بَابُ قِلَّةِ الصَّبْرِ عِنْدَ إِدَامَةِ النَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ
304 أَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِيُّ قَالَ : أَنْشَدَنِي حَمْدَانَ بْنُ حُيَيٍّ قَالَ : أَنْشَدَنِي أَبُو نُوَاسٍ : مَا مُنْسِيَ الْمَأْتَمَ أَشْجَانُهُ لَمَّا أَتَتْهُ فِي الْمُعَزِّينَا اسْتَقْبَلَتْهُنَّ بِتِمْثَالِهَا فَقُمْنَ يَضْحَكْنَ وَيَبْكِينَا حُقَّ لِهَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَزْدَهِي عَنْ حُزْنِهِ مَنْ كَانَ مَحْزُونَا |
307 حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي شَيْخٌ مِنْ كِنْدَةَ ، قَالَ : خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ السَّلِيلِ الْأَزْدِيُّ زَائِرًا لِعَلْقَمَةَ بْنِ جَرِيرٍ الطَّائِيِّ ، وَكَانَ حَلِيفًا لَهُ ، فَنَظَرَ إِلَى ابْنَةٍ لَهُ تُدْعَى الرَّبَابُ ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ فَأُعْجِبَ بِهَا ، وَعَشِقَهَا عِشْقًا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِانْصِرَافِ إِلَى أَهْلِهِ ، فَقَالَ : أَتَيْتُ خَاطِبًا ، وَقَدْ يُنْكَحُ الْخَاطِبُ ، وَيُدْرَكُ الطَّالِبُ ، وَيُمْنَعُ الرَّاغِبُ قَالَ : أَنْتَ امْرُؤٌ كُفُؤٌ كَرِيمٌ ، فَأَقِمْ نَنْظُرْ فِي أَمْرِكَ ، ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى أُمِّ الْجَارِيَةِ فَقَالَ لَهَا : إِنَّ الْحَارِثَ سَيِّدَ قَوْمِهِ حَسَبًا وَمَنْصِبًا وَبَيْتًا ، فَلَا يَنْصَرِفَنَّ مِنْ عِنْدِنَا إِلَّا بِحَاجَتِهِ ، فَأَرِيدِي ابْنَتَكِ عَنْ نَفْسِهَا فِي أَمْرِهِ ، فَقَالَتْ لَهَا : أَيْ بُنَيَّةُ ، أَيُّ الرِّجَالِ أَعْجَبُ إِلَيْكِ ؟ الْكَهْلُ الْحَجْحَاجُ الْفَاضِلُ الْمَيَّاحُ أَمِ الْفَتَى الْوَضَّاحُ الْمَلُولُ الطَّمَّاحُ ؟ قَالَتْ : الْفَتَى الْوَضَّاحُ ، فَقَالَتْ : إِنَّ الْفَتَى الْوَضَّاحَ يُغَيِّرُكِ ، وَإِنَّ الشَّيْخَ يُمِيرُكِ ، وَلَيْسَ الْكَهْلُ الْفَاضِلُ الْكَثِيرُ النَّائِلُ كَالْحَدَثِ السِّنِّ الْكَثِيرِ الْمَنِّ . قَالَتْ : يَا أُمَّتَاهُ ، أُحِبُّ الْفَتَى كَحُبِّ الرِّعَاءِ أَنْيَقَ الْكَلَأَ قَالَتْ : أَيْ بُنَيَّةُ ، إِنَّ الْفَتَى شَدِيدُ الْحِجَابِ كَثِيرُ الْعِتَابِ قَالَتْ : يَا أُمَّتَاهُ ، أَخْشَى مِنَ الشَّيْخِ أَنْ يُدَنِّسَ أَثْوَابِي وَيَبْلِيَ شَبَابِي ، وَيُشْمِتَ بِي أَتْرَابِي ، فَلَمْ تَزَلْ بِهَا أُمُّهَا حَتَّى غَلَبَتْهَا عَلَى رَأْيِهَا ، فَتَزَوَّجَهَا الْحَارِثُ عَلَى خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ وَخَادِمٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَبَنَى بِهَا ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ كَأَحَبِّ مَا كَانَ إِلَيْهِ ، فَارْتَحَلَ بِهَا إِلَى أَهْلِهِ ، فَإِنَّهُ لَجَالِسٌ ذَاتَ يَوْمٍ بِفِنَاءِ مِظَلَّتِهِ ، وَهِيَ إِلَى جَانِبِهِ ، إِذْ أَقْبَلَ فِتْيَةٌ يَعْتَلِجُونَ الصِّرَاعَ ، فَتَنَفَّسَتِ الصُّعَدَاءَ ثُمَّ أَرْسَلَتْ عَيْنَيْهَا بِالْبُكَاءِ ، فَقَالَ : مَا يُبْكِيكِ ؟ قَالَتْ : مَا لِي وَلِلشُّيُوخِ النَّاهِضِينَ كَالْفُرُوخِ ، فَقَالَ : ثَكِلَتْكِ أُمُّكِ ، قَدْ تَجُوعُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيَيْهَا ، فَصَارَتْ مَثَلًا ، أَيْ لَا تَكُونُ ظِئْرًا ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَطَقَ بِهَا ، ثُمَّ قَالَ : أَمَا وَأَبِيكِ ، لَرُبَّ غَارَةٍ شَهِدْتُهَا ، وَسَبِيَّةٍ أَرْدَفْتُهَا ، وَخَمْرًا شَرِبْتُهَا ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ ، فَلَا حَاجَةَ لِي فِيكِ ثُمَّ أَنْشَدَ يَقُولُ : تَهَزَّأَتْ إِذْ رَأَتْنِي لَابِسًا كِبَرًا وَغَايَةُ النَّفْسِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْكِبَرِ فَإِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ الشَّيْبَ رَاغِمَهُ وَفِي التَّعَرُّفِ مَا يَمْضِي مِنَ الْغِيَرِ وَإِنْ يَكُنْ قَدْ عَلَا رَأْسِي وَغَيَّرَهُ صَرْفُ الزَّمَانِ وَتَفْنِينٌ مِنَ الشَّعَرِ فَقَدْ أَرْوَحُ لِلَذَّاتِ الْفَتَى جَذِلًا وَقَدْ أُصِيبُ بِهَا عَيْنًا مِنَ الْبَقَرِ |
308 حَدَّثَنَا أَبُو عِصْمَةَ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ وَاضِحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ الْقُرْقُسَانِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ : لَا خَيْرَ فِي الشَّيْخِ إِذَا مَا اخْوَخَّا وَاحْدَوْدَبَ الظَّهْرُ وَصَارَ فَخَّا وَصَارَ عِنْدَهُ الْغَانِيَاتُ كُخَّا |
309 حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ وَثِيمَةَ الْمِصْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي : أَنَّ شَيْخًا بَدَوِيًّا تَزَوَّجَ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ ، فَكَانَتْ إِذَا رَأَتْهُ يَنْتَعِلُ قَاعِدًا قَالَتْ : يَا حَبَّذَا الْمُنْتَعِلُونَ قِيَامًا ، قَالَ : فَذَهَبَ الشَّيْخُ يَنْتَعِلُ قَائِمًا فَضَرَطَ ، فَقَالَتِ الْفَتَاةُ : لَمَّا رُمْتَ الْبَاطِلَ كَانَ هَذَا مِنْكَ الْحَاصِلَ |
310 حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ النَّاقِدُ قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبُو أَيُّوبَ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ قَائِمًا |
311 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عِيسَى الْوَرَّاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي مَهْدِيٍّ التَّمِيمِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ : إِنَّمَا كَرِهَ الشَّيْخُ أَنْ يَنْتَعِلَ قَائِمًا مَخَافَةَ أَنْ يَضْرِطَ |
312 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِكْرِمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّبِّيِّ قَالَ : حَجَجْتُ فَلَمَّا صَدَرْتُ مِنَ الْحَجِّ تَيَمَّمْتُ مَنْهَلًا مِنَ الْمَنَاهِلِ ، فَإِذَا بِبَيْتٍ نَاحِيَةٍ عَنِ الطَّرِيقِ فَأَنَخْتُ بِفِنَائِهِ ، فَقُلْتُ : أَنْزِلُ ؟ فَقَالَتْ رَبَّةُ الْبَيْتِ : انْزِلْ ، فَقُلْتُ : أَدْخُلُ ؟ فَقَالَتِ : ادْخُلْ ، فَإِذَا جَارِيَةٌ أَحْسَنُ مِنَ الشَّمْسِ ، فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُهَا وَكَأَنَّ الدُّرَّ يَنْتَثِرُ مِنْ فِيهَا ، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَتْ عَجُوزٌ مُؤْتَزِرَةً بِعَبَاءَةٍ مُشْتَمِلَةً بِأُخْرَى ، فَقَالَتْ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، مَا جُلُوسُكَ هَاهُنَا عِنْدَ هَذَا الْغَزَّالِ النَّجْدِي الَّذِي لَا تَأْمَنُ خَبَالَهُ وَلَا تَرْجُو نَوَالَهُ ؟ فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ : أَيْ جَدَّةُ ، دَعِيهِ يَتَعَلَّلُ كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ : فَإِنْ لَا يَكُنْ إِلَّا تَعَلُّلُ سَاعَةٍ قَلِيلٍ فَإِنِّي نَافِعٌ لِي قَلِيلُهَا قَالَ : فَأَقَمْتُ يَوْمِي وَانْصَرَفْتُ وَفِي قَلْبِي كَجَمْرِ الْغَضَى مِنْ حُبِّهَا |