هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2195 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّهَا قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا قَالَتْ : فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ ، لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ قَالَتْ : فَفَعَلْتُ ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ ، فَاعْتَمَرْتُ ، فَقَالَ : هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ فَطَافَ ، الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ ، بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، ثُمَّ حَلُّوا ، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ ، بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2195 حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ، قال : قرأت على مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع ، فأهللنا بعمرة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا قالت : فقدمت مكة وأنا حائض ، لم أطف بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة قالت : ففعلت ، فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم ، فاعتمرت ، فقال : هذه مكان عمرتك فطاف ، الذين أهلوا بالعمرة ، بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر ، بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

'A'isha (Allah be pleased with her) said:

We went with the Messenger of Allah (ﷺ) during the year of the Farewell Pilgrimage. We entered into the state of Ihram for Umra. Then the Messenger of Allah (ﷺ) said: Who has the sacrificial animal with him, he should put on Ihram for Hajj along with Umra. and should not put it off till he has completed them (both Hajj and Umra). She said: When I came to Mecca. I was having menses, I neither circumambulated the House, nor ran between as-safa' and al-Marwa. I complained about it to the Messenger of Allah (ﷺ) and he said: Undo your hair, comb it, and pronounce Talbiya for Hajj, and give up Umra (for the time being), which I did. When we had performed the Hajj, the Messenger of Allah (way peace he upon him) sent me with Abd al-Rabman b. Abu Bakr to Tan'im saying: This is the place for your Umra. Those who had put on Ihram for Umra circumambulated the House, and ran between al-safa' and al-Marwa. They then put off Ihram and then made the last circuit after they had returned from Mina after performing their Hajj, but those who had combined the Hajj and the Umra made only one circuit (as they had combined Hajj and 'Umra).

شرح الحديث من شرح النووى على مسلم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    باب بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِفْرَادُ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَجَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَمَتَى يَحِلُّ الْقَارِنُ مِنْ نُسُكِهِ
[ سـ :2195 ... بـ :1211]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا قَالَتْ فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ قَالَتْ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا

( بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِفْرَادُ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَجَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ ، وَمَتَى يَحِلُّ الْقَارِنُ مِنْ نُسُكِهِ )

قَوْلُهُمْ : ( حَجَّةِ الْوَدَاعِ ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ غَيْرَهَا ، وَكَانَتْ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ .


اعْلَمْ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى جَوَازِ إِفْرَادِ الْحَجِّ عَنِ الْعُمْرَةِ ، وَجَوَازِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ .
وَأَمَّا النَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَسَنُوَضِّحُ مَعْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .


وَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ ، وَيَفْرُغَ مِنْهُ ثُمَّ يَعْتَمِرَ .
وَالتَّمَتُّعُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغَ مِنْهُ ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ .
وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا ، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ طَوَافِهَا صَحَّ وَصَارَ قَارِنًا ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَقَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا : لَا يَصِحُّ إِحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ ، وَالثَّانِي : يَصِحُّ ، وَيَصِيرُ قَارِنًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ مِنَ الْحَجِّ ، وَقِيلَ : قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ ، وَقِيلَ : قَبْلَ فِعْلِ فَرْضٍ ، وَقِيلَ : قَبْلَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ غَيْرِهِ .


وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ أَيُّهَا أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَكَثِيرُونَ : أَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَآخَرُونَ : أَفْضَلُهَا التَّمَتُّعُ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ : أَفْضَلُهَا الْقِرَانُ ، وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ قَوْلَانِ آخَرَانِ لِلشَّافِعِيِّ ، وَالصَّحِيحُ تَفْضِيلُ الْإِفْرَادِ ثُمَّ التَّمَتُّعِ ثُمَّ الْقِرَانِ .


وَأَمَّا حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا ، هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَمْ مُتَمَتِّعًا أَمْ قَارِنًا ؟ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ بِحَسَبِ مَذَاهِبهِمُ السَّابِقَةِ ، وَكُلُّ طَائِفَةٌ رَجَّحَتْ نَوْعًا ، وَادَّعَتْ أَنَّ حَجَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ كَذَلِكَ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلًا مُفْرِدًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَأَدْخَلَهَا عَلَى الْحَجِّ فَصَارَ قَارِنًا ، وَقَدِ اخْتَلَفَتْ رِوَايَاتُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، هَلْ كَانَ قَارِنًا أَمْ مُفْرِدًا أَمْ مُتَمَتِّعًا ؟ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رِوَايَاتِهِمْ كَذَلِكَ .
وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا مَا ذَكَرْتُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلًا مُفْرِدًا ثُمَّ صَارَ قَارِنًا .
فَمَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ هُوَ الْأَصْلُ ، وَمَنْ رَوَى الْقِرَانَ اعْتَمَدَ آخِرَ الْأَمْرِ ، وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ ، وَهُوَ : الِانْتِفَاعُ وَالِارْتِفَاقُ ، وَقَدِ ارْتَفَقَ بِالْقِرَانِ كَارْتِفَاقِ الْمُتَمَتِّعِ ، وَزِيَادَةٌ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ ، وَبِهَذَا الْجَمْعِ تَنْتَظِمُ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي كِتَابٍ صَنَّفَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَاصَّةً ، وَادَّعَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا ، وَتَأَوَّلَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ .


وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَدِلَّتِهِ وَجَمِيعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَعَلَّقِ بِهَا .


وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ فِي تَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ بِأَنَّهُ صَحَّ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ ، وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ مَزِيَّةٌ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى غَيْرِهِمْ ، فَأَمَّا جَابِرٌ فَهُوَ أَحْسَنُ الصَّحَابَةِ سِيَاقَةً لِرِوَايَةِ حَدِيثِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا مِنْ حِينِ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى آخِرِهَا ، فَهُوَ أَضْبَطُ لَهَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ آخِذًا بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ رَجَّحَ قَوْلَ أَنَسٍ عَلَى قَوْلِهِ ، وَقَالَ : كَانَ أَنَسٌ يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ وَهُنَّ مُكْشِفَاتٌ الرُّءُوسَ ، وَإِنِّي كُنْتُ تَحْتَ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّنِي لُعَابُهَا ، أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ ، وَأَمَّا عَائِشَةُ فَقُرْبُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرُوفٌ ، وَكَذَلِكَ اطِّلَاعُهَا عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِ وَظَاهِرِهِ وَفِعْلِهِ فِي خَلْوَتِهِ وَعَلَانِيَتِهِ مَعَ كَثْرَةِ فِقْهِهَا وَعِظَمِ فِطْنَتِهَا ، وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَمَحَلُّهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَالْفَهْمِ الثَّاقِبِ مَعْرُوفٌ مَعَ كَثْرَةِ بَحْثِهِ وَتَحَفُّظِهِ أَحْوَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لَمْ يَحْفَظْهَا غَيْرُهُ ، وَأَخْذُهُ إِيَّاهَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ .


وَمِنْ دَلَائِلِ تَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ ، وَوَاظَبُوا عَلَى إِفْرَادِهِ ، كَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاخْتَلَفَ فِعْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْإِفْرَادُ أَفْضَلَ وَعَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ مُفْرِدًا _ لَمْ يُوَاظِبُوا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ ، وَقَادَةُ الْإِسْلَامِ ، وَيُقْتَدَى بِهِمْ فِي عَصْرِهِمْ وَبَعْدَهُمْ ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِهِمُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى خِلَافِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَأَمَّا الْخِلَافُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ فَإِنَّمَا فَعَلُوهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ ، وَمِنْهَا أَنَّ الْإِفْرَادَ لَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ لِكَمَالِهِ ، وَيَجِبُ الدَّمُ فِي التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ ، وَهُوَ دَمُ جُبْرَانٍ لِفَوَاتِ الْمِيقَاتِ وَغَيْرِهِ ، فَكَانَ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى جَبْرٍ أَفْضَلَ ، وَمِنْهَا : أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ ، وَكَرِهَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَغَيْرُهُمَا التَّمَتُّعَ ، وَبَعْضُهُمُ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ ، فَكَانَ الْإِفْرَادُ أَفْضَلَ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ

فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي صِفَةِ حَجَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ مُشَاهَدَةٍ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ ؟ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، فَمِنْ مُجِيدٍ مُنْصِفٍ ، وَمِنْ مُقَصِّرٍ مُتَكَلِّفٍ ، وَمِنْ مُطِيلٍ مُكْثِرٍ ، وَمِنْ مُقْتَصِرٍ مُخْتَصِرٍ ، قَالَ : وَأَوْسَعُهُمْ فِي ذَلِكَ نَفَسًا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ الْحَنَفِيُّ ، فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَلْفِ وَرَقَةٍ ، وَتَكَلَّمَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ ، ثُمَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ ، ثُمَّ الْمُهَلَّبُ وَالْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُرَابِطِ ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ الْبَغْدَادِيُّ ، وَالْحَافِظُ أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَغَيْرُهُمْ .


قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَأَوْلَى مَا يُقَالُ فِي هَذَا عَلَى مَا فَحَصْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاخْتَرْنَاهُ مِنَ اخْتِيَارَاتِهِمْ مِمَّا هُوَ أَجْمَعُ لِلرِّوَايَاتِ وَأَشْبَهُ بِمَسَاقِ الْأَحَادِيثِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ لِلنَّاسِ فِعْلَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ ، لِيَدُلَّ عَلَى جَوَازِ جَمِيعِهَا ، وَلَوْ أَمَرَ بِوَاحِدٍ لَكَانَ غَيْرُهُ يُظَنُّ أَنَّهُ لَا يَجْزِي فَأُضِيفَ الْجَمِيعُ إِلَيْهِ وَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ ، وَأَبَاحَهُ لَهُ ، وَنَسَبَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِمَّا لِأَمْرِهِ بِهِ وَإِمَّا لِتَأْوِيلِهِ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا إِحْرَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ فَأَخْذَ بِالْأَفْضَلِ فَأَحْرَمَ مُفْرِدًا لِلْحَجِّ ، وَبِهِ تَظَاهَرَتِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ ، وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَمَعْنَاهَا أَمَرَ بِهِ ، وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ قَارِنًا فَإِخْبَارٌ عَنْ حَالَتِهِ الثَّانِيَةِ لَا عَنِ ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ ، بَلْ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ حِينَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّحَلُّلِ مِنْ حَجِّهِمْ وَقَلَبَهُ إِلَى عُمْرَةٍ لِمُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ ، وَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ فِي آخِرِ إِحْرَامِهِمْ قَارِنِينَ ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ ، وَفَعَلَ ذَلِكَ مُوَاسَاةً لِأَصْحَابِهِ ، وَتَأْنِيسًا لَهُمْ فِي فِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، لِكَوْنِهَا كَانَتْ مُنْكَرَةً عِنْدَهُمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَلَمْ يُمْكِنُهُ التَّحَلُّلُ مَعَهُمْ بِسَبَبِ الْهَدْيِ ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ فِي تَرْكِ مُوَاسَاتِهِمْ ، فَصَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِنًا فِي آخِرِ أَمْرِهِ ، وَقَدِ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ ، وَشَذَّ بَعْضُ النَّاسِ فَمَنَعَهُ وَقَالَ : لَا يَدْخُلُ إِحْرَامٌ عَلَى إِحْرَامٍ ، كَمَا لَا تَدْخُلُ صَلَاةٌ عَلَى صَلَاةٍ ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ ، فَيُجَوِّزُهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَمَنَعَهُ آخَرُونَ وَجَعَلُوا هَذَا خَاصًّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِضَرُورَةِ الِاعْتِمَارِ حِينَئِذٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، قَالَ : وَكَذَلِكَ يُتَأَوَّلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ : كَانَ مُتَمَتِّعًا ، أَيْ تَمَتَّعَ بِفِعْلِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ؛ وَفَعَلَهَا مَعَ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّمَتُّعِ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ ، فَانْتَظَمَتِ الْأَحَادِيثُ وَاتَّفَقَتْ ، قَالَ : وَلَا يَبْعُدُ رَدُّ مَا وَرَدَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ فِعْلِ مِثْلِ ذَلِكَ إِلَى مِثْلِ هَذَا مَعَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا ، فَيَكُونُ الْإِفْرَادُ إِخْبَارًا عَنْ فِعْلِهِمْ أَوَّلًا ، وَالْقِرَانُ إِخْبَارًا عَنْ إِحْرَامِ الَّذِينَ مَعَهُمْ هَدْيٌ بِالْعُمْرَةِ ثَانِيًا ، وَالتَّمَتُّعُ لِفَسْخِهِمُ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ ثُمَّ إِهْلَالِهِمْ بِالْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا ، كَمَا فَعَلَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ .


قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا : إِنَّهُ أَحْرَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْرَامًا مُطْلَقًا مُنْتَظِرًا مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ إِفْرَادٍ أَوْ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْحَجِّ ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْعُمْرَةِ مَعَهُ فِي وَادِي الْعَقِيقِ بِقَوْلِهِ : " صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ ، وَقُلْ : عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ " ؛ قَالَ الْقَاضِي : وَالَّذِي سَبَقَ أَبْيَنُ وَأَحْسَنُ فِي التَّأْوِيلِ ، هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ ، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَهُ : لَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ : أَحْرَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْرَامًا مُطْلَقًا مُبْهَمًا ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مُصَرِّحَةٌ بِخِلَافِهِ .


قَالَ الْخَطَّابِيُّ : قَدْ أَنْعَمَ الشَّافِعِيُّ بِبَيَانِ هَذَا فِي كِتَابِهِ : اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ وَجودُ الْكَلَامِ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَفِي اقْتِصَاصِ كُلِّ مَا قَالَهُ تَطْوِيلٌ .
وَلَكِنَّ الْوَجِيهَ وَالْمُخْتَصَرَ مِنْ جَوَامِعِ مَا قَالَ أَنَّ مَعْلُومًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ جَوَازُ إِضَافَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْأَمْرِ ، كَجَوَازِ إِضَافَتِهِ إِلَى الْفَاعِلِ كَقَوْلِكَ : بَنَى فُلَانٌ دَارًا ، إِذَا أَمَرَ بِبِنَائِهَا ، وَضَرَبَ الْأَمِيرُ فُلَانًا ، إِذَا أَمَرَ بِضَرْبِهِ ، وَرَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا ، وَقَطَعَ سَارِقَ رِدَاءَءِ صَفْوَانَ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ ، وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمُ الْمُفْرِدُ وَالْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ كُلٌّ مِنْهُمْ يَأْخُذُ عَنْهُ أَمْرَ نُسُكِهِ ، وَيَصْدُرُ عَنْ تَعْلِيمِهِ ، فَجَازَ أَنْ تُضَافَ كُلُّهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا ، وَأَذِنَ فِيهَا .
قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَهُمْ سَمِعَهُ يَقُولُ : لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ ، فَحَكَى عَنْهُ أَنَّهُ أَفْرَدَ ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : وَعُمْرَةٍ ، فَلَمْ يَحْكِ إِلَّا مَا سَمِعَ ، وَسَمِعَ أَنَسٌ وَغَيْرُهُ الزِّيَادَةَ وَهِيَ : لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ، وَلَا يُنْكَرُ قَبُولُ الزِّيَادَةِ ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ التَّنَاقُضُ لَوْ كَانَ الزَّائِدُ نَافِيًا لِقَوْلِ صَاحِبِهِ ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُثْبِتًا لَهُ وَزَائِدًا عَلَيْهِ ، فَلَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ ، قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّاوِي سَمِعَهُ يَقُولُ لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ ، فَيَقُولُ لَهُ : لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ، عَلَى سَبِيلِ التَّلْقِينِ .


فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ ظَاهِرًا لَيْسَ فِيهَا تَنَاقُضٌ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا سَهْلٌ كَمَا ذَكَرْنَا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ ) يُقَالُ : ( هَدْيٌ ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَ ( هَدِيٌّ ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ، الْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ ، وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إِلَى الْحَرَمِ مِنَ الْأَنْعَامِ .


وَسَوْقُ الْهَدْيِسُنَّةٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ .


قَوْلُهُ : ( عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ) ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ ، قَالَتْ : وَلَمْ أُهِلَّ إِلَّا بِعُمْرَةٍ ) ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ عَائِشَةَ فِيمَا أَحْرَمَتْ بِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَذَكَرَ مُسْلِمٌ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْهَا : ( خَرَجْنَا لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ ) ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْهَا : ( خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ ) ، وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهَا أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا : ( نُلَبِّي لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً ) ، قَالَ الْقَاضِي : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ ، فَقَالَ مَالِكٌ : لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَنَا قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَتَرَجَّحُ أَنَّهَا كَانَتْ مُحْرِمَةً بِحَجٍّ ؛ لِأَنَّهَا رِوَايَةُ عَمْرَةَ وَالْأَسْوَدِ وَالْقَاسِمِ ، وَغَلَّطُوا عُرْوَةَ فِي الْعُمْرَةِ ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ ، وَرَجَّحُوا رِوَايَةَ غَيْرِ عُرْوَةَ عَلَى رِوَايَتِهِ ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ قَالَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْهُ : حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : ( دَعِي عُمْرَتَكِ ) فَقَدْ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعِ الْحَدِيثَ مِنْهَا ، قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَلَيْسَ هَذَا بِوَاضِحٍ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِمَّنْ حَدَّثَهُ ذَلِكَ ، قَالُوا أَيْضًا : وَلِأَنَّ رِوَايَةَ عَمْرَةَ وَالْقَاسِمِ نَسَّقَتْ عَمَلَ عَائِشَةَ فِي الْحَجِّ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ الْقَاسِمُ عَنْ رِوَايَةِ عَمْرَةَ : ( أَنْبَأَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ ) قَالُوا : وَلِأَنَّ رِوَايَةَ عُرْوَةَ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ إِحْرَامِ عَائِشَةَ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ مُمْكِنٌ ، فَأَحْرَمَتْ أَوَّلًا بِالْحَجِّ كَمَا صَحَّ عَنْهَا فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ ، وَكَمَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ ، ثُمَّ أَحْرَمَتْ بِالْعُمْرَةِ حِينَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ ، وَهَكَذَا فَسَّرَ الْقَاسِمُ فِي حَدِيثِهِ ، فَأَخْبَرَ عُرْوَةُ عَنْهَا بِاعْتِمَارِهَا فِي آخِرِ الْأَمْرِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَ أَمْرِهَا ، قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ تَعَارَضَ هَذَا بِمَا صَحَّ عَنْهَا فِي إِخْبَارِهَا عَنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي الْإِحْرَامِ ، وَأَنَّهَا أَحْرَمَتْ هِيَ بِعُمْرَةٍ .


فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ ، ثُمَّ فَسَخَتْهُ إِلَى عُمْرَةٍ حِينَ أَمَرَ النَّاسَ بِالْفَسْخِ ، فَلَمَّا حَاضَتْ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا إِتْمَامُ الْعُمْرَةِ وَالتَّحَلُّلُ مِنْهَا وَإِدْرَاكُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ ، أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَأَحْرَمَتْ ، فَصَارَتْ مُدْخِلَةً لِلْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَقَارِنَةً .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ارْفُضِي عُمْرَتَكِ ) ، لَيْسَ مَعْنَاهُ إِبْطَالُهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَالْخُرُوجُ مِنْهَا ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ لَا يَصِحُّ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِالتَّحَلُّلِ بَعْدَ فَرَاغِهَا ، بَلْ مَعْنَاهُ : ارْفُضِي الْعَمَلَ فِيهَا ، وَإِتْمَامَ أَفْعَالِهَا الَّتِي هِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَتَقْصِيرُ شَعْرِ الرَّأْسِ ، فَأَمَرَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ، وَأَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَتَصِيرَ قَارِنَةً ، وَتَقِفَ بِعَرَفَاتٍ وَتَفْعَلَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ ، فَتُؤَخِّرَهُ حَتَّى تَطْهُرَ ، وَكَذَلِكَ فَعَلَتْ .


قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ : ( وَأَمْسِكِي عَنِ الْعُمْرَةِ ) وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بَعْدَ هَذَا فِي آخِرِ رِوَايَاتِ عَائِشَةَ : ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ بَهْزٍ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ فَقَدِمَتْ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَاضَتْ فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا ، وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّفْرِ : يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ ، فَأَبَتْ فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ هَذَا لَفْظُهُ .


فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ ) تَصْرِيحٌ بِأَنَّ عُمْرَتَهَا بَاقِيَةٌ صَحِيحَةٌ مُجْزِئَةٌ ، وَأَنَّهَا لَمْ تُلْغِهَا وَتَخْرُجْ مِنْهَا ، فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ ( ) عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رَفْضِ الْعَمَلِ فِيهَا وَإِتْمَامِ أَفْعَالِهَا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَمَّا مَضَتْ مَعَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ : ( هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ ) فَمَعْنَاهُ : أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ يَكُونَ لَهَا عُمْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ عَنِ الْحَجِّ ، كَمَا حَصَلَ لِسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ فَسَخُوا الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ ، وَأَتَمُّوا الْعُمْرَةَ وَتَحَلَّلُوا مِنْهَا قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ ، ثُمَّ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ، فَحَصَلَ لَهُمْ عُمْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَحَجَّةٌ مُنْفَرِدَةٌ ، وَأَمَّا عَائِشَةُ فَإِنَّمَا حَصَلَ لَهَا عُمْرَةٌ مُنْدَرِجَةٌ فِي حَجَّةٍ بِالْقِرَانِ ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّفْرِ : ( يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ ) أَيْ وَقَدْ تَمَّا وَحُسِبَا لَكِ جَمِيعًا ، فَأَبَتْ وَأَرَادَتْ عُمْرَةً مُنْفَرِدَةً ، كَمَا حَصَلَ لِبَاقِي النَّاسِ ، فَلَمَّا اعْتَمَرَتْ عُمْرَةً مُنْفَرِدَةً قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ ) ، أَيِ الَّتِي كُنْتِ تُرِيدِينَ حُصُولَهَا مُنْفَرِدَةً غَيْرَ مُنْدَرِجَةٍ فَمَنَعَكِ الْحَيْضُ مِنْ ذَلِكَ ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهَا : ( يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ بِحَجٍّ ) أَيْ يَرْجِعُونَ بِحَجٍّ مُنْفَرِدٍ وَعُمْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ ، وَأَرْجِعُ أَنَا وَلَيْسَ لِي عُمْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ ، وَإِنَّمَا حَرَصَتْ عَلَى ذَلِكَ لِتُكْثِرَ أَفْعَالَهَا .
وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ : الْقِرَانُ أَفْضَلُ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي ) فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إِبْطَالُ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّ نَقْضَ الرَّأْسِ وَالِامْتِشَاطَ جَائِزَانِ عِنْدَنَا فِي الْإِحْرَامِ بِحَيْثُ لَا يَنْتِفُ شَعْرًا ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ الِامْتِشَاطُ إِلَّا لِعُذْرٍ ، وَتَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ فِعْلَ عَائِشَةَ هَذَا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَعْذُورَةً ، بِأَنْ كَانَ فِي رَأْسِهَا أَذًى ، فَأَبَاحَ لَهَا الِامْتِشَاطَ كَمَا أَبَاحَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْحَلْقَ لِلْأَذَى ، وَقِيلَ : لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِامْتِشَاطِ هُنَا حَقِيقَةَ الِامْتِشَاطِ بِالْمُشْطِ ، بَلْ تَسْرِيحَ الشَّعْرِ بِالْأَصَابِعِ لِلْغُسْلِ لِإِحْرَامِهَا بِالْحَجِّ ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ لَبَّدَتْ رَأْسَهَا كَمَا هُوَ السُّنَّةُ ، وَكَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَا يَصِحُّ غُسْلُهَا إِلَّا بِإِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِ شَعْرِهَا ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا نَقْضُهُ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


قَوْلُهَا : ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ عَنْ طَوَافِ الرُّكْنِ ، وَأَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ ، وَتَنْدَرِجُ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ كُلُّهَا فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُدَ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


قَوْلُهُ : ( عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْأَحَادِيثِ فِي صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ بَعْدَ إِحْرَامِهِمْ بِالْحَجِّ فِي مُنْتَهَى سَفَرِهِمْ وَدُنُوِّهِمْ مِنْ مَكَّةَ بِسَرِفَ ، كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ أَوْ بَعْدَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ وَسَعْيِهِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ ، وَيُحْتَمَلُ تَكْرَارُ الْأَمْرِ بِذَلِكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَأَنَّ الْعَزِيمَةَ كَانَتْ آخِرًا حِينَ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ .