بَابُ دَلَالَةِ الْمَحَبَّةِ وَشَوَاهِدِهَا
458 حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ الْأُمَوِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ الضَّبِّيِّ قَالَ : رَأَيْتُ رَجُلًا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ يَقُولُ : فَيَا حَبَّذَا سَعْيِي إِلَيْهَا مُكَاتِمًا عَلَى خُفْيَةٍ مِنْ حَاسِدٍ وَمُرَاقِبِ وَاللَّهِ لَا أَنْسَى تَكَاتُمَنَا الْهَوَى إِذَا مَا جَلَسْنَا بَيْنَ لَاحٍ وَخَاذِبِ يُخَاطِبُهَا طَرْفِي فَيَفْهَمُ طَرْفُهَا وَلَيْسَ لَنَا لَفْظٌ بِغَيْرِ الْحَوَاجِبِ فَقُلْتُ : يَا هَذَا ، وَمَا لِلَّهِ حَجَجْتَ قَالَ : وَهَلِ الْحَجُّ إِلَّا لَهُ ، وَلَكِنَّهَا فَيْضَةُ صَدْرٍ ، بَحْرٌ مِنَ الْحُبِّ مَا رَكِبَ فِيهِ أَحَدٌ إِلَّا غَرِقَ ، فَاعْذِرْ مَنْ لَوِ ابْتُلِيتَ بِدَائِهِ عَذَرَكَ ، وَاللَّهِ يَا هَذَا ، لَقَدْ وَصَلَ إِلَى قَلْبِي مِنْ ذِكْرِ لَذَّةِ مَنْ أُحِبُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا لَمْ يُوصِلُهُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ النَّعِيمِ ، وَلَوْ خُلِّدْتُ فِي نَعِيمِ الدُّنْيَا كُلِّهَا إِلَى انْقِضَائِهَا . ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً , ثُمَّ أَفَاقَ فَقُلْتُ : مَا أَحَلَّ بِكَ مَا أَرَى ؟ قَالَ : تَوَهَّمْتُهَا جَالِسَةً مَعِي كَعَادَتِهَا ، ثُمَّ ذَكَرْتُ بُعْدَ النَّوَى فَأَصَابَنِي مَا رَأَيْتَ هَذَا لِذِكْرِهَا عَلَى الْبُعْدِ ، فَكَيْفَ تَظُنُّنِي وَالشَّعْبُ مُلْتَئِمٌ ؟ قُلْتُ : أَظُنُّ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا ؟ قَالَ : إِي وَاللَّهِ بِمَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، قُلْتُ : وَمَا يُبْكِيكَ ؟ وَهَذَا فَرَحُكَ قَالَ : أَخَافُ انْقِطَاعَ الْمُنَى قَبْلَ اللِّقَاءِ ، فَعَذَرْتُهُ عَلَى الْأَمْرِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ وَأَنَا لَهُ رَاحِمٌ |
459 وَأَنْشَدَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلِي سَكَنٌ إِنْ غَابَ أَوْ غِبْتُ لَمْ نَجِدْ لِذِي الْبَأْسِ عِنْدَ الْبَأْسِ أُنْسًا نُؤَانِسُهْ كِلَانَا يُنَاجِي فِي الضَّمِيرِ حَبِيبَهُ بِالسِّنِّ عِشْقٌ لِفْظُهُنَّ وَسَاوِسُهْ وَمَهْمَا الْتَقَيْنَا وَالْوُشَاةُ فَطَرْفُهُ يُخَالِسُ نَحْوِي بِالْهَوَى وَأُخَالِسُهْ لِعَيْنَيَّ مِنْ عَيْنَيْهِ عَيْنٌ تَفَرَّدَتْ بِلَحْظِي وَأُخْرَى لِلرَّقِيبِ تُحَارِسُهْ |
460 وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاشِئُ لِنَفْسِهِ : وَلَمَّا رَأَيْنَ الْبَيْنَ قَدْ جَدَّ جَدُّهُ وَأَيْقَنَ مِنَّا بِانْقِطَاعِ الْمَطَالِبِ طَلَبْنَ عَلَى الرَّكْبِ الْمُحِثِّينَ عِلَّةً فَعُجْنَ عَلَيْنَا مِنْ صُدُورِ الرَّكَائِبِ فَلَمَّا تَوَافَقْنَا كَتَبْنَ بِأَعْيُنٍ لَنَا كُتُبًا أَعْجَمْنَهَا بِالْحَوَاجِبِ فَلَمَّا قَرَأْنَاهُنَّ سِرًّا طَوَيْنَهَا حَذَارِ الْأَعَادِي بِازْوِرَارِ الْمَنَاكِبِ |