌ وَقَالَ شُعْبَةُ بْنُ إِسْحَاقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ أَيْضًا هُوَ صَدُوقٌ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ أَيْضًا لَمْ أَجِدْ لَهُ سِوَى حَدِيثَيْنِ مُنْكَرَيْنِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ إِذْ لَمْ يَجِدْ لَهُ عَلَى كَثْرَةِ مَا رَوَى إِلَّا حَدِيثَيْنِ مُنْكَرَيْنِQمِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة وَهِيَ عَلَى رِجْل طَائِر مَا لَمْ يُحَدِّث بِهَا فَإِذَا حَدَّثَ بِهَا وَقَعَتْ قَالَ وَأَحْسِبهُ قَالَ لَا تُحَدِّث بِهَا إِلَّا لَبِيبًا أَوْ حَبِيبًا قَالَ الترمذي هذا حديث حسن صحيح
قال بن الْقَطَّان فَيَلْزَمهُ تَصْحِيح الْحَدِيث الْأَوَّل أَوْ الِاقْتِصَار عَلَى تَحْسِين الثَّانِي يَعْنِي لِأَنَّ الْإِسْنَاد وَاحِد
قَالَ فَإِنْ قِيلَ لَعَلَّهُ حَسَّنَ الْأَوَّل لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة وَصَحَّحَ الثَّانِي لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَة شُعْبَة وَفَضْل مَا بَيْنهمَا فِي الْحِفْظ بَيِّن
قُلْنَا قَدْ صَحَّحَ مِنْ أَحَادِيث حَمَّاد بْن سَلَمَة مَا لَا يُحْصَى وَهُوَ مَوْضِع لَا نَظَر فِيهِ عِنْده وَلَا عِنْد أَحَد مِنْ أَهْل الْعِلْم فَإِنَّهُ إِمَام وَكَانَ عِنْد شُعْبَة مِنْ تَعْظِيمه وَإِجْلَاله مَا هُوَ مَعْلُوم
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِم عَنْ الْأَصَمّ عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الصَّنْعَانِيِّ حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُون أَخْبَرَنَا جَرِير بْن حَازِم عَنْ أَبِي يَزِيد الْمَدِينِيّ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب مَرَّ فِي نَاس مِنْ أَصْحَابه فَلَقِيَتْهُ عَجُوز وَاسْتَوْقَفَتْهُ فَوَقَفَ عَلَيْهَا فَوَضَعَ يَده عَلَى مَنْكِبَيْهَا حَتَّى قَضَتْ حَاجَتهَا فَلَمَّا فَرَغَتْ قَالَ لَهُ رَجُل حَبَسْت رِجَالَات قُرَيْش عَلَى هَذِهِ الْعَجُوز
قَالَ وَيْحك تَدْرِي مَنْ هَذِهِ هَذِهِ عَجُوز سَمِعَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ شَكْوَاهَا مِنْ فَوْق سَبْع سَمَاوَات وَاَللَّه لَوْ اِسْتَوْقَفَتْنِي إِلَى اللَّيْل لَوَقَفْت عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ آتِي صَلَاة ثُمَّ أَعُود عَلَيْهَا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْجَوْهَرِيّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْهَيْثَم حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن كَثِير الْمِصِّيصِيّ قَالَ سَمِعْت الْأَوْزَاعِيَّ يَقُول كُنَّا وَالتَّابِعُونَ مُتَوَافِرُونَ نَقُول إِنَّ اللَّه تَعَالَى فَوْق عَرْشه وَنُؤْمِن بِمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّة مِنْ صِفَاته
وَقَالَ الْبُخَارِيّ فِي الصَّحِيح قَالَ أَبُو الْعَالِيَة اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء اِرْتَفَعَ فَسَوَّى خَلْقهنَّ
وَقَالَ مُجَاهِد اِسْتَوَى عَلَا
وَقَالَ أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد الطَّبَرِيُّ مِنْ كِبَار أَصْحَاب أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ وَاَللَّه فِي السَّمَاء فَوْق كُلّ شَيْء مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه بِمَعْنَى أَنَّهُ عَالٍ عَلَيْهِ وَمَعْنَى الِاسْتِوَاء الِاعْتِلَاء كَمَا تَقُول وقال علي أيضا سمعت بن عُيَيْنَةَ يَقُولُ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَتَكَلَّمُ فِي بن إِسْحَاقَ إِلَّا فِي قَوْلِهِ فِي الْقَدَرِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَهْلَ عَصْرِهِ أَعْلَمُ بِهِ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْدَهُمْ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ قَالَ الزُّهْرِيُّ لَا يَزَالُ بِهَذِهِ الْحِرَّةِ عِلْمٌ ما دام بها ذلك الأحول يريد بن إِسْحَاقَ
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ سَأَلْتُ يَحْيَى بن معين كيف بن إِسْحَاقَ قَالَ لَيْسَ بِذَاكَ قُلْتُ فَفِي نَفْسِكَ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْءٌ قَالَ لَا كَانَ صَدُوقًا
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ لو كان لي سلطان لأمرت بن إسحاق على المحدثين
وقال بن عدي قد فتشت أحاديث بن إِسْحَاقَ الْكَثِيرَ فَلَمْ أَجِدْ فِي أَحَادِيثِهِ شَيْئًا أن يقطعQاِسْتَوَيْت عَلَى ظَهْر الدَّابَّة وَاسْتَوَيْت عَلَى السَّطْح بِمَعْنَى عَلَوْته وَاسْتَوَتْ الشَّمْس عَلَى رَأْسِي وَاسْتَوَى الطَّيْر عَلَى قِمَّة رَأْسِي بِمَعْنَى عَلَا يَعْنِي عَلَا فِي الْجَوّ فَوُجِدَ فَوْق رَأْسِي فَالْقَدِيم سُبْحَانه عَالٍ عَلَى عَرْشه لَا قَاعِد وَلَا قَائِم وَلَا مُمَاسّ وَلَا مُبَايِن عَنْ الْعَرْش هَذَا كَلَامه حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ
قَالَ وَرَوَى الْحَسَن بْن مُحَمَّد الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه نَفْطَوَيْهِ النَّحْوِيّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سُلَيْمَان قال كنا عند بن الْأَعْرَابِيّ فَأَتَاهُ رَجُل فَقَالَ يَا أَبَا عَبْد اللَّه مَا مَعْنَى { الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى} قَالَ إِنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه كَمَا أَخْبَرَ
فَقَالَ الرَّجُل إِنَّمَا مَعْنَى اِسْتَوَى اِسْتَوْلَى فَقَالَ له بن الْأَعْرَابِيّ مَا يُدْرِيك الْعَرَب لَا تَقُول اِسْتَوْلَى فُلَان عَلَى الشَّيْء حَتَّى يَكُون لَهُ فِيهِ مُضَادّ فَأَيّهمَا غَلَبَ قِيلَ قَدْ اِسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَاَللَّه تَعَالَى لَا مُضَادّ لَهُ فَهُوَ عَلَى عَرْشه كَمَا أَخْبَرَ
وَقَالَ يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الطُّلَيْطِلِيّ فِي كِتَاب سِيَر الْفُقَهَاء حَدَّثَنِي عَبْد الْمَلِك بْن حَبِيب عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُغِيرَة عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ قَوْل الرَّجُل يَا خَيْبَة الدَّهْر وَكَانُوا يَقُولُونَ اللَّه هُوَ الدَّهْر وَكَانُوا يَكْرَهُونَ قَوْل الرَّجُل رَغْم أَنْفِي لِلَّهِ
وَإِنَمَا يُرْغَم أَنْف الْكَافِر قَالَ وَكَانُوا يَكْرَهُونَ قَوْل الرَّجُل لَا وَاَلَّذِي خَاتَمه عَلَى فَمِي إِنَّمَا يُخْتَم عَلَى فَم الْكَافِر وَكَانُوا يَكْرَهُونَ قَوْل الرَّجُل وَاَللَّه حَيْثُ كَانَ أَوْ إِنَّ اللَّه بِكُلِّ مَكَان
قَالَ أَصْبَغ وَهُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عرشه وبكل مكان علمه وإحاطته
وقال بن عَبْد الْبَرّ فِي التَّمْهِيد وَالِاسْتِذْكَار قَالَ مَالِك اللَّه فِي السَّمَاء وَعِلْمه فِي كُلّ مَكَان
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الطَّيِّب الْمَالِكِيّ الْأَشْعَرِيّ فِي رِسَالَته الْمَشْهُورَة الَّتِي سَمَّاهَا رِسَالَة الْحَيْدَة وَأَنَّ اللَّه سُبْحَانه شَاءَ مُرِيد كَمَا قَالَ تَعَالَى { فَعَّال لِمَا يُرِيد} وَقَالَ { يُرِيد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وَقَالَ { إِنَّمَا قَوْلنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون} وَأَنَّ اللَّه مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه وَمُسْتَوْلٍ عَلَى جَمِيع خَلْقه كَمَا قَالَ تَعَالَى { الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى} بِغَيْرِ مُمَاسَّة وَلَا كَيْفِيَّة وَلَا مُجَاوَرَة عَلَيْهِ بِالضَّعْفِ وَرُبَّمَا أَخْطَأَ أَوْ وَهِمَ كَمَا يخطىء غَيْرُهُ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ الثِّقَاتُ وَالْأَئِمَّةُ وَهُوَ لَا بَأْسَ بِهِ
وَقَالَ أَحْمَدُ بن عبد الله العجلي بن إِسْحَاقَ ثِقَةٌ
وَقَدِ اسْتَشْهَدَ مُسْلِمٌ بِخَمْسَةِ أَحَادِيثَ ذَكَرَهَا لِابْنِ إِسْحَاقَ فِي صَحِيحِهِ
وَقَدْ رَوَى الترمذي في جامعه من حديث بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ كُنْتُ أَلْقَى مِنَ الْمَذْيِ شِدَّةً فَأُكْثِرُ الِاغْتِسَالَ مِنْهُ الْحَدِيثَ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لا نعرفه إلا من حديث بن إسحاق فهذا حكم قد تفرد به بن إِسْحَاقَ فِي الدُّنْيَا وَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ كَذَّبَهُ مَالِكٌ فَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ قَالَ يَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ كَذَّابٌ قُلْتُ وَمَا يُدْرِيكَ قَالَ قَالَ لِي وُهَيْبٌ فَقُلْتُ لِوُهَيْبٍ وَمَا يُدْرِيكَ قَالَ قَالَ لِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَقُلْتُ لِمَالِكٍ وَمَا يُدْرِيكَQوَقَالَ حَافِظ الْمَغْرِب إِمَام السُّنَّة فِي وَقْته أَبُو عُمَر يُوسُف بْن عَبْد الْبَرّ فِي كِتَابَيْهِ التَّمْهِيد وَالِاسْتِذْكَار فِي شَرْح حَدِيث مَالِك عن بن شِهَاب عَنْ الْأَغَرّ وَأَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هريرة عن النبي قَالَ يَنْزِل رَبّنَا كُلّ لَيْلَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا الْحَدِيث
قَالَ أَبُو عُمَر وَهَذَا لَفْظه فِي الِاسْتِذْكَار فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّمَاء عَلَى الْعَرْش مِنْ فَوْق سَبْع سَمَاوَات كَمَا قَالَتْ الْجَمَاعَة وَهُوَ مِنْ حُجَّتهمْ عَلَى الْمُعْتَزِلَة وَالْجَهْمِيَّة فِي قَوْلهمْ إِنَّ اللَّه تَعَالَى فِي كُلّ مَكَان وَلَيْسَ عَلَى الْعَرْش وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة مَا قَالَهُ أَهْل الْحَقّ فِي ذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى} وَقَوْله { ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان} وَقَوْله تَعَالَى { إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلًا} وَقَوْله { إِلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب} وَقَوْله { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبّه لِلْجَبَلِ} وَقَالَ { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء أَنْ يَخْسِف بِكُمْ الْأَرْض} وَقَالَ { سَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى} وَهَذَا مِنْ الْعُلُوّ وَكَذَلِكَ قَوْله { العلي العظيم} و { الكبير الْمُتَعَالِ} وَ { رَفِيع الدَّرَجَات ذُو الْعَرْش} { يَخَافُونَ رَبّهمْ مِنْ فَوْقهمْ}
وَقَالَ جَلَّ ذِكْره { يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ} وَقَوْله { تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ} وَقَوْله لِعِيسَى { إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك إِلَيَّ} وَقَوْله { بَلْ رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ}
وَقَالَ { فَاَلَّذِينَ عِنْد رَبّك يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار} وَقَالَ { وَمَنْ عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَته} وَقَالَ لَيْسَ لَهُ دَافِع مِنْ اللَّه ذِي الْمَعَارِج وَالْعُرُوج هُوَ الصُّعُود وَأَمَّا قَوْله { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} فَمَعْنَاهُ مَنْ عَلَى السَّمَاء يَعْنِي عَلَى الْعَرْش وَقَدْ تَكُون فِي بِمَعْنَى عَلَى أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله تَعَالَى { فَسِيحُوا فِي الْأَرْض} أَيْ على الأرض
وكذلك قوله { ولأصلبنكم فِي جُذُوع النَّخْل} أَيْ عَلَى جُذُوع النَّخْل
وَهَذَا كُلّه يُعَضِّدهُ قَوْله تَعَالَى { تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ} وَمَا كَانَ قَالَ قَالَ لِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ قُلْتُ لِهِشَامٍ وَمَا يُدْرِيكَ قَالَ حَدَّثَ عَنِ امْرَأَتِي فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ وَدَخَلْتُ عَلَيْهَا ( أُدْخِلَتْ عَلَيَّ) وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَمَا رَآهَا رَجُلٌ حَتَّى لَقِيَتِ اللَّهَ
قِيلَ هَذِهِ الْحِكَايَةُ وَأَمْثَالُهَا هِيَ الَّتِي غَرَّتْ مَنِ اتَّهَمَهُ بِالْكَذِبِ وَجَوَابُهَا مِنْ وُجُوهٍ أَحَدِهَا أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ رَاوِيَهَا عَنْ يَحْيَى هُوَ الشَّاذَكُونِيُّ وَقَدِ اتُّهِمَ بِالْكَذِبِ فَلَا يَجُوزُ الْقَدْحُ فِي الرَّجُلِ بِمِثْلِ رِوَايَةِ الشَّاذَكُونِيِّ
الثَّانِي أَنَّ فِي الْحِكَايَةِ مَا يدل على أنها كذب فإنه قال أدخلت علي وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَفَاطِمَةُ أَكْبَرُ مِنْ هِشَامٍ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَعَلَّهَا لَمْ تُزَفَّ إِلَيْهِ إِلَّا وَقَدْ زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ وَلَمَّا أَخَذَ عنها بن إِسْحَاقَ كَانَ لَهَا نَحْوُ بِضْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً الثَّالِثِ أَنَّ هِشَامًا إِنَّمَا نَفَى رُؤْيَتَهُ لَهَا وَلَمْ يَنْفِ سَمَاعَهُ مِنْهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ الرُّؤْيَةِ انْتِفَاءُ السَّمَاعِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَعَلَّهُ سَمِعَ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ دَخَلَ عَلَيْهَا فَحَدَّثَتْهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا وَقَدْ كَانَتِ امْرَأَةً قد كبرت وأسنتQمِثْله مِمَّا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَات فِي هَذَا الْبَاب
فَهَذِهِ الْآيَات وَغَيْرهَا كُلّهَا وَاضِحَة فِي إِبْطَال قَوْل الْمُعْتَزِلَة
وَأَمَّا اِدِّعَاؤُهُمْ الْمَجَاز فِي الِاسْتِوَاء وَقَوْلهمْ اِسْتَوَى بِمَعْنَى اِسْتَوْلَى
فَلَا مَعْنَى لَهُ
لِأَنَّهُ غَيْر ظَاهِر فِي اللُّغَة
وَمَعْنَى الِاسْتِيلَاء فِي اللُّغَة الْمُغَالَبَة
وَاَللَّه لَا يَغْلِبهُ وَلَا يَعْلُوهُ أَحَد
وَهُوَ الْوَاحِد الصَّمَد
وَمِنْ حَقّ الْكَلَام أَنْ يُحْمَل عَلَى حَقِيقَته حَتَّى يَكُون اِتِّفَاق مِنْ الْأُمَّة أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمَجَاز إِذْ لَا سَبِيل إِلَى اِتِّبَاع مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ رَبّنَا إِلَّا عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُوَجَّه كَلَام اللَّه إِلَى الْأَشْهَر وَالْأَظْهَر مِنْ وُجُوهه مَا لَمْ يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِب لَهُ التَّسْلِيم
وَلَوْ سَاغَ اِدِّعَاء الْمَجَاز لِكُلِّ مُدَّعٍ مَا ثَبَتَ شَيْء مِنْ الْعِبَادَات
وَجَلَّ اللَّه أَنْ يُخَاطِب عِبَاده فِي كِتَابه الْعَرَبِيّ إِلَّا بِمَا يَفْهَمهُ الْعَرَب فِي مَعْهُود مُخَاطَبَتهَا مِمَّا يَصِحّ مَعْنَاهُ عِنْد السَّامِعِينَ
وَالِاسْتِوَاء فِي اللُّغَة مَعْلُوم مَفْهُوم وَهُوَ الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع عَلَى الشَّيْء وَالِاسْتِقْرَار وَالتَّمَكُّن فِيهِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى { اِسْتَوَى} قَالَ عَلَا
وَتَقُول الْعَرَب اِسْتَوَيْت فَوْق الدَّابَّة وَاسْتَوَيْت فَوْق الْبَيْت
قَالَ أَبُو عَمْرو الِاسْتِقْرَار فِي الْعُلُوّ
وَبِهَذَا خَاطَبَنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابه
فَقَالَ { لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُوره ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَة رَبّكُمْ إِذَا اِسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} وَقَالَ { وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ} وَقَالَ { فَإِذَا اِسْتَوَيْت أَنْتَ وَمَنْ مَعَك عَلَى الْفُلْك}
وَقَالَ الشَّاعِر وقال يعقوب بن شيبة سألت بن المديني عن بن إِسْحَاقَ قَالَ حَدِيثُهُ عِنْدِي صَحِيحٌ قُلْتُ فَكَلَامُ مَالِكٍ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ لَمْ يُجَالِسْهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ وَأَيُّ شَيْءٍ حَدَّثَ بِالْمَدِينَةِ
قُلْتُ فَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ قَالَ الَّذِي قَالَ هِشَامٌ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَعَلَّهُ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ غُلَامٌ فَسَمِعَ مِنْهَا فَإِنَّ حَدِيثَهُ يستبين فيه الصدق يروي مرة حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ وَمَرَّةً ذَكَرَ أَبُو الزِّنَادِ وَيَقُولُ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي سَلَفٍ وَبَيْعٍ وَهُوَ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِسَمَاعِهِ مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ فَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْعِلْمِ بِهَذَا النَّفْيِ لَا يَخْرُجُ الْحَدِيثُ عَنْ كَوْنِهِ حَسَنًا فَإِنَّهُ قَدْ لَقِيَ يَعْقُوبَ وَسَمِعَ مِنْهُ وَفِي الصَّحِيحِ قِطْعَةٌ مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِعَنْعَنَةِ الْمُدَلِّسِ كَأَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَسُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ لِذَلِكَQفَأَوْرَدْتهمْ مَأْسَفًا قَعْره وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْم الْيَمَانِيّ فَاسْتَوَى وَهَذَا لَا يَجُوز أَنْ يَتَأَوَّل فِيهِ أَحَد أَنَّ مَعْنَاهُ اِسْتَوْلَى
لِأَنَّ النَّجْم لَا يَسْتَوْلِي
وَقَدْ ذَكَرَ النَّضْر بْن شُمَيْلٍ وَكَانَ ثِقَة مَأْمُونًا جَلِيلًا فِي عِلْم الدِّيَانَة وَاللُّغَة قَالَ حَدَّثَنِي الْخَلِيل وَحَسْبك بِالْخَلِيلِ قَالَ أَتَيْت أَبَا رَبِيعَة الْأَعْرَابِيّ وَكَانَ مِنْ أَعْلَم مَنْ رَأَيْت فَإِذَا هُوَ عَلَى سَطْح فَسَلَّمْنَا فَرَدَّ عَلَيْنَا السَّلَام وَقَالَ لَنَا اِسْتَوُوا
فَبَقِينَا مُتَحَيِّرِينَ
وَلَمْ نُدْرِك مَا قَالَ
فَقَالَ لَنَا أَعْرَابِيّ إِلَى جَنْبه أَمَرَكُمْ أَنْ تَرْتَفِعُوا
قَالَ الْخَلِيل هُوَ مِنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان} فَصَعِدْنَا إِلَيْهِ
وَأَمَّا مَنْ نَزَعَ مِنْهُمْ بِحَدِيثِ عَبْد اللَّه بن واقد الواسطي بإسناده عن بن عَبَّاس الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى اِسْتَوْلَى عَلَى جَمِيع بَرِيَّته فَلَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَان
فَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا حَدِيث مُنْكَر وَنَقَلَته مَجْهُولُونَ ضُعَفَاء وَهُمْ لَا يَقْبَلُونَ أَخْبَار الْآحَاد الْعُدُول
فَكَيْف يَسُوغ لَهُمْ الِاحْتِجَاج بِمِثْلِ هَذَا مِنْ الْحَدِيث لَوْ عَقَلُوا أَوْ أَنْصَفُوا أَمَا سَمِعُوا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول { وَقَالَ فِرْعَوْن يَا هَامَان اِبْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَاوَات فَأَطَّلِع إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنّهُ كَاذِبًا} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُوسَى كَانَ يَقُول إِلَهِي فِي السَّمَاء وَفِرْعَوْن يَظُنّهُ كَاذِبًا
وَقَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت فَسُبْحَان مَنْ لَا يُقَدِّر الْخَلْق قَدْره وَمَنْ هُوَ فَوْق الْعَرْش فَرْد مُوَحَّد مَلِيك عَلَى عَرْش السَّمَاء مُهَيْمِن لِعِزَّتِهِ تَعْنُو الْوُجُوه وَتَسْجُد قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ وَإِنْ اِحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الْأَرْض إِلَه} وَبِقَوْلِهِ { وَهُوَ اللَّه فِي السَّمَاوَات وَفِي الْأَرْض} وَبِقَوْلِهِ { مَا يَكُون مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رَابِعهمْ} الْآيَة
قِيلَ لَهُمْ لَا خِلَاف بَيْننَا وَبَيْنكُمْ وَبَيْن سَائِر الْأُمَّة أَنَّهُ سُبْحَانه لَيْسَ فِي الْأَرْض دُون السَّمَاء
فَوَجَبَ حَمْل هَذِهِ الْآيَة عَلَى الْمَعْنَى الصَّحِيح الْمُجْمَع عَلَيْهِ
وَذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانه فِي السَّمَاء إِلَه معبود من وَأَمَّا قَوْلُكُمْ تَفَرَّدَ بِهِ يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الصَّحِيحِ فَهَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنَّ يَعْقُوبَ ثِقَةٌ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَحَدٌ وَكَمْ مِنْ ثِقَةٍ قَدِ احْتُجَّ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُخَرَّجٍ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ تَفَرُّدِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ
وَأَمَّا قولكم أن بن إِسْحَاقَ اضْطُرِبَ فِيهِ فَقَدِ اتَّفَقَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الحفاظ عبد الأعلى وبن المثنى وبن بَشَّارٍ عَلَى وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عن بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَجُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ وَخَالَفَهُمْ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمْيَاطِيُّ فَقَالَ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ جُبَيْرٍ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الثَّلَاثَةُ أَوْلَى وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يَعْقُوبُ رَوَاهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ محمد فسمعه منه بن إِسْحَاقَ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ جُبَيْرٍ نَفْسِهِ فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْوَاوَ غَلَطٌ وَإِنَّ الصَّوَابَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِQأَهْل السَّمَاء وَأَنَّهُ سُبْحَانه فِي الْأَرْض إِلَه مَعْبُود مُسْتَحِقّ لِلْعِبَادَةِ مِنْ أَهْل الْأَرْض
وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْل الْعِلْم بِالتَّفْسِيرِ وَظَاهِر التَّنْزِيل يَشْهَد أَنَّهُ عَلَى الْعَرْش
وَالِاخْتِلَاف فِي ذَلِكَ سَاقِط
وَأَسْعَد النَّاس بِهِ مَنْ سَاعَدَهُ الظَّاهِر
وَأَمَّا قَوْله { وَفِي الْأَرْض إِلَه} فَالْإِجْمَاع وَالِاتِّفَاق قَدْ بَيَّنَ الْمُرَاد أَنَّهُ مَعْبُود مِنْ أَهْل الْأَرْض
فَتَدَبَّرْ هَذَا فَإِنَّهُ قَاطِع
وَمِنْ الْحُجَّة أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْعَرْش فَوْق السَّمَاوَات أَنَّ الْمُوَحِّدِينَ أَجْمَعِينَ مِنْ الْعَرَب وَالْعَجَم إِذَا كَرَبَهُمْ أَمْر أَوْ نَزَلَتْ بِهِمْ شِدَّة رَفَعُوا أَيْدِيهمْ وَوُجُوههمْ إِلَى السَّمَاء فَيَسْتَغِيثُونَ رَبّهمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
وَهَذَا أَشْهَر عِنْد الْعَامَّة وَالْخَاصَّة مِنْ أَنْ يُحْتَاج فِيهِ إِلَى أَكْثَر مِنْ حِكَايَته
لِأَنَّهُ اِضْطِرَار لَمْ يُوقِفهُمْ عَلَيْهِ أَحَد وَلَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ مُسْلِم
وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ لِلْأَمَةِ الَّتِي أَرَادَ مَوْلَاهَا عِتْقهَا
فَاخْتَبَرَهَا رَسُول الله لِيَعْلَم إِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَة أَمْ لَا
فَقَالَ لَهَا أَيْنَ اللَّه فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ قَالَ لَهَا مَنْ أَنَا قَالَتْ رَسُول اللَّه
قَالَ اِعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَة
فَاكْتَفَى رَسُول اللَّه بِرَفْعِهَا رَأْسهَا إِلَى السَّمَاء وَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَمَّا سِوَاهُ
هَذَا لَفْظ أَبِي عُمَر فِي الِاسْتِذْكَار
وَذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيد أَطْوَل مِنْهُ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ وَأَبُو سَعِيد بْن أَبِي عَمْرو حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْنُ يَعْقُوب حَدَّثَنَا هَارُون بْن سُلَيْمَان حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ عَاصِم عَنْ زِرّ بْن حُبَيْشٍ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ بَيْن سَمَاء الدُّنْيَا وَاَلَّتِي تَلِيهَا خَمْسمِائَةِ عَام وَبَيْن كُلّ سَمَاء خَمْسمِائَةِ عَام وَبَيْن السَّمَاء السَّابِعَة وَالْكُرْسِيّ خَمْسمِائَةِ عَام وَبَيْن الْكُرْسِيّ وَبَيْن الْمَاء خَمْسمِائَةِ عَام وَالْكُرْسِيّ فَوْق الْمَاء
وَاَللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَوْق الْكُرْسِيّ وَيَعْلَم مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّهُ اخْتَلَفَ لَفْظُهُ فَبَعْضُهُمْ قَالَ لَيَئِطُّ بِهِ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ بِهِ فَلَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ يُوجِبُ رَدَّ الْحَدِيثِ فَإِذَا زَادَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ لَفْظَةً لَمْ يَنْفِهَا غَيْرُهُ وَلَمْ يَرْوِ مَا يُخَالِفُهَا فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُوجِبَةً لِرَدِّ الْحَدِيثِ فَهَذَا جَوَابُ الْمُنْتَصِرِينَ لهذا الحديثQقَالَ وَرَوَاهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة عَنْ عَاصِم بْن بَهْدَلَة عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ مَا بَيْن السَّمَاء إِلَى الْأَرْض مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام
ثُمَّ بَيْن كُلّ سَمَاءَيْنِ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام وَغِلَظ كُلّ سَمَاء مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام ثُمَّ مَا بَيْن السَّمَاء السَّابِعَة وَبَيْن الْكُرْسِيّ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام وَمَا بَيْن الْكُرْسِيّ وَالْمَاء خَمْسمِائَةِ عَام وَالْكُرْسِيّ فَوْق الْمَاء وَاَللَّه فَوْق الْعَرْش
وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالكُمْ
وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي كِتَاب الْأُمّ وَرُوِّينَاهُ فِي مُسْنَده أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عُبَيْد قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَزْهَر مُعَاوِيَة بْن إِسْحَاق بْن طَلْحَة عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر أَنَّهُ سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول أتى جبريل النبي بِمِرْآةٍ بَيْضَاء فِيهَا نُكْتَة
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذِهِ فَقَالَ هَذِهِ الْجُمُعَة فُضِّلْت بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتك
وَالنَّاس لَكُمْ فِيهَا تَبَع الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلَكُمْ فِيهَا خَيْر وَفِيهَا سَاعَة لَا يُوَافِقهَا مُؤْمِن يَدْعُو اللَّه بِخَيْرٍ إِلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ وَهُوَ عِنْدنَا يَوْم المزيد
فقال النبي يَا جِبْرِيل وَمَا يَوْم الْمَزِيد فَقَالَ إِنَّ رَبّك اِتَّخَذَ فِي الْفِرْدَوْس وَادِيًا أَفَيْح فِيهِ كَثِيب مِنْ مِسْك
فَإِذَا كَانَ يَوْم الْجُمُعَةِ أَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا شَاءَ مِنْ مَلَائِكَته وَحَوْله مَنَابِر مِنْ نُور عَلَيْهَا مَقَاعِد لِلنَّبِيِّينَ وَحَفَّ تِلْكَ الْمَنَابِر بِمَنَابِر مِنْ ذَهَب مُكَلَّلَة بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَد عَلَيْهَا الشُّهَدَاء وَالصِّدِّيقُونَ
فَجَلَسُوا مِنْ وَرَائِهِمْ عَلَى تِلْكَ الْكُثْبَان فَيَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَا رَبُّكُمْ قَدْ صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي فَسَلُونِي أُعْطِكُمْ
فَيَقُولُونَ رَبّنَا نَسْأَلك رِضْوَانك
فَيَقُول قَدْ رَضِيت عَنْكُمْ وَلَكُمْ مَا تَمَنَّيْتُمْ وَلَدَيَّ مَزِيد
فَهُمْ يُحِبُّونَ يَوْم الْجُمُعَةِ لِمَا يُعْطِيهِمْ فِيهِ رَبّهمْ مِنْ الْخَيْر
وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي اِسْتَوَى فِيهِ رَبّك تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْعَرْش
وَفِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ تَقُوم السَّاعَة
قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَان إِبْرَاهِيم بْن الْجَعْد عَنْ أَنَس بْنِ مَالِك شَبِيهًا بِهِ
اِحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيّ فِي فَضْل الْجُمُعَةِ وَكَانَ حَسَن الْقَوْل فِي إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد شَيْخه
وَالْحَدِيث لَهُ طُرُق عَدِيدَة
وَرَوَاهُ أَبُو الْيَمَان الْحَكَم بْن نَافِع حَدَّثَنَا صَفْوَان قَالَ قَالَ أَنَس بْن مَالِك رضي الله عنه قال رسول الله أَتَانِي جِبْرِيل فَذَكَرَهُ
وَرَوَاهُ مُحَمَّد بْن شُعَيْب عَنْ عُمَر مَوْلَى عَفْرَة عَنْ أَنَس بْن مَالِك عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَاهُ أَبُو طَيْبَة عَنْ عُثْمَان بْن عُمَيْر عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قَالُوا وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ بن إِسْحَاقَ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِمُطَيَّنٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ وَعُثْمَانُ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ عن عمر قال أتت النبي امْرَأَةٌ فَقَالَتْ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ فَعَظَّمَ أَمْرَ الرَّبِّ ثُمَّ قَالَ إِنَّ كُرْسِيَّهُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْصِلُ مِنْهُ مِقْدَارُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ ثُمَّ قَالَ بِأَصَابِعِهِ فَجَمَعَهَا وَإِنَّ لَهُ أَطِيطًا كَأَطِيطِ الرَّحْلِ الحديثQوَقَدْ جَمَعَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي دَاوُدَ طُرُقه وَقَالَ أَبُو طَيْبَة اِسْمه رَجَاء بْن الْحَرْث ثِقَة وَعُثْمَان بْن عُمَيْر يُكَنَّى أَبَا الْيَقْظَان
وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الَّتِي أَجْمَعَتْ الأمة على صحتها وقبولها بأن النبي عُرِجَ بِهِ إِلَى رَبّه وَأَنَّهُ جَاوَزَ السَّمَاوَات السَّبْع وَأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْن مُوسَى وَبَيْن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِرَارًا فِي شَأْن الصَّلَاة وَتَخْفِيفهَا وَهَذَا مِنْ أَعْظَم الْحُجَج عَلَى الْجَهْمِيَّةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ عُرِجَ بِهِ إِلَى رَبّه وَإِنَّمَا يَقُولُونَ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء
وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الرواية عن النبي بِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِل كُلّ لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا يَقُول هَلْ مِنْ تَائِب فَأَتُوب عَلَيْهِ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِر فَأَغْفِر لَهُ رَوَاهُ بِضْعَة وَعِشْرُونَ صَحَابِيًّا
وَفِي مُسْنَد الْإِمَام أحمد وسنن بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ قَالَ رَسُول الله بَيْنَا أَهْل الْجَنَّة فِي نَعِيمهمْ إِذْ سَطَعَ لهم نور فرفعوا رؤوسهم فَإِذَا الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقهمْ فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُمْ يَا أَهْل الْجَنَّة
قَالَ وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { سَلَام قَوْلًا مِنْ رَبّ رَحِيم} فَيَنْظُر إِلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْء مِنْ النَّعِيم مَا داموا ينظرون إليه حتى يحجب عَنْهُمْ وَيَبْقَى نُوره وَبَرَكَته عَلَيْهِمْ فِي دِيَارهمْ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَامَ فينا رسول الله بِخَمْسِ كَلِمَات فَقَالَ إِنَّ اللَّه لَا يَنَام وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَام يَخْفِض الْقِسْط وَيَرْفَعهُ يُرْفَع إِلَيْهِ عَمَل النَّهَار قَبْل عَمَل اللَّيْل وَعَمَل اللَّيْل قَبْل عَمَل النَّهَار حِجَابه النُّور لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَات وَجْهه مَا اِنْتَهَى إِلَيْهِ بَصَره مِنْ خَلْقه
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَاكِم فِي عُلُوم الْحَدِيث فِي النَّوْع الْعِشْرِينَ سَمِعْت مُحَمَّد بْن صَالِح بْنِ هانيء يَقُول سَمِعْت أَبَا بَكْر بْن إِسْحَاق بْن خُزَيْمَةَ يَقُول مَنْ لَمْ يُقِرّ بِأَنَّ اللَّه على عرشه قد استوى فوق سبع سمواته فَهُوَ كَافِر بِهِ يُسْتَتَاب فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقه وَأُلْقِيَ عَلَى بَعْض الْمَزَابِل حَيْثُ لَا يَتَأَذَّى الْمُسْلِمُونَ وَلَا الْمُعَاهَدُونَ بِنَتِنِ رِيح جِيفَته وَكَانَ مَاله فَيْئًا لَا يَرِثهُ أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِذْ الْمُسْلِم لَا يَرِث الْكَافِر
كما قال النبي
وَقَالَ بُكَيْر بْن مَعْرُوف عَنْ مُقَاتِل بْن حَيَّان عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله تَعَالَى { مَا يَكُون مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رَابِعهمْ وَلَا خَمْسَة إِلَّا هُوَ سَادِسهمْ} قَالَ هُوَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعَرْش وَعِلْمه مَعَهُمْ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّانَ بَلَغَنَا وَاَللَّه أَعْلَم فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ { هُوَ الْأَوَّل} قَبْل كُلّ شَيْء { وَالْآخِر} بَعْد كُلّ شَيْء { وَالظَّاهِر} فَوْق كُلّ شَيْء { وَالْبَاطِن} أَقْرَب مِنْ كُلّ شَيْء وَإِنَّمَا يَعْنِي بِالْقُرْبِ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَته وَهُوَ فَوْق فَإِنْ قِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ وَعُثْمَانُ لَا يُعْرَفَانِ قِيلَ بَلْ هُمَا ثِقَتَانِ مَشْهُورَانِ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ الْقَطْوَانِيُّ وَهُمَا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي
وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ
وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا فَهُوَ مَكْتُوبٌ فَوْقَ الْعَرْشِ وَوَضْعٌ بِمَعْنَى مَوْضُوعٍ مَصْدَرٌ بمعنى المفعول كنظائره انتهى كلام بن الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىQعَرْشه { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم} ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا
قَالَ وَبِهَذَا الْإِسْنَاد عَنْ مُقَاتِل بْن حَيَّانَ فِي قَوْله ( إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ) يَقُول عِلْمه وَذَلِكَ قَوْله { إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم} فَيَعْلَم نَجْوَاهُمْ وَيَسْمَع كَلَامهمْ ثُمَّ يُنَبِّئهُمْ يَوْم الْقِيَامَة بِكُلِّ شَيْء وَهُوَ فَوْق عَرْشه وَعِلْمه مَعَهُمْ
وَقَالَ الْحَاكِم سَمِعْت أَبَا جَعْفَر محمد بن صالح بن هانيء يَقُول سَمِعْت مُحَمَّد بْن نُعَيْم يَقُول سَمِعْت الْحَسَن بْن الصَّبَّاح الْبَزَّار يَقُول سَمِعْت عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق يَقُول سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك
قُلْت كَيْف نَعْرِف رَبّنَا قَالَ فِي السَّمَاء السَّابِعَة عَلَى عَرْشه
قَالَ الْحَاكِم وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن دَاوُدَ الزَّاهِد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الشَّامِيّ حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن سِيبَوَيْهِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ سَمِعْت عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق يَقُول سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك يَقُول نَعْرِف رَبّنَا فَوْق سَبْع سَمَاوَات عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى بَائِن مِنْ خَلْقه وَلَا نَقُول كما قالت الجهمية إنه ها هنا وَأَشَارَ إِلَى الْأَرْض
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن سَعِيد بْن كِلَاب فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو بَكْر بْن فَوْرَكٍ وَأَخْرَجَ مِنْ النَّظَر وَالْخَبَر قَوْل مَنْ قَالَ لَا هُوَ دَاخِل الْعَالَم وَلَا خَارِجه فَنَفَاهُ نَفْيًا مُسْتَوِيًا لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ صِفْهُ بِالْعَدَمِ مَا قَدَرَ أَنْ يَقُول فِيهِ أَكْثَر مِنْهُ وَرَدَّ أَخْبَار اللَّه نَصًّا وَقَالَ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا يَجُوز فِي خَبَر وَلَا مَعْقُول وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا هُوَ التَّوْحِيد الْخَالِص وَالنَّفْي الْخَالِص عِنْدهمْ وَالْإِثْبَات الْخَالِص وَهُمْ عِنْد أَنْفُسهمْ قَيَّاسُونَ هَذَا حِكَايَة لَفْظه
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَاب شِعَار الدِّين الْقَوْل فِي أَنَّ اللَّه تَعَالَى مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْش
هَذِهِ الْمَسْأَلَة سَبِيلهَا التَّوْقِيف الْمَحْض وَلَا يَصِل إِلَيْهَا الدَّلِيل مِنْ غَيْر هَذَا الْوَجْه وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْكِتَاب فِي غَيْر آيَة ووردت بِهِ الْأَخْبَار الصَّحِيحَة فَقَبُوله مِنْ جِهَة التَّوْقِيف وَاجِب وَالْبَحْث عَنْهُ وَطَلَب الْكَيْفِيَّة غَيْر جَائِز
وَقَدْ قَالَ مَالِك الِاسْتِوَاء مَعْلُوم وَالْكَيْف غَيْر مَعْقُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنْهُ بِدْعَة
فَمِنْ التَّوْقِيف الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَاب قَوْله تَعَالَى { الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى} وَقَالَ { ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش الرَّحْمَن} وَقَالَ { رَفِيع الدَّرَجَات ذو العرش} وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ وَالْحَافِظُ فَتْحُ الدِّينِ بْنُ سَيِّدِ النَّاسِ الْيَعْمُرِيُّ فِي عُيُونِ الْأَثَرِ فِي الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ فَعَلَيْكَ بِمُرَاجَعَتِهِمَا