هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1453 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : كَانَ الفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا ، لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1453 حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، قال : كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءت امرأة من خشعم ، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم ، يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر ، فقالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا ، لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : نعم ، وذلك في حجة الوداع
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : كَانَ الفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا ، لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ .

Narrated `Abdullah bin `Abbas:

Al-Fadl (his brother) was riding behind Allah's Messenger (ﷺ) and a woman from the tribe of Khath'am came and Al-Fadl started looking at her and she started looking at him. The Prophet (ﷺ) turned Al-Fadl's face to the other side. The woman said, O Allah's Messenger (ﷺ)! The obligation of Hajj enjoined by Allah on His devotees has become due on my father and he is old and weak, and he cannot sit firm on the Mount; may I perform Hajj on his behalf? The Prophet (ﷺ) replied, Yes, you may. That happened during the Hajj-al-Wida (of the Prophet (ﷺ) ).

'AbdulLâh ibn 'Abbâs () dit: «Etant en croupe derrière le Messager d'Allah (), alFad! [vit] arriver une femme de Khath'am. Il se mit à la regarder et elle de faire de même. Quant au Prophète (), il détourna le visage d'alFadl de l'autre côté. La femme dit alors: 0 Messager d'Allah ()! l'obligation du pèlerinage prescrite par Allah à ses adorateurs est fixée alors que mon père est un vieillard d'un âge avancé; il ne peut se tenir sur une monture. Puisje faire le pèlerinage à sa place? — Oui, répondit le Prophète (). Cela eut lieu lors du pèlerinage d'Adieu.» Fijâj(3) veut dire des chemins larges

":"ہم سے عبداللہ بن یوسف نے بیان کیا ، انہوں نے کہا کہ ہمیں امام مالک نے خبر دی انہیں ابن شہاب نے ، انہیں سلیمان بن یسارنے ، اور ان سے عبداللہ بن عباس رضی اللہ عنہما نے بیان کیا کہفضل بن عباس ( حجۃ الوداع میں ) رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم کے ساتھ سواری کے پیچھے بیٹھے ہوئے تھے کہ قبیلہ خثعم کی ایک خوبصورت عورت آئی ۔ فضل اس کو دیکھنے لگے وہ بھی انہیں دیکھ رہی تھی ۔ لیکن رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم فضل رضی اللہ عنہ کا چہرہ بار بار دوسری طرف موڑ دینا چاہتے تھے ۔ اس عورت نے کہا یا رسول اللہ ! اللہ کا فریضہ حج میرے والد کے لیے ادا کرنا ضروری ہو گیا ہے ۔ لیکن وہ بہت بوڑھے ہیں اونٹنی پر بیٹھ نہیں سکتے ۔ کیا میں ان کی طرف سے حج ( بدل ) کر سکتی ہوں ؟ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ ہاں ۔ یہ حجتہ الوداع کا واقعہ تھا ۔

'AbdulLâh ibn 'Abbâs () dit: «Etant en croupe derrière le Messager d'Allah (), alFad! [vit] arriver une femme de Khath'am. Il se mit à la regarder et elle de faire de même. Quant au Prophète (), il détourna le visage d'alFadl de l'autre côté. La femme dit alors: 0 Messager d'Allah ()! l'obligation du pèlerinage prescrite par Allah à ses adorateurs est fixée alors que mon père est un vieillard d'un âge avancé; il ne peut se tenir sur une monture. Puisje faire le pèlerinage à sa place? — Oui, répondit le Prophète (). Cela eut lieu lors du pèlerinage d'Adieu.» Fijâj(3) veut dire des chemins larges

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1513] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ".
[الحديث أطرافه في: 1854، 1855، 4399، 6228] .
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سليمان بن يسار) ضد اليمين (عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، قال: كان الفضل) اختلف على الزهري في هذا الإسناد، فرواه ابن جريج كما في باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة عنه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس عن الفضل بن عباس، وروى ابن ماجة من طريق محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس أخبرني حصين بن عوف عن الخثعمي قال: قلت: يا رسول الله إن أبي، وسأل الترمذي البخاري عنه فقال: أصح شيء فيه ما روى ابن عباس عن الفضل.
قال فيحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل ومن غيره ثم رواه بغير واسطة انتهى.
قال في الفتح وإنما رجح البخاري الرواية عن الفضل لأنه كان ردف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذ، وكان ابن عباس قد تقدم من مزدلفة إلى منى مع الضعفة كما سيأتي إن شاء الله تعالى، والفضل هو شقيق عبد الله أمهما أم الفضل لبابة الكبرى (رديف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، راكبًا خلفه على الدابة "فجاءت امرأة من خثعم" بفتح الخاء المعجمة وسكون المثلثة وفتح العين المهملة غير منصرف.
قال البرماي كالزركشي للعملية ووزن الفعل حي من بجيلة من قبائل اليمن، وتعقبه في المصابيح فقال: إن لم يحمل هذا على سبق قلم من المصنف أو الغلط من الناسخ فهو عجيب إذ ليس فيه وزن الفعل المعتبر عندهم، ولو قيل بأنه على وزن دحرج للزم منع صرف جعفر وهو باطل بالإجماع انتهى.
(فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه) وفي رواية شعيب الآتية في الاستئذان إن شاء الله تعالى، وكان الفضل رجلاً وضيئًا أي جميلاً وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة وطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها (وجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر) بكسر الشين وفتح الخاء (فقالت:) أي المرأة (يا رسول الله وإن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي) حال كونه (شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة) صفة لشيخًا أو حال متداخلة للتي قبلها أي وجب عليه الحج بأن أسلم وهو شيخ كبير أو حصل له المال في هذه الحالة والأول أوجه كما قاله الطيبي.
واختلفت طرق الأحاديث في السائل عن ذلك هل هو امرأة أو رجل وفي المسؤول عنه أيضًا أن يحج عنه هل هو أب أو أم أو أخ؟ فأكثر طرق الأحاديث الصحيحة دالة على أن السائل امرأة سألت عنأبيها كما هو في أكثر طرق حديث الفضل وحديث عبد الله أخيه وحديث علي وفي النسائي من حديث الفضل أن السائل رجل سأل عن أمه، وفي صحيح ابن حبان من حديث ابن عباس أن السائل رجل يسأل عن أبيه، وعند النسائي أيضًا أن امرأة سألته عن أبيها، وفي حديث بريدة عند الترمذي في أن امرأة سألته عن أمها، وفي حديث حصين بن عوف عند ابن ماجة أن السائل رجل سأل عن أبيه، وفي حديث سنان بن عبد الله أن عمته قالت يا رسول الله توفيت أمي وهذا محمول على التعدد.
(أفأحج عنه؟) أي أيجوز لي أن أنوب فأحج عنه فالفاء بعد همزة الاستفهام عاطفة على مقدر لأن الاستفهام له الصدر (قال:) عليه الصلاة والسلام: (نعم) حجي عنه (وذلك) أي ما ذكر وقع (في حجة الوداع) وفيه جواز الحج عن الغير، وتمسك الحنفية بعمومه على صحة حج من لم يحج نيابة عن غيره وخالف الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه لحديث السنن، وصحيح ابن خزيمة عن ابن عباس أنه رأى رجلاً يلبي عن شبرمة فقال: أفحججت عن نفسك؟ قال: لا.
قال: هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة، ومنع مالك الحج عن المعضوب مع أنه راوي الحديث، وقال الشافعي: لا يستنيب الصحيح لا في فرض ولا نفل، وجوزه أبو حنيفة وأحمد في النفل.
وأما المطابقة بين الحديث والترجمة فقالوا: تدرك بدقة النظر من دلالة الحديث على تأكيد الأوامر بالحج حتى أن المكلف لا يعذر بتركه عند عجزه عن المباشرة بنفسه بل يلزم أن يستنيب غيره، وهو يدل على أن في مباشرته فضلاً عظيمًا ويأتي إن شاء الله تعالى إفراد فضل الحج بباب.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والاستئذان، ومسلم في الحج، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
2 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [الحج: 27] : { يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} .
فِجَاجًا: الطُّرُقُ الْوَاسِعَةُ.
(باب قول الله تعالى (يأتوك رجالاً) نصب على الحال من الضمير الذي في يأتوك وهو مجزوم جواب قوله وأذن أي يأتوك مشاة ({ و} ) ركبانًا ({ على كل} ) بعير ({ ضامر} ) مهزول أتعبه بعد السفر فهزله والضامر يستعمل بغيرها للمذكر والمؤنث ({ يأتين} ) صفة لكل ضامر لأنه في معنى الجمع ({ من كل فج} ) طريق ({ عميق} ) بعيد ({ ليشهدوا} ) ليحضروا ({ منافع لهم} ) [الحج: 27] دينية ودنيوية ونكرها لأن المراد بها نوع من المنافع مخصوصة بهذه العبادة، وسبب نزول هذه الآية كما ذكره الطبري عن طريق عمر بن ذر قال: قال مجاهد: كانوا لا يركبون فأنزل الله تعالى: ({ يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر} ) فأمرهم بالزاد ورخص لهم في الركوب والمتجر، ومن ثم ذكر المؤلّف هذه الآية هنا مترجمًا مع القدرة إلى الراحلة وعدم القدرة لأن الآية اشتملت على المشاة والركبان قال المؤلّف مفسرًا لقوله تعالى في سورة نوح ({ فجاجًا} ) [نوح: 20] جمع فج أي (الطرق الواسعة) وهو الموافق لقول الفراء وأبي عبيد والأزهري، وهو الذي ذكره البيضاوي وغيره من أئمة التفسير.
وقال ثعلب: ما انخفض من الطرق.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب وُجُوبِ الْحَجِّ وَفَضْلِهِ.
وقول الله [آل عمران: 97] : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}
(باب وجوب الحج وفضله).
ولأبي ذر: تقديم البسملة على كتاب، وسقط لغيره البسملة وباب.
نعم ثبت لفظ باب لابن عساكر في اليونينية، وفي نسخة تقديم البسملة، وللأصيلي فيما حكاه في فتح الباري كتاب المناسك.

والحج: بفتح الحاء وكسرها وبهما قرئ بالفتح لغة أهل العالية والكسر لغة نجد، وفرق سيبويه بينهما فجعل المكسور مصدرًا واسمًا للفعل والمفتوح مصدرًا فقط.
وقال ابن السكيت بالفتح القصد وبالكسر القوم الحجاج، وقال الجوهري: والحجة بالكسر المرة الواحدة وهو من الشواذ لأن القياس بالفتح وهو مبني على اختياره أنه بالفتح الاسم ومعنى الحج في اللغة القصد وفي الشرع عبادة يلزمها وقوف بعرفة ليلة عاشر ذي الحجة وطواف ذي طهر اختص بالبيت عن يساره سبعًا.

والمناسك: جمع منسك بفتح السين وكسرها والنسك العبادة والناسك العابد واختص بأعمال الحج، والمناسك مواقف النسك وأعمالها والنسيكة مختصة بالذبيحة.
(وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه، وسقط ذلك لغير أبي ذر: ({ ولله} ) فرض واجب ({ على الناس حج البيت} ) قصده للزيارة على الوجه المخصوص الآتي بيانه إن شاء الله تعالى ({ من استطاع إليه سبيلاً} ) [آل عمران: 97] بدل من الناس مخصص له، والضمير في إليه للبيت أو للحج وكل مأتي إلى الشيء فهو سبيله وحذف الرابط لفهمه أي من استطاع منهم كذا أعربه جمهور المعربين، لكن قال البدر الدماميني: يلزم عليه فصل البدل والمبدل منه بالمبتدأ وفيه نظر انتهى.


وقال ابن هشام: زعم ابن السيد أن فاعل بالمصدر، ويردّه أن المعنى حينئذ ولله على الناس أن يحج المستطيع فيلزم إثم جميع الناس إذا تخلف المستطيع، وتعقبه في المصابيح بأنه بناه على الألف واللام لاستغراق الجنس وهو ممنوع لجواز كونها للعهد الذكري، والمراد حينئذ بالناس من جرى ذكره وهم المستطيعون وذلك لأن حج البيت مبتدأ والخبر قوله: لله على الناس والمبتدأ مقدم على الخبر رتبة وإن تأخر لفظًا، فإذا قدّمت المبتدأ وما هو من متعلقاته كان التقدير يرجح البيت المستطيعون حق ثابت لله على الناس أي هؤلاء المذكورين، ويدل عليه أنك لو أتيت بالضمير سد مسد أل ومصحوبها وهو علامة الأداة التي للعهد الذكري بل جعلها كذلك مقدم على جعلها للعموم، فقد صرح كثيرون بأنه إذا احتمل كون أل للعهد وكونها لغيره كالجنس أو العموم فإنا نحملها على العهد للقرينة المرشدة إليه.
ووجوب الحج معلوم من الدين بالضرورة ولهذه الآية وهو أحد أركان الإسلام الخمس ولا يتكرر وجوبه إلا لعارض نذر أو قضاء عارض.

روى مسلم حديث أبي هريرة خطبنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: يا رسول الله أكل عام؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا.
فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم) أي أتأمرنا أن نحج كل عام؟ وهذا يدل على أن مجرد الأمر لا يفيد التكرار ولا المرة وإلاّ لما صح الاستفهام، وإنما سكت -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى قالها ثلاثًا زجرًا له عن السؤال فإن التقدم بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منهي عنه لقوله تعالى: { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات: 1] لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مبعوث لبيان الشرائع وتبليغ الأحكام، فلو وجب الحج كل سنة لبينه عليه الصلاة والسلام لهم لا محالة ولا يقتصر على الأمر مطلقًا سواء سئل عنه أو لم يسأل عنه فيكون استعجالاً ضائعًا، ثم لما رأى أنه لا يزجر به ولا يقنع إلا بالجواب الصريح أجاب عنه بقوله: لو قلت نعم لوجبت كل عام حجة فأفاد به أنه لا يجيب في كل عام لما في لو من الدلالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره وأنه لم يتكرر لما فيه من الحرج والكلف الشاقة قاله البيضاوي.

وتعقبه الطيبي بأن الاستدلال بسؤال الرجل على أن الأمر لا يفيد التكرار ولا المرة ضعيف لأن الإنكار وارد على السؤال الذي لم يقع موقعه ولهذا زجره وقال: ذروني ما تركتكم يعم الخطاب يعني اقتصروا على ما أمرتكم به على قدر استطاعتكم، فقد علم أن الرجل لو لم يسأل لم يفد غير المرة وأن التكرار يفتقر إلى دليل خارجي انتهى.

ثم إن الحج مطلقًا إما فرض عين أو فرض كفاية أو تطوع واستشكل تصويره.
وأجيب: بأنه يتصور في العبيد والصبيان لأن الفرضين لا يتوجهان إليهما وبأن في حج من ليس عليه فرض عين جهتين جهة تطوع من حيث أنه ليس عليه فرض عين وجهة فرض كفاية من حيث إحياء الكعبة.

قال الزركشي: وفيه التزام السؤال إذ لم يخلص لنا حج تطوع على حدته وفي الأول التزامه بالنسبة للمكلفين ثم إنه لا يبعد وقوعه من غيرهم فرضًا ويسقط به فرض الكفاية عن المكلفين كما في الجهاد وصلاة الجنازة انتهى.


واختلف هل هو على الفور أو على التراخي؟ فعند الشافعية على التراخي لأن الحج فرض سنة خمس كما جزم به الرافعي في كتاب الحج أو سنة ست كما صححه في السير، وتبعه عليه في الروضة ونقله في شرح المهذّب عن الأصحاب وعليه الجمهور لأنه نزل فيها قوله تعالى: { وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196] وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض، ويؤيده ما أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عن علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي أنهم قرؤوا وأقيموا الحج، وقيل المراد بالإتمام الإكمال بعد الشروع وهو يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك وقد أخره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى سنة عشر من غير مانع فدلّ على التراخي، وإليه ذهب اللخمي وصاحب المقدمات والتلمساني من المالكية، وحكى ابن القصار عن مالك أنه على الفور، وتابعه العراقيون، وشهره صاحب الذخيرة وصاحب العدة وابن بزيزة، لكن القول بالتراخي مقيد بعدم خوف الفوات.

والاستطاعة الزاد والراحلة كما فسره، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يؤيد قول الشافعي: إنها بالمال ولذلك أوجب الاستنابة على الزمن إذا وجد أجرة من ينوب عنه.
وقال مالك: بالبدن فيجب على من قدر على المشي والكسب في الطريق، وقال أبو حنيفة: بمجموع الأمرين ثم إن اليهود حين أمروا بالحج قالوا: ما وجب علينا؟ فنزل قوله تعالى: ({ ومن كفر} ) أي جحد فريضة الحج ({ فإن الله غني عن العالمين} ) [آل عمران: 97] فلا يضره كفرهم ولا ينفعه إيمانهم.

قال البيضاوي: وضع كفر موضع من لم يحج تأكيد الوجوب به وتغليطًا على تاركه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديًا أو نصرانيّا" وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر وإبرازه في الصورة الاسمية وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب لله في رقاب الناس وتعميم الحكم أولاً وتخصيصه ثانيًا فإنه كإيضاح بعد إبهام وتثنية وتكرير للمراد، وتسمية ترك الحج كفرًا من حيث أنه فعل الكفرة وذكر الاستغناء عنه بالبرهان والأشعار بعظم السخط لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس وأتعاب البدن وصرف المال والتجرد عن الشهوات والإقبال على الله انتهى.

وهذا أخذه من قول الزمخشري لكن عبارته: جعل ومن كفر عوضًا عن ومن لم يحج تغليطًا إلى آخر الحديث، واستشكله ابن المنير بأن تاركه لا يكفر بمجرد تركه فتعين حمله على تاركه جاحدًا لوجوبه فالكفر يرجع إلى الاعتقاد قال: والزمخشري سهل عليه ذلك لأنة يعتقد أن تارك الحج يخرج عن الإيمان ويخلد في النار، ويحتمل أن يكون قوله: ومن كفر استئناف وعيد للكافرين.


[ قــ :1453 ... غــ : 1513 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَثْبُتُ

عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ".
[الحديث 1513 - أطرافه في: 1854، 1855، 4399، 6228] .

وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سليمان بن يسار) ضد اليمين (عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، قال: كان الفضل) اختلف على الزهري في هذا الإسناد، فرواه ابن جريج كما في باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة عنه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس عن الفضل بن عباس، وروى ابن ماجة من طريق محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس أخبرني حصين بن عوف عن الخثعمي قال: قلت: يا رسول الله إن أبي، وسأل الترمذي البخاري عنه فقال: أصح شيء فيه ما روى ابن عباس عن الفضل.
قال فيحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل ومن غيره ثم رواه بغير واسطة انتهى.

قال في الفتح وإنما رجح البخاري الرواية عن الفضل لأنه كان ردف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذ، وكان ابن عباس قد تقدم من مزدلفة إلى منى مع الضعفة كما سيأتي إن شاء الله تعالى، والفضل هو شقيق عبد الله أمهما أم الفضل لبابة الكبرى (رديف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، راكبًا خلفه على الدابة "فجاءت امرأة من خثعم" بفتح الخاء المعجمة وسكون المثلثة وفتح العين المهملة غير منصرف.
قال البرماي كالزركشي للعملية ووزن الفعل حي من بجيلة من قبائل اليمن، وتعقبه في المصابيح فقال: إن لم يحمل هذا على سبق قلم من المصنف أو الغلط من الناسخ فهو عجيب إذ ليس فيه وزن الفعل المعتبر عندهم، ولو قيل بأنه على وزن دحرج للزم منع صرف جعفر وهو باطل بالإجماع انتهى.

(فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه) وفي رواية شعيب الآتية في الاستئذان إن شاء الله تعالى، وكان الفضل رجلاً وضيئًا أي جميلاً وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة وطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها (وجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر) بكسر الشين وفتح الخاء (فقالت:) أي المرأة (يا رسول الله وإن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي) حال كونه (شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة) صفة لشيخًا أو حال متداخلة للتي قبلها أي وجب عليه الحج بأن أسلم وهو شيخ كبير أو حصل له المال في هذه الحالة والأول أوجه كما قاله الطيبي.
واختلفت طرق الأحاديث في السائل عن ذلك هل هو امرأة أو رجل وفي المسؤول عنه أيضًا أن يحج عنه هل هو أب أو أم أو أخ؟ فأكثر طرق الأحاديث الصحيحة دالة على أن السائل امرأة سألت عن أبيها كما هو في أكثر طرق حديث الفضل وحديث عبد الله أخيه وحديث علي وفي النسائي من حديث الفضل أن السائل رجل سأل عن أمه، وفي صحيح ابن حبان من حديث ابن عباس أن السائل رجل يسأل عن أبيه، وعند النسائي أيضًا أن امرأة سألته عن أبيها، وفي حديث بريدة عند الترمذي في أن امرأة سألته عن أمها، وفي حديث حصين بن عوف عند ابن ماجة أن السائل رجل سأل عن أبيه، وفي حديث سنان بن عبد الله أن عمته قالت يا رسول الله توفيت أمي وهذا محمول على التعدد.
(أفأحج

عنه؟) أي أيجوز لي أن أنوب فأحج عنه فالفاء بعد همزة الاستفهام عاطفة على مقدر لأن الاستفهام له الصدر (قال:) عليه الصلاة والسلام:
(نعم) حجي عنه (وذلك) أي ما ذكر وقع (في حجة الوداع) وفيه جواز الحج عن الغير، وتمسك الحنفية بعمومه على صحة حج من لم يحج نيابة عن غيره وخالف الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه لحديث السنن، وصحيح ابن خزيمة عن ابن عباس أنه رأى رجلاً يلبي عن شبرمة فقال: أفحججت عن نفسك؟ قال: لا.
قال: هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة، ومنع مالك الحج عن المعضوب مع أنه راوي الحديث، وقال الشافعي: لا يستنيب الصحيح لا في فرض ولا نفل، وجوزه أبو حنيفة وأحمد في النفل.

وأما المطابقة بين الحديث والترجمة فقالوا: تدرك بدقة النظر من دلالة الحديث على تأكيد الأوامر بالحج حتى أن المكلف لا يعذر بتركه عند عجزه عن المباشرة بنفسه بل يلزم أن يستنيب غيره، وهو يدل على أن في مباشرته فضلاً عظيمًا ويأتي إن شاء الله تعالى إفراد فضل الحج بباب.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والاستئذان، ومسلم في الحج، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( كِتَابُ الحَجِّ)
هَذَا كتاب فِي بَيَان الْحَج، وَقد ذكرنَا أول الْكتاب أَن الْكتاب يشْتَمل الْأَبْوَاب، والأبواب تَشْمَل الْفُصُول، وَلم يَقع فِي تَرْتِيب البُخَارِيّ الْفُصُول، وَإِنَّمَا يُوجد فِي بعض الْمَوَاضِع لَفْظَة: بَاب، مُجَردا وَيُرِيد بِهِ الْفَصْل عَمَّا قبله، لكنه من جنسه كَمَا ستقف عَلَيْهِ فِي أثْنَاء الْكتاب.
وَالْكَلَام هُنَا على أَنْوَاع.
الأول: ذكر كتاب الْحَج عقيب كتاب الزَّكَاة، وَكَانَ الْمُنَاسب ذكر كتاب الصَّوْم عقيب كتاب الزَّكَاة، كَمَا قدمه ابْن بطال على كتاب الْحَج كَمَا وَقع فِي الْخمس الَّذِي بني الْإِسْلَام عَلَيْهَا، وَلَكِن لما كَانَ لِلْحَجِّ اشْتِرَاك مَعَ الزَّكَاة فِي كَونهمَا عبَادَة مَالِيَّة ذكره عقيب الزَّكَاة.
فَإِن قلت: فعلى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر الصَّوْم عقيب الصَّلَاة لِأَن كلا مِنْهُمَا عبَادَة بدنية.
قلت: نعم، كَانَ الْقيَاس يَقْتَضِي ذَلِك وَلَكِن ذكرت الزَّكَاة عقيب الصَّلَاة لِأَنَّهَا ثَانِيَة الصَّلَاة وثالثة الْإِيمَان فِي الْكتاب وَالسّنة.
النَّوْع الثَّانِي: أَنه قد وَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: كتاب الْمَنَاسِك، كَمَا وَقع هَكَذَا فِي ( صَحِيح مُسلم) وَوَقع فِي كتاب الطَّحَاوِيّ: كتاب مَنَاسِك الْحَج، وَهُوَ جمع منسك، بِفَتْح السِّين وَكسرهَا وَهُوَ المتعبد، وَيَقَع على الْمصدر وَالزَّمَان وَالْمَكَان، ثمَّ سميت أُمُور الْحَج كلهَا مَنَاسِك، والمنسك: المذبح، وَقد نسك ينْسك نسكا إِذا ذبح، والنسيكة الذَّبِيحَة، وَجَمعهَا نسك، والنسك أَيْضا الطَّاعَة وَالْعِبَادَة، وكل مَا تقرب بِهِ إِلَى الله، عز وَجل، والنسك مَا أمرت بِهِ الشَّرِيعَة والورع وَمَا نهت عَنهُ.
والناسك العابد، وَسُئِلَ ثَعْلَب عَن الناسك مَا هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ مَأْخُوذ من النسيكة، وَهِي سبيكة الْفضة المصفاة، كَأَن الناسك صفي نَفسه لله تَعَالَى.
النَّوْع الثَّالِث فِي معنى الْحَج لُغَة وَشرعا أما لغةٍ: فَمَعْنَاه الْقَصْد، من حججْت الشَّيْء أحجه حجا إِذا قصدته..
     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي: وأصل الْحَج من قَوْلك: حججْت فلَانا أحجه حجا إِذا عدت إِلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى.
فَقيل: حج الْبَيْت، لِأَن النَّاس يأتونه كل سنة، وَمِنْه قَول المخبل السَّعْدِيّ: ( واشهد من عَوْف حلولاً كَثِيرَة ... يحجون سبّ الزبْرِقَان المزعفرا) يَقُول: يأتونه مرّة بعد أُخْرَى لسؤدده وسبه: عمَامَته،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْعين) : السب الثَّوْب الرَّقِيق، وَقيل: غلالة رقيقَة يمنية، والزبرقان، بِكَسْر الزَّاي وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الرَّاء وبالقاف المخففة وَفِي آخِره نون: وَهُوَ فِي الأَصْل اسْم الْقَمَر، ولقب بِهِ الْحصين لصفرة عمَامَته.
وَأما شرعا: الْحَج قصد إِلَى زِيَارَة الْبَيْت الْحَرَام على وَجه التَّعْظِيم بِأَفْعَال مَخْصُوصَة، وَسَببه الْبَيْت، لِأَنَّهُ يُضَاف إِلَيْهِ، وَلِهَذَا لَا يجب فِي الْعُمر إلاَّ مرّة وَاحِدَة لعدم تكْرَار السب، وَالْحج، بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا..
     وَقَالَ  الزّجاج: يقْرَأ بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا، يَعْنِي: فِي الْقُرْآن، وَالْأَصْل الْفَتْح.
قلت: قرىء بهما فِي السَّبْعَة وَأَكْثَرهم على الْفَتْح.
وَفِي ( أمالي الهجري) أَكثر الْعَرَب يكسرون الْحَاء فَقَط،.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت: بِفَتْح الْحَاء: الْقَصْد، وبالكسر: الْقَوْم الْحجَّاج، وَالْحجّة، بِالْفَتْح: الفعلة من الْحَج، وبكسر الْحَاء: التَّلْبِيَة والإجابة.
قلت: يُقَال فِي الفعلة بِالْفَتْح الْمرة، وبالكسر الْحَالة، والهيأة، والحاج الَّذِي يحجّ، وَرُبمَا يظهرون التَّضْعِيف فِي ضَرُورَة الشّعْر قَالَ: ( بِكُل شيخ عَامر أَو حاجج) وَيجمع على: حجج، بِالضَّمِّ نَحْو: بازل وبزل، وعائذ وعوذ.
النَّوْع الرَّابِع: فِي وَقت ابْتِدَاء فَرْضه، فَذكر الْقُرْطُبِيّ أَن الْحَج فرض سنة خمس من الْهِجْرَة، وَقيل: سنة تسع، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيح.
وَذكر الْبَيْهَقِيّ أَنه كَانَ سنة سِتّ، وَفِي حَدِيث ضمام بن ثَعْلَبَة ذكر الْحَج، وَذكر مُحَمَّد بن حبيب أَن قدومه كَانَ سنة خمس من الْهِجْرَة،.

     وَقَالَ  الطرطوشي: وَقد رُوِيَ أَن قدومه على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي سنة تسع، وَذكر الْمَاوَرْدِيّ أَنه فرض سنة ثَمَان،.

     وَقَالَ  إِمَام الْحَرَمَيْنِ: سنة تسع أَو عشر، وَقيل: سنة سبع، وَقيل: كَانَ قبل الْهِجْرَة وَهُوَ شَاذ.

( بابُُ وُجوبِ الحَجِّ وَفَضْلِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان وجوب الْحَج وَبَيَان فَضله، قد ذكرنَا أَن الْكتاب يجمع الْأَبْوَاب، فَهَذَا هُوَ شُرُوع فِي بَيَان أَفعَال الْحَج وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَبْوَاب، فَذكر بابُُا بابُُا بِحَسب قَصده بالتناسب، والبسملة مَذْكُورَة فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره لم تذكر، وَكَذَا لم يذكر لفظ: الْبابُُ.

وَقَوْلِ الله تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً ومَنْ كَفَرَ فإنَّ الله غَنِيٌّ عنِ العَالِمِينَ} ( آل عمرَان: 79) .


وَقع فِي بعض النّسخ: بابُُ وجوب الْحَج وفضله، وَقَوله تَعَالَى: { وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت} ( آل عمرَان: 79) .
وَهَذَا أوجه، وَأَشَارَ بِذكر هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَى أَن وجوب الْحَج قد ثَبت بِهَذِهِ الْآيَة، هَذَا عِنْد الْجُمْهُور، وَقيل: ثَبت وُجُوبه بقوله تَعَالَى { وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} ( الْبَقَرَة: 691) .
وَالْأول أظهر.
وَقد وَردت الْأَحَادِيث المتعددة بِأَنَّهُ أحد أَرْكَان الْإِسْلَام ودعائمه وقواعده، وَأجْمع الْمُسلمُونَ على ذَلِك إِجْمَاعًا ضَرُورِيًّا..
     وَقَالَ  الإِمَام أَحْمد: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون حَدثنَا الرّبيع بن مُسلم الْقرشِي عَن مُحَمَّد بن زِيَاد ( عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس قد فرض عَلَيْكُم الْحَج فحجوا.
فَقَالَ رجل: أكل عَام يَا رَسُول الله؟ فَسكت حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ، وَلما اسْتَطَعْتُم.
ثمَّ قَالَ: ذروني مَا تركتكم فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بِكَثْرَة سُؤَالهمْ وَاخْتِلَافهمْ على أَنْبِيَائهمْ، وَإِذا أَمرتكُم بِشَيْء فاتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم، وَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَدَعوهُ)
.
رَوَاهُ مُسلم.
وَفِي رِوَايَته: ( فَقَامَ الْأَقْرَع بن حَابِس، فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَفِي كل عَام؟) الحَدِيث.
وَعَن أَحْمد فِي رِوَايَته: ( عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ لما نزلت: { وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} ( آل عمرَان: 79) .
قَالُوا: يَا رَسُول الله فِي كل عَام؟)
الحَدِيث.
وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: ( عَن أنس بن مَالك، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله الْحَج فِي كل عَام؟ قَالَ: لَو قلت: نعم لَوَجَبَتْ، وَلَو وَجَبت لم تقوموا بهَا، وَلَو لَو تقوموا بهَا لعذبتم) .
وَفِي ( الصَّحِيحَيْنِ) من حَدِيث جَابر ( أَن سراقَة بن مَالك، قَالَ: يَا رَسُول الله متعتُنا هَذِه لِعَامِنَا أم لِلْأَبَد؟ قَالَ: بل لِلْأَبَد؟ قَالَ: بل لِلْأَبَد) .
قَوْله: ( حج الْبَيْت) مَرْفُوع على الِابْتِدَاء، وَخَبره مقدما، قَوْله: ( وَللَّه على النَّاس) أَي: وَللَّه فرض وَاجِب { على النَّاس حج الْبَيْت} ( آل عمرَان: 79) .
لِأَن: اللَّام، لَام الْإِيجَاب.
قَوْله: { من اسْتَطَاعَ} ( آل عمرَان: 79) .
بدل: من النَّاس، فِي مَحل الْجَرّ، وَالتَّقْدِير: وَللَّه على من اسْتَطَاعَ من النَّاس حج الْبَيْت، والإستطاعة هِيَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة وتخلية الطَّرِيق، وَعَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ( السَّبِيل: الزَّاد والرحلة) ، رَوَاهُ الْحَاكِم، ثمَّ قَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: ( قَامَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من الْحَاج يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الشعث الثّقل، فَقَامَ آخر فَقَالَ: أَي الْحَج أفضل يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ العج والثج، فَقَامَ آخر، فَقَالَ: مَا السَّبِيل يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الزَّاد والرحلة) ..
     وَقَالَ  ابْن أبي حَاتِم، وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَأنس وَالْحسن وَمُجاهد وَعَطَاء وَسَعِيد بن جُبَير وَالربيع بن أنس وَقَتَادَة نَحْو ذَلِك، وَقد روى ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: { من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} ( آل عمرَان: 79) .
قَالَ: من ملك ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فقد اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) .
وَعَن عِكْرِمَة مَوْلَاهُ، قَالَ: ( من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا: السَّبِيل: الصِّحَّة) .
وَعَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس.
( قَالَ: من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) قَالَ: الزَّاد وَالْبَعِير، قَوْله: { وَمن كفر فَإِن الله غَنِي عَن الْعَالمين} ( آل عمرَان: 79) .
قَالَ ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَغير وَاحِد: أَي: وَمن جحد فَرضِيَّة الْحَج فقد كفر، وَالله غَنِي عَنهُ.
وَقيل: من لم يرج ثَوَابه وَلم يخف عِقَابه تَركه، وَقيل: إِذا أمكنه الْحَج وَلم يحجّ حَتَّى مَاتَ، وروى ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث الْحَارِث عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من ملك زادا وراحلة وَلم يحجّ بَيت الله فَلَا يضرّهُ مَاتَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا، وَذَلِكَ بِأَن الله تَعَالَى قَالَ: { وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} ( آل عمرَان: 79) .
إِلَى آخِره.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا،.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَفِي إِسْنَاده مقَال، وهلال مَجْهُول يَعْنِي فِي رِوَايَة الْحَارِث يضعف فِي الحَدِيث، وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ الْحَافِظ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن غنم، سمع عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: ( من أطَاق الْحَج فَلم يحجّ فَسَوَاء عَلَيْهِ يَهُودِيّا مَاتَ أَو نَصْرَانِيّا) .
وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح إِلَى عمر، قَالَه ابْن كثير فِي تَفْسِيره.
قَوْله: { غَنِي عَن الْعَالمين} ( آل عمرَان: 79) .
أَي: لَا يَنْفَعهُ إِيمَانهم وَلَا يضرّهُ كفرهم.



[ قــ :1453 ... غــ :1513 ]
-
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرَنا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَالَ كَانَ الفَضْلُ رَدِيفَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجاءَتْ امْرَأةٌ مِنْ خَثْعَمْ فجعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إليْهَا وتَنْظُرُ إلَيْهِ وجَعَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ إلَى الشِّقِّ الآخَرِ فقالَتْ يَا رسولَ الله إنَّ فَرِيضَةَ الله عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أدْرَكَتْ أبي شَيْخا كَبِيرا لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أفأحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ وَذالِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تدْرك بدقة النّظر، وَذَلِكَ أَن الحَدِيث يدل على تَأْكِيد الْأَمر بِالْحَجِّ حَتَّى إِن الْمُكَلف لَا يعْذر بِتَرْكِهِ عِنْد عَجزه عَن الْمُبَاشرَة بِنَفسِهِ، بل يلْزمه أَن يَسْتَنِيب غَيره، وَهَذَا يدل على أَن فِي مُبَاشَرَته فضلا عَظِيما، فَمن هَذَا تُؤْخَذ الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث، وَسَيَأْتِي بابُُ مُسْتَقل فِي فضل الْحَج، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَسليمَان ابْن يسَار ضد الْيَمين تقدم فِي الْوضُوء.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن القعْنبِي عَن مَالك، وَعَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل فِي الْمَغَازِي،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن يُوسُف: حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ، وَفِيه وَفِي الاسْتِئْذَان عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب، كلهم عَن الزُّهْرِيّ.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع عَن روح بن عبَادَة وَلَيْسَ فِيهِ صدر الحَدِيث وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين وَعَن قُتَيْبَة وَعَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي وَعَن عُثْمَان بن عبد الله وَعَن مُجَاهِد بن مُوسَى وَعَن مَحْمُود بن خَالِد.
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن عبد الرَّحْمَن ابْن إِبْرَاهِيم الدِّمَشْقِي عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ ... الحَدِيث.

ذكر مَا قيل فِي هَذَا الحَدِيث: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الطرقي: مدَار هَذَا الحَدِيث على ابْن شهَاب، وَقد اخْتلف عَنهُ فِي إِسْنَاده، رَوَاهُ ابْن جريج عَنهُ عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن عبد الله بن عَبَّاس عَن الْفضل بن عَبَّاس وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدِي، والْحَدِيث حَدِيث الْفضل لِأَنَّهُ كَانَ رَدِيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدَاة النَّحْر من الْمزْدَلِفَة إِلَى منى، وَعبد الله بن عَبَّاس قدمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ضعفة أَهله من جمع بلَيْل، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: مشيت على رجْلي فِي سِيَاق إِلَى منى، فقد دلّ غير شَاهد وَاحِد على أَن عبد الله لم يحضر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تِلْكَ الْحَالة، وَإِنَّمَا سمع ذَلِك من الْفضل، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس حِين دفعُوا عَشِيَّة عَرَفَة: عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ، قَالَ عبد الله: وَأَخْبرنِي الْفضل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة، وَكَذَلِكَ روى مُسلم قَالَ: حَدثنِي عَليّ بن خشرم، قَالَ: أخبرنَا عِيسَى عَن ابْن جريج عَن ابْن شهَاب، قَالَ: حَدثنَا سُلَيْمَان بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس عَن الْفضل: أَن امْرَأَة من خثعم قَالَت: يَا رَسُول الله إِن أبي شيخ كَبِير عَلَيْهِ فَرِيضَة الله فِي الْحَج، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيع أَن يَسْتَوِي على ظهر بعيره، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فحجي عَنهُ.
وَأخرج مُسلم أَيْضا عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ: فَسَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذِه الرِّوَايَات فَقَالَ: أصح شَيْء فِي هَذَا مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس عَن الْفضل ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ مُحَمَّد: وَيحْتَمل أَن يكون ابْن عَبَّاس سَمعه من الْفضل وَغَيره عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ روى هَكَذَا فَأرْسلهُ وَلم يذكر الَّذِي سَمعه مِنْهُ، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْبابُُ غير حَدِيث.
قيل: قَول التِّرْمِذِيّ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس عَن سِنَان بن عبد الله الْجُهَنِيّ عَن عمته عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِيهِ نظر من حَيْثُ إِن الْمَوْجُود بِهَذَا الْإِسْنَاد هُوَ حَدِيث آخر فِي الْمَشْي إِلَى الْكَعْبَة لَا عَن الْكَبِير الْعَاجِز، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة عبد الرَّحِيم بن سُلَيْمَان عَن مُحَمَّد بن كريب عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس عَن سِنَان بن عبد الله الْجُهَنِيّ، أَن عمته حدثته أَنَّهَا أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله توفيت أُمِّي وَعَلَيْهَا مشي إِلَى الْكَعْبَة نذرا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل تستطيعين أَن تمشين عَنْهَا؟ قَالَت: نعم، قَالَ: فامشي عَن أمك.
قَالَت: أَو يجزيء ذَلِك عَنْهَا؟ قَالَ: نعم، أَرَأَيْت لَو كَانَ عَلَيْهَا دين ثمَّ قضيتيه عَنْهَا هَل كَانَ يقبل مِنْك؟ قَالَت: نعم، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَالله أَحَق بذلك) .
وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ أَرَادَ أَن يبين الِاخْتِلَاف فِي هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس فِي الْمَتْن والإسناد مَعًا، وَهَذَا اخْتِلَاف فِي مَتنه..
     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ فِي ( الْعِلَل الْكَبِير) عَن مُحَمَّد: الصَّحِيح الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان عَن ابْن عَبَّاس عَن الْفضل.
قلت: كَانَ عبد الله يرويهِ عَن الْفضل وَعَن حُصَيْن بن عَوْف قَالَ: أَرْجُو أَن يكون صَحِيحا، وَيحْتَمل أَن يكون عبد الله روى هَذَا عَن غير وَاحِد وَلم يذكر الَّذِي سَمعه مِنْهُ، وَيحْتَمل أَن يكون كُله صَحِيحا قلت: حَدِيث حُصَيْن رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن ابْن نمير عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر عَن مُحَمَّد بن كريب عَن أَبِيه ( عَن ابْن عَبَّاس أَخْبرنِي حُصَيْن، قلت: يَا رَسُول الله إِن أبي أدْركهُ الْحَج وَلَا يَسْتَطِيع أَن يحجّ إلاَّ مُعْتَرضًا.
فَصمت سَاعَة، ثمَّ قَالَ: حج عَن أَبِيك)
.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( كَانَ الْفضل) هُوَ الْفضل بن عَبَّاس بن عبد الْمطلب بن هَاشم الْقرشِي الْهَاشِمِي أَبُو عبد الله، وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد، وَيُقَال: أَبُو الْعَبَّاس الْمدنِي ابْن عَم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأمه أم الْفضل لبابَُُة الْكُبْرَى بنت الْحَارِث ابْن حزن الْهِلَالِيَّة، وَكَانَ شَقِيق عبد الله بن عَبَّاس رَوَاهُ عَنهُ أَخُوهُ عبد الله بن عَبَّاس وَغَيره، وَقيل: لم يسمع مِنْهُ سوى أَخِيه عبد الله وَأبي هُرَيْرَة وَمن عداهما، فروايته عَنهُ مُرْسلَة، قتل يَوْم اليرموك فِي عهد أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: قتل يَوْم مرج الصفر سنة ثَلَاث عشرَة، وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة..
     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: قتل بِدِمَشْق،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: مَاتَ بِالشَّام فِي طاعون عمواس سنة ثَمَانِي عشرَة،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: كَانَ اسن ولد عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، خرج إِلَى الشَّام مُجَاهدًا فَمَاتَ بِنَاحِيَة الْأُرْدُن فِي طاعون عمواس فِي سنة ثَمَانِي عشرَة من الْهِجْرَة فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( رَدِيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَهُوَ الَّذِي يركب وَرَاء الرَّاكِب، وَقد جمع ابْن مَنْدَه الْأَصْفَهَانِي كتابا فِيهِ أَسمَاء من أردفه سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعَه على الدَّابَّة فَبلغ بهم نيفا وَثَلَاثِينَ رجلا.
قَوْله: ( فَجَاءَت امْرَأَة من خثعم) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة، وَهِي قَبيلَة بِالْيمن، وَفِي رِوَايَة: (.

     وَقَالَ ت امْرَأَة من جُهَيْنَة)
، وَهَاتَانِ القبيلتان لَا تجتمعان لِأَن جُهَيْنَة هُوَ ابْن زيد بن لَيْث بن الْأسود بن أسلم بن ألحاف بن قضاعة.
وخثعم هُوَ ابْن أَنْمَار بن أراش بن عَمْرو بن الْغَوْث بن نبت بن مَالك بن زيد بن كهلان.
وَفِي ( التَّوْضِيح) : هَذِه الْمَرْأَة يجوز أَن تكون غاثية أَو غايثة، بالغين الْمُعْجَمَة فيهمَا.
وَاعْلَم أَنه قد اخْتلفت طرق الْأَحَادِيث فِي السَّائِل عَن ذَلِك: هَل هُوَ امْرَأَة أَو رجل؟ وَفِي المسؤول عَنهُ أَن يحجّ عَنهُ أَيْضا: هَل هُوَ أَب أَو أم أَو أَخ؟ فَأكْثر طرق الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة دَالَّة على أَن السَّائِل امْرَأَة، وَأَنَّهَا سَأَلت عَن أَبِيهَا، كَمَا هُوَ فِي أَكثر طرق حَدِيث الْفضل، وَأكْثر طرق عبد الله بن عَبَّاس، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: قَالَ: ( وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة) الحَدِيث، وَفِيه: ( فاستفتته جَارِيَة شَابة من خثعم.
فَقَالَت: إِن أبي شيخ كَبِير)
الحَدِيث.
وَفِي رِوَايَة للنسائي فِي حَدِيث الْفضل أَن السَّائِل رجل سَأَلَ عَن أمه، وَفِي ( صَحِيح ابْن حبَان) فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن السَّائِل رجل سَأَلَ عَن أَبِيه، وَعند النَّسَائِيّ أَيْضا: أَن امْرَأَة سَأَلته عَن أَبِيهَا مَاتَ وَلم يحجّ، وَفِي حَدِيث بُرَيْدَة أخرجه التِّرْمِذِيّ: أَن امْرَأَة سَأَلت عَن أمهَا، وَفِي حَدِيث حُصَيْن بن عَوْف رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَفِي حَدِيث أبي رزين الْعقيلِيّ أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَفِي حَدِيث سَوْدَة رَوَاهُ أَحْمد فِي ( مُسْنده) وَفِي حَدِيث عبد الله بن الزبير أخرجه النَّسَائِيّ: أَن السَّائِل رجل سَأَلَهُ عَن أَبِيه.
وَفِي حَدِيث سِنَان بن عبد الله أَن عمته حدثته رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَفِيه: ( أَنَّهَا أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ ت: يَا رَسُول الله توفيت أُمِّي)
الحَدِيث.
وَالْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات مَا قَالَه شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: إِن السُّؤَال وَقع مَرَّات: مرّة من امْرَأَة عَن أَبِيهَا، وَمرَّة من امْرَأَة عَن أمهَا، وَمرَّة عَن رجل عَن أمه، وَمرَّة من رجل عَن أَبِيه، وَمرَّة من رجل عَن أَخِيه، وَمرَّة فِي السُّؤَال عَن الشَّيْخ الْكَبِير، وَمرَّة فِي الْحَج عَن الْمَيِّت.
فَإِن قلت: هَل يعلم السَّائِل عَن هَذَا رجلا كَانَ أَو امْرَأَة؟ قلت: أما الرجل فقد سمي من السَّائِلين، من ذَلِك حُصَيْن بن عَوْف، كَمَا ذكره ابْن مَاجَه وسمى مِنْهُم: أَبُو رزين لَقِيط بن عَامر، كَمَا هُوَ عِنْد أَصْحَاب السّنَن، وَأما النِّسَاء فَلم يسم مِنْهُنَّ أحد إلاَّ فِي رِوَايَة سِنَان بن عبد الله الْجُهَنِيّ أَن عمته حدثته أَنَّهَا أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَمَّته لم تسم، وَفِي حَدِيث النَّسَائِيّ ( إِن أحد النِّسَاء، امْرَأَة سِنَان بن سَلمَة الْجُهَنِيّ، سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أمهَا مَاتَت) الحَدِيث.
والمرأتان ذكرتا فِي الْحَج عَن الْمَيِّت لَا عَن المعضوب، وَهُوَ بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة: الزَّمن الَّذِي لَا حراك بِهِ.
قَوْله: ( فَجعل الْفضل) ، كلمة: جعل، من أَفعَال المقاربة، وَجعل وضع لدنو الْخَبَر على وَجه الشُّرُوع فِيهِ، وَالْأَخْذ فِي فعله.
وَقَوله: ( الْفضل) اسْم جعل وَقَوله: ( ينظر إِلَيْهَا) فِي مَحل النصب خَبره إِلَى الْمَرْأَة المذكرة قَوْله ( وَتنظر إِلَيْهِ) أَي تنظر الْمَرْأَة إِلَى الْفضل وَالْكَلَام فِي قَوْله: ( وَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصرف) مثل الْكَلَام فِي: ( جعل الْفضل) .
قَوْله: ( إِلَى الشق) أَي: إِلَى الْجنب الآخر، وَهُوَ بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْقَاف.
قَوْله: ( شَيخا) ، نصب على الْحَال وكبيرا صفة شَيخا.
وَقَوله: لَا يثبت أَيْضا فِي مَحل النصب على الْحَال، فهما حالان متداخلتان، وَيجوز أَن يكون: لَا يثبت، صفة لشيخا، وَمَعْنَاهُ: وَجب عَلَيْهِ الْحَج بِأَن أسلم وَهُوَ شيخ، وَحصل لَهُ المَال فِي هَذِه الْحَالة.
قَوْله: ( أفأحج عَنهُ؟) الْهمزَة للاستفهام، وَالْفَاء عاطفة على مُقَدّر بعد الْهمزَة، وَالتَّقْدِير: أنوب عَنهُ فأحج؟ وَإِنَّمَا قَدرنَا هَكَذَا لِأَن الْهمزَة تَقْتَضِي الصدارة وَالْفَاء تَقْتَضِي عدمهَا.
قَوْله: ( وَذَلِكَ فِي حجَّة الْوَدَاع) ، بِكَسْر الْحَاء وَفتحهَا، وَسميت بذلك لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودع النَّاس فِيهَا، وَلَيْسَت هَذِه الْإِضَافَة للتَّقْيِيد التمييزي لِأَنَّهُ لم يحجّ بعد الْهِجْرَة إلاَّ حجَّة وَاحِدَة، وَهِي هَذِه الْحجَّة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز الإرداف إِذا كَانَت الدَّابَّة مطيقة، والإرداف للسادة والرؤساء سَائِغ، وَلَا سِيمَا فِي الْحَج لتزاحم النَّاس، ومشقة سير الرجالة، وَلِأَن الرّكُوب فِيهِ أفضل كَمَا سَيَجِيءُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَفِيه: دلَالَة على أَن الْمَرْأَة تكشف وَجههَا فِي الْإِحْرَام، وَهُوَ إِجْمَاع كَمَا حَكَاهُ أَبُو عمر، وَيحْتَمل كَمَا قَالَ ابْن التِّين: أَنَّهَا سدلت ثوبا على وَجههَا.
وَفِيه: فِي نظر الْفضل مغالبة طباع الْبشر لِابْنِ آدم وَضَعفه عَمَّا ركب فِيهِ من الشَّهَوَات.
وَفِيه: أَن الْعَالم يُغير مَا أمكنه إِذا رَآهُ وَاسْتدلَّ ابْن الْمُنْذر من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ: ( كَانَ الْفضل رَدِيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة، فَجعل الْفضل يُلَاحظ النِّسَاء وَينظر إلَيْهِنَّ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا ابْن أخي هَذَا يَوْم، من ملك فِيهِ سَمعه وبصره وَلسَانه غفر لَهُ) .
وَلم ينْقل أَنه نهى الْمَرْأَة عَن النّظر إِلَيْهِ، وَكَانَ الْفضل، وسيما، أَي: جميلاً، وَيحْتَمل أَن يكون الشَّارِع اجترأ بنفع الْفضل لما رأى أَنَّهَا تعلم بذلك منع نظرها إِلَيْهِ، لِأَن حكمهمَا وَاحِد، أَو تنبهت لذَلِك، أَو كَانَ ذَلِك الْموضع هُوَ مَحل نظره الْكَرِيم فَلم يصرف نظرها،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: فِيهِ: احْتِمَال أَن لَيْسَ على النِّسَاء غض أبصارهن عَن وُجُوه الرِّجَال، إِنَّمَا تغضضن عَن عورتهن..
     وَقَالَ  بعض الْمَالِكِيَّة: لَيْسَ على الْمَرْأَة تَغْطِيَة وَجههَا لهَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا على الرجل غض الْبَصَر، وَقيل: إِنَّمَا لم يأمرها بتغطية وَجههَا لِأَنَّهُ مَحل إحرامها، وَصرف وَجه الْفضل بِالْفِعْلِ أقوى من الْأَمر، وَذهب ابْن عَبَّاس وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، إِلَى أَن المُرَاد فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَا يبدين زينتهن إلاَّ مَا ظهر مِنْهَا} ( النُّور: 13) .
أَي: الْوَجْه والكفان.
وَفِيه: جَوَاز الْحَج عَن غَيره إِذا كَانَ معضوبا، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق..
     وَقَالَ  مَالك وَاللَّيْث وَالْحسن بن صَالح: لَا يحجّ أحد عَن أحد إلاَّ عَن ميت لم يحجّ حجَّة الْإِسْلَام، وَحَاصِل مَا فِي مَذْهَب مَالك ثَلَاثَة أَقْوَال مشهورها: لَا يجوز، ثَانِيهَا: يجوز من الْوَلَد.
ثَالِثهَا: يجوز إِن أوصى بِهِ، وَعَن النَّخعِيّ وَبَعض السّلف: لَا يَصح الْحَج عَن ميت وَلَا عَن غَيره، وَهِي رِوَايَة عَن مَالك، وَإِن أوصى بِهِ، وَفِي ( مُصَنف) ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: لَا يحجّ أحد عَن أحد، وَلَا يصم أحد عَن أحد، وَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور: يجوز الْحَج عَن الْمَيِّت عَن فَرْضه ونذره، سَوَاء أوصى بِهِ أَو لم يوص، وَهُوَ وَاجِب فِي تركته..
     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : وَعِنْدنَا يجوز الِاسْتِنَابَة فِي حجَّة التَّطَوُّع على أصح الْقَوْلَيْنِ، والْحَدِيث حجَّة على الْحسن بن حَيّ فِي قَوْله: إِن الْمَرْأَة لَا يجوز أَن تحج عَن الرجل، وَهُوَ حجَّة لمن أجَازه.

وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ: جَوَاز الْحَج عَن غَيره إِذا كَانَ معضوبا، وَلم يجزه مَالك، وَهُوَ رَاوِي الحَدِيث، وَهُوَ حجَّة عَلَيْهِ..
     وَقَالَ  صَاحب ( الْهِدَايَة) : الأَصْل أَن الْإِنْسَان لَهُ أَن يَجْعَل ثَوَاب عمله لغيره صَلَاة أَو صَدَقَة أَو صوما أَو غَيرهَا، عِنْد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، لما رُوِيَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ضحى بكبشين أَحدهمَا عَن نَفسه، وَالْآخر عَن أمته.

والعبادات أَنْوَاع: مَالِيَّة مَحْضَة، كَالزَّكَاةِ، وبدنية: كَالصَّلَاةِ، ومركب مِنْهُمَا: كَالْحَجِّ، والنيابة تجزىء فِي النَّوْع الأول وَلَا تجزىء فِي الثَّانِي بِحَال، وتجزيء فِي النَّوْع الثَّالِث عِنْد الْعَجز، وَلَا تجزيء عِنْد الْقُدْرَة، وَالشّرط الْعَجز الدَّائِم إِلَى وَقت الْمَوْت، وَظَاهر الْمَذْهَب أَن الْحَج يَقع عَن المحجوج عَنهُ لحَدِيث الخثعمية، وَعند مُحَمَّد: أَن الْحَج يَقع عَن الْحَاج، وَللْآخر ثَوَاب النَّفَقَة..
     وَقَالَ  ابْن بطال: اخْتلفُوا فِي الْمَرِيض يَأْمر بِمن يحجّ عَنهُ، ثمَّ يَصح بعد ذَلِك فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر: لَا يجْزِيه، وَعَلِيهِ أَن يحجّ..
     وَقَالَ  أَحْمد وَإِسْحَاق: يجْزِيه الْحَج عَنهُ، وَكَذَا من مَاتَ من مَرضه وَقد حج عَنهُ، فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو ثَوْر: يجْزِيه عَن حجَّة الْإِسْلَام.
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ: أَحدهمَا هَذَا، وَالْآخر: لَا يجزيء عَنهُ وَهُوَ أصح الْقَوْلَيْنِ.

وَقَالَ ابْن عبد الْبر: اخْتلف أهل الْعلم فِي معنى هَذَا الحَدِيث، فَإِن جمَاعَة مِنْهُم ذَهَبُوا إِلَى أَن هَذَا الحَدِيث مَخْصُوص بِهِ أَبُو الخثعمية لَا يجوز أَن يتَعَدَّى بِهِ إِلَى غَيره بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: { من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَإِن الأَصْل فِي الِاسْتِطَاعَة هِيَ الْقُوَّة فِي الْبدن قَالَ تَعَالَى ( فَمَا اسطاعوا أَن يظهروه وَمَا اسطاعوا لَهُ نقباً ( آل عمرَان: 79) .
وَكَانَ أَبوهَا مِمَّن لَا يَسْتَطِيع فَلم يكن عَلَيْهِ الْحَج، فَلَمَّا لم يكن عَلَيْهِ لعدم استطاعته كَانَت ابْنَته مَخْصُوصَة بذلك الْجَواب، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك مَالك وَأَصْحَابه لِأَن الْحَج عِنْدهم من عمل الْبدن فَلَا يَنُوب فِيهِ أحد عَن أحد قِيَاسا على الصَّلَاة، وَذكر ابْن حزم من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْعَدوي أَن امْرَأَة قَالَت: إِن أبي شيخ كَبِير، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حجي عَنهُ، وَلَيْسَ لأحد بعده، وَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن حبَان الْأنْصَارِيّ أَن امْرَأَة قَالَت ... الحَدِيث، وَفِيه: لَيْسَ لأحد بعده، وَضعفهمَا بِالْإِرْسَال وَغَيره..
     وَقَالَ  ابْن التِّين: الِاسْتِطَاعَة أَن يقدر على الْوُصُول إِلَى الْبَيْت من غير خُرُوج عَن عَادَة، فَمن كَانَ عَادَته السّفر مَاشِيا لزمَه أَن يمشي، وَإِن لم يجد رَاحِلَة، وَمن كَانَ عَادَته تكفف النَّاس وَأمكنهُ التَّوَصُّل بِهِ لزمَه، وَإِن لم يجد زادا، وَمن عَادَته الرّكُوب والغناء عَن النَّاس لم يلْزمه حج إلاَّ بوجدان ذَلِك،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَإِلَى هَذَا ذهب ابْن الزبير وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك، وَعند أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزم إلاَّ من وجد زادا وراحلة، وَهُوَ قَول الْحسن وَمُجاهد وَسَعِيد بن الْمسيب، وَسَعِيد بن جُبَير وَأحمد وَإِسْحَاق وَعبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة وَسَحْنُون، وَظَاهر قَول ابْن حبيب..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: مَالك وَأَصْحَابه رَأَوْا أَن ظَاهر حَدِيث الخثعمية مُخَالف لقَوْله تَعَالَى: { وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} ( آل عمرَان: 79) .
أَي: مَا قدرُوا ولاقووا، فَإِذا قَالَ الْقَائِل: فلَان مستطيع أَو غير مستطيع، فَالظَّاهِر مِنْهُ السَّابِق إِلَى الْفَهم هِيَ الْقُدْرَة وإتيانها، فَلَمَّا عَارض ظَاهر الحَدِيث ظَاهر الْقُرْآن الْعَزِيز رجح مَالك ظَاهر الْقُرْآن، وَالْجَوَاب أَن حَدِيث الزَّاد وَالرَّاحِلَة رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير وَجه، مِنْهَا صَحِيح وَمِنْهَا حسن.

فَإِن قلت: قَالَ ابْن حزم: الْأَخْبَار فِي ذَلِك فِي أَحدهَا إِبْرَاهِيم الْجَوْزِيّ وَهُوَ سَاقِط مطروح، وَفِي الثَّانِي: الْحَارِث الْأَعْوَر، وَهُوَ مَذْكُور بِالْكَذِبِ.
وَالثَّالِث: مُرْسل وَلَا حجَّة فِيهِ، وَالرِّوَايَات فِي ذَلِك عَن الصَّحَابَة واهية كلهَا، وَتَبعهُ على ذَلِك ابْن الْعَرَبِيّ وَغَيره،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: رُوِيَ ذَلِك من وُجُوه مِنْهَا: مُرْسلَة.
وَمِنْهَا: ضَعِيفَة، وَالْجَوَاب عَن هَذَا أَن حَدِيث أنس الَّذِي مضى ذكره فِي أول بابُُ وجوب الْحَج أخرجه الْحَاكِم على شَرط مُسلم وَهُوَ حَدِيث صَحِيح.
فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ، وَذكر رِوَايَة حَمَّاد وَسَعِيد: لَا أرى إلاَّ وهما لِأَن ابْن أبي عرُوبَة روى عَن قَتَادَة عَن الْحسن مُرْسلا وَهُوَ الْمَحْفُوظ، وَكَذَا رَوَاهُ يُونُس بن عبيد.
قلت: هَذَا ظن مِنْهُ وتوهم من غير جزم، وَالظَّن لَا تضعف بِهِ الْأَحَادِيث وَلَا تقوى.
وَقَوله: وَكَذَا رَوَاهُ يُونُس غير موجه لِأَن الدَّارَقُطْنِيّ روى من حَدِيث حُصَيْن بن مُخَارق عَنهُ عَن الْحسن عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الحَدِيث مُسْندًا بِلَفْظ: ( يَا رَسُول الله! مَا السَّبِيل؟ قَالَ: الزَّاد وَالرَّاحِلَة) .
فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْمُنْذر: الحَدِيث الَّذِي فِيهِ ذكر الزَّاد وَالرَّاحِلَة لَيْسَ بِمُتَّصِل؟ قلت: الحَدِيث الَّذِي ذَكرْنَاهُ مُتَّصِل.
فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْمُنْذر أَيْضا: وَالدَّلِيل على عدم اعْتِبَار الرَّاحِلَة حَدِيث: ( لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوي) ، فَجعل صِحَة الْجِسْم مُسَاوِيَة للغنى، فَسقط قَول من اعْتبر الرَّاحِلَة؟ قلت: لَا نسلم ذَلِك، فَإِن الحَدِيث مُفَسّر للاستطاعة فِي الْآيَة، وَهُوَ مُبين عَن الله تَعَالَى: فَإِن قلت: قَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق: لَو أَن رجلا كَانَ فِي مَوضِع يُمكنهُ الْمَشْي إِلَى الْحَج وَهُوَ لَا يملك رَاحِلَة لوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَج لِأَنَّهُ مستطيع إِلَيْهِ سَبِيلا.
قلت: لَا نسلم ذَلِك، لِأَن الِاسْتِطَاعَة فسرت بالزاد وَالرَّاحِلَة.
فَإِن قلت: مَا رُوِيَ عَن السّلف فِي ذَلِك أَن السَّبِيل الزَّاد وَالرَّاحِلَة، وَإِنَّمَا أَرَادوا بِهِ التَّغْلِيظ على من ملك هَذَا الْمِقْدَار وَلم يحجّ قلت: لَا نسلم ذَلِك، بل أَرَادوا بِهِ التشريع؟
وَفِيه: مَا يدل على أَنه مَا يجوز للرجل إِن يحجّ عَن غَيره، وَإِن لم يكن حج عَن نَفسه لإِطْلَاق الحَدِيث وَلم يسْأَله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحججت عَن نَفسك أم لَا؟ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي رِوَايَة، ويحكى كَذَلِك عَن الْحسن وَإِبْرَاهِيم وَأَيوب وجعفر بن مُحَمَّد،.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق: لَيْسَ لمن لم يحجّ حجَّة الْإِسْلَام أَن يحجّ عَن غَيره، فَإِن فعل وَقع إِحْرَامه عَن حجَّة الْإِسْلَام..
     وَقَالَ  عبد الْعَزِيز: يَقع الْحَج بَاطِلا وَلَا يَصح عَنهُ، وَلَا عَن غَيره، وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس، وَفِي ( مُسْند الشَّافِعِي) : حَدثنَا سعيد بن سَالم عَن سُفْيَان بن سعيد عَن طَارق بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الله بن أبي أوفى، قَالَ: سَأَلته عَن الرجل لم يحجّ إيستقرض لِلْحَجِّ؟ قَالَ: لَا.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع رجلا يَقُول: لبيْك عَن شبْرمَة، فَقَالَ: من شبْرمَة؟ قَالَ: أَخ لي أَو قريب لي؟ فَقَالَ: حججْت عَن نَفسك؟ قَالَ: لَا، قَالَ: حج عَن نَفسك، وَحج عَن شبْرمَة) .
وَرُوِيَ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا ضَرُورَة فِي الْإِسْلَام) ، وَالْجَوَاب عَنهُ مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ: إِن حَدِيث شبْرمَة مَعْلُول، وَالصَّحِيح أَنه مَوْقُوف على ابْن عَبَّاس، وَالَّذِي يَصح فِي هَذَا الْمَعْنى عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من رِوَايَة ابْن عَبَّاس: سُئِلَ عَن رجل لم يحجّ أيحج عَن غَيره؟ فَقَالَ: دين الله، عز وَجل، أَحَق أَن يَقْضِيه، وَلَيْسَ فِيهِ أَنه لَو أحرم عَن غَيره كَانَ ذَلِك الْإِحْرَام عَن نَفسه،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يحمل على النّدب لقَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إبدأ بِنَفْسِك ثمَّ بِمن تعول) ..
     وَقَالَ  الْأَثْرَم: قَالَ أَبُو عبد الله: رَفعه عَبدة بن سُلَيْمَان وَهُوَ خطأ، وَقد رَوَاهُ عدَّة مَوْقُوفا على ابْن عَبَّاس لَيْسَ فِيهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرِوَايَة همام عَن قَتَادَة عَن سعيد بن جُبَير مَوْقُوف، وَكَذَا قَالَ أَبُو قلَابَة عَن ابْن عَبَّاس.

     وَقَالَ : منهيء، قلت: لأبي عبد الله حَدِيث عَبدة بن سُلَيْمَان عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن عزْرَة عَن ابْن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: سمع النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رجلا يُلَبِّي عَن شبْرمَة، قَالَ: لَيْسَ بِصَحِيح، إِنَّمَا هُوَ عَن ابْن عَبَّاس، حَدثنِي غير وَاحِد عَن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن عزْرَة عَن ابْن عَبَّاس مُرْسلا، وَرَوَاهُ روح عَن حَمَّاد بن مسلمة عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة، وَرَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس مُرْسلا، وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يذكر ابْن عَبَّاس.
فَإِن قلت: قَالَ أَبُو عمر: الَّذِي رَفعه حَافظ حفظ مَا قصر عَنهُ غَيره، فَوَجَبَ قبُول زِيَادَته..
     وَقَالَ  ابْن قطان: الرافعون لَهُ ثِقَات فَلَا يضرهم وقف الواقفين لَهُ، إِمَّا لأَنهم حفظوا مَا لم يحفظه أُولَئِكَ، وَإِمَّا لِأَن الواقفين رووا عَن ابْن عَبَّاس رِوَايَة وَأُولَئِكَ رِوَايَة.
قلت: هَذَا الحَدِيث مِمَّا يعلم بِالضَّرُورَةِ توقيفه لِأَن الْحَج إِنَّمَا كَانَ فِي سنة عشر سنة حج سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد سمع الرجل يُلَبِّي عَن غَيره فِي تِلْكَ الْحجَّة، فَكيف يسوغ؟ قَوْله: ( أحججت عَن نَفسك؟) إيحج أحد إِلَى غير الْبَيْت؟ وَفِي غير ذَلِك الْوَقْت؟ فَلْيتَأَمَّل هَذَا فَإِنَّهُ وَاضح.
وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث الْحسن بن عمَارَة عَن عبد الْملك عَن طَاوُوس: ( عَن ابْن عَبَّاس: سمع النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رحلاً يُلَبِّي عَن نُبَيْشَة، فَقَالَ: أَيهَا الملبي عَن نُبَيْشَة، هَذِه عَن نُبَيْشَة، واحجج عَن نَفسك) .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الْحسن مَتْرُوك الحَدِيث، وَالْمَحْفُوظ الصَّحِيح عَن ابْن عَبَّاس حَدِيث شبْرمَة.
وَذكر أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ: شبْرمَة هَذَا فِي كتاب الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، وَأَنه توفّي فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأما قَوْله: ( لَا صرورة فِي الْإِسْلَام) فقد قَالَ الْخطابِيّ: إِن الصرورة هُوَ الَّذِي أقلع عَن النِّكَاح بِالْكُلِّيَّةِ وَأعْرض عَنهُ كرهبان النَّصَارَى، وَله معنى آخر، وَهُوَ أَنه: الَّذِي لم يحجّ فَيكون مَعْنَاهُ: أَن سنة الدّين أَن لَا يبْقى من النَّاس من يَسْتَطِيع الْحَج إلاَّ ويحج، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ دَلِيل على أَن من لم يحجّ عَن نَفسه لَا يحجّ عَن غَيره..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هَذَا مَبْنِيّ على أَن الْحَج على الْفَوْر أَو التَّرَاخِي، فَذهب الشَّافِعِي إِلَى أَنه على التَّرَاخِي، وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَمُحَمّد بن الْحسن، وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَأنس وَجَابِر وَعَطَاء وطاووس..
     وَقَالَ  مَالك وَأَبُو يُوسُف: هُوَ على الْفَوْر، وَهُوَ قَول الْمُزنِيّ وَقَول جُمْهُور أَصْحَاب أبي حنيفَة، وَلَا نَص لأبي حنيفَة فِي ذَلِك..
     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف: مذْهبه يَقْتَضِي أَنه على الْفَوْر، وَهُوَ الصَّحِيح، ذكره الطرطوشي وَاحْتج لَهُم بِمَا رَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث مهْرَان بن أبي صَفْوَان عَن ابْن عَبَّاس يرفعهُ: ( من أَرَادَ الْحَج فليعجل) .

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة: مهْرَان لم يعرف،.

     وَقَالَ  الْحَاكِم: كَانَ مولى لقريش وَلَا يعرف بِجرح، وَذكره ابْن حبَان فِي ( الثِّقَات) وَصحح حَدِيثه أَيْضا أَبُو مُحَمَّد الإشبيلي، وَفِي لفظ لأبي دَاوُد، من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبي إِسْحَاق الْملَائي فِيهِ لين، عَن فُضَيْل بن عَمْرو عَن سعيد بن جُبَير عَن عبد الله، أَو عَن الْفضل أَو أَحدهمَا عَن الآخر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من أَرَادَ الْحَج فليعجل فَإِنَّهُ قد يمرض الْمَرِيض وَتضِل الضَّالة وَتعرض الْحَاجة) .
وَفِي ( مُسْند أَحْمد) : ( تعجلوا إِلَى الْحَج، يَعْنِي الْفَرِيضَة، فَإِن أحدكُم لَا يدْرِي مَا يعرض لَهُ) .
وَاحْتج الشَّافِعِي وَأَصْحَابه بِأَن فَرِيضَة الْحَج نزلت بعد الْهِجْرَة، وَكَانَ الْفَتْح فِي رَمَضَان سنة ثَمَان، فَأَقَامَ عتاب للنَّاس الْحَج سنة ثَمَان بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُقيما بِالْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَامَّة أَصْحَابه، ثمَّ غزا تَبُوك سنة تسع وَلم يحجّ، وَكَانَ انْصِرَافه عَنْهَا قبل الْحَج، فَبعث أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأَقَامَ للنَّاس الْحَج تِلْكَ السّنة، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُعْتَمر هُوَ وأزواجه وَأَصْحَابه مَعَ الْقُدْرَة على الْحَج، ثمَّ حج سنة عشر، فَدلَّ على جَوَاز التَّأْخِير.

وَفِيه: دَلِيل على أَن الْمَرْأَة يجوز لَهَا أَن تحج عَن الرجل، وَهُوَ حجَّة عَليّ الْحسن بن حَيّ، رَحمَه الله تَعَالَى، فِي مَنعه عَن ذَلِك،
وَفِيه: بر الْوَالِدين بِالْقيامِ بمصالحهما من قَضَاء الدُّيُون وَغَيره.

وَفِيه: جَوَاز أَن يُقَال: حجَّة الْوَدَاع بِدُونِ كَرَاهَة.