هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  21 وعَنْ عبْدِ اللَّهِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالكٍ، وكانَ قائِدَ كعْبٍ رضِيَ الله عنه مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ، قَالَ: سَمِعْتُ كعْبَ بنَ مَالكٍ رضِي الله عنه يُحَدِّثُ بِحدِيِثِهِ حِين تخَلَّف عَنْ رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، في غزوةِ تبُوكَ. قَال كعْبٌ: لمْ أَتخلَّفْ عَنْ رسولِ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، في غَزْوَةٍ غَزَاها قط إِلاَّ في غزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْر أَنِّي قدْ تخلَّفْتُ في غَزْوةِ بَدْرٍ، ولَمْ يُعَاتَبْ أَحد تَخلَّف عنْهُ، إِنَّما خَرَجَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم والمُسْلِمُونَ يُريُدونَ عِيرَ قُريْش حتَّى جَمعَ الله تعالَى بيْنهُم وبيْن عَدُوِّهِمْ عَلَى غيْرِ ميعادٍ. وَلَقَدْ شهدْتُ مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ليْلَةَ العَقبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلامِ، ومَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشهَدَ بَدْرٍ، وإِن كَانتْ بدْرٌ أَذْكَرَ في النَّاسِ مِنهَا
وكانَ مِنْ خَبَري حِينَ تخلَّفْتُ عَنْ رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، في غَزْوَةِ تبُوك أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى ولا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخلَّفْتُ عَنْهُ في تِلْكَ الْغَزْوَة، واللَّهِ ما جَمعْتُ قبْلها رَاحِلتيْنِ قطُّ حتَّى جَمَعْتُهُما في تِلْكَ الْغَزوَةِ، ولَمْ يكُن رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُريدُ غَزْوةً إِلاَّ ورَّى بغَيْرِهَا حتَّى كَانَتْ تِلكَ الْغَزْوةُ، فغَزَاها رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في حَرٍّ شَديدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفراً بَعِيداً وَمَفَازاً. وَاسْتَقْبَلَ عَدداً كَثيراً، فجَلَّى للْمُسْلمِينَ أَمْرَهُمْ ليَتَأَهَّبوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بوَجْهِهِمُ الَّذي يُريدُ، وَالْمُسْلِمُون مَع رسولِ الله كثِيرٌ وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ"يُريدُ بذلكَ الدِّيَوان"قَالَ كَعْبٌ: فقلَّ رَجُلٌ يُريدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلاَّ ظَنَّ أَنَّ ذلكَ سَيَخْفى بِهِ مَالَمْ يَنْزِلْ فيهِ وَحْىٌ مِن اللَّهِ، وغَزَا رَسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم تلكَ الغزوةَ حِينَ طَابت الثِّمَارُ والظِّلالُ، فَأَنا إِلَيْهَا أَصْعرُ، فتجهَّز رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَالْمُسْلِمُون معهُ، وطفِقْت أَغدو لِكىْ أَتَجَهَّزَ معهُ فأَرْجعُ ولمْ أَقْض شَيْئاً، وأَقُولُ في نَفْسى: أَنا قَادِرٌ علَى ذلِكَ إِذا أَرَدْتُ، فلمْ يَزلْ يَتَمادى بي حتَّى اسْتمَرَّ بالنَّاسِ الْجِدُّ، فأَصْبَحَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم غَادياً والْمُسْلِمُونَ معَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جِهَازي شيْئاً، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَم أَقْض شَيْئاً، فَلَمْ يزَلْ يَتَمادَى بِي حَتَّى أَسْرعُوا وتَفَارَط الْغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِل فأَدْركَهُمْ، فَيَاليْتَني فَعلْتُ، ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذلِكَ لي، فَطفقتُ إِذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْد خُرُوجِ رسُول اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُحْزُنُنِي أَنِّي لا أَرَى لِي أُسْوَةً، إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصاً عَلَيْه في النِّفاقِ، أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ تعالَى مِن الضُّعَفَاءِ، ولَمْ يَذكُرني رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حتَّى بَلَغ تَبُوكَ، فقالَ وَهُوَ جَالِسٌ في القوْمِ بتَبُوك: ما فَعَلَ كعْبُ بْنُ مَالكٍ؟ فقالَ رَجُلٌ مِن بَنِي سلمِة: يا رَسُولَ اللهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ، وَالنَّظرُ في عِطْفيْه. فَقال لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضيَ اللَّهُ عنه: بِئس مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا علَيْهِ إِلاَّ خَيْراً، فَسكَت رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. فبَيْنَا هُوَ علَى ذَلِكَ رَأَى رَجُلاً مُبْيِضاً يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ، فقالَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: كُنْ أَبَا خَيْثمَةَ، فَإِذا هوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الأَنْصَاريُّ وَهُوَ الَّذي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْر حِيْنَ لمَزَهُ المنافقون قَالَ كَعْبٌ: فَلَّما بَلَغني أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَدْ توَجَّهَ قَافلا منْ تَبُوكَ حَضَرَني بَثِّي، فطفقتُ أَتذكَّرُ الكذِبَ وَأَقُولُ: بِمَ أَخْرُجُ مِنْ سَخطه غَداً وَأَسْتَعينُ عَلَى ذلكَ بِكُلِّ ذِي رَأْي مِنْ أَهْلي، فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قدْ أَظِلَّ قَادِمَاً زاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ حَتَّى عَرَفتُ أَنِّي لم أَنج مِنْهُ بِشَيءٍ أَبَداً ذَلك جَاءَهُ الْمُخلَّفُونَ يعْتذرُون إِليْه وَيَحْلفُون لَهُ، وَكَانُوا بِضْعاً وثمَانين رَجُلا فَقَبِلَ منْهُمْ عَلانيَتهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتغفَر لهُمْ وَوَكلَ سَرَائرَهُمْ إِلى الله تعَالى. حتَّى جئْتُ، فلمَّا سَلَمْتُ تبسَّم تبَسُّم الْمُغْضب ثمَّ قَالَ:"تَعَالَ،"فجئتُ أَمْشي حَتى جَلَسْتُ بيْن يَدَيْهِ، فقالَ لِي:"مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَك،"قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي واللَّه لَوْ جلسْتُ عنْد غيْركَ منْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَني سَأَخْرُج منْ سَخَطه بعُذْرٍ، لقدْ أُعْطيتُ جَدَلا، وَلَكنَّني وَاللَّه لقدْ عَلمْتُ لَئن حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذبٍ ترْضى به عنِّي لَيُوشكَنَّ اللَّهُ يُسْخطك عليَّ، وإنْ حَدَّثْتُكَ حَديث صدْقٍ تجدُ علَيَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو فِيه عُقْبَى الله عَزَّ وَجلَّ، واللَّه ما كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، واللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلا أَيْسر مِنِّي حِينَ تَخلفْتُ عَنك
قَالَ: فقالَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:"أَمَّا هذَا فقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضيَ اللَّهُ فيكَ "وسَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلمة فاتَّبعُوني، فقالُوا لِي: واللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ أَذنْبتَ ذَنْباً قبْل هذَا، لقَدْ عَجَزتَ في أنْ لا تَكُون اعتذَرْت إِلَى رَسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بمَا اعْتَذَرَ إِلَيهِ الْمُخَلَّفُون فقَدْ كَانَ كافِيَكَ ذنْبكَ اسْتِغفارُ رَسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لَك. قَالَ: فَوالله ما زَالُوا يُؤنِّبُوننِي حتَّى أَرَدْت أَنْ أَرْجِعَ إِلى رسولِ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فأَكْذِب نفسْي، ثُمَّ قُلتُ لهُم: هَلْ لَقِيَ هَذا معِي مِنْ أَحدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ لقِيَهُ مَعَكَ رَجُلان قَالا مِثْلَ مَا قُلْتَ، وَقيلَ لَهمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لكَ، قَال قُلْتُ: مَن هُمَا؟ قالُوا: مُرارةُ بْنُ الرَّبِيع الْعَمْرِيُّ، وهِلال ابْن أُميَّةَ الْوَاقِفِيُّ؟ قَالَ: فَذكَروا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْن قدْ شَهِدا بدْراً فِيهِمَا أُسْوَةٌ. قَالَ: فَمَضيْت حِينَ ذَكَروهُمَا لِي. وَنهَى رَسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثلاثَةُ مِن بَين من تَخَلَّف عَنهُ، قالَ: فاجْتَنبَنا النَّاس أَوْ قَالَ: تَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرت لِي في نَفْسي الأَرْضُ، فَمَا هيَ بالأَرْضِ الَّتي أَعْرِفُ، فَلَبثْنَا عَلَى ذَلكَ خمْسِينَ ليْلَةً. فأَمَّا صَاحبايَ فَاستَكَانَا وَقَعَدَا في بُيُوتهمَا يَبْكيَانِ وأَمَّا أَنَا فَكُنتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنتُ أَخْرُج فَأَشهَدُ الصَّلاة مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَطُوفُ في الأَسْوَاقِ وَلا يُكَلِّمُنِي أَحدٌ، وآتِي رسولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهُو في مجْلِسِهِ بعدَ الصَّلاةِ، فَأَقُولُ في نفسِي: هَل حَرَّكَ شفتَيهِ بردِّ السَّلامِ أَم لاَ؟ ثُمَّ أُصلِّي قَريباً مِنهُ وأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقبَلتُ عَلَى صلاتِي نَظر إِلَيَّ، وإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتى إِذا طَال ذلكَ عَلَيَّ مِن جَفْوَةِ الْمُسْلمينَ مشَيْت حَتَّى تَسوَّرْت جدارَ حَائط أبي قَتَادَةَ وَهُوَا ابْن عَمِّي وأَحبُّ النَّاسَ إِلَيَّ، فَسلَّمْتُ عَلَيْهِ فَواللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ، فَقُلْت لَه: يَا أَبَا قتادَة أَنْشُدكَ باللَّه هَلْ تَعْلَمُني أُحبُّ الله وَرَسُولَه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم؟ فَسَكَتَ، فَعُدت فَنَاشَدتُه فَسكَتَ، فَعُدْت فَنَاشَدْته فَقَالَ: اللهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرتُ الْجدَارَفبَيْنَا أَنَا أَمْشي في سُوقِ المدينةِ إِذَا نَبَطيُّ منْ نبطِ أَهْلِ الشَّام مِمَّنْ قَدِمَ بالطَّعَامِ يبيعُهُ بالمدينةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كعْبِ بْنِ مَالكٍ؟ فَطَفقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَى حَتَّى جَاءَني فَدَفَعَ إِلى كتَاباً منْ مَلِكِ غَسَّانَ، وكُنْتُ كَاتِباً. فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بلَغَنَا أَن صاحِبَكَ قدْ جَفاكَ، ولمْ يجْعلْك اللَّهُ بدَارِ هَوَانٍ وَلا مَضْيعَةٍ، فَالْحقْ بِنا نُوَاسِك، فَقلْت حِين قرأْتُهَا: وَهَذِهِ أَيْضاً مِنَ الْبَلاءِ فَتَيمَّمْتُ بِهَا التَّنُّور فَسَجرْتُهَا حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُون مِن الْخَمْسِينَ وَاسْتَلْبَثِ الْوَحْىُ إِذَا رسولِ رسولِ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَأْتِينِي، فَقَالَ: إِنَّ رسولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَأَمُرُكَ أَنْ تَعْتزِلَ امْرأَتكَ، فقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا، أَمْ مَاذا أَفعْلُ؟ قَالَ: لاَ بَلْ اعتْزِلْهَا فَلاَ تقربَنَّهَا، وَأَرْسلَ إِلى صَاحِبيَّ بِمِثْلِ ذلِكَ. فَقُلْتُ لامْرَأَتِي: الْحقِي بِأَهْلكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللُّهُ في هذَا الأَمر، فَجَاءَت امْرأَةُ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ رسولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقالتْ لَهُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ هِلالَ بْنَ أُميَّةَ شَيْخٌ ضَائعٌ ليْسَ لَهُ خادِمٌ، فهلْ تَكْرهُ أَنْ أَخْدُمهُ؟ قَالَ:"لاَ، وَلَكِنْ لاَ يَقْربَنَّك"فَقَالَتْ: إِنَّهُ وَاللَّه مَا بِهِ مِنْ حَركةٍ إِلَى شَيءٍ، وَوَاللَّه مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا. فَقَال لِي بعْضُ أَهْلِي: لَو اسْتأَذنْت رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في امْرَأَتِك، فقَدْ أَذن لامْرأَةِ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ؟ فقُلْتُ: لاَ أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رسولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ومَا يُدْريني مَاذا يَقُولُ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فلَبِثْتُ بِذلك عشْر ليالٍ، فَكَمُلَ لَنا خمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حينَ نُهي عَنْ كَلامنا.br/>ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صباحَ خمْسينَ لَيْلَةً عَلَى ظهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبينَا أَنَا جَالسٌ عَلَى الْحال الَّتي ذكَر اللَّهُ تعالَى مِنَّا، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِى وَضَاقَتْ عَليَّ الأَرضُ بمَا رَحُبَتْ، سَمعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أوفَى عَلَى سَلْعٍ يَقُولُ بأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ، فخرَرْتُ سَاجِداً، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ فَآذَنَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم النَّاس بِتوْبَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا حِين صَلَّى صَلاة الْفجْرِ فذهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُوننا، فذهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إِليَّ فرَساً وَسَعَى ساعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِي وَأَوْفَى عَلَى الْجَبلِ، وكَان الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فلمَّا جَاءَنِي الَّذي سمِعْتُ صوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ ببشارَته واللَّه مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يوْمَئذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبسْتُهُمَا وانْطَلَقتُ أَتَأَمَّمُ رسولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجاً فَوْجاً يُهَنِّئُونني بِالتَّوْبَةِ وَيَقُولُون لِي: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ الله عَلَيْكَ، حتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ طلْحَةُ بْنُ عُبَيْد اللهِ رضي الله عنه يُهَرْوِل حَتَّى صَافَحَنِي وهَنَّأَنِي، واللَّه مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهاجِرِينَ غَيْرُهُ، فَكَان كَعْبٌ لاَ يَنْساهَا لِطَلحَة. قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، قَالَ: وَهوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُور "أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ، مُذْ ولَدَتْكَ أُمُّكَ،"فقُلْتُ: أمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُول اللَّهِ أَم مِنْ عِنْد الله؟ قَالَ:"لاَ بَلْ مِنْ عِنْد الله عَز وجَلَّ،" وكانَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذَا سُرَّ اسْتَنارَ وَجْهُهُ حتَّى كَأنَّ وجْهَهُ قِطْعَةُ قَمر، وكُنَّا نعْرِفُ ذلِكَ مِنْهُ، فلَمَّا جلَسْتُ بَيْنَ يدَيْهِ قُلتُ: يَا رسولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِن مَالي صدَقَةً إِلَى اللَّهِ وإِلَى رَسُولِهِ.br/>فَقَالَ رَسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:"أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْر لَكَ، "فَقُلْتُ إِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذي بِخيْبَر. وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِن الله تَعَالىَ إِنَّما أَنْجَانِي بالصِّدْقِ، وَإِنْ مِنْ تَوْبَتي أَن لا أُحدِّثَ إِلاَّ صِدْقاً ما بَقِيتُ، فوا لله مَا علِمْتُ أَحَداً مِنَ المسلمِين أَبْلاْهُ اللَّهُ تَعَالَى في صدْق الْحَديث مُنذُ ذَكَرْتُ ذَلكَ لرِسُولِ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي اللَّهُ تَعَالَى، وَاللَّهِ مَا تَعمّدْت كِذْبَةً مُنْذُ قُلْت ذَلِكَ لرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفظني اللَّهُ تَعَالى فِيمَا بَقِي، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} حَتَّى بَلَغَ: {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} حَتَّى بَلَغَ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 117، 117}
قالَ كعْبٌ: واللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ إِذْ هَدانِي اللَّهُ لِلإِسْلام أَعْظمَ في نَفسِي مِنْ صِدْقي رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَن لاَّ أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فأهلكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا إِن الله تَعَالَى قَالَ للَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأحدٍ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95،96]
قَالَ كَعْبٌ: كنَّا خُلِّفْنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ عَنْ أَمْر أُولِئَكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حِينَ حَلَفوا لَهُ، فبايعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وِأرْجَأَ رَسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أمْرَنا حَتَّى قَضَى اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ بِذَلكَ، قَالَ اللُّه تَعَالَى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وليْسَ الَّذي ذَكَرَ مِمَّا خُلِّفنا تَخَلُّفُنا عَن الغَزْو، وَإِنََّمَا هُوَ تَخْلَيفهُ إِيَّانَا وإرجاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ واعْتذَرَ إِليْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ. مُتَّفَقٌ عليه. وفي رواية "أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خَرَجَ في غَزْوةِ تَبُوك يَوْمَ الخميسِ، وَكَان يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الخمِيس".وفي رِوَايةٍ:"وَكَانَ لاَ يَقدُمُ مِنْ سَفَرٍ إِلاَّ نهَاراً في الضُّحَى. فَإِذَا قَدِم بَدَأَ بالمْسجدِ فصلَّى فِيهِ ركْعتيْنِ ثُمَّ جَلَس فِيهِ".br/>
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  21 وعن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب رضي الله عنه من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك. قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحد تخلف عنه، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها
وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا. واستقبل عددا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجههم الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ"يريد بذلك الديوان"قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى به مالم ينزل فيه وحى من الله، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، فأنا إليها أصعر، فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكى أتجهز معه فأرجع ولم أقض شيئا، وأقول في نفسى: أنا قادر على ذلك إذا أردت، فلم يزل يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل فأدركهم، فياليتني فعلت، ثم لم يقدر ذلك لي، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أني لا أرى لي أسوة، إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق، أو رجلا ممن عذر الله تعالى من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه، والنظر في عطفيه. فقال له معاذ بن جبل رضي الله عنه: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبينا هو على ذلك رأى رجلا مبيضا يزول به السراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة، فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون قال كعب: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك حضرني بثي، فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل حتى عرفت أني لم أنج منه بشيء أبدا ذلك جاءه المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعا وثمانين رجلا فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى. حتى جئت، فلما سلمت تبسم تبسم المغضب ثم قال:"تعال،"فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي:"ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك،"قال قلت: يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلا، ولكنني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله يسخطك علي، وإن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عقبى الله عز وجل، والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك "وسار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا، لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. قال: فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، قال قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال ابن أمية الواقفي؟ قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، قال: فاجتنبنا الناس أو قال: تغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهوا ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام، فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ فسكت، فعدت فناشدته فسكت، فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدارفبينا أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلى حتى جاءني فدفع إلى كتابا من ملك غسان، وكنت كاتبا. فقرأته فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، فقلت حين قرأتها: وهذه أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرتها حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحى إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها، أم ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها فلا تقربنها، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك. فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال:"لا، ولكن لا يقربنك"فقالت: إنه والله ما به من حركة إلى شيء، ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه؟ فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب فلبثت بذلك عشر ليال، فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا.br/>ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا، قد ضاقت علي نفسى وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر، فخررت ساجدا، وعرفت أنه قد جاء فرج فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا، فذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة ويقولون لي: لتهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره، فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وهو يبرق وجهه من السرور "أبشر بخير يوم مر عليك، مذ ولدتك أمك،"فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال:"لا بل من عند الله عز وجل،" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله.br/>فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، "فقلت إني أمسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت، فوا لله ما علمت أحدا من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تعالى، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي، قال: فأنزل الله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} حتى بلغ: {إنه بهم رؤوف رحيم، وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} حتى بلغ: {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 117، 117}
قال كعب: والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا إن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال الله تعالى: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} [التوبة: 95،96]
قال كعب: كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله تعالى فيه بذلك، قال الله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} وليس الذي ذكر مما خلفنا تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه. متفق عليه. وفي رواية "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة تبوك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس".وفي رواية:"وكان لا يقدم من سفر إلا نهارا في الضحى. فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه".br/>
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Hadith 21 - Bab 2 (Repentance)
Chapter 1 (The Book of Miscellany)

Abdullah bin Ka'b, who served as the guide of Ka'b bin Malik (May Allah be pleased with him) when he became blind, narrated: I heard Ka'b bin Malik (May Allah be pleased with him) narrating the story of his remaining behind instead of joining Messenger of Allah (Peace be upon him) when he left for the battle of Tabuk. Ka'b said: "I accompanied Messenger of Allah (Peace be upon him) in every expedition which he undertook excepting the battle of Tabuk and the battle of Badr. As for the battle of Badr, nobody was blamed for remaining behind as Messenger of Allah (Peace be upon him) and the Muslims, when they set out, had in mind only to intercept the caravan of the Quraish. Allah made them confront their enemies unexpectedly. I had the honour of being with Messenger of Allah (Peace be upon him) on the night of 'Aqabah when we pledged our allegiance to Islam and it was dearer to me than participating in the battle of Badr, although Badr was more well-known among the people than that. And this is the account of my staying behind from the battle of Tabuk. I never had better means and more favourable circumstances than at the time of this expedition. And by Allah, I had never before possessed two riding-camels as I did during the time of this expedition. Whenever Messenger of Allah (Peace be upon him) decided to go on a campaign, he would not disclose his real destination till the last moment (of departure). But on this expedition, he set out in extremely hot weather; the journey was long and the terrain was waterless desert; and he had to face a strong army, so he informed the Muslims about the actual position so that they should make full preparation for the campaign. And the Muslims who accompanied Messenger of Allah (Peace be upon him) at that time were in large number but no proper record of them was maintained." Ka'b (further) said: "Few were the persons who chose to remain absent believing that they could easily hide themselves (and thus remain undetected) unless Revelation from Allah, the Exalted, and Glorious (revealed relating to them). And Messenger of Allah (Peace be upon him) set out on this expedition when the fruit were ripe and their shade was sought. I had a weakness for them and it was during this season that Messenger of Allah (Peace be upon him) and the Muslims made preparations. I also would set out in the morning to make preparations along with them but would come back having done nothing and said to myself: 'I have means enough (to make preparations) as soon as I like'. And I went on doing this (postponing my preparations) till the time of departure came and it was in the morning that Messenger of Allah (Peace be upon him) set out along with the Muslims, but I had made no preparations. I would go early in the morning and come back, but with no decision. I went on doing so until they (the Muslims) hastened and covered a good deal of distance. Then I wished to march on and join them. Would that I had done that! But perhaps it was not destined for me. After the departure of Messenger of Allah (Peace be upon him) whenever I went out, I was grieved to find no good example to follow but confirmed hypocrites or weak people whom Allah had exempted (from marching forth for Jihad). Messenger of Allah (Peace be upon him) made no mention of me until he reached Tabuk. While he was sitting with the people in Tabuk, he said, 'What happened to Ka'b bin Malik?' A person from Banu Salimah said: "O Messenger of Allah, the (beauty) of his cloak and an appreciation of his finery have detained him.' Upon this Mu'adh bin Jabal (MatAllah be pleased with him) admonished him and said to Messenger of Allah (Peace be upon him): "By Allah, we know nothing about him but good.' Messenger of Allah (Peace be upon him), however, kept quiet. At that time he (the Prophet (Peace be upon him)) saw a person dressed in white and said, 'Be Abu Khaithamah.' And was Abu Khaithamah Al- Ansari was the person who had contributed a Sa' of dates and was ridiculed by the hypocrites." Ka'b bin Malik further said: "When the news reached me that Messenger of Allah (Peace be upon him) was on his way back from Tabuk, I was greatly distressed. I thought of fabricating an excuse and asked myself how I would save myself from his anger the next day. In this connection, I sought the counsels of every prudent member of my family. When I was told that Messenger of Allah (Peace be upon him) was about to arrive, all the wicked ideas vanished (from my mind) and I came to the conclusion that nothing but the truth could save me. So I decided to tell him the truth. It was in the morning that Messenger of Allah (Peace be upon him) arrived in Al-Madinah. It was his habit that whenever he came back from a journey, he would first go to the mosque and perform two Rak'ah (of optional prayer) and would then sit with the people. When he sat, those who had remained behind him began to put forward their excuses and take an oath before him. They were more than eighty in number. Messenger of Allah (Peace be upon him) accepted their excuses on the very face of them and accepted their allegiance and sought forgiveness for them and left their insights to Allah, until I appeared before him. I greeted him and he smiled and there was a tinge of anger in that. He then said to me, 'Come forward'. I went forward and I sat in front of him. He said to me, 'What kept you back? Could you not afford to go in for a ride?' I said, 'O Messenger of Allah, by Allah, if I were to sit before anybody else, a man of the world, I would have definitely saved myself from his anger on one pretext or the other and I have a gifted skill in argumentation, but, by Allah, I am fully aware that if I were to put forward before you a lame excuse to please you, Allah would definitely provoke your wrath upon me. In case, I speak the truth, you may be angry with me, but I hope that Allah would be pleased with me (and accept my repentance). By Allah, there is no valid excuse for me. By Allah, I never possessed so good means, and I never had such favourable conditions for me as I had when I stayed behind.' Thereupon, Messenger of Allah (Peace be upon him) said, 'This man spoke the truth, so get up (and wait) until Allah gives a decision about you.' I left and some people of Banu Salimah followed me. They said to me, 'By Allah, we do not know that you committed a sin before. You, however, showed inability to put forward an excuse before Messenger of Allah (Peace be upon him) like those who stayed behind him. It would have been enough for the forgiveness of your sin that Messenger of Allah (Peace be upon him) would have sought forgiveness for you.' By Allah, they kept on reproaching me until I thought of going back to Messenger of Allah (Peace be upon him) and retract my confession. Then I said to them, 'Has anyone else met the same fate?' They said, 'Yes, two persons have met the same fate. They made the same statement as you did and the same verdict was delivered in their case.' I asked, 'Who are they?' They said, 'Murarah bin Ar-Rabi' Al-'Amri and Hilal bin Umaiyyah Al- Waqifi.' They mentioned these two pious men who had taken part in the battle of Badr and there was an example for me in them. I was confirmed in my original resolve. Messenger of Allah (Peace be upon him) prohibited the Muslims to talk to the three of us from amongst those who had stayed behind. The people began to avoid us and their attitude towards us changed and it seemed as if the whole atmosphere had turned against us, and it was in fact the same atmosphere of which I was fully aware and in which I had lived (for a fairly long time). We spent fifty nights in this very state and my two friends confined themselves within their houses and spent (most of their) time weeping. As I was the youngest and the strongest, I would leave my house, attend the congregational Salat, move about in the bazaars, but none would speak to me. I would come to Messenger of Allah (Peace be upon him) as he sat amongst (people) after the Salat, greet him and would ask myself whether or not his lips moved in response to my greetings. Then I would perform Salat near him and look at him stealthily. When I finish my Salat, he would look at me and when I would cast a glance at him he would turn away his eyes from me. When the harsh treatment of the Muslims to me continued for a (considerable) length of time, I walked and I climbed upon the wall of the garden of Abu Qatadah, who was my cousin, and I had a great love for him. I greeted him but, by Allah, he did not answer to my greeting. I said to him, 'O Abu Qatadah, I adjure you in the Name of Allah, are you not aware that I love Allah and His Messenger (Peace be upon him)?' I asked him the same question again but he remained silent. I again adjured him, whereupon he said, 'Allah and His Messenger (Peace be upon him) know better.' My eyes were filled with tears, and I came back climbing down the wall.

As I was walking in the bazaars of Al-Madinah, a man from the Syrian peasants, who had come to sell food grains in Al-Madinah, asked people to direct him to Ka'b bin Malik. People pointed towards me. He came to me and delivered a letter from the King of Ghassan, and as I was a scribe, I read that letter whose purport was: 'It has been conveyed to us that your friend (the Prophet (Peace be upon him)) was treating you harshly. Allah has not created you for a place where you are to be degraded and where you cannot find your right place; so come to us and we shall receive you graciously.' As I read that letter I said: 'This is too a trial,' so I put it to fire in an oven. When forty days had elapsed and Messenger of Allah (Peace be upon him) received no Revelation, there came to me a messenger of the Messenger of Allah and said, 'Verily, Messenger of Allah (Peace be upon him) has commanded you to keep away from your wife.' I said, 'Should I divorce her or what else should I do?' He said, 'No, but only keep away from her and don't have sexual contact with her.' The same message was sent to my companions. So, I said to my wife: 'You better go to your parents and stay there with them until Allah gives the decision in my case.' The wife of Hilal bin Umaiyyah came to Messenger of Allah (Peace be upon him) and said: 'O Messenger of Allah, Hilal bin Umaiyyah is a senile person and has no servant. Do you disapprove if I serve him?' He said, 'No, but don't let him have any sexual contact with you.' She said, 'By Allah, he has no such desire left in him. By Allah, he has been in tears since (this calamity) struck him.' Members of my family said to me, 'You should have sought permission from Messenger of Allah (Peace be upon him) in regard to your wife. He has allowed the wife of Hilal bin Umaiyyah to serve him.' I said, 'I would not seek permission from Messenger of Allah (Peace be upon him) for I do not know what Messenger of Allah might say in response to that, as I am a young man'. It was in this state that I spent ten more nights and thus fifty days had passed since people boycotted us and gave up talking to us. After I had offered my Fajr prayer on the early morning of the fiftieth day of this boycott on the roof of one of our houses, and had sat in the very state which Allah described as: 'The earth seemed constrained for me despite its vastness', I heard the voice of a proclaimer from the peak of the hill Sal' shouting at the top of his voice: 'O Ka'b bin Malik, rejoice.' I fell down in prostration and came to know that there was (a message of) relief for me. Messenger of Allah (Peace be upon him) had informed the people about the acceptance of our repentance by Allah after he had offered the Fajr prayer. So the people went on to give us glad tidings and some of them went to my companions in order to give them the glad tidings. A man spurred his horse towards me (to give the good news), and another one from the tribe of Aslam came running for the same purpose and, as he approached the mount, I received the good news which reached me before the rider did. When the one whose voice I had heard came to me to congratulate me, I took off my garments and gave them to him for the good news he brought to me. By Allah, I possessed nothing else (in the form of clothes) except these garments, at that time. Then I borrowed two garments, dressed myself and came to Messenger of Allah (Peace be upon him) On my way, I met groups of people who greeted me for (the acceptance of) repentance and they said: 'Congratulations for acceptance of your repentance.' I reached the mosque where Messenger of Allah (Peace be upon him) was sitting amidst people. Talhah bin 'Ubaidullah got up and rushed towards me, shook hands with me and greeted me. By Allah, no person stood up (to greet me) from amongst the Muhajirun besides him." Ka'b said that he never forgot (this good gesture of) Talhah. Ka'b further said: "I greeted Messenger of Allah (Peace be upon him) with 'As-salamu 'alaikum' and his face was beaming with pleasure. He (Peace be upon him) said, 'Rejoice with the best day you have ever seen since your mother gave you birth. 'I said: 'O Messenger of Allah! Is this (good news) from you or from Allah?' He said, 'No, it is from Allah.' And it was common with Messenger of Allah (Peace be upon him) that when ever he was happy, his face would glow as if it were a part of the moon and it was from this that we recognized it (his delight). As I sat before him, I said, I have placed a condition upon myself that if Allah accepts my Taubah, I would give up all of my property in charity for the sake of Allah and His Messenger (Peace be upon him)!' Thereupon Messenger of Allah (Peace be upon him) said, 'Keep some property with you, as it is better for you.' I said, 'I shall keep with me that portion which is in Khaibar'. I added: 'O Messenger of Allah! Verily, Allah has granted me salvation because of my truthfulness, and therefore, repentance obliges me to speak nothing but the truth as long as I am alive." Ka'b added: "By Allah, I do not know anyone among the Muslims who has been granted truthfulness better than me since I said this to the Prophet (Peace be upon him). By Allah! Since the time I made a pledge of this to Messenger of Allah (Peace be upon him), I have never intended to tell a lie, and I hope that Allah would protect me (against telling lies) for the rest of my life. Allah, the Exalted, the Glorious, revealed these Verses:

'Allah has forgiven the Prophet (Peace be upon him), the Muhajirun (Muslim Emigrants who left their homes and came to Al-Madinah) and the Ansar (Muslims of Al- Madinah) who followed him (Muhammad (Peace be upon him)) in the time of distress (Tabuk expedition), after the hearts of a party of them had nearly deviated (from the Right Path), but He accepted their repentance. Certainly, He is unto them full of kindness, Most Merciful. And (He did forgive also) the three who did not join [the Tabuk expedition and whose case was deferred (by the Prophet (Peace be upon him)) for Allah's Decision] till for them the earth, vast as it is, was straitened and their ownselves were straitened to them, and they perceived that there is no fleeing from Allah, and no refuge but with Him. Then, He forgave them (accepted their repentance), that they might beg for His Pardon [repent (unto Him)]. Verily, Allah is the One Who forgives and accepts repentance, Most Merciful. O you who believe! Be afraid of Allah, and be with those who are true (in word and deeds)." (9:117,118).

Ka'b said: "By Allah, since Allah guided me to Islam, there has been no blessing more significant for me than this truth of mine which I spoke to Messenger of Allah (Peace be upon him), and if I were to tell a lie I would have been ruined as were ruined those who had told lies, for Allah described those who told lies with the worst description He ever attributed to anybody else, as He sent down the Revelation:

They will swear by Allah to you (Muslims) when you return to them, that you may turn away from them. So turn away from them. Surely, they are Rijsun [i.e., Najasun (impure) because of their evil deeds], and Hell is their dwelling place - a recompense for that which they used to earn. They (the hypocrites) swear to you (Muslims) that you may be pleased with them, but if you are pleased with them, certainly Allah is not pleased with the people who are Al- Fa'siqun (rebellious, disobedient to Allah)". (9:95,96)

Ka'b further added: "The matter of the three of us remained pending for decision apart from the case of those who had made excuses on oath before Messenger of Allah (Peace be upon him) and he accepted those, took fresh oaths of allegiance from them and supplicated for their forgiveness. The Prophet (Peace be upon him) kept our matter pending till Allah decided it. The three whose matter was deferred have been shown mercy. The reference here is not to our staying back from the expedition but to his delaying our matter and keeping it pending beyond the matter of those who made their excuses on oath which he accepted".

[Al- Bukhari and Muslim]

Another version adds: "Messenger of Allah (Peace be upon him) set out for Tabuk on Thursday. He used to prefer to set out on journey on Thursday." Another version says: "Messenger of Allah (Peace be upon him) used to come back from a journey in the early forenoon and went straight to the mosque where he would perform two Rak'ah prayer. Afterwards he would seat himself there".

1、众信士的领袖欧麦尔·本·汉塔卜的传述:他说:我听安拉的使者(愿主慈悯他) 说:一切善功唯凭举意,每个人将得到自己所举意的。凡为安拉和使者而迁徙者,则他 的迁徙只是为了安拉和使者;凡为得到今世的享受或为某一个女人而迁徙者,则他的迁

شرح الحديث من دليل الفالحـــين

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    ( وعن عبد ابن كعببن مالك) بن كعب الأنصاري السلمي، أي: بفتحتين قال في «أسد الغابة» : ذكره أبو أحمد العسكري فيمن لحق بالنبي اهـ.
( وكان قائد كعب رضي الله عنه من) بين ( بنيه) وهم: عبد اهذا، وعبد الرحمن، وعبيد الله ( حين) أي: زمن ( عمي) أي: صار أعمى ( قال) بيان للمرويّ عن عبد الله ( سمعت كعببن مالك رضي الله عنه) شهد العقبة والمشاهد كلها إلا بدراً وتبوك، وجرح يوم أُحُد، أحد عشر جرحاً في سبيلالله، وهو أحد شعراء النبيّ المجاهدين بألسنتهم وأيديهم، وهم ثلاثة: حسان، وكعب، وابن رواحة.
وكان حسان يقع في «الأنساب» ، وابن رواحة يعيرهم بالكفر، وكعب يخوفهم وقائع السيف.
روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانون حديثاً، اتفقا على ثلاثة منها، وانفرد البخاري بحديث مسلم بحديثين، توفي بالمدينة سنة خمسين رضي الله عنه ( يحدث حديثه) مفعول مطلق أو منصوب بنزع الحافض ( حين تخلف عن) الخروج مع ( النبيّ) وفي نسخة: «عن رسول الله» ( في غزوة تبوك) بفتح الفوقية وضم الموحدة،يصرف إن أريد به المكان ولا يصرف أن أريد به البقعة، وكانت غزوة تبوك في التاسعة من الهجرة.
قال الفناوى في «شرح الموطأ» من رواية محمدبن الحسن: قيل سميت بتبوك لأنه رأى قوماً من أصحابه يبوكون عين تبوك.
أي: يدخلون فيها القدح ويحركونه ليخرج الماء، فقال: ما زلتم تبوكونها تبوكاً اهـ.
( قال كعب) : بيان لحديثه ( لم أتخلف عن رسول الله) في غزوة غزاها قط وعدة الغزوات التي خرج فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنفسه سبع وعشرون، قاتل في تسعة منها بنفسه: بدر، وأحد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، وفتح مكة على القول بأنها فتحت عنوة والصحيح عند أئمتنا خلافه، وحنين، والطائف.
وقيل إنه قاتل بني النضير.
وكانت سراياه التي بعث فيها سبعاً وأربعين سرية ( إلا في غزوة تبوك) ثم استثنى من قوله: «لم أتخلف» الخ قوله: ( غير أني قد تخلفت) أي: عنه ( في غزوة بدر) قرية مشهورة تنسب إلى بدربن مخلدبن النضربن كنانة كان نزلها، وقيل: بدربن الحارث حافر بئرها، وقيل: بدر اسم البئر التي فيها سميت به لاستدراتها أو لصفائها ورؤية البدر فيها.
وحكى الواقدي عن غير واحد من شيوخ بني غفار إنكار هذا كله، قال: وإنما هي مالنا ومنازلنا وما ملكها أحد قط يقال له: بدر، وإنما هو علم عليها كغيرها من البلاد.
والسبب في ترك استثناء بدر مع تبوك بلفظ واحد كونه تخلف في تبوك مختاراً لذلك مع تقدم الطلب وقوع العتاب على من تخلف بخلاف بدر في ذلك كله فلذا غاير بين التخلفين، قاله الحافظ في «الفتح» ( ولم يعاتب أحد) من المسلمين هو بفتح الفوقية مبني للمجهول، وفي رواية: «لم يعاتب أحداً» ( تخلف عنه) فيها ( إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون يريدون عير قريش) علة لعدم العتاب.
والعير: الإبل التي عليها أحمالها.
وذلك أن أبا سفيان كان بالشام في ثلاثين راكباً، منهم: عمروبن العاص، فأقبلوا في قافلة عظيمة فيها أموال قريش، حتى إذا كان قريباً من بدر بلغ النبي ذلك، فندب أصحابه إليهم وأخبرهم بكثرة المال وقلة الغدوّ، فلما بلغ النبيّ الروحاء أتاه الخبر عن مسير قريش ليمنعوا عن عيرهم، فكان سبب الحرب المشار إليها بقوله: ( حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم) أي: من كفار قريش ( على غير ميعاد) أي: موعد ( ولقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلمـ ليلة العقبة) أي: الليلة التي بايع النبيّ الأنصار فيها على الإسلام وأن يؤووه وينصروه، وهي العقبة التي في طرف منى التي تضاف إليها جمرة العقبة، وكانت بيعة العقبة مرتين في السنة الأولى كانوا اثني عشر، وفي السنة الثانية سبعين كلهم من الأنصار بمسجد يقرب العقبة المذكورة، وإذا أطلق ذكر العقبة فالمراد الأخيرة ( حين تواثقنا) بالمثلثة بعد الألف بدل من ليلة وتواثقنا ( على الإسلام) أي: تبايعنا عليه وتعاهدنا وأخذ بعضنا على بعض الميثاق، وفي بعض النسخ «توافقنا» بالفاء بدل المثلثة ( وما أحبّ أن لي بها) أي بدل الليلة أو العقبة ( مشهد بدر) بالنصب اسم أن، أي: ما أحبّ أني شهدت بدراً ولم أشهدها قال ذلك لما ظهر له بحسب نظره أن ليلة العقبة كانت أفضل لأنها وقعت قبل الهجرة، والمسلمون قليل والإسلام ضعيف ( وإن كانت بدر أذكر) بالنصب: أي أشهر ذكراً ( في الناس منها) بالفضيلة، وقد قدموا في عدّ طباق الصحابة من شهد العقبة الثانية على من شهد بدراً ( فكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة) بإسكان الزاي، ويقال: غزاة بفتح المعجمة والزاي وإبدال الواو ألفاً فهما مفرداً غزوات وعن ثعلب الغزوة المرة، والغزاة عمل سنة كاملة.
ذكره أو المغازي من الفتح ( تبوك أني) بفتح الهمزة هي ومدخولها اسم كان ( لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني) فيه تفضيل الشيء على نفسه باعتبار تعدد الزمان، كما فضل الكحل حال كونه في عين زيد مثلاً على نفسه حال كونه في عين غيره باعتبار تعدد المكان في قولهم: ما رأيت أحداً أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ( حين) أي: زمن ( تخلفت عنه في تلك) الغزوة ( وا ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة) بيان لكونه أيسر وكذا لكونه أقوى إن أريد به القوة العارضية الحاصلة بالأسباب، وإن أريد به القوّة في البدن فسكت عن ذكر ما يبينه( ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد غزوة إلا ورّى بغيرها) أي أوهم، زاد أبو داود: وكان يقول: «الحرب خدعة» ( حتى) غاية للتورية ( كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حرّ شديد) يخاف منه الهلاك ( واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً) ويقال مفازة: أي برية طويلة قليلة الماء وهو بفتح الميم، قيل: مأخوذ من فاز الرجل إذا هلك، وقيل على سبيل التفاؤل بفوزه ونجاته منها كما يقال للديغ: سليم ( واستقبل عدداً كثيراً) وفي بعض نسخ الصحيح: عدواً، وكأن حكمة إعادة العامل أن هذا نوع غير معمول «استقبل» المذكور أولاً ( فجلا للمسلمين أمرهم) بتخفيف اللام وتشديدها: أي كشفه وأوضحه وعرفهم ذلك من غير تورية ( ليتأهبوا أهبة غزوهم) بضم الهمزة وإسكان الهاء، أي: ليستعدوا بما يحتاجون إليه في سفرهم، ثم هو كذا في نسخ الرياض بالمعجمة فالزاي، وهو كذلك في «صحيح مسلم» ، وفي «صحيح البخاري» «عدوهم» بالمهملتين وتشديد الواو ( فأخبرهم بوجههم) أي: بقصده، وهو كذلك بالموحدة أوله، في بعض نسخ مسلم وفي غيره «توجههم» بالفوقية بدل الموحدة: أي مقصدهم ( الذي يريد) وفي تلك «الذي يريدون» والعائد محذوف عليهما.
وسبب تلك الغزوة أنه بلغه أن الروم تجمعت بالشام مع هرقل: أي لحربه، فندب الناس إلى الخروج لذلك ( والمسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثير) جملة حالية من فاعل غزا، وعدة من كان معه ثلاثون ألفاً، وعن أبي زرعة سبعون ألفاً، وفي رواية عنه أيضاً: أربعون ألفاً، ووجه الجمع أن من قال كانوا سبعين عدّ التابع والمتبوع ومن قال ثلاثين أو أربعين عدّ المتبوعين أو أهل القتال ( ولا يجمعهم كتاب حافظ) حال متداخلة، ثم روي في «صحيح البخاري» بتنوينهما، وفي «صحيح مسلم» بالإضافة.
قال ابن شهاب الزهري: ( يريد) أي: كعب ( بذلك) أي: بالكتاب الحافظ ( الديوان) بكسر الدال على المشهور، وحكي فتحها فارسي معرب، وقيل: عربي ( قال كعب: فقلّ رجل) وفي «البخاري» فما رجل ( يريد أن يتغيب) أي: يغيب ( إلا ظن أن ذلك سيخفى له) وقع في جميع نسخ مسلم بإسقاط «إلا» .
قالالمصنف في «شرحه» : والصواب إثباتها.
قال القرطبي: هي لإيجاب ما تضمنته قلّ من معنى النفي، لأن معنى قلّ رجل: ما رجل، فكأنه قال: ما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن اهـ ( ما لم ينزل فيه وحي من الله عزّ وجلّ) منبه على تغيبه ( وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الغزوة حين طابت الثمار) أي: أينعت ونضجت وآن وقت أكلها ( و) طابت ( الظلال) بكسر الظاء المعجمة: جمع ظل ( فأنا إليها أصعر) بالمهملتين: أي: أميل، والصعر: الميل ( فتجهز رسول الله، و) تجهز ( المسلمون معه وطفقت) من أفعال الشروع جعلت يقال: طفق بكسر الفاء وفتحها وبإبدال الفاء بموحدة ( أغدو لكي أتجهز معه فأرجع ولم أقض) شيئاً من أمري ( وأقول في نفسي أنا قادر على ذلك) أي: على التجهيز ( إذا أردت) أي: لسعة الوقت ( فلم يزل ذلك) أي التسويف في الأمر ( يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد) بكسر الجيم: أي الاجتهاد في أمر السفر وشأنه ( فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غادياً و) أصبح ( المسلمون معه) أي: مصاحبين له في السفر ( ولم أقض من جهازي) بفتح الجيم وكسرها: أي أهبه سفري ( شيئاً ثم غدوت) أي: سرت أول النهار ( فرجعت) من غدوي ( ولم أقض شيئاً) أي: من جهازي ( فلم يزل ذلك) أي: الغدو لقضاء الجهاز وعدم قضائه ( يتمادى بي حتى أسرعوا) بالمهملات.
وصحفه الكشميهني فرواه في «صحيح البخاري» «شرعوا» بحذف الهمزة وإعجام الشين ( وتفارط) بفوقية ففاء وراء وطاء مهملتين ( الغزو) بإعجام الغين: أي تقدم الغزاة، والفارط والفرط: المتقدم وجمعه أفراط ( فهممت أن أرتحل فأدركهم فيا) قوم ( ليتني فعلت) وخلصت من ورطة التخلف، وفيه الندم على ما فات من عمل البرّ، والنهي عنه على ما فات محمول على ما فات من الأعراض الفانية ( ثم لم يقدر ذلك) أي: الارتحال ( لي) وما لم يقدر لا يكون ( فكنت إذا خرجت في الناس) أي المتخلفين من مؤمن معذور أو منافقمغرور ( بعد خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحزنني) بفتح التحتية وضم الزاي من حزن ويجوز ضم التحتية وكسر الزاي من أحزن ( أن) وفي نسخة «أنى» ( لا أرى لي أسوة) فاعل يحزن.
والظرف في محل الحال من أسوة، وهي بضم الهمزة وقد تكسر: القدوة ( إلا رجلاً مغموصاً) بإعجام الغين وإهمال الصاد أي مطعوناً ( عليه) في دينه محتقراً متهماً ( في النفاق) أي إظهار الإسلام وإخفاء الكفر.
ولا يخفى ما اشتملت عليه هذه الجملة من الاستعارة المكنية وما يتبعها من الاستعارة التخييلية ( أو رجلاً ممن عذر ا) أي: عذره الله ( من الضعفاء) بيان لمن ( ولم يذكرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوك) هكذا في «نسخ الرياض» ممنوع الصرف على إرادة البقعة.
قال المصنف: وهو في أكثر نسخ «الصحيحين» تبوكاً بالصرف، وكأنه صرفه لإرادة المكان دون البقعة ( فقال وهو جالس في القول بتبوك: ما فعل كعببن مالك؟ فقال رجل من بني سلمة) بكسر اللام: بطن من الأنصار، واسم ذلك الرجل عبد ابن أنيس كما قاله الواقدي في «المغازي» ( يا رسول الله حبسه برداه) بضم الباء، يعني: الرداء والإزار أو الرداء والقميص، وسماهما بردين لأن الإزار والقميص قد يكونان من برد والبرود ثياب من اليمن فيها خطوط، ويحتمل أن أحدهما كان برداً وتسمينهما بردين على طريقة العمرين والقمرين ( والنظر في عطفيه) بكسر المهملة الأولى: أي جانبيه، كناية عن العجب.
قال القرطبي: وكأن هذا القائل كان في نفسه حقد على كعب ولعله كان منافقاً فنسب كعباً إلى الزهوّ والكبر، وكانت نسبة باطلة بدليل ردّ العدل الفاضل معاذبن جبل عليه كما قال: ( فقال له معاذبن جبل رضي الله عنه بئسما) أي بئس هو قولاً ( قلت، وا يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً) ففيه جواز ذمّ المتكلم بالعيب والقبيح في حق المسلم ونصرة المسلم في غيبته والرد عن عرضه.
وما زعمه من احتمال نفاق القائل فيه نظر لأن عبد ابن أنيس لم يتهم بذلك.
والأولى حمله على أنه صدر منه ذلك من غير فكر وروية وقصد إلى معايبه القبيحة الردية، والله أعلم بحقيقة الحال( فسكت رسول الله) أي عن السؤال عن حال كعب، زاد مسلم على البخاري ( فبينا هو على ذلك رأى رجلاً مبيضاً) بكسر التحتية اسم فاعل، من البياض: أي لابس البياض، يقال: هم المبيضة والمسودة بالكسر: أي لابسو البياض والسواد ( يزول) أي يتحرك وينهض ( به السراب) هو ما يظهر للإنسان في الهواجر في البراري كأنه ماء ( فقال رسول الله: كن أبا خيثمة) لفظهُ لفظ الأمر ومعناه الدعاء، كما يقال أسلم: أي سلمكالله، قاله السهيلي.
وقال المصنف في «شرح مسلم» : قيل معناه أنت أبو خيثمة.
قال ثعلب: العرب تقول كن زيداً: أي أنت زيد.
قال القاضي عياض: والأشبه عندي أنّ كن هنا للتحقيق والوجود: أي لتوجد يا هذا الشخص أبا خيثمة حقيقة، وهذا الذي قاله القاضي هو الصواب وهو معنى قول «صاحب التحرير» : تقديره اللهم اجعله أبا خيثمة اهـ.
( فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري) إذا فجائية والجملة بعدها في محل جرّ بالإضافة ( و) أبو خيثمة ( هو الذي تصدّق بصاع التمر حين لمزه المنافقون) واللمز: الطعن.
انتهت زيادة مسلم.
واسم أبي خيثمة عبد ابن خيثمة، وقيل: مالكبن قيس، ولهم: أبو خيثمة صحابي آخر اسمه: عبد الرحمنبن أبي سبرة الجعفي ( قال كعب: فلما أن بلغني أن رسول الله) بفتح الهمزة هي ومعمولاها فاعل بلغ ( قد توجه قافلاً) أي: راجعاً ( من تبوك) بالصرف وعدمه على ما تقدم ( حضرني بثي) جواب للما.
وعند البخاري: «حضرني همي» والبث أشد الحزن، وبه يعلم أن عطف الحزن عليه في قوله تعالى: { إنما أشكو بثي وحزني إلى ا} ( يوسف: 86) من عطف العام على الخاص لا المرادف خلافاً لما في شرح «بانت سعاد» لابن هشام ( فطفقت) أي: أخذت من باب أفعال المقاربة تقدمت لغاتها ( أتذكر الكذب) أي ما يقبله السامع من الآتي به والجملة خبر طفق ( وأقول) عطف على خبر طفق ( بما) كذا هو إثبات الألف في الأصول المصححة، ومقتضى قاعدة وجوب حذف ألف ما الاستفهامية إذا جرت نحو { عم يتساءلون} أن يكون بحذفها ولعله جاء على الاستعمال القليل: أي أقول بأي شيء من الأعذار مطابقة للواقع أم لا كما يدل عليه السياق ( أخرج من سخطه) بفتحتين أو بضم فسكون أي من كراهيته لتخلفي وعدم رضاه به ( غداً وأستعين) عطف على أتذكر ( على ذلك) أي المخرج لي من سخطه وعدم رضاه ( بكل ذي) أي: صاحب ( رأي من أهلي) ثم لا يشكل ما ذكره من تذكرة الكذب والاستعانة عليه بما تقرّر من عدالة الصحابة، لأنه رأى جواز فعل ذلك لما فيه من ارتكاب أخف الضررين دفعاً لأشدهما وهو سخطه.
على أن الله سبحانه وتعالى قد حفظه من فعل ذلك وسلك به عنه بصدقه أحسن المسالك ( فلما قيل) أي: تحدث وليس المراد منه تضعيف المخبر عنه ( أن رسول الله) بكسر الهمزة محكي بالقول، وهو نائب الفاعل لأن الإسناد لفظي: أي قيل هذا اللفظ ( قد أظل) بالمعجمة المشالة أي: أقبل ودنا كأنه ألقى عليه ظله ( قادماً) حال من فاعل أظل ( زاح عني الباطل) أي: زال وذهب، ويقال: أزاح أيضاً والمصدر زوحاً، قاله الأصمعي، وزيحا كما في «المصباح» ، وزيحانا قاله الكسائي، والمراد بالباطل ما كان عزم عليه من التنصل من سخطه بالإخبار بغير مطابق للواقع ( حتى) استئنافية أو عاطفة ( عرفت أني لم أنج) بفتح الهمزة وسكون النون وضم الجيم ( منه) أي من سخطه نجاة نافعة ( بشيء) أي: من الكذب، وفي نسخة «بشيء فيه كذب» ( أبداً) أي لا أنجو به نجاة أبدية وإن نجوت به في الحال، لكن يحصل خلافه عند كشف الله لنبيه عن حقيقة الأمر كما جرى للمنافقين، والأبد الزمن المستقبل ( فأجمعت صدقه) أي: عزمت عليه، يقال أجمع أمره وعلى أمره وعزم عليه بمعنى ( وأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قادماً وكان إذا قدم) بكسر الدال مضارعه يقدم بفتحها ( من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين) تحية المسجد، إنما كان يفعل ذلك ليبدأ بتعظيم بيت الله قبل بيته وليقوم بشكر نعمة الله عليه في سلامته، وليس ذلك في شرعه لأمته.
كذا في «المفهم» .
ثم جملة «وكان» تحتمل العطف على جملة أصبح، والحالية من فاعل أصبح، ( ثمجلس للناس) أي ليسلموا عليه ويهنئوه بالسلامة ( فلما فعل ذلك) أي: المذكور من صلاة التحية والجلوس للناس معتكفاً كما يومىء إليه علو مقامه فلذا دارت أفعاله بين الوجوب والندب.
والاعتكاف يحصل بما زاد على الطمأنينة ولا يتوقف على الصوم ( جاءه المخلفون) اسم مفعول: أي عن الخروج معه إلى تبوك.
قال أبو حيان في «النهر» : لفظ المخلفون يقتضي الذم والتحقير، وهي أمكن من لفظ المتخلفين إذ هم مفعول بهم ذلك اهـ.
فطفقوا ( ويعتذرون إليه) من تخلفهم عنه ( ويحلفون له) على ما يعتذرون به ( وكانوا بضعاً وثمانين رجلاً) والبضع والبضعة بكسر الباء الموحدة وسكون المعجمة: ما بين الثلاث إلى التسع من العدد.
وفي هذا الرد على منع استعماله فيما فوق العشرين، ثم منهم من اعتذر بالمرض ومنهم من اعتذر بغيره مما هو كاذب فيه ( فقبل منهم علانيتهم) بتخفيف التحتية اسم مصدر من علن الأمر يعلن علوناً كدخل أو من علن يعلن علناً كطرب أي: ما أظهروه إجراء للأحكام على ظاهر ( وبايعهم) بالموحدة ( واستغفر لهم) أي: سأل الله غفر ذنب المتخلف عنه ( ووكل) بتخفيف الكاف ( سرائرهم) جمع سريرة: أي ما أخفوه من النفاق وقصد الإخبار بخلاف الواقع ( إلى) علم ( ا) وفي الحديث: «إنما أحكم بالظواهر وا يتولى السرائر» ( حتى جئت) حتى حرف ابتداء لدخولها على الماضي، وليست حرف جر بعدها أن مضمرة خلافاً لابن مالك فقد رده عليه ابن هشام بأنه لا يعرف له فيه سلفاً، ولا عاطفة لأنها لا تعطف الجمل خلافاً لابن السيد في زعمه إجازة ذلك.
قال في «المغني» : وذلك لأن شرط معطوفها أن يكون جزءاً مما قبلها أو كجزئه ولا يتأتى ذلك إلا في المفردات اهـ.
وحينئذٍ فالجملة مستأنفة ( فلما) الفاء فصيحة أي جئت فسلما فلما ( سلمت عليه تبسم تبسم المغضب) بفتح المهملة من الأول فعل ماض جواب لما، وضمها من الثاني مصدر مفعول مطلق، والمغضب اسم مفعول: أي الغضبان، وفي التعبير به دونه إيماء إلى أن الغضب منه إنما يكون عارضاً بسبب أمر يقتضيه، وإلا فخلقه الكريم الرضى والعفو والصفح والتجاوز عما لا معصية فيه من الأمور.
قال أنس: «خدمت النبي عشر سنين، فما قال لي لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء تركته لم تركته» ( ثم قال: تعال) بفتح اللام ( فجئت) أي عقب الأمر من غير تراخ ففيه ما كان عليه الصحابة من البدارلأداء أوامره ( أمشي) جملة حالية ( حتى) غاية لما قبله ( جلست بين يديه فقال لي: ماذا) أي ما الذي ( خلفك) أي ما كان سبب تخلفك عن الخروج معي لتبوك.
وإسناد التخليف إليه مجاز عقلي ( ألم تكن قد ابتعت) أي اشتريت ( ظهرك) الظهر: هي الإبل التي تركب وجمعه ظهران بالضم ( قلت: يا رسول الله إني وا لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج سخطه بـ) ـذكر ( عذر) أبديه مورياً أو موجهاً ( لقد أعطيت) بالبناء للمجهول ( جدلاً) بفتح أوليه الجيم فالمهملة: أي فصاحة وقوة في الكلام وبراعة بحيث أخرج عن عهدة ما ينسب إليّ إذا أردت، ثم أكد ما قبله بقوله: ( ولكني وا لقد علمت أني لئن حدثتك اليوم حديث كذب) بفتح فكسر ( ترضى به عني) لفصاحته وبراعته الموهمة أنه كذلك في الواقع ( ليوشكن ا) أن ( يسخطك عليّ) يوشك بضم التحتية وكسر المعجمة مضارع أو شك وهو أكثر استعمالاً منه حتى أنكر الأصمعي مجيئه ماضياً، وإن كان مردوداً بمجيئه كذلك في كلامهم، وهو من أفعال المقاربة، ثم اللام في لقد علمت لام جواب القسم، وفي لئن مؤذنة بقسم مقدر أتى به تأكيداً للمقام، وقوله ليوشكن جوابه، واستغنى به عن جواب الشرط، وجملة القسم وجوابه علق عنها فعل العلم والقسم الأول وجوابه ساد مسد خبر لكن علة له، والتقدير: ولكني مع الحال المذكورة لا أفعل لعلمي بأن الله يجلي لك الأحوال ويظهر لك الصادق والكاذب من المقال، ففيه التنبيه على اجتناب المعاصي، فإنها وإن كانت قد تحلو ساعة مباشرتها بتزيين الشيطان وإغوائه إلا أنها مرة المجنى منقصة في المعنى لمن استنارت بصيرته وجليت سريرته ( وإن حدثتك حديث صدق تجد) بكسر الجيم وتخفيف المهملة أي: تغضب ( عليّ فيه) أي لأني ملوم بسببه واقع في المخالفة به، وهذه الجملة الشرطية معطوفة على الأولى الواقعة بعد اللام المؤذنة بالقسم.
فقوله: ( إني لأرجو فيه) أي: الصدق ( عقبى الله عز وجل) جواب القسم، والعقبى بضم العين المهملة وسكون القاف: أي: العاقبة الحسنة أي: أرجو من الله تعالى أن يعقبني خيراً بتوبته علي وإرضاء نبيه عني، وقد حقق الله له رجاءه ( وا ما كان لي من) مزيدة لاستغراق النفي( عذر) أي: حقيقي في التخلف فأعتذر به ( وا ما كنت قط) بفتح القاف وتشديد المهملة المضمومة على الأفصح ( أقوى) أي في البدن ( ولا أيسر) أي في المال ( مني) هو المفضل عليه وتفضيل الشيء على نفسه باختلاف الزمان ( حين) أي: وقت ( تخلفت عنك فقال رسول الله: أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم حرف فيه معنى الشرط والتفصيل ( هذا فقد صدق فقم) الفاء فيه فصيحة: أي حيثما صدقت فقم ( حتى يقضي ا) أي: يبدي في عالم الشهادة ما سبق به قضاؤه الأزلي ( فيك) أي في شأنك: أي من المؤاخذة بجريرة ذنب التخلف المحرم من غير عذر أو العفو عنه أو التوبة عليه والرضى عنه لما تجرعته من مرارة الصدق الشاق عليك لما ترتب عليه فقمت ( وثار) بالمثلثة: أي: وثب ( رجال من بني سلمة) بفتح المهملة وكسر اللام: بطن من الأنصار ( فاتبعوني فقالوا: وا ما علمناك أذنبت ذنباً) الجملة في محل المفعول الثاني لعلم ( قبل هذا) التخلف ( لقد عجزت) بفتح الجيم على الأفصح ( في) تعليلية نحو: { لمسكم فيما أفضتم} ( النور: 14) ألا تكون اعتذرت أي: بسبب عدم اعتذارك ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما) أي: بمثل الذي ( اعتذر به إليه المخلفون) فإن كان ذنباً لكونه كذباً لم تورّ ( فقد كان كافيك) بالنصب خبر كان، و { ذنبك} مفعوله الثاني أو منصوب على نزع الخافض ( استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك) اسم كان، وأعربه الحافظ فاعل الوصف، وعليه تكون كان تامة الوصف فاعلها والاستغفار فاعله ( قال) كعب: ( فوا ما زالوا يؤنبونني) بضم التحتية وفتح الهمزة ثم نون مشددة مكسورة ثم موحدة، أي يلومونني أشد اللوم ( حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكذب نفسي) أي: أقول إنها كاذبة في قول السابق ما كان لي من عذر ( ثم قلت لهم: هل لقي هذا) أي الصدق في المقال وذكر الواقع الذي لمتوني به ( معي من) مزيدة ( أحد) فيهون عليَّالأمر وأجد لي مساوياً في ذلك ( قالوا نعم، لقيه رجلان قالا مثل ما قلت) أي من الإخبار بانتفاء العذر المانع من الخروج ( وقيل لهما مثل ما قيل لك) أي: من انتظار ظهور ما سبق به القضاء في شأنهما ( قال) كعب ( قلت من هما؟ قالوا) : هما ( مرارة) بضم الميم وتكرار الراء ( ابن الربيع العامري) هذا لفظ مسلم، قال المصنف في «شرحه» : هكذا هو في جميع نسخ «العامري» وأنكره العلماء وقالوا: هو غلط إنما صوابه «العمرى» بفتح المهملة وإسكان الميم من بني عمروبن عوف، وكذا ذكره البخاري، وكذا نسبه ابن إسحاق وابن عبد البرّ وغيرهما من الأئمة.
وقال القاضي عياض: هو الصواب، ووقع عند مسلم أيضاً في النسخ «ربيعة» ووقع في البخاري «ابن الربيع» قال ابن عبد البرّ: يقال بالوجهين ( وهلال) بوزن بلال ( بن أمية) بن عامربن قيسبن عبد الأعلمبن عامربن كعببن واقفبن امرىء القيسبن مالكبن الأوس ( الواقفي) بقاف ففاء منسوباً إلى بني واقف المذكور في النسب واسمه مالك: بطن من الأنصار ( قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً) أي: غزوة بدر الكبرى وأهلها لهم الشرف الأعلى، ثم ما ذكره من شهودهما بدراً كذا في الصحيحين.
قال ابن الجوزي في «جامع المسانيد» إنه من أوهام الزهري فلم يذكرهما أحد في البدريين، وقد سئل الشرف الدمياطي عن كلام ابن الجوزي هذا فأقرّه عليه وأيده، نقله عنه ابن السبكي في ترجمته من «الطبقات الكبرى» ، وتعقبه الحافظ في «الفتح» بأن الظاهر من صنيع البخاري أن «قد شهدا بدراً» من كلام كعب، وممن جزم بأنه شهداها الأثرم، وتعقبه ابن الجوزي ونسبه إلى الغلط فلم يصب.
واستدل بعضهم لكونهما لم يشهداها بما لا دليل فيه من هجرانه لهما وترك مثل ذلك في حق حاطب وقد فعل ما فعل فقال في حقه «إنه شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر» الحديث، فلو شهداها لصفح عنهما كحاطب وليس ما يومىء إليه كلامه من عدم مؤاخذة البدري بما يعمل كذلك، وإنما صفح عن حاطب لتبين عذره في مكاتبته بخلاف كعب وصاحبيه إذ لا عذر لهما في التخلف انتهى ملخصاً.
( فقلت لي فيهما أسوة) بضم الهمزة وكسرها: أي قدوة وفي العبارة تجريد إذ هما الأسوة ( قال) كعب: ( فمضيت) أي: مصمماً على ما وقع مني من الإخبار بالصدق ( حين ذكروهما لي) بمثل ذلك ( ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا أيها الثلاثة) ففيه وجوب هوان من ظهرت منه المعصية فلم يسلم عليه إلى أن يقلع وتظهر توبته.
كذا في «المفهم» وأي: بالضموالثلاثة مرفوع على الصفة لأي تبعاً للفظها ومحلها نصب على الاختصاص.
حكى سيبويه عن العرب: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة، وهذا مثله ( من بين) أي دون ( من) أي سائر الذي ( تخلف عنه) وذلك لرفع شأن هؤلاء الكرام وإعراضه عن باقي المتخلفين لأنهم اعتذروا، ومنهم المعذور حقيقة، ومنهم المنافقون اعتذروا ظاهراً فقبل منهم ذلك لأن الأحكام الشرعية مبناها عليه، وقد فضح الله سرائرهم وأظهر للمؤمنين ضمائرهم كما يأتي آخر الحديث ( قال فاجتنبنا) بفتح الموحدة ( الناس) أي: صاروا لنا مجانبين ( أو) شك من الراوي ( قال) فـ ( تغيروا لنا) عما كنا نعهده من الأنس والوداد منهم ( حتى تنكرت) غاية لما قبلها وتنكرت تغيرت ( لي في نفسي الأرض) فاعل تنكر والظرفان متعلقان به: أي تغيرت لي لا لغيري في نفسي، أي عندهما لا في نفس الأمر.
وحاصله أن تكدر الأحوال يوهم النفس تغير الدار ويخيل إليها ما لم يقع بحال ( فما هي) أي: الأرض الآن ( بالأرض التي أعرف) والحاصل أنه لعظم ما اشتدّ عليه الأمر توهم أنه تغير عليه كل شيء حتى الأرض، فإنها توحشت وصارت كأنها غير الأرض التي كان يعرفها قبل ذلك ( فلبثنا) أي: أقميها ( على ذلك) المذكور من الانتظار لما يبدو في عالم الشهادة مما سبق به القضاء، وهجر الناس لنا ( خمسين ليلة) أي: ونهاراً، وحذف اكتفاء بذكر قرينه للعلم به من السياق.
( فأما) بفتح الهمزة تفصيل لبعض حاله وحال صاحبيه ( صاحباي) أي: المشاركان لي في هذا الحال ( فاستكانا) أي: خضعا ( وقعدا في بيوتهما يبكيان) أي: على خطيئتهما ففيه بكاء الإنسان على خطيئته، وفي الحديث: «وابك على خطيئتك وليسعك بيتك» ( وأما أنا فكنت أشبّ القوم) بالمعجمة فالموحدة أي: أصغرهم سناً ( وأجلدهم) أي: أقواهم ( فكنت أخرج) إلى المسجد وغيره ( فأشهد الصلاة) أي: المفروضة ( مع النبيّ) أي أشهد الجماعة في الصلوات المكتوبات ( وأطوف) بفتح الهمزة وبالمهملة أي: أمشي دائراً ( في الأسواق) جمع سوق، وتقدم أنها سميت بذلك لسوق الناس بضائعهم إليها، وقيل: للوقوف فيها على الساق.
وتعقب باختلاف المادة، ولعل من حكمة طوفانه في الأسواق أنها من محال كرم اللهوجوده بتيسير تلك الأمور المباعة لطالبها وربح جالبها وصاحبها فتعرض في محل الرحمات والفيوض المعنوية وهي المساجد وشهوده الصلوات، وفي محل الفضل والعطايا الدنيوية وهي الأسواق لنفحات الرحمن لتعود عليه بالتوبة، ويظفر بالمرام في الأوبة، ويتنصل عما وقع فيه من الحوبة ( ولا يكلمني أحد) معطوفة على وأطوف ويصح كونها في محل الحال ( وآتى رسول الله) تشرفاً برؤيته، واستمطاراً للفيوض الربانية من حضرته، وإراحة القلب من ألم الكرب، ففيه أن حبه له الأكيد، لم يغيره عنه ما صدر من الأمر فيه بالتبعيد ( فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة) فيه الجلوس عقب الصلاة في المصلى للذكر والدعاء ونحوهما، والجملة في محل الحال، وأتردد هل رد عليه الصلاة والسلام بلسانه على السلام ( فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه) بفتح المعجمة أي: أقول هل حركهما ناطقاً ( برد السلام) عليّ كما هو قضية صفحه وعفوه، والانزجار يحصل بعدوله عن الجهر بذلك إلى الإسرار ( أم لا) لقضية ما صدر مني من العصيان المقتضي للهجران.
وأم هنا منقطعة بمعنى بل لعدم تقدم الهمزة عليها ( ثم أصلي قريباً منه) للنافلة والرواتب ( وأسارقه النظر) بالمهملة والقاف: أي: أنظر إليه في خفية.
ففيه أن مسارقة النظر في الصلاة وكذا الالتفات لا يبطلها ( فإذا أقبلت على صلاتي أقبل علي) لما ورد من إقبال المولى سبحانه على المقبل بقلبه وقالبه على مولاهـ والمصطفى متخلق بأخلاقالله.
ففيه أن الإقبال على مرضاة الله سبب لقبول أولياء الله ( وإذا التفت نحوه) في صلاتي ( أعرض عني) إذ الالتفات في الصلاة اختلاس من الشيطان كما ورد في الحديث مع ما ينبىء عنه من الغفلة الشاهد بها خبر «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» ( حتى إذا طال على ذلك) ابتدائية على الصحيح على ما في المغني أو غاية لمقدر: أي استمررت متصابراً حتى إذا طال عليّ ذلك ( من) بيانية لذلك ( جفوة) بفتح الجيم وسكون الفاء: أي إعراض ( المسلمين) ويجوز أن يكون المشار إليه ما تقدم ومن ابتدائية أو تعليلية ( مشيت) واستمررت في المشي ( حتى تسورت) بتشديد الواو: أي علوت سور ( جدار حائط) هو البستان إذا كان عليه دائر بناء.
وفي «الصحاح» : التسوّر النزول من الارتفاع ولا يكون إلا من فوق ويقال: هو الصعود إلى مكان مرتفع اهـ.
وفيه جواز دخول الإنسان دار صديقه وقريبهالذي يدل عليه ويعرف أنه لا يكره ذلك بغير إذنه بشرط أن يعلم أنه ليس هناك نحو زوجة مكشوفة ( أبي قتادة) بفتح القاف الحارثبن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة وبالمهملة الأنصاري ( وهو ابن عمي) أي بحائل، كذا قاله الكرماني.
ووجهه أنهما يجتمعان في كعببن سلمة، وهو الجد الخامس لكعب والسادس لأبي قتادة وقيل: بل هو ابن عمه حقيقة وأن ربعياً والد أبي قتادة أخو مالك والد كعب ( وأحب الناس إليّ) أي أكثرهم محبوبية إليّ لقرابته في النسب، أو لغير ذلك من السبب ( فسلمت عليه فوا ما رد عليّ السلام) لعموم النهي عن كلام كعب وصاحبيه، ففيه عدم رد السلام على نحو المبتدع، وأن السلام كلام فيحنث به من حلف لا يكلم فلاناً فسلم عليه أو رده عليه وإن كان واجباً عليه، وإيثار طاعة الله ورسوله على مودة الصديق والقريب ونحوهما ( فقلت له يا أبا قتادة أنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أي أسألك ( با) وأصله من النشيد وهو الصوت ( هل تعلمني) أي بما تراه من الشواهد والآيات فلا ينافي ما جاء من إنكاره على سعدبن أبي وقاص في قوله: «مالك عن فلان فإني لأراه مؤمناً» فقال: «أو مسلماً» أي: إن الإيمان لكونه قلبياً لا سبيل إلى علمه والجزم به بخلاف الإسلام لتعلقه بالظاهر، ولذا أجابه أبو قتادة بقوله: الله ورسوله أعلم ( أحب الله ورسوله) محبتهما طاعة أمرهما ومنها الإيمان وفعل الطاعات وترك مخالفتهما، وما أحسن ما قيل: تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع ( فسكت) عن الجواب لما تقدم ( فعدت) له ( فناشدته) أي: نشدته والإتيان به من باب المفاعلة للمبالغة ( فسكت فعدت) إليه ( فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم) والإتيان به من باب المفاعلة للمبالغة ( فسكت فعدت) إليه ( فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم) .
قال القاضي عياض: لعل أبا قتادة لم يقصد بها تكليمه به لأنه منهي عن كلامه، وإنما قال ذلك لنفسه لما ناشده با، فقال أبو قتادة مظهراً لاعتقاده لا ليسمعه، إذ من حلف لا يكلم فلاناً فسأله عن شيء فقال: الله أعلم يريد إسماعه وجوابه حنث، فإن لم يرد ذلك فلا حنث اهـ.
قال القرطبي في «المفهم» : ويحتمل أن أبا قتادة فهم أن الكلام الذي نهى عنه إنما هو المقتضيللمباسطة وإفادة المعاني لا مثل هذا المقتضى للإبعاد والمنافرة، ألا ترى أنه لم يرد عليه السلام ولا التفت لحديثه اهـ.
( ففاضت عيناي) مجاز عقلي من الإسناد للمكان نحو نهر جار، ومعنى فاضت عيناي أي: كثرت دموع عيني ( وتوليت) راجعاً من حيث أتيت ( حتى تسورت الجدار فبينا) بألف الإشباع، وقيل: هي كافة لبين عن الإضافة كما تقدم، وقيل أصلها بينما بما الكافة فحذفت الميم تخفيفاً ( أنا أمشي في سوق المدينة) علم بالغلبة على دار هجرته، وسميت بذلك لأنها يطاع الله فيها، والدين الطاعة ( إذا نبطي) بفتح النون والموحدة: الفلاح، سمي به لأنه يستنبط الماء أي: يستخرجه، وسيأتي فيه زيادة في باب النهي عن تعذيب العبد والدابة ( من نبط) بفتح أوليه أي فلاحي ( أهل الشأم) بالهمزة الساكنة ويجوز تخفيفها ويقال: شآم بالهمزة بوزن يمان، وهو مذكر على المشهور، وقال الجوهري: يجوز تذكيره وتأنيثه، سمي بذلك باسم سامبن نوح واسمه بالسريانية شام.
وعن ابن الكلبي: سمي شاماً بشامات له حمر وسود وبيض.
وقيل: سمي به لأنه عن شمال الأرض وقيل: غير ذلك، وتقدم أن حده من العريش إلى الفرات طولاً وقيل إلى باياس، وعرضاً من جبل طي من نحو القبلة إلى نحو أرض الروم وما سامت ذلك من البلاد، نقله المصنف في «التهذيب» عن الحافظ ابن عساكر في «تاريخ دمشق» ( ممن قدم بالطعام) حال كونه ( يبيعه بالمدينة) ويصح كونها استئنافاً بيانياً ( يقول) يجوز فيه ما في الذي قبله والثاني أقرب ( من يدل) بضم المهملة ( على كعببن مالك فطفق) أي: أخذ ( الناس يشيرون له إليّ، حتى إذا جاءني دفع إليّ كتاباً من ملك غسان) بفتح المعجمة وتشديد المهملة آخره نون واسمه جبلةبن الأيهم وقيل: الحارثبن أبي سمرة ( وكنت كاتباً) أي قارئاً من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم ( فقرأته فإذا فيه: أما بعد) بالبناء على الضم لحذف المضاف إليه ونية معناه ( فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك) أي أعرض عنك ( ولميجعلك الله بدار هوان) أي منقطعاً بدار تهان فيها ( ولا) بدار أو حال ( مضيعة) بسكون المعجمة ويجوز كسرها مع فتح الميم فيهما: أي في دار أو حال يضاع فيهما حقك: أي فإذا حصل لك ما عرض حلوله بك ( فالحق) بفتح المهملة ( بنا نواسك) بضم النون وكسر المهملة من المواساة، وحذفت التحتية لأنه في جواب الطلب، وفي بعض نسخ مسلم إثباتها، وهو كما قال المصنف صحيح: أي ونحن نواسيك قطعه عن جواب الأمر ( فقلت حين قرأتها) أي: الكتابة المعبر عنها بالكتاب أو التأنيث باعتبار المعنى إذ هو في المعنى صحيفة ( وهذه) الواقعة ( أيضاً من البلاء) أي: الابتلاء ليترتب عليه ما يليق مما يصدر عنه من رسوخ قدم يحمد عليه أو أمر يوجب الندم ( فتيممت) أي قصدت.
ولمسلم: فتأممت وهي لغة ( بها التنور) أنث الضمير في بها وفي قوله: ( فسجرتها) بمهملة وجيم وراء: أي أوقدت الكتاب لما ذكر آنفاً، والتنور الذي يخبز فيه، قال في «النهاية» : يقال: إنه في جميع اللغات كذلك ( حتى إذا مضت أربعون) غاية لمقدر: أي استمررت على ذلك الأمر المذكور من غير زيادة عليه حتى مضت أربعون ليلة ويوماً ( من الخمسين واستلبث) أي: أبطأ وجملة استلبث ( الوحي) من زيادة مسلم على البخاري ( إذا) فجائية ( رسول رسول الله) في رواية الواقدي: أنه خزيمةبن ثابت قال: وهو الرسول إلى هلال ومرارة بذلك ( يأتيني فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تعتزل امرأتك) وفي نسخة من التوشيح للحافظ السيوطي: هي عمرة بنت جبيربن صخر اهـ.
وفي نسخة من «تحفة القاري على البخاري» لشيخ الإسلام زكريا: هي عميرة بنت جبيربن صخر اهـ.
وفي الأصلين المذكورين تحريف من الناسخ فليحرر.
ونقل بعضهم عن الحافظ ابن حجر أن اسمها: جبرة، ثم رأيته قال في «الفتح» : هي عمرة بنت جبيربن صخربن أمية الأنصارية أمّ أولاده الثلاثة عبد الله وعبيد الله ومعبد، ويقال: اسم امرأته التي كانت عنده يومئذٍ خيرة بالمعجمة ثم التحتانية اهـ.
وراجعت «أسد الغابة» لابن الأثير فلم أجد فيه ذكراً لأحد من هؤلاء الثلاثة والله أعلم.
( فقلت) ما المراد من اعتزالها ( أطلقها) بضم همزة الاستفهام مقدرة بدليل قوله ( أم ماذا) أي ما الذي( أفعل؟ قال لا) تطلقها ( بل اعتزلها) أمر بترك مخالطتها مخالطة الزوجات من الجماع ومقدماته كما فسره بقوله ( فلا تقربنها، وأرسل) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إلى صاحبيّ) بتشديد ياء المتكلم المدغم فيها ياء المثنى يأمرهما ( بمثل ذلك) أي: الاعتزال المفسر بعدم قرب الزوجة ( فقلت لامرأتي: الحقي) بهمزة وصل وفتح المهملة بعدها القاف ( بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر) وقوله: «الحقي بأهلك» من كنايات الطلاق ولكونه لم ينوّه به لم يقع عليه ( فجاءت امرأة هلالبن أمية) هي: خولة بنت عاصم قاله الحافظ ابن حجر، وقيل: اسمها عمرة بنت حبةبن صخر الأنصارية قاله ابن عبد البرّ ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت له) اللام للتبليغ ( يا رسول الله إن هلالبن أمية شيخ) أي: ذو سنّ ( ضائع) بالمعجمة وبعد الألف همزة ثم عين مهملة، وفسرته بقولها ( ليس له خادم) أي: من يقوم بما يحتاجه من خدمة، يقع على الذكر والأنثى بلفظ واحد ويقال في المؤنث خادمة: ومنه حديث البخاري عن أبي سهل «أن امرأة أبي أسيد كانت خادمتهم في عرسهم» فإنه بالتاء في معظم الأصول ( فهل تكره أن أخدمه) بضم المهملة ( قال: لا) أي لا أكره أن تخدميه ( ولكن) استدراك لما قد يتوهم من شمول الخدمة للتمتع بها ( لا يقربنك) بضم الراء وفتح الموحدة بعدها نون توكيد، كناية عن الجماع ( فقالت) لا حاجة إلى منعه من ذلك ( إنه) أي الشأن.
أو هلالاً ( وا) جملة قسمية أتى بها لتأكيد المقال ( ما به حركة) .
وفي نسخة: من حركة بزيادة من، والحركات بفتحات: أي داعية تحركه ( إلى شيء) من الجماع ومقدماته لما هو فيه من الكرب، ثم الجملة قسمية وجوابها خبر إن، وفي نسخة بتقديم القسم على إن، وعليه فان، واسمها وخبرها جواب القسم ( ووا) يحتمل العطف على جملة القسم السابقة ويحتمل الاستئناف ( ما زال يبكي) على تخلفه المتسبب عليه ما آل إليه أمره ( منذ كان من أمره) أي: شأنه ( ما كان) من تخلفه عن الخروج وما ترتب عليه ( إلى الآن) حال الإخبار.
وفي نسخة: إلى يومه هذا، وسكتت عما بعده لأنه يحتمل استمراره عليه وتركه له لما يرد عليه مما يقتضي حالاً من تلك الأحوال.
قال كعب: ( فقال) أي: أشار ( لي بعض أهلي) لماأمرت امرأتي بالذهاب لأهلها قال الحافظ لم أقف على اسمه ( لو استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأتك) أي: في خدمتها ( فقد أذن لامرأة هلالبن أمية أن تخدمه) وقد استشكل هذا بنهيه عن كلام الثلاثة.
وأجيب كلام الثلاثة، وأجيب بأنه يحتمل أنه عبر عن الإشارة بالقول كما أشرت إليه، أو أن النهي كان خاصاً بالرجال والقائل كان امرأة، أو كان هذا الكلام ممن يخدم المنهيّ عن كلامه فلم يدخل في النهي.
قال الحافظ في «الفتح» : لعله بعض ولده أو من النساء، ولم يقع النهي عن كلام الثلاثة للنساء اللاتي في بيوتهم، أو أن الذي كلمه كان منافقاً ( فقلت لا أستأذن فيها رسول الله) وأشار إلى الفرق بين حاله وحال هلال بقوله: ( وما يدريني) بضم التحتية ( ماذا يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استأذنته فيها) أي: من الإذن في ذلك أو المنع منه ( وأنا رجل شاب) جملة حالية من فاعل يقول، وأشار به إلى وجه احتمال منعه دون هلال لكونه رجلاً شاباً، ويحتمل الإشارة به إلى خوف الوقوع معها لو أذن له في مقامها عنده من حدة الشباب فيقع في المحذور، أو إلى أنه ليس بضائع لقدرته على خدمة نفسه ( فلبثت) أي أقمت ( بذلك) أي: من ذلك المذكور من إرسال الزوجة ( عشر ليال) أي: مع أيامها ( فكمل) بتثليث الميم: أي تمّ بضمها إلى الأربعين السابقة على الأمر باعتزال الزوجة ( خمسون ليلة) ويوماً واقتصر عليها في جميع ما ذكر لأنها الأصل والنهار تابع لها ( من) ابتدائية ( حين) بفتح النون لإضافته إلى جملة صدرها مبني ( نهى) بالبناء للمفعول: أي وقع النهي للمسلمين غير من تقدم ( عن كلامنا ثم صليت صلاة الفجر صباح) منصوب على الظرفية: أي في صباح تلك الليلة المكملة ( خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا) الظرف الأول حال من فاعل صلى والثاني وصف لبيت ( فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر) ها ( اعنا) أي: عنا أيها الثلاثة وبينها بقوله: ( قد ضاقت عليّ نفسي) أي: قلبي من فرط الوحشة والغمّ بحيث لا يسعها أنس ولا سرور ( وضاقت عليّ) بتشديد التحتية.
وعند مسلم: وضاقت بي ( الأرض بما رحبت) أي برحبها، فما مصدرية، والرحب بضم الراء وسكونالحاء المهملتين: السعة ( إذ سمعت صوت صارخ) هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه كما في «التوشيح» .. وفي «الفتح» أنه كذلك عند الواقدي وأن أبا بكر صاح: قد تاب الله على كعب، وحكاه ابن عائذ بلفظ «زعموا» .
قلت: وما في «الصحيح» مقدم عليه وأنه أسلميّ ( أوفى) بالفاء أي: صعد وارتفع ( على سلع) بفتح السين وسكون اللام: جبل بالمدينة معروف ( يقول) جاهراً ( بأعلى صوته) من إضافة الصفة إلى الموصوف، وفيه المذهب للبصريين من التأويل والكوفيين من إبقائه على ظاهره ( يا كعببن مالك) بنصب «ابن» وفي «كعب» الضم والفتح ( أبشر) حذف المفعول لتذهب النفس في طرف السرور كل مسلك ( فخررت ساجداً) سجدة الشكر على اندفاع ما كان فيه من الحال وبلوغه إلى نعمة البشرى والإقبال.
وفيه أن سجدة الشكر كانت معلومة عندهم معمولاً بها فيما بينهم ( وعرفت) من هذا التبشير ( أنه قد جاء فرج فآذن) بالمد والقصر: أي أعلم ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بتوبة الله علينا) أي: بتوفيقه إيانا لها أو بتبرئته إيانا عن غفلة الذنب ( حين صلى صلاة الفجر) ظرف لآذن ( فذهب الناس يبشروننا) بالتوبة ( فذهب قبل) بكسر ففتح: أي جهة ( صاحبيّ) بتشديد الياء ( مبشرون) .
قال الفربري في «الإقناع» : وخرج سعيدبن زيدبن عمروبن نفيل إلى هلال يبشره، فلما أخبره سجد ولقيه الناس يهنئونه فما استطاع المشي لما ناله من الضعف والحزن والبكاء حتى ركب حماراً، وبشر مرارةبن الربيع سلكانبن سلامة أو سلمةبن سلامةبن وقش فأقبل حتى توافوا، يعني: الثلاثة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهـ.
( وركض إليّ رجل) هو الزبيربن العوّام.
وقال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون أبا قتادة لأنه كان فارس النبيّ أي جرى جرياً شديداً ( فرساً، وسعى ساع من أسلم) هو: حمزةبن عمر الأسلمي ( قبلي، وأوفى) بالفاء مقصوراً.
أي أشرف وطلع ( على الجبل فكان الصوت) أي وصول الصوت المذكور أي صوت الأسلمي المذكور بقرينة مجيئه له وطلبه شيئاً لبشارته ( أسرع من) وصول صاحب ( الفرس، فلما جاءني) الأسلمي ( الذي سمعت صوتهيبشرني) جملة في محل الحال ويجوز كونها مستأنفة استئنافاً بيانياً كأن قائلاً يقول فيم سمعت صوته فقال يبشرني ( نزعت له ثوبيّ) بتشديد التحتية ( فكسوته إياهما ببشارته) ففيه استحباب إجازة البشير بخلعة وإلا فيغيرها.
والخلعة أحسن وهي المعتادة، وفيه كسوة البشير وإن لم يملك غيره، وفيه جواز إظهار الفرح بأمور الخير والدين وجواز البذل والهبات عندها ( وا ما أملك غيرهما) أي: من الثياب كما في رواية ابن أبي شيبة: «فوا ما أملك ثوبين غيرهما» فلا ينافي قوله السابق «إن عندي راحلتين» وقوله الآتي: «إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة» ( يومئذٍ) أي وقت كسوتي له ( واستعرت ثوبين) زاذ الواقدي، من أبي قتادة ( فلبستهما وانطلقت أتأمم) أي أقصد ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلقاني الناس فوجاً) أي: جماعة ( فوجاً) أي تلقوني زمرة بعد زمرة وجماعة بعد جماعة ( يهنئونني بالتوبة) أي: بقبولها أو بالتوفيق لها ( ويقولون لي لتهنك) بكسر النون.
قال الحافظ: وزعم ابن التين شارح البخاري أنه بفتحها قال لأنه من هنىء، وفيه نظر ( توبة الله عليك) فيه دليل على جواز التهنئة بأمور الخير بل على ندبها إذا كانت دينية فإنها إظهار السرور بما يسر به أخوه المسلم وإظهار المحبة وتصفية القلب بالمودة ( حتى دخلت المسجد) غاية لمقدر أي فسرت وحالي ما ذكر أي من تهنئة الناس لي إلى أن دخلت المسجد، والأصح أن نصب المسجد لكونه اسم مكان مختص على التوسع ( فإذا) فجائية ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس) في المسجد ( حوله الناس) الظرف لغو وحوله الناس خير بعد خبر ( فقام إليّ طلحةبن عبيد ا) أحد العشرة المبشرة ( رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنأني) فيه استحباب مصافحة القادم والقيام له إكراماً والهرولة إلى لقائه بشاشة وفرحاً.
قال كعب: ( وا ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره) بالرفع صفة رجل، ويجوز نصبه على الحال لتخصيصه بالوصوف بالظرف ( فكان كعب لا ينساها) أي تلك الأفعال الجميلة من القيام له والهرولة والمصافحة والتهنئة ( لطلحة) .
قال القرطبي: أي إنها أكدت في قلبه محبته وألزمته حرمتهحتى عدها من الأيدي الجسيمة ( قال كعب: فلما سلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) أي بعد رد السلام ( وهو يبرق) بضم الراء: أي يلمع ( وجهه) بالأنوار ( من) تعليلية أي بسبب ( السرور) بقبول الله تعالى توبتهم، ففيه ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام من الحبور عند ظفر أحد من أمته بنوع من الخيور حال من فاعل قال، ومقول القول ( أبشر) بقطع الهمزة ( بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك) أي سوى يوم إسلامه، وإنما لم يستثنه لأنه معلوم لا بد منه، وقيل: لا استثناء لأن يوم توبته مكمل ليوم إسلامه فهو خير من جميع أيامه وإن كان يوم إسلامه خيرها فيوم توبته المضاف إلى يوم إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها ( فقلت أ) هذا المبشر به ( من عندك يا رسول الله) أي: قلته اجتهاداً لأنك رأيت حصول مقصود الزجر بما وقع في هذه المدة ( أم) هو وحي ( من عند ا؟ قال: لا) أي: ليس من عندي ( بل من عند الله عز وجل) قال في «الإقناع» بدل قوله «قال لا» قال من عند الله وتلا عليهم الآيات ( وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سرّ) من أمر ( استنار وجهه) أي: زاد نوراً إلى نوره.
وفي «النهاية» : «كان إذا سر فكأن وجهه المرآة وكان الجدر يرى شخصها في وجهه لشدة نوره وصفائه ( حتى كأن وجهه قطعة قمر) غاية لما قبله، آثر ذكر القمر لأنه يتمكن من النظر إليه ويؤنس من شاهده من غير أذى يتولد عنه بخلاف الشمس لأنها تغشى البصر وتؤذي.
ثم تشبيه بعض صفاته بنحو القمر والشمس جرى على عادة الشعراء والعرب في ذلك أو على سبيل التقريب والتمثيل وإلا فلا شيء يعادل شيئاً من أوصافه.
قيل: شبه وجهه في هذا الحديث بقطعة من القمر لا بكله مع أن المعهود في التشبيه الثاني لأن القصد الإشارة إلى موضع الاستنارة وهو الجبين، وفيه يظهر السرور فناسب أن يشبه ببعض القمر قالت عائشة: «مسروراً تبرقأسارير وجهه» ولكون مراد كعب رضي الله عنه تشبيه بعض وجهه وهو جبينه إذا سر لم يشبهه بجميع القمر، وجاء في حديث آخر عنه تشبيه وجهه كله بدارة القمر فلزمه تشبيه بعضه ببعضه، وهذا أحسن مما قيل سبب الاقتصار في التشبيه على بعض القمر الاحتزاز عما فيه من السواد، لأن كون وجه التشبيه بالقمر ما فيه من الإضاءة والملاحة لا يخفى على أحد ولا يتوهم من التشبيه خلافه فلا حاجة للاحتراز ( وكنا) معشر الصحابة المراقبين لمحاسن ذاته الملاحظين لأحواله ( نعرف ذلك) أي: الموضع الذي يتبين فيه السرور وهو جبينه كما سبق من قول عائشة: مسوراً تبرق أسارير وجهه.
وفي «البخاري» : «كان يعرف ذلك ( منه) وفي نسخة «فيه» والضمير يعود إلى الوجه ( فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إن من) شكر ( توبتي) أي: من شكر الله على توبتي أي التوفيق لها وقبولها، أو إن من علامة صدق توبتي ( أن أنخلع) أي أخرج ( من مالي) أي: من جميعه ( صدقة) مفعول له أو مطلق على تقدير أتصدق، أوفى معنى الحال: أي متصدقاً، أو على تضمين أنخلع معنى أتصدق: أي أتصدق متقرباً بها ( إلى الله تعالى وإلى رسوله) أعاد الجار للاهتمام وتنبيهاً على أن التقرب إليه مطلوب على سبيل الاستقلال.
قال تعالى: { من يطع الرسول فقد أطاع ا} ( النساء: 80) ، وقال القرطبي: أي إن على ذلك، فهي صيغة نذر والتزام، خرجت مخرج الشكر وابتغاء الثواب وأقرّه عليه النبي فكان ذلك جائزاً ولم يدخل في عموم النذر المنهي عنه، وعلى مقتضى هذا اللفظ قد وجب عليه إخراج كل ماله، لكن لما كان ذلك يؤدي إلى أن يبقى فقيراً محتاجاً وربما أفضى به إلى سؤال الناس وإلى الدخول في مفاسد، أمره بإمساك البعض كما قال كعب: ( فقال رسول الله: أمسك عليك بعض مالك) أي دفعاً لضرر التصدق بكله ( فهو خير لك) .
قال القرطبي: البعض المأمور بإمساكه من ماله هو الأكثر والمتصدق به هو الأقل كما قال في حديث سعد: «الثلث والثلث كثير» وفيما ذكره نظر فإنه متوقف على نص يشهد به، ولا دليل في حديث سعد لما ذكره لأن ما فيه إنما هو لمن كان في حال المرض مراعاة لمصلحة الورثة، والقصد هنا دفع ضرر الحاجة والفقر، وهو قد يحصل بإبقاء الأقل من ماله أو الشطر كما وقع من عمر رضي الله تعالى عنه لما تصدق بشطر ماله وأبقى الشطر الآخر لنفسه وأهله، والحديث في مسلم وغيره.
ثم رأيت في «الفتح» للحافظ أن عند أبي داود عن كعب: «إن من توبتي أن أخرج من مالي كله إلى الله ورسوله صدقة، قال: لا، قلت: نصفه؟ قال: لا، قلت: فثلثه؟ قال: نعم» ولابن مردويه من طريق ابن عيينة عن الزهري «فقال النبي: ويجزي عنك من ذلك الثلث» اهـ.
وهو شاهد للقرطبي.
قال المصنف في «شرح مسلم» : ولا يخالف هذا: أي قوله أمسك عليك بعض مالك تصدق أبي بكر بجميع ماله أي وقبوله له فإنه كان صابراً راضياً اهـ.
( فقلت: يا رسول الله إنيأمسك سهمي الذي بخيبر) بفتح المعجمة وسكون التحتية وفتح الموحدة آخره راء مهملة غير مصروف في أكثر الأصول مراداً به البقعة ( وقلت يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني) من وصمة إثم التخلف عن المأمور به ( بالصدق) أي بإخباري بالخبر المطابق للواقع وإن ترتب ما ترتب ( وإن من) شكر أو صدق ( توبتي ألا أحدث) أي إنسان حديثاً ما في أي شأن كان ( إلا صدقاً ما بقيت) أي مدة بقائي ما لم يمنع من الصدق مانع.
وإلا كأن كان فيه إفساد مصلحة للمسلمين في حروبهم أو نحو ذلك فلا، وفي الحديث المحافظة على سبب التوبة ( فوا ما علمت أحداً من المسلمين) عند مسلم «ما أعلم أحداً» ( أبلاه ا) أي: أنعم عليه ومنه قوله تعالى: { وفي ذلكم} ( البقرة: 49) - أي الإنجاء من فرعونـ { بلاء من ربكم عظيم} أي: نعمة عظمى، والبلاء يستعمل أيضاً في الشرّ كما قيل به في الآية بناء على أن المشار إليه ما فعله بهم آل فرعون من قتل الأبناء واستحياء النساء، ولكن إذا أطلق كان غالباً للشر فإذا أريد به الخير قيد كما قال في الحديث: «أحسن مما أبلاني ا» ( في) ملازمة ( صدق الحديث) مصدر مضاف إلى مفعوله ( منذ ذكرت ذلك) الالتزام بملازمة الصدق ( لرسول الله) إبلاء ( أحسن مما أبلاني الله تعالى) به أي بتيسير الدوام على ذلك والوفاء بالالتزام.
قال الحافظ: فيه وفي قوله الآتي: «فوا ما أنعم» والحديث إلى قوله: «أعظم من صدقي رسول الله» شاهد على أن هذا السياق يورد ويراد به نفي الأفضلية لا المساواة لأن كعباً شاركه في ذلك رفيقاه، وقد نفى أن يكون أحد حصل له أحسن مما حصل له وهو كذلك لكنه لم ينف المساواة ( وا ما تعمدت كذبة) قال المصنف: بفتح الكاف وكسرها كل ذلك مع إسكان الذال، وفي «المشارق» كذبة بكسر الفاء ويقال: بفتحها وأنكر بعضها الكسر إلا إذا أراد الحالة والهيئة، وليس هذا موضعها اهـ.
وهو في البخاري «كذباً» بحذف الهاء ( منذ) أي من حين ( قلت ذلك) الالتزام ( لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا) فيه أن الخطأوالنسيان المحترز عنهما بالعمد غير مؤاخذ به الإنسان، وهما لا ينقصان الالتزام ( وإني لأرجو) من فضله تعالى ( أن يحفظني الله تعالى) من الكذب ( فيما بقي) لأنه تعالى كريم يستحي أن ينزع السر من أهله، قال تعالى: { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} ( الرعد: 11) ( قال) أي كعب مبيناً للآية التي نزلت فيها التوبة عليه وعلى صاحبيه ( فأنزل الله تعالى) على نبيه وهو في بيت أم سلمة حين بقي الثلث الأخير من الليل كما جاء في كتاب «التفسير من صحيح البخاري» { لقد تاب ا} أدام توبته، وهي بالنسبة إلى النبي تشريف مكانته في إعلاء رتبته، لا أنه عن ذنب صدر من حضرته لعصمته.
وقال بعضهم: تاب الله { على النبي} أي تجاوز عنه { والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} بالعين المضمومة والسين الساكنة بعدها راء مهملات أو وقتها وهي حالهم في غزوة تبوك وكان الرجلان يقتسمان التمرة والعشرة يعتقبون البعير الواحد، واشتد الحر حتى شربوا الفرث ( حتى بلغ) أي: كعب في قراءته { وكونوا مع الصادقين} أي في الآيات الثلاث، وتمامها قوله تعالى { من بعد ما كاد تزيغ} ( التوبة: 117) بالمثناة الفوقية والتحتية: أي تميل وتذهب { قلوب فريق منهم} عن اتباعه إلى التخلف لما هم فيه من الشدة { ثم تاب عليهم} بالثبات { إنهم بهم رؤوف رحيم} ، وتاب { على الثلاثة الذي خلفوا} ( التوبة: 118) عن التوبة عليهم بقرينة { حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} أي مع رحبها وسعتها فلا يجدون مكاناً يطمئنون إليه { وضاقت عليهم أنفسهم} قلوبهم للغمة والوحشة لتأخير توبتهم فلا يسعها سرور ولا أنس { وظنوا} أي: أيقنوا { أن لا ملجأ} يلجئون إليه { منالله إلا إليه} ( التوبة: 118) .
قال في «الكشاف» : لا ملجأ من سخط الله إلا إلى استغفاره { ثم تاب عليهم} ألهمهم أسباب التوبة ووفقهم لها «ليتوبوا» / أي ليقبلها، وقيل: تاب عليهم قبل توبتهم و «ليتوبوا» أي: يداوموا عليها، وفي تفسير سورة البقرة من البيضاوي: أصل التوبة الرجوع فإذا وصف بها العبد كان رجوعاً عن المعصية إلى الطاعة وإذا وصف بها الباري تعالى أريد بها الرجوع عن العقوبة إلى المغفرة اهـ.
{ إن اهو التواب} على من تاب أي: يقبل توبته الصحيحة فضلاً منه وهو الرحيم.
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا ا} بترك معاصيه { وكونوا مع الصادقين} في الأيمان والعهود بأن تلزموا الصدق.
( قال كعب) صرح بذكره للفصل بين سياق أحواله بذكر الآي القرآنية المنزلة في التوبة ( وا ما أنعم الله عليّ من) زائدة للاستغراق ( نعمة قط) أي في الزمن الماضي ( بعد أن هداني للإسلام) أي دلني عليه وأوصلني له.
وفي نسخة: هداني الله ( أعظم) وصف لنعمة فتجوز قراءته منصوباً باعتبار محلها لزيادة من، ومجروراً باعتبار لفظها، ويجوز رفعه بتقدير هي أعظم ( في نفسي من صدقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا أكون كذبته) كذا في «الصحيحين» عند جميع رواتهما إلا الأصيلي من رواة البخاري فقال: «أن أكون» وليس بشيء، والصواب الأول وتخريجه أن لا زائدة كما قال عياض وتبعه المصنف وغيره، ومعناه: أن أكون كقوله تعالى: { ما منعك ألا تسجد} ( الأعراف: 12) اهـ.
وهذا بناء على أنه مستأنف عما قبله وأظهر منه ما ذكره الشيخ زكريا في حاشيته على البخاري المسماة «بتحفة القارىء» من أنه بدل من صدقي: أي أن لا نافية، قال: والمعنى ما أنعم الله عليّ نعمة هي أعظم من عدم كذبي فعدم هلاكي اهـ.
وكذبته بفتح الذال المخففة: أي قلت له قولاً كذباً ( فأهلك) بالنصب عطف على منصوب أن، وأهلك بكسر اللام على الفصيح المشهور، وحكي فتحها وهو شاذ وضعيف ( كما هلك الذين كذبوا) أي: هلاكاً كهلاك الذين كذبوا الله القول في إدعاء الإيمان من المنافقين فالمفعول الثاني محذوف.
قال الراغب في «مفرداته» : يقال كذبته حديثاً، ومنهـ كذبوا الله ورسولهـ أي: القول الذي قاله فيتعدى إلى مفعولين نحو صدق في قوله تعالى:{ لقد صدق الله رسوله الرؤيا} ( التوبة: 95) اهـ ( فإن الله تعالى قال للذين كذبوا) أي: عنهم ( حين أنزل) على النبي ( الوحي شرّ ما قال) أيّ: قول، قال: ويجوز أن يكون موصولاً اسمياً ( لأحد) أي: عن أحد، ثم بين ذلك القول المجمل المنزل فيهم بقوله: ( فقال ا) تبارك و { تعالى سيحلفون با لكم إذا انقلبتم} رجعتم { إليهم لتعرضوا عنهم} بترك المعاتبة { فأعرضوا عنهم} فأعطوهم طلبتهم { إنهم رجس} قذر لخبث باطنهم فلا يؤثر فيهم العقاب، بخلاف المؤمن إذا فرطت منه زلة فوبخ عليها طهره التوبيخ بالتوبة منها والاستغفار { ومأواهم جهنم} يعني تكفيهم النار عتاباً فلا تتكلفوا عتابهم ( { جزاء بما كانوا يكسبون بحلفون} ) أي: با ( { لكم لترضوا عنهم} ) أي: غرضهم بالحلف طلب رضاكم لينفعهم في دنياهم ( { فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضي عن القوم الفاسقين} ) أي: عنهم، وأتى بالظاهر موضعه نداء عليهم بسوء وصفهم المقتضي لعدم رضاه عنهم: أي ولا ينفعهم رضاكم عنهم مع سخطالله، بل يكونون عرضة لعاجل عقوبته وآجلها، في «الكشاف» قيل: إنما قيل لهم ذلك لئلا يتوهم متوهم أن رضا المؤمنين يقتضي رضاء الله عنهم ( قال كعب: كنا خلفنا) بالبناء للمجهول، أخص ( أيخا الثلاثة) بتأخير أمرنا وبيان شأننا فلم يقض فينا بشيء ( عن أمر أولئك) المعتذرين ( الذين) كذبوا الله ورسوله و ( قبل منهم رسول الله) عذرهم في التخلف ( حين حلفوا له) إنهم صادقون فيما اعتذروا به ( فبايعهم) أي: عاقدهم على الإسلام وعاهدهم عنيه ( واستغفر لهم) أي بنحو: غفر الله لكم ( وأرجأ) أخر ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا) فلم يقض فيه بشيء ( حتى قضى الله تعالى) أي: أبرز ما سبق قضاؤه ( فيه) وأنزل فيه الآية فـ ( بذلك) أي: فعن ذلك التخليف ( قال الله تعالى: { وعلى الثلاثة الذين خلفوا} ) هو معنى ما تقدم في تفسير الآية من قولنا خلفوا عن التوبة: أيعن قبولها حالاً كما قبلت المعذرين وأرجأ أمر هؤلاء الثلاثة ( وليس الذي ذكر) بالبناء للمجهول ( مما خلفنا) أي: من تخليفنا المخبر عنه بقوله: «خلفوا» ( تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا) عمن قبله من أولئك المعتذورين ( وإرجاؤه) تأخيره ( أمرنا) أي: بيانه وإيضاحه ( عن) أي: عن أمر ( من حلف له واعتذر إليه) من المعذين ( فقبل منه) أفرد الضمير باعتبار لفظ من ( متفق عليه) أي: رواه الشيخان وإن وقع بينهما اختلاف يسير في زيادة كلمة أو نقصها أو تقديم أو تأخير، وكذا أخرج الحديث أبو داود والترمذي والنسائي كما في «جامع الأصول» في كتاب الجهاد.
( وفي رواية: أن النبيّ خرج) من المدينة ( في غزوة تبوك يوم الخميس، وكان يحبّ أن يخرج) لسفره ( يوم الخميس) في «الصحيحين» من حديث كعب «قلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر إلا يوم الخميس» ورواه النسائي.
( وفي رواية) للبخاري من حديث كعب ( كان لا يقدم من سفر إلا نهاراً) ونهى عن طروق المسافر أهله ليلاً ما لم يشع خبر قدومه كأن كان في قفل ووصلوا لقرب البلد نهاراً وعلم ذلك الخبر لأهل البلد فلا بأس بالقدوم ليلاً حينئذٍ ( في الضحى) لأنه أطيب ما في النهار لما فيه من حسن الهواء، وزيادة الأضواء: وخروج الناس للاجتماع واللقاء، وللتبايع ونحوه، ولذا شرعت فيه صلاة لئلا يستغرق الوقت بأمر الدنيا ويلهو بإخوانه عن إصلاح شأنه ( فإذا قدم) بكسر الدال ( بدأ بالمسجد) قبل دخول منزله اهتماماً به، وتعظيماً لشعائر الله تعالى، وتقديماً لحق الله تعالى على حق نفسه وأهله، وشكراً لنعمته عليه بسلامته من وعثاء السفر ( فصل فيه ركعتين) تحية ( ثم جلس فيه) ليسلم عليه الناس.
وفي الحديث فوائد أربعون بل أكثر: منها إباحة الغنيمة لهذه الأمة إذ قال يريدون عيراً لقريش، وفضيلة أهل بدر والعقبة، والمبايعة مع الإمام، وجواز الحلف من غير استحلاف، وتورية المقصد إذا دعت إليه ضرورة، والتأسف على ما فات من الخير، وتمني المتأسف عليه، وردّ الغيبة، وهجران أهل البدعة، وأن للإمام أن يؤدب بعض أصحابه بإمساك الكلام عنه، وترك من تاب الزوجة، واستحباب صلاة القادم، ودخوله المسجد أوّلاً، وتوجه الناس إليه عند قدومه، والحكم بالظاهر وقبول المعاذير، واستحباب البكاء على نفسه، وأن مسارقة النظر في الصلاة لا تبطلها، وفضيلة الصدق، وأن السلام ورده كلام/ وجواز دخول بستان صديقه بدون إذنه، وأن الكناية لا يقع بها الطلاق ما لم ينوه، وإيثار طاعة الله ورسوله على مودة القريب، وخدمة المرأة لزوجها، والاحتياط بمجانبة ما يخاف منه الوقوع في منهي عنه إذ كعب لم يستأذن في خدمته امرأته لذلك، وجواز إحراق ورقة فيها ذكر الله تعالى إذا كان لمصلحة، واستحباب التبشير عند تجدد النعمة واندفاع الكربة، واجتماع الناس عند الإمام في الأمور المهمة، وسروره بما يسر أصحابه، والتصدق بشيء عند ارتفاع الحزن والنهي عن التصدق بكل المال عند خوف عدم الصبر، وإجازة البشير بخلعة، وتخصيص اليمين بالنية: وجواز العارية، ومصافحة القادم، والقيام، والقيام له، واستحباب سجدة الشكر، والتزام مداومة الخير الذي انتفع به.