هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1517 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : لَمَّا بُنِيَتِ الكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبَّاسٌ يَنْقُلاَنِ الحِجَارَةَ ، فَقَالَ العَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : أَرِنِي إِزَارِي فَشَدَّهُ عَلَيْهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1517 حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أبو عاصم ، قال : أخبرني ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، قال : سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة ، فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم : اجعل إزارك على رقبتك ، فخر إلى الأرض ، وطمحت عيناه إلى السماء ، فقال : أرني إزاري فشده عليه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Jabir bin `Abdullah:

When the Ka`ba was built, the Prophet (ﷺ) and `Abbas went to bring stones (for its construction). Al `Abbas said to the Prophet, Take off your waist sheet and put it on your neck. (When the Prophet (ﷺ) took it off) he fell on the ground with his eyes open towards the sky and said, Give me my waist sheet. And he covered himself with it.

Jâbir ibn 'AbdulLâh () dit: «Durant la reconstruction de la Ka'ba, le Prophète () et al'Abbâs allèrent porter des pierres. Al'Abbâs dit alors au Prophète (): Mets ton 'izâr sur ton cou. [En essayant de le faire], le Prophète tomba à terre, ses yeux se fixèrent vers le ciel puis il dit: Donnemoi mon 'izâr! »

":"ہم سے عبداللہ بن محمد مسندی نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے ابوعاصم نبیل نے بیان کیا ، کہا کہ مجھے ابن جریج نے خبر دی ، کہا کہ مجھے عمرو بن دینا ر نے خبر دی ، کہا کہ میں نے جابر بن عبداللہ رضی اللہ عنہما سے سنا ، انہوں نے بیان کیا کہ( زمانہ جاہلیت میں ) جب کعبہ کی تعمیر ہوئی تو نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم اور عباس رضی اللہ عنہ بھی پتھر اٹھا کر لا رہے تھے ۔ عباس رضی اللہ عنہ نے نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم سے کہا کہ اپنا تہبند اتار کر کاندھے پر ڈال لو ( تاکہ پتھر اٹھانے میں تکلیف نہ ہو ) آنحضور صلی اللہ علیہ وسلم نے ایسا کیا تو ننگے ہوتے ہی بیہوش ہو کر آپ زمین پر گر پڑے اور آپ کی آنکھیں آسمان کی طرف لگ گئیں ۔ آپ کہنے لگے مجھے میرا تہبند دے دو ۔ پھر آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے اسے مضبوط باندھ لیا ۔

Jâbir ibn 'AbdulLâh () dit: «Durant la reconstruction de la Ka'ba, le Prophète () et al'Abbâs allèrent porter des pierres. Al'Abbâs dit alors au Prophète (): Mets ton 'izâr sur ton cou. [En essayant de le faire], le Prophète tomba à terre, ses yeux se fixèrent vers le ciel puis il dit: Donnemoi mon 'izâr! »

شرح الحديث من عمدة القاري

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    (بابُُُ فَضْلِ مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل مَكَّة، شرفها الله وَفِي بنيانها.
فَإِن قلت: لَيْسَ فِي أَحَادِيث الْبابُُ ذكر لبَيَان بُنيان مَكَّة، فَلِمَ لم يقْتَصر على قَوْله: بابُُ فضل مَكَّة؟ قلت: لما كَانَ بُنيان الْكَعْبَة سَببا لبنيان مَكَّة وعمارتها اكْتفى بِهِ.

وَلَكنهُمْ اخْتلفُوا فِي أول من بنى الْكَعْبَة، فَقيل: أول من بناها آدم، عَلَيْهِ السَّلَام، ذكره ابْن إِسْحَاق: وَقيل: أول من بناها شِيث.
عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَت قبل أَن يبنيها خيمة من ياقوتة حَمْرَاء يطوف بهَا آدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويأنس بهَا، لِأَنَّهَا أنزلت إِلَيْهِ من الْجنَّة.
وَقيل: أول من بناها الْمَلَائِكَة، وَذَلِكَ لما قَالُوا: { أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} (الْبَقَرَة: 03) .
الْآيَة، خَافُوا وطافوا بالعرش سبعا يسترضون الله ويتضرعون إِلَيْهِ، فَأَمرهمْ الله تَعَالَى أَن يبنوا الْبَيْت الْمَعْمُور فِي السَّمَاء السَّابِعَة، وَأَن يجْعَلُوا طوافهم لَهُ لكَونه أَهْون من طواف الْعَرْش ثمَّ أَمرهم أَن يبنوا فِي كل سَمَاء بَيْتا، وَفِي كل أَرض بَيْتا.
قَالَ مُجَاهِد: هِيَ أَرْبَعَة عشر بَيْتا.
وَرُوِيَ أَن الْمَلَائِكَة حِين أسست الْكَعْبَة انشقت الأَرْض إِلَى مُنْتَهَاهَا، وقذفت مِنْهَا حِجَارَة أَمْثَال الْإِبِل، فَتلك الْقَوَاعِد من الْبَيْت الَّتِي وضع عَلَيْهَا إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، الْبَيْت، فَلَمَّا جَاءَ الطوفان رفعت وأودع الْحجر الْأسود أَبَا قبيس، وروى عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن عَطاء وَسَعِيد بن الْمسيب: أَن آدم بناه من خَمْسَة أجبل: من حراء وطور سيناء، وطور زيتا وجبل لبنان والجودي، وَهَذَا غَرِيب، وروى الْبَيْهَقِيّ فِي بِنَاء الْكَعْبَة فِي (دَلَائِل النُّبُوَّة) من طَرِيق ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ مَرْفُوعا: بعث الله جِبْرِيل إِلَى آدم وحواء، عَلَيْهِمَا السَّلَام، فَأَمرهمَا بِبِنَاء الْكَعْبَة، فبناه آدم عَلَيْهِ السَّلَام، ثمَّ أَمر بِالطّوافِ بِهِ.
وَقيل لَهُ: أَنْت أول النَّاس، وَهَذَا أول بَيت يوضع للنَّاس.
.

     وَقَالَ  ابْن كثير: إِنَّه كَمَا ترى من مُفْرَدَات ابْن لَهِيعَة، وَهِي ضَعِيف وَالْأَشْبَه أَن يكون هَذَا مَوْقُوفا على عبد الله بن عَمْرو، وَيكون من الزاملتين اللَّتَيْنِ أصابهما يَوْم اليرموك من كَلَام أهل الْكتاب.

وقَوْلِهِ تَعَالى: { وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وأمْنا وَاتَّخَذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلَّىً وعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ أنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائفِينَ والعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ.
وَإذْ قالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هاذا بَلَدا آمِنا وارْزُقْ أهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِالله واليَوْمِ الآخِرِ قالَ ومَنْ كَفَرَ فأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أضطَرُّهُ إلَى عَذَابِ النَّارِ وبِئْسَ المَصِيرُ.
وَإذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وإسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ.
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمِينَ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وأرِنَا مَنَاسِكَنَا وتُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
.
(الْبَقَرَة: 521 821) .


وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على: قَوْله فضل مَكَّة، وَالتَّقْدِير وَفِي بَيَان تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: { وَإِذ جعلنَا} (الْبَقَرَة: 521 821) .
الخ وَهَذِه أَرْبَعَة آيَات سيقت كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ بعض الْآيَة الأولى، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر كل الْآيَة الأولى: ثمَّ قَالُوا: إِلَى قَوْله { التواب الرَّحِيم} (الْبَقَرَة: 521 821) [/ ح.

قَوْله تَعَالَى: { وَإِذ جعلنَا الْبَيْت} أَي: وَاذْكُر إِذْ جعلنَا الْبَيْت، وَالْبَيْت اسْم غَالب للكعبة كالنجم للثريا.
قَوْله: (مثابة) أَي: مباءة ومرجعا للحجاج والعمار، فينصرفون عَنهُ ثمَّ يثوبون إِلَيْهِ.
قَالَ الزّجاج: أصل مثابة مثوبة نقلت حَرَكَة الْوَاو إِلَى الثَّاء وقلبت الْوَاو ألفا لتحركها فِي الأَصْل، وانفتاح مَا قبلهَا.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: وقرىء مثابات.
.

     وَقَالَ  ابْن جرير: قَالَ بعض نحاة الْبَصْرَة: ألحقت الْهَاء فِي المثابة لما كثر من يثوب إِلَيْهِ كَمَا يُقَال: سيارة ونسابة،.

     وَقَالَ  بعض نحاة الْكُوفَة: بل المثاب والمثابة بِمَعْنى وَاحِد نَظِير الْمقَام والمقامة، فالمقام ذكر على قَوْله لِأَنَّهُ أُرِيد بِهِ الْموضع الَّذِي يُقَام فِيهِ، وأنثت المقامة لِأَنَّهُ أُرِيد بهَا الْبقْعَة، وَأنكر هَؤُلَاءِ أَن تكون المثابة نظيرة للسيارة والنسابة، وَقَالُوا: إِنَّمَا أدخلت الْهَاء فِي السيارة والنسابة تَشْبِيها لَهَا بالداهية، والمثابة مفعلة من ثاب الْقَوْم إِلَى الْموضع إِذا رجعُوا إِلَيْهِ، فهم يثوبون إِلَيْهِ مثابا ومثابة وثوابا، بِمَعْنى: جعلنَا الْبَيْت مرجعا للنَّاس ومعادا يأتونه كل عَام ويرجعون إِلَيْهِ، فَلَا يقضون مِنْهُ وطرا، وَمِنْه أثاب إِلَيْهِ عقله إِذا رَجَعَ إِلَيْهِ بعد عزوبه عَنهُ.
فَإِن قلت: الْبَيْت، مُذَكّر، ومثابة مُؤَنّثَة، والتطابق بَين الصّفة والموصوف شَرط؟ قلت: لَيست التَّاء فِيهِ للتأنيث، بل هُوَ كَمَا يُقَال: دِرْهَم ضرب الْأَمِير، والمصدر قد يُوصف بِهِ.
يُقَال: رجل عدل رَضِي، أَي: معدل مرضى، وَقيل: الْهَاء فِيهِ للْمُبَالَغَة لِكَثْرَة من يثوب إِلَيْهِ، مثل: عَلامَة.
.

     وَقَالَ  ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا أبي حَدثنَا عبد الله بن رَجَاء أخبرنَا إِسْرَائِيل عَن مُسلم عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: مثابة، قَالَ: يثوبون إِلَيْهِ ثمَّ يرجعُونَ.
قَالَ: وَرُوِيَ عَن أبي الْعَالِيَة وَسَعِيد بن جُبَير فِي رِوَايَة وَعَطَاء وَالْحسن وعطية وَالربيع بن أنس وَالضَّحَّاك نَحْو ذَلِك،.

     وَقَالَ  سعيد بن جُبَير فِي رِوَايَة أُخْرَى، وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي: { مثابة للنَّاس} أَي: مجمعا.
قَوْله: { وَأمنا} أَي: مَوضِع أَمن.
كَقَوْلِه تَعَالَى: { حرما أمنا وَيُتَخَطَّف النَّاس من حَولهمْ} (العنكبوت: 76) .
وَلِأَن الْجَانِي يأوي إِلَيْهِ فلايتعرض لَهُ حَتَّى يخرج.
.

     وَقَالَ  الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس، أَي: أمنا للنَّاس.
.

     وَقَالَ  الرّبيع بن أنس عَن أبي الْعَالِيَة يَعْنِي: أمنا من الْعَدو، وَأَن يحمل فِيهِ السَّلَام.
قَوْله: { وَاتَّخذُوا} ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَاتَّخذُوا على إِرَادَة القَوْل، أَي: وَقُلْنَا اتَّخذُوا مِنْهُ مَوضِع صَلَاة تصلونَ فِيهِ، وَهِي على وَجه الِاخْتِيَار والاستحبابُ دون الْوُجُوب، وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر: وَاتَّخذُوا، على صِيغَة الْمَاضِي، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ على صِيغَة الْأَمر.

وَاخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي المُرَاد بالْمقَام مَا هُوَ؟ فَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا عمر بن شبه النمري حَدثنَا أَبُو خلف يَعْنِي: عبد الله بن عِيسَى حَدثنَا دَاوُد بن أبي هِنْد عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: { وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} قَالَ: مقَام إِبْرَاهِيم الْحرم كُله، وَعَن ابْن عَبَّاس: مقَام إِبْرَاهِيم الْحَج لَهُ، ثمَّ فسره عَطاء فَقَالَ: التَّعْرِيف وصلاتان بِعَرَفَة والمشعر وَمنى وَرمي الْجمار وَالطّواف بَين الصَّفَا والمروة.
.

     وَقَالَ  سُفْيَان عَن عبد الله بن مُسلم عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: الْحجر مقَام إِبْرَاهِيم، فَكَانَ يقوم عَلَيْهِ ويتناول إِسْمَاعِيل الْحِجَارَة.
.

     وَقَالَ  السّديّ: الْمقَام الْحجر الَّذِي وَضعته زَوْجَة إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، تَحت قدم إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، حَتَّى غسلت رَأسه.
حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ، وَضَعفه.
وَحَكَاهُ الرَّازِيّ فِي (تَفْسِيره) عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَالربيع بن أنس،.

     وَقَالَ  ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا الْحسن بن مُحَمَّد الصَّباح، حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن عَطاء عَن ابْن جريج عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه سمع جَابِرا يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما طَاف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هَذَا مقَام أَبينَا إِبْرَاهِيم؟ قَالَ: نعم، قَالَ: أَفلا تتخذه مصلى؟ فَأنْزل الله عز وَجل: { وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} وَقد كَانَ الْمقَام مُلْصقًا بجدار الْكَعْبَة قَدِيما، ومكانه مَعْرُوف الْيَوْم إِلَى جَانب الْبابُُ مِمَّا يَلِي الْحجر، وَإِنَّمَا أَخّرهُ عَن جِدَار الْكَعْبَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،.

     وَقَالَ  عبد الرَّزَّاق: عَن معمر عَن حميد الْأَعْرَج عَن مُجَاهِد، قَالَ: أول من أخر الْمقَام إِلَى مَوْضِعه الْآن عمر بن الْخطاب.

قَوْله { وعهدنا إِلَى إِبْرَاهِيم} قَالَ أَبُو اللَّيْث فِي تَفْسِيره: أَي: أمرنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَن طهرا، بِأَن طهرا الْبَيْت، أَي: بالتطهير من الْأَوْثَان، وَيُقَال: من جَمِيع النَّجَاسَات، للطائفين أَي: لأجل الطائفين الَّذين يطوفون الغرباء، والعاكفين وهم أهل الْحرم المقيمون بِمَكَّة من أهل مَكَّة وَغَيرهم.
قَوْله: (والركع) أهل الصَّلَاة، وَهُوَ جمع رَاكِع.
وَقَوله: (السُّجُود) مصدر، وَفِيه حذف أَي: الركع ذَوي السُّجُود.
قَوْله: { وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيم} أَي: وَاذْكُر إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم: { رب اجْعَل هَذَا} أَي: الْحرم.
{ بَلَدا آمنا} .

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: أَي: اجْعَل بَلَدا ذَا أَمن.
كَقَوْلِه: عيشة راضية وآمنا من فِيهِ، كَقَوْلِك: ليل نَائِم، وَفِي (خُلَاصَة الْبَيَان) : والبلد ينْطَلق على كل مَوضِع من الأَرْض عَامر مسكون أَو خَال، والبلد فِي هَذِه الْآيَة مَكَّة، وَقد صَارَت مَكَّة حَرَامًا بسؤال إِبْرَاهِيم، وَقَبله كَانَت حَلَالا.
قلت: فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا هَذَا، وَالْآخر: أَنَّهَا كَانَت حَرَامًا قبل ذَلِك بِدَلِيل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن هَذَا الْبَلَد حرَام يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض) قَوْله: { وارزق أَهله من الثمرات} يَعْنِي: أَنْوَاع الثمرات، فَاسْتَجَاب الله دعاءه فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِن الله تَعَالَى بعث جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، حِين اقتلع الطَّائِف من مَوضِع الْأُرْدُن، ثمَّ طَاف بهَا حول الْكَعْبَة، فسميت الطَّائِف.
قَوْله: { من آمن مِنْهُم} بدل: من أَهله، قَالَ أَبُو اللَّيْث: وَإِنَّمَا اشْترط هَذَا الشَّرْط لِأَنَّهُ قد سَأَلَ الْإِمَامَة لذريته، فَلم يستجب لَهُ فِي الظَّالِمين، فخشي إِبْرَاهِيم أَن يكون أَمر الرزق هَكَذَا فَسَأَلَ الرزق للْمُؤْمِنين خَاصَّة، فَأخْبر الله تَعَالَى أَنه يرْزق الْكَافِر وَالْمُؤمن، وَأَن أَمر الرزق لَيْسَ كأمر الْإِمَامَة.
قَالُوا: لِأَن الْإِمَامَة فضل والرزق عدل، فَالله تَعَالَى يُعْطي فَضله لمن يَشَاء مِمَّن كَانَ أَهلا لذَلِك، وعدله لجَمِيع النَّاس لأَنهم عباده، وَإِن كَانُوا كفَّارًا.
قَوْله: { وَمن كفر} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وارزق من كفر فأمتعه، وَيجوز أَن يكون من: كفر، مُبْتَدأ متضمنا معنى الشَّرْط.
وَقَوله: فأمتعه، جَوَاب الشَّرْط أَي: وَمن كفر فَأَنا أمتعه، وقرىء: فأمتعه فاضطره فالزَّه إِلَى عَذَاب النَّار لز الْمُضْطَر الَّذِي لَا يملك الإمتناع مِمَّا اضْطر إِلَيْهِ.
وَقَرَأَ أبي: { فنمتعه قَلِيلا ثمَّ نضطره} وَقَرَأَ يحيى بن وثاب: { فاضطره} بِكَسْر الْهمزَة، وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: { فأمتعه قَلِيلا ثمَّ أضطره} على لفظ الْأَمر.
قَوْله: { وَإِذ يرفع} أَي وَاذْكُر إِذْ يرفع { إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد} ، وَهِي جمع قَاعِدَة، وَهِي السارية والأساس.
قَوْله: (من الْبَيْت) أَي: الْكَعْبَة.
.

     وَقَالَ  مقَاتل: فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، مَعْنَاهُ: وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل الْقَوَاعِد من الْبَيْت، وَيُقَال: إِن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، يُعينهُ وَالْمَلَائِكَة يناقلون الْحجر من إِسْمَاعِيل، وَكَانُوا ينقلون الْحجر من خَمْسَة أجبل: طور سينا، وطور زيتا وجودي ولبنان وحراء.
قَوْله: (رَبنَا) أَي: قَالَا: رَبنَا { تقبل منا} أَعمالنَا { إِنَّك أَنْت السَّمِيع} لدعائنا، الْعَلِيم بنياتنا،.

     وَقَالَ  جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، لإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، قد أُجِيب لَك فاسأل شَيْئا آخر: { قَالَا رَبنَا واجعلنا مُسلمين لَك} د يَعْنِي: مُخلصين لَك، وَيُقَال: واجعلنا متثبتين على الْإِسْلَام، وَيُقَال: مُطِيعِينَ لَك، ثمَّ: { قَالَا وَمن ذريتنا أمة مسلمة لَك} يَعْنِي: اجْعَل بعض ذريتنا من يخلص لَك وَيثبت على الْإِسْلَام، ثمَّ قَالَ: { وأرنا مناسكنا} يَعْنِي: علمنَا أُمُور مناسكنا، ذكر الرُّؤْيَة وَأَرَادَ بِهِ الْعلم، ثمَّ قَالَ: { وَتب علينا} يَعْنِي: تجَاوز عَنَّا الزلة { إِنَّك أَنْت التواب} المتجاوز { الرَّحِيم} بعبادك.



[ قــ :1517 ... غــ :1582 ]
- حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا أبُو عاصِمٍ قَالَ أخبرنِي ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبرنِي عَمْرُو بنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا بُنِيَتِ الكَعْبَةُ ذَهَبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَبَّاسٌ يَنْقُلاَنِ الحِجَارَةَ فقالَ العَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْعَلْ إزَارَكَ عَلى رَقَبتِكَ فَخَرَّ إِلَى الأرْضِ وطَمِحتْ عَيْنَاهُ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ أرِنِي إزَارِي فَشَدَّهُ عَلَيْهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لما بنيت الْكَعْبَة) ، فَإِن قلت: التَّرْجَمَة بُنيان مَكَّة، وَفِي الحَدِيث بُنيان الْكَعْبَة؟ قلت: قد ذكرت فِي أول الْبابُُ أَن بُنيان الْكَعْبَة كَانَ سَببا لبنيان مَكَّة، وَبَين السَّبَب والمسبب ملائمة، فيستأنس بِهَذَا وَجه الْمُطَابقَة.

ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي.
الثَّانِي: أَبُو عَاصِم النَّبِيل، واسْمه: الضَّحَّاك بن مخلد.
الثَّالِث: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
الرَّابِع: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن دِينَار.
الخاسم: جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، ويروى بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي التحديث عَن شَيْخه.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه بخاري، وَأَبُو عَاصِم بَصرِي، وَابْن جريج وَعَمْرو مكيان.
وَفِيه: أَن أحدهم مَذْكُور بكنيته وَالْآخر بنسبته إِلَى جده من غير ذكر اسْمه.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بُنيان الْكَعْبَة عَن مَحْمُود عَن عبد الرَّزَّاق.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن حَاتِم.
كِلَاهُمَا عَن مُحَمَّد بن بكر وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَمُحَمّد بن رَافع، كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق، وَهَذَا الحَدِيث من مَرَاسِيل جَابر لِأَنَّهُ لم يدْرك هَذِه الْقِصَّة، وَلَكِن يحْتَمل أَن يكون سَمعهَا من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو مِمَّن حضرها من الصَّحَابَة.
وَفِي (التَّوْضِيح) : ومرسله حجَّة، وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ كَرَاهِيَة التعري فِي الصَّلَاة، فَإِن البُخَارِيّ أخرجه هُنَاكَ عَن مطر بن الْفضل عَن روح عَن زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق (عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: سَمِعت جَابر بن عبد الله يحدث: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينْقل مَعَهم الْحِجَارَة للكعبة وَعَلِيهِ إزَاره) الحَدِيث.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لما بنيت الْكَعْبَة) اشتقاق الْكَعْبَة من الكعب، وكل شَيْء علا وارتفع فَهُوَ كَعْب، وَمِنْه سميت الْكَعْبَة للبيت الْحَرَام لارتفاعه وعلوه، وَقيل: سميت بِهِ لتكعبها أَي: تربيعها.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام، سمي بذلك لتربيعه.
وَعَن مقَاتل: سميت كعبة لانفرادها من الْبناء، وَسمي الْبَيْت الْحَرَام لِأَن الله تَعَالَى حرمه وعظمه، وَأما مَكَّة فَهُوَ اسْم بَلْدَة فِي وَاد بَين غير ذِي زرع،.

     وَقَالَ  السُّهيْلي: أما مَكَّة فَمن تمككت الْعظم، أَي: اجتذبت مَا فِيهِ من المخ، وتمكك الفصيل مَا فِي ضرع النَّاقة، فَكَأَنَّهَا تحتذب مَا من نَفسهَا فِي الْبِلَاد والأقوات الَّتِي تأتيها فِي المواسم، وَقيل: لما كَانَت فِي بطن وادٍ فَهِيَ تمكك المَاء من جبالها وأخشابها عِنْد نزُول الْمَطَر، وتنجذب إِلَيْهَا السُّيُول.
.

     وَقَالَ  الصغاني: مَكَّة الْبَلَد الْحَرَام واشتقاقها من: مك الصَّبِي ثدي أمه يمكه مكا إِذا استقصى مصه، وَسميت مَكَّة لقلَّة المَاء بهَا، وَلِأَنَّهُم يمتكون المَاء أَي: يستخرجونه باستقصاء.
وَيُقَال: سميت مَكَّة، لِأَنَّهَا كَانَت تبك من ظلمَ بهَا، أَي: تهلكه.
وَيُقَال أَيْضا: بكة، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقيل: بكة اسْم مَوضِع الطّواف، وَقيل: بكة مَكَان الْبَيْت، وَمَكَّة سَائِر الْبَلَد، وَسميت بكة لِأَن النَّاس يبك بَعضهم بَعْضًا فِي الطّواف، أَي: يدْفع.
وَقيل: لِأَنَّهَا تبك أَعْنَاق الْجَبابُُِرَة إِذا ألحدوا فِيهَا بظُلْم، وَقيل: من المتباك وَهُوَ الإزدحام، قَالَ الراجز:
(إِذا الفصيل أَخَذته أكة ... فحلِّهِ حَتَّى يبك بكة)

الأكة، بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْكَاف: الشدَّة،.

     وَقَالَ  الْعُتْبِي: مَكَّة وبكة شَيْء وَاحِد، وَالْبَاء تبدل من الْمِيم كثيرا، ولمكة أسامي: مِنْهَا: الناسة، بالنُّون وَالسِّين الْمُهْملَة: من النس، سميت لقلَّة مَائِهَا، وَفِي (الْمُنْتَخب) : الكراع النساسة، وَعَن الْأَعرَابِي: النباسة، وَعند الْخطابِيّ: الباسة، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، ويروى: الناشة، بالنُّون والشين الْمُعْجَمَة: تنش من ألحد فِيهَا، أَي: تطرده وتنفيه.
وَمِنْهَا: الراس، وَصَلَاح، وَأم صبح وَأم رحم، بِضَم الْحَاء وسكونها وَأم رحم وَأم زحم بالزاي من الازدحام فِيهَا.
وطيبة ونادر وَأم الْقرى والحاطمة وَالْعرش.
والقادس، والمقدسة، وسماها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّته: الْبَلدة، وَفِي (أمالي ثَعْلَب) : عَن ابْن الْأَعرَابِي، سَأَلَ رجل عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من أهلكم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ فَقَالَ عَليّ: نَحن قوم من كوثى، فَقَالَت طَائِفَة: أَرَادَ كوثى، وَهِي الْمَدِينَة الَّتِي ولد بهَا إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: أَرَادَ بكوثى مَكَّة، وَذَلِكَ لِأَن محلّة بني عبد الدَّار يُقَال لَهَا: كوثى، مَشْهُورَة عِنْد الْعَرَب، فَأَرَادَ بقوله: كوثى أَنا مكيون من أم الْقرى، وَقد ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِي أول من بناها.

قَوْله: (إجعل إزارك على رقبتك) ، وَفِي (صَحِيح الْإِسْمَاعِيلِيّ) من حَدِيث عبد الرَّزَّاق أَنبأَنَا ابْن جريج، (وَأَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار، سمع جَابِرا لما بنت قُرَيْش الْكَعْبَة ذهب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعباس ينقلان الْحِجَارَة، فَقَالَ عَبَّاس للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إجعل إزارك على رقبتي من الْحِجَارَة، فَفعل، فَخر إِلَى الأَرْض وطمحت.
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: قد جعل عبد الرَّزَّاق وضع الْإِزَار على رَقَبَة الْعَبَّاس.
قَوْله: (فَخر إِلَى الإرض) ، من الخرور، وَهُوَ الْوُقُوع، وَفِي رِوَايَة زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق عَن عَمْرو بن دِينَار الَّذِي مضى فِي: بابُُ كَرَاهِيَة التعري فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة، (فَحله فَجعله على مَنْكِبَيْه فَسقط مغشيا عَلَيْهِ) .
وَفِي (طَبَقَات ابْن سعد) من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم، دخل حَدِيث بَعضهم فِي حَدِيث بعض (قَالُوا: بَينا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ينْقل مَعَهم الْحِجَارَة يَعْنِي للبيت، وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْن خمس وَثَلَاثِينَ سنة، وَكَانُوا يضعون أزرهم على عواتقهم ويحملون الْحِجَارَة، فَفعل ذَلِك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فلبط: (أَي: سقط) من قيام، وَنُودِيَ: عورتك، فَكَانَ ذَلِك أول مَا نُودي، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالب: يَا ابْن أخي، إجعل إزارك على رَأسك، فَقَالَ: مَا أصابني إلاَّ فِي تعري) .
.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي وَالِدي عَمَّن حَدثهُ عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ، فِيمَا يذكر من حفظ الله تَعَالَى إِيَّاه إِنِّي لمع غلْمَان وهم أسناني، قد جعلنَا أزرنا على أعناقنا لحجارة نلقها إِذْ لكمني لاكم لكمة شَدِيدَة، ثمَّ قَالَ: اشْدُد عَلَيْك إزارك، وَعند السُّهيْلي فِي خبر آخر: لما سقط ضمه الْعَبَّاس إِلَى نَفسه وَسَأَلَهُ عَن شَأْنه، فَأخْبرهُ أَنه نُودي من السَّمَاء: أَن اشْدُد عَلَيْك إزارك يَا مُحَمَّد، قَالَ: وَإنَّهُ أول مَا نُودي.
وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (الدَّلَائِل) من حَدِيث سماك بن حَرْب، (عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: حَدثنِي الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ: لما بنت قُرَيْش الْكَعْبَة انفردنا رجلَيْنِ رجلَيْنِ ينقلون الْحِجَارَة، وَكنت أَنا وَابْن أخي، فَجعلنَا نَأْخُذ أزرنا فنضعها على مناكبنا، ونجعل عَلَيْهَا الْحِجَارَة، فَإِذا دنونا من النَّاس لبسنا أزرنا، فَبَيْنَمَا هُوَ أَمَامِي إِذْ صرع، فسعيت وَهُوَ شاخص ببصره إِلَى السَّمَاء، قَالَ فَقلت: يَا ابْن أخي مَا شَأْنك؟ قَالَ: نهيت أَن أَمْشِي عُريَانا، قَالَ: فكتمته حَتَّى أظهر الله نبوته) .
وَرَوَاهُ أَبُو نعيم من طَرِيق النَّضر أبي عمر عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، وَلَيْسَ فِيهِ الْعَبَّاس،.

     وَقَالَ  فِي آخِره: (فَكَانَ أول شَيْء رأى من النُّبُوَّة) ،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّلْوِيح) : وَكَانَ ابْن عَبَّاس أَرَادَ بقوله: أول شَيْء رأى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النُّبُوَّة أَن قيل لَهُ: استتر، وَهُوَ غُلَام، هَذِه الْقِصَّة، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن لَهِيعَة عَن أبي الزبير، قَالَ: سَأَلت جَابِرا: هَل يقوم الرجل عُريَانا؟ فَقَالَ: أَخْبرنِي النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه لما انْهَدَمت الْكَعْبَة نقل كل بطن من قُرَيْش، وَأَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نقل مَعَ الْعَبَّاس: رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَكَانُوا يضعون ثِيَابهمْ على الْعَوَاتِق، فيتقوون بهَا أَي: عل حمل الْحِجَارَة، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فاعتقلت رجْلي، فحررت وَسقط ثوبي، فَقلت للْعَبَّاس: هَلُمَّ ثوبي فلست أتعرى بعْدهَا إلاَّ لغسل.
وَابْن لَهِيعَة فِيهِ مقَال، وَفِي رِوَايَة أَن الْملك نزل فَشد عَلَيْهِ إزَاره.
قَوْله: (فطمحت عَيناهُ) أَي: شخصتا وارتفعتا،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: طمح ببصره يطمح طمحا، شخص وَقيل، رمي بِهِ إِلَى الشَّيْء، وَرجل طماح بعيد الطّرف، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن أبي جريج فِي أَوَائِل (السِّيرَة النَّبَوِيَّة) : ثمَّ أَفَاق.
قَوْله: (أَرِنِي إزَارِي) ، قَالَ ابْن التِّين: ضَبطه بِإِسْكَان الرَّاء وبكسرها، قَالَ وَالْكَسْر أحسن عِنْد بعض أهل اللُّغَة، لِأَن مَعْنَاهُ: أَعْطِنِي، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ من الرُّؤْيَة، وَوَقع فِي (شرح ابْن بطال) : إزَارِي إزَارِي، مكررا وَمَعْنَاهُ صَحِيح إِن ساعدته الرِّوَايَة، قَوْله: (فشده عَلَيْهِ) زَاد زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق: (فَمَا رُؤِيَ بعد ذَلِك عُريَانا) .