عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصيّ
(ح) قال : وأخبرنا شرحبيل بن أبي عون ، وعبد الله بن جعفر ، عن أبي عون (ح) قال : وأخبرنا إبراهيم بن موسى ، عن عكرمة بن خالد (ح) قال : وأخبرنا أبو صفوان العطاف بن خالد ، عن أخيه ، قالوا : لما ارتحل الحصين بن نمير من مكة لخمس ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين ، أمر عبد الله بن الزبير بتلك الخصاص التي كانت حول الكعبة فهدمت ، فبدت الكعبة ، وأمر بالمسجد فكنس ما فيه من الحجارة والدماء ، فإذا الكعبة تنغض مُتَوَهِنة من أعلاها إلى أسفلها فيها أمثال جيوب النساء من حجارة المنجنيق ، وإذا الركن قد اسودّ واحترق من الحريق الذي كان حول الكعبة ، فشاور ابن الزبير الناس في هدمها وبنائها ، فأشار عليه جابر بن عبد الله بن عمير وغيرهما بأن يهدمها ويبنيها ، وأبى ذلك عليه عبد الله بن عباس وقال : أخشى أن يأتي من بعدك فيهدمها فلا تزال تهدم ، فيتهاون الناس بحرمتها فلا أحب لك. وكان قد شاور المسور بن مخرمة قبل أن يموت في هدمها ، فأشار عليه بذلك ، فمكث أياما يشاور في هدمها ، ثم انبرى له أن يهدمها. فغدا عليها بالفعلة يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة سنة أربع وستين ، فهدمها حتى وضعها كلها بالأرض ، ثم حفر الأساس فوُجِدَ واصلاَّ بالحجر مُشَبكًا كأصابع يديّ هاتين ، فدعا خمسين رجلا من قريش ، وأشهدهم على ذلك ، وجعل الحجر عنده في تابوت في سرقة من حرير ، ثم بنى البيت وأدخل الحجر فيه ، وجعل للكعبة بابين موضوعين بالأرض ، باب يُدخل منه ، وباب يُخرج منه بإزائه من خلفه ، وقال : إن عائشة حدثتني أن رسول الله صَلى الله عَليهِ وَسلَّم قال لها : إن أراد قومك يبنون البيت على ما كان على عهد إبراهيم فليفعلوا ذلك . فأرتني عائشة الذي أراها رسول الله صَلى الله عَليهِ وَسلَّم ، فكان عندي مذروعا حتى وليت هذا الأمر ، فلم أعدُ به ما قال رسول الله صَلى الله عَليهِ وَسلَّم ، فرأى الناس يومئذ أنه قد أصاب. وبنى البيت حتى بلغ موضع الركن الأسود فوضعه ، وكان الذي وضعه حمزة بن عبد الله بن الزبير ، وشده بالفضة لأنه كان انصدع ، ثم رد الكعبة على بنائها ، وزاد في طولها فجعله سبعًا وعشرين ذراعًا ، وخلّق جوفها ، ولطخّ جدرها بالمسك حتى فرغ منها من خارج ، وسترها بالديباج ، وهو أول من كساها الديباج. فلما فرغ من بناء الكعبة اعتمر من خيمة جُمانه ماشيًا معه رجال من قريش ، ابن صفوان وعبيد بن عمير وغيرهما ، ولبّى حتى نظر إلى البيت ، وخيمة جمانة عند مسجد عائشة. قال : وبايع أهل الشام مروان بن الحكم ، فسار إلى الضحاك بن قيس الفهري وهو في طاعة ابن الزبير يدعوا له ، فلقيه بمرج راهط ، فقتله وفضّ جمعه . ثم رجع فوجه حبيش بن دلجة القيني في ستة آلاف وأربعمائة إلى ابن الزبير ، فسار حتى نزل بالجرف في عسكره ، ودخل المدينة فنزل في دار مروان ، دار الإمارة ، واستعمل على سوق المدينة رجلاَّ من قومه يدعى مالكًا ، أخاف أهل المدينة خوفا شديدا وآذاهم ، وجعل يخطبهم فيشتمهم ويتوعدهم وينسبهم إلى الشقاق والنفاق والغش لأمير المؤمنين فكتب عبد الله بن الزبير إلى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وهو واليه على البصرة ، أن يوجه إلى المدينة جيشًا ، فبعث الحنتف بن السّجف التميمي في ثلاثة آلاف . فخرجوا معهم ألف وخمسمائة فرس وبغال وحمولة ، وبلغ الخبر حبيش بن دلجة فقال : نخرج من المدينة فنلقاهم ، فإنا لا نأمن أهل المدينة أن يعينوهم علينا ، فخرج وخلّف على المدينة ثعلبة الشامي .فالتقوا بالربذة عند الظهر ، فاقتتلوا قتالاَّ شديدا ، فقتل حبيش بن دلجة ، وقتل من أصحابه خمسمائة ، وأسر منهم خمسمائة , وانهزم الباقون أسوأ هزيمة ، ففرح أهل المدينة بذلك ، وقُدم بالأسارى فحبسوا في قصر خلّ ، فوجه إليهم عبد الله بن الزبير مصعب بن الزبير فضرب أعناقهم جميعاً. قالوا : فلما بويع عبد الملك بن مروان ، بعث عروة بن أنيف في ستة آلاف إلى المدينة ، وأمرهم أن لا ينزلوا على أحد ، ولا يدخلوا المدينة إلا لحاجة لا بدّ منها ، وأن يعسكروا بالعرصة ، فنزل عروة بجيشه العرصة ، وهرب الحارث بن حاطب عامل ابن الزبير على المدينة ، فكان عروة ينزل فيصلي بالناس الجمعة ، ثم يرجع إلى معسكره ، فلم يبعث إليهم ابن الزبير أحدًا ولم يلقوا قتالاَّ ، فكتب إليهم عبد الملك ، أن يقبلوا إلى الشام ففعلوا ، ولم يتخلف منهم أحد ، ورجع الحارث بن حاطب إلى المدينة عاملاَّ لابن الزبير ، ثم بعث عبد الملك بن مروان ، عبد الملك بن الحارث بن الحكم في أربعة آلاف إلى المدينة فما دونها ، يلقون جموع ابن الزبير ومن أشرف لهم من عُمّاله. وكان سليمان بن خالد بن أبي خالد الزرقي عابدًا له فضل ، فولاه ابن الزبير خيبر وفدك ، فخرج فنزل في عمله ، فبعث عبد الملك بن الحارث ، أبا القمقام في خمسمائة إلى سليمان بن خالد ، فقتله ، وقتل من كان معه ، فلما انتهى خبره إلى عبد الملك بن مروان أغاظه وكره قتله . ووجه عبد الملك بن مروان طارق بن عمرو في ستة آلاف وأمره أن يكون فيما بين أيلة ووادي القرى مددًا لمن يحتاج إليه من عمال عبد الملك بن مروان أو من كان يريد قتاله من أصحاب ابن الزبير ، وكان أبو بكر بن أبي قيس في طاعة ابن الزبير قد ولاه جابر بن الأسود خيبر ، فقصد له طارق فقتله في ستمائة من أصحابه ، وهرب من بقى منهم في كل وجه ،فكتب الحارث بن حاطب إلى عبد الله بن الزبير أن عبد الملك بن مروان بعث طارق بن عمرو في جمع كثير ، فَهُمْ فيما بين أيلة إلى ذي خُشُب ، يجدوا في أموال الناس ويقتطعونها ويظلمونهم ، فلو بعثت إلى المدينة رابطة لا تُدْخَل. فكتب ابن الزبير إلى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، أن يوجه إلى المدينة ألفين ويستعمل عليهم رجلاَّ فاضلاَّ ، فوجه إليهم ابن روّاس في ألفين ، فقدموا المدينة فمنعوها من جيوش أهل الشام ، وكانوا قومًا لا بأس بهم ، وكانت المدينة مرّة في يد ابن الزبير ، ومرّة في يد عبد الملك بن مروان ، أيهما غلب عليها استولى على أمرها ، وكانت أكثر ذلك تكون في يد ابن الزبير. فلما بلغ ابن الزبير مقتل أبي بكر بن أبي قيس ، كتب إلى ابن روّاس أن يخرج في أصحابه إلى طارق بن عمرو ، فشق ذلك على أهل المدينة ، وخرج ابن رواس وبلغ ذلك طارقًا فندب أصحابه ، ثم التقوا بشبكة الدوم على تعبية ، فاقتتلوا قتالاَّ شديدًا ، ثم كانت الدولة لطارقٍ وأصحابه ، فقُتل ابن رواس وأصحابه قتلاَّ ذريعًا ، ونجا رجل منهم ، فقدم المدينة فأخبر بمقتل ابن رواس وأصحابه ، فسيء بذلك أهل المدينة ، ثم خرج ذلك الرجل إلى عبد الله بن الزبير ،فأخبره الخبر ، ورجع طارق إلى وادي القرى ، وكتب ابن الزبير إلى واليه بالمدينة أن يفرض لألفين من أهل المدينة يكونوا رِدْءًا للمدينة ممن يدهمها ، ففرض الفرض ولم يأت المال ، فبطل ذلك الفرض وسُمّي فرض الريح.
7209 قال : وأخبرنا محمد بن عمر قال : حدثنا موسى بن يعقوب ، عن عمه أبي الحارث بن عبد الله بن وهب بن زمعة
7163 قال : أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني مصعب بن ثابت ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن قال : لما قدم المهاجرون المدينة ، أقاموا لا يولد مولود من المهاجرين ، فقالوا : سحرتنا يهود . حتى كثرت في ذلك القالة ، وتلاقى الناس بذلك . فكان أول مولود ولد في الإسلام من المهاجرين بعد الهجرة عبد الله بن الزبير ، قال : فكبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة تكبيرا ، وفرح المسلمون ، وكان ولادُ ابن الزبير في شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة ، فكان يُهنأ به الزبير ، وأبو بكر الصديق ، وهو جده ثم حملته أمه إلى رسول الله صَلى الله عَليهِ وَسلَّم في خرقة ، فحنكه رسول الله صَلى الله عَليهِ وَسلَّم بتمرة وبارك عليه ، وكان رسول الله صَلى الله عَليهِ وَسلَّم أمر أن يؤذن في أذنيه بالصلاة فأذن أبو بكر الصديق في أذنيه.