بَابُ هَوَاتِفِ الْقُبُورِ
41 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَابِشِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ شَيْخًا مِنَ الْكُوفِيِّينَ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : خَرَجَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي جَنَازَةٍ فَلَمَّا دَفَنَهَا قَالَ لِأَصْحَابِهِ : دَعُونِي حَتَّى آتِيَ قَبْرَ الْأَحِبَّةِ قَالَ : فَأَتَاهُمْ فَجَعَلَ يَدْعُو وَيَبْكِي إِذْ هَتَفَ بِهِ التُّرَابُ فَقَالَ : يَا عُمَرُ ، أَلَا تَسْأَلُنِي مَا فَعَلْتُ بِالْأَحِبَّةِ ؟ قَالَ : فَمَا فَعَلْتَ بِهِمْ ؟ قَالَ : مَزَّقْتُ الْأَكْفَانَ وَأَكَلْتُ اللَّحْمَ وَشَدَخْتُ الْمُقْلَتَيْنِ وَأَكَلْتُ الْحَدَقَتَيْنِ وَنَزَعْتُ الْكَفَّيْنِ مِنَ السَّاعِدَيْنِ وَالسَّاعِدَيْنِ مِنَ الْعَضُدَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ مِنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ مِنَ الصُّلْبِ وَالْقَدَمَيْنِ مِنَ السَّاقَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ مِنَ الْفَخِذَيْنِ وَالْفَخِذَيْنُ مِنَ الْوَرِكِ وَالْوَرِكَ مِنَ الصُّلْبِ قَالَ : وَعُمَرُ يَبْكِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ قَالَ لَهُ التُّرَابُ : أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَكْفَانٍ لَا تَبْلَى ؟ قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : تَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ |
42 حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ ، حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ التَّيْمِيُّ ، عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ الْهَمْدَانِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ أَخَوَيْنِ كَانَا جَارَيْنِ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِدُ بِصَاحِبِهِ وَجْدًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ فَخَرَجَ الْأَكْبَرُ إِلَى أَصْفَهَانَ فَقَدِمَ وَقَدْ مَاتَ الْأَصْغَرُ فَاخْتَلَفَ إِلَى قَبْرِهِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ فَلَمَّا حَضَرَ أَجَلُهُ إِذَا هَاتِفٌ هَتَفَ مِنْ خَلْفِهِ : يَا أَيُّهَا الْبَاكِي عَلَى غَيْرِهِ نَفْسَكَ أَصْلِحْهَا وَلَا تَبْكِهِ إِنَّ الَّذِي تَبْكِي عَلَى إِثْرِهِ يُوشِكُ أَنْ تُسْلَكَ فِي سِلْكِهِ فَالْتَفَتَ فَلَمْ يَرَ خَلْفَهُ أَحَدًا فَاقْشَعَرَّ وَحُمَّ فَهُرِعَ إِلَى أَهْلِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى مَاتَ فَدُفِنَ إِلَى جَنْبِهِ فَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ قَوْلِهِ يُوشِكُ يَوْمًا |
43 حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ شَرْقِيِّ بْنِ قَطَامِيٍّ ، قَالَ : كَانَ رَجُلَانِ بَيْنَهُمَا إِخَاءٌ وَمَوَدَّةٌ فَتَصَارَمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الصَّرْمِ فَدُفِنَ بِالدَّوْمِ فَمَرَّ الْبَاقِي بِقَبْرِ الْمَيِّتِ فَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ مِنَ الْقَبْرِ أَجِدَّكَ تَطْوِي الدَّوْمَ لَيْلًا وَلَا تَرَى عَلَيْكَ لِأَهْلِ الدَّوْمِ أَنْ تَتَكَلَّمَا وَبِالدَّوْمِ ثَاوٍ لَوْ ثَوَيْتَ مَكَانَهُ فَمَرَّ بِأَهْلِ الدَّوْمِ عَاجَ فَسَلَّمَا تُجَدِّدُ صَرْمًا أَنْتَ كُنْتَ بَدَأْتَهُ وَلَا أَنَا فِيهُ كُنْتُ أَسْوَا وَأَظْلَمَا |
44 حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّمَيْرِيُّ ، عَنْ بَقِيَّةَ الزَّهْرَانِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ قَالَ : بَيْنَا أَنَا أَمْشِي فِي الْمَقَابِرِ إِذَا بِهَاتِفٍ يَهْتِفُ مِنْ وَرَائِي يَقُولُ : يَا ثَابِتُ لَا يَغُرَّنَّكَ سُكُونُهَا فَكَمْ مِنْ مَغْمُومٍ فِيهَا ، قَالَ : فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا |
45 حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَاصِمٍ ، حَدَّثَنَا وَدَاعُ بْنُ مُرَجَّى بْنِ وَدَاعٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ مَنْصُورٍ يَقُولُ : قَالَ لِي عَطَاءٌ الْأَزْرَقُ : إِذَا حَضَرْتَ الْمَقَابِرَ فَلْيَكُنْ قَلْبُكَ فِيمَا أَنْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ ، فَإِنِّي بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَقَابِرِ إِذْ تَفَكَّرْتُ فِي شَيْءٍ ، فَإِذَا أَنَا بِصَوْتٍ يَقُولُ : إِلَيْكَ يَا غَافِلُ إِنَّمَا أَنْتَ بَيْنَ نَاعِمٍ فِي نَعِيمِهِ مُدَلَّلٍ ، أَوْ مُعَذَّبٍ فِي سَكَرَاتِهِ يَتَقَلَّبُ |
46 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ صَالِحًا الْمُرِّيَّ ، يَقُولُ : دَخَلْتُ الْمَقَابِرَ يَوْمًا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَنَظَرْتُ إِلَى الْقُبُورِ خَامِدَةً كَأَنَّهُمْ قَوْمٌ صُمُوتٌ فَقُلْتُ : سُبْحَانَ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ أَرْوَاحِكُمْ وَأَجْسَادِكُمْ بَعْدَ افْتِرَاقهَا ثُمَّ يُحْيِيكُمْ وَيَنْشُرُكُمْ مِنْ بَعْدِ طُولِ الْبِلَى قَالَ : فَنَادَانِي مُنَادٍ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْحُفَرِ : يَا صَالِحُ { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرَجُونَ } قَالَ : فَسَقَطْتُ وَاللَّهِ لِوَجْهِي جَزَعًا مِنْ ذَلِكَ الصَّوْتِ |
47 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ هَاشِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : أَعْرَسَ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ لِابْنِهِ فَاتَّخَذَ لِذَلِكَ لَهْوًا وَكَانَتْ مَنَازِلُهُمْ إِلَى جَانِبِ الْمَقَابِرِ قَالَ : فَوَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَفِي لَهْوِهِمْ ذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا صَوْتًا مُنْكَرًا أَفْزَعَهُمْ قَالَ : فَأَصْغَوْا مُطْرِقِينَ فَإِذَا هَاتِفٌ مِنْ بَيْنِ الْقُبُورِ يَقُولُ : يَا أَهْلَ لَذَّاتِ لَهْوٍ لَا تَدُومُ لَهُمْ إِنَّ الْمَنَايَا تُبِيدُ اللَّهْوَ وَاللَّعِبَا كَمْ قَدْ رَأَيْنَاهُ مَسْرُورًا بِلَذَّتِهِ أَمْسَى فَرِيدًا مِنَ الْأَهْلِينَ مُغْتَرِبَا قَالَ : فَوَاللَّهِ إِنْ لَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ الْفَتَى الْمُتَزَوِّجُ |
48 حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ ، حَدَّثَنِي رَبَاحٌ شَيْخٌ كَانَ يَنْزِلُ بِالْعَدَوِيَّةِ ، عَنْ جَارٍ لَهُ قَالَ : مَرَرْتُ بِالْمَقَابِرِ فَتَرَحَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَهَتَفَ هَاتِفٌ : نَعَمْ فَتَرَحَّمْ عَلَيْهِمْ ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَهْمُومَ وَالْمَحْزُونَ |
49 حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ حَسَّانَ ، قَالَ : بَيْنَا رَكْبٌ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ وَوَرَاءَهُمْ تُحِيطُ الْمَقَابِرُ إِذَا هَاتِفٌ يَقُولُ لَهُمْ : أَيُّهَا الرَّكْبُ الْمُخِبُّونَ وَعَلَى الْأَرْضِ مُجِدُّونَ فَكَمَا أَنْتُمْ كُنَّا وَكَمَا نَحْنُ تَكُونُونَ |