هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1054 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : الصَّلاَةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ ، وَأُتِمَّتْ صَلاَةُ الحَضَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ : مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ ؟ قَالَ : تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1054 حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : الصلاة أول ما فرضت ركعتين ، فأقرت صلاة السفر ، وأتمت صلاة الحضر قال الزهري : فقلت لعروة : ما بال عائشة تتم ؟ قال : تأولت ما تأول عثمان
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : الصَّلاَةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ ، وَأُتِمَّتْ صَلاَةُ الحَضَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ : مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ ؟ قَالَ : تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ .

Narrated `Aisha:

When the prayers were first enjoined they were of two rak`at each. Later the prayer in a journey was kept as it was but the prayers for non-travelers were completed. Az-Zuhri said, I asked `Urwa what made Aisha pray the full prayers (in journey). He replied, She did the same as `Uthman did.

A'icha () dit: «Au début, la prière obligatoire était de deux rak'a, ensuite elle fut maintenue ainsi en tant que prière de voyage et complétée en tant que prière de résidence.» AzZuhry: «J'ai demandé à 'Urwa: Pourquoi 'A’icha avaitelle accompli la prière en entier? — Elle avait interprété, atil répondu, comme avait interprété 'Uthmân. »

":"ہم سے عبداللہ بن محمد مسندی نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے سفیان بن عیینہ نے زہری سے بیان کیا ، ان سے عروہ نے اور ان سے حضرت عائشہ رضی اللہ عنہا نے کہا کہپہلے نماز دو رکعت فرض ہوئی تھی بعد میں سفر کی نماز تو اپنی اسی حالت پر رہ گئی البتہ حضر کی نماز پوری ( چار رکعت ) کر دی گئی ۔ زہری نے بیان کیا کہ میں نے عروہ سے پوچھا کہ پھر خود حضرت عائشہ رضی اللہ عنہا نے کیوں نماز پوری پڑھی تھی انہوں نے اس کا جواب یہ دیا کہ عثمان رضی اللہ عنہ نے اس کی جو تاویل کی تھی وہی انہوں نے بھی کی ۔

A'icha () dit: «Au début, la prière obligatoire était de deux rak'a, ensuite elle fut maintenue ainsi en tant que prière de voyage et complétée en tant que prière de résidence.» AzZuhry: «J'ai demandé à 'Urwa: Pourquoi 'A’icha avaitelle accompli la prière en entier? — Elle avait interprété, atil répondu, comme avait interprété 'Uthmân. »

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1090] .

     قَوْلُهُ  رَكْعَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ لَا تَجُوزُ إِلَّا مَقْصُورَةً وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ قَوْلَ عَائِشَةَ فُرِضَتْ أَيْ قُدِّرَتْ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا اخْتَارَ الْقَصْرَ فَهُوَ فَرْضُهُ وَمِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى تَعَيُّنِ تَأْوِيلِ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا كَوْنُهَا كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ وَلِذَلِكَ أَوْرَدَهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَة قَوْله تأولت مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ هَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَتَمَّ لِكَوْنِهِ تَأَهَّلَ بِمَكَّةَ أَوْ لِأَنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ دَارٌ أَوْ لِأَنَّهُ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ أَوْ لِأَنَّهُ اسْتَجَدَّ لَهُ أَرْضًا بِمِنًى أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْبِقُ النَّاسَ إِلَى مَكَّةَ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ عَائِشَةَ وَأَكْثَرُهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ هِيَ ظُنُونٌ مِمَّنْ قَالَهَا وَيَرُدُّ الْأَوَّلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَافِرُ بِزَوْجَاتِهِ وَقَصَرَ وَالثَّانِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ حَرَامٌ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ لَمْ يُنْقَلَا فَلَا يَكْفِي التَّخَرُّصُ فِي ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ نُقِلَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي تَأَهَّلْتُ بِمَكَّةَ لَمَّا قَدِمْتُ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي صَلَاة مُقيم فَهَذَا الحَدِيث لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَفِي رُوَاتِهِ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَيَرُدُّهُ قَوْلُ عُرْوَةَ إِنَّ عَائِشَةَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ وَلَا جَائِزَ أَنْ تَتَأَهَّلَ عَائِشَةُ أَصْلًا فَدَلَّ عَلَى وَهْنِ ذَلِكَ الْخَبَرِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُعُرْوَةَ بِقَوْلِهِ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ التَّشْبِيهُ بِعُثْمَانَ فِي الْإِتْمَامِ بِتَأْوِيلٍ لَا اتِّحَادِ تَأْوِيلِهِمَا وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْأَسْبَابَ اخْتَلَفَتْ فِي تَأْوِيلِ عُثْمَانَ فَتَكَاثَرَتْ بِخِلَاف تَأْوِيل عَائِشَة وَقد أخرج بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا فَإِذَا احْتَجُّوا عَلَيْهَا تَقُولُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حَرْبٍ وَكَانَ يَخَافُ فَهَلْ تَخَافُونَ أَنْتُمْ وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ عَائِشَةَ إِنَّمَا أَتَمَّتْ فِي سَفَرِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ إِلَى قِتَالِ عَلِيٍّ وَالْقَصْرُ عِنْدَهَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي سَفَرِ طَاعَةٍ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ بَاطِلَانِ لَا سِيَّمَا الثَّانِي وَلَعَلَّ قَوْلَ عَائِشَةَ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي حَدِيثِ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْمَاضِي قَبْلُ بِبَابَيْنِ وَالْمَنْقُولُ أَنَّ سَبَبَ إِتْمَامِ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْقَصْرَ مُخْتَصًّا بِمَنْ كَانَ شَاخِصًا سَائِرًا.

.
وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ فِي مَكَانٍ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فَلَهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ فَيُتِمُّ وَالْحُجَّةُ فِيهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ حَاجًّا صَلَّى بِنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ بِمَكَّةَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ فَقَالَا لقد عبت أَمر بن عَمِّكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ قَالَ وَكَانَ عُثْمَانُ حَيْثُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا ثُمَّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى وَعَرَفَةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ وَأَقَامَ بمنى أتم الصَّلَاة.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ كَانَا يَرَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَصَرَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْأَيْسَرِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أُمَّتِهِ فَأَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا بِالشِّدَّةِ اه وَهَذَا رَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ آخِرِهِمُ الْقُرْطُبِيُّ لَكِنِ الْوَجْهُ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْلَى لِتَصْرِيحِ الرَّاوِي بِالسَّبَبِ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْحَجِّ فَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ حَرَامٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي الْمَغَازِي وَصَحَّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَدِّعُ النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ وَيُسْرِعُ الْخُرُوجَ خَشْيَةَ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِجْرَتِهِ وَثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا حَاصَرُوهُ.

     وَقَالَ  لَهُ الْمُغِيرَةُ ارْكَبْ رَوَاحِلَكُ إِلَى مَكَّةَ قَالَ لَنْ أُفَارِقَ دَارَ هِجْرَتِي وَمَعَ هَذَا النَّظَرِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَدْ رَوَى أَيُّوبُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَا يُخَالِفُهُ فَرَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ إِنَّمَا صَلَّى عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعًا لِأَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا كَثُرُوا فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَأَحَبَّ أَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَتَمَّ بِمِنًى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ إِنَّ الْقَصْرَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ وَلَكِنَّهُ حَدَثٌ طَغَامٌ يَعْنِي بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمُعْجَمَةِ فَخفت أَن يستنوا وَعَن بن جُرَيْجٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا نَادَاهُ فِي مِنًى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمَنِينَ مَا زِلْتُ أُصَلِّيهَا مُنْذُ رَأَيْتُكَ عَامَ أَوَّلَ رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَصْلَ سَبَبِ الْإِتْمَامِ وَلَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِلْوَجْهِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ بَلْ يُقَوِّيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ حَالَةَ الْإِقَامَةِ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ أَقْرَبُ إِلَى قِيَاسِ الْإِقَامَةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ السَّائِرِ وَهَذَا مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ عُثْمَانَ.

.
وَأَمَّا عَائِشَةُ فَقَدْ جَاءَ عَنْهَا سَبَبُ الْإِتْمَامِ صَرِيحًا وَهُوَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا فَقُلْتُ لَهَا لَوْ صَلَّيْتِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَتْ يَا بن أُخْتِي إِنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهَا تَأَوَّلَتْ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَأَنَّ الْإِتْمَامَ لِمَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَفْضَلٌ وَيَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِ الْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَافَرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَكُلُّهُمْ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي السَّيْرِ وَفِي الْمُقَامِ بِمَكَّةَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي أَنَّ الْفَرْضَ فِي السَّفَرِ أَنْ يُصَلِّيَ الرُّبَاعِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمَا أَتَمَّتْ عَائِشَةُ وَعِنْدَهُمُ الْعِبْرَةُ بِمَا رَأَى الرَّاوِي إِذَا عَارَضَ مَا روى ثمَّعُرْوَةَ بِقَوْلِهِ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ التَّشْبِيهُ بِعُثْمَانَ فِي الْإِتْمَامِ بِتَأْوِيلٍ لَا اتِّحَادِ تَأْوِيلِهِمَا وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْأَسْبَابَ اخْتَلَفَتْ فِي تَأْوِيلِ عُثْمَانَ فَتَكَاثَرَتْ بِخِلَاف تَأْوِيل عَائِشَة وَقد أخرج بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا فَإِذَا احْتَجُّوا عَلَيْهَا تَقُولُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حَرْبٍ وَكَانَ يَخَافُ فَهَلْ تَخَافُونَ أَنْتُمْ وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ عَائِشَةَ إِنَّمَا أَتَمَّتْ فِي سَفَرِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ إِلَى قِتَالِ عَلِيٍّ وَالْقَصْرُ عِنْدَهَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي سَفَرِ طَاعَةٍ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ بَاطِلَانِ لَا سِيَّمَا الثَّانِي وَلَعَلَّ قَوْلَ عَائِشَةَ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي حَدِيثِ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْمَاضِي قَبْلُ بِبَابَيْنِ وَالْمَنْقُولُ أَنَّ سَبَبَ إِتْمَامِ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْقَصْرَ مُخْتَصًّا بِمَنْ كَانَ شَاخِصًا سَائِرًا.

.
وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ فِي مَكَانٍ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فَلَهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ فَيُتِمُّ وَالْحُجَّةُ فِيهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ حَاجًّا صَلَّى بِنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ بِمَكَّةَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ فَقَالَا لقد عبت أَمر بن عَمِّكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ قَالَ وَكَانَ عُثْمَانُ حَيْثُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا ثُمَّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى وَعَرَفَةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ وَأَقَامَ بمنى أتم الصَّلَاة.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ كَانَا يَرَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَصَرَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْأَيْسَرِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أُمَّتِهِ فَأَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا بِالشِّدَّةِ اه وَهَذَا رَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ آخِرِهِمُ الْقُرْطُبِيُّ لَكِنِ الْوَجْهُ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْلَى لِتَصْرِيحِ الرَّاوِي بِالسَّبَبِ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْحَجِّ فَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ حَرَامٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي الْمَغَازِي وَصَحَّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَدِّعُ النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ وَيُسْرِعُ الْخُرُوجَ خَشْيَةَ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِجْرَتِهِ وَثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا حَاصَرُوهُ.

     وَقَالَ  لَهُ الْمُغِيرَةُ ارْكَبْ رَوَاحِلَكُ إِلَى مَكَّةَ قَالَ لَنْ أُفَارِقَ دَارَ هِجْرَتِي وَمَعَ هَذَا النَّظَرِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَدْ رَوَى أَيُّوبُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَا يُخَالِفُهُ فَرَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ إِنَّمَا صَلَّى عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعًا لِأَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا كَثُرُوا فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَأَحَبَّ أَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَتَمَّ بِمِنًى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ إِنَّ الْقَصْرَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ وَلَكِنَّهُ حَدَثٌ طَغَامٌ يَعْنِي بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمُعْجَمَةِ فَخفت أَن يستنوا وَعَن بن جُرَيْجٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا نَادَاهُ فِي مِنًى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمَنِينَ مَا زِلْتُ أُصَلِّيهَا مُنْذُ رَأَيْتُكَ عَامَ أَوَّلَ رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَصْلَ سَبَبِ الْإِتْمَامِ وَلَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِلْوَجْهِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ بَلْ يُقَوِّيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ حَالَةَ الْإِقَامَةِ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ أَقْرَبُ إِلَى قِيَاسِ الْإِقَامَةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ السَّائِرِ وَهَذَا مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ عُثْمَانَ.

.
وَأَمَّا عَائِشَةُ فَقَدْ جَاءَ عَنْهَا سَبَبُ الْإِتْمَامِ صَرِيحًا وَهُوَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا فَقُلْتُ لَهَا لَوْ صَلَّيْتِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَتْ يَا بن أُخْتِي إِنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهَا تَأَوَّلَتْ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَأَنَّ الْإِتْمَامَ لِمَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَفْضَلٌ وَيَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِ الْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَافَرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَكُلُّهُمْ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي السَّيْرِ وَفِي الْمُقَامِ بِمَكَّةَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي أَنَّ الْفَرْضَ فِي السَّفَرِ أَنْ يُصَلِّيَ الرُّبَاعِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمَا أَتَمَّتْ عَائِشَةُ وَعِنْدَهُمُ الْعِبْرَةُ بِمَا رَأَى الرَّاوِي إِذَا عَارَضَ مَا روى ثمَّمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ وِقَاءَ بْنِ إِيَاسٍ بِلَفْظِ خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ مُتَوَجِّهِينَ هَا هُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى إِذَا رَجَعْنَا وَنَظَرْنَا إِلَى الْكُوفَةِ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ الْكُوفَةُ أَتِمَّ الصَّلَاةَ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا وَفَهِمَ بن بَطَّالٍ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّعْلِيقِ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَدْخُلَ الْكُوفَةَ قَالَ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى فَقَصَرَ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ اخْتَارَ أَنْ يُتِمَّ لِاتِّسَاعِ الْوَقْتِ اه وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ سِيَاقِ أَثَرِ عَلِيٍّ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى خِلَافِ مَا فَهِمَهُ بن بطال وَأَن المُرَاد بقَوْلهمْ هَذِهِ الْكُوفَةُ أَيْ فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا أَيْ لَا نَزَالُ نَقْصُرُ حَتَّى نَدْخُلَهَا فَإِنَّا مَا لَمْ نَدْخُلْهَا فِي حُكْمِ الْمُسَافِرِينَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1090] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: "الصَّلاَةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَان، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلاَةُ الْحَضَرِ" قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَالَ: تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ.
وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي ( قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن) ابن شهاب ( الزهري، عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة رضي الله عنها قالت) : ( الصلاة) بالإفراد ( أول ما فرضت ركعتان) أي: لمن أراد الاقتصار عليهما.
والصلاة مبتدأ، وأول، بدل منه أو مبتدأ ثان خبره ركعتان، والجملة خبر المبتدأ الأول، ويجوز نصب لفظ أول على الظرفية.
والصلاة: مبتدأ والخبر محذوف.
أي: فرضت ركعتين في أول فرضها، وأصل الكلام: الصلاة فرضت ركعتين في أول أزمنة فرضها، فهو ظرف للخبر المقدر، وما: مصدرية، والمضاف محذوف كما تقرر.
ولغير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: ركعتين بالياء نصب على الحال السادّ مسدّ الخبر، وللكشميهني، كما في الفرع، ولم يعرفها صاحب المصابيح: الصلوات بالجمع، واستشكلها من حيث اقتصار عائشة رضي الله عنها معها على قولها: ركعتين لوجوب التكرير في مثله، وقد وجدت في رواية كريمة وهي من رواية الكشميهني: ركعتين ركعتين بالتكرير، وحينئذ فزال الإشكال ولله الحمد.
( فأقرت صلاة السفر) قال النووي: أي على جواز الإتمام ( وأتمت صلاة الحضر) على سبيل التحتم.
وقد استدلّ بظاهره الحنفية على عدم جواز الإتمام في السفر، على أن القصر عزيمة لا رخصة، ورد بقوله تعالى: { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] .
لأنه يدل على أن الأصل الإتمام، لأن القصر إنما يكون عن تمام سابق، ونفي الجناح يدل على جوازه دون وجوبه.
فإن قلت: فما الجواب عن تقييد الآية بالخوف؟ أجيب: بأنها، وإن دلت بمفهوم المخالفة على أنه لا يجوز القصر في غير حالة الخوف، لكن من شرط مفهوم المخالفة إن لم يخرج مخرج الأغلب، فلا اعتبار بذلك الشرط كما في الآية؛ فإن الغالب من أحوال المسافرين الخوف.
اهـ.
وقال البيضاوي: شريطة باعتبار الغالب في ذلك الوقت، ولذلك لم يعتبر مفهومها، وقد تظاهرت السنن على جوازه أيضًا في حالة الأمن، أي: في السفر، ولا حاجة في القصر إلى تأويل الآية، كما أوله الحنفية نصرة لمذهبهم بأنهم ألفوا الأربع، فكان مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانًا في القصر، فسمي الإتيان بها قصرًا على ظنهم، ونفي الجناح فيه لتطيب أنفسهم بالقصر، قاله البيضاوي.
ورأيته في بعض شروح الهداية.
ويؤيد القول بالرخصة حديث: "صدقة تصدق الله بها عليكم"، لأن الواجب لا يسمى رخصة، وقول عائشة المروي عند البيهقي بإسناد صحيح: يا رسول الله قصرت وأتممت وأفطرت وصممت، قال: "أحسنت يا عائشة".
وحديث الباب من قولها غير مرفوع، فلا يستدل به، كما أنها لم تشهد زمان فرض الصلاة.
وتعقب بأنه مما لا مجال للرأي فيه، فله حكم الرفع، ولئن سلمنا أنها لم تشهد فرض الصلاة لكنه مرسل صحابي، وهو حجة لاحتمال أخذها له عنه عليه الصلاة والسلام، أو عن أحد من أصحابه ممن أدرك ذلك.
وأجاب في الفتح: بأن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت بعد الهجرة، عقب الهجرة إلاّ الصبح، كما روي من طريق الشعبي، عن مسروق، عن عائشة.
قالت: فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة فيها، وصلاة المغرب لأنها وتر النهار، ورواه ابنا خزيمة وحبان وغيرهما.
ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول قوله تعالى: { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] .
وبهذا تجتمع الأدلة، ويؤيده أن في شرح المسند أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة.
( قال) ابن شهاب ( الزهري فقلت لعروة) بن الزبير ( ما) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: فما ( بال عائشة) رضي الله عنها ( تتم) بضم أوله الصلاة ( قال:تأولت ما تأول عثمان) بن عفان، رضي الله عنه، من جواز القصر والإتمام، فأخذ بأحد الجائزين وهو الإتمام أو أنه كان يرى القصر مختصًّا بمن كان سائرًا.
وأما من أقام في مكان في أثناء سفره، فله حكم المقيم، فيتم فيه، والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن، عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجًّا، صلّى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا: لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة.
قال: وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة يصلّي بها الظهر والعصر والعشاء أربعًا أربعًا، ثم إذا خرج إلى منًى وعرفة قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة، وهذا القول رجحه في الفتح لتصريح الراوي بالسبب، وقيل غير ذلك مما يطول ذكره.
ورواة حديث الباب ما بين بخاري ومكّي ومدني، وفيه: تابعي عن تابعي عن صحابية، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والنسائي في الصلاة، وتقدم شيء من مباحثه فيها.
6 - باب يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثَلاَثًا فِي السَّفَرِ هذا ( باب) بالتنوين ( يصلّي) المسافر ( المغرب) ولأبي ذر: يصلّى المغرب ( ثلاثًا في السفر) كالحضر لأنها وتر النهار.
ويجوز في تصلّى فتح اللام مع المثناة الفوقية، والغرب بالرفع نائبًا عن الفاعل.
فإن قلت: ما وجه تسمية صلاة المغرب بوتر النهار مع كونها ليلية؟ أجيب: بأنها لما كانت عقب آخر النهار، وندب إلى تعجيلها عقب الغروب، أطلق عليها وتر النهار لقربها منه.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :1054 ... غــ :1090] .

     قَوْلُهُ  رَكْعَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ لَا تَجُوزُ إِلَّا مَقْصُورَةً وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ قَوْلَ عَائِشَةَ فُرِضَتْ أَيْ قُدِّرَتْ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا اخْتَارَ الْقَصْرَ فَهُوَ فَرْضُهُ وَمِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى تَعَيُّنِ تَأْوِيلِ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا كَوْنُهَا كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ وَلِذَلِكَ أَوْرَدَهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَة قَوْله تأولت مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ هَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَتَمَّ لِكَوْنِهِ تَأَهَّلَ بِمَكَّةَ أَوْ لِأَنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ دَارٌ أَوْ لِأَنَّهُ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ أَوْ لِأَنَّهُ اسْتَجَدَّ لَهُ أَرْضًا بِمِنًى أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْبِقُ النَّاسَ إِلَى مَكَّةَ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ عَائِشَةَ وَأَكْثَرُهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ هِيَ ظُنُونٌ مِمَّنْ قَالَهَا وَيَرُدُّ الْأَوَّلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَافِرُ بِزَوْجَاتِهِ وَقَصَرَ وَالثَّانِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ حَرَامٌ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ لَمْ يُنْقَلَا فَلَا يَكْفِي التَّخَرُّصُ فِي ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ نُقِلَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي تَأَهَّلْتُ بِمَكَّةَ لَمَّا قَدِمْتُ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي صَلَاة مُقيم فَهَذَا الحَدِيث لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَفِي رُوَاتِهِ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَيَرُدُّهُ قَوْلُ عُرْوَةَ إِنَّ عَائِشَةَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ وَلَا جَائِزَ أَنْ تَتَأَهَّلَ عَائِشَةُ أَصْلًا فَدَلَّ عَلَى وَهْنِ ذَلِكَ الْخَبَرِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ عُرْوَةَ بِقَوْلِهِ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ التَّشْبِيهُ بِعُثْمَانَ فِي الْإِتْمَامِ بِتَأْوِيلٍ لَا اتِّحَادِ تَأْوِيلِهِمَا وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْأَسْبَابَ اخْتَلَفَتْ فِي تَأْوِيلِ عُثْمَانَ فَتَكَاثَرَتْ بِخِلَاف تَأْوِيل عَائِشَة وَقد أخرج بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا فَإِذَا احْتَجُّوا عَلَيْهَا تَقُولُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حَرْبٍ وَكَانَ يَخَافُ فَهَلْ تَخَافُونَ أَنْتُمْ وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ عَائِشَةَ إِنَّمَا أَتَمَّتْ فِي سَفَرِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ إِلَى قِتَالِ عَلِيٍّ وَالْقَصْرُ عِنْدَهَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي سَفَرِ طَاعَةٍ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ بَاطِلَانِ لَا سِيَّمَا الثَّانِي وَلَعَلَّ قَوْلَ عَائِشَةَ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي حَدِيثِ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْمَاضِي قَبْلُ بِبَابَيْنِ وَالْمَنْقُولُ أَنَّ سَبَبَ إِتْمَامِ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْقَصْرَ مُخْتَصًّا بِمَنْ كَانَ شَاخِصًا سَائِرًا.

.
وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ فِي مَكَانٍ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فَلَهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ فَيُتِمُّ وَالْحُجَّةُ فِيهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ حَاجًّا صَلَّى بِنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ بِمَكَّةَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ فَقَالَا لقد عبت أَمر بن عَمِّكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ قَالَ وَكَانَ عُثْمَانُ حَيْثُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا ثُمَّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى وَعَرَفَةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ وَأَقَامَ بمنى أتم الصَّلَاة.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ كَانَا يَرَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَصَرَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْأَيْسَرِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أُمَّتِهِ فَأَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا بِالشِّدَّةِ اه وَهَذَا رَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ آخِرِهِمُ الْقُرْطُبِيُّ لَكِنِ الْوَجْهُ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْلَى لِتَصْرِيحِ الرَّاوِي بِالسَّبَبِ.

.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْحَجِّ فَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ حَرَامٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي الْمَغَازِي وَصَحَّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَدِّعُ النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ وَيُسْرِعُ الْخُرُوجَ خَشْيَةَ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِجْرَتِهِ وَثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا حَاصَرُوهُ.

     وَقَالَ  لَهُ الْمُغِيرَةُ ارْكَبْ رَوَاحِلَكُ إِلَى مَكَّةَ قَالَ لَنْ أُفَارِقَ دَارَ هِجْرَتِي وَمَعَ هَذَا النَّظَرِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَدْ رَوَى أَيُّوبُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَا يُخَالِفُهُ فَرَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ إِنَّمَا صَلَّى عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعًا لِأَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا كَثُرُوا فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَأَحَبَّ أَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَتَمَّ بِمِنًى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ إِنَّ الْقَصْرَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ وَلَكِنَّهُ حَدَثٌ طَغَامٌ يَعْنِي بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمُعْجَمَةِ فَخفت أَن يستنوا وَعَن بن جُرَيْجٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا نَادَاهُ فِي مِنًى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمَنِينَ مَا زِلْتُ أُصَلِّيهَا مُنْذُ رَأَيْتُكَ عَامَ أَوَّلَ رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَصْلَ سَبَبِ الْإِتْمَامِ وَلَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِلْوَجْهِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ بَلْ يُقَوِّيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ حَالَةَ الْإِقَامَةِ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ أَقْرَبُ إِلَى قِيَاسِ الْإِقَامَةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ السَّائِرِ وَهَذَا مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ عُثْمَانَ.

.
وَأَمَّا عَائِشَةُ فَقَدْ جَاءَ عَنْهَا سَبَبُ الْإِتْمَامِ صَرِيحًا وَهُوَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا فَقُلْتُ لَهَا لَوْ صَلَّيْتِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَتْ يَا بن أُخْتِي إِنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهَا تَأَوَّلَتْ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَأَنَّ الْإِتْمَامَ لِمَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَفْضَلٌ وَيَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِ الْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَافَرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَكُلُّهُمْ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي السَّيْرِ وَفِي الْمُقَامِ بِمَكَّةَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي أَنَّ الْفَرْضَ فِي السَّفَرِ أَنْ يُصَلِّيَ الرُّبَاعِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمَا أَتَمَّتْ عَائِشَةُ وَعِنْدَهُمُ الْعِبْرَةُ بِمَا رَأَى الرَّاوِي إِذَا عَارَضَ مَا روى ثمَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فُرِضَتْ فِي الْأَصْلِ رَكْعَتَيْنِ وَاسْتَمَرَّتْ فِي السَّفَرِ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّهَا كَانَتْ أَرْبَعًا فَنَقَصَتْ ثُمَّ إِنَّ قَوْلَهَا الصَّلَاةُ تَعُمُّ الْخَمْسَ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِخُرُوجِ الْمَغْرِبِ مُطْلَقًا وَالصُّبْحِ بِعَدَمِ الزِّيَادَةِ فِيهَا فِي الْحَضَرِ قَالَ وَالْعَامُّ إِذَا خُصَّ ضَعُفَتْ دَلَالَتُهُ حَتَّى اخْتُلِفَ فِي بَقَاءِ الِاحْتِجَاج بِهِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :1054 ... غــ : 1090 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: "الصَّلاَةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَان، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلاَةُ الْحَضَرِ" قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَالَ: تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي ( قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن) ابن شهاب ( الزهري، عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة رضي الله عنها قالت) :
( الصلاة) بالإفراد ( أول ما فرضت ركعتان) أي: لمن أراد الاقتصار عليهما.

والصلاة مبتدأ، وأول، بدل منه أو مبتدأ ثان خبره ركعتان، والجملة خبر المبتدأ الأول، ويجوز نصب لفظ أول على الظرفية.
والصلاة: مبتدأ والخبر محذوف.

أي: فرضت ركعتين في أول فرضها، وأصل الكلام: الصلاة فرضت ركعتين في أول أزمنة فرضها، فهو ظرف للخبر المقدر، وما: مصدرية، والمضاف محذوف كما تقرر.
ولغير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: ركعتين بالياء نصب على الحال السادّ مسدّ الخبر، وللكشميهني، كما في الفرع، ولم يعرفها صاحب المصابيح: الصلوات بالجمع، واستشكلها من حيث اقتصار عائشة رضي الله عنها معها على قولها: ركعتين لوجوب التكرير في مثله، وقد وجدت في رواية كريمة وهي من رواية الكشميهني: ركعتين ركعتين بالتكرير، وحينئذ فزال الإشكال ولله الحمد.

( فأقرت صلاة السفر) قال النووي: أي على جواز الإتمام ( وأتمت صلاة الحضر) على سبيل التحتم.

وقد استدلّ بظاهره الحنفية على عدم جواز الإتمام في السفر، على أن القصر عزيمة لا رخصة، ورد بقوله تعالى: { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] .
لأنه يدل على أن الأصل الإتمام، لأن القصر إنما يكون عن تمام سابق، ونفي الجناح يدل على جوازه دون وجوبه.

فإن قلت: فما الجواب عن تقييد الآية بالخوف؟
أجيب: بأنها، وإن دلت بمفهوم المخالفة على أنه لا يجوز القصر في غير حالة الخوف، لكن من شرط مفهوم المخالفة إن لم يخرج مخرج الأغلب، فلا اعتبار بذلك الشرط كما في الآية؛ فإن الغالب من أحوال المسافرين الخوف.
اهـ.


وقال البيضاوي: شريطة باعتبار الغالب في ذلك الوقت، ولذلك لم يعتبر مفهومها، وقد تظاهرت السنن على جوازه أيضًا في حالة الأمن، أي: في السفر، ولا حاجة في القصر إلى تأويل الآية، كما أوله الحنفية نصرة لمذهبهم بأنهم ألفوا الأربع، فكان مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانًا في القصر، فسمي الإتيان بها قصرًا على ظنهم، ونفي الجناح فيه لتطيب أنفسهم بالقصر، قاله البيضاوي.
ورأيته في بعض شروح الهداية.

ويؤيد القول بالرخصة حديث: "صدقة تصدق الله بها عليكم"، لأن الواجب لا يسمى رخصة، وقول عائشة المروي عند البيهقي بإسناد صحيح: يا رسول الله قصرت وأتممت وأفطرت وصممت، قال: "أحسنت يا عائشة".
وحديث الباب من قولها غير مرفوع، فلا يستدل به، كما أنها لم تشهد زمان فرض الصلاة.

وتعقب بأنه مما لا مجال للرأي فيه، فله حكم الرفع، ولئن سلمنا أنها لم تشهد فرض الصلاة لكنه مرسل صحابي، وهو حجة لاحتمال أخذها له عنه عليه الصلاة والسلام، أو عن أحد من أصحابه ممن أدرك ذلك.

وأجاب في الفتح: بأن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت بعد الهجرة، عقب الهجرة إلاّ الصبح، كما روي من طريق الشعبي، عن مسروق، عن عائشة.
قالت: فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة فيها، وصلاة المغرب لأنها وتر النهار، ورواه ابنا خزيمة وحبان وغيرهما.
ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول قوله تعالى: { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] .
وبهذا تجتمع الأدلة، ويؤيده أن في شرح المسند أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة.

( قال) ابن شهاب ( الزهري فقلت لعروة) بن الزبير ( ما) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: فما ( بال عائشة) رضي الله عنها ( تتم) بضم أوله الصلاة ( قال: تأولت ما تأول عثمان) بن عفان، رضي الله عنه، من جواز القصر والإتمام، فأخذ بأحد الجائزين وهو الإتمام أو أنه كان يرى القصر مختصًّا بمن كان سائرًا.

وأما من أقام في مكان في أثناء سفره، فله حكم المقيم، فيتم فيه، والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن، عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجًّا، صلّى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا: لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة.
قال: وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة يصلّي بها الظهر والعصر والعشاء أربعًا أربعًا، ثم إذا خرج إلى منًى وعرفة قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة، وهذا القول رجحه في الفتح لتصريح الراوي بالسبب، وقيل غير ذلك مما يطول ذكره.


ورواة حديث الباب ما بين بخاري ومكّي ومدني، وفيه: تابعي عن تابعي عن صحابية، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والنسائي في الصلاة، وتقدم شيء من مباحثه فيها.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :1054 ... غــ :1090 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتِ الصَّلاةُ أوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَانِ فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلاَةُ الحَضَرِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ فقُلْتُ لِعُرْوَةَ مَا بالُ عائِشَةَ تُتِمُّ قَالَ تَأوَّلَتْ مَا تَأوَّلَ عُثْمَانُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

( أنظر الحَدِيث 053 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي بتوجيهه، وَإِن كَانَ فِيهِ بعض التعسف، وَهُوَ أَن ذكر السّفر يصدق على الْمُسَافِر فَيدل على أَنه إِذا خرج من مَوْضِعه يقصر عِنْد وجود شَرط الْقصر.
فَافْهَم.

وَرِجَاله ذكرُوا غير مرّة، وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر الْمَعْرُوف بالمسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
وَفِيه: أَن شَيْخه بخاري وسُفْيَان مكي وَالزهْرِيّ وَعُرْوَة مدنيان.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عَليّ بن خشرم.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن سُفْيَان، وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي أول كتاب الصَّلَاة،.
أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن صَالح بن كيسَان عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
ونتكلم فِيهِ بِمَا لم يذكر هُنَاكَ.

قَوْله: ( أول) بِالرَّفْع على أَنه بدل من الصَّلَاة، أَو: مُبْتَدأ ثَان وَخَبره.
قَوْله: ( رَكْعَتَانِ) وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول، وَيجوز نصب: أول، على الظَّرْفِيَّة أَي: فِي أول.
فَإِن قلت: فِي رِوَايَة كَرِيمَة: ( رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) فَأَيْنَ الْخَبَر على هَذَا؟ قلت: على هَذِه الرِّوَايَة تكون الرَّكْعَتَيْنِ مَنْصُوبًا على الْحَال، وَقد سد مسد الْخَبَر.
قَوْله: ( فرضت) قَالَ أَبُو عمر: كل من رَوَاهُ عَن عَائِشَة قَالَ فِيهِ: فرضت الصَّلَاة إلاّ مَا حدث بِهِ أَبُو إِسْحَاق الْحَرْبِيّ، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن الْحجَّاج حَدثنَا ابْن الْمُبَارك حَدثنَا ابْن عجلَان عَن صَالح بن كيسَان عَن عُرْوَة ( عَن عَائِشَة قَالَت: فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) ، الحَدِيث.
انْتهى كَلَامه.
قلت: فِي مُسْند عبد الله بن وهب بِسَنَد صَحِيح، ( عَن عُرْوَة عَنْهَا: فرض الله الصَّلَاة حِين فَرضهَا رَكْعَتَيْنِ.
.
)
الحَدِيث.
وَعند السراج، بِسَنَد صَحِيح: ( فرض الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول مَا فَرضهَا رَكْعَتَيْنِ) ( ح) وَفِي لفظ: ( كَانَ أول مَا افْترض على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمغرب) ، وَسَنَده صَحِيح.
وَعند الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث دَاوُد بن أبي هِنْد عَن عَامر ( عَن عَائِشَة، قَالَت: افْترض الله الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلاّ الْمغرب، فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة زَاد إِلَى كل رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلاّ صَلَاة الْغَدَاة) ..
     وَقَالَ  الدولابي: نزل إتْمَام صَلَاة الْمُقِيم فِي الظّهْر يَوْم الثُّلَاثَاء إثنتي عشرَة لَيْلَة خلت من شهر ربيع الآخر بعد مقدمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَهْر، وأقرت صَلَاة السّفر رَكْعَتَيْنِ،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: إلاّ الْمغرب فرضت وَحدهَا ثَلَاثًا، وَمَا عَداهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ..
     وَقَالَ  الْأصيلِيّ: أول مَا فرضت الصَّلَاة أَرْبعا على هيئتها الْيَوْم، وَأنكر قَول من قَالَ: فرضت رَكْعَتَيْنِ،.

     وَقَالَ : لَا يقبل فِي هَذَا خبر الْآحَاد.
وَأنكر حَدِيث عَائِشَة..
     وَقَالَ  أَبُو عمر بن عبد الْبر: رَوَاهُ مَالك عَن صَالح بن كيسَان عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة،.

     وَقَالَ : حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عِنْد جمَاعَة أهل النَّقْل، لَا يخْتَلف أهل الحَدِيث فِي صِحَة إِسْنَاده إلاّ أَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ فِيهِ: عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَهِشَام بن عُرْوَة عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة،.
وَلم يروه مَالك عَن ابْن شهَاب وَلَا عَن هِشَام إلاّ أَن شَيخا يُسمى مُحَمَّد بن يحيى بن عباد بن هانىء رَوَاهُ عَن مَالك وَابْن أخي الزُّهْرِيّ جَمِيعًا عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَهَذَا لَا يَصح عَن مَالك، وَالصَّحِيح فِي إِسْنَاده عَن مَالك فِي ( الْمُوَطَّأ) وطرقه عَن عَائِشَة متواترة، وَهُوَ عَنْهَا صَحِيح لَيْسَ فِي إِسْنَاده مقَال.

إلاّ أَن أهل الْعلم اخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ.
فَذهب جمَاعَة مِنْهُم إِلَى ظَاهره وعمومه وَمَا يُوجِبهُ لَفظه، فأوجبوا الْقصر فِي السّفر فرضا.
وَقَالُوا: لَا يجوز لأحد أَن يُصَلِّي فِي السّفر إلاّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الرباعيات، وَحَدِيث عَائِشَة وَاضح فِي أَن الرَّكْعَتَيْنِ للْمُسَافِر فرض، لِأَن الْفَرْض الْوَاجِب لَا يجوز خِلَافه، وَلَا الزِّيَادَة عَلَيْهِ ألاَ ترى أَن الْمُصَلِّي فِي الْحَضَر لَا يجوز لَهُ أَن يزِيد فِي صَلَاة من الْخمس، وَلَو زَاد لفسدت، فَكَذَلِك الْمُسَافِر لَا يجوز لَهُ أَن يُصَلِّي فِي السّفر أَرْبعا، لِأَن فَرْضه فِيهِ رَكْعَتَانِ.
وَمِمَّنْ ذهب إِلَى هَذَا عمر بن عبد الْعَزِيز، إِن صَحَّ عَنهُ.
وَعنهُ: الصَّلَاة فِي السّفر رَكْعَتَانِ لَا يَصح غَيرهمَا، ذكره ابْن حزم محتجا بِهِ، وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَقَول بعض أَصْحَاب مَالك، وروى عَن مَالك أَيْضا وَهُوَ الْمَشْهُور عَنهُ، أَنه قَالَ: من أتم فِي السّفر أعَاد فِي الْوَقْت، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث عمر بن الْخطاب: ( صَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ تَمام غير قصر على لِسَان نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح، وَبِمَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس عِنْد مُسلم: ( إِن الله فرض الصَّلَاة على نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَضَر أَرْبعا وَفِي السّفر رَكْعَتَيْنِ) .
وَفِي ( التَّمْهِيد) من حَدِيث أبي قلَابَة: ( عَن رجل من بني عَامر أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: إِن الله تَعَالَى وضع عَن الْمُسَافِر الصَّوْم وَشطر الصَّلَاة) ، وَعَن أنس بن مَالك الْقشيرِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله، وَعند ابْن حزم صَحِيحا عَن ابْن عمر، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( صَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ من ترك السّنة كفر) ، وَعَن ابْن عَبَّاس: من صلى فِي السّفر أَرْبعا كمن صلى فِي الْحَضَر رَكْعَتَيْنِ، وَفِي ( مُسْند السراج) بِسَنَد جيد: عَن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي يرفعهُ: ( إِن الله تَعَالَى وضع عَن الْمُسَافِر الصّيام وَنصف الصَّلَاة) ، وَهُوَ قَول عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَجَابِر وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَالثَّوْري، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم،.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ: إِن قَامَ إِلَى الثَّالِثَة ألغاها وَسجد للسَّهْو..
     وَقَالَ  الْحسن بن حَيّ: إِذا صلى أَرْبعا مُتَعَمدا أَعَادَهَا إِذا كَانَ ذَلِك مِنْهُ الشَّيْء الْيَسِير، فَإِن طَال ذَلِك مِنْهُ وَكثر فِي سَفَره لم يعد،.

     وَقَالَ  الْحسن الْبَصْرِيّ: من صلى أَرْبعا عمدا بئس مَا صنع، وقضيت عَنهُ.
ثمَّ قَالَ: لَا أَبَا لَك، أَتَرَى أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تركوها لِأَنَّهَا ثقلت عَلَيْهِم؟.

     وَقَالَ  الْأَثْرَم: قلت لِأَحْمَد: الرجل يُصَلِّي أَرْبعا فِي السّفر؟ قَالَ: لَا، مَا يُعجبنِي..
     وَقَالَ  الْبَغَوِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا قَول أَكثر الْعلمَاء..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ: الأولى الْقصر ليخرج من الْخلاف..
     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: الْعَمَل على مَا فعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث دَلِيل صَرِيح للحنفية فِي وجوب الْقصر؟ قلت: لَا دلَالَة لَهُم فِيهِ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ الحَدِيث مجْرى على ظَاهِرَة لما جَازَ لعَائِشَة إِتْمَامهَا، ثمَّ إِنَّه خبر وَاحِد لَا يُعَارض لفظ الْقُرْآن وَهُوَ: { أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} ( النِّسَاء: 101) .
الصَّرِيح فِي أَنَّهَا كَانَت فِي الأَصْل زَائِدَة عَلَيْهِ، إِذْ الْقصر مَعْنَاهُ التنقيص، ثمَّ إِن الحَدِيث عَام مَخْصُوص بالمغرب وبالصبح، وحجية الْعَام الْمُخَصّص مُخْتَلف فِيهَا، ثمَّ إِن راوية الحَدِيث عَائِشَة قد خَالَفت رِوَايَتهَا، وَإِذا خَالف الرَّاوِي رِوَايَته لَا يجب الْعَمَل بروايته عِنْدهم قلت: لَا نسلم أَنه لَا دلَالَة لنا فِيهِ لِأَنَّهُ ينبىء بِأَن صَلَاة الْمُسَافِر الَّتِي هِيَ الركعتان فرضت فِي الأَصْل هَكَذَا، وَالزِّيَادَة عَلَيْهِمَا طارئة، وَلم تَسْتَقِر الزِّيَادَة إلاّ فِي الْحَضَر، وَبقيت صَلَاة الْمُسَافِر فرضا على أَصْلهَا، وَهُوَ الركعتان، فَكَمَا لَا تجوز الزِّيَادَة فِي الْحَضَر بِالْإِجْمَاع، فَكَذَا الْمُسَافِر لَا تجوز لَهُ الزِّيَادَة، وَلَفظ: فرضت، وَإِن كَانَ على صِيغَة الْمَجْهُول، لَكِن يدل على أَن الله هُوَ الَّذِي فرض، كَمَا مر صَرِيحًا فِي الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة آنِفا.
وَقَوله: لِأَنَّهُ لَو كَانَ الحَدِيث مجْرى على ظَاهره لما جَازَ لعَائِشَة إِتْمَامهَا، جَوَابه فِي نفس الحَدِيث، وَهُوَ قَول عُرْوَة: تأولت مَا تَأَول عُثْمَان، لِأَن الزُّهْرِيّ لما روى هَذَا الحَدِيث عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة ظهر لَهُ أَن الرَّكْعَتَيْنِ هُوَ الْفَرْض فِي حق الْمُسَافِر، لَكِن أشكل عَلَيْهِ إتْمَام عَائِشَة من حَيْثُ إِنَّهَا أخْبرت بفرضية الرَّكْعَتَيْنِ فِي حق الْمُسَافِر، ثمَّ إِنَّهَا كَيفَ أتمت؟ فَسَأَلَ عُرْوَة بقوله: مَا بَال عَائِشَة تتمّ؟ فَأجَاب عُرْوَة بقوله: ( تأولت مَا تَأَول عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد ذكرنَا الْوُجُوه الَّتِي ذكرت فِي تَأَول عُثْمَان، وَقد ذكر بَعضهم الْوُجُوه الْمَذْكُورَة، ثمَّ قَالَ: وَالْمَنْقُول فِي ذَلِك أَن سَبَب إتْمَام عُثْمَان أَنه كَانَ يرى الْقصر مُخْتَصًّا بِمن كَانَ شاخصا سائرا، وَأما من أَقَامَ فِي مَكَان فِي أثْنَاء سَفَره فَلهُ حكم الْمُقِيم فَيتم، وَالْحجّة فِيهِ مَا رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن عَن عباد بن عبد الله ابْن الزبير، قَالَ: لما قدم علينا مُعَاوِيَة حَاجا صلى بِنَا الظّهْر رَكْعَتَيْنِ بِمَكَّة، ثمَّ انْصَرف إِلَى دَار الندوة، فَدخل عَلَيْهِ مَرْوَان وَعَمْرو بن عُثْمَان فَقَالَا: لقد عبت أَمر ابْن عمك لِأَنَّهُ كَانَ قد أتم الصَّلَاة، قَالَ: وَكَانَ عُثْمَان حَيْثُ أتم الصَّلَاة إِذا قدم مَكَّة يُصَلِّي بهَا الظّهْر وَالْعصر وَالْعشَاء أَرْبعا أَرْبعا ثمَّ إِذا خرج إِلَى منى وعرفة قصر الصَّلَاة، فَإِذا فرغ من الْحَج وَأقَام بمنى أتم الصَّلَاة انْتهى.
قلت: هَذَا الَّذِي ذكره يُؤَيّد مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ من وجوب الْقصر، لِأَنَّهُ قَالَ: كَانَ يرى الْقصر مُخْتَصًّا بِمن كَانَ شاخصا سائرا، وَظَاهره أَنه كَانَ يرى الْقصر وَاجِبا للْمُسَافِر، وَكَانَ يرى حكم الْمُقِيم لمن أَقَامَ، وَنحن أَيْضا نرى ذَلِك، غير أَن الْمُسَافِر مَتى يكون مُقيما فِيهِ: فِيهِ خلاف قد ذَكرْنَاهُ، فَلَا يضرنا هَذَا الْخلاف، ودعوانا فِي وجوب الْقصر فِي حق الْمُسَافِر، ثمَّ إِن هَذَا الْقَائِل ادّعى أَن إِسْنَاد حَدِيث أَحْمد حسن، وَلم يذكر رُوَاته حَتَّى ينظر فيهم، وَقَول الْكرْمَانِي: ثمَّ إِنَّه خبر وَاحِد لَا يُعَارض لفظ الْقُرْآن.
.
إِلَى آخِره، قُلْنَا: لَا نسلم ذَلِك على الْوَجْه الَّذِي ذكرْتُمْ، لِأَن نفي الْجنَاح فِي الْقصر إِنَّمَا هُوَ فِي الزِّيَادَة على الرَّكْعَتَيْنِ، لِأَن الصَّلَاة فرضت بِمَكَّة: رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وزيدت عَلَيْهِمَا: رَكْعَتَانِ فِي الْمَدِينَة، وَالْآيَة مَدَنِيَّة نزلت فِي إِبَاحَة الْقصر للضاربين فِي الأَرْض وهم: المسافرون، فَدلَّ على أَن إِبَاحَة الْقصر فِي الزِّيَادَة لَا فِي الأَصْل، لِأَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَن الْمُسَافِر لَا يُصَلِّي فِي سَفَره أقل من رَكْعَتَيْنِ إلاّ مَا شَذَّ، قَول من قَالَ: إِن الْمُسَافِر يُصَلِّي رَكْعَة عِنْد الْخَوْف، فَلَا يعْتد بِهَذَا القَوْل، على أَنا نقُول أَيْضا: جَاءَ فِي الحَدِيث الْمَشْهُور أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الظّهْر بِأَهْل مَكَّة فِي حجَّة الْوَدَاع رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أَمر مناديا يُنَادي: يَا أهل مَكَّة أَتموا صَلَاتكُمْ فَإنَّا قوم سفر.
وَلَو كَانَ فرض الْمُسَافِر أَرْبعا لم يحرمهم فَضِيلَة الْجَمَاعَة مَعَه، وَعند مُسلم فِي رِوَايَة: ( صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى صَلَاة الْمُسَافِر، وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان ثَمَانِي سِنِين، أَو قَالَ سِتّ سِنِين) .
وَفِي رِوَايَة لَهُ: ( صلى فِي السّفر) ، وَلم يقل: بمنى، وَفِي رِوَايَة لَهُ: صَحِبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله، وصحبت أَبَا بكر فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله، وصحبت عمر فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ، وصحبت عُثْمَان، فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله)
.
وَهَكَذَا لفظ رِوَايَة أبي دَاوُد.
وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: ( صَحِبت عُثْمَان فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى) .

فَإِن قلت: روى النَّسَائِيّ من رِوَايَة الْعَلَاء بن زُهَيْر عَن عبد الرَّحْمَن ابْن الْأسود ( عَن عَائِشَة أَنَّهَا، اعْتَمَرت مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة حَتَّى إِذا قدمت مَكَّة قَالَت: يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي: قصرت فأتممت، وَأَفْطَرت فَصمت، قَالَ: أَحْسَنت يَا عَائِشَة، وَمَا عَابَ عَليّ) .
انْتهى.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح مَوْصُول، فَهَذَا يدل على أَن الْقصر غير وَاجِب، إِذْ لَو كَانَ وَاجِبا لأنكر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على عَائِشَة فِي إِتْمَامهَا.
قلت: قد اخْتلف فِيهِ على الْعَلَاء بن زُهَيْر، فَرَوَاهُ أَبُو نعيم عَنهُ هَكَذَا، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن الْعَلَاء بن زُهَيْر عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن عَائِشَة، فعلى هَذَا الْإِسْنَاد غير مَوْصُول..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي ( الْخُلَاصَة) : هَذِه اللَّفْظَة مشكلة، فَإِن الْمَعْرُوف أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يعْتَمر إلاّ أَربع عمر، كُلهنَّ فِي ذِي الْقعدَة.
فَإِن قلت: روى الْبَزَّار من رِوَايَة الْمُغيرَة بن زِيَاد عَن عَائِشَة أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يُسَافر فَيتم الصَّلَاة وَيقصر، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ،.

     وَقَالَ : هَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَوَافَقَهُ الْبَيْهَقِيّ على صِحَة إِسْنَاده.
قلت: كَيفَ يحكم بِصِحَّتِهِ وَقد قَالَ أَحْمد: الْمُغيرَة بن زِيَاد مُنكر الحَدِيث أَحَادِيثه مَنَاكِير؟.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة: شيخ لَا يحْتَج بحَديثه؟ وَأدْخلهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الضُّعَفَاء، وَعَادَة الْبَيْهَقِيّ التَّصْحِيح عِنْد الِاحْتِجَاج لإمامه والتضعيف عِنْد الِاحْتِجَاج لغيره.

وَقَول الْكرْمَانِي: ثمَّ إِن الحَدِيث عَام مَخْصُوص بالمغرب وَالصُّبْح غير سديد، لِأَن المُرَاد من قَوْلهَا: فرضت الصَّلَاة، هِيَ الصَّلَاة الْمَعْهُودَة فِي الشَّرْع، وَهِي الصَّلَوَات الْخمس، ومسماها مَعْلُوم، فَكيف يصدق عَلَيْهِ حد الْعَام وَهُوَ مَا يَنْتَظِم جمعا من المسميات؟ وَكَيف يَقُول: مَخْصُوص بالمغرب وَالصُّبْح، وَهُوَ غير صَحِيح؟ لِأَن الْخُصُوص إِخْرَاج بعض مَا يتَنَاوَلهُ الْعَام، فَكيف يخرج الْمغرب الَّتِي هِيَ ثَلَاث رَكْعَات من أصل الْفَرْض الَّذِي هُوَ رَكْعَتَانِ؟ وَأما الصُّبْح فعلى الأَصْل فَلَا يتَصَوَّر فِيهِ صُورَة الْإِخْرَاج؟ وَقَوله: وحجية الْعَام الْمُخَصّص مُخْتَلف فِيهَا، غير وَارِد علينا لأَنا لم نقر لَا بِالْعُمُومِ وَلَا بالخصوص، فَكيف يرد علينا مَا قَالَه؟ وَلَئِن سلمنَا الْعُمُوم فَلَا نسلم الْخُصُوص على الْوَجْه الَّذِي ذكره، وَلَئِن سلمنَا الْعُمُوم وَالْخُصُوص فَلَا نسلم ترك الِاحْتِجَاج بِالْعَام الْمَخْصُوص مُطلقًا؟ وَقَوله: ثمَّ إِن راوية الحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
.
إِلَى آخِره، غير وَارِد علينا لأَنا لَا نقُول: إِن عَائِشَة خَالَفت مَا روته، بل نقُول: إِنَّهَا أولت، كَمَا قَالَ عُرْوَة، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح من طَرِيق هِشَام ابْن عُرْوَة عَن أَبِيه: ( أَنَّهَا كَانَت تصلي فِي السّفر أَرْبعا، فَقلت لَهَا: لَو صليت رَكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَت: يَابْنَ أُخْتِي لَا تشق عَليّ) ، فَهَذَا يدل على أَنَّهَا تأولت الْقصر وَلم تنكره، وتأويلها إِيَّاه لَا يُنَافِي وُجُوبه فِي نفس الْأَمر، مَعَ أَن الْإِنْكَار لم ينْقل عَنْهَا صَرِيحًا.

وَبعد كل ذَلِك، فَنحْن مَا اكتفينا فِي الِاحْتِجَاج فِيمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ بِهَذَا الحَدِيث وَحده، وَلنَا فِي ذَلِك دَلَائِل أُخْرَى قد ذَكرنَاهَا فِيمَا مضى،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر وَغَيره: اضْطَرَبَتْ الْآثَار عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فِي هَذَا الْبابُُ قلت: فَلذَلِك مَا اكْتفى اصحابنا فِي الِاحْتِجَاج، وَمِمَّا يُؤَيّد مَا ذهب إِلَيْهِ أَصْحَابنَا مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي ( مُصَنفه) : عَن معمر عَن قَتَادَة عَن مُورق الْعجلِيّ، قَالَ: ( سُئِلَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن الصَّلَاة فِي السّفر؟ فَقَالَ: رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، من خَالف السّنة كفر) .
وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا: حَدثنَا أَبُو بكرَة، قَالَ: حَدثنَا روح، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو التياح ( عَن مُورق، قَالَ: سَأَلَ صَفْوَان بن مُحرز ابْن عمر عَن الصَّلَاة فِي السّفر؟ فَقَالَ: أخْشَى أَن تكذب عَليّ: رَكْعَتَانِ من خَالف السّنة كفر) .
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا نَحوه من حَدِيث أبي التياح، وَاسم أبي التياح يزِيد بن حميد الضبعِي.