ذِكْرُ مَا رُوِيَ فِي مُنَاجَاةِ الصِّدِّيقِ مُشْرِكِي مَكَّةَ عَلَى غَلَبَةِ الرُّومِ وَالْفُرْسِ
236 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حدثنا أَبُو عَرُوبَةَ الْحَرَّانِيُّ قَالَ : حدثنا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ قَالَ : حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَغْلِبَ الرُّومُ ؛ لِأَنَّهَا أَهْلُ كِتَابٍ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ تَغْلِبَ الْفُرْسُ ؛ لِأَنَّهَا أَهْلُ أَوْثَانٍ وَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَيُهْزَمُونَ فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُشْرِكِينَ فَقَالُوا : اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ أَجَلًا فَإِنْ غَلَبُوا كَانَ لَكَ كَذَا وَكَذَا وَإِنْ غُلِبُوا كَانَ لَنَا فَجَعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ خَمْسَ سِنِينَ فَمَضَتْ عَلَى ذَلِكَ فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَلَا جَعَلْتَ دُونَ الْعَشْرِ . قَالَ سَعِيدٌ : وَالْبِضْعُ دُونَ الْعَشْرِ قَالَ : فَغُلِبَتِ الرُّومُ ثُمَّ غَلَبَتْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { آلم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { بِنَصْرِ اللَّهِ } قَالَ سُفْيَانُ : سَمِعْتُ أَنَّهُمْ غَلَبُوا يَوْمَ بَدْرٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ :حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ :حدثنا أَبُو عُمَرَ الدُّورِيُّ قَالَ :حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ :حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { آلم غُلِبَتِ الرُّومُ } فَذَكَرَ مُنَاجَاةَ أَبِي بَكْرٍ مَعَ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ نَحْوَهُ وَقَالَ : ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ رَأْسِ سَبْعِ سِنِينَ قَالَ الشَّيْخُ : وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الرُّومَ سَيَصِيرُونَ غَالِبِينَ بَعْدَ أَنْ غُلِبُوا فَأَزَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذَا الْخَبَرِ مَا بِهِمْ مِنَ الِاغْتِمَامِ مِنْ غَلَبَةِ فَارِسَ الرُّومَ فَتَحَقَّقَ وَعْدُ اللَّهِ فِي صِدْقِ الْخَبَرِ وَأَمَّا مُرَاهَنَةُ أَبِي بَكْرٍ وَمُنَاحَبَتُهُ لِقُرَيْشٍ كَانَ تَحَرِّيًا وَاجْتِهَادًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ يَقَعُ فِيهِ الْإِصَابَةُ وَالْخَطَأُ فَإِذَا لَمْ يُصِبْ كَانَ الْخَطَأُ وَاقِعًا فِي تَحَرِّي أَبِي بَكْرٍ لَا فِي إِخْبَارِ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُعَيِّنْ عَلَى سَنَةٍ بِعَيْنِهَا وَإِنَّمَا وَعَدَ غَلَبَةَ الرُّومِ فَارِسَ فِي الْبِضْعِ مِنْ سَنَةٍ إِلَى تِسْعٍ فَصَارَ الرُّومُ غَالِبِينَ لَهُمْ فِي الْبِضْعِ تَحْقِيقًا لِخَبَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَوَعْدِهِ فَكَانَ ذَلِكَ آيَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَخْبَرَهُمْ بِمَا تَحَقَّقَ صِدْقُهُ وَظَهَرَتْ حَقِيقَتُهُ وَفِي ذَلِكَ ثُبُوتُ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ |