هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1424 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الأَوَّلِ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ ، وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرُ ، وَبَيَّنَ فِي هَذَا ، وَوَقَّتَ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ ، وَالمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى المُبْهَمِ ، إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ كَمَا رَوَى الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الكَعْبَةِ وَقَالَ بِلاَلٌ : قَدْ صَلَّى ، فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلاَلٍ وَتُرِكَ قَوْلُ الفَضْلِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1424 حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر ، وما سقي بالنضح نصف العشر قال أبو عبد الله : هذا تفسير الأول ، لأنه لم يوقت في الأول يعني حديث ابن عمر ، وفيما سقت السماء العشر ، وبين في هذا ، ووقت والزيادة مقبولة ، والمفسر يقضي على المبهم ، إذا رواه أهل الثبت كما روى الفضل بن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة وقال بلال : قد صلى ، فأخذ بقول بلال وترك قول الفضل
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن عبدِ اللهِ بن عمر العدوي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الأَوَّلِ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ ، وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرُ ، وَبَيَّنَ فِي هَذَا ، وَوَقَّتَ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ ، وَالمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى المُبْهَمِ ، إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ كَمَا رَوَى الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الكَعْبَةِ وَقَالَ بِلاَلٌ : قَدْ صَلَّى ، فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلاَلٍ وَتُرِكَ قَوْلُ الفَضْلِ .

Narrated Salim bin `Abdullah from his father:

The Prophet (ﷺ) said, On a land irrigated by rain water or by natural water channels or if the land is wet due to a near by water channel Ushr (i.e. one-tenth) is compulsory (as Zakat); and on the land irrigated by the well, half of an Ushr (i.e. one-twentieth) is compulsory (as Zakat on the yield of the land).

D'après Sâlim ibn 'AbdulLâh (), le Prophète () dit: «[Les produits] arrosés par l'eau de pluie ou par les sources et ceux arrosés naturellement, doivent payer le dixième. Quant à ce qui est irrigué par de l'eau transportée par des chamelles, il payera la moitié du dixième.» Abu 'AbdulLâh: Cela est donc l'explication du hadîth précédent (sic), car dans le premier hadîth, c'estàdire celui rapporté par ibn 'Umar, on trouve que ce qui est arrosé par l'eau de pluie doit payer le dixième; tandis que ce hadîth précise et indique le temps [où il faut prélever l'Aumône]. D'autre part, [ce genre de] rajout est accepté; de plus, c'est le texte explicatif qui détermine le sens du texte formulé d'une façon vague. C'est le cas du hadîth rapporté par alFad! ibn 'Abbâs qui avance que le Prophète n'avait pas fait de prière à l'intérieur de la Ka'ba tandis que Bilâl dit qu'il y avait prié. On accepte donc le dire de Bilâl en laissant celui d'alFadI.

":"ہم سے سعید بن ابی مریم نے بیان کیا ‘ کہا کہ ہم سے عبداللہ بن وہب نے بیان کیا ‘ کہا کہ مجھے یونس بن یزید نے خبر دی ‘ انہیں شہاب نے ‘ انہیں سالم بن عبداللہ بن عمر نے ‘ انہیں ان کے والد نے کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا ۔ وہ زمین جسے آسمان ( بارش کا پانی ) یا چشمہ سیراب کرتا ہو ۔ یا وہ خودبخود نمی سے سیراب ہو جاتی ہو تو اس کی پیداوار سے دسواں حصہ لیا جائے اور وہ زمین جسے کنویں سے پانی کھینچ کر سیراب کیا جاتا ہو تو اس کی پیداوار سے بیسواں حصہ لیا جائے ۔ ابوعبداللہ ( امام بخاری رحمہ اللہ ) نے کہا کہ یہ حدیث یعنی عبداللہ بن عمر رضی اللہ عنہما کی حدیث کہ جس کھیتی میں آسمان کا پانی دیا جائے ‘ دسواں حصہ ہے پہلی حدیث یعنی ابوسعید کی حدیث کی تفسیر ہے ۔ اس میں زکوٰۃ کی کوئی مقدار مذکور نہیں ہے اور اس میں مذکور ہے ۔ اور زیادتی قبول کی جاتی ہے ۔ اور گول مول حدیث کا حکم صاف صاف حدیث کے موافق لیا جاتا ہے ۔ جب اس کا راوی ثقہ ہو ۔ جیسے فضل بن عباس رضی اللہ عنہ نے روایت کیا کہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے کعبہ میں نماز نہیں پڑھی ۔ لیکن بلال رضی اللہ عنہ نے بتلایا کہ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے نماز ( کعبہ میں ) پڑھی تھی ۔ اس موقع پر بھی بلال رضی اللہ عنہ کی بات قبول کی گئی اور فضل رضی اللہ عنہ کا قول چھوڑ دیا گیا ۔

D'après Sâlim ibn 'AbdulLâh (), le Prophète () dit: «[Les produits] arrosés par l'eau de pluie ou par les sources et ceux arrosés naturellement, doivent payer le dixième. Quant à ce qui est irrigué par de l'eau transportée par des chamelles, il payera la moitié du dixième.» Abu 'AbdulLâh: Cela est donc l'explication du hadîth précédent (sic), car dans le premier hadîth, c'estàdire celui rapporté par ibn 'Umar, on trouve que ce qui est arrosé par l'eau de pluie doit payer le dixième; tandis que ce hadîth précise et indique le temps [où il faut prélever l'Aumône]. D'autre part, [ce genre de] rajout est accepté; de plus, c'est le texte explicatif qui détermine le sens du texte formulé d'une façon vague. C'est le cas du hadîth rapporté par alFad! ibn 'Abbâs qui avance que le Prophète n'avait pas fait de prière à l'intérieur de la Ka'ba tandis que Bilâl dit qu'il y avait prié. On accepte donc le dire de Bilâl en laissant celui d'alFadI.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1483] .

     قَوْلُهُ  عَثَرِيًّا بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الرَّاء وَتَشْديد التَّحْتَانِيَّة وَحكى عَن بن الْأَعرَابِي تَشْدِيد الْمُثَلَّثَة ورده ثَعْلَب وَحكى بن عُدَيْسٍ فِي الْمُثَلَّثِ فِيهِ ضَمَّ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانَ ثَانِيهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ من غير سقِِي زَاد بن قُدَامَةَ عَنِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَهُوَ الْمُسْتَنْقَعُ فِي بِرْكَةٍ وَنَحْوِهَا يُصَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ فِي سَوَاقٍ تُشَقُّ لَهُ قَالَ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْعَاثُورِ وَهِيَ السَّاقِيَةُ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ لِأَنَّ الْمَاشِيَ يَعْثُرُ فِيهَا قَالَ وَمِنْهُ الَّذِي يَشْرَبُ مِنَ الْأَنْهَارِ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ أَوْ يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ كَأَنْ يُغْرَسَ فِي أَرْضٍ يَكُونُ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْ وَجْهِهَا فَيَصِلُ إِلَيْهِ عُرُوقُ الشَّجَرِ فَيَسْتَغْنِي عَنِ السَّقْيِ وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَوْلَى مِنَ إِطْلَاقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ الْعَثَرِيَّ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ لِأَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ وَكَذَا قَوْلُ مَنْ فَسَّرَ الْعَثَرِيَّ بِأَنَّهُ الَّذِي لَا حَمْلَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَ بن قُدَامَةَ لَا نَعْلَمُ فِي هَذِهِ التَّفْرِقَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا خِلَافًا .

     قَوْلُهُ  بِالنَّضْحِ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْ بِالسَّانِيَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَالْمُرَادُ بِهَا الْإِبِلُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا وَذَكَرَ الْإِبِلَ كَالْمِثَالِ وَإِلَّا فَالْبَقْرُ وَغَيْرُهَا كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ إِلَخْ هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ هَذَا الْكَلَامُ عَقِبَ حَدِيثِ بن عُمَرَ فِي الْعَثَرِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَيْضًا وَجَزَمَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيُّ بِأَنَّ ذِكْرَهُ عقب حَدِيث بن عُمَرَ مِنْ قِبَلِ بَعْضِ نُسَّاخِ الْكِتَابِ انْتَهَى وَلَمْ يَقِفِ الصَّغَانِيُّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ وَقَعَ هُنَا فِي جَمِيعِهَا قَالَ وَحَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.

.

قُلْتُ وَلِذِكْرِهِ عَقِبَ كُلٍّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ وَجْهٌ لَكِنَّ تَعْبِيرَهُ بِالْأَوَّلِ يُرَجِّحُ كَوْنَهُ بَعْدَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَسَّرُ للَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ حَدِيث بن عمر فَحَدِيث بن عُمَرَ بِعُمُومِهِ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّصَابِ وَفِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا يُسْقَى بِمُؤْنَةٍ وَبِغَيْرِ مُؤنَةٍ وَلَكِنَّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مُخْتَصٌّ بِالْمَعْنَى الَّذِي سِيقَ لِأَجْلِهِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ بِخِلَافِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّهُ مُسَاقٌ لِبَيَانِ جِنْسِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ وَقَدْرِهِ فَأَخَذَ بِهِ الْجُمْهُورُ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ كَلَامَ الْبُخَارِيِّ وَقَعَ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَدَلَّ حَدِيثُ الْبَابِ عَلَى التَّفْرِقَةِ فِي الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ الَّذِي يُسْقَى بِنَضْحٍ أَوْ بِغَيْرِ نَضْحٍ فَإِنْ وُجِدَ مَا يُسْقَى بِهِمَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ إِذَا تَسَاوَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ بن قُدَامَةَ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ كَانَ حُكْمُ الْأَقَلِّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي يُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إِنْ أَمْكَنَ فَصْلُ كُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا أَخذ بِحِسَابِهِ وَعَن بن الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ الْعِبْرَةُ بِمَا تَمَّ بِهِ الزَّرْع وانْتهى وَلَو كَانَ أقل قَالَه بن التِّينِ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ قَالَ النَّسَائِيُّ عَقِبَ تَخْرِيجِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ نَافِعٌ عَنِ بن عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ وَسَالِمٌ أَجَلُّ مِنْ نَافِعٍ وَقَوْلُ نَافِعٍ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَقَولُهُ بَعْدَهُ هَذَا تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الْأَوَّلِ أَيْ لَمْ يَذْكُرْ حَدًّا لِلنِّصَابِ وَقَولُهُ وَبَيَّنَ فِي هَذَا يَعْنِي فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ .

     قَوْلُهُ  وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ أَيْ مِنَ الْحَافِظِ وَالثَّبَتُ بِتَحْرِيكِ الْمُوَحَّدَةِ الثَّبَاتُ وَالْحُجَّةُ .

     قَوْلُهُ  وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ أَيْ الْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ فِيمَا سَقَتْ عَامٌّ يَشْمَلُ النِّصَابَ ودونه وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ خَاصٌّ بِقَدْرِ النِّصَابِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ الْبَيَانُ وَفْقَ الْمُبِينِ لَا زَائِدًا عَلَيْهِ وَلَا نَاقِصًا عَنْهُ أَمَّا إِذَا انْتَفَى شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ مَثَلًا فَيُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهِ كَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى النِّصَابِ فِيمَا يَقْبَلُ التَّوْسِيقُ وَسَكَتَ عَمَّا لَا يَقْبَلُ التَّوْسِيقُ فَيُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ أَيْ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّوْسِيقُ فِيهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ وَأَجَابَ الْجُمْهُوربِمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا لَا زَكَاةَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَمُعَاذٍ مَرْفُوعًا.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ لَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ إِلَّا مُرْسَلُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا هِيَ فِيمَا يُكَالُ مِمَّا يُدَّخَرُ لِلِاقْتِيَاتِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ يُخْرِجُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِك وَلَو كَانَ لايقتات وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَأبي يُوسُف وَحكى بن الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِمَّا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ تَجِبُ فِي جَمِيعِ مَا يُقْصَدُ بِزِرَاعَتِهِ نَمَاءُ الْأَرْضِ إِلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ وَالشَّجَرَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ ثَمَرٌ انْتَهَى وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ دَاوُدَ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ فِيهِ الْكَيْلُ يُرَاعَى فِيهِ النِّصَابُ وَمَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْكَيْلُ فَفِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْجَمْعِ بَين الْحَدِيثين الْمَذْكُورين وَالله أعلم قَالَ بن الْعَرَبِيِّ أَقْوَى الْمَذَاهِبِ وَأَحْوَطُهَا لِلْمَسَاكِينِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ قَالَ وَقَدْ زَعَمَ الْجُوَيْنِيُّ أَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا جَاءَ لِتَفْصِيلِ مَا تقل مِمَّا تكْثر مُؤْنَته قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي الْوَجْهَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  كَمَا رَوَى إِلَخْ أَيْ كَمَا أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي فِي حَدِيثَيِ الْفَضْلِ وَبِلَالٍ وَحَدِيثُ الْفَضْلِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَحَدِيثُ بِلَالٍ سَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَكْمِيلٌ اخْتُلِفَ فِي هَذَا النِّصَابِ هَلْ هُوَ تَحْدِيدٌ أَوْ تَقْرِيبٌ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ أَحْمَدُ وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ إِلَّا إِنْ كَانَ نَقْصًا يَسِيرًا جِدًّا مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ فَلَا يَضُرُّ قَالَهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ تَقْرِيبٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِحِسَابِهِ وَلَا وَقَصَ فِيهَا ( قَولُهُ بَابُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْوَرِقِ وَذُكِرَ فِيهِ قَدْرُ الْوَسْقِ وَقَولُهُ هُنَا لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مَا زَائِدَةٌ وَأَقَلُّ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بَقِي وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْدَهُ بِلَفْظِ وَلَيْسَ فِي أَقَلَّ( قَولُهُ بَابُ أَخْذِ صَدَقَةِ التَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ وَهَلْ يُتْرَكُ الصَّبِيُّ فَيَمَسُّ تَمْرَ الصَّدَقَةِ) الصِّرَامُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ الْجِدَادُ وَالْقِطَافُ وَزْنًا وَمَعْنًى وَقَدِ اشْتَمَلَ هَذَا الْبَابُ عَلَى تَرْجَمَتَيْنِ أَمَّا الْأُولَى فَلَهَا تَعَلُّقٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده وَاخْتلفُوا فِي المُرَاد بِالْحَقِّ فِيهَا فَقَالَ بن عَبَّاس هِيَ الْوَاجِبَة وَأخرجه بن جرير عَن أنس.

     وَقَالَ  بن عمر هُوَ شَيْء سوى الزَّكَاة أخرجه بن مَرْدَوَيْهِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ وَحَدِيثُ الْبَابِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ غَيْرُ الزَّكَاةِ وَكَأَنَّهُ الْمُرَادُ بِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مِنْ كُلِّ جَادٍّ عَشْرَةُ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ بِقِنْوٍ يُعَلَّقُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَسَاكِينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ وَتَعْلِيقِ الْقِنْوِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ.

.
وَأَمَّا التَّرْجَمَةُ الثَّانِيَةُ فَرَبَطَهَا بِالتَّرْكِ إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى أَنَّ الصِّبَا وَإِنْ كَانَ مَانِعًا مِنْ تَوْجِيهِ الْخِطَابِ إِلَى الصَّبِيِّ فَلَيْسَ مَانِعًا مِنْ تَوْجِيهِ الْخِطَابِ إِلَى الْوَلِيِّ بِتَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَأَوْرَدَهَا بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ خَاصًّا بِمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُ الصَّدَقَةِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1483] حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ».
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ لأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الأَوَّلِ، يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ "وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ" وَبَيَّنَ فِي هَذَا وَوَقَّتَ.
وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ، وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ، كَمَا رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ".
وَقَالَ بِلاَلٌ "قَدْ صَلَّى" فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلاَلٍ وَتُرِكَ قَوْلُ الْفَضْلِ.
وبالسند قال: ( حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي بالولاء قال: ( حدّثنا عبد الله بن وهب) بفتح الواو وسكون الهاء القرشي المصري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( يونس بن يزيد) الأيلي ( عن الزهري) ولأبي ذر: عن ابن شهاب الزهري ( عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب ( -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال) : ( فيما سقت السماء) من باب ذكر المحل وإرادة الحال أي المطر ( والعيون أو كان عثريًا) بفتح العين المهملة والمثلثة المخففة وكسر الراء وتشديد التحتية ما يسقى بالسيل الجاري في حفر وتسمى الحفرة عاثوراء لتعثر المار بها إذا لم يعلمها قاله الأزهري، وهو المسمى بالبعلي في الرواية الأخرى ( العشر) مبتدأ خبره فيما سقت السماء أي العشر واجب فيما سقت السماء ( وما سقي بالنضح) بفتح النون وسكون المعجمة بعدها مهملة ما سقي من الآبار بالغرب أو بالسانية فواجبه ( نصف العشر) والفرق ثقل المؤنة هنا وخفتها في الأول، والناضح: اسم لما يسقى عليه من بعير أو بقرة ونحوهما.
( قال: أبو عبد الله) أي البخاري ( هذا) أي حديث الباب ( تفسير) الحديث ( الأول) وهو حديث أبي سعيد السابق في باب: ما أدي زكاته فليس بكنز، واللاحق لهذا الباب ولفظه: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ( لأنه لم يوقت) بكسر القاف، ولأبي ذر: يوقت بفتحها ( في) الحديث ( الأول) يريد لم يحدد بالعشر أو نصفه وكان الأصل أن يقول لأنه لم يوقت فيه، لكنه عبّر بالظاهر موضع المضمر ( يعني) أي البخاري بقوله هذا ( حديث ابن عمر فيما سقت السماء العشر) جملة معترضة من كلام الراوي بين قوله لأنه لم يوقت في الأول وبين قوله: ( وبين في هذا) أي في حديث ابن عمر ما يجب فيه العشر أو نصفه، ( ووقت) أي حدد به هذا ما ظهر لي من شرح هذا القول، والذي مشى عليه الكرماني وغيره من الشراح ممن علمته أن مراده أن حديث أبي سعيد مفسر لحديث ابن عمر والزيادة والتوقيت تعيين النصاب، وفي هذا نظر لا يخفى لأنه يصير المعنى.
قال أبو عبد الله هذا تفسير الأول يعني حديث أبي سعيد السابق لأنه لم يوقت في الأول الذي هو حديث أبي سعيد وهو خلاف المدعى فليتأمل.
نعم، حديث ابن عمر هذا بعمومه ظاهر في عدم اشتراط النصاب، فحديث أبي سعيد مقيد لإطلاقه، كما أن حديث ابن عمر مقيد لإطلاق حديث أبي سعيد فكل منهما مفسر للآخر بما فيه من الزيادة ( والزيادة) من الثقة ( مقبولة، والمفسر) بفتح السين ( يقضي على المبهم) بفتح الهاء أي الخاص يقضي على العام بالتخصيص لأن قوله: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة يشمل ما يسقى بمؤنة وغير مؤنة.
وقوله فيما سقت السماء خاص ( إذا رواه أهل الثبت) بسكون الموحدة في فرع اليونينية.
وقال الحافظ ابن حجر كالكرماني وغيره بفتحها وإذا رواه متعلق بقوله مقبولة.
وقال التيمي والإسماعيلي: إن هذا القول في نسخة الفربري إنما هو عقب حديث أبي سعيد في الباب التالي لهذا الباب وإن وقوعه هنا غلط من الناسخ، ويشكل عليه ثبوته في الأصول المعتمدة في كل من البابين عقب حديث ابن عمر، وفي رواية عن أبي ذر وابن عساكر عقب حديث أبي سعيد: وإن اختلف بعض اللفظ فيهما على أن نسبة الغلط للناسخ إنما تتأتى على تقدير إرادة المؤلّف أن حديث أبي سعيد مفسر لحديث ابن عمر، وقد مرّ ما في ذلك.
أما على ما ذكرته من أن حديث الباب مفسر لحديث أبي سعيد فلا، وحينئذٍ فالمصير إلى ما ذكرته أولى من العكس على ما لا يخفى، وفي رواية غير أبي ذر قال أبو عبد الله هذا الأول لأنه لم يوقت في الأول فأسقط لفظ تفسير، لكن في اليونينية ضبب على لفظة الأول الأولى وكتب في الهامش صوابه أولى أو المفسر للأولى بفتح الهمزة وسكون الواو من الأولوية والمفسر بكسر السين.
قلت: ومعناه حديث الباب أولى من حديث أبي سعيد السابق لما فيه من زيادة التمييز بين ما يسقى بمؤنة وبغير مؤنة أو هو المفسر لحديث أبي سعيد حيث بين فيه كما مرّ، وهو يؤيد ما شرحته فليتأمل.
( كما روى الفضل بن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله أحمد ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يصل في الكعبة) يوم فتح مكة.
( وقال بلال) المؤذن فيما وصله المؤلّف في الحج ( قد صلّى) فيها يومئذٍ ( فأخذ بقول بلال) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول لما معه من الزيادة ( وترك قول الفضل) بضم تاء ترك مبنيًا للمفعول كأخذ وليس قول بلال منافيًا لقول الفضل لم يصل بل مراده أنه لم يره لاشتغاله بالدعاء ونحوه في ناحية من نواحي البيت غير التي صلّى فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
56 - باب لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ هذا ( باب) بالتنوين ( ليس فيما دون خمسة أوسق) من المقتات في حال الاختيار وهو من الثمار الرطب والعنب ومن الحب الحنطة والشعير والسلت والأرز والعدس والحمص والباقلاء والدخن والذرة واللوبيا والماش والجلبان ونحوها ( صدقة) والوسق ستون صاعًا والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالبغدادي، فالأوسق الخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي والأصح اعتبار الكيل لا الوزن إذا اختلفا، وإنما قدّر بالوزن استظهارًا.
قال القمولي: وقدر النصاب بأردب مصر ستة أرادب وربع بجعل القدحين صاعًا كزكاة الفطر وكفارة اليمين.
وقال السبكي: خمسة أرادب ونصف وثلث فقد اعتبرت القدح المصري بالمد الذي حررته فوسع مدّين وسبعًا تقريبًا، فالصاع قدحان إلا سبعي مد وكل خمسة عشر مدًا سبعة أقداح وكل خمسة عشر صاعًا ويبة ونصف وربع فثلاثون صاعًا ثلاث ويبات ونصف وثلاثمائة صاع خمسة وثلاثون ويبة وهي خمسة أرادب ونصف وثلث، فالنصاب، على قوله خمسمائة وستون قدحًا وعلى قول القمولي ستمائة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَالْمَاءِ الْجَارِي)
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ عَدَلَ عنْ لَفْظِ الْعُيُونِ الْوَاقِعِ فِي الْخَبَرِ إِلَى الْمَاءِ الْجَارِي لِيُجْرِيَهُ مُجْرَى التَّفْسِيرِ لِلْمَقْصُودِ مِنْ مَاءِ الْعُيُونِ وَأَنَّهُ الْمَاءُ الَّذِي يَجْرِي بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نَضْحٍ وَلِيُبَيِّنَ أَنَّ الَّذِي يَجْرِي بِنَفْسِهِ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَدِيرٍ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا يَجْرِي مِنَ الْعُيُونِ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْعَسَلِ شَيْئًا أَيْ زَكَاةً وَصَلَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ جَاءَ كِتَابٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي وَهُوَ بِمِنًى أَنْ لَا تَأْخُذَ مِنَ الْخَيْلِ وَلَا مِنَ الْعَسَلِ صَدَقَةً وَأَخْرَجَ بن أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى نَافِع مولى بن عُمَرَ قَالَ بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْيَمَنِ فَأَرَدْتُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْعَسَلِ الْعُشْرَ فَقَالَ مُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ الصَّنْعَانِيُّ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ فَكَتَبْتَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ صَدَقَ هُوَ عَدْلُ رِضَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ وَجَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا يُخَالِفُهُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جُرَيْجٍ عَنْ كِتَابِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ ذَكَرَ لِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَهْلِي أَنَّهُ تَذَاكَرَ هُوَ وَعُرْوَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ فَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنْ صَدَقَةِ الْعَسَلِ فَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّا قَدْ وَجَدْنَا بَيَانَ صَدَقَةِ الْعَسَلِ بِأَرْضِ الطَّائِفِ فَخُذْ مِنْهُ الْعُشْرَ انْتَهَى وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ لِجَهَالَةِ الْوَاسِطَةِ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى تَضْعِيفِ مَا رُوِيَ أَنَّ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرَ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ الْعَسَلِ الْعُشْرُ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَرَّرٍ وَهُوَ بِمُهْمَلَاتٍ وَزْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَبْدُ اللَّهِ مَتْرُوكٌ وَلَا يَصِحُّ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ شَيْءٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ حَدِيثُ إِنَّ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرَ ضَعِيفٌ وَفِي أَنْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ ضَعِيفٌ إِلَّا عَنْ عُمَرَ بْنِ عبد الْعَزِيز انْتهى وروى عبد الرَّزَّاق وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا أَتَى الْيَمَنَ قَالَ لَمْ أُؤْمَرْ فِيهِمَا بِشَيْءٍ يَعْنِي الْعَسَلَ وَأَوْقَاصَ الْبَقَرِ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ.

.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ جَاءَ هِلَالٌ أَحَدُ بَنِي مُتْعَانَ أَيْ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ وَكَانَ سَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ وَادِيًا فَحَمَاهُ لَهُ فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ إِنْ أَدَّى إِلَيْكَ عُشُورَ نَحْلِهِ فَاحْمِ لَهُ سَلَبَهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِسْنَادُهُ صَحِيح إِلَى عَمْرو وَتَرْجَمَةُ عَمْرٍو قَوِيَّةٌ عَلَى الْمُخْتَارِ لَكِنْ حَيْثُ لَا تَعَارُضَ وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هِلَالًا أَعْطَى ذَلِكَ تَطَوُّعًا فَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ يَنْهَاهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْعَسَلِ صَدَقَةً إِلَّا إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا فَجَمَعَ عُثْمَانُ أَهْلَ الْعَسَلِ فَشَهِدُوا أَنَّ هِلَالَ بْنَ سَعْدٍ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَسَلٍ فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ صَدَقَةٌ فَأَمَرَ بِرَفْعِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ عُشُورًا لَكِنَّ الْإِسْنَادَ الْأَوَّلَ أَقْوَى إِلَّا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْحِمَى كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ لَيْسَ فِي الْعَسَلِ خَبَرٌ يَثْبُتُ وَلَا إِجْمَاعٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا أُخِذَ مِنْ غَيْرِ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَمَا نَقَلَهُ عَنِ الْجُمْهُورِ مُقَابِلُهُ قَوْلُ التِّرْمِذِيَّ بَعْدَ أَن أخرج حَدِيث بن عُمَرَ فِيهِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ فِي الْعَسَلِ شَيْءٌ وَأَشَارَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ إِلَى أَن الَّذِي نَقله بن الْمُنْذر أقوى قَالَ بن الْمُنِيرِ مُنَاسَبَةُ أَثَرِ عُمَرَ فِي الْعَسَلِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا عُشْرَ فِيهِ لِأَنَّهُ خَصَّ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَهُ بِمَا يُسْقَى فَأَفْهَمَ أَنَّ مَا لَا يسقى لَا يعشر زَاد بن رَشِيدٍ فَإِنْ قِيلَ الْمَفْهُومُ إِنَّمَا يَنْفِي الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَهُ لَا مُطْلَقَ الزَّكَاةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّاسَ قَائِلَانِ مُثْبِتٌ لِلْعُشْرِ وَنَافٍ لِلزَّكَاةِ أَصْلًا فَتَمَّ الْمُرَادُ قَالَ وَوَجْهُ إِدْخَالِهِ الْعَسَلَ أَيْضًا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يَرَى فِيهِ زَكَاةً وَإِنْ كَانَتِ النَّحْلُ تَتَغَذَّى مِمَّا يُسْقَى مِنَ السَّمَاءِ لَكِنَّ الْمُتَوَلِّدَ بِالْمُبَاشَرَةِ كَالزَّرْعِ لَيْسَ كَالْمُتَوَلِّدِ بِوَاسِطَةِ حَيَوَانٍ كَاللَّبَنِ فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ عَنِ الرَّعْيِ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ

[ قــ :1424 ... غــ :1483] .

     قَوْلُهُ  عَثَرِيًّا بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الرَّاء وَتَشْديد التَّحْتَانِيَّة وَحكى عَن بن الْأَعرَابِي تَشْدِيد الْمُثَلَّثَة ورده ثَعْلَب وَحكى بن عُدَيْسٍ فِي الْمُثَلَّثِ فِيهِ ضَمَّ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانَ ثَانِيهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ من غير سقِِي زَاد بن قُدَامَةَ عَنِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَهُوَ الْمُسْتَنْقَعُ فِي بِرْكَةٍ وَنَحْوِهَا يُصَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ فِي سَوَاقٍ تُشَقُّ لَهُ قَالَ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْعَاثُورِ وَهِيَ السَّاقِيَةُ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ لِأَنَّ الْمَاشِيَ يَعْثُرُ فِيهَا قَالَ وَمِنْهُ الَّذِي يَشْرَبُ مِنَ الْأَنْهَارِ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ أَوْ يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ كَأَنْ يُغْرَسَ فِي أَرْضٍ يَكُونُ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْ وَجْهِهَا فَيَصِلُ إِلَيْهِ عُرُوقُ الشَّجَرِ فَيَسْتَغْنِي عَنِ السَّقْيِ وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَوْلَى مِنَ إِطْلَاقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ الْعَثَرِيَّ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ لِأَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ وَكَذَا قَوْلُ مَنْ فَسَّرَ الْعَثَرِيَّ بِأَنَّهُ الَّذِي لَا حَمْلَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَ بن قُدَامَةَ لَا نَعْلَمُ فِي هَذِهِ التَّفْرِقَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا خِلَافًا .

     قَوْلُهُ  بِالنَّضْحِ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْ بِالسَّانِيَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَالْمُرَادُ بِهَا الْإِبِلُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا وَذَكَرَ الْإِبِلَ كَالْمِثَالِ وَإِلَّا فَالْبَقْرُ وَغَيْرُهَا كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ إِلَخْ هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ هَذَا الْكَلَامُ عَقِبَ حَدِيثِ بن عُمَرَ فِي الْعَثَرِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَيْضًا وَجَزَمَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيُّ بِأَنَّ ذِكْرَهُ عقب حَدِيث بن عُمَرَ مِنْ قِبَلِ بَعْضِ نُسَّاخِ الْكِتَابِ انْتَهَى وَلَمْ يَقِفِ الصَّغَانِيُّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ وَقَعَ هُنَا فِي جَمِيعِهَا قَالَ وَحَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.

.

قُلْتُ وَلِذِكْرِهِ عَقِبَ كُلٍّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ وَجْهٌ لَكِنَّ تَعْبِيرَهُ بِالْأَوَّلِ يُرَجِّحُ كَوْنَهُ بَعْدَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَسَّرُ للَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ حَدِيث بن عمر فَحَدِيث بن عُمَرَ بِعُمُومِهِ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّصَابِ وَفِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا يُسْقَى بِمُؤْنَةٍ وَبِغَيْرِ مُؤنَةٍ وَلَكِنَّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مُخْتَصٌّ بِالْمَعْنَى الَّذِي سِيقَ لِأَجْلِهِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ بِخِلَافِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّهُ مُسَاقٌ لِبَيَانِ جِنْسِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ وَقَدْرِهِ فَأَخَذَ بِهِ الْجُمْهُورُ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ كَلَامَ الْبُخَارِيِّ وَقَعَ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَدَلَّ حَدِيثُ الْبَابِ عَلَى التَّفْرِقَةِ فِي الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ الَّذِي يُسْقَى بِنَضْحٍ أَوْ بِغَيْرِ نَضْحٍ فَإِنْ وُجِدَ مَا يُسْقَى بِهِمَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ إِذَا تَسَاوَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ بن قُدَامَةَ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ كَانَ حُكْمُ الْأَقَلِّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي يُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إِنْ أَمْكَنَ فَصْلُ كُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا أَخذ بِحِسَابِهِ وَعَن بن الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ الْعِبْرَةُ بِمَا تَمَّ بِهِ الزَّرْع وانْتهى وَلَو كَانَ أقل قَالَه بن التِّينِ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ قَالَ النَّسَائِيُّ عَقِبَ تَخْرِيجِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ نَافِعٌ عَنِ بن عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ وَسَالِمٌ أَجَلُّ مِنْ نَافِعٍ وَقَوْلُ نَافِعٍ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَقَولُهُ بَعْدَهُ هَذَا تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الْأَوَّلِ أَيْ لَمْ يَذْكُرْ حَدًّا لِلنِّصَابِ وَقَولُهُ وَبَيَّنَ فِي هَذَا يَعْنِي فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ .

     قَوْلُهُ  وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ أَيْ مِنَ الْحَافِظِ وَالثَّبَتُ بِتَحْرِيكِ الْمُوَحَّدَةِ الثَّبَاتُ وَالْحُجَّةُ .

     قَوْلُهُ  وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ أَيْ الْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ فِيمَا سَقَتْ عَامٌّ يَشْمَلُ النِّصَابَ ودونه وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ خَاصٌّ بِقَدْرِ النِّصَابِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ الْبَيَانُ وَفْقَ الْمُبِينِ لَا زَائِدًا عَلَيْهِ وَلَا نَاقِصًا عَنْهُ أَمَّا إِذَا انْتَفَى شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ مَثَلًا فَيُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهِ كَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى النِّصَابِ فِيمَا يَقْبَلُ التَّوْسِيقُ وَسَكَتَ عَمَّا لَا يَقْبَلُ التَّوْسِيقُ فَيُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ أَيْ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّوْسِيقُ فِيهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ وَأَجَابَ الْجُمْهُور بِمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا لَا زَكَاةَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَمُعَاذٍ مَرْفُوعًا.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ لَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ إِلَّا مُرْسَلُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا هِيَ فِيمَا يُكَالُ مِمَّا يُدَّخَرُ لِلِاقْتِيَاتِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ يُخْرِجُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِك وَلَو كَانَ لايقتات وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَأبي يُوسُف وَحكى بن الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِمَّا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ تَجِبُ فِي جَمِيعِ مَا يُقْصَدُ بِزِرَاعَتِهِ نَمَاءُ الْأَرْضِ إِلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ وَالشَّجَرَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ ثَمَرٌ انْتَهَى وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ دَاوُدَ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ فِيهِ الْكَيْلُ يُرَاعَى فِيهِ النِّصَابُ وَمَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْكَيْلُ فَفِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْجَمْعِ بَين الْحَدِيثين الْمَذْكُورين وَالله أعلم قَالَ بن الْعَرَبِيِّ أَقْوَى الْمَذَاهِبِ وَأَحْوَطُهَا لِلْمَسَاكِينِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ قَالَ وَقَدْ زَعَمَ الْجُوَيْنِيُّ أَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا جَاءَ لِتَفْصِيلِ مَا تقل مِمَّا تكْثر مُؤْنَته قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي الْوَجْهَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  كَمَا رَوَى إِلَخْ أَيْ كَمَا أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي فِي حَدِيثَيِ الْفَضْلِ وَبِلَالٍ وَحَدِيثُ الْفَضْلِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَحَدِيثُ بِلَالٍ سَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَكْمِيلٌ اخْتُلِفَ فِي هَذَا النِّصَابِ هَلْ هُوَ تَحْدِيدٌ أَوْ تَقْرِيبٌ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ أَحْمَدُ وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ إِلَّا إِنْ كَانَ نَقْصًا يَسِيرًا جِدًّا مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ فَلَا يَضُرُّ قَالَهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ تَقْرِيبٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِحِسَابِهِ وَلَا وَقَصَ فِيهَا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَبِالْمَاءِ الْجَارِي وَلَمْ يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْعَسَلِ شَيْئًا
( باب) أخذ ( العشر فيما يسقى من ماء السماء) وهو المطر ( وبالماء الجاري) كماء العيون والآبار، ولفظ سنن أبي داود: فيما سقت السماء والأنهار والعيون، ولأبي ذر: والماء بإسقاط الموحدة ( ولم ير عمر بن عبد العزيز) رحمه الله ( في العسل شيئًا) من الزكاة وهذا وصله مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمنى: أن لا يأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة، وحديث إن في العسل العشر ضعفه الشافعي.


[ قــ :1424 ... غــ : 1483 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ».


قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ لأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الأَوَّلِ، يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ "وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ" وَبَيَّنَ فِي هَذَا وَوَقَّتَ.
وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ، وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ، كَمَا رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ"..
     وَقَالَ  بِلاَلٌ "قَدْ صَلَّى" فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلاَلٍ وَتُرِكَ قَوْلُ الْفَضْلِ.

وبالسند قال: ( حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي بالولاء قال: ( حدّثنا عبد الله بن وهب) بفتح الواو وسكون الهاء القرشي المصري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( يونس بن يزيد) الأيلي ( عن الزهري) ولأبي ذر: عن ابن شهاب الزهري ( عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب ( -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال) :
( فيما سقت السماء) من باب ذكر المحل وإرادة الحال أي المطر ( والعيون أو كان عثريًا) بفتح العين المهملة والمثلثة المخففة وكسر الراء وتشديد التحتية ما يسقى بالسيل الجاري في حفر وتسمى الحفرة عاثوراء لتعثر المار بها إذا لم يعلمها قاله الأزهري، وهو المسمى بالبعلي في الرواية الأخرى ( العشر) مبتدأ خبره فيما سقت السماء أي العشر واجب فيما سقت السماء ( وما سقي بالنضح) بفتح النون وسكون المعجمة بعدها مهملة ما سقي من الآبار بالغرب أو بالسانية فواجبه ( نصف العشر) والفرق ثقل المؤنة هنا وخفتها في الأول، والناضح: اسم لما يسقى عليه من بعير أو بقرة ونحوهما.

( قال: أبو عبد الله) أي البخاري ( هذا) أي حديث الباب ( تفسير) الحديث ( الأول) وهو حديث أبي سعيد السابق في باب: ما أدي زكاته فليس بكنز، واللاحق لهذا الباب ولفظه: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ( لأنه لم يوقت) بكسر القاف، ولأبي ذر: يوقت بفتحها ( في) الحديث ( الأول) يريد لم يحدد بالعشر أو نصفه وكان الأصل أن يقول لأنه لم يوقت فيه، لكنه عبّر بالظاهر موضع المضمر ( يعني) أي البخاري بقوله هذا ( حديث ابن عمر فيما سقت السماء العشر) جملة معترضة من كلام الراوي بين قوله لأنه لم يوقت في الأول وبين قوله: ( وبين في هذا) أي في حديث ابن عمر ما يجب فيه العشر أو نصفه، ( ووقت) أي حدد به هذا ما ظهر لي من شرح هذا القول، والذي مشى عليه الكرماني وغيره من الشراح ممن علمته أن مراده أن حديث أبي سعيد مفسر لحديث ابن عمر والزيادة والتوقيت تعيين النصاب، وفي هذا نظر لا يخفى لأنه يصير المعنى.

قال أبو عبد الله هذا تفسير الأول يعني حديث أبي سعيد السابق لأنه لم يوقت في الأول الذي هو حديث أبي سعيد وهو خلاف المدعى فليتأمل.
نعم، حديث ابن عمر هذا بعمومه ظاهر في عدم اشتراط النصاب، فحديث أبي سعيد مقيد لإطلاقه، كما أن حديث ابن عمر مقيد لإطلاق حديث أبي سعيد فكل منهما مفسر للآخر بما فيه من الزيادة ( والزيادة) من الثقة ( مقبولة، والمفسر) بفتح السين ( يقضي على المبهم) بفتح الهاء أي الخاص يقضي على العام بالتخصيص لأن قوله: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة يشمل ما يسقى بمؤنة وغير مؤنة.
وقوله فيما سقت السماء خاص ( إذا رواه

أهل الثبت)
بسكون الموحدة في فرع اليونينية.
وقال الحافظ ابن حجر كالكرماني وغيره بفتحها وإذا رواه متعلق بقوله مقبولة.
وقال التيمي والإسماعيلي: إن هذا القول في نسخة الفربري إنما هو عقب حديث أبي سعيد في الباب التالي لهذا الباب وإن وقوعه هنا غلط من الناسخ، ويشكل عليه ثبوته في الأصول المعتمدة في كل من البابين عقب حديث ابن عمر، وفي رواية عن أبي ذر وابن عساكر عقب حديث أبي سعيد: وإن اختلف بعض اللفظ فيهما على أن نسبة الغلط للناسخ إنما تتأتى على تقدير إرادة المؤلّف أن حديث أبي سعيد مفسر لحديث ابن عمر، وقد مرّ ما في ذلك.
أما على ما ذكرته من أن حديث الباب مفسر لحديث أبي سعيد فلا، وحينئذٍ فالمصير إلى ما ذكرته أولى من العكس على ما لا يخفى، وفي رواية غير أبي ذر قال أبو عبد الله هذا الأول لأنه لم يوقت في الأول فأسقط لفظ تفسير، لكن في اليونينية ضبب على لفظة الأول الأولى وكتب في الهامش صوابه أولى أو المفسر للأولى بفتح الهمزة وسكون الواو من الأولوية والمفسر بكسر السين.
قلت: ومعناه حديث الباب أولى من حديث أبي سعيد السابق لما فيه من زيادة التمييز بين ما يسقى بمؤنة وبغير مؤنة أو هو المفسر لحديث أبي سعيد حيث بين فيه كما مرّ، وهو يؤيد ما شرحته فليتأمل.

( كما روى الفضل بن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله أحمد ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يصل في الكعبة) يوم فتح مكة.
( وقال بلال) المؤذن فيما وصله المؤلّف في الحج ( قد صلّى) فيها يومئذٍ ( فأخذ بقول بلال) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول لما معه من الزيادة ( وترك قول الفضل) بضم تاء ترك مبنيًا للمفعول كأخذ وليس قول بلال منافيًا لقول الفضل لم يصل بل مراده أنه لم يره لاشتغاله بالدعاء ونحوه في ناحية من نواحي البيت غير التي صلّى فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ العُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وبِالمَاءِ الجَارِي)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم أَخذ العُشر فِي الأَرْض الَّتِي تسقى من مَاء السَّمَاء وَهُوَ الْمَطَر.
قَوْله: ( وَالْمَاء الْجَارِي) أَي: وَمن الَّذِي يسقى بِالْمَاءِ الْجَارِي، وَإِنَّمَا اخْتَار لفظ: المَاء الْجَارِي، وَالْحَال أَن الْمَذْكُور فِي حَدِيث الْبابُُ هُوَ الْعُيُون لعمومه وشموله الْعُيُون والأنهار، وَهَذَا كَمَا وَقع فِي ( سنَن أبي دَاوُد) : ( فِيمَا سقت السَّمَاء والأنهار والعيون) الحَدِيث.

ولَمْ يَرَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ فِي العَسَلِ شَيْئا

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْعَسَل فِيهِ جَرَيَان، وَمن طبعه الانحدار فيناسب المَاء من هَذِه الْجِهَة.
وَقيل: الْمُنَاسبَة فِيهِ من جِهَة أَن الحَدِيث يدل على أَن لَا عشر فِيهِ لِأَنَّهُ خص الْعشْر أَو نصفه بِمَا يسقى، فأفهم أَن مَا لَا يسقى لَا يعشر، وَفِيه نظر، لِأَن مَا لَا يعسر مِمَّا لَا يسقى كثير، فَمَا وَجه ذكر الْعَسَل؟ وَقيل: إِدْخَاله الْعَسَل فِيهِ للتّنْبِيه على الْخلاف فِيهِ، وَأَنه لَا يرى فِيهِ زَكَاة، وَإِن كَانَت النَّحْل تغتذي مِمَّا يسقى من السَّمَاء.
قلت: هَذَا أبعد من الأول على مَا لَا يخفى على المتأمل.

وَهَذَا الْموضع يحْتَاج إِلَى بَيَان مَا ورد فِيهِ من الْأَخْبَار، وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْأَئِمَّة، فَنَقُول بحول الله وقوته وتوفيقه.

قَالَ التِّرْمِذِيّ: بابُُ مَا جَاءَ فِي زَكَاة الْعَسَل، حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى النَّيْسَابُورِي حَدثنَا عَمْرو بن أبي سَلمَة التنيسِي عَن صَدَقَة بن عبد الله عَن مُوسَى ابْن يسَار عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( فِي الْعَسَل فِي كل عشرَة أزق زق) .
ثمَّ قَالَ: وَفِي الْبابُُ عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سيارة المنعي، وَعبد الله بن عَمْرو، قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيث ابْن عمر فِي إِسْنَاده مقَال، وَلَا يَصح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْبابُُ كثير شَيْء، وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم، وَبِه يَقُول أَحْمد وَإِسْحَاق..
     وَقَالَ  بعض أهل الْعلم: لَيْسَ فِي الْعَسَل شَيْء.
انْتهى.
قلت: انْفَرد التِّرْمِذِيّ بِحَدِيث ابْن عمر هَذَا، وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: ( كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل الْيمن أَن يُؤْخَذ من الْعَسَل الْعشْر) ، وَفِي إِسْنَاده عبد الله بن الْمُحَرر، بتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة وتكرارها، وَهُوَ مَتْرُوك.
قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِثِقَة،.

     وَقَالَ  أَحْمد: ترك النَّاس حَدِيثه،.

     وَقَالَ  الْجوزجَاني: هَالك،.

     وَقَالَ  ابْن حبَان: من خِيَار عباد الله إلاَّ أَنه كَانَ يكذب وَلَا يعلم، ويقلب الْأَخْبَار وَلَا يفهم.
وروى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ حَدِيث أبي سيار المنعي، قَالَ: ( قلت: يَا رَسُول الله إِن لي نخلا! قَالَ: إِذن تعشر؟ قلت: إحم لي جبلة، فحماه لي) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ،.

     وَقَالَ : وَهَذَا أصح مَا رُوِيَ فِي وجوب الْعشْر فِيهِ، وَهُوَ مُنْقَطع.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن هَذَا فَقَالَ: حَدِيث مُرْسل، وَإِنَّمَا قَالَ: مُرْسل، لِأَن فِيهِ سُلَيْمَان بن مُوسَى يروي عَن أبي سيارة، وَسليمَان لم يُدْرِكهُ، وَلَا أحدا من الصَّحَابَة، وَأَبُو سيارة المتعي اسْمه: عميرَة بن الأعلم، وَقيل: عُمَيْر بن الأعلم، ذكره أَبُو عمر فِي ( كتاب الْأَنْسَاب) .
وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: جَاءَ أحد بني متعان إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعشور بِحل لَهُ، وَكَانَ سَأَلَهُ أَن يحمي وَاديا يُقَال لَهُ: سلبة، فحمى لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذَلِك الْوَادي، فَلَمَّا ولي عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كتب سُفْيَان بن وهب إِلَى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يسْأَله عَن ذَلِك؟ فَكتب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِن أدّى إِلَيْك مَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من عشور نحله فَاحم لَهُ سلبة، وإلاَّ فَإِنَّمَا هُوَ ذُبابُُ غيث يَأْكُلهُ من شَاءَ.
وسلبة، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَاللَّام وَالْبَاء الْمُوَحدَة، كَذَا قَيده الْبكْرِيّ.

وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: وَوَقع فِي سَمَاعنَا من السّنَن، بِسُكُون اللَّام،.

     وَقَالَ  شَيخنَا أَيْضا: حكى التِّرْمِذِيّ عَن أَكثر أهل الْعلم وجوب الزَّكَاة فِي الْعَسَل، وسمى مِنْهُم: أَحْمد وَإِسْحَاق، وَفِيه نظر، فَإِن الَّذين لم يَقُولُوا بِالْوُجُوب: مَالك وَالشَّافِعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وَالْحسن بن صَالح بن حَيّ وَأَبُو بكر بن الْمُنْذر وَدَاوُد، وَبِه قَالَ من الصَّحَابَة: عبد الله بن عمر، وَمن التَّابِعين: الْمُغيرَة بن حَكِيم وَعمر بن عبد الْعَزِيز..
     وَقَالَ : وَفرق أَبُو حنيفَة بَين أَن يكون النَّحْل فِي أَرض الْعشْر وَبَين أَن يكون فِي أَرض الْخراج، فَإِن كَانَ فِي أَرض الْعشْر فَفِيهِ الزَّكَاة، وَإِن كَانَ فِي أَرض الْخراج فَلَا زَكَاة فِيهِ، قل أَو كثر.
وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا كَانَ فِي أَرض الْعشْر فَفِي قَلِيل الْعَسَل وَكَثِيره الْعشْر، وَحكى عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد أَنه لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق من الْعَسَل عشر، وَحكى ابْن حزم عَن أبي يُوسُف أَنه إِذا بلغ الْعَسَل عشرَة أَرْطَال فَفِيهِ رَطْل وَاحِد، وَكَذَا مَا زَاد فَفِيهِ الْعشْر، والرطل هُوَ الفلفلي.
قَالَ:.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن الْحسن: إِذا بلغ الْعَسَل خَمْسَة أفراق فَفِيهِ الْعشْر، وإلاَّ فَلَا.
قَالَ: وَالْفرق سِتَّة وَثَلَاثُونَ رطلا فلفلية.
وَحكى صَاحب ( الْهِدَايَة) عَن أبي يُوسُف: أَنه يعْتَبر فِيهِ الْقيمَة كَمَا هُوَ أَصله، وَعنهُ: أَنه لَا شَيْء فِيهِ حَتَّى يبلغ عشر قرب، وَعنهُ: خَمْسَة أُمَنَاء.
قلت: تَحْقِيق مَذْهَبنَا فِيهِ أَن عِنْد أبي حنيفَة: يجب فِي قَلِيله وَكَثِيره لِأَنَّهُ لَا يشْتَرط النّصاب فِي الْعشْر، وَعَن أبي يُوسُف: إِذا بلغت قِيمَته خَمْسَة أوساق، وَعنهُ أَنه قدره بِعشْرَة أَرْطَال، قَالَ فِي ( الْمَبْسُوط) : وَهِي رِوَايَة الأمالي، وَهِي: خَمْسَة أُمَنَاء.
وَعنهُ أَنه اعْتبر فِيهِ عشر قرب، وَعَن مُحَمَّد ثَلَاث رِوَايَات إِحْدَاهَا: خمس قرب، والقربة خَمْسُونَ منا، ذكره فِي ( الْيَنَابِيع) وَفِي ( الْمُغنِي) : الْقرْبَة مائَة رَطْل.
وَالثَّانيَِة: خَمْسَة أُمَنَاء.
وَالثَّالِثَة: خَمْسَة أَوَاقٍ..
     وَقَالَ  السَّرخسِيّ: وَهِي تسعون منا.

واحتجت أَصْحَابنَا بِمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عبد الله ابْن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه أَخذ من الْعَسَل الْعشْر، وبرواية أبي دَاوُد أَيْضا عَن عَمْرو بن شُعَيْب، وَقد ذَكرْنَاهُ، وَبِمَا رَوَاهُ الْقُرْطُبِيّ أَيْضا عَنهُ عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن حَده: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُؤْخَذ فِي زَمَانه من قرب الْعَسَل من كل عشر قرب قربَة من أوسطها.
قَالَ: هُوَ حَدِيث حسن.
وَبِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن ابْن عمر، وَقد ذَكرْنَاهُ، وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كتب إِلَى أهل الْيمن أَن يُؤْخَذ عَن الْعَسَل الْعشْر، ذكره فِي ( الإِمَام) .
فَإِن قلت: ذكرُوا عَن معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه سُئِلَ عَن الْعَسَل فِي الْيمن؟ قَالَ: لم أومر فِيهِ بِشَيْء.
قلت: لَا يلْزم من عدم أَمر معَاذ أَن لَا يجب فِيهِ الْعشْر، وَإِثْبَات أبي هُرَيْرَة مقدم على نفي أَمر معَاذ.
وَبِمَا رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي ذئاب عَن أَبِيه: أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ( أمره فِي الْعَسَل بالعشر) ، رَوَاهُ الْأَثْرَم، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي ( مُسْنده) وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ.
قَالَ الشَّافِعِي: أخبرنَا أنس بن عِيَاض عَن الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذئاب عَن أَبِيه ( عَن سعد بن أبي ذئاب، قَالَ: قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسْلمت، ثمَّ قلت: يَا رَسُول الله إجعل لقومي مَا أَسْلمُوا عَلَيْهِ من أَمْوَالهم، فَفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستعملني عَلَيْهِم، ثمَّ استعملني أَبُو بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: وَكَانَ سعد من أهل السراة، قَالَ: تَكَلَّمت قومِي فِي الْعَسَل فَقلت زَكَاة فَإِنَّهُ لَا خير فِي ثَمَرَة لَا تزكّى، فَقَالُوا: كم؟ قَالَ: قلت: الْعشْر، فَأخذت مِنْهُم الْعشْر وأتيت عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأَخْبَرته بِمَا كَانَ، قَالَ: فَقَبضهُ عمر فَبَاعَهُ ثمَّ جعل ثمنه فِي صدقَات الْمُسلمين) .
وَبِمَا رَوَاهُ عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن سُفْيَان بن عبد الله الثَّقَفِيّ، قَالَ لعمر: إِن عندنَا وَاديا فِيهِ عسل كثير، فَقَالَ: عَلَيْهِم فِي كل عشرَة أفراق فرق، ذكره حميد بن زَنْجوَيْه فِي ( كتاب الْأَمْوَال) .

     وَقَالَ  الْأَثْرَم: قلت لِأَحْمَد: أَخذ عمر الْعشْر من الْعَسَل كَانَ على أَنهم تطوعوا بِهِ، قَالَ: لَا بل أَخذه مِنْهُم حَقًا.
فَإِن قلت: فقد رُوِيَ عَن عبد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: لَيْسَ فِي الْخَيل وَلَا فِي الرَّقِيق وَلَا فِي الْعَسَل صَدَقَة؟ قلت: الْعمريّ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ.
فَإِن قلت: قَالَ البُخَارِيّ: لَيْسَ فِي زَكَاة الْعَسَل حَدِيث يَصح؟ قلت: هَذَا لَا يقْدَح مَا لم يبين عِلّة الحَدِيث والقادح فِيهِ، وَقد رَوَاهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو دَاوُد، وَلم يتَكَلَّم عَلَيْهِ، فَأَقل حَاله أَن يكون حسنا وَهُوَ حجَّة، وَلَا يلْزمنَا قَول البُخَارِيّ لِأَن الصَّحِيح لَيْسَ مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَكم من حَدِيث صَحِيح لم يُصَحِّحهُ البُخَارِيّ، وَلِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَونه غير صَحِيح أَن لَا يحْتَج بِهِ، فَإِن الْحسن، وَإِن لم يبلغ دَرَجَة الصَّحِيح، فَهُوَ يحْتَج بِهِ، وَلِأَن النَّحْل تتَنَاوَل من الْأَنْوَار وَالثِّمَار وفيهَا الْعشْر.



[ قــ :1424 ... غــ :1483 ]
- حدَّثنا سعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبرنِي يُونُسُ بنُ يَزِيدَ عَن الزُّهْرِيِّ عَن سالِمِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أبيهِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ والعُيُونُ أوْ كانَ عَثَرِيا العُشْرُ ومَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فِيمَا سقت السَّمَاء) ، وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ يروي عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

والخديث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الزَّكَاة أَيْضا عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي عَن ابْن وهب.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن الْحسن التِّرْمِذِيّ عَن سعيد بن أبي مَرْيَم بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه جَمِيعًا فِيهِ عَن هَارُون بن سعيد بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( فِيمَا سقت السَّمَاء) أَي: الْمَطَر لِأَنَّهُ ينزل مِنْهُ قَالَ تَعَالَى: { وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا} ( الْفرْقَان: 84) .
وَهُوَ من قبيل ذكر الْمحل وَإِرَادَة الْحَال.
قَوْله: ( أَو كَانَ عثريا) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة المخففة وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: وَهُوَ مَا يشرب بعروقه من غير سقِِي، قَالَه الْخطابِيّ،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: وَهُوَ مَا يسيل إِلَيْهِ مَاء الْمَطَر وتحمله إِلَيْهِ الْأَنْهَار، سمي بذلك لِأَنَّهُ يكسر حوله الأَرْض ويعثر جريه إِلَى أصُول النّخل بِتُرَاب هُنَاكَ يرْتَفع،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْمطَالع) : قيل لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ يصنع لَهُ شبه الساقية يجْتَمع فِيهِ المَاء من الْمَطَر إِلَى أُصُوله، وَيُسمى ذَلِك: العاثور، وَفِي ( المغيث) لأبي مُوسَى: هُوَ الَّذِي يشرب بعروقه من مَاء يجْتَمع فِي حفير، وَسمي بِهِ لِأَن الْمَاشِي يتعثر فِيهِ،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: العثري مَا سقِِي من النّخل سيحا، وَكَذَا قَالَه الْجَوْهَرِي وَصَاحب ( الْجَامِع) و ( الْمُنْتَهى) وَلَفظ الحَدِيث يرد عَلَيْهِم لِأَنَّهُ عطف العثري على قَوْله: ( فِيمَا سقت السَّمَاء والعيون) والمعطوف غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، وَالصَّوَاب مَا قَالَه الْخطابِيّ..
     وَقَالَ  الهجري: يجوز فِيهِ تَشْدِيد الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَحَكَاهُ ابْن سَيّده فِي ( الْمُحكم) عَن ابْن الْأَعرَابِي، ورده ثَعْلَب.
وَفِي ( الْمثنى والمثلث) لِابْنِ عديس: فِيهِ ضم الْعين وَفتحهَا وَإِسْكَان الثَّاء.
قلت: هُوَ مَنْسُوب إِلَى العثر، بِسُكُون الثَّاء، لَكِن الْحَرَكَة من تغييرات النّسَب.
قَوْله: ( الْعشْر) مُبْتَدأ وَخَبره هُوَ قَوْله: ( فِيمَا سقت السَّمَاء) ، تَقْدِيره: الْعشْر وَاجِب، أَو: يجب فِيمَا سقت السَّمَاء.
قَوْله: ( أَو كَانَ) الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى لفظ: مسقي مُقَدّر تَقْدِيره: أَو كَانَ المسقي عثريا، وَدلّ على ذَلِك قَوْله: ( فِيمَا سقت) .
قَوْله: ( وَفِيمَا سقِِي بالنضح) تَقْدِيره: وَفِيمَا سقِِي بالنضح ( نصف الْعشْر) أَي: يجب أَو وَاجِب، و: النَّضْح، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: وَهُوَ مَا سقِِي بالسواني،.

     وَقَالَ  بَعضهم: النَّضْح مَا سقِِي بالدوالي والرشاء، والنواضح الْإِبِل الَّتِي يستقى عَلَيْهَا، وأحدها: نَاضِح، وَالْأُنْثَى: ناضحة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: بالنضح أَي: بالسانية، وَهِي رِوَايَة مُسلم.
قلت: رِوَايَة مُسلم عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَفظه: ( أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِيمَا سقت الْأَنْهَار والغيم الْعشْر، وَفِيمَا سقِِي بالسانية نصف الْعشْر) .
وَأما حَدِيث ابْن عمر فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفظه: قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( فِيمَا سقت السَّمَاء والأنهار والعيون أَو كَانَ بعلاً الْعشْر، وَفِيمَا سقِِي بالسواني والنضح نصف الْعشْر) .
قَوْله: ( أَو كَانَ بعلاً) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره لَام: وَهُوَ مَا يشرب من النّخل بعروقه من الأَرْض من غير سقِِي سَمَاء وَلَا غَيرهَا والسواني: جمع سانية، وَهِي النَّاقة الَّتِي يستقى عَلَيْهَا.
وَقيل: السانية الدَّلْو الْعَظِيمَة، والأنهار الَّتِي تستقى بهَا، والنضح قد مر تَفْسِيره.
فَإِن قلت: قد علمت أَن النَّضْح هُوَ السانية، فَكيف وَجه رِوَايَة أبي دَاوُد بالسواني أَو النَّضْح؟ قلت: الظَّاهِر أَن هَذَا شكّ من الرَّاوِي بَين السواني والنضح، أَرَادَ أَن لفظ الحَدِيث أما فِيمَا سقِِي بالسواني، وَأما فِيمَا سقِِي بالنضح، وَأما الْعشْر، فقد قَالَ ابْن بزيزة فِي ( شرح الْأَحْكَام) : وَهُوَ بِضَم الْعين والشين وسكونها، وَمِنْهُم من يَقُول: العشور، بِفَتْح الْعين وَضمّهَا أَيْضا..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: وَأكْثر الروَاة بِفَتْح الْعين، وَهُوَ اسْم للقدر الْمخْرج..
     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: الْعشْر، بِضَم الْعين وَسُكُون الشين، وَيجمع على: عشور، قَالَ: وَالْحكمَة فِي فرض الْعشْر أَنه يكْتب بِعشْرَة أَمْثَاله، فَكَأَن الْمخْرج للعشر تصدق بِكُل مَاله.
فَافْهَم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: بِظَاهِر الحَدِيث الْمَذْكُور أَخذ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقدر فِيهِ مِقْدَارًا، فَدلَّ على وجوب الزَّكَاة فِي كل مَا يخرج من الأَرْض قل أَو كثر.
فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث مُجمل يفسره قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة) .
قلت: لَا نسلم أَنه مُجمل، فَإِن الْمُجْمل مَا لَا يعرف المُرَاد بصيغته لَا بِالتَّأَمُّلِ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَهَذَا الحَدِيث عَام فَإِن كلمة: مَا، من أَلْفَاظ الْعُمُوم.
فَإِن قلت: سلمنَا أَنه عَام، وَلَكِن الحَدِيث الْمَذْكُور خصصه؟ قلت: إِجْرَاء الْعَام على عُمُومه أولى من التَّخْصِيص لِأَن فِيهِ إِخْرَاج بعض مَا تنَاوله الْعَام أَن يكون مرَادا، وَلَو صلح هَذَا الحَدِيث أَن يكون مُخَصّصا أَو مُفَسرًا لحَدِيث الْبابُُ لصلح حَدِيث مَا عز أَن يكون مُخَصّصا أَو مُفَسرًا لحَدِيث أنيس فِي الْإِقْرَار بِالزِّنَا، فَحِينَئِذٍ يحمل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن المُرَاد بِالصَّدَقَةِ هِيَ الزَّكَاة، وَهِي زَكَاة التِّجَارَة بِقَرِينَة عطفها على زَكَاة الْإِبِل وَالْوَرق، إِذْ الْوَاجِب فِي الْعرُوض والنقود وَاحِد، وَهُوَ الزَّكَاة.
وَكَانُوا يتبايعون بالأوساق، وَقِيمَة الْخَمْسَة أوساق كَانَت مِائَتي دِرْهَم فِي ذَلِك الْوَقْت غَالِبا، فأدير الحكم على ذَلِك.

وَاعْلَم أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي هَذَا الْبابُُ على تِسْعَة أَقْوَال:
الأول: قَول أبي حنيفَة، وَقد ذَكرْنَاهُ، وَاحْتج بِظَاهِر الحَدِيث كَمَا ذكرنَا، وبعموم قَوْله تَعَالَى: { وَمِمَّا أخرجنَا لكم من الأَرْض} ( الْبَقَرَة: 762) .
وَقَوله تَعَالَى: { وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} ( الْأَنْعَام: 141) .
وَاسْتثنى أَبُو حنيفَة من ذَلِك: الْحَطب والقصب والحشيش والتبن وَالسَّعَف، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ لأحد، وَذكر فِي ( الْمَبْسُوط) : الطرفاء عوض الْحَطب.
وَالسَّعَف: ورق جريد النّخل الَّذِي تصنع مِنْهُ المراوح وَنَحْوهَا، وَالْمرَاد بالقصب الْفَارِسِي، وَهُوَ يدْخل بالأبنية وتتخذ مِنْهُ الأقلام: قيل: هَذَا إِذا كَانَ الْقصب نابتا فِي الأَرْض، وَأما إِذا اتخذ الأَرْض مقبة فَإِنَّهُ يجب فِيهِ الْعشْر، ذكره الاسبيجابي والمرغيناني وَغَيرهمَا، وَيجب فِي قصب السكر والذريرة وقوائم الْخلاف، بتَخْفِيف اللَّام،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: لَا نعلم أحدا قَالَه غير نعْمَان..
     وَقَالَ  السرُوجِي: لقد كذب فِي ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا يخفى عَنهُ من قَالَه غَيره، وَإِنَّمَا عصبيته تحمله على ارْتِكَاب مثله قلت: قَول أبي حنيفَة مَذْهَب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمُجاهد وَحَمَّاد وَزفر وَعمر بن عبد الْعَزِيز، ذكره أَبُو عمر، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول دَاوُد وَأَصْحَابه فِيمَا لَا يوسق، وَحَكَاهُ يحيى بن آدم بِسَنَد جيد عَن عَطاء: مَا أخرجته الأَرْض فِيهِ الْعشْر أَو نصف الْعشْر،.

     وَقَالَ هُ أَيْضا حَفْص بن غياث عَن أَشْعَث عَن الحكم، وَعَن أبي بردة: فِي الرّطبَة صَدَقَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: فِي دستجة من بقل، وَعَن الزُّهْرِيّ: مَا كَانَ سوى الْقَمْح وَالشعِير وَالنَّخْل وَالْعِنَب والسلت وَالزَّيْتُون فإنى أرى أَن تخرج صدقته من أثمانه، رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَقَول أبي حنيفَة خلاف السّنة، وَالْعُلَمَاء، قَالَ: وَقد تنَاقض فِيهَا لِأَنَّهُ اسْتعْمل الْمُجْمل والمفسر فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( فِي الرقة ربع الْعشْر) ، مَعَ قَوْله: ( لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ صَدَقَة) ، وَلم يَسْتَعْمِلهُ فِي حَدِيث الْبابُُ مَعَ مَا بعده، وَكَانَ يلْزمه القَوْل بِهِ.
انْتهى.
قلت: قَوْله: خلاف السّنة، بَاطِل لِأَنَّهُ احْتج فِيمَا ذهب إِلَيْهِ بِحَدِيث الْبابُُ، كَمَا ذكرنَا، وَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ ابْن بطال خلاف الْقُرْآن، لِأَن عُمُوم قَوْله تَعَالَى: { وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} ( الْأَنْعَام: 141) .
يتَنَاوَل الْقَلِيل وَالْكثير، كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وَقَوله: وَخلاف الْعلمَاء، أَيْضا بَاطِل، لِأَن قَول أبي حنيفَة هُوَ قَول من ذَكَرْنَاهُمْ الْآن، فَكيف يَقُول بترك الْأَدَب خلاف الْعلمَاء؟ وَقَوله: وَقد تنَاقض، غير صَحِيح، لِأَن من نقل ذَلِك من أَصْحَابه لم يقل أحد مِنْهُم إِنَّه اسْتعْمل الْمُجْمل والمفسر، وَأَصْحَابه أدرى بِمَا قَالَه وَبِمَا ذهب إِلَيْهِ، وَلما نقل صَاحب ( التَّوْضِيح) مَا قَالَه ابْن بطال أظهر النشاط بذلك،.

     وَقَالَ : وَفِي حَدِيث جَابر: لَا زَكَاة فِي شَيْء من الْحَرْث حَتَّى يبلغ خَمْسَة أوسق، فَإِذا بلغَهَا فَفِيهِ الزَّكَاة، ذكرهَا ابْن التِّين،.

     وَقَالَ : هِيَ زِيَادَة من ثِقَة فَقبلت، وَفِي مُسلم من حَدِيث جَابر: ( وَلَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوساق من التَّمْر صَدَقَة) ، وَفِي رِوَايَة من حَدِيث أبي سعيد: ( لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوساق من تمر وَلَا حب صَدَقَة) .
وَفِي رِوَايَة: ( لَيْسَ فِي حب وَلَا تمر صَدَقَة) ، حَتَّى يبلغ خَمْسَة أوساق.
انْتهى.
قلت: قد ذكرنَا أَن المُرَاد من الصَّدَقَة فِي هَذِه الْأَحَادِيث زَكَاة التِّجَارَة، وَكَذَلِكَ المُرَاد من قَوْله: ( لَا زَكَاة فِي شَيْء) ، أَي: لَا زَكَاة فِي التِّجَارَة، وَنحن نقُول بِهِ حِينَئِذٍ،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: روى ابان بن أبي عَيَّاش عَن أنس مَرْفُوعا: ( فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر فِي قَلِيله وَكَثِيره) ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو مُطِيع الْبَلْخِي وَهُوَ مَجْهُول عِنْد أهل النَّقْل، والمروي عَن أبي حنيفَة عَن أبان عَن رجل عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ضَعِيف عَن رجل مَجْهُول..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: لَا خلاف بَين الْمُسلمين أَنه لَا زَكَاة فِيمَا دون خَمْسَة أوسق إلاَّ مَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَبَعض السّلف: إِنَّه تجب الزَّكَاة فِي قَلِيل الحَبِّ وَكَثِيره، وَهَذَا مَذْهَب بَاطِل، منابذ لصريح الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.
قلت: لَيْت شعري كَيفَ تلفظ بِهَذَا الْكَلَام مَعَ شهرته بالزهد والورع؟ وعجبي كل الْعجب يَقُول هَذَا مَعَ اطِّلَاعه على مستنداته من الْكتاب وَالسّنة، وَلَا ينْفَرد حطه على أبي حنيفَة وَحده، بل على كل من كَانَ مذْهبه مثل مذْهبه.

القَوْل الثَّانِي: يجب فِيمَا لَهُ ثَمَرَة بَاقِيَة إِذا بلغ خَمْسَة أوسق، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَلَا يجب فِي الخضراوات وَلَا فِي الْبِطِّيخ وَالْخيَار والقثاء.
وَنَصّ مُحَمَّد على أَنه: لَا عشر فِي السفرجل، وَلَا فِي التِّين والتفاح والكمثري والخوخ والمشمش والإجاص، وَفِي الْيَنَابِيع، وَيجب فِي كل ثَمَرَة تبقى سنة كالجوز واللوز والبندق والفستق.
وَفِي ( الْمَبْسُوط) : وأوجبا فِي الْجَوْز واللوز وَفِي الفستق على قَول أبي يُوسُف، وعَلى قَول مُحَمَّد: لَا يجب، وَفِي المرغيناني عَن مُحَمَّد: أَنه لَا عشر فِي التِّين والبندق والتوت والموز والخرنوب، وَعنهُ: يجب فِي التِّين.
قَالَ الْكَرْخِي: هُوَ الصَّحِيح عَنهُ، وَلَا فِي الإهليلجة وَسَائِر الْأَدْوِيَة والسدر والأشنان، وَيجب فِيمَا يَجِيء مِنْهُ مَا يبْقى سنة: كالعنب وَالرّطب، وَعَن مُحَمَّد: إِن كَانَ الْعِنَب لَا يَجِيء مِنْهُ الزَّبِيب لرقته لَا يجب فِيهِ الْعشْر، وَلَا يجب فِي السعتر والصنوبر والحلبة، وَعَن أبي يُوسُف أَنه أوجب فِي الْحِنَّاء،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد: لَا يجب فِيهِ كالرياحين، وَعَن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ فِي الثوم والبصل، وَلَا عشر فِي التفاح والخوخ الَّذِي يشق وييبس، وَلَا شَيْء فِي بذر الْبِطِّيخ والقثاء وَالْخيَار والرطبة، وكل بذر لَا يصلح إلاَّ للزِّرَاعَة، ذكره الْقَدُورِيّ.
وَيجب فِي بذر القنب دون عيدانه، وَيجب فِي الكمون والكراويا والخردل لِأَن ذَلِك من جملَة الْحُبُوب.
وَفِي ( الْمُحِيط) : وَلَا عشر فِيمَا هُوَ تَابع للْأَرْض: كالنخل وَالْأَشْجَار، وَأَصله أَن كل شَيْء يدْخل فِي بيع الأَرْض تبعا فَهُوَ كالجزء مِنْهَا فَلَا شَيْء فِيهِ، وَمَا لَا يدْخل إلاَّ بِالشّرطِ يجب فِيهِ: كالثمر والحبوب.

القَوْل الثَّالِث: يجب فِيمَا يدّخر ويقتات كالحنطة وَالشعِير والدخن والذرة والأرز والعدس والحمص والباقلاء والجلبان والماش واللوبيا وَنَحْوهَا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي.
وَفِي ( شرح التِّرْمِذِيّ) أطلق القَوْل فِي وجوب الزَّكَاة فِي كل شَيْء يجْرِي فِيهِ الوساق والصاع، وَلَا شكّ أَنه أَرَادَ مِمَّا يزرع ويستنبت وإلاَّ فَلَا يجْرِي فِيهِ الوسق والصاع، وَلَا زَكَاة فِيهِ.
وَإِنَّمَا اخْتلف الْعلمَاء فِي أَشْيَاء مِمَّا يستنبت، فمذهب الشَّافِعِي، كَمَا اتّفق عَلَيْهِ الْأَصْحَاب: أَن يكون قوتا فِي حَال الِاخْتِيَار، وَأَن يكون من جنس مَا ينبته الآدميون، وَشرط الْعِرَاقِيُّونَ أَن يدّخر وييبس.
قَالَ الرَّافِعِيّ: لَا حَاجَة إِلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا ملازمان لكل مقتات مستنبت وَهُوَ الْحِنْطَة وَالشعِير والسلت والذرة والدخن والأرز والجاورش، بِالْجِيم وَفتح الْوَاو، وَفَسرهُ بِأَنَّهُ: حب صغَار من جنس الذّرة، وَكَذَلِكَ القطنية، بِكَسْر الْقَاف وَجَمعهَا القطاني، وَهِي العدس والحمص والماش والباقلاء، وَهُوَ الفول واللوبيا والهرطمان وَهُوَ الجلبان، وَيُقَال لَهُ الخلر، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام وَفتحهَا وَآخره رَاء، لِأَنَّهَا تصلح للاقتيات وتدخر للْأَكْل، وَاحْترز الْأَصْحَاب بقَوْلهمْ: فِي حَال الِاخْتِيَار عَن حب الحنظل وَعَن القت، وَبِه مثله الشَّافِعِي، وَفَسرهُ الْمُزنِيّ وَغَيره: بحب الغاسول، وَهُوَ الأشنان وَسَائِر بذور البراري، قَالُوا: وَلَا تجب الزَّكَاة فِي الثفاء، وَهُوَ حب الرشاد، وَلَا فِي الترمس والسمسم والكمون والكراويا والكزبرة وبذر القطونا وبذر الْكتاب وبذر الفجل وَمَا أشبه ذَلِك من البذورات، وَلَا شَيْء فِي هَذِه عندنَا بِلَا خلاف، وَإِن جرى فِيهِ الْكَيْل بالصاع وَنَحْوه، إلاَّ مَا حَكَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَن فِي الترمس قولا قَدِيما فِي وجوب الزَّكَاة فِيهِ، وإلاَّ مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَن ابْن كج من حِكَايَة قَول قديم فِي بذر الفجل، وَلَا زَكَاة عِنْد الشَّافِعِي فِي التِّين والتفاح والسفرجل وَالرُّمَّان والخوخ والجوز واللوز والموز وَسَائِر الثِّمَار سوى الرطب وَالْعِنَب، وَلَا فِي الزَّيْتُون فِي الْجَدِيد.

وَفِي الورس فِي الْجَدِيد وواجبها فِي الْقَدِيم من غير شَرط النّصاب فِي قَلِيله وَكَثِيره وَلَا تجب فِي الترمس فِي الْجَدِيد.

القَوْل الرَّابِع: قَول مَالك مثل قَول الشَّافِعِي، وَزَاد عَلَيْهِ: وجوب العُشر فِي الترمس والسمسم وَالزَّيْتُون، وَأوجب الْمَالِكِيَّة فِي غير رِوَايَة ابْن الْقَاسِم فِي بذر الْكتاب وبذر السلجم لعُمُوم نفعهما بِمصْر وَالْعراق، مَعَ أَنه لَا يُؤْكَل بذرهما.

القَوْل الْخَامِس: قَول أَحْمد: يجب فِيمَا لَهُ الْبَقَاء واليبس والكيل من الْحُبُوب وَالثِّمَار، سَوَاء كَانَ قوتا كالحنطة وَالشعِير والسلت وَهُوَ نوع من الشّعير.
وَفِي الْمغرب: شعير لَا قشر لَهُ يكون بالغور والحجاز، والأرز والدهن والعلس وَهُوَ نوع من الْحِنْطَة يزْعم أَهله أَنه إِذا أخرج من قشره لَا يبْقى بَقَاء غَيره من الْحِنْطَة، وَيكون مِنْهُ حبتان وَثَلَاث فِي كمام وَاحِد، وَهُوَ طَعَام أهل صنعاء وَفِي الْمغرب هُوَ بِفتْحَتَيْنِ حَيَّة سَوْدَاء إِذا أجدب النَّاس خلطوها وأكلوها..
     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم الْمَالِكِي: لَيْسَ هُوَ من نوع الْحِنْطَة، وَتجب فِي الْأرز والذرة وَفِي القطنيات كالعدس والباقلاء والحمص والماش، وَفِي الإبازير كالكزبرة والكمون، وَفِي البذور كبذر الْكَتَّان والقثاء وَالْخيَار وَنَحْوهَا، وَفِي الْبُقُول كالرشال والفجل، وَفِي القرطم والترمس والسمسم، وَتجب عِنْده فِي التَّمْر وَالزَّبِيب واللوز والبندق والفستق، دون الْجَوْز والتين والمشمش والتفاح والكمثري والخوخ والإجاص، دون القثاء وَالْخيَار والباذنجان والقت والجزر، وَلَا تجب فِي ورق السدر والخطمي والأشنان والآس، وَلَا فِي الأزهار كالزعفران والعصفر، وَلَا فِي الْقطن.

القَوْل السَّادِس: تجب فِي الْحُبُوب والبقول وَالثِّمَار، وَهُوَ قَول حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان شيخ أبي حنيفَة.

القَوْل السَّابِع: لَيْسَ فِي شَيْء من الزَّرْع زَكَاة إلاَّ فِي التَّمْر وَالزَّبِيب وَالْحِنْطَة وَالشعِير، حَكَاهُ الْعَبدَرِي عَن الثَّوْريّ وَابْن أبي ليلى، وَحَكَاهُ ابْن الْعُزَّى عَن الْأَوْزَاعِيّ وَزَاد: الزَّيْتُون.

القَوْل الثَّامِن: يُؤْخَذ من الخضراوات إِذا بلغت مِائَتي دِرْهَم، وَهُوَ قَول الْحسن وَالزهْرِيّ.

القَوْل التَّاسِع: أَن مَا يوسق يجب فِي خَمْسَة أوسق مِنْهُ، وَمَا لَا يوسق يجب فِي قَلِيله وَكَثِيره، وَهُوَ قَول دَاوُد الظَّاهِرِيّ وَأَصْحَابه.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله هاذا تَفْسِيرُ الأوَّلِ لأِنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الأوَّلِ يَعْنِي حَديثَ ابنِ عُمَرَ وفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءِ العُشْرُ وبَيَّنَ فِي هاذا وَوَقَّتَ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ وَالمُفَسَّرُ يَقْضِي علَى المُبْهَمِ إذَا رَوَاهُ أهْلُ الثَّبَتِ كَمَا رَوَي الفَضْلُ ابنُ عَبَّاسٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يُصَلِّ فِي الكَعْبَةِ.

     وَقَالَ  بِلاَلٌ قَدْ صَلَّى فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلاَلٍ وَتُرِكَ قَوْلُ الفَضْلِ.

هَذَا كُله وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر هَهُنَا عقيب حَدِيث ابْن عمر الْمَذْكُور، وَفِي نُسْخَة الْفربرِي وَقع فِي الْبابُُ الَّذِي بعد هَذَا الْبابُُ بعد حَدِيث أبي سعيد، وَكَذَا وَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَجزم أَبُو عَليّ الصَّدَفِي بِأَن ذكره عقيب حَدِيث ابْن عمر من قبل بعض نساخ الْكتاب.
قلت: وَكَذَا قَالَ التَّيْمِيّ، وَنسبه إِلَى غلط من الْكَاتِب، وَلَا احْتِيَاج إِلَى هَذِه المشاححة، وَلكُل ذَلِك وَجه لَا يخفى، وَلَكِن رجح بَعضهم كَونه بعد حَدِيث أبي سعيد لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَسّر لحَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّرْجِيح أَيْضا لأَنا نمْنَع الْإِجْمَال وَالتَّفْسِير هَهُنَا، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.

قَوْله: ( قَالَ أَبُو عبد الله) ، هُوَ البُخَارِيّ نَفسه.
قَوْله: ( هَذَا تَفْسِير الأول) ، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى حَدِيث أبي سعيد الَّذِي يَأْتِي وَأَرَادَ بِالْأولِ حَدِيث ابْن عمر، فَهَذَا يدل على أَن هَذَا الْكَلَام من البُخَارِيّ إِنَّمَا كَانَ بعد حَدِيث أبي سعيد، وَهُوَ ظَاهر.
قَوْله: ( لِأَنَّهُ لم يُوَقت فِي الأول) أَي: لم يعين شَيْئا فِي حَدِيث ابْن عمر، وَهُوَ قَوْله: ( فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر) .
قَوْله: ( وَبَين فِي هَذَا) أَي: فِي حَدِيث أبي سعيد، ووقَّت أَي: عيَّن، وَهُوَ قَوْله: ( لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة) ، وَقد عيَّن فِيهِ بِأَن النّصاب خَمْسَة أوسق.
قَوْله: ( وَالزِّيَادَة) يَعْنِي: تعْيين النّصاب ( مَقْبُولَة) يَعْنِي: من الثِّقَة.
قَوْله: ( والمفسر) ، بِفَتْح السِّين يَعْنِي: الْمُبين، وَهُوَ الْخَاص ( يقْضِي) أَي: يحكم ( على الْمُبْهم) أَي الْعَام، وسمى البُخَارِيّ الْخَاص بِحَسب تصرفه مُفَسرًا لوضوح المُرَاد مِنْهُ، وسمى الْعَام مُبْهما لاحْتِمَال إِرَادَة الْكل وَالْبَعْض مِنْهُ، وغرضه أَن حَدِيث ابْن عمر عَام للنصاب، ودونه وَحَدِيث أبي سعيد، وَهُوَ: ( لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة) ، خَاص بِقدر النّصاب، وَالْخَاص وَالْعَام إِذا تَعَارضا يخصص الْخَاص الْعَام، وَهُوَ معنى الْقَضَاء عَلَيْهِ، وَهَذَا حَاصِل مَا قَالَه البُخَارِيّ.
قلت: قد ذكرنَا عَن قريب أَن إِجْرَاء الْعَام على عُمُومه أولى من التَّخْصِيص، فَارْجِع إِلَيْهِ.

وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْمقَام أَنه: أذا ورد حديثان أَحدهمَا عَام وَالْآخر خَاص فَإِن علم تَقْدِيم الْعَام على الْخَاص خص الْعَام بالخاص، كمن يَقُول لعَبْدِهِ: لَا تعط لأحد شَيْئا، ثمَّ قَالَ لَهُ: أعْط زيدا درهما، وَإِن علم تَقْدِيم الْخَاص على الْعَام ينْسَخ الْعَام للخاص، كمن يَقُول لعَبْدِهِ: أعْط زيدا درهما، ثمَّ قَالَ لَهُ: لَا تعط أحدا شَيْئا، فَإِن هَذَا نَاسخ للْأولِ، هَذَا مَذْهَب عِيسَى بن أبان، وَهُوَ الْمَأْخُوذ بِهِ، وَإِذا لم يعلم فَإِن الْعَام يَجْعَل آخرا لما فِيهِ من الِاحْتِيَاط، وَهنا لم يعلم التَّارِيخ فَيجْعَل الْعَام آخرا احْتِيَاطًا، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفى الصَّدَقَة وَلم ينف الْعشْر، وَقد كَانَ فِي المَال صدقَات نسختها آيَة الزَّكَاة، وَالْعشر لَيْسَ بِصَدقَة مُطلقَة إِذْ فِيهِ معنى المؤونة، حَتَّى وَجب فِي أَرض الْوَقْف وَلَا تجب الزَّكَاة فِي الْوَقْف..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مَذْهَب الْحَنَفِيّ أَن الْخَاص الْمُتَقَدّم مَنْسُوخ بِالْعَام الْمُتَأَخر، وَلَعَلَّه ضبط التَّارِيخ وَعلم تَقْدِيم حَدِيث أبي سعيد، فَلهَذَا لَا يشْتَرط النّصاب فِيهِ.
قلت: فَيلْزم عَلَيْهِ أَن يَقُول بِمثلِهِ فِي الْوَرق، إِذْ مر فِي: بابُُ زَكَاة الْغنم، فِي الرقة ربع الْعشْر، انْتهى.
قلت: لَا يلْزمه ذَلِك لِأَنَّهُ لم يدع ضبط التَّارِيخ، وَلَا تقدم حَدِيث أبي سعيد، وَإِنَّمَا الأَصْل عِنْده التَّوَقُّف إِذا جهل التَّارِيخ وَالرُّجُوع إِلَى غَيرهمَا، أَو يرجح أَحدهمَا بِدَلِيل، وَمن جملَة تَرْجِيح الْعَام هُنَا هُوَ أَنه إِذا خص لزم إِخْرَاج بعض مَا تنَاوله أَن يكون مرَادا، وَمِنْهَا الِاحْتِيَاط فِي جعله آخرا كَمَا ذكرنَا،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: نَاقض أَبُو حنيفَة حَيْثُ اسْتعْمل الْمُجْمل والمفسر فِي مَسْأَلَة الرقة، وَلم يسْتَعْمل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، كَمَا أَنه أوجب الزَّكَاة فِي الْعَسَل وَلَيْسَ فِيهِ خبر وَلَا إِجْمَاع.
قلت: كَيفَ يسْتَعْمل الْمُجْمل والمفسر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ غير قَائِل بِهِ هُنَا لعدم الْإِجْمَال فِيهِ، وَمن أَيْن الْإِجْمَال ودلالته ظَاهِرَة، لِأَن دلَالَته على إِفْرَاده كدلالة الْخَاص على فَرد وَاحِد، فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّفْسِير، وَلَفظ الصَّدَقَة فِي الزَّكَاة أظهر من الْعشْر فَصَرفهُ إِلَيْهَا أولى، وَلَا كَذَلِك صَدَقَة الرقة.
وَلم يفهم ابْن بطال الْفرق بَينهمَا، وَكَيف يَقُول ابْن بطال: كَمَا أَنه أوجب الزَّكَاة وَلَيْسَ فِيهِ خبر؟ وَقد ذكرنَا عَن التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ( فِي الْعَسَل فِي كل عشرَة أزق زق) ، وَذكرنَا فِيمَا مضى عَن قريب جملَة أَحَادِيث تدل على الْوُجُوب، وَقَوله: وَلَا إِجْمَاع، كَلَام واهٍ، لِأَن الْمُجْتَهد لَا يرى بِالْوُجُوب فِي شَيْء إلاَّ إِذا كَانَ فِيهِ إِجْمَاع، وَهَذَا لم يقل بِهِ أحد.
قَوْله: ( أهل الثبت) ، بتحريك الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: أهل الثَّبَات.
قَوْله: ( كَمَا روى الْفضل بن عَبَّاس) أَي: عبد الْمطلب، ابْن عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا الَّذِي ذكره صُورَة اجْتِمَاع النَّفْي وَالْإِثْبَات، لِأَن الْفضل يَنْفِي صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَوف الْكَعْبَة لما حج عَام الْفَتْح، وبلال يثبت ذَلِك، فَأخذ بقول بِلَال لكَونه يثبت أمرا، وَترك قَول الْفضل لِأَنَّهُ يَنْفِيه، وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن النَّفْي مَتى عرف بدليله يُعَارض الْمُثبت وإلاَّ فَلَا، وَهَهُنَا لم يعرف النَّفْي بِدَلِيل، فَقدم عَلَيْهِ الْإِثْبَات، وَذكر بعض أَصْحَابنَا هَذِه الصُّورَة بِخِلَاف مَا قَالَه البُخَارِيّ، وَهِي: أَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، روى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي جَوف الْكَعْبَة، ورجحنا رِوَايَته على رِوَايَة بِلَال أَنه: لم يصل فِي جَوف الْكَعْبَة عَام الْفَتْح فِي تِلْكَ الْأَيَّام.