123 حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرٌو ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ ، أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ |
123 حدثني هارون بن سعيد الأيلي ، حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عراك بن مالك ، أنه سمع أبا هريرة ، يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا ترغبوا عن آبائكم ، فمن رغب عن أبيه فهو كفر |
It is narrated on the authority of Abu Huraira that the Messenger of Allah (may peace and blessings be upon him) observed:
Do not detest your fathers; he who detested his father committed infidelity.
شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث
[62] .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ وَفِي الرِّوَايَةِ)الْأُخْرَى مَنِ ادَّعَى أَبًا فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَبِيهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ) أَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى فَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَفِيهِ التَّأْوِيلَانِ اللَّذَانِ قَدَّمْنَاهُمَا فِي نَظَائِرِهِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا لَهُ وَالثَّانِي أَنَّ جَزَاءَهُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ أَوَّلًا عِنْدَ دُخُولِ الْفَائِزِينَ وَأَهْلِ السَّلَامَةِ ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يُجَازَى فَيُمْنَعُهَا عِنْدَ دُخُولِهِمْ ثُمَّ يَدْخُلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ لَا يُجَازَى بَلْ يَعْفُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ وَمَعْنَى حَرَامٌ مَمْنُوعَةٌ وَيُقَالُ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ أَيْ تَرَكَ الِانْتِسَابَ إِلَيْهِ وَجَحَدَهُ يُقَالُ رَغِبْتُ عَنِ الشَّيْءِ تَرَكْتُهُ وَكَرِهْتُهُ وَرَغِبْتُ فِيهِ اخْتَرْتُهُ وَطَلَبْتُهُ.
.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُثْمَانَ لَمَّا ادُّعِيَ زِيَادٌ لَقِيتُ أَبَا بَكْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ إِنِّي سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ سَمِعَ أُذُنَايَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ مَنِ ادَّعَى أَبًا فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ الْإِنْكَارُ عَلَى أَبِي بَكْرَةَ وَذَلِكَ أَنَّ زِيَادًا هَذَا الْمَذْكُورَ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِزِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَيُقَالُ فِيهِ زِيَادُ بْنُ أَبِيهِ وَيُقَالُ زِيَادُ بْنُ أُمِّهِ وَهُوَ أَخُو أَبِي بَكْرَةَ لِأُمِّهِ وَكَانَ يُعْرَفُ بِزِيَادِ بْنِ عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ ثُمَّ ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَلْحَقَهُ بِأَبِيهِ أَبِي سُفْيَانَ وَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلِهَذَا قَالَ أَبُو عُثْمَانَ لِأَبِي بَكْرَةَ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَهَجَرَ بِسَبَبِهِ زِيَادًا وَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدًا وَلَعَلَّ أَبَا عُثْمَانَ لَمْ يَبْلُغْهُ إِنْكَارُ أَبِي بَكْرَةَ حِينَ قَالَ لَهُ هَذَا الْكَلَامَ أَوْ يَكُونُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ أَيْ مَا هَذَا الَّذِي جَرَى مِنْ أَخِيكَ مَا أَقْبَحَهُ وَأَعْظَمَ عُقُوبَتَهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ عَلَى فَاعِلِهِ الْجَنَّةَ وَقَولُهُ ادُّعِيَ ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَيِ ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ وَوُجِدَ بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي عَامِرٍ الْعَبْدَرِيِّ ادَّعَى بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْعَيْنِ عَلَى أَنَّ زِيَادًاهُوَ الْفَاعِلُ وَهَذَا لَهُ وَجْهٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ ادَّعَاهُ وَصَدَّقَهُ زِيَادٌ فَصَارَ زِيَادٌ مدعيا أنه بن أَبِي سُفْيَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
.
وَأَمَّا قَوْلُ سَعْدٍ سَمِعَ أُذُنَايَ فَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ سَمِعَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَأُذُنَايَ بِالتَّثْنِيَةِ وَكَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو كَوْنَهُ أُذُنَايَ بِالْأَلِفِ عَلَى التَّثْنِيَةِ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي الْفَتْحِ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَنْ عَبْدِ الْغَافِرِ قَالَ وَهُوَ فِيمَا يُعْتَمَدُ مِنْ أَصْلِ أَبِي الْقَاسِمِ الْعَسَاكِرِيِّ وَغَيْرِهِ أُذُنَيَّ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَهُمْ ضَبَطَهُ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَأُذُنِي بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ قَالَ وَضَبَطْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْجَيَّانِيِّ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَعَ إِسْكَانِ الْمِيمِ وَهُوَ الْوَجْهُ قَالَ سِيبَوَيْهِ الْعَرَبُ تَقُولُ سَمِعَ أُذُنَيَّ زَيْدًا يَقُولُ كَذَا وَحُكِيَ عَنِ الْقَاضِي الْحَافِظِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ سَكْرَةَ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي وَلَيْسَ إِنْكَارُهُ بِشَيْءٍ بَلِ الْأَوْجُهُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ ظَاهِرَةٌ وَيُؤَيِّدُ كَسْرَ الْمِيمِ .
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي محمدا صلى الله عليه وسلم فنصب محمدا على البدل من الضمير فى سمعته أذناى ومعنى وعاه حَفِظَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
.
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِسْنَادِ فَفِيهِ هَارُونَ الْأَيْلِيُّ بِالْمُثَنَّاةِ وَعِرَاكٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ المهملة وتخفيف الراء وبالكاف وَفِيهِ أَبُو عُثْمَانَ وَهُوَ النَّهْدِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَلٍّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا مَعَ تَشْدِيدِ اللَّامِ وَيُقَالُ مِلْءٍ بِالْكَسْرِ مَعَ إِسْكَانِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي شَرْحِ آخِرِ الْمُقَدِّمَةِ.
.
وَأَمَّا أبو بكرة فاسمه نفيع بن الحرث بْنِ كَلَدَةَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ وَأُمُّهُ وَأُمُّ أخيه زياد سمية أمة الحرث بْنِ كَلَدَةَ وَقِيلَ لَهُ أَبُو بَكْرَةَ لِأَنَّهُ تَدَلَّى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ بِبَكْرَةَ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
(بَابُ بَيَانِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ السَّبُّ فِي اللُّغَةِ الشَّتْمُ وَالتَّكَلُّمُ فِي عِرْضِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَعِيبُهُ وَالْفِسْقُ فِي اللُّغَةِ الْخُرُوجُ وَالْمُرَادُ)بِهِ فِي الشَّرْعِ الْخُرُوجُ عَنِ الطَّاعَةِ.
.
وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَسَبُّ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَفَاعِلُهُ فَاسِقٌ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
.
وَأَمَّا قِتَالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَكْفُرُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ كُفْرًا يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الْمِلَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ إِلَّا إِذَا اسْتَحَلَّهُ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ فِي الْمُسْتَحِلِّ وَالثَّانِي أَنَّ المراد كفر الاحسان والنعمة وأخوة الاسلام لاكفر الجحود والثالث أنه يؤول إِلَى الْكُفْرِ بِشُؤْمِهِ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ كَفِعْلِ الْكُفَّارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قِتَالِهِ الْمُقَاتَلَةُ الْمَعْرُوفَةُ قَالَ الْقَاضِي وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُشَارَّةُ وَالْمُدَافَعَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
.
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِسْنَادِ فَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ بِالرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَفِيهِ زُبَيْدٌ بِضَمِّ الزَّايِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُثَنَّاةِ وَهُوَ زبيد بن الحرث الْيَامِيُّ وَيُقَالُ الْأَيَامِيُّ وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيْرُهُ وفى الموطأ زبيد بْنُ الصَّلْتِ بِتَكْرِيرِ الْمُثَنَّاةِ وَبِضَمِّ الزَّايِ وَكَسْرِهَا وقد تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آخَرِ الْفُصُولِ وَفِيهِ أَبُو وَائِلٍ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ.
.
وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ فِي أَوَّلِ الْإِسْنَادِ
[62] رغب عَن أَبِيه ترك الانتساب إِلَيْهِ وجحده
[ سـ
:123 ... بـ
:62]
حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( مَنِ ادَّعَى أَبًا فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَبِيهِ ، يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ) أَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى فَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا ..
وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ " فَفِيهِ التَّأْوِيلَانِ اللَّذَانِ قَدَّمْنَاهُمَا فِي نَظَائِرِهِ
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا لَهُ ،
وَالثَّانِي أَنَّ جَزَاءَهُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ أَوَّلًا عِنْدَ دُخُولِ الْفَائِزِينَ وَأَهْلِ السَّلَامَةِ ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يُجَازَى فَيُمْنَعُهَا عِنْدَ دُخُولِهِمْ ، ثُمَّ يَدْخُلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ لَا يُجَازَى بَلْ يَعْفُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ ، وَمَعْنَى حَرَامٌ : مَمْنُوعَةٌ ، وَيُقَالُ : رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ أَيْ : تَرَكَ الِانْتِسَابَ إِلَيْهِ ، وَجَحَدَهُ ، يُقَالُ : رَغِبْتُ عَنِ الشَّيْءِ تَرَكْتُهُ وَكَرِهْتُهُ ، وَرَغِبْتُ فِيهِ اخْتَرْتُهُ وَطَلَبْتُهُ .
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُثْمَانَ : لَمَّا ادُّعِيَ زِيَادٌ لَقِيتُ أَبَا بَكْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ ؟ إِنِّي سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ : سَمِعَ أُذُنَايَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ : مَنِ ادَّعَى أَبًا فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ : أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ الْإِنْكَارُ عَلَى أَبِي بَكْرَةَ ; وَذَلِكَ أَنَّ زِيَادًا هَذَا الْمَذْكُورَ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِزِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَيُقَالُ فِيهِ : زِيَادُ بْنُ أَبِيهِ ، وَيُقَالُ : زِيَادُ بْنُ أُمِّهِ ، وَهُوَ أَخُو أَبِي بَكْرَةَ لِأُمِّهِ ، وَكَانَ يُعْرَفُ بِزِيَادِ بْنِ عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ ، ثُمَّ ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَلْحَقَهُ بِأَبِيهِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ; فَلِهَذَا قَالَ أَبُو عُثْمَانَ لِأَبِي بَكْرَةَ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ ؟ وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ، وَهَجَرَ بِسَبَبِهِ زِيَادًا ، وَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدًا .
وَلَعَلَّ أَبَا عُثْمَانَ لَمْ يَبْلُغْهُ إِنْكَارُ أَبِي بَكْرَةَ حِينَ قَالَ لَهُ هَذَا الْكَلَامَ ، أَوْ يَكُونُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ : مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ ؟ أَيْ مَا هَذَا الَّذِي جَرَى مِنْ أَخِيكَ ؟ مَا أَقْبَحَهُ وَأَعْظَمَ عُقُوبَتَهُ ! فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ عَلَى فَاعِلِهِ الْجَنَّةَ .
وَقَوْلُهُ : ( ادُّعِيَ ) ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَيِ ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ .
وَوُجِدَ بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي عَامِرٍ الْعَبْدَرِيِّ ادَّعَى بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْعَيْنِ عَلَى أَنَّ زِيَادًا هُوَ الْفَاعِلُ وَهَذَا لَهُ وَجْهٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ ادَّعَاهُ ، وَصَدَّقَهُ زِيَادٌ ، فَصَارَ زِيَادٌ مُدَّعِيًا أَنَّهُ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا قَوْلُ سَعْدٍ ( سَمِعَ أُذُنَايَ ) فَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ سَمِعَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ ، وَأُذُنَايَ بِالتَّثْنِيَةِ .
وَكَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو كَوْنَهُ أُذُنَايَ بِالْأَلِفِ عَلَى التَّثْنِيَةِ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي الْفَتْحِ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَنْ عَبْدِ الْغَافِرِ قَالَ : وَهُوَ فِيمَا يُعْتَمَدُ مِنْ أَصْلِ أَبِي الْقَاسِمِ الْعَسَاكِرِيِّ وَغَيْرِهِ ( أُذُنَيَّ ) بِغَيْرِ أَلِفٍ .
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَهُمْ ضَبَطَهُ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَأُذُنِي بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ قَالَ : وَضَبَطْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْجَيَّانِيِّ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَعَ إِسْكَانِ الْمِيمِ وَهُوَ الْوَجْهُ .
قَالَ سِيبَوَيْهِ : الْعَرَبُ تَقُولُ : سَمِعَ أُذُنَيَّ زَيْدًا يَقُولُ كَذَا .
وَحُكِيَ عَنِ الْقَاضِي الْحَافِظِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ سَكْرَةَ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا .
وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي وَلَيْسَ إِنْكَارُهُ بِشَيْءٍ .
بَلِ الْأَوْجُهُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ ظَاهِرَةٌ .
وَيُؤَيِّدُ كَسْرَ الْمِيمِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ ، وَمَعْنَى وَوَعَاهُ حَفِظَهُ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِسْنَادِ فَفِيهِ هَارُونَ الْأَيْلِيُّ بِالْمُثَنَّاةِ .
وَعِرَاكٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ بِالْكَافِ .
وَفِيهِ ( أَبُو عُثْمَانَ ) وَهُوَ النَّهْدِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ ، وَاسْمُهُ ( عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَلٍّ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا مَعَ تَشْدِيدِ اللَّامِ ، وَيُقَالُ مِلْءٍ بِالْكَسْرِ مَعَ إِسْكَانِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي شَرْحِ آخِرِ الْمُقَدِّمَةِ .
وَأَمَّا ( أَبُو بَكْرَةَ ) فَاسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ ، وَأُمُّهُ وَأُمُّ أَخِيهِ زِيَادٍ سُمَيَّةُ .
أَمَةُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ .
وَقِيلَ لَهُ أَبُو بَكْرَةَ لِأَنَّهُ تَدَلَّى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ بِبَكْرَةَ .
مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ إِحْدَى ، وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - .
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .