هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1630 حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ، قَالَا : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، يُحَدِّثُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمًا ، فَذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ ، وَقُبِرَ لَيْلًا ، فَزَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ ، إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ، فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1630 حدثنا هارون بن عبد الله ، وحجاج بن الشاعر ، قالا : حدثنا حجاج بن محمد ، قال : قال ابن جريج : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله ، يحدث ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما ، فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل ، وقبر ليلا ، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه ، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا كفن أحدكم أخاه ، فليحسن كفنه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Jabir b. 'Abdullah reported:

Allah's Messenger (ﷺ) one day in the course of his sermon made mention of a person among his Companions who had died and had been wrapped in a shroud not long (enough to cover his whole body) and was buried during the night. The Apostle of Allah (ﷺ) reprimanded (the audience) that a person was buried during the night (in a state that) funeral prayer could not be offered (over him by the Messenger of Allah). (And this is permissible only) when it becomes a dire necessity for a man. The Apostle of Allah (ﷺ) also said: When any one of you shrouds his brother, he should shroud him well.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقبر ليلاً، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه.



المعنى العام

حمداً لله وشكراً أن كرم بني آدم، كرمهم أحياء وأمواتاً.
خلقهم في أحسن تقويم، وستر عوراتهم في دنياهم، وشرع لهم النظافة وإزالة الخبث، والتجمل بالثياب والطيب، فكانوا في دنياهم أطهر وأنقى وأطيب ما على ظهر البسيطة.

وكرمهم أمواتاً، وللموت وحشة، وللميت رهبة، ولمنظره بعد الموت فزع ورعب وخوف، إنه شبح التحول والفناء، شبح ذوبان الجمال والبهاء، شبح البلى والعودة إلى التراب، فجاءت الشريعة بإغماض عينيه، وضم فكيه وتسجيته وتغطيته تغطية كاملة محكمة من قمة رأسه إلى أسفل قدميه، هكذا سجي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات، حتى إذا تهيأ أهله لدفنه وجب غسله، يقوم بتغسيله من يمتهن هذه المهنة أو أقرب أهله إليه، في مكان مستور عن أعين الناس، يرش بشيء من الطيب لما عساه يظهر من ريح كريه ينشأ عن الموت ومخارج الميت، يغسل بماء نقي طاهر يوضع به أو معه بعض المنظفات ذات الرائحة الطيبة، فتغسل مخارجه جيداً بعد ضغط رفيق على البطن لإخراج القريب من الفضلات، حتى إذا نقي الموضع غسل الجسم وتراً، لأن الله يحب الوتر ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً حتى يتأكد من النظافة، ثم يجفف برفق، ثم تحشى الفتحات بالقطن الممسك المضمخ بالطيب ثم تربط، ويسرح شعر الرأس كما كان يسرح في الدنيا، ويضفر شعر المرأة، بهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من قامت بغسل ابنته زينب رضي الله عنها.

ثم يكفن بأنظف الثياب لا بأغلاها ثمناً، إنها للتراب وللبلى، فالمغالاة فيها إضاعة للمال في غير المشروع، إن الكفن يقصد به الستر أولاً، والتكريم ثانياً، والحجب المؤقت لما يتساقط وينزف من الميت بسبب التحلل ثالثاً، فجوده في نظافته وعدد لفات الجسم به، ولقد كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض من الأقمشة القطنية.

وتكفن المرأة في خمسة أثواب، يلبس الرجل القميص إن كان هناك قميص، وتلف على رأسه عمامة بدون طربوش فالمقصود بها لفافة حول الرأس، وتغطى المرأة بإزار يغطي أسفلها، وتلبس درعاً شبيهاً بالقميص القصير، ويسدل الخمار على وجهها من أعلى رأسها، ثم يلف الرجل أو المرأة في لفافة تحيط بجسمه أكثر من دورة، ثم يلف بلفافة ثانية كالتي قبلها، ثم بثالثة مثلها، ثم تجمع اللفائف عند الرأس، ويرد زائدها على الوجه والصدر، وعند القدمين والساقين، ثم تشد الأكفان على الجسد بأربطة تحفظ من الانفكاك عند الحمل، وتفك من حول الجسد بعد وضعه في القبر.

وهكذا يظل الإنسان بين بني آدم مكرماً حتى يوارى، يظل مستوراً حتى يستره قبره الستر الحصين، يظل مقبول الرائحة حتى يكتم قبره عن أنوف الناس تغيره المحتوم، يظل حسن الصورة في نفوس أهله ومحبيه بل وأعدائه حتى لحظة وداعه وفراقه، تظل ابتسامته في مخيلتهم، وجماله ونضارته في أفئدتهم، وحبه والميل إليه في قلوبهم، فيبقى الشوق إلى رؤيته ويزداد، ويطول الحنين إليه ويعز الفراق، وتمتد الصلة والوصل في النفوس ويطول ارتباط الإنسان بالإنسان والأحياء بالأموات.

والله نسأل حسن الختام.

المباحث العربية

( كنا ننهى عن اتباع الجنائز) أي ومازلنا، بدليل ملحق الرواية نهينا، والناهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعند الإسماعيلي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

( ولم يعزم علينا) بضم الياء، مبني للمجهول، أي ولم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات، فكأنها قالت: كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم.
قال الطبري: المراد لم يعزم علينا كما عزم على الرجال بترغيبهم في اتباعها بحصول القيراط ونحو ذلك.
اهـ فكأنه يميل إلى الإباحة.
قال الحافظ ابن حجر: والأول أظهر.

( عن أم عطية) واسمها نسيبة، صحابية فاضلة ممن بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت غاسلة للميتات.

( دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته) في الرواية الخامسة أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته.
وفي رواية دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته.
وفي الرواية الثامنة لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم..... وفي الرواية العاشرة أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغسل ابنته.

وتصور الموقف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها وأخريات أن يغسلن ابنته فدخلن للغسل، فأتاهن صلى الله عليه وسلم ودخل عليهن في حجرة الغسل، وقال لهن ما قال.

والرواية الثامنة صريحة في أن البنت المتوفاة زينب -رضي الله عنها- أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، زوج أبي العاص بن الربيع والدة أمامة وعلي، توفيت أول سنة ثمان من الهجرة.

وقد حكى ابن التين عن الداودي أنه جزم بأن البنت المذكورة أم كلثوم زوج عثمان، والصواب أنها زينب، نعم ورد في بعض الروايات عن أم عطية قولها: كنت فيمن غسل أم كلثوم.
لكن يحتمل أنها حضرت غسل زينب وأم كلثوم، فإنها كانت تقوم بالتغسيل.

( ثلاثاً أو خمساً) أو للتنويع هنا، وفي الرواية السادسة والسابعة أو سبعاً.
وأساس التنويع الإنقاء، فالمعنى ثلاثاً إن حصل بهن الإنقاء وإلا فخمساً وإلا فسبعاً.

( أو أكثر من ذلك) الكاف في ذلك مكسورة، لأن الخطاب لأم عطية.

( إن رأيتن ذلك) الأكثر لازماً للإنقاء، والخطاب للغاسلات.

( بماء وسدر) متعلق بقوله: اغسلنها.
وظاهر أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل.

( واجعلن في الآخرة كافوراً) في بعض الروايات في الأخيرة أي في الغسلة الأخيرة.

( أو شيئاً من كافور) شك من الراوي في أي اللفظين قيل.

( فإذا فرغتن فآذنني) أمر لجماعة الإناث، والفعل آذن بمعنى أعلم، وفي الرواية السادسة فإذا غسلتنها فأعلمنني قالت: فأعلمناه.

( فألقى إلينا حقوه) في الرواية الثامنة فأعطانا حقوه، الحقو بكسر الحاء وفتحها مع سكون القاف الإزار.

( أشعرنها إياه) أي ألبسنها هذا الإزار، واجعلنه شعاراً، والشعار هو الذي يلي شعر الجسد، وقد فسره أيوب الراوي عن ابن سيرين الراوي عن أم عطية، فقال: الففنها فيه، فالمراد من إشعارها الإزار لفها فيه، وليس مجرد وضعه عليها للقرينة الدالة على ذلك.

( مشطناها ثلاثة قرون) يقال: مشطت الماشطة إذا سرحت الشعر، والقرون جمع قرن، وهي الخصلة من الشعر، وثلاثة منصوب على نزع الخافض، أي بثلاث قرون، أو على الظرفية، أي في ثلاثة قرون، والمعنى جعلنا شعرها ثلاث ضفائر بعد أن حللناه وغسلناه وسرحناه، وفي الرواية التاسعة فضفرنا شعرها ثلاثة أثلاث.
قرنيها وناصيتها أي جعلت ناصيتها ضفيرة وجعل شعر كل جانب من جانبي رأسها ضفيرة، وألقيت الضفائر الثلاث خلفها كما جاء في رواية البخاري.

( اغسلنها وتراً.
ثلاثاً أو خمساً)
تفسير الوتر وبيانه بقوله ثلاثاً أو خمساً يوحي ظاهره أن أقل الوتر ثلاث، وليس كذلك، فالواحدة وتر، والله وتر يحب الوتر، فالبيان هنا للمراد من الغسل وأن مقصوده الإنقاء ولا يحصل بالواحدة غالباً.

( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) قيل: المراد الوضوء الحقيقي بحيث توضأ أولاً، ثم يعاد غسل تلك الأعضاء عند الغسل، وقيل: يبدأ بأعضاء الوضوء عند الغسل تشريفاً لها.
والثاني أظهر.
قاله الحافظ ابن حجر.

( نبتغي وجه الله) في رواية البخاري نلتمس وجه الله أي لا نبتغي ولا نقصد دنيا.

( فوجب أجرنا على الله) في رواية البخاري فوقع أجرنا على الله أي حق لنا الأجر عند الله شرعاً بحكم وعده جل جلاله، والمراد بالأجر الحسنيان غنيمة الدنيا وأجر الآخرة أو إحدى الحسنيين.

( فمنا من مضى) أي استشهد، أو قضى دنياه زاهداً.

( لم يأكل من أجره شيئاً) أي لم يدرك الغنائم، أو لم يكسب من الدنيا ولم يقتن منها شيئاً، وقصر نفسه على الزهد في متاعها.
ومقابل فمنا سيأتي في آخر الحديث ومنا من أينعت له ثمرته.

( منهم مصعب بن عمير) كان من أثرياء مكة، ومن أنعم الناس عيشاً فيها، وألينهم لباساً، وأحسنهم جمالاً، وكان فتاها المدلل، أسلم وأوذي وهاجر إلى المدينة في مقدمة من هاجر إليها، وعاش في المدينة في ثوب مرقع لا يجد غيره.

( قتل يوم أحد) عن نيف وأربعين سنة.

( إلا نمرة) أي كساء.
وقيل: كساء مخطط تلبسها العجوز، ربما اتزر به صاحبه، وربما ارتداه، وكان لأكثرهم نمرتان، يتزر بإحداهما ويرتدي بالأخرى.

( واجعلوا على رجليه الإذخر) بكسر الهمزة وسكون الذال وكسر الخاء، نبت عشبي أعواد رقاق دقاق، إذا جف ابيض، ناعم الملمس، طيب الرائحة، ينبت في السهول، ويكثر بأرض الحجاز يشبه ما هو المعروف بالحلفاء في بعض البلاد.

( ومنا من أينعت له ثمرته) أينعت بفتح الهمزة وسكون الياء وفتح النون، يقال: ينع الثمر فهو يانع، وكذا أينع إذا نضج.
والكلام كناية عن طيب الدنيا والتمتع بها.

( فهو يهدبها) بفتح الياء وسكون الهاء وكسر الدال وحكي تثليثها آخره باء أي يجتنيها.

( سحولية من كرسف) سحولية بفتح السين وضمها والفتح أشهر، وهي ثياب بيض نقية لا تصنع إلا من القطن، قيل: منسوبة إلى قرية باليمن كانت تصنعها.
والكرسف بضم الكاف هو القطن.
وفي الرواية الرابعة عشرة ثلاثة أثواب سحول يمانية.
وفي رواية للبيهقي سحولية جدد.

( ليس فيها قميص ولا عمامة) معناه لم يكفن في قميص ولا عمامة، أي لم يكن مع الثلاثة أثواب شيء آخر.
وقيل: معناه ليس القميص والعمامة من جملة الثلاثة ولا معدودين منها، وإنما هما زائدان عليها.
وسيأتي الخلاف في فقه الحديث تبعاً لهذين التفسيرين.

( أما الحلة) بضم الحاء وتشديد اللام، وهي إزار ورداء، ولا تكون الحلة إلا من اثنين.

( فإنما شبه على الناس) بضم الشين وكسر الباء المشددة، ومعناه اشتبه عليهم.

( في الحلة يمنية) قال النووي: ضبطت هذه اللفظة في مسلم على ثلاث أوجه: أحدها بفتح الياء الأولى، منسوبة إلى اليمن.
والثاني يمانية بتخفيف الياء الثانية منسوبة إلى اليمن أيضاً.
والثالث يمنة بضم الياء وإسكان الميم، وهي على هذا مضافة حلة مضاف، ويمنة مضاف إليه.
قال الخليل: هي ضرب من برود اليمن.

( سجي) بضم السين وتشديد الجيم المكسورة، ومعناه غطي جميع بدنه.

( بثوب حبرة) بكسر الحاء وفتح الباء، وهو برد يماني، يقال: برد حبير وبرد حبرة، على الوصف، وعلى الإضافة، وقيل: هو ما كان من البرود مخططاً موشياً.

( قبض ليلاً فكفن في كفن غير طائل، وقبر ليلاً) أي كفن غير كامل الستر، والعبارة تفيد أنه قبض وكفن ودفن في ليلة واحدة، وتشير إلى أن الكفن غير الساتر سبب في الدفن ليلاً.

( حتى يصلى عليه) بضم الياء مبني للمجهول، والعبارة تشير إلى سبب آخر للنهي عن الدفن بالليل.

( إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك) لخوف زحام أو خوف حر على المشيعين، أو خوف تغير لبدن الميت أو نحو ذلك من الضرورات، وفي المسألة تفصيل يأتي في فقه الحديث.

فقه الحديث

أما تشييع النساء للجنازة فظاهر روايتنا الأولى أنه غير مستحب، قال النووي: ومذهب أصحابنا أنه مكروه وليس بحرام، لهذا الحديث.
قال القاضي: قال جمهور العلماء بمنعهن من اتباعها، وأجازه علماء المدينة.
وأجازه مالك وكرهه للشابة.
اهـ قال الحافظ ابن حجر.
ولا يخفى أن محل النزاع إنما هو حيث تؤمن المفسدة.

وأما غسل الميت فقد قال النووي في المجموع: غسل الميت فرض كفاية بإجماع المسلمين، إذا فعله البعض سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثموا كلهم.

أما فيمن يتولى غسل الميت فقال: قال أصحابنا: الأصل في غسل الميت أن يغسل الرجال الرجال، والنساء النساء، فإن كان الميت رجلاً فأولى الناس به أولاهم بالصلاة عليه وزوجته، فإن لم يكن له زوجة فأولاهم الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم وعلى هذا الترتيب، وإن كان له زوجة جاز لها غسله بلا خلاف عندنا.
وبه قالت الأئمة كلهم إلا رواية عن أحمد، وهل تقدم على رجال العصبات؟.
وجهان: أصحهما عند الأكثرين: يقدم رجال العصبات، ثم الرجال الأقارب، ثم الرجال الأجانب، ثم الزوجة، ثم النساء المحارم.
والثاني: تقدم الزوجة عليهم.

وإذا ماتت المرأة جاز للزوج غسلها بلا خلاف عند الشافعية، والخلاف في تقديمه، فقيل: يقدم على الرجال والنساء.
وقيل: يقدم النساء والمحارم من الرجال عليه.
وقيل: يقدم على الرجال ويؤخر عن النساء.
وهو الأصح.

ثم قال النووي:

قال الشيخ أبو حامد: مذهبنا أن المرأة إذا ماتت كان حكم نظر الزوج إليها بغير شهوة باقياً، وزال حكم نظره بشهوة، بخلاف فرقة الطلاق فإنه ينقطع بها حكم النظر.
اهـ بهذا يقول جمهور العلماء.
وقال أبو حنيفة: ليس للزوج غسل زوجته، واحتج له بأن الزوجية زالت فأشبه المطلقة البائن.

أما غسل الرجل بنته أو أمه أو غيرهما من محارمه فهو جائز عند مالك والشافعي، فإنها كالرجل بالنسبة إليه في العورة والخلوة، ومنعه أبو حنيفة وأحمد.

أما غسل المرأة الصبي وغسل الرجل الصبية، فقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن للمرأة أن تغسل الصبي الصغير.
وقال الحسن: تغسله إذا كان فطيماً أو فوقه بقليل.
وقال مالك وأحمد: ابن سبع سنين.
وقال الشافعية: تغسله ما لم يبلغ حداً يشتهى.
اهـ.

وقد تعارفت أغلب الأعراف على ممارسة امرأة هذه المهمة للنساء وممارسة رجل لها للرجال، على اعتبار أن من له الحق قد تنازل عنه وفوض الغاسل أو الغاسلة، وهذا أفضل من حيث إتقان الغسل وإحكامه غالبا، وها هي أم عطية في أحاديث الباب تقوم بغسل زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود زوجها وأختها وأبيها صلى الله عليه وسلم.

وأما في كيفية الغسل، واجباته ومستحباته وآدابه، فقال العلماء:

1- يستحب المبادرة إلى الغسل والتجهيز له عند تحقق الموت.

2- يستحب أن يحمل الميت إلى موضع خال مستور، لا يدخله أحد إلا الغاسل ومن لا بد من معونته.
وقال بعضهم: إن للولي أن يدخل ذلك الموضع إن شاء، وإن لم يغسل ولا أعان، اعتماداً على ما جاء في بعض الروايات في أن العباس حضر غسل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشترك ولم يعن، لأن الذين تولوا الغسل علي والفضل بن العباس، وأسامة بن زيد يناول الماء.

3- يجهز الماء في إناء كبير ليغرف منه، وأن يكون قريباً من المغتسل والشافعية على أن الماء البارد أولى، لأنه يشد البدن، والساخن يرخيه، إلا أن يحتاج إلى المسخن لشدة البرد، أو لوسخ وغيره، وعند أبي حنيفة المسخن أولى بكل حال.

4- يستحب أن يوضع بالمكان طيب فائح، لئلا تظهر رائحة ما يخرج.

5- يستحب وضع السدر في الماء ففي الرواية الأولى بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً، وفي الرواية الخامسة واجعلن في الخامسة كافوراً.

قال ابن المنير: قوله في الحديث: بالماء والسدر جعلهما معاً آلة لغسل الميت، وظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل.
اهـ وعليه فيعد الماء كله في إناء واحد يخلط بالسدر، ويغسل به جميع المرات، وبه قال أحمد.

وقال القرطبي: يجعل السدر في ماء [أي قليل] ويخضخض إلى أن تخرج رغوته، ويدلك به جسده، ثم يصب عليه الماء القراح، فهذه غسلته.
اهـ وعليه فينبغي إعداد إناء به ماء قليل يوضع فيه السدر، وآخر به ماء كثير يضاف.

وعن ابن سيرين: يغسل بالماء والسدر مرتين، والثالثة بالماء والكافور، فيعد على هذا إناءان، أحدهما ماء بالسدر، والثاني ماء بالكافور، وهذا أقرب الأوضاع لحديث أم عطية.

وقيل: يغسل الأولى بالماء القراح، والثانية بالماء والسدر.
أو العكس، والثالثة بالماء والكافور، فيعد على هذا ثلاثة مياه.
وهذا أقرب إلى الطهارة والنظافة ولا يأباه حديث أم عطية.

ومن المعلوم أن السدر للتنظيف فيحل محله المنظفات الحديثة كالصابون، وأن الكافور للرائحة فيحل محله كل طيب.
وقيل: في الكافور خاصية تجعله أولى فلا يستبدل به غيره إذا تيسر.

6- يستحب أن يوضع الميت على لوح أو سرير هيئ لذلك، وأن يكون رأسه أعلى لينحدر الماء.

7- وأن يلبس قميصاً واسعاً يغسل فيه من تحته، فإن لم يجد قميصاً أو تعذر غسله تحت قميص ستر منه ما بين السرة والركبة.

قال أبو حنيفة: الأولى أن يجرد، ويروى مثله عن مالك، وحينئذ يلقى خلقة على فرجه، وفخذه مكشوفة.

8- لا يجوز للغاسل ومعاونيه النظر إلى عورته، ويستحب عدم النظر إلى سائر بدنه إلا فيما لا بد له منه.

9- ولا يجوز أن يمس عورته، لأنه إذا لم يجز النظر فالمس أولى، والمستحب أن لا يمس سائر بدنه.

10- ولهذا يستحب أن يعد الغاسل قبل الغسل خرقا نظيفة، يلف بها يديه كلما احتاج.

11- وأول ما يبدأ به بعد وضعه على المغتسل أن يجلسه إجلاساً رفيقاً بحيث لا يعتدل، ويكون مائلاً إلى ورائه، ويمرر يده اليسرى على بطنه تمريراً بليغاً، ليخرج ما فيه من الفضلات، والمعين يصب عليه الماء لئلا تظهر رائحة ما يخرج.

12- ثم يرده إلى هيئة الاستلقاء، ويغسل بيساره -وهي ملفوفة- دبره ومذاكيره كما يستنجي الحي، ثم يلقي تلك الخرقة، ويغسل يديه بماء وصابون.
وبعضهم يرى أن يغسل كل سوأة بخرقة، وهو أبلغ في التنظيف.

13- إذا فرغ من غسل سوأتيه أدخل أصبعه في فمه، وأمرها على أسنانه بشيء من الماء، وهذا بمنزلة السواك، وكذا يدخل إصبعه في منخريه بشيء من الماء ليزيل ما فيها من الأذى.
ثم يوضئه كما يتوضأ الحي ثلاثاً ثلاثاً، ويراعى المضمضة والاستنشاق مع إمالة رأسه لئلا يصل الماء إلى بطنه خلافاً للحنفية حيث قالوا: لا يستحب وضوؤه أصلاً.
وقيل: إن مذهب أبي حنيفة أن الميت يوضأ، لكن لا يمضمض ولا يستنشق لتعذر إخراج الماء من الأنف والفم.

ومن قال: لا يستحب الوضوء.
يوجه ما جاء في الروايتين الثامنة والتاسعة من قوله صلى الله عليه وسلم: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها.
فيقول: إن الوضوء لم يرد الأمر به مجرداً، وإنما البداءة بأعضاء الوضوء، كما يشرع في غسل الجنابة.

14- وإذا فرغ من توضيئه غسل رأسه ثم لحيته بالماء والصابون، وسرحهما بمشط واسع الأسنان وبرفق حتى لا ينتف شيء، وإن نتف رده إليه، ويستحب ضفر شعر المرأة ثلاث ضفائر، كما هو صريح أحاديث أم عطية.

15- ثم يضجعه على جنبه الأيسر ويصب الماء على شقه الأيمن، ثم يضجعه على شقه الأيمن فيصب الماء على شقه الأيسر، فهذه غسلة واحدة، وهي الواجبة، والمستحب أن يغسله ثلاثاً، فإن لم يتم النقاء بها زاد حتى صار سبعاً، كما جاء في الرواية الخامسة، ولم يرد في شيء من الروايات الزيادة على السبع.

وروي عن مالك أنه لا اعتبار بالعدد، وإنما المعتبر الإنقاء.
ويلاحظ ما قدمناه في أنواع الماء عند الغسلات.

ويتعهد الغاسل مسح بطن الميت في كل مرة بأرفق مما قبلها، ولو خرجت نجاسة بعد الغسل أزيلت ولم يعد الغسل على الصحيح.

16- فإذا ما انتهى من غسله نشفه وبالغ في التنشيف كيلا تبتل أكفانه فيسرع إليه الفساد.
أما كفن الميت فأحاديث الباب يصور كفن مصعب بن عمير، وكفن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال العلماء: أقل الكفن ثوب واحد ساتر لجميع البدن.
وقال بعضهم: إن الواجب قدر ما يستر العورة، لأن الميت ليس آكد حالاً من الحي، والواجب في الحي ستر العورة لا غير، والظاهر من حديث مصعب وجوب ستر جميع البدن وإلا لما غطيت رجلاه بالإذخر، وسواء أردنا ثوباً ساتراً لجميع البدن أو ساتراً للعورة فإنه حق لله تعالى، لا تنفذ وصية الميت إذا أوصى بعدمه.

والمستحب للرجال ثلاثة أثواب بيض من القطن أو الكتان، ويحرم أن تكون من الحرير للرجال.
والمستحب للمرأة خمسة أثواب، ولا يحرم عليها الحرير، وما زاد على الثوب الواحد فهو بمنزلة ثياب التجمل للحي، فلو أوصى بعدمها نفذت الوصية.
والزيادة على ذلك سرف، والمغالاة في الكفن مكروهة على الإطلاق.
ومن لا مال له يكفن من بيت المال، ويقتصر على ثوب واحد على الأصح.

وعند بعض الفقهاء: أن أكمل الكفن للرجال قميص وعمامة وثلاث لفائف سوابغ.

وأكمل الكفن للنساء إزار وخمار وثلاث لفائف.
وقيل: إزار ودرع وخمار وثوبان.

أما كيفية التكفين فقد قال العلماء:

1- يبسط أحسن اللفائف وأوسعها، ويذر عليه الطيب، وتبسط الثانية فوقها ويرش عليها الطيب، وتبسط الثالثة فوقها ويرش عليها الطيب، ثم يوضع الميت فوقها مستلقياً على ظهره.

2- يؤخذ قدر من القطن المحلوج ويجعل عليه طيب ويدس في إليتيه حتى يتصل بحلقة الدبر ليرد ما عساه ينزل منه عند التحريك.

4- يأخذ شيئاً من القطن المحلوج ويضع عليه طيباً ويجعله على منافذ البدن من المنخرين والأذنين والجراحات النافذة إن كانت هناك جراحات.

5- يرش الطيب على أعضاء السجود: الجبهة والأنف وباطن الكفين والركبتين والقدمين إكراماً لها.

6- بالنسبة للرجل يلبس القميص إن كان هناك قميص، وتلف العمامة إن كانت هناك عمامة.
وبالنسبة للمرأة يلف الإزار ويلبس الدرع ويسدل الخمار إن وجد شيء من ذلك، ثم يلف الميت في اللفافة الأولى الملاصقة له بأن يلف الكفن عليه، فيثنى الثوب على شقه الأيمن، ثم يثنى الطرف الأيمن على شقه الأيسر، ثم تلف اللفافة الثانية، ثم تلف اللفافة الثالثة.

7- إذا لف الكفن عليه جمع عند رأسه، ورد على وجهه وصدره إلى حيث يبلغ، وما فضل عند رجليه يجعل على القدمين والساقين.

8- تشد الأكفان على الميت بشداد، خشية انفكاكها عند الحمل.
فإذا وضع في القبر نزع الرباط.

9- يرش عليه شيء من الطيب.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما سبق

1- من الرواية الثالثة أخذ بعضهم أن النساء أحق بغسل المرأة من الزوج.
وبه قال أبو حنيفة، والجمهور على خلافه.
وفي بعض الكتب أن فاطمة رضي الله عنها أوصت زوجها علياً رضي الله عنه بذلك، وكان بحضرة الصحابة ولم ينكر أحد، وقد سئل ابن مسعود عن فعل علي فقال: إنها زوجته في الدنيا والآخرة.

2- وفيها استحباب استعمال السدر والكافور في حق الميت، ويلحق به المسك وما شابهه من طيب.

3- ومن الإشعار بالحقو جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل.

4- قال النووي: وفيه التبرك بآثار الصالحين ولباسهم.
اهـ وحقيقته أن فيه التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ولباسه.

قال الحافظ ابن حجر: قيل: الحكمة في تأخير الإزار معه إلى أن يفرغن من الغسل ولم يناولهن إياه أولا ليكون قريب عهد من جسده الشريف صلى الله عليه وسلم.

5- ومن قوله: إن رأيتن.
أن عدد الغسلات مرتبط بالإنقاء.
قال النووي: ليس معناه التخيير وتفويض ذلك إلى شهوتهن.

6- ومن دخوله صلى الله عليه وسلم عليهن وهن يغسلن جواز دخول الأب ولو لم يغسل أو يساعد في الغسل.

7- ومن الرواية الرابعة استحباب تمشيط شعر رأس الميت وضفره إن كان طويلاً.

8- ومن الرواية العاشرة استحباب تقديم الميامن في غسل الميت وسائر الطهارات.

9- واستحباب وضوء الميت خلافاً للحنفية.

10- ومن حديث مصعب بن عمير دليل على أن الكفن من رأس المال وأنه مقدم على الديون، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتكفينه في نمرته، ولم يسأل هل عليه دين مستغرق أم لا؟.
قاله النووي.

11- وفيه دليل على أنه إذا ضاق الكفن عن ستر جميع البدن ولم يوجد غيره جعل مما يلي الرأس، وجعل النقص مما يلي الرجلين، فإن ضاق عن ذلك سترت العورة، فإن فضل شيء جعل فوقها إلى الصدر، فإن ضاق عن العورة سترت السوأتان، لأنهما أهم وهما الأصل في العورة.
ذكره النووي.

12- قال النووي: وقد يستدل بهذا الحديث على أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط، ولا يجب استيعاب البدن عند التمكن.
قال: فإن قيل: لم يكونوا متمكنين من جميع البدن، لقوله: لم يوجد له غيرها فجوابه أن معناه لم يوجد مما يملك الميت إلا نمرة، ولو كان ستر جميع البدن واجباً لوجب على المسلمين الحاضرين تتميمه إن لم يكن له قريب تلزمه نفقته، فإن كان وجب عليه.
قال: فإن قيل: كانوا عاجزين عن ذلك لأن القضية جرت يوم أحد، وقد كثرت القتلى من المسلمين وشغلوا بهم وبالخوف من العدو وغير ذلك؟ فجوابه أنه يستبعد من حال الحاضرين المتولين دفنه ألا يكون مع واحد منهم قطعة من ثوب ونحوها.
اهـ.

13- واستدل بالحديث على وجوب تكفين الميت، وهو إجماع المسلمين.

14- ومن الرواية الثالثة عشرة من رفض عبد الله بن أبي بكر أن يحتفظ بالحلة لكفنه حرص الصحابة على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في أدق الأمور.

15- ومن الرواية السادسة عشرة استحباب تسجية الميت.
قال النووي في المجموع: يستحب خلع ثياب الميت التي مات فيها، بحيث لا يرى بدنه، ثم يستر جميع بدنه بثوب خفيف، ولا يجمع عليه أطباق الثياب، حتى لا يتسارع إليه الفساد، ويجعل أطراف الثوب الساتر تحت رأسه، وأطرافه الأخرى تحت رجليه لئلا ينكشف.

16- ويؤخذ من الرواية السابعة عشرة استحباب إحسان كفن الميت.
قال النووي: قال العلماء: وليس بإحسانه السرف فيه والمغالاة ونفاسته، وإنما المراد نظافته ونقاؤه وكثافته وستره وتوسطه وكونه من جنس لباسه في الحياة غالباً، لا أفخر منه ولا أحقر.
اهـ.

17- والنهي عن دفن الميت ليلا إلا لضرورة، وقد أخذ بهذا الظاهر الإمام أحمد في رواية عنه فقال بكراهة دفن الميت ليلاً.
وبالغ في ذلك ابن حزم، فقال: لا يجوز أن يدفن أحد ليلاً إلا عن ضرورة، وكل من دفن ليلاً مما جاء في الأحاديث فإنما ذلك لضرورة أوجبت ذلك من خوف زحام أو خوف حر أو خوف تغير أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلاً.
اهـ.

وذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في الأصح عنه إلى أن دفن الميت بالليل يجوز، واحتجوا بما ثبت من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفن ليلاً، وأن عمر دفن أبا بكر ليلاً، ثم دخل المسجد فأوتر، وأن علي بن أبي طالب دفن فاطمة ليلاً، وبما رواه أبو داود عن جابر بن عبد الله قال: رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، وإذا هو يقول: ناولوني صاحبكم، فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر.

وأجابوا عن حديثنا بأجوبة:

منها أن القصد من هذا النهي أن لا يتساهل الناس في أكفان موتاهم، فإن قوماً كانوا يسيئون أكفان موتاهم فيدفنونهم ليلاً، فنهوا عن ذلك.

وارتباط الدفن ليلاً بالكفن غير الطائل في الحديث يشير إلى ذلك.

ومنها أن النهي عن الدفن بالليل كان لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المسلمين ليصلوا على الميت، إذ الدفن نهاراً يحضره كثيرون من الناس بخلاف الليل.
قال القاضي: العلتان صحيحتان.
قال: والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قصدهما معاً.
اهـ.

ومنها: أن النهي كان لإتاحة الفرصة لأن يصلي على المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما يكون لهم في ذلك من الفضل والخير ببركة صلاته عليهم، فإن صلاته عليهم بركة ورحمة ونور في قبورهم، كما ورد في الحديث، ويرشح هذا الحديث الصحيح في المرأة السوداء التي دفنت ليلاً، فسأل عنها، قالوا: توفيت ليلاً فدفناها في الليل.
قال: ألا آذنتموني؟.
قالوا.
كانت ظلمة.
قال: دلوني على قبرها.
فذهب فصلى عليها، فلم ينكر عليهم دفنها ليلاً، وإنما كان همه الصلاة عليها.
والله أعلم.

( ملحوظة) هناك بعض الأحكام المتعلقة بالموضوع لم تتعرض لها أحاديث الباب ومن تمام الفائدة ذكرها، منها:

1- ينبغي أن يبادر الورثة إلى قضاء دينه، وتنفيذ وصيته.

2- يستحب تليين مفاصله بعد الموت وبعد الغسل.

3- ما ذكر بشأن غسل الميت، إنما هو في حق غير الشهيد في قتال الكافرين لأنه لا يغسل إلا إذا كان جنباً فيغسل عند أحمد وأبي حنيفة.

4- وكذا لو احترق مسلم، أو قدم العهد بموته، ولو غسل لتهرى، فإنه لا يغسل حينئذ، بل ييمم إن أمكن.
بخلاف ما لو كان على بدنه قروح وخيف من غسله تسارع البلى إليه بعد الدفن، فإنه يغسل، ولا مبالاة بما يكون بعده، فالكل صائرون إلى البلى.

5- اشترط العلماء فيمن يغسل المسلم أن يكون مسلماً وأن لا يكون قاتلاً للميت.

6- وقالوا: ينبغي أن يكون الغاسل أميناً، لأنه لو لم يكن أميناً لم نأمن من ألا يستوفي الغسل، وربما ستر ما يظهر من جميل، أو يظهر ما يرى من قبح.

7- ويستحب للغاسل أن يكتم ما قد يرى من عيب في بدن الميت، وإن رأى ما يكره لم يجز له أن يتحدث به، وإن رأى من الميت ما يعجبه تحدث به.

8- ويستحب لمن غسل ميتاً أن يغتسل، والأصح عند الشافعية أن الغسل من غسل الميت آكد من غسل الجمعة وغيره.

9- إذا مات المحرم بالحج أو العمرة حرم تطييبه وأخذ شيء من شعره أو ظفره وحرم ستر رأس الرجل وإلباسه مخيطاً، وحرم ستر وجه المرأة.
بهذا قال الشافعية وأحمد.
وقال أبو حنيفة ومالك: يطيب ويلبس المخيط كسائر الموتى.

10- يجوز أن يعد المسلم كفناً لنفسه، وبخاصة إذا قصد إعداده من خالص ماله وأكثره حلاً، أو لخاصية تبرك بعمل صالح ونحوه.

والله أعلم