هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
966 حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
966 حدثني عمرو الناقد ، وزهير بن حرب ، قالا : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، قال : حدثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عروة بن الزبير ، أن عائشة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

'A'isha reported:

1 heard the Messenger of Allah (ﷺ) seeking refuge from the trial of Dajjal (Antichrist) in prayer.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال.


المعنى العام

كانت عجوز من يهود المدينة تقوم بخدمة السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وكانت كلما أحسنت إليها عائشة تدعو لها العجوز بقولها: وقاك الله عذاب القبر.
ولما تكرر منها هذا الدعاء قالت عائشة: أفي القبر عذاب؟ قالت العجوز: نعم، أو ما بلغك أنكم ونحن والناس تفتنون وتعذبون في قبوركم؟ ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة: يا رسول الله، أسمعت ما تزعم العجوز؟ تزعم أننا نفتن في قبورنا، ولم يكن الوحي قد نزل بعذاب القبر، فقال صلى الله عليه وسلم: كذبت يهود.
ليس هناك عذاب بعد الموت قبل يوم القيامة، إنما المستحق للعذاب اليهود.

ومضت أيام وليال.
ونزل الوحي يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن عذاب القبر حق نزل الوحي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فلما انفصل عنه الوحي نادى بأعلى صوته.
أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر، إن عذاب القبر حق.

ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت عائشة وإذا بعجوزين تناقشان عائشة في عذاب القبر، وعائشة تكذبهما كما كذبت وكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم العجوز الأولى.
قالت عائشة: أو ما سمعت يا رسول الله، هاتان العجوزان تزعمان أننا نعذب في قبورنا؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم.
صدقتا.
لقد أوحي إلي يا عائشة أن عذاب القبر حق.
تقول عائشة.
فما رأيته صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يصلي إلا ويستعيذ في صلاته من عذاب القبر وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن يستعيذوا في صلاتهم بعد نهاية التشهد الأخير وقبل السلام من أربع.
عذاب القبر، ومن فتنة وامتحان نزول المسيح الدجال الذي سينزل في آخر الزمان ومعه مغريات وجنة ونار ونعيم وعذاب يخدع الناس لينصرفوا عن عبادة الله وحده وعن الطاعات إلى الإشراك وإلى المعاصي فمن أطاعه ليدخل جنته كان من أهل النار، ومن عصاه ولم ينخدع به كان من أهل الجنة ومن فتنة الحياة وزخارف الدنيا وملذاتها وشهواتها، ومن فتنة الممات والخاتمة.
نسأل الله حسن الختام حين يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم، ومن عذاب جهنم، وعذاب النار في الآخرة.

وكان صلى الله عليه وسلم يكثر أمام أصحابه من الاستعاذة من المأثم والمغرم، أي من الإثم والعصيان، ومن غلبة الدين والغرامة التي لا قدرة على تحملها وأدائها، فقيل له: يا رسول الله، ما أكثر ما تستعيذ من المغرم، فما خطره الذي أزعجك حتى أكثرت من الاستعاذة منه؟ قال صلى الله عليه وسلم: إن المغرم باب شر كبير، لأن الرجل إذا غرم ولم يستطع الأداء اختلق لصاحب الدين الأكاذيب، ووعد أن يوفي الدين يوم كذا ثم لا يوفي، فيورث المغرم شعبتين من شعب المنافقين، الكذب وخلف الوعد، وما أقبح هاتين الرذيلتين وما أقبح من يتصف بهما.

هكذا علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته دعاء يقيهم الشرور في الدنيا والآخرة وصدق الله العظيم إذ يقول فيه: { { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } } [التوبة: 128] فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

المباحث العربية

( هل شعرت أنكم...) أي هل علمت علمًا مبدئيًا عاجلاً؟ أو هل بلغك قريبًا؟ يقال: شعر بكذا إذا بدأه الشعور، وعرض له الخبر أول وهلة، والخطاب في أنكم لعائشة والمسلمين ولذلك كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم برده على اليهود ومقصودها: أنكم معشر المسلمين وعامة الناس.

( تفتنون في القبور) قال أهل اللغة: الفتنة الامتحان والاختبار، قال عياض: استعمالها في العرف لكشف الحال المكروه.
اهـ وتطلق على القتل والإحراق والنميمة والتعذيب.
وأضيفت الفتنة والعذاب إلى القبر لكون معظمه فيه، ولكون الغالب على الموتى أن يقبروا، وإلا فالعذاب يقع على من شاء الله تعذيبه بعد موته ولو لم يدفن، ولكن ذلك محجوب عن الخلق.

( فارتاع النبي صلى الله عليه وسلم) أي ففزع صلى الله عليه وسلم من قول اليهود مجوزًا صدق الخبر مع عدم علمه به، وخشي أن يكون صحيحًا فيكون الأمر عسيرًا.

( وقال: إنما تفتن يهود) لا نحن معشر المسلمين، أي إن كان عندكم علم فلعله خاص بكم.

( فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يستعيذ من عذاب القبر) أي بعد أن أوحى إليه بفتنة القبر.
ويستعيذ أي يطلب الحصانة والحماية منه.

( دخلت علي عجوزان... فقالتا) هو محمول على أن إحداهما تكلمت والأخرى أقرتها على كلامها، ونسب القول إلى الثانية مجازًا.
قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسم واحدة منهما.

( إن أهل القبور يعذبون في قبورهم) أطلق التعذيب باعتبار الغالب والكثير، قال الكرماني: لعله سمى أحوال العباد في القبر تعذيبًا تغليبًا لفتنة العاصي على فتنة الطائع لأجل التخويف، ولأن القبر مقام الهول والوحشة ولأن ملاقاة الملائكة مما يهاب منه ابن آدم في العادة، اهـ.

( ولم أنعم أن أصدقهما) أي لم تطب نفسي أن أصدقهما، ومنه قولهم في التصديق: نعم، وهو بضم الهمزة وإسكان النون وكسر العين.

وسيأتي الجمع بين الحديثين في فقه الحديث.

( يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال) لم تحدد هذه الرواية في أي موضع من الصلاة كانت الاستعاذة، ولكن الرواية الرابعة والسادسة صرحتا بأن موضعها بعد الفراغ من التشهد الآخر، وجاء في الرواية الرابعة من شر فتنة المسيح الدجال والمسيح بتخفيف السين المكسورة بعد الميم المفتوحة وآخره حاء مهملة يطلق على الدجال، وعلى عيسى عليه السلام، لكن إذا أريد الدجال قيد به، وقال أبو داود المسيح بتشديد السين المكسورة الدجال وبتخفيف السين عيسى، والمشهور الأول.
قال الجوهري: من قاله بالتخفيف فلمسحه الأرض، ومن قاله بالتشديد فلكونه ممسوح العين، وحكى بعضهم أنه قال بالخاء في الدجال واختلف في تلقيب الدجال بالمسيح فقيل: لأنه ممسوح العين، وقيل لأن أحد شقي وجهه خلق ممسوحًا لا عين فيه ولا حاجب، وقيل: لأنه يمسح الأرض إذا خرج، وأما عيسى فقيل: سمي بذلك لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن، وقيل: لأن زكريا مسحه، وقيل: لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ، وقيل لأنه كان يمسح الأرض بسياحته.
وقيل: لأن رجله كانت لا أخمص لها، وقيل: للبسه المسوح، وقيل: هو بالعبرانية ماشيخا فعرب المسيح: ذكره في الفتح.

( اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم) في رواية البخاري من عذاب النار كما هو في الرواية السابعة.
قال أهل اللغة: العذاب كل ما يعني الإنسان ويشق عليه، وأصله المنع، وسمي عذابًا لأنه يمنعه من المعاودة، ويمنع غيره من مثل ما فعله.
ذكره النووي في المجموع.

( ومن فتنة المحيا والممات) المحيا والممات مصدران ميميان، بمعنى الحياة والموت، ويحتمل زمان ذلك، لأن ما كان معتلاً من الثلاثي فقد يأتي منه المصدر والزمان والمكان بلفظ واحد، أما فتنة الحياة فهي التي تعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأشدها وأعظمها والعياذ بالله تعالى أمر الخاتمة عند الموت، وأما فتنة الممات، فاختلفوا فيها، فقيل: فتنة القبر وقيل: الفتنة عند الاحتضار، أضيفت إلى الموت لقربها منه، وإذا أردنا فتنة القبر أريد بها غير عذابه، بل سبب عذابه، وإذا أردنا بها عند الاحتضار كانت تالية لفتنة المحيا، والأولى إرادة ما قبل الموت من فتنة المحيا، وشدة الموت وسوء الخاتمة عنده من فتنة الممات.
والله أعلم.

( اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم) أي من الإثم الذي يجر إلى الذم والعقوبة، أي أعوذ بك من الوقوع في الذنب، أو من قبيل وضع المصدر موضع الاسم، أي أعوذ بك من الذنب نفسه.
والمغرم الدين، يقال: غرم الرجل بكسر الراء إذا استدان فيما يجوز، وفيما لا يجوز، ثم يعجز عن الأداء، وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين، وقيل: الغرم والمغرم ما ينوب ويصيب الإنسان في ماله من ضرر بغير جناية منه، وكذا ما يلزمه أداؤه من غير جناية ومنه الغرامة والغريم.

( ما أكثر ما تستعيذ من المغرم) ما الأولى تعجبية، وما الثانية مصدرية أي ما أكثر استعاذتك من المغرم.

( إذا غرم) بكسر الراء، يعني إذا لحقه غرم.

( حدث فكذب) بأن يحتج بشيء غير صحيح لعدم الوفاء بما عليه.

( ووعد فأخلف) بأن قال لصاحب الدين: أوفيك دينك يوم كذا، أو شهر كذا، ثم لا يفي بوعده، والكذب والخلف من صفات المنافقين.

فقه الحديث

بين روايتي عائشة في قصة اليهودية أو اليهوديتين مخالفة، ففي الرواية الأولى أنكر صلى الله عليه وسلم قول اليهودية، وفي الرواية الثانية أقرها.
قال النووي تبعًا للطحاوي وغيره: هما قصتان، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قول اليهودية في القصة الأولى، ثم أعلم النبي صلى الله عليه وسلم وأوحي له بذلك، ولم يعلم عائشة، فجاءت اليهوديتان، فذكرتا، فأنكرت عليهما، مستندة إلى الإنكار الأول، فأعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوحي نزل بإثبات عذاب القبر.
اهـ

ويؤيد هذا ما رواه الإمام أحمد بإسناد على شرط البخاري عن عائشة أن يهودية كانت تخدمها، فلا تصنع عائشة إليها شيئًا من المعروف إلا قالت لها اليهودية، وقاك الله عذاب القبر.
قالت: فقلت: يا رسول الله، هل للقبر عذاب؟ قال: كذبت يهود.
لا عذاب دون يوم القيامة، ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث، فخرج ذات يوم نصف النهار وهو ينادي بأعلى صوته: أيها الناس.
استعيذوا بالله من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق.

قال الحافظ ابن حجر: وفي هذا كله أنه صلى الله عليه وسلم إنما علم بحكم عذاب القبر إذ هو بالمدينة في آخر الأمر.
اهـ.

وهل عذاب القبر يقع على الروح فقط، أو عليها وعلى الجسد؟ خلاف مشهور عند المتكلمين؛ لكن قوله في الرواية الثانية إنهم يعذبون عذابًا تسمعه البهائم، يرجح أنه يقع على الجسد والروح، فإن الشأن في عذاب الروح أن لا يسمع، وعذاب القبر ثابت بهذه الأحاديث وغيرها، واستدلوا له بقوله تعالى: { { فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم } } [محمد: 27] وقوله تعالى عن آل فرعون { { النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } } [غافر: 46] .

وأنكره بعض الخوارج وبعض المعتزلة، وذهب بعض المعتزلة إلى أنه يقع على الكفار دون المؤمنين، وأحاديث الباب ترد عليهم، فهي صريحة في أنه يقع على المؤمنين والكفار من أمتنا ومن الأمم السابقة وحيث ثبت العذاب في القبر ثبت أن الأرواح باقية بعد فراق الأجساد، وأنها تتصل بها، إذ لا تعذيب بدون الروح.
خلافًا لابن جرير وجماعة من الكرامية حيث ذهبوا إلى أن سؤال القبر يقع على البدن فقط، وأن الله يخلق فيه إدراكًا بحيث يسمع ويعلم ويلذ ويألم.

وذهب ابن حزم وابن هبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسد، حملهم على هذا أن الميت قد يشاهد في قبره حال المسألة، ولا أثر فيه من إقعاد أو ضرب أو ضيق أو سعة، وكذلك غير المقبور كالمصلوب.
قال الحافظ ابن حجر، وجوابهم أن ذلك غير ممتنع في القدرة، والغلط من قياس الغائب على الشاهد، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله.
والظاهر أن الله تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك وستره عنهم إبقاء عليهم، لئلا يتدافنوا، وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا ما شاء الله.
وقد ثبتت الأحاديث بما ذهب إليه الجمهور.
كقوله إنه ليسمع خفق نعالكم وقوله تختلف أضلاعه لضمة القبر وقوله يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق وقوله يضرب بين أذنيه وقوله فيقعدانه وكل ذلك من صفات الأجساد.
اهـ

ولنا عودة إلى هذا الموضوع في الجنائز وفي صفة أهل النار.
والله أعلم.

والاستعاذة الواردة في أحاديث الباب مستحبة بعد التشهد وقبل السلام وليست بواجبة، وإن كانت قد وردت بصيغة الأمر في كثير من الروايات، ففي الرواية الرابعة إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع... وفي السادسة إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع....
وفي الثامنة عوذوا بالله....
وفي العاشرة قولوا: اللهم إنا نعوذ بك....
وقد ادعى بعضهم الإجماع على عدم وجوب الدعاء بعد التشهد، ورد هذا الادعاء مما فهم من طاووس وابنه، وأنه أمره بالإعادة مما يدل على أنه كان يرى وجوب الاستعاذة، وبه قال أهل الظاهر، وأفرط ابن حزم فقال بوجوبها في التشهد الأول أيضًا، والجمهور على خلافه.

وقد استشكل دعاؤه صلى الله عليه وسلم واستعاذته مما ذكر بما ذكر من أنه معصوم مغفور له ما تقدم وما تأخر، قال الحافظ ابن حجر: وأجيب بأجوبة.
أحدها: أنه قصد التعليم لأمته.
ثانيها: أن المراد السؤال منه لأمته، فيكون المعنى هنا أعوذ بك لأمتي، ثالثها: سلوك طريق التواضع وإظهار العبودية وإلزام خوف الله تعالى وإعظامه والافتقار إليه وامتثال أمره في الرغبة إليه، ولا يمتنع تكرار الطلب مع تحقق الإجابة، لأن ذلك يحصل الحسنات، ويرفع الدرجات، وفيه تحريض لأمته على ملازمة ذلك، لأنه إذا كان مع تحقق المغفرة لا يترك التضرع فمن لم يتحقق ذلك أحرى بالملازمة.
وأما الاستعاذة من فتنة الدجال مع تحقق أنه لا يدركه فلا إشكال فيه على الوجهين الأولين، وقيل على الثالث: يحتمل أن يكون ذلك قبل تحقق عدم إدراكه، ويدل عليه قوله في حديث رواه مسلم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه.
اهـ.

قال العيني: وفائدة استعاذته من المسيح الدجال أن ينتشر خبره بين الأمة من جيل إلى جيل، وجماعة إلى جماعة بأنه كذاب مبطل مفتر ساع على وجه الأرض بالفساد، مموه ساحر، حتى لا يلتبس على المؤمنين أمره عند خروجه - عليه اللعنة - ويتحققوا أمره، ويعرفوا أن جميع دعاويه باطلة كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا وقد اختلف العلماء فيما يدعو به الإنسان في صلاته، فعند أبي حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة، أو الموافقة للقرآن الكريم، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم قريبًا إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس.
إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن.

وقال الشافعي ومالك: يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدنيا والدين، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري بعد أن علمهم التشهد ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو.

وفي رواية ثم ليتخير من الدعاء ما أحب واستثنى بعض الشافعية ما يقبح من أمر الدنيا، قال الحافظ ابن حجر: فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل، وإلا فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقًا لا يجوز.
اهـ.

ولا شك أن الدعاء بالمأثور وبأمور الآخرة أولى وأفضل، والخلاف في الجواز وعدم الجواز وبطلان الصلاة وعدم بطلانها.
والله أعلم.

وقد ورد فيما يقال بعد التشهد من أدعية أخبار من أحسنها ما رواه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود اللهم إني أسألك من الخير كله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، ما علمت منه وما لم أعلم.
اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبادك الصالحون.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

وما رواه البخاري عن أبي بكر الصديق قال: قلت: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي.
فقال قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم: وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول بين التشهد والتسليم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر.
لا إله إلا أنت.

واللَّه أعلم