حديث رقم - من كتاب شرح معاني الآثار للطحاوي - كِتَابُ السِّيَرِ

نص الحديث

3368 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرِ بْنِ مَطَرٍ وَعَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ الْبَغْدَادِيَّانِ , قَالَا : ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ , قَالَ : لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى , أَعْطَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ , وَلَمْ يُعْطِ بَنِي أُمَيَّةَ شَيْئًا , وَبَنِي نَوْفَلٍ فَأَتَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَؤُلَاءِ بَنُو هَاشِمٍ , فَضَّلَهُمُ اللَّهُ بِكَ , فَمَا بَالُنَا وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ؟ وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ فِي النَّسَبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَقَالَ : إِنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا فِي الْإِسْلَامِ قَالُوا : فَلَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ السَّهْمَ بَعْضَ الْقَرَابَةِ , وَحَرَمَ مِنْ قَرَابَتِهِ مِنْهُ كَقَرَابَتِهِمْ , ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ بِمَا جَعَلَ لِذَوِي الْقُرْبَى , كُلَّ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ خَاصًّا مِنْهُمْ , وَجَعَلَ الرَّأْيَ فِي ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَضَعُهُ فِيمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ , وَإِذَا مَاتَ فَانْقَطَعَ رَأْيُهُ , انْقَطَعَ مَا جُعِلَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ , كَمَا قَدْ جَعَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصْطَفِيَ مِنَ الْمَغْنَمِ لِنَفْسِهِ سَهْمَ الصَّفِيِّ , فَكَانَ ذَلِكَ مَا كَانَ حَيًّا , يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْمَغْنَمِ مَا شَاءَ , فَلَمَّا مَاتَ انْقَطَعَ ذَلِكَ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٌ , رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ , فَقَالُوا : بَلْ ذَوُو الْقُرْبَى الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا جَعَلَ , هُمْ : بَنُو هَاشِمٍ , وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فَأَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَاهُمْ , مِنْ ذَلِكَ بِجَعْلِ اللَّهِ , عَزَّ وَجَلَّ , ذَلِكَ لَهُمْ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ , وَبَنِي نَوْفَلٍ , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْآيَةِ وَإِنَّمَا دَخَلَ فِيهَا مِنْ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بَنُو هَاشِمٍ , وَبَنُو الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي هَذَا هَذَا الِاخْتِلَافَ , فَذَهَبَ كُلُّ فَرِيقٍ إِلَى مَا ذَكَرْنَا وَاحْتَجَّ لِقَوْلِهِ بِمَا وَصَفْنَا , وَجَبَ أَنْ نَكْشِفَ كُلَّ قَوْلٍ مِنْهَا , وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ حُجَّةِ قَائِلِهِ , لِنَسْتَخْرِجَ مِنْ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ قَوْلًا صَحِيحًا , فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَابْتَدَأْنَا بِقَوْلِ الَّذِي نَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ شَيْءٌ بِحَقِّ الْقَرَابَةِ , وَأَنَّهُ إِنَّمَا جَعَلَ لَهُمْ فِيهَا مَا جَعَلَ لِحَاجَتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ , كَمَا جَعَلَ لِلْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ فِيهَا مَا جَعَلَ , لِحَاجَتِهِمَا وَفَقْرِهِمَا , فَإِذَا ارْتَفَعَ الْفَقْرُ عَنْهُمْ جَمِيعًا ارْتَفَعَتْ حُقُوقُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَدْ قَسَّمَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى حِينَ قَسَّمَهُ فَأَعْطَى بَنِي هَاشِمٍ , وَبَنِي الْمُطَّلِبِ , وَعَمَّهُمْ بِذَلِكَ جَمِيعًا , وَقَدْ كَانَ فِيهِمُ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا جَعَلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ , هُوَ لِعِلَّةِ الْفَقْرِ , لَا لِعِلَّةِ الْقَرَابَةِ , إِذَا لَمَا دَخَلَ أَغْنِيَاؤُهُمْ فِي فُقَرَائِهِمْ فِيمَا جُعِلَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ , وَلَقَصَدَ إِلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ , دُونَ الْأَغْنِيَاءِ فَأَعْطَاهُمْ , كَمَا فَعَلَ فِي الْيَتَامَى فَلَمَّا أَدْخَلَ أَغْنِيَاءَهُمْ فِي فُقَرَائِهِمْ , ثَبَتَ بِذَلِكَ , أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ إِلَى أَعْيَانِ الْقَرَابَةِ لِعِلَّةِ قَرَابَتِهِمْ , لَا لِعِلَّةِ فَقْرِهِمْ وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا , حَيْثُ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْدِمَهَا خَادِمًا , مِنَ السَّبْيِ الَّذِي كَانَ قَدِمَ عَلَيْهِ , فَلَمْ يَفْعَلْ , وَوَكَلَهَا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَالتَّسْبِيحِ فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ , عِنْدَنَا , دَلِيلٌ لَهُمْ عَلَى مَا ذَكَرُوا , لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ لَهَا حِينَ سَأَلَتْهُ : لَا حَقَّ لَكَ فِيهِ , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لَبَيَّنَ ذَلِكَ لَهَا كَمَا بَيَّنَهُ لِلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ , وَرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ , حِينَ سَأَلَا أَنْ يَسْتَعْمِلَهُمَا عَلَى الصَّدَقَةِ , لِيُصِيبَا مِنْهَا , فَقَالَ لَهُمَا إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ , وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ , وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ , وَقَدْ يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُعْطِهَا الْخَادِمَ حِينَئِذٍ , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَسَمَ , فَلَمَّا قَسَمَ أَعْطَاهَا حَقَّهَا مِنْ ذَلِكَ , وَأَعْطَى غَيْرَهَا أَيْضًا حَقَّهُ فَيَكُونُ تَرْكُهُ إِعْطَاءَهَا إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْسِمْ , وَدَلَّهَا عَلَى تَسْبِيحِ اللَّهِ , وَتَحْمِيدِهِ , وَتَهْلِيلِهِ الَّذِي يَرْجُو لَهَا بِهِ الْفَوْزَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى , وَالزُّلْفَى عِنْدَهُ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْدَمَهَا مِنْ ذَلِكَ , بَعْدَمَا قَسَّمَ , وَلَا نَعْلَمُ فِي الْآثَارِ مَا يَدْفَعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ , إِنْ كَانَ مَنَعَهَا مِنْهُ , لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قَرَابَةً , وَلَكِنْ أَقْرَبُ مِنَ الْقَرَابَةِ , لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يُقَالُ هُوَ مِنْ قَرَابَةِ أَبِيهِ , إِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ غَيْرُهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْهُ أَلَا تَرَى , إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ فَجَعَلَ الْوَالِدَيْنِ غَيْرَ الْأَقْرَبِينَ , لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ مِنَ الْأَقْرَبِينَ فَكَمَا كَانَ الْوَالِدُ يَخْرُجُ مِنْ قَرَابَةِ وَلَدِهِ , فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ يَخْرُجُ مِنْ قَرَابَةِ وَالِدِهِ وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ , نَحْوًا مِمَّا ذَكَرْنَا فِي رَجُلٍ قَالَ : قَدْ أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي , لِقَرَابَةِ فُلَانٍ , أَنَّ وَالِدَيْهِ وَوَلَدَهُ لَا يَدْخُلُونَ فِي ذَلِكَ , لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ مِنَ الْقَرَابَةِ , وَلَيْسُوا بِقَرَابَةٍ , وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا , فَهَذَا وَجْهٌ آخَرُ فَارْتَفَعَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ أَيْضًا بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هَذَا , حُجَّةٌ فِي نَفْيِ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى وَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ فِعْلِهِمَا , وَأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ عَلَيْهِمَا , فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يَسَعُ فِيهِ اجْتِهَادُ الرَّأْيِ , فَرَأَيَا هُمَا ذَلِكَ , وَاجْتَهَدَا , فَكَانَ مَا أَدَّاهُمَا إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُمَا , هُوَ مَا رَأَيَا فِي ذَلِكَ فَحَكَمَا بِهِ , وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا , وَهُمَا فِي ذَلِكَ مُثَابَانِ مَأْجُورَانِ , وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ , وَهُمَا إِمَامَانِ عَدْلَانِ , رَأَيَا رَأْيًا فَحَكَمَا بِهِ , فَفَعَلَا فِي ذَلِكَ الَّذِي كُلِّفَا ؟ وَلَكِنْ قَدْ رَأَى فِي ذَلِكَ غَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ مَا رَأَيَا , فَلَمْ يُعَنِّفُوهُمَا فِيمَا حَكَمَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ , إِذْ كَانَ الرَّأْيُ فِي ذَلِكَ وَاسِعًا , وَالِاجْتِهَادُ لِلنَّاسِ جَمِيعًا فَأَدَّى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَأْيَهُمَا فِي ذَلِكَ إِلَى مَا رَأَيَا وَحَكَمَا , وَأَدَّى غَيْرُهُمَا مِمَّنْ خَالَفَهُمَا اجْتِهَادَهُ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا رَآهُ , وَكُلٌّ مَأْجُورٌ فِي اجْتِهَادِهِ فِي ذَلِكَ , مُثَابٌ مُؤَدٍّ لِلْفَرْضِ الَّذِي عَلَيْهِ , وَلَمْ يُنْكِرْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ قَوْلَهُ , لِأَنَّ مَا خَالَفَ إِلَيْهِ هُوَ رَأْيٌ , وَالَّذِي قَالَهُ مُخَالِفُهُ هُوَ رَأْيٌ أَيْضًا , وَلَا تَوْقِيفَ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِقَوْلِهِ , مِنْ كِتَابٍ , وَلَا سُنَّةٍ , وَلَا إِجْمَاعٍ , وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , قَدْ كَانَا خُولِفَا فِيمَا رَأَيَا مِنْ ذَلِكَ , قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : قَدْ كُنَّا نَرَى أَنَّا نَحْنُ هُمْ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا , فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رَأْيًا , أَبَاهُ عَلَيْهِمْ قَوْمُهُمْ , وَأَنَّ عُمَرَ دَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يُزَوِّجَ مِنْهُ أَيِّمَهُمْ وَيَكْسُوَ مِنْهُ عَارِيَهُمْ , قَالَ : فَأَبَيْنَا عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ لَنَا كُلَّهُ , فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ , وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا نَزَعُوا عَمَّا كَانُوا رَأَوْا مِنْ ذَلِكَ , لِرَأْيِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا رَأْيِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ , وَعِنْدَ سَائِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَحُكْمِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُخْتَلَفُ فِيهَا الَّتِي يَسَعُ فِيهَا اجْتِهَادُ الرَّأْيِ , وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : ثُمَّ أُفْضِيَ الْأَمْرُ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَلَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , عَمَّا كَانَ وَضَعَهُ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , قَالُوا : فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ رَأَى فِي ذَلِكَ أَيْضًا , مِثْلَ الَّذِي رَأَيَا , فَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرُوا , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ فِي يَدِ عَلِيٍّ مِمَّا كَانَ وَقَعَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَ ذَلِكَ , وَقَعَ فِي أَيْدِيهِمَا , أَنْفَذَاهُ فِي وُجُوهِهِ الَّتِي رَأَيَاهَا فِي ذَلِكَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا , ثُمَّ أُفْضِيَ الْأَمْرُ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ , فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ سَبَى أَحَدًا وَلَا ظَهَرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْعَدُوِّ , وَلَا غَنِمَ غَنِيمَةً يَجِبُ فِيهَا خُمُسٌ لِلَّهِ , لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ شُغْلُهُ فِي خِلَافَتِهِ كُلِّهَا , بِقِتَالِ مَنْ خَالَفَهُ , مِمَّنْ لَا يُسْبَى وَلَا يُغْنَمُ وَإِنَّمَا يُحْتَجُّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ لَوْ سَبَى وَغَنِمَ , فَفَعَلَ فِي ذَلِكَ مِثْلَ مَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَعَلَا فِي الْأَخْمَاسِ وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ سَبَى وَلَا غَنِمَ , فَلَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ فِي تَغْيِيرِ مَا كَانَ فُعِلَ قَبْلَهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ , مِمَّا كَانَ غَنِمَهُ مِنْ قَبْلِهِ , فَحَرَمَهُ ذَوِي قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا حُجَّةٌ تَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ كَيْفَ كَانَ ؟ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا صَارَ إِلَيْهِ بَعْدَمَا نَفَذَ فِيهِ الْحَكَمُ مِنَ الْإِمَامِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِبْطَالُ ذَلِكَ الْحُكْمِ , وَإِنْ كَانَ هُوَ يَرَى خِلَافَهُ , لِأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْعُلَمَاءُ , وَلَوْ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى فِي ذَلِكَ مَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَأَيَاهُ فِي قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَدْ خَالَفَهُ , لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : كُنَّا نَرَى أَنَّا نَحْنُ هُمْ , فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا , فَهَذَا جَوَابَاتُ الْحُجَجِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الَّذِينَ نَفَوْا سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا لَهُمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِي حَيَاتِهِ , وَأَنَّهُمْ كَانُوا فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الْفُقَرَاءِ فَبَطَلَ هَذَا الْمَذْهَبُ , فَثَبَتَ أَحَدُ الْمَذَاهِبِ الْأُخَرِ , فَأَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ لِقَرَابَةِ الْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَجَعَلَ سَهْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِهِ هَلْ لِذَلِكَ وَجْهٌ ؟ فَرَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ فُضِّلَ بِسَهْمِ الصَّفِيِّ وَبِخُمُسِ الْخُمُسِ , وَجُعِلَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ فِي الْغَنِيمَةِ سَهْمٌ كَسَهْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ رَأَيْنَاهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ سَهْمَ الصَّفِيِّ لَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ خِلَافُ حُكْمِ الْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ , فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ حُكْمَهُ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ , خِلَافُ حُكْمِ الْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَهُ فِيمَا وَصَفْنَاهُ خِلَافُ حُكْمِ الْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ , ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ قَرَابَتِهِ فِي ذَلِكَ خِلَافُ حُكْمِ قَرَابَةِ الْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ , قُلِّبَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مِنَ الْآخَرَيْنِ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَإِذَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } فَكَانَ سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيًا لَهُ , مَا كَانَ حَيًّا إِلَى أَنْ مَاتَ , وَانْقَطَعَ بِمَوْتِهِ , وَكَانَ سَهْمُ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى , فَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ لَهُمْ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَمَا كَانَ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ , وَقَالَ قَوْمٌ : قَدِ انْقَطَعَ عَنْهُمْ بِمَوْتِهِ , وَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَمَعَ كُلَّ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ وَلِذِي الْقُرْبَى فَلَمْ يَخُصَّ أَحَدًا مِنْهُمْ دُونَ أَحَدٍ ثُمَّ قَسَمَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَعْطَى مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً , وَحَرَمَ بَنِي أُمَيَّةَ , وَبَنِي نَوْفَلٍ , وَقَدْ كَانُوا مَحْصُورِينَ مَعْدُودِينَ , وَفِيمَنْ أَعْطَى الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ , وَفِيمَنْ حَرَمَ كَذَلِكَ فَثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ السَّهْمَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلَهُ فِي أَيِّ قَرَابَتِهِ شَاءَ , فَصَارَ بِذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَهْمِهِ الَّذِي كَانَ يَصْطَفِي لِنَفْسِهِ فَكَمَا كَانَ ذَلِكَ مُرْتَفِعًا بِوَفَاتِهِ , غَيْرَ وَاجِبٍ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ , كَانَ هَذَا أَيْضًا كَذَلِكَ مُرْتَفِعًا بِوَفَاتِهِ , غَيْرَ وَاجِبٍ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ , رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ *

اختر أحد أحاديث التخريج لعرضه هنا

اختر طريقة التخريج المناسبة لك :