1652 وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَابْنُ بَشَّارٍ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، - وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : عَنْ شُعْبَةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، قَالَ : كَانَ زَيْدٌ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا ، وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةٍ خَمْسًا ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُهَا |
It is narrated on the authority of 'Abd al-Rahman b. Abu Laila that Zaid used to recite four takbirs on our funerals and he recited five takbirs on one funeral. I asked him the reason (for this variation), to which he replied:
The Messenger of Allah (ﷺ) recited thus.
شرح الحديث من فـــتح المــــنعم
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان زيد يكبر على جنائزنا أربعاً وإنه كبر على جنازة خمساً، فسألته؛ فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها.
المعنى العام
إذا مات الميت كان حقاً على أهله ومحبيه ومعارفه بل وغير معارفه من المسلمين أن يجتمعوا لجنازته ويصلوا عليه، ففي ذلك أجر لهم، ونفع للميت بالصلاة والدعاء، وكلما كثر المصلون عليه كلما كان دعاؤهم أقرب، ونفعهم أعم، وشفاعتهم له مقبولة.
يحدث بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: ما من مسلم ولا مسلمة يموت فيقوم بالصلاة على جنازته أربعون رجلاً مسلماً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه وقبل دعاءهم له.
إن الصلاة على الميت هدفها الأساسي الدعاء للميت، وهو مقبل على ظلمة القبر وعلى ما قدم من عمل.
وقد كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي لما مات بدعوة أصحابه للصلاة عليه، فخرج بهم إلى المصلى، وصفهم خلفه، وأمهم، وصلى بهم الجنازة أربع تكبيرات، يقرأ الفاتحة بعد الأولى، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية، ويدعو للميت وللمؤمنين والمؤمنات بعد الثالثة، ويسلم بعد الرابعة.
كما كرم صلى الله عليه وسلم امرأة سوداء كانت تنظف المسجد فماتت، فسأل عنها، فقالوا: ماتت.
فغضب وعاتبهم أن صغروا شأنها، فلم يعلموه بموتها، وقال لهم: دلوني على قبرها، فدلوه، فصلى عليها صلاة الجنازة وهي في قبرها.
وقد أثر عنه صلى الله عليه وسلم في صلاته أدعية كثيرة للميت بالرحمة والمغفرة وإنزاله منزلاً مباركاً وإدخاله الجنة.
وكان صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الجنازة في المصلى، لحماية المسجد من التلوث، ولسعة المصلى مما يسمح للكثرة من المسلمين بحضور الصلاة، كما صلى بعض صلوات الجنازة بالمسجد لبيان الجواز.
وقد عنيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها واهتمت بالصلاة على سعد بن أبي وقاص؛ فطلبت من المشيعين أن يدخلوا بجنازته المسجد لتصلي هي وأمهات المؤمنين اعترافاً بفضله وجهاده في الإسلام وتكريماً له، فقد كان رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وكان أحد الستة الذين رشحهم عمر للخلافة من بعده، وفتح فارس وبنى الكوفة، وابتعد عن الفتنة، واعتزل دخانها، حتى مات رضي الله عنه وعن أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والقيام للجنازة كان من باب تقديس الموت، وزيادة الاعتبار به، والخشوع والخضوع له، والتسليم.
يجريانه على رقاب العباد، ثم نسخ الأمر بالقيام للجنازة مخافة أن يتحول هدفه إلى تقديس الميت نفسه واحترامه وإن كان فاسقاً، وفي فقه الحديث شرح وإيضاح يغني عن التطويل.
المباحث العربية
( نعى للناس النجاشي) نعى بفتح النون وفتح العين، ينعى بفتح العين أيضاً، يقال: نعاه ينعاه نعياً، والنعى الإشعار بموت الميت، والنجاشي بفتح النون وكسرها، والياء مخففة على الصواب وحكى تشديدها.
وهو لقب لكل من ملك الحبشة، فقوله في الرواية الثانية: صاحب الحبشة أي ملكها، وكان اسم هذا الملك أصحمة بفتح الهمزة وإسكان الصاد، وفتح الحاء، المذكور في الرواية الثالثة والرابعة ووقع في مسند ابن أبي شيبة في هذا الحديث تسميته صحمة بفتح الصاد وإسكان الحاء.
وقيل صمحة بتقديم الميم على الحاء.
قال النووي: الأول هو الصواب المعروف في كتب الحديث والمغازي وغيرها.
وفي كتاب الطبقات لابن سعد، أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية سنة ست من الهجرة، أرسل كتاباً إلى النجاشي سنة سبع في المحرم، فأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه على عينيه، ونزل عن سريره، فجلس على الأرض تواضعاً، ثم أسلم وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
وأسلم على يدي جعفر بن أبي طالب.
( في اليوم الذي مات فيه) النجاشي، وعلم موته بطريق الوحي، وكان يوم موته في رجب سنة تسع من الهجرة.
( فخرج بهم إلى المصلى) المراد بالمصلى موضع معد للجنائز ببقيع الغرقد غير مصلى العيدين الذي كان ببطحان.
( وكبر أربع تكبيرات) أي صلى بأصحابه صلاة الجنازة بعد أن صفهم خلفه صفين، كما هو واضح من الرواية الخامسة.
( صلى على قبر بعد ما دفن) أي بعد دفن الميت فيه بزمن قصير.
( إلى قبر رطب فصلى عليه) أي على الميت المقبور فيه، قال النووي: المراد أنه جديد، وترابه بعد لم تطل مدته فييبس.
( الثقة.
من شهده.
ابن عباس) أخبار لمبتدأ محذوف.
والتقدير: المحدث بهذا الثقة.
المحدث بهذا من شهده.
المحدث بهذا ابن عباس.
( أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد) أي تكنسه.
( أو شاباً) كان يقم المسجد، والشك من الراوي.
( أفلا كنتم آذنتموني) أي أعلمتموني، والاستفهام إنكاري توبيخي أي ما كان ينبغي أن لا تعلموني، أي كان ينبغي أن تعلموني.
( كان زيد) أي ابن أرقم، جاء مبيناً في رواية أبي داود.
( فقوموا لها حتى تخلفكم) بضم التاء وفتح الخاء وتشديد اللام المكسورة أي تترككم وراءها، ونسبة ذلك إليها على سبيل المجاز، لأن المراد حاملوها.
( إن الموت فزع) قال القرطبي: معناه أن الموت يفزع منه، إشارة إلى استعظامه.
ومقصود الحديث أن لا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت لما يشعر ذلك من التساهل بأمر الموت، فمن هنا استوى فيه كون الميت مسلماً أو غير مسلم.
اهـ.
وقيل: الموت ذو فزع، فأخبر بالمصدر مبالغة نحو: زيد عدل.
( إنها من أهل الأرض) لما فتح المسلمون هذه البلاد أقروا أهلها على عملها، فظلوا أهل الأرض وهم أهل ذمة.
فالمعنى إنها من غير المسلمين؟.
( أليست نفساً؟) هذا التعليل لا يعارض إن الموت فزع ففي الحاكم: إنما تقومون إعظاماً للذي يقبض النفوس.
( فقام عليها وسطها) بإسكان السين، قيل: يتناول العجيزة أيضاً، لأنه أعم من الوسط بفتح السين.
( بفرس معرورى) بفتح الميم وسكون العين وفتح الراء وسكون الواو وفتح الراء، آخره ألف، مقصور، أي عار، قال أهل اللغة: أعروريت الفرس إذا ركبته عرياً، فهو معرورى.
( فعقله رجل) معناه أمسكه وحبسه عن الحركة للرسول صلى الله عليه وسلم.
( فجعل يتوقص) أي يتوثب.
( كم من عذق معلق في الجنة) العذق هنا بكسر العين، وهو الغصن من النخلة، وأما العذق بفتحها فهو النخلة بكمالها، وليس مراداً هنا، والمعنى كثير من أغصان النخلة المحملة بالثمار المدلاة.
( لابن الدحداح) قال صلى الله عليه وسلم هذا القول عند انصرافه من دفن ابن الدحداح.
قالوا: وسبب هذا الأجر أن يتيماً خاصم أبا لبابة في نخلة، فبكى الغلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة: أعطه إياها ولك بها عذق في الجنة.
فقال: لا.
فسمع بذلك أبو الدحداح، فاشتراها من أبي لبابة بحديقة له، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألي بها عذق إن أعطيتها اليتيم؟ قال: نعم.
فأعطاه إياها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كم عذق معلق في الجنة لأبي الدحداح أو لابن الدحداح.
فقه الحديث
تتعرض أحاديث الباب للصلاة على الميت، وكيفيتها، وحكم الصلاة على القبر، وعلى الغائب، وفي المصلى أو المسجد، ثم تتعرض للقيام للجنازة.
وصلاة الجنازة فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين.
قال النووي: وقد نقلوا الإجماع على وجوبها إلا ما حكى عن بعض المالكية أنه جعلها سنة، وهذا متروك لا يلتفت إليه.
قال: وفي أقل ما يسقط به الفرض قيل: صلاة رجل واحد.
وقيل: رجلان.
وقيل: ثلاثة.
وقيل: أربعة.
ولا يشترط فيها الجماعة، وإذا لم يحضره إلا النساء وجب عليهن الصلاة عليه، ويسقط الفرض بفعلهن حينئذ، سواء كان الميت رجلاً أو امرأة.
ويشترط لصحتها ما يشترط للصلاة، من طهارة الحدث، وطهارة النجس في البدن والثوب والمكان، وستر العورة، واستقبال القبلة.
وقال أبو حنيفة: يجوز التيمم لها مع وجود الماء إذا خاف فوتها إن اشتغل بالوضوء، وهو رواية عن أحمد.
وقال الشيعة: تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة مع إمكان الوضوء والتيمم لأنها دعاء.
والسنة أن يقف الإمام عند عجيزة المرأة بلا خلاف عند الشافعية، لأنه بذلك يسترها عن الناس، والرواية الثامنة والعشرون والتاسعة والعشرون صريحة في ذلك، وكون هذه المرأة في نفاسها وصف غير معتبر اتفاقاً، وإنما هو حكاية أمر وقع.
وقال مالك: يقوم من المرأة عند منكبيها، أما الرجل فقيل: كالمرأة.
ووصف كونها امرأة في الحديث غير معتبر، كوصف كونها نفساء.
وقيل: يقف عند رأسه، وهو مذهب الشافعي وأحمد والمشهور عند الحنفية.
وقال مالك: يقف عند وسط الرجل.
وقال الحسن البصري: يقف حيث شاء من الرجل والمرأة.
ولا خلاف في أن مكان الوقوف سنة، فلو خالف الأحوال المذكورة صحت الصلاة.
وأما كيفيتها: فعند الشافعية أربع تكبيرات، ينوي وجوباً عند التكبيرة الأولى الصلاة على هذا الميت، أو هؤلاء الموتى، إن كانوا جمعاً، والتكبيرات الأربع أركان، ولا تصح هذه الصلاة إلا بهن، يقرأ الفاتحة بعد الأولى، وقراءة الفاتحة ركن على الصحيح، وفي مكانها وكونها بعد الأولى مستحب على الصحيح.
وفي استحباب قراءة سورة بعدها خلاف، وكذا الاستعاذة ودعاء الاستفتاح واتفقوا على أنه يجهر بالتكبير والسلام، وعلى أنه يسر بالقراءة نهاراً، وعلى أنه يسر بغير القراءة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء ليلاً ونهاراً.
واختلفوا في الجهر بالقراءة ليلاً، ورجح النووي الإسرار.
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية، وهي واجبة في المشهور عن الشافعية.
وفي قول أنها سنة، وأقلها: اللهم صل على محمد.
واستحب بعضهم التحميد قبل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ويدعو للميت بعد التكبيرة الثالثة، وهو فرض في صلاة الجنازة وركن من أركانها، بل هو القصد الأساسي منها، وهل يشترط تخصيص الميت بالدعاء، أو يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ويدخل فيه الميت ضمناً؟ قولان، وأقله ما يصدق عليه الدعاء، أما أكمله فقد وردت فيه أحاديث منها روايتنا السادسة والعشرون والسابعة والعشرون، وقد التقط الشافعي من مجموع الأحاديث دعاء ورتبه واستحبه ولفظه: اللهم هذا عبدك وابن عبدك، خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبها وأحبابه فيها إلى كلمة القبر وما هو لاقيه، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك وأنت أعلم به، اللهم نزل بك وأنت خير منزول به، وأصبح فقيراً إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، والقه برحمتك ورضاك، وقه فتنة القبر وعذابه وافسح له في قبره، وجاف الأرض عن جنبيه، ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين.
ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ومن الأدعية الواردة في ذلك: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام والإيمان.
فإن كان الميت صبياً أو صبية اقتصر على الدعاء الأخير، وضم إليه: اللهم اجعله فرطاً لأبويه، وسلفاً وذخراً، وعظة واعتباراً، وشفيعاً، وثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، ولا تفتنهما بعده، ولا تحرمهما أجره.
ويسلم بعد الرابعة، وقيل: يدعو بعد الرابعة وقبل السلام للمؤمنين والوارد: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله.
والصحيح عند الشافعية تسليمتان، وبه قال أبو حنيفة، وقال أكثر العلماء هي تسليمة واحدة.
قال النووي في المجموع: كان لبعض الصحابة وغيرهم خلاف في أن التكبير المشروع خمس أم أربع أم غير ذلك -يشير إلى روايتنا الثانية عشرة- ثم انقرض ذلك الخلاف، واجتمعت الأمة الآن على أنه أربع تكبيرات بلا زيادة ولا نقصان.
أما رفع الأيدي عند التكبير فقد أجمعوا على استحبابه في أول تكبيرة واختلفوا في غيرها، فعن الشافعي وأحمد الرفع في كل تكبيرة، وعن الحنفية في الأولى، واختلفت الروايات عن مالك.
أما صلاة الجنازة على القبر فالشافعية وأحمد على أنه من فاتته الصلاة على الميت وأراد الصلاة عليه في القبر جاز بلا خلاف، وخلافهم في المدة المسموح بالصلاة فيها بعد الدفن، ثلاثة أيام؟ شهر؟ ما لم يبل جسده؟ يصلي عليه أبداً.
وروايتنا السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة دليل الجواز: وظاهرها عدم التباعد الزمني بين الدفن، وبين الصلاة على القبر، وإن سبقت الصلاة على الميت.
وقال مالك وأبو حنيفة: لا يصلى على الميت إلا مرة واحدة، ولا يصلى على القبر إلا أن يدفن بلا صلاة، وإلا أن يكون الولي غائباً فصلى غيره عليه ودفن فللولي أن يصلي على القبر.
وقال أبو حنيفة: لا يصلى على القبر بعد ثلاثة أيام من دفنه، وقال أحمد: إلى شهر.
وأما الصلاة على الميت الغائب فقد قال النووي: مذهبنا جواز الصلاة على الميت الغائب عن البلد، سواء كان في جهة القبلة أم في غيرها، ولكن المصلي يستقبل القبلة.
ولا فرق بين أن تكون المسافة بين البلدين قريبة أو بعيدة، أما إذا كان الميت في البلد.
فالجمهور على أنه لا يجوز أن يصلى عليه حتى يحضر عنده لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على حاضر في البلد إلا بحضرته.
قال الرافعي: وينبغي أن لا يكون بين الإمام والميت أكثر من مائتي ذراع.
وقيل: تجوز صلاة الغائب في البلد كالغائب البعيد.
ومنع أبو حنيفة ومالك الصلاة على الغائب، [وأحاديث الباب روايتنا الأولى والثانية وما بعدها] تؤيد الشافعية، وردهم عليها بأن الأرض طويت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم خيالات، ولو فتح هذا الباب لم يبق وثوق بشيء من ظواهر الشرع لاحتمال انحراف العادة في تلك القضية، وأنه لو كان شيء من ذلك لتوافرت الدواعي لنقله.
اهـ.
وذهب أحمد وجمهور السلف إلى ما ذهب إليه الشافعية، حتى قال ابن حزم: لم يأت عن أحد من الصحابة منعه.
قال الشافعي: الصلاة على الميت دعاء له وهو إذا كان ملففاً يصلى عليه، فكيف لا يدعى له وهو غائب أو في القبر بذلك الوجه الذي يدعى له به وهو ملفف؟ ودافع بعض من كره الصلاة على الغائب بأن النجاشي كان بأرض ليس بها من يصلي عليه.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا محتمل.
إلا أنني لم أقف في شيء من الأخبار على أنه لم يصل عليه في بلده أحد.
وقال بعضهم: إن ذلك خاص بالنجاشي، لأنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم على ميت غائب غيره، وقد مات كثير من الصحابة، وهم غائبون عنه، وسمع بهم فلم يصل عليهم، ولعله قصد بالصلاة على النجاشي إشاعة أنه مات مسلماً.
ورد بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وقد استشهدا في غزوة مؤته.
أما صلاة الجنازة بالمسجد فقد استدل الحنفية بروايتنا الأولى والثانية على أنه لا يصلى على ميت في مسجد جماعة، وبه قال مالك، إذ في الحديث أنه أخبرهم بموت النجاشي في المسجد، وخرج بهم إلى المصلى للصلاة عليه هناك، وأجابوا عن حديث عائشة [الآتي برقم 10، 11 من الباب التالي] باحتمال أن يكون قد صلى بالمسجد لعذر المطر أو الاعتكاف.
والشافعية والحنابلة على أن الصلاة على الميت في المسجد صحيحة جائزة لا كراهة فيها، إذا لم يخف تلويث المسجد، ورواياتنا العاشرة والحادية عشرة من الباب الآتي واضحة في الجواز وعدم الكراهة، وأجابوا عن أدلة المخالفين بأنه ليس فيها صيغة نهي، وباحتمال أن يكون خرج بهم إلى المصلى لأمر آخر بل الظاهر أنه خرج بهم إلى المصلى لقصد تكثير الجمع الذي يصلون عليه، وقالوا: إنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد على ابني بيضاء، فكيف يترك الصريح لأمر محتمل.
والله أعلم.
وأما القيام للجنازة فيتصور في مكانين:
الأول: القيام لها إذا مرت على من ليس معها.
والثاني: قيام من كان معها إلى أن توضع.
أما الأول: فصريح الأحاديث الأمر بالقيام من حين يراها إلى أن تمر عليه وتغيب عنه، أو توضع عنده إن كان في المسجد مثلاً، وسواء في ذلك جنازة المسلم وجنازة غيره كما هو ظاهر من الرواية السادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة، قال الحافظ ابن حجر: قال أكثر الصحابة والتابعين باستحباب القيام، كما نقله ابن المنذر، وهو قول أحمد، وقال بعض السلف: يجب القيام.
اهـ.
وقال النووي: المشهور في مذهبنا أن القيام ليس مستحباً، وقالوا: هو منسوخ بحديث علي، [يشير إلى روايتنا الثالثة بعد العشرين وما بعدها وفيها قام ثم قعد، وقام فقمنا، وقعد فقعدنا] واختار المتولي من أصحابنا أنه مستحب، وهذا هو المختار، فيكون الأمر به للندب، والقعود بياناً للجواز، ولا يصح دعوى النسخ في مثل هذا، لأن النسخ إنما يكون إذا تعذر الجمع بين الأحاديث، ولم يتعذر.
اهـ.
وإلى عدم الاستحباب والقول بالنسخ ذهب مالك وأبو حنيفة.
وقال أحمد في رواية عنه وبعض المالكية: هو مخير.
وأما قيام من يشيعها عند القبر فقال جماعة من الصحابة والسلف: لا يقعد حتى توضع.
وبه قال أحمد، وللشافعية ثلاثة أقوال:أحدها: أن القيام للجنازة مكروه.
الثاني: أن المشيع بالخيار بين القيام والقعود.
الثالث: يستحب أن يقوم ولا يقعد حتى توضع.
قال النووي: هذا هو المختار.
اهـ.
ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:
1- يؤخذ من الرواية الثامنة والتاسعة من الباب السابق أن كثرة المصلين على الجنازة تشفع للميت، وقال النووي: في الجمع بين اختلاف العدد في الروايات يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بقبول شفاعة مائة فأخبر به، ثم بقبول شفاعة أربعين فأخبر به.
ويحتمل أيضاً أن يقال: هذا مفهوم عدد، ولا يحتج به جماهير الأصوليين فلا يلزم من الإخبار عن قبول شفاعة مائة منع قبول شفاعة ما دون ذلك.
2- ويؤخذ من نعى النجاشي استحباب الإعلام بالميت، لا على صورة نعي الجاهلية، بل مجرد إعلام الصلاة عليه وتشييعه وقضاء حقه في ذلك.
قال النووي: والذي جاء من النهي عن النعي ليس المراد به هذا، وإنما المراد نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها.
قال ابن العربي: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات:
الأولى: إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح، فهذا سنة.
الثانية: دعوة الحفل للمفاخرة.
فهذه تكره.
الثالثة: الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحوها.
فهذا يحرم.
اهـ.
ووجه ابن المنير نعى النجاشي على هذا بأنه كان غريباً في ديار قومه، فكان للمسلمين من حيث الإسلام أخاً، فكانوا أخص به من قرابته.
4- وفي نعي الرسول صلى الله عليه وسلم للنجاشي في اليوم الذي مات فيه علم من أعلام النبوة، لما هو معلوم من البعد بين أرض الحبشة والمدينة.
5- ويؤخذ من الرواية الخامسة من صف المسلمين صفوفاً، أن للصفوف على الجنازة تأثيراً، لأن الظاهر أن الذين خرجوا معه صلى الله عليه وسلم لم يكن ليضيق بهم فضاء المصلى لو صفوا فيه صفاً واحداً، ومع ذلك فقد صفهم.
6- ويؤخذ من الرواية الحادية عشرة فضل خدمة المسجد وكنسه.
7- وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من التواضع والرفق بأمته.
8- وتفقد أحوالهم.
9- والقيام بحقوقهم والاهتمام بمصالحهم في دنياهم وآخرتهم.
10- وحرصه صلى الله عليه وسلم على عدم تصغير أحد منهم.
11- ومن قوله: أفلا كنتم آذنتموني.
استحباب الإعلام بالميت.
12- وفيه عذاب القبر.
13- ومن الرواية السادسة والعشرين الاستعاذة من عذاب القبر وعذاب النار.
14- ويؤخذ من الرواية الثامنة والعشرين إثبات الصلاة على النفساء.
15- ويؤخذ من الرواية الواحدة والثلاثين إباحة الركوب في الرجوع عن الجنازة.
قال النووي: وإنما يكره الركوب في الذهاب معها.
16- وجواز مشي الجماعة مع كبيرهم الراكب، وأنه لا كراهة فيه في حقهم، ولا في حقه إذا لم يكن فيه مفسدة.
قال النووي: وإنما كره ذلك إذا حصل فيه انتهاك للمتابعين أو خيف إعجاب ونحوه.
17- أنه لا بأس بخدمة التابع متبوعه برضاه.
18- وفيه منقبة عظيمة لابن الدحداح رضي الله عنه.
والله أعلم