بَابُ مَنْ عَفَّ فِي عِشْقِهِ عَنْ مُوَاقَعَةِ الْحَرَامِ وَرَاقَبَ اللَّهَ تَعَالَى
128 حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ : كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كَثِيرًا يَتَمَثَّلُ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ : تَفْنَى اللَّذَاذَةُ مِمَّنْ نَالَ صَفْوَتَهَا مِنَ الْحَرَامِ وَيَبْقَى الْوِزْرُ وَالْعَارُ تَبْقَى عَوَاقِبُ سُوءٍ فِي مَغَبَّتِهَا لَا خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدَهَا النَّارُ |
130 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ : بَيْنَمَا أَنَا أَطُوفُ ، بِالْبَيْتِ فَإِذَا بِجُوَيْرِيَةٍ مُتَعَبِّدَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تَقُولُ : يَا رَبِّ ، كَمْ مِنْ شَهْوَةٍ ذَهَبَتْ لَذَّتُهَا ، وَبَقِيَتْ تَبِعَتُهَا ، يَا رَبِّ ، أَمَا كَانَ لَكَ أَدَبٌ إِلَّا بِالنَّارِ ، وَتَبْكِي ، فَمَا زَالَتْ مُقَامَهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ وَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِي صَارِخًا أَقُولُ : ثَكِلَتْ مَالِكًا أُمُّهُ ، وَعَدِمَتْهُ جُوَيْرِيَةٌ مِنَ اللَّيْلَةِ قَدْ تَطْلُبُهُ |
131 أَنْشَدَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ : أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : وَطَائِفَةٌ بِالْبَيْتِ وَاللَّيْلُ مُظْلِمٌ تَقُولُ وَمِنْهَا دَمْعُهَا يَتَجَسَّمُ أَيَا رَبِّ كَمْ مِنْ شَهْوَةٍ قَدْ رُزِئْتُهَا وَلَذَّةٍ عَيْشٍ حَبْلُهَا مُتَصَرِّمُ أَمَا كَانَ رَبِّي لِلْعِبَادِ عُقُوبَةٌ وَلَا أَدَبٌ إِلَّا الْجَحِيمُ الْمُصَرِّمُ فَمَا زَالَ ذَاكَ الْقَوْلُ مِنْهَا تَضَرُّعًا إِلَى أَنْ بَدَا فَجْرُ الصَّبَاحِ الْمُقَدَّمُ فَشَبَّكْتُ مِنِّي الْكَفَّ أَهْتِفُ صَارِخًا عَلَى الرَّأْسِ أُبْدِي بَعْضَ مَا كُنْتُ أَكْتُمُ وَقُلْتُ لِنَفْسِي إِنْ تَطَاوَلَ مَا بِهَا وَأَعِي عَلَيْهَا وِرْدُهَا الْمُتَغَنَّمُ أَلَا ثَكِلَتْكَ الْيَوْمَ أُمُّكَ مَالِكًا جُوَيْرِيَةٌ أَلْهَاكَ مِنْهَا التَّكَلُّمُ فَمَا زِلْتَ بَطَّالًا بِهَا طُولَ لَيْلَةٍ تَنَالُ بِهَا حَظًّا جَسِيمًا وَتَغْنَمُ |
132 حَدَّثَنِي أَخِي قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ الْخَنْدَقِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْبَصْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } قَالَ : حَلَّ سَرَاوِيلَهُ ، وَقَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ ، فَإِذَا بِكَفٍّ قَدْ بَدَتْ بَيْنَهُمَا لَيْسَ فِيهَا عَضُدٌ وَلَا مِعْصَمٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } قَالَ : فَقَامَ هَارِبًا ، وَقَامَتْ ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُمَا الرُّعْبُ عَادَ وَعَادَتْ ، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ الْمَرْأَةِ إِذَا بِكَفٍّ قَدْ بَدَتْ بَيْنَهُمَا لَيْسَ فِيهَا عَضُدٌ وَلَا مِعْصَمٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ } فَقَامَ هَارِبًا وَقَامَتْ ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُمَا الرُّعْبُ عَادَ وَعَادَتْ ، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ الْمَرْأَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا جِبْرِيلُ ، أَدْرِكْ عَبْدِي يُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ الْخَطِيئَةَ ، فَانْحَطَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَاضًّا عَلَى أُصْبُعِهِ أَوْ عَاضًّا عَلَى كَفِّهِ ، فَقَالَ : يَا يُوسُفُ ، تَعْمَلُ عَمَلَ الْفُجَّارِ ، وَأَنْتَ مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْأَنْبِيَاءِ ؟ فَقَامَ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ } |
133 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُدْرِكٍ أَبُو حَفْصٍ الْقَاصُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْعُتْبِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ الْعُرَنِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ مَيْمُونٍ ، عَنْ أَبِي إِلْيَاسَ ، عَنْ وَهْبٍ قَالَ : لَمْ تَزَلْ تُرَاوِدُهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَلَمْ تَزَلْ تُؤْذِيهِ وَتَخْدَعُهُ حَتَّى هَمَّ بِهَا ، فَلَمَّا حَلَّ سَرَاوِيلَهُ وَرَدَّ يَدَهُ إِلَى جَيْبِ قَمِيصِهِ لِيَخْلَعَهُ وَيَدْخُلَ مَعَهَا فِي فِرَاشِهَا مَثَّلَ اللَّهُ لَهُ أَبَاهُ يَعْقُوبَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي عَهِدَهُ فِيهَا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ غَضْبَانَ عَاضًّا عَلَى أَنَامِلِهِ يَتَوَعَّدُهُ وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ كَفَّ وَهَرَبَ مُوَلِّيًا نَحْوَ الْبَابِ ، فَاتَّبَعَتْهُ سَيَّدَتُهُ فَتَدَارَكَا عِنْدَ الْبَابِ فَوَافَقَا سَيَّدَهُمَا الْعَزِيزَ لِيَدْخُلَ ، فَلَمَّا سَمِعَ تَحَاوُرَهُمَا قَالَ : مَا شَأْنُكُمَا تَتَنَازَعَانِ عَلَى الْبَابِ ؟ قَالَتْ : أَدْخَلْتَ بَيْتَكَ لِصَّا عَادِيًا ، وَائْتَمَنْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ ، فَأَغْلَقَ عَلَيَّ الْبَابَ وَأَنَا نَائِمَةٌ فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَهُوَ يَحِلُّ ثِيَابَهُ ، وَيَدْخُلُ مَعِي فِي فِرَاشِي ، فَثُرْتُ إِلَيْهِ مِنْ نَوْمِي لِآخُذَهُ ، فَبَادَرَنِيَ الْبَابَ ، وَأَرَادَ أَنْ يَتَّقِيَ مِنْكَ مِنْ أَجْلِ مَا فَعَلَ ، فَلَا تَرَاهُ أَبَدًا ، فَقَالَ الْعَزِيزُ : خُنْتَنِي يَا يُوسُفُ وَغَدَرْتَ بِي ؟ قَالَ : بَلْ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ، وَغَلَبَتْنِي وَعَذَّبَتْنِي ، وَهَذَا قَمِيصِي مَشْقُوقٌ مِنْ دُبُرِي حِينَ وَلَّيْتُ عَنْهَا هَارِبًا ، وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا وَهُوَ أَخُوهَا وَكَاتِبُ سَيِّدِهَا ، وَكَانَ عَدْلًا أَمِينًا : إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ إِنَّهُ لَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَارِهًا هَارِبًا مِنْهَا ، وَلَئِنْ كَانَ الْقَمِيصُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ إِنَّهُ لَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُقْبِلًا عَلَيْهَا ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمِيصَ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ عَرَفَ كَذِبَهَا ، فَقَالَ أَخُوهَا : { إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } |
134 حَدَّثَنِي رَجُلٌ ذَهَبَ عَلَيَّ اسْمُهُ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ التَّمِيمِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَبَالَةَ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ : نُبِّئْتُ أَنَّ فَتًى ، مِنَ الْعُبَّادِ أَحَبَّ جَارِيَةً مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَبَعَثَ يَخْطُبُهَا فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ ، وَقَالَتْ : إِنْ أَرَدْتَ غَيْرَ ذَلِكَ فَعَلْتُ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا هَذِهِ ، أَدْعُوكِ إِلَى الْأَمْرِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ وَلَا وِزْرَ ، وَتَدْعِينِي إِلَى مَا لَا يَصْلُحُ ، وَلَا لَكِ فِيهِ عُذْرٌ ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ : قَدْ أَخْبَرْتُكَ بِالَّذِي عِنْدِي ، فَإِنْ أَرَدْتَ فَتَقَدَّمْ ، وَإِنْ كَرِهْتَ تَأَخَّرْ ، فَأَنْشَدَ يَقُولُ : أُسَائِلُهَا الْهَوَى أَوْ تَدْعُ قَلْبِي إِلَى مَا لَا أُرِيدُ مِنَ الْحَرَامِ كَدَاعِي آلِ فِرْعَوْنٍ إِلَيْهِ وَهُمْ يَدَعُونَهُ نَحْوَ الْغَرَامِ فَظَلَّ مُنَعَّمًا فِي الْخُلْدِ يَسْعَى وَظَلُّوا فِي الْجَحِيمِ وَفِي السِّقَامِ فَلَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهُ قَدِ امْتَنَعَ مِنَ الْفَاحِشَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ : هَا أَنَا بَيْنَ يَدَيْكَ عَلَى الَّذِي تُحِبُّ ، فَكَتَبَ إِلَيْهَا : هَيْهَاتَ ، لَا حَاجَةَ لَنَا فِيمَنْ دَعَانَا إِلَى الْمَعْصِيَةِ ، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ إِلَى الطَّاعَةِ ، لَا خَيْرَ فِي نَفْسٍ لَا تَدُومُ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : لَا خَيْرَ فِي مَنْ لَا يُرَاقِبُ رَبَّهُ عِنْدَ الْهَوَى وَيَخَافُهُ أَحْيَانَا حَجَبَ التُّقَى بَابَ الْهَوَى فَأَخُو الْهَوَى عَفُّ الْخَلِيقَةِ زَائِدٌ إِيمَانَا |
135 حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، بِخَنَاصِرَةِ الشَّامِ يَخْطُبُ فَقَالَ : أَلَا إِنَّ أَفْضَلَ الْعِبَادَةِ اجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ وَأَدَاءُ الْفَرَائِضِ |
136 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ : الْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ ، اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ ، فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ لَا تَعْلَمُ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ |