بَابُ قِلَّةِ الصَّبْرِ عِنْدَ إِدَامَةِ النَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ
295 وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ : قَلْبِي يَقُولُ لِطَرْفِي هَجْتَ لِي سَقَمًا وَالْعَيْنُ تَزْعُمُ أَنَّ الْقَلْبَ أَبْكَاهَا وَالْجِسْمُ يَشْهَدُ أَنَّ الْعَيْنَ كَاذِبَةٌ هِيَ الَّتِي هَيَّجَتْ لِلْقَلْبِ بَلْوَاهَا لَوْلَا الْعُيُونُ وَمَا يَجْنِينَ مِنْ سَقَمٍ مَا كُنْتُ مُطَّرِحًا فِي سِرِّ مِنْ رَاهَا وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدُّولَابِيُّ : يَقُولُ قَلْبِي لِطَرْفِي إِذْ بَكَى جَزَعًا تَبْكِي وَأَنْتَ الَّذِي حَمَّلْتَنِي الْوَجَعَا فَقَالَ طَرْفِي لَهُ فِيمَا يُعَاتِبُهُ بَلْ أَنْتَ حَمَّلْتَنِي الْآمَالَ وَالطَّمَعَا حَتَّى إِذَا مَا خَلَا كُلٌّ بِصَاحِبِهِ كِلَاهُمَا بِطَوِيلِ السَّقَمِ قَدْ قَنِعَا نَادَاهُمَا كَبِدِي لَا تَتْلَفَا فَلَقَدْ قَطَّعْتَمَانِي بِمَا لَاقَيْتُمَا قِطَعَا |
296 حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنُ عَائِشَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي صَدِيقٌ لِي قَالَ : خَرَجْتُ أَنَا وَصَدِيقٌ لِي فِي الْبَادِيَةِ نَسِيرُ إِذَ جَهَدَنَا الْعَطَشُ ، فَمِلْنَا إِلَى خِبْأٍ فَاسْتَسْقَيْنَا ، فَخَرَجَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا الشَّمْسُ طَالِعَةً ، مَعَهَا سِقَاءٌ فِيِهِ لَبَنٍ قَالَ : فَبُهِتْنَا وَاللَّهِ لَنَنْظُرَ إِلَيْهَا وَإِلَى حُسْنِهَا ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ : أَرَاحَى رَفِيقَيَّ مَعْشَرٌ قَدْ أَرَاهُمَا أَقَامَا بِنَا أَنْ يَعْرِفَا مُبْتَغَاهُمَا هُمَا اسْتَسْقَيَا مَاءً عَلَى غَيْرِ ظَمْأَةٍ لِيَسْتَشْفِيَا بِاللَّحْظِ مِمَّنْ سَقَاهُمَا |
297 حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ : أَنَّ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ : خَطَبَ الْخَنْسَاءَ بِنْتَ عَمْرٍو إِلَى أَخَوَيْهَا صَخْرٍ وَمُعَاوِيَةَ فَوَافَقَهَا وَهِيَ تُهْنِئُ إِبِلًا لَهَا ، فَاسْتَأْمَرَاهَا أَخَوَاهَا فِيهِ ، فَقَالَتْ : أَتُرَوْنِي تَارِكَةً بَنِي عَمِّي كَأَنَّهُمْ عَوَالِي الرَّمَاحِ وَمُرْتَثَةَ شَيْخٍ مِنْ بَنِي جُشَمٍ قَالَ : فَانْصَرَفَ دُرَيْدٌ وَهُوَ يَقُولُ : مَا إِنْ رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ بِهِ كَالْيَوْمِ هَانِئٍ أَنْيَقٍ صَهْبِ مُتَبَذِّلًا تَبْدُو مَحَاسِنُهُ يَضَعُ الْهَنَاءَ مَوَاضِعَ النَّقْبِ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ : يُقَالُ : ارْتَثَّ الرَّجُلُ فَهُوَ مُرْتَثٌ إِذَا حُمِلَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ رَمَقٌ مِنَ الْجِرَاحَاتِ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ فَحُمِلَ مَيِّتًا فَلَيْسَ بِمُرْتَثٍ ، فَشَبَّهَتِ الْخَنْسَاءُ دُرَيْدًا لِهِرَمِهِ وَكِبَرِ سِنِّهِ بِالْمَجْرُوحِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا الرَّمَقُ |
301 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَنْبَارِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّازُ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيِّ قَالَ : دَخَلَ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِهِ ، وَكَانَ عِمْرَانُ قَبِيحًا ذَمِيمًا قَصِيرًا ، وَقَدْ تَزَيَّنَتْ وَكَانَتِ امْرَأَةً حَسْنَاءَ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا ازْدَادَتْ فِي عَيْنِهِ حُسْنًا ، فَلَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ يُدِيمَ النَّظَرَ إِلَيْهَا ، فَقَالَتْ : مَا شَأْنُكَ ؟ قَالَ : لَقَدْ أَصْبَحْتِ وَاللَّهِ جَمِيلَةً ، فَقَالَتْ : أُبَشِّرُكَ ، فَإِنِّي وَإِيَّاكَ فِي الْجَنَّةِ ، قَالَ : وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتِ ذَاكَ ؟ قَالَتْ : لِأَنَّكَ أُعْطِيتَ مِثْلِي فَشَكَرْتَ ، وَابْتُلِيتُ بِمِثْلِكَ فَصَبَرْتُ ، وَالصَّابِرُ وَالشَّاكِرُ فِي الْجَنَّةِ |
302 سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ الْمُبَرِّدَ يَقُولُ : كَانَتْ جَمْرَةُ امْرَأَةُ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ جَمِيلَةً ، وَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ لَهَا خَجِلًا : لَا ، بَلْ مَثَلِي وَمَثَلُكِ كَمَا قَالَ الْأَحْوَصُ : إِنَّ الْحُسَامَ وَإِنْ رَثَّتْ مَضَارِبُهُ إِذَا ضَرَبْتَ بِهِ مَكْرُوهَةً قَتَلَا فَإِيَّاكِ وَالْعَوْدَةَ إِلَى مِثْلِ مَا قُلْتِ مَرَّةً أُخْرَى |
303 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الزُّبَيْدِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي اللَّيْثِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُرَيْبٍ قَالَ : كُنْتُ فِي بَعْضِ مِيَاهِ الْعَرَبِ فَسَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ : قَدْ جَاءَتْ ، قَدْ جَاءَتْ ، فَتَحَوَّلَ النَّاسُ ، فَقُمْتُ مَعَهُمْ لِلنَّظَرِ ، فَإِذَا جَارِيَةٌ قَدْ وَرَدَتِ الْمَاءَ ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهَا قَطُّ حُسْنَ وَجْهٍ وَتَمَامَ خَلْقٍ ، فَلَمَّا رَأَتْ تَشَوُّقَ النَّاسِ إِلَيْهَا وَإِلْحَاحَهُمْ عَلَيْهَا أَرْسَلَتْ بُرْقُعَهَا فَكَأَنَّهُ غَمَامَةٌ غَطَّتْ شَمْسًا ، فَقُلْتُ : لِمَ تَمْنَعِينَ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِكِ هَذَا الْحَسَنِ ؟ فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ : وَكُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَسْلَمَتْكَ الْمَحَاجِرُ رَأَيْتَ الَّذِيَ لَا كُلَّهُ أَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَلَا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ قَالَ : وَنَظَرَ إِلَيْهَا أَعْرَابِيُّ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ أَنَا مِمَّنْ قَلَّ صَبْرُهُ ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ : أَوَحْشِيَّةَ الْعَيْنَيْنِ أَيْنَ لَكِ الْأَهْلُ أَبِالْحَزْنِ حَلُّوا أَمْ مَحِلَّهُمُ السَّهْلُ وَأَيَّةُ أَرْضٍ أَخْرَجَتْكِ فَإِنَّنِي أَرَاكِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ إِنْ فُتِّشَ الْأَصْلُ قِفِي خَبِّرِينَا مَا طَعِمْتِ وَمَا الَّذِي شَرِبْتِ ، وَمِنْ أَيْنَ اسْتَقَلَّ بِكِ الرَّحْلُ لِأَنَّ عَلَامَاتِ الْجِنَانِ مُبِينَةٌ عَلَيْكِ وَإِنَّ الشَّكْلَ يُشْبِهُهُ الشَّكْلُ أَمِ الْبَدْرُ أَنْشَأَكِ الْمُنِيرُ فَإِنْ يَكُنْ لِبَدْرِ الدُّجَى نَسْلٌ فَأَنْتِ لَهُ نَسْلُ حَسُنْتِ ، فَأَمَّا الْوَجْهُ مِنْكِ فَمُشْرِقٌ وَعَيْنَانِ كَحْلَاوَانِ زَانَهُمَا الْكُحْلُ |