هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
23 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ . قَالُوا : فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الدِّينَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
23 حدثنا محمد بن عبيد الله ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، أنه سمع أبا سعيد الخدري ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بينا أنا نائم ، رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما دون ذلك ، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره . قالوا : فما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : الدين
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ . قَالُوا : فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الدِّينَ .

Narrated Abu Said Al-Khudri:

Allah's Messenger (ﷺ) said, While I was sleeping I saw (in a dream) some people wearing shirts of which some were reaching up to the breasts only while others were even shorter than that. Umar bin Al-Khattab was shown wearing a shirt that he was dragging. The people asked, How did you interpret it? (What is its interpretation) O Allah's Messenger (ﷺ)? He (the Prophet (ﷺ) ) replied, It is the Religion.

0023 Abu ‘Umâma ben Sahl entendit Abu Sa’id al-Khudry dire : Le Messager de dieu a dit : « Tandis que je dormais, je vis qu’on faisait défiler les hommes devant moi; ils étaient vêtus de tuniques, les unes descendaient jusqu’aux mamelons et d’autres au dessous. On fit défiler devant moi  »Umar ben al-Khatâb qui portait une tunique qui trainait… » « Et qu’elle interprétation as-tu donné à cela ? ô Messager de Dieu! » demanda-t-on « La religion.«   

":"ہم سے محمد بن عبیداللہ نے یہ حدیث بیان کی ، ان سے ابراہیم بن سعد نے ، وہ صالح سے روایت کرتے ہیں ، وہ ابن شہاب سے ، وہ ابوامامہ بن سہل بن حنیف سے راوی ہیں ، وہ حضرت ابو سعید خدری رضی اللہ عنہ سے ، وہ کہتے تھے کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ میں ایک وقت سو رہا تھا ، میں نے خواب میں دیکھا کہ لوگ میرے سامنے پیش کیے جا رہے ہیں اور وہ کرتے پہنے ہوئے ہیں ۔ کسی کا کرتہ سینے تک ہے اور کسی کا اس سے نیچا ہے ۔ ( پھر ) میرے سامنے عمر بن الخطاب لائے گئے ۔ ان ( کے بدن ) پر ( جو ) کرتا تھا ۔ اسے وہ گھسیٹ رہے تھے ۔ ( یعنی ان کا کرتہ زمین تک نیچا تھا ) صحابہ نے پوچھا کہ یا رسول اللہ ! اس کی کیا تعبیر ہے ؟ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ ( اس سے ) دین مراد ہے ۔

0023 Abu ‘Umâma ben Sahl entendit Abu Sa’id al-Khudry dire : Le Messager de dieu a dit : « Tandis que je dormais, je vis qu’on faisait défiler les hommes devant moi; ils étaient vêtus de tuniques, les unes descendaient jusqu’aux mamelons et d’autres au dessous. On fit défiler devant moi  »Umar ben al-Khatâb qui portait une tunique qui trainait… » « Et qu’elle interprétation as-tu donné à cela ? ô Messager de Dieu! » demanda-t-on « La religion.«   

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [23] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ أَبُو ثَابِتٍ الْمَدَنِيُّ وَأَبُوهُ بِالتَّصْغِيرِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ صَالِحٍ هُوَ بن كَيْسَانَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بن سهل هُوَ بن حُنَيْفٍ كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَأَبُو أُمَامَةَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ سَمَاعٌ وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ لِشَرَفِ الرُّؤْيَةِ وَمِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ يَكُونُ فِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ أَوْتَابِعِيَّانِ وَصَحَابِيَّانِ وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ كَالَّذِي قَبْلَهُ وَالْكَلَامُ عَلَى الْمَتْنِ يَأْتِي فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ وَمُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ مِنْ جِهَةِ تَأْوِيلِ الْقُمُصِ بِالدِّينِ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُمْ مُتَفَاضِلُونَ فِي لُبْسِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مُتَفَاضِلُونَ فِي الْإِيمَانِ .

     قَوْلُهُ  بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ أَصْلُ بَيْنَا بَيْنَ ثُمَّ أُشْبِعَتِ الْفَتْحَةُ وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ بَيْنَا بِدُونِ إِذَا وَبِدُونِ إِذْ وَهُوَ فَصِيحٌ عِنْدَ الْأَصْمَعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةً وَقَولُهُ الثُّدِيَّ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ جَمْعُ ثَدْيٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ وَالتَّخْفِيفِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ عِنْدَ مُعْظَمِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَحُكِيَ أَنَّهُ مُؤَنَّثٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُطْلَقُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّهُ وَلَعَلَّ قَائِلَ هَذَا يَدَّعِي أَنَّهُ أطلق فِي الحَدِيث مجَازًا وَالله أعلم ( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ)
هُوَ مُنَوَّنٌ وَوَجْهُ كَوْنِ الْحَيَاءِ مِنَ الْإِيمَانِ تَقَدَّمَ مَعَ بَقِيَّةِ مَبَاحِثِهِ فِي بَابِ أُمُورِ الْإِيمَانِ وَفَائِدَةُ إِعَادَتِهِ هُنَا أَنَّهُ ذُكِرَ هُنَاكَ بِالتَّبَعِيَّةِ وَهُنَا بِالْقَصْدِ مَعَ فَائِدَةِ مُغَايَرَةِ الطَّرِيقِ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ هُوَ التِّنِّيسِيُّ نَزِيلُ دِمَشْقَ وَرِجَالُ الْإِسْنَادِ سِوَاهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنَا وَلِلْأَصِيلِيِّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ وَلِكَرِيمَةَ بْنِ أَنَسٍ وَالْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِيهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ .

     قَوْلُهُ  مَرَّ عَلَى رَجُلٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ مَرَّ بِرَجُلٍ وَمَرَّ بِمَعْنَى اجْتَازَ يُعَدَّى بِعَلَى وَبِالْبَاءِ وَلَمْ أَعْرِفِ اسْمَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ الْوَاعِظِ وَأَخِيهِ وَقَولُهُ يَعِظُ أَيْ يَنْصَحُ أَوْ يُخَوِّفُ أَوْ يُذَكِّرُ كَذَا شَرَحُوهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُشْرَحَ بِمَا جَاءَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَن بن شِهَابٍ وَلَفْظُهُ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ يَقُولُ انك لتستحي حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُول قد اضربك انْتَهَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ لَهُ الْعِتَابَ وَالْوَعْظَ فَذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآخَرُ لَكِنَّ الْمَخْرَجُ مُتَّحِدٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرَّاوِي بِحَسَبِ مَا اعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ لفظ مِنْهُمَا يقوم مقَام الآخر وَفِي سَبَبِيَّةٌ فَكَأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ كَثِيرَ الْحَيَاءِ فَكَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنِ اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ فَعَاتَبَهُ أَخُوهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُ أَيِ اتْرُكْهُ عَلَى هَذَا الْخُلُقِ السُّنِّيِّ ثُمَّ زَادَهُ فِي ذَلِكَ تَرْغِيبًا لِحُكْمِهِ بِأَنَّهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَإِذَا كَانَ الْحَيَاءُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنِ اسْتِيفَاءِ حَقِّ نَفْسِهِ جَرَّ لَهُ ذَلِكَ تَحْصِيلَ أَجْرِ ذَلِكَ الْحَقِّ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ لَهُ مُسْتَحِقًّا.

     وَقَالَ  بن قُتَيْبَةَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيَاءَ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنِ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي كَمَا يَمْنَعُ الْإِيمَانَ فَسُمِّيَ إِيمَانًا كَمَا يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمِ مَا قَامَ مَقَامَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ إِطْلَاقَ كَوْنِهِ مِنَ الْإِيمَانِ مَجَازٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّاهِيَ مَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الْحَيَاءَ مِنْ مُكَمِّلَاتِ الْإِيمَانِ فَلِهَذَا وَقَعَ التَّأْكِيدُ وَقَدْ يَكُونُ التَّأْكِيدُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَضِيَّةَ فِي نَفْسِهَا مِمَّا يُهْتَمُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُنْكَرٌ قَالَ الرَّاغِبُ الْحَيَاءُ انْقِبَاضُ النَّفْسِ عَنِ الْقَبِيحِ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِنْسَانِ لِيَرْتَدِعَ عَنِ ارْتِكَابِ كُلِّ مَا يَشْتَهِي فَلَا يَكُونُ كَالْبَهِيمَةِ وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ جُبْنٍ وَعِفَّةٍ فَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ الْمُسْتَحِي فَاسِقًا وَقَلَّمَا يَكُونُ الشُّجَاعُ مُسْتَحِيًا وَقَدْ يَكُونُ لِمُطْلَقِ الِانْقِبَاضِ كَمَا فِي بَعْضِ الصِّبْيَانِ انْتَهَى مُلَخَّصًا.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ هُوَ انْقِبَاضُ النَّفْسِ خَشْيَةَ ارْتِكَابِ مَا يُكْرَهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَشَرْعِيًّا أَوْ عَقْلِيًّا أَوْ عُرْفِيًّا وَمُقَابِلُ الْأَوَّلِ فَاسِقٌ وَالثَّانِي مَجْنُونٌ وَالثَّالِثِ أَبْلَهُ قَالَ وَقَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ أَيْ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْإِيمَانِ.

     وَقَالَ  الْحَلِيمِيُّ حَقِيقَةُ الْحَيَاءِ خَوْفُ الذَّمِّ بِنِسْبَةِ الشَّرِّ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ إِنْ كَانَ فِي مُحَرَّمٍ فَهُوَ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ فِي مَكْرُوهٍ فَهُوَ مَنْدُوبٌ وَإِنْ كَانَ فِي مُبَاحٍ فَهُوَ الْعُرْفِيُّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ وَيَجْمَعُ كُلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْمُبَاحَ إِنَّمَا هُوَ مَا يَقَعُ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ إِثْبَاتًا وَنَفْيًا وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ رَأَيْتُ الْمَعَاصِيَ مذلة فتركتها مروأة فَصَارَتْ دِيَانَةً وَقَدْ يَتَوَلَّدُ الْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ التَّقَلُّبِ فِي نِعَمِهِ فَيَسْتَحِي الْعَاقِلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ خَفِ اللَّهَ عَلَى قَدْرِ قُدْرَتِهِ عَلَيْك واستحي مِنْهُ عَلَى قَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ هُوَ مُنَوَّنٌ فِي الرِّوَايَةِ وَالتَّقْدِيرُ هَذَا بَابٌ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ تَابُوا وَتَجُوزُ الْإِضَافَةِ أَيْ بَابُ تَفْسِيرِ)
قَوْلِهِ وَإِنَّمَا جُعِلَ الْحَدِيثُ تَفْسِيرًا لِلْآيَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّوْبَةِ فِي الْآيَةِ الرُّجُوعُ عَنِ الْكُفْرِ إِلَى التَّوْحِيدِ فَفَسَّرَهُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَبَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ مُنَاسَبَةٌ أُخْرَى لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ فِي الْآيَةِ وَالْعِصْمَةَ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَمُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِأَبْوَابِ الْإِيمَانِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ الرَّدُّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْأَعْمَالِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [23] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ».
قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الدِّينَ».
[الحديث أطرافه في: 3691، 7008، 7009] .
وبه قال: ( حدّثنا محمد بن عبيد الله) بالتصغير ابن محمد بن زيد القرشي الأموي المدني مولى عثمان بن عفان، ( قال حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحرث بن زهرة التابعي الجليل المدني المتوفى ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة، ( عن صالح) أبي محمد بن كيسان الغفاري المدني التابعي المتوفى بعد أن بلغ من العمر مائة وستين سنة وابتدأ بالتعلم وهو ابن تسعين، ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن أبي أمامة) بضم الهمزة أسعد المختلف في صحبته، ولم يصح له سماع المذكور في الصحابة لشرف الرؤية، ( ابن سهل) ، وللأصيلي وأبي الوقت زيادة ابن حنيف بضم المهملة المتوفى سنة مائة، ( أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك ( الخدري) رضي الله عنه حال كونه ( يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( بينا) بغير ميم ( أنا نائم رأيت الناس) ، من الرؤيا الحلمية على الأظهر أو من الرؤية البصرية فتطلب مفعولاً واحدًا وهو الناس، وحينئذ فيكون قوله ( يعرضون عليّ) جملة حالية أو علمية من الرأي، وحينئذ فتطلب مفعولين وهما الناس يعرضون عليّ أي يظهرون ليس ( وعليهم قمص) بضم الأوّلين جمع قميص والواو للحال ( منها) أي من القمص، ( ما) أي الذي ( يبلغ الثدي) بضم المثلثة وكسر المهملة وتشديد المثناة التحتية جمع ثدي يذكر ويؤنث للمرأة والرجل، والحديث يردّ على من خصّه بها وهو هنا نصب مفعول يبلغ والجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو الموصول، وفي رواية أبي ذر الثدي بفتح المثلثة وإسكان الدال ( ومنها) أي من القمص، ( ما دون ذلك) .
أي لم يصل للثدي لقصره.
( وعرض علي) بضم العين وكسر الراء مبنيًّا للمفعول ( عمر بن الخطاب) بالرفع نائب عن الفاعل رضي الله عنه ( وعليه قميص يجره) لطوله، ( قالوا) أي الصحابة ولابن عساكر في نسخة قال أي عمر بن الخطاب أو غيره أو السائل أبو بكر الصديق كما يأتي إن شاء الله تعالى في التعبير، ( فما أوّلت) فما عبرت ( ذلك يا رسول الله، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوّلت ( الدين) بالنصب معمول أوّلت، ولا يلزم منه أفضلية الفاروق على الصديق، إذ القسمة غير حاصرة، إذ يجوز رابع، وعلى تقدير الحصر فلم يخص الفاروق بالثالث ولم يقصره عليه، ولئن سلمنا التخصيص به فهو معارض بالأحاديث الكثيرة البالغة درجة التواتر المعنوي الدالة على أفضلية الصديق فلا تعارضها الآحاد، ولئنسلمنا التساوي بين الدليلين، لكن إجماع أهل السُّنة والجماعة على أفضليته، وهو قطعي فلا يعارضه ظني.
وفي هذا الحديث، التشبيه البليغ وهو تشبيه الدين بالقميص لأنه يستر عورة الإنسان، وكذلك الدين يستره من النار.
وفيه الدلالة على التفاضل في الإيمان كما هو مفهوم تأويل القميص، وبالدين مع ما ذكره من أن اللابسين يتفاضلون في لبسه، ورجاله كلهم مدنيون كالسابق، ورواية ثلاثة من التابعين أو تابعيين وصحابيين.
وأخرجه المصنف أيضًا في التعبير وفي فضل عمر، ورواه مسلم في الفضائل والترمذي والنسائي.
ولما فرغ المؤلف من بيان تفاضل أهل الإيمان في الأعمال شرع يذكر ما ينقص به الإيمان فقال: 16 - باب الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ هذا ( باب) بالتنوين ( الحياء) بالمد والرفع مبتدأ خبره ( من الإيمان) .
وحديثه سبق، وفائدة سياقه هنا أنه ذكر الحياء هنا بالتبعية وهنا بالقصد مع فائدة مغايرة الطريق.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [23] حدّثنا مُحمدُ بنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَن صالِحٍ عنِ ابْن شِهابٍ عَن أبي أُمامَةَ بنِ سَهْلٍ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ يَقولُ قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَا أَنا نائِمٌ رَأْيْتُ الناسَ يُعْرَضُونَ عليَّ وَعَليهمْ قُمُصٌ مِنها مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ ومِنها مَا دُونَ ذلِكِ وعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَميصٌ يَجُرُّهُ قَالُوا فَمَا أَوّلْتَ ذلكَ يَا رسولَ اللَّهِ قَالَ الدِّينَ.. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من جِهَة تَأْوِيل الْقَمِيص بِالدّينِ، وَذكر فِيهِ أَنهم متفاضلون فِي لبسهَا فَدلَّ على أَنهم متفاضلون فِي الْإِيمَان..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: دلّ الحَدِيث على أَن الْأَعْمَال من الْإِيمَان، وَأَن الْإِيمَان وَالدّين بِمَعْنى وَاحِد، وَأَن أهل الْإِيمَانبَعضهم، لِأَن الْعَرَب تعبر عَن الْعِفَّة بنقاء الثَّوْب والمئزر، وجره عبارَة عَمَّا فضل عَنهُ وانتفع النَّاس بِهِ، بِخِلَاف جَرّه فِي الدُّنْيَا للخيلاء فَإِنَّهُ مَذْمُوم.
فَإِن قيل: يلْزم من الحَدِيث أَن يكون عمر رَضِي الله عَنهُ، أفضل من أبي بكر رَضِي الله عَنهُ، لِأَن المُرَاد بالأفضل الْأَكْثَر ثَوابًا، والأعمال عَلَامَات الثَّوَاب، فَمن كَانَ دينه أَكثر فثوابه أَكثر، وَهُوَ خلاف الاجماع.
قلت: لَا يلْزم، إِذْ الْقِسْمَة غير حاصرة لجَوَاز قسم رَابِع سلمنَا انحصار الْقِسْمَة، لَكِن مَا خصص الْقسم الثَّالِث بعمر رَضِي الله عَنهُ، وَلم يحصره عَلَيْهِ سلمنَا التَّخْصِيص بِهِ، لكنه معَارض بالأحاديث الدَّالَّة على أَفضَلِيَّة الصّديق رَضِي الله عَنهُ، بِحَسب تَوَاتر الْقدر الْمُشْتَرك بَينهَا، وَمثله يُسمى بالمتواتر من جِهَة الْمَعْنى، فدليلكم آحَاد وَدَلِيلنَا متواتر، سلمنَا التَّسَاوِي بَين الدَّلِيلَيْنِ.
لَكِن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أفضليته وَهُوَ دَلِيل قَطْعِيّ، وَهَذَا دَلِيل ظَنِّي، وَالظَّن لَا يُعَارض الْقطع، وَهَذَا الْجَواب يُسْتَفَاد من نفس تَقْرِير الدَّلِيل، وَهَذِه قَاعِدَة كُلية عِنْد أهل المناظرة فِي أَمْثَال هَذِه الإيرادات، بِأَن يُقَال: مَا أردته إِمَّا مجمع عَلَيْهِ أَو لَا، فَإِن كَانَ فالدليل مَخْصُوص بِالْإِجْمَاع وإلاَّ فَلَا يتم الْإِيرَاد إِذْ لَا إِلْزَام إلاَّ بالمجمع عَلَيْهِ.
لَا يُقَال: كَيفَ يُقَال: الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَفضَلِيَّة الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد أنكر ذَلِك طَائِفَة الشِّيعَة والخوارج من العثمانية، لأَنا نقُول: لَا اعْتِبَار بمخالفة أهل الضلال، وَالْأَصْل إِجْمَاع أهل السّنة وَالْجَمَاعَة.
( بَيَان استنباط الْفَوَائِد) مِنْهَا: الدّلَالَة على تفاضل أهل الْإِيمَان، وَمِنْهَا: الدّلَالَة على فَضِيلَة عمر رَضِي الله عَنهُ.
وَمِنْهَا: تَعْبِير الرُّؤْيَا وسؤال الْعَالم بهَا عَنْهَا.
وَمِنْهَا: جَوَاز إِشَاعَة الْعَالم الثَّنَاء على الْفَاضِل من أَصْحَابه إِذا لم يحس بِهِ بإعجاب وَنَحْوه، وَيكون الْغَرَض التَّنْبِيه على فَضله لتعلم مَنْزِلَته ويعامل بمقتضاها، ويرغب الِاقْتِدَاء بِهِ والتخلق بأخلاقه.
16 - ( بَاب الحَياءُ مِنَ الإيمانِ) أَي: هَذَا بَاب، وَالْبَاب منون، وَالْحيَاء مَرْفُوع سَوَاء أضفت إِلَيْهِ الْبَاب أم لَا، لِأَنَّهُ مُبْتَدأ، وَمن الْإِيمَان، خبر.
فَإِن قلت: قد قلت: إِن الْبَاب منون وَلَا شكّ أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، فَيكون جملَة، وَقَوله: الْحيَاء من الْإِيمَان جملَة أُخْرَى، وعَلى تَقْدِير عدم الْإِضَافَة مَا الرابطة بَين الجملتين؟ قلت: هِيَ محذوفة تَقْدِير الْكَلَام: هَذَا بَاب فِيهِ الْحيَاء من الْإِيمَان يَعْنِي بَيَان أَن الْحيَاء من الْإِيمَان وَبَيَان تَفْسِير الْحيَاء وَوجه كَونه من الْإِيمَان قد تقدما فِي بَاب أُمُور الْإِيمَان.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ أَن فِي الْبَاب الأول بَيَان تفاضل الْإِيمَان فِي الْأَعْمَال، وَهَذَا الْبَاب أَيْضا من جملَة مَا يفضل بِهِ الْإِيمَان، وَهُوَ الْحيَاء الَّذِي يحجب صَاحبه عَن أَشْيَاء مُنكرَة عِنْد الله وَعند الْخلق.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [23] أبي سعيد، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها مايبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره " قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: " الدين " وهذا الحديث نص في أن الدين يتفاضل؛ وقد استدل عليه بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وأشار البخاري إلى ذلك في موضع آخر.
ويدل عليه – أيضا – قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنساء " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم ( 192 - ب / ف) من إحداكن " .
وفسر نقصان دينها بتركها الصوم والصلاة أيام حيضها؛ فدل على دخول الصوم والصلاة في اسم الدين.
وقد صرح بدخول الأعمال في الدين طوائف من العلماء والمتكلمين من أصحابنا وغيرهم.
فمن قال: الإسلام والإيمان واحد فالدين عنده مرادف لهما، وهو اختيار البخاري ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما من أهل الحديث.
ومن فرق بينهما، فاختلفوا في ذلك؛ فمنهم من قال: إن الدين أعم منهما، فإنه يشمل الإيمان والإسلام والإحسان، كما دل عليه حديث جبريل، وقد أشار البخاري إلى هذا – فيما بعد -؛ لكنه من لا يفرق بين الإسلام والإيمان.
ومن قال: الإيمان: التصديق، والإسلام: الأعمال، فأكثرهم جعل الدين هو الإسلام وأدخل فيه الأعمال.
وإنما أخرج الأعمال من مسمى الدين: بعض المرجئة.
ومن قال: الإسلام: الشهادتان، والإيمان: العمل – كالزهري، وأحمد في رواية وهي التي نصرها القاضي أبو يعلي – جعل الدين هو الإيمان بعينه، وأجاب عن قوله تعالي {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19] أن بعض الدين الإسلام.
وهذا بعيد.
وأما من قال: إن كلا من الإسلام والإيمان إذا أطلق مجردا دخل الآخر فيه، وإنما يفرق بينهما عند الجمع بينهما، وهو الأظهر؛ فالدين هو مسمى كل واحد منهما عند إطلاقه، وأما عند اقترانه بالآخر: فالدين أخص باسم الإسلام؛ لأن الإسلام هو الاستسلام والخضوع والانقياد وكذلك الدين يقال:: دانه يدينه إذا قهره، ودان له إذا استسلم له وخضع وانقاد؛ ولهذا سمى الله الإسلام دينا فقال: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} {آل: عمران 19] ، وقال: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] ، وقال: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3] .
وإنما فسر القمص في المنام: الدين؛ لأن الدين والإسلام والتقوى كل هذه توصف بأنها لباس، قال تعالى {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] ، وقال أبو الدرداء: الإيمان كالقميص يلبسه الإنسان تارة وينزعه أخرى، وفي الحديث: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ينزع منه سربال الإيمان " .
وقال النابغة: الحمد لله الذي لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالا وقال أبو العتاهية: إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى تقلب عريانا وإن كان كاسيا فهذه كلها كسوة الباطن وهو الروح وهو زينة لها، كما في حديث عمار: " اللهم زينا بزينة الإيمان " .
كما أن الرياش زينة للجسد وكسوة له، قال تعالى {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] .
ومن هنا قال مجاهد والشعبي وقتادة والضحاك والنخعي والزهري وغيرهم في قوله تعالى {وثيابك فطهر} [المدثر: 4] إن المعنى: طهر نفسك من الذنوب.
وقال سعيد بن جبير: وقلبك ونيتك فطهر.
وقريب منه: قول من قال: وعملك فأصلح .
روى عن مجاهد وأبي روق والضحاك.
وعن الحسن والقرظي قالا: خلقك حسنه.
فكنى بالثياب عن الأعمال ( 193 - أ / ف) وهي الدين والتقوى والإيمان والإسلام، وتطهيره: إصلاحه وتخليصه من المفسدات له، وبذلك تحصل طهارة النفس والقلب والنية، وبه يحصل حسن الخلق؛ لأن الدين هو الطاعات التي تصير عادة وديدنا وخلقا، قال تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} [القلم: 4] .
وفسره ابن عباس بالدين .
16 - فصل خرج البخاري ومسلم من حديث: 23 - ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء فقال : " دعه؛ فإن الحياء من الإيمان ".
هذا المعنى مروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجوه كثيرة، وقد سبق حديث أبي هريرة: " الحياء شعبة من الإيمان " .
والحياء نوعان: أحدهما: غريزي، وهو خلق يمنحه الله العبد ويجبله عليه فيكفه عن ارتكاب القبائح والرزائل، ويحثه على فعل الجميل وهو من أعلى مواهب الله للعبد، فهذا من الإيمان باعتبار أنه يؤثر ما يؤثره الإيمان من فعل الجميل والكف عن القبيح، وربما ارتقى صاحبه بعده إلى درجة الإيمان ’ فهو وسيلة إليه كما قال عمر: من استحيى اختفى، ومن اختفى اتقى ومن اتقى وقي.
وقال بعض التابعين تركت الذنوب حياء أربعين سنة، ثم أدركني الورع.
وقال ابن سمعون : رأيت المعاصي نذالة؛ فتركتها مروءة فاستحالت ديانة .
والنوع الثاني: أن يكون مكتسبا، إما من مقام الإيمان كحياء العبد من مقامه بين يدي الله يوم القيامة فيوجب له ذلك الاستعداد للقائه، أو من مقام الإحسان، كحياء العبد من اطلاع الله عليه وقربه منه، فهذا من أعلى خصال الإيمان.
وفي حديث مرسل: " استحيي من الله كما تستحيي من رجلين من صالحي عشيرتك لا يفارقانك "، وروى موصولا .
وسئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كشف العورة خاليا، فقال: " الله أحق أن يستحيي منه .
وفي حديث ابن مسعود المرفوع: " الاستحياء من الله: أن تحفظ ( 5) الرأس وما وعي والبطن وما حوى وأن تذكر ( 6) الموت والبلى، ومن أراد ترك الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء ".
خرجه الترمذي وغيره .
وخرج البخاري في " تفسيره " عن ابن عباس في قوله تعالى {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْه} [هود: 5] أنها نزلت في قوم كانوا يجامعون نساءهم ويتخلون فيستحيون من الله فنزلت الآية.
وكان الصديق يقول: استحيوا من الله؛ فإني أذهب إلى الغائط فأظل متقنعا بثوبي حياء من ربي عز وجل .
وكان أبو موسى إذا اغتسل في بيت مظلم لا يقيم صلبه حياء من الله عز وجل .
قال بعض السلف: خف الله على قدر قدرته عليك، واستحيي منه على قدر قربه منك.
وقد يتولد الحياء من الله من مطالعة النعم فيستحيي العبد من الله أن يستعين بنعمته على معاصيه، فهذا كله من أعلى خصال الإيمان.
فصل قال البخاري:12 - باب من الدين الفرار من الفتن 19 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن " .
بوب البخاري على أن الفرار ( 193 - ب / ف) من الفتن من الدين؛ وليس في الحديث إلا الإشعار بفضل من يفر بدينه من الفتن؛ لكن لما جعل الغنم خير مال المسلم في هذه الحال دل على أن هذا الفعل من خصال الإسلام والإسلام هو الدين.
وأصرح من دلالة هذا الحديث الذي خرجه في أول " الجهاد " من رواية الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد قال: قيل: يا رسول الله! أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله " قالوا: ثم من؟ قال: " مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره " .
وليس في هذا الحديث ذكر الفتن.
وخرجه أبو داود ، وعنده: سئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي المؤمنين أكمل إيمانا؟ .
فذكره.
وهذا فيه دلالة على أن الاعتزال عن الشر من الإيمان.
وفي " المسند " و" جامع الترمذي "، عن طاوس، عن أم مالك البهزية قالت: قال رسول الله: " خير الناس في الفتنة: رجل معتزل في ماله، يعبد ربه ويؤدي حقه، ورجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله " .
وروي عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
خرجه الحاكم .
وروي عن طاوس مرسلا.
وخرج الحاكم - أيضا - من حديث أبي هريرة مرفوعا: " أظلتكم فتن كقطع الليل المظلم أنجى الناس منها: صاحب شاهقة يأكل من رسل غنمها، ورجل من وراء الدروب بعنان فرسه يأكل من فيء سيفه " ( 5) .
وقد وقفه بعضهم.
فهذه الروايات المقيدة بالفتن تقضي على الروايات المطلقة.
وحديث أبي سعيد الذي خرجه البخاري هنا لم يخرجه مسلم.
وقد روي عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن، عن أبي سعيد؛ وهو وهم.
وروي عن يحيي بن سعيد، عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن نهار العبدي، عن أبي سعيد؛ وذكر " نهار " في إسناده: وهم.
قاله الدارقطني .
فقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يوشك " تقريب منه للفتنة، وقد وقع ذلك في زمن عثمان كما أخبر به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا من جملة أعلام نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإنما كان الغنم خير مال المسلم - حينئذ -؛ لأن المعتزل عن الناس بالغنم يأكل من لحومها ونتاجها ويشرب من ألبانها ويستمتع بأصوافها باللبس وغيره، وهي ترعى الكلأ في الجبال وترد المياه؛ وهذه المنافع والمرافق لا توجد في غير الغنم؛ ولهذا قال: " يتبع بها شعف الجبال " وهي رءوسها وأعاليها؛ فإنها تعصم من لجأ إليها من عدو.
و" مواقع القطر " لأنه يجد فيها الكلأ والماء فيشرب منها ويسقي غنمه وترعى غنمه من الكلأ.
وفي " مسند البزار "، عن مخول البهزي سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " سيأتي على الناس زمان فيه غنم بين السجدتين تأكل من الشجر وترد الماء، يأكل صاحبها من رسلها ويشرب من ألبانها ويلبس من أشعارها – أو قال من أصوافها _، والفتن ترتكس بين جراثيم العرب " .
وروي هذا المعنى عن عبادة بن الصامت من قوله.
وواحد الجراثيم: جرثومة؛ وهي أصل الشيء.
وفي هذا دلالة ‘على أن من خرج من الأمصار فإنه يخرج معه بزاد وما يقتات منه.
وقوله: ( 194 – أ / ف) " يفر بدينه من الفتن " يعني: يهرب خشية على دينه من الوقوع في الفتن؛ فإن من خالط الفتن، وأهل القتال على الملك لم يسلم دينه من الإثم إما بقتل معصوم أو أخذ مال معصوم أو المساعدة على ذلك بقول ونحوه وكذلك لو غلب على الناس من يدعوهم إلى الدخول في كفر أو معصية حسن الفرار منه.
وقد مدح الله من فر بدينه خشية الفتنة عليه فقال – حكاية عن أصحاب الكهف _ {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 16] .
وروى عروة، عن كرز الخزاعي قال: سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعرابي: هل لهذا الإسلام من منتهى؟ قال: " من يرد الله به خيرا من عرب أو عجم أدخله عليه " قال: ثم ماذا؟ قال: " تقع فتن كالظلل " قال: كلا يا نبي الله، قال: " بلى، والذي نفسي بيده لتعودون فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض وخير الناس يومئذ: رجل يتقي ربه ويدع الناس من شره " .
الأساود: جمع أسود، وهو أخبث الحيات وأعظمها.
والصب: جمع صبوب، على أن أصله: صبب كرسول ورسل، ثم خفف كرسل؛ وذلك أن الأسود إذا أراد أن ينهش ارتفع ثم انصب على الملدوغ، ويروى " صي " على وزن حبلى " وفي "الصحيحين " عن حذيفة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر له الفتن فقال له: فما تأمرني يا رسول الله إن أدركني ذلك؟ قال: " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " قال: فإن لم يكن جماعة ولا إمام؟ قال: " فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " .
وقد اعتزل جماعة من أصحابه في الفتن في البوادي.
وقال الإمام أحمد: إذا كانت الفتنة فلا بأس أن يعتزل الرجل حيث شاء، فأما إذا لم يكن فتنة فالأمصار خير.
فأما سكنى البوادي على وجه العبادة وطلب السياحة والعزلة فمنهي عنه، كما في الترمذي و" صحيح الحاكم "، عن أبي هريرة قال: مر رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشعب فيه عيينه من ماء عذب فأعجبه طيبه وحسنه فقال: لو اعتزلت الناس وأقمت في هذا الشعب ولا أفعل حتى أستأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأمره فقال: " لا تفعل؛ فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في أهله ستين عاما " .
وخرج الإمام أحمد نحوه من حديث أبي أمامة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لم أبعث باليهودية ولا النصرانية؛ ولكني بعثت بالحنيفية السمحة " .
وذكر باقيه بمعناه.
وخرج داود من حديث أبي أمامة أن رجلا قال: يا رسول الله! ايذن لي بالسياحة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن سياحة أمتي: الجهاد في سبيل الله " .
وفي " المسند " عن أبي سعيد، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عليك بالجهاد؛ فإنه رهبانية الإسلام " .
وفي مراسيل طاوس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا رهبانية في الإسلام ولا سياحة ".
وفي المعنى مراسيل أخر متعددة.
قال الإمام أحمد: ليست السياحة من الإسلام في شيئ ولا من فعل النبيين ولا الصالحين.
والسياحة على هذا الوجه قد ( 194 – ب / ف) فعلها طوائف ممن ينسب على عبادة واجتهاد بغير علم، ومنهم من رجع لما عرف ذلك.
وقد كان في زمن ابن مسعود من المتعبدين خرجوا إلى ظاهر الكوفة وبنوا مسجدا يتعبدون فيه، منهم: عمرو بن هتبة، ومفضل العجلي، فخرج إليهم ابن مسعود وردهم على الكوفة وهدم مسجدهم وقال: إما أن تكونوا أهدى من أصحاب محمد أو تكونوا متمسكين بذنب الضلالة.
وإسناده هذا صحيح عن الشعبي أنه حكى ذلك.
وقد رأى عبد الله بن غالب الحداني رجلا في فلاة رزقه لا يدري من أين يأتيه فقال له: إن هذه الأمة لم تؤمر بهذا؛ إنما أمرت بالجمعة والجماعة وعيادة المرضى وتشييع الجنائز، فقبل منه وانتقل من ساعته إلى قرية فيها هذا كله.
خرج حكايته ابن أبي الدنيا.
وروي نحو هذه الحكاية – أيضا -، عن أبي غالب صاحب أبي أمامة الباهلي.
خرجها حميد بن زنجوية.
وكذلك سكنى البوادي لتنمية المواشي والأموال – كما جرى لثعلبة في ماله – فمذموم – أيضا.
وفي " سنن ابن ماجه "، عن أبي هريرة مرفوعا: " ألا هل عسى أحدكم أن يتخذ الصبة من الغنم على رأس ميل أو ميلين فيتعذر عليه الكلأ فيرتفع ثم تجيء الجمعة فلا يشهدها وتجيء الجمعة فلا يشهدها حتى يطبع على قلبه " .
وخرجه الخلال من حديث جابر بمعناه – أيضا.
وخرج حميد بن زنجويه من رواية ابن لهيعه: ثنا عمر مولى غفرة أنه سمع ثعلبة بن أبي مالك الأنصاري يقول: قال حارثة بن النعمان: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يخرج الرجل في حاشية القرية في غنيمة يشهد الصلوات ويؤب إلى أهله إذا أكل ما حوله وتعذرت عليه الأرض قال: لو ارتفعت إلى ردعة هي أعفى ملأ من هذه، فيرتفع حتى لا يشهد من الصلوات إلا الجمعة حتى إذا أكل ما حوله وتعذرت عليه الأرض قال: لو ارتفعت إلى ردعة هي أعفى كل أمن هذه فيرتفع حتى لا يشهد جمعة ولا يدري متى الجمعة حتى يطبع الله على قلبه ".
وخرجه الإمام أحمد بمعناه .
وفي " سنن أبي داود " والترمذي وغيرهما، عن أبي هريرة ، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من سكن البادية جفا ".
وقال ابن مسعود في الذي يعود أعرابيا بعد هجرته: إنه ملعون على لسان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي " الصحيحين " أن سلمة بن الأكوع قال: أذن لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البدو.
وفي رواية للبخاري أن سلمة لما قتل عثمان خرج إلى الربزة فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال نزل المدينة .
وفي " المسند " أن سلمة قدم المدينة فقيل له: ارتددت عن هجرتك يا سلمة؟ فقال: معاذ الله إني في إذن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ابدوا يا أسلم، فتنسموا الرياح واسكنوا الشعاب " فقالوا: يا رسول الله! إنا نخاف أن يضرنا ذلك في هجرتنا، قال: " أنتم مهاجرون حيث ما كنتم " .
وفي الطبراني، عن ابن عمر أنه قيل له: يا أبا عبد الرحمن! قد أعشبت القفار فلو ابتعت أعنزا فتنزهت تصح، فقال: لم يؤذن لأحد منا في البداء غير أسلم " .
وأسلم: هي: قبيلة سلمة بن الأكوع.
وقد ترخص كثير من الصحابة من المهاجرين وغيرهم في سكنى البادية، كسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد، فإنهما لزما منزلهما بالعقيق فلم يكونا يأتيان المدينة ( 195 - أ / ف) في جمع ولا غيرها حتى لحقا بالله عز وجل.
خرجه بن أبي الدنيا في كتاب " العزلة ".
وكان أبو هريرة ينزل بالشجرة وهي ذو الحليفة.
وفي " صحيح البخاري "، عن عطاء قال: ذهبت مع عبيد بن عمير إلى عائشة وهي مجاورة بثبير فقالت لنا: انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة .
وفي رواية له: قال: فسألنا عن الهجرة، فقالت: لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه على الله ورسوله مخافة أن يفتن عليه، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، والمؤمن يعبد ربه حيث شاء؛ ولكن جهاد ونية " .
وهذا يشعر بأنها إنما كانت تبدو، لاعتقادها انقطاع الهجرة بالفتح.
وكان أنس بن مالك يسكن بقصره خارج البصرة، وكان ربما شهد الجمعة وربما لم يشهدها.
وقد نص أحمد على كراهة المقام بقرية لا يقام فيها الجمعة وإن أقيمت فيها الجماعة.
وقد يحمل ذلك على من كان بمصر جامع يجمع فيه، ثم تركه وأقام بمكان لا جمعة فيه.
وفي كلامه إيماء إليه - أيضا.
وقد يحمل كلامه على كراهة التنزيه دون التحريم.
فأما المقام بقرية لا جمعة فيها ولا جماعة فمكروه.
وقد قال أبو الدرداء لمعدان بن أبي طلحة: أين ينزل؟ فقال: بقرية دون حمص، فقال له: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا يؤذن ولا يقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة؛ فإن الذئب يأكل القاصية ".
خرجه النسائي .
وغيره وخرجه أحمد وأبو داود مختصرا .
وفي رواية لأحمد: " فعليك بالمدائن ويحك يا معدان " .
وفي " المسند " - أيضا -، عن معاذ، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأخذ الشاة القاصية والناحية؛ فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة والمساجد " .
فنهى عن سكنى الشعاب - وهي البوادي - وأمر بسكنى الأماكن التي فيها عامة الناس ومساجدهم وجماعتهم.
وقد روي عن قتادة أنه فسر الشعاب في هذا الحديث بشعاب الأهواء المضلة المخالفة لطريق الهدي المستقيم.
خرجه أبو موسى المديني عنه بإسناده.
وفي هذا بعد؛ وإنما فسر بهذا المعنى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه .
؛ فإن الأوزاعي فسره بالبدعة يخرج إليها الرجل من الجماعة.
فأما الخروج إلى البادية أحيانا للتنزه ونحوه في أوقات الربيع وما أشبهه: فقد ورد فيه رخصة: ففي " سنن أبي داود " عن المقدام بن شريح، عن أبيه أنه قال أنه سأل عائشة: هل كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبدو؟ فقالت: نعم إلى هذه التلاع، ولقد بدا مرة فأتى بناقة مخرمة فقال: " اركبيها يا عائشة وارفقي؛ فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع منه إلا شانه " .
وخرج مسلم آخر الحديث دون أوله .
وورد النهي عنه؛ ففي " المسند " عن عقبة بن عامر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " هلاك أمتي في اللبن " قيل: يا رسول الله! ما اللبن؟ قال: تحبون اللبن وتدعون الجماعات والجمع وتبدون " .
وفي إسناده: ابن لهيعة.
وإن صح فيحمل على إطالة المقام بالبادية مدة أيام كثرة اللبن كلها وهي مدة طويلة يدعون فيها الجمع والجماعات.
وعن أبي عبد الله الجدلي قال: فضل أهل الأمصار على ( 195 - ب / ف) أهل القرى كفضل الرجال على النساء، وفضل أهل القرى على أهل الكفور كفضل الأحياء على الأموات، وسكان الكفور كسكان القبور، وإن اللبن والعشب ليأكلان إيمان العبد كما تأكل النار الحطب.
خرجه حميد بن زنجويه، وروى في إسناده عن مكحول معنى أوله.
ونص أحمد - في رواية مهنا - على كراهية الخروج إلى البادية لشرب اللبن ونحوه تنزها لما به من ترك الجماعة؛ إلا أن يخرج لعلة، يعني: إنه إذا خرج تداويا لعله به جاز، كما أذن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعرنيين لما اجتووا المدينة أن يخرجوا إلى البادية ليشربوا من ألبان الإبل وأبوالها .
قال أبو بكر الأثرم: النهي عن التبدي محمول على سكنى البادية والإقامة بها، فأما التبدي ساعة أو يوما ونحوه فجائز.
انتهى.
وقد كان السلف كثير منهم يخرج إلى البادية أيام الثمار واللبن.
قال الجريري: كان الناس يبدون ها هنا في الثمار - ثمار قصيرة -، وذكر منهم عبد الله بن شقيق وغيره.
وكان علقمة يتبدا إلى ظهر النجف .
وقال النخعي: كانت البداوة إلى أرض السواد أحب إليهم من البداوة إلى أرض البادية.
يعني أن الخروج إلى القرى أهون من الخروج إلى البوادي.
وكان بعضهم يمتنع من ذلك لشهود الجماعة.
فروى أبو نعيم بإسناده، عن أبي حرملة قال: اشتكى سعيد بن المسيب عينه فقيل له: يا أبا محمد! لو خرجت إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة ووجدت ريح البرية لنفع ذلك بصرك، فقال سعيد: وكيف أصنع بشهود العشاء والعتمة ؟ وما ذكره الأثرم من التفريق بين قصر المدة وطولها حسن؛ لكنه حد القليل باليوم ونحوه؛ وفيه نظر.
وفي " مراسيل أبي داود " من رواية معمر، عن موسى بن شيبة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من بدا أكثر من شهرين فهي أعرابية " .
وروى حميد بن زنجوية بإسناده، عن خلف بن خليفة، عن أبي هاشم قال: بلغني أن من نزل السواد أربعين ليلة كتب عليها الجفا.
وعن معاوية بن قرة قال: البداوة شهران فما زاد فهو تعرب .
فصل قال البخاري:18 - باب من قال: إن الإيمان هو العمل؛ لقول الله تعالى {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72] .
وقال عدة من أهل العلم في قوله عز وجل {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْن عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92] : عن قول لا إله إلا الله.
وقال {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61] .
ثم خرج حديث:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ هُوَ عَلَى الْحِكَايَةِ أَيْضًا أَيْ.

     وَقَالَ  وُهَيْبٌ فِي رِوَايَتِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ)

فَخَالَفَ مَالِكًا أَيْضًا فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَقَدْ سَاقَ الْمُؤَلِّفُ حَدِيثَ وُهَيْبٍ هَذَا فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ وُهَيْبٍ وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ مِنْ سِيَاقِ مَالِكٍ لَكِنَّهُ قَالَ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ كَرِوَايَةِ مَالِكٍ فَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِهَذَا وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ وُهَيْبٍ فَقَالَ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ كَمَا عَلَّقَهُ الْمُصَنِّفُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُرَادُهُ لَا لَفْظُ مُوسَى وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ هَذَا لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَوَجْهُ مُطَابَقَةِ هَذَا الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرٌ وَأَرَادَ بِإِيرَادِهِ الرَّدَّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ ضَرَرِ الْمَعَاصِي مَعَ الْإِيمَانِ وَعَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي أَنَّ الْمَعَاصِيَ مُوجِبَةٌ لِلْخُلُودِ

[ قــ :23 ... غــ :23] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ أَبُو ثَابِتٍ الْمَدَنِيُّ وَأَبُوهُ بِالتَّصْغِيرِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ صَالِحٍ هُوَ بن كَيْسَانَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بن سهل هُوَ بن حُنَيْفٍ كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَأَبُو أُمَامَةَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ سَمَاعٌ وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ لِشَرَفِ الرُّؤْيَةِ وَمِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ يَكُونُ فِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ أَوْ تَابِعِيَّانِ وَصَحَابِيَّانِ وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ كَالَّذِي قَبْلَهُ وَالْكَلَامُ عَلَى الْمَتْنِ يَأْتِي فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ وَمُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ مِنْ جِهَةِ تَأْوِيلِ الْقُمُصِ بِالدِّينِ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُمْ مُتَفَاضِلُونَ فِي لُبْسِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مُتَفَاضِلُونَ فِي الْإِيمَانِ .

     قَوْلُهُ  بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ أَصْلُ بَيْنَا بَيْنَ ثُمَّ أُشْبِعَتِ الْفَتْحَةُ وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ بَيْنَا بِدُونِ إِذَا وَبِدُونِ إِذْ وَهُوَ فَصِيحٌ عِنْدَ الْأَصْمَعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةً وَقَولُهُ الثُّدِيَّ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ جَمْعُ ثَدْيٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ وَالتَّخْفِيفِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ عِنْدَ مُعْظَمِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَحُكِيَ أَنَّهُ مُؤَنَّثٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُطْلَقُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّهُ وَلَعَلَّ قَائِلَ هَذَا يَدَّعِي أَنَّهُ أطلق فِي الحَدِيث مجَازًا وَالله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :23 ... غــ :23 ]
- أبي سعيد، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها مايبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره " قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: " الدين "
وهذا الحديث نص في أن الدين يتفاضل؛ وقد استدل عليه بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وأشار البخاري إلى ذلك في موضع آخر.
ويدل عليه – أيضا – قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنساء " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم ( 192 - ب / ف) من إحداكن " .
وفسر نقصان دينها بتركها الصوم والصلاة أيام حيضها؛ فدل على دخول الصوم والصلاة في اسم الدين.
وقد صرح بدخول الأعمال في الدين طوائف من العلماء والمتكلمين من أصحابنا وغيرهم.

فمن قال: الإسلام والإيمان واحد فالدين عنده مرادف لهما، وهو اختيار البخاري ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما من أهل الحديث.

ومن فرق بينهما، فاختلفوا في ذلك؛ فمنهم من قال: إن الدين أعم منهما، فإنه يشمل الإيمان والإسلام والإحسان، كما دل عليه حديث جبريل، وقد أشار البخاري إلى هذا – فيما بعد -؛ لكنه من لا يفرق بين الإسلام والإيمان.

ومن قال: الإيمان: التصديق، والإسلام: الأعمال، فأكثرهم جعل الدين هو الإسلام وأدخل فيه الأعمال.
وإنما أخرج الأعمال من مسمى الدين: بعض المرجئة.

ومن قال: الإسلام: الشهادتان، والإيمان: العمل – كالزهري، وأحمد في رواية وهي التي نصرها القاضي أبو يعلي – جعل الدين هو الإيمان بعينه، وأجاب عن قوله تعالي {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19] أن بعض الدين الإسلام.
وهذا بعيد.

وأما من قال: إن كلا من الإسلام والإيمان إذا أطلق مجردا دخل الآخر فيه، وإنما يفرق بينهما عند الجمع بينهما، وهو الأظهر؛ فالدين هو مسمى كل واحد منهما عند إطلاقه، وأما عند اقترانه بالآخر: فالدين أخص باسم الإسلام؛ لأن الإسلام هو الاستسلام والخضوع والانقياد وكذلك الدين يقال:: دانه يدينه إذا قهره، ودان له إذا استسلم له وخضع وانقاد؛ ولهذا سمى الله الإسلام دينا فقال: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} {آل: عمران 19] ، وقال: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] ، وقال: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3] .

وإنما فسر القمص في المنام: الدين؛ لأن الدين والإسلام والتقوى كل هذه توصف بأنها لباس، قال تعالى {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] ، وقال أبو الدرداء: الإيمان كالقميص يلبسه الإنسان تارة وينزعه أخرى، وفي الحديث: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ينزع منه سربال الإيمان " .
وقال النابغة:
الحمد لله الذي لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
وقال أبو العتاهية:
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى تقلب عريانا وإن كان كاسيا
فهذه كلها كسوة الباطن وهو الروح وهو زينة لها، كما في حديث عمار: " اللهم زينا بزينة الإيمان " .
كما أن الرياش زينة للجسد وكسوة له، قال تعالى {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] .
ومن هنا قال مجاهد والشعبي وقتادة والضحاك والنخعي والزهري وغيرهم في قوله تعالى {وثيابك فطهر} [المدثر: 4] إن المعنى: طهر نفسك من الذنوب.

وقال سعيد بن جبير: وقلبك ونيتك فطهر.
وقريب منه: قول من قال: وعملك فأصلح .
روى عن مجاهد وأبي روق والضحاك.
وعن الحسن والقرظي قالا: خلقك حسنه.
فكنى بالثياب عن الأعمال ( 193 - أ / ف) وهي الدين والتقوى والإيمان والإسلام، وتطهيره: إصلاحه وتخليصه من المفسدات له، وبذلك تحصل طهارة النفس والقلب والنية، وبه يحصل حسن الخلق؛ لأن الدين هو الطاعات التي تصير عادة وديدنا وخلقا، قال تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} [القلم: 4] .
وفسره ابن عباس بالدين .

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :23 ... غــ : 23 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ».
قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الدِّينَ».
[الحديث 23 - أطرافه في: 3691، 7008، 7009] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن عبيد الله) بالتصغير ابن محمد بن زيد القرشي الأموي المدني مولى عثمان بن عفان، ( قال حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحرث بن زهرة التابعي الجليل المدني المتوفى ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة، ( عن صالح) أبي محمد بن كيسان الغفاري المدني التابعي المتوفى بعد أن بلغ من العمر مائة وستين سنة وابتدأ بالتعلم وهو ابن تسعين، ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن أبي أمامة) بضم الهمزة أسعد المختلف في صحبته، ولم يصح له سماع المذكور في الصحابة لشرف الرؤية، ( ابن سهل) ، وللأصيلي وأبي الوقت زيادة ابن حنيف بضم المهملة المتوفى سنة مائة، ( أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك ( الخدري) رضي الله عنه حال كونه ( يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( بينا) بغير ميم ( أنا نائم رأيت الناس) ، من الرؤيا الحلمية على الأظهر أو من الرؤية البصرية فتطلب مفعولاً واحدًا وهو الناس، وحينئذ فيكون قوله ( يعرضون عليّ) جملة حالية أو علمية من الرأي، وحينئذ فتطلب مفعولين وهما الناس يعرضون عليّ أي يظهرون ليس ( وعليهم قمص) بضم الأوّلين جمع قميص والواو للحال ( منها) أي من القمص، ( ما) أي الذي ( يبلغ الثدي) بضم المثلثة وكسر المهملة وتشديد المثناة التحتية جمع ثدي يذكر ويؤنث للمرأة والرجل، والحديث يردّ على من خصّه بها وهو هنا نصب مفعول يبلغ والجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو الموصول، وفي رواية أبي ذر الثدي بفتح المثلثة وإسكان الدال ( ومنها) أي من القمص، ( ما دون ذلك) .
أي لم يصل للثدي لقصره.
( وعرض علي) بضم العين وكسر الراء مبنيًّا للمفعول ( عمر بن الخطاب) بالرفع نائب عن
الفاعل رضي الله عنه ( وعليه قميص يجره) لطوله، ( قالوا) أي الصحابة ولابن عساكر في نسخة قال أي عمر بن الخطاب أو غيره أو السائل أبو بكر الصديق كما يأتي إن شاء الله تعالى في التعبير، ( فما أوّلت) فما عبرت ( ذلك يا رسول الله، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوّلت ( الدين) بالنصب معمول أوّلت، ولا يلزم منه أفضلية الفاروق على الصديق، إذ القسمة غير حاصرة، إذ يجوز رابع، وعلى تقدير الحصر فلم يخص الفاروق بالثالث ولم يقصره عليه، ولئن سلمنا التخصيص به فهو معارض بالأحاديث الكثيرة البالغة درجة التواتر المعنوي الدالة على أفضلية الصديق فلا تعارضها الآحاد، ولئن سلمنا التساوي بين الدليلين، لكن إجماع أهل السُّنة والجماعة على أفضليته، وهو قطعي فلا يعارضه ظني.
وفي هذا الحديث، التشبيه البليغ وهو تشبيه الدين بالقميص لأنه يستر عورة الإنسان، وكذلك الدين يستره من النار.
وفيه الدلالة على التفاضل في الإيمان كما هو مفهوم تأويل القميص، وبالدين مع ما ذكره من أن اللابسين يتفاضلون في لبسه، ورجاله كلهم مدنيون كالسابق، ورواية ثلاثة من التابعين أو تابعيين وصحابيين.
وأخرجه المصنف أيضًا في التعبير وفي فضل عمر، ورواه مسلم في الفضائل والترمذي والنسائي.

ولما فرغ المؤلف من بيان تفاضل أهل الإيمان في الأعمال شرع يذكر ما ينقص به الإيمان فقال:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :23 ... غــ :23 ]
- حدّثنا مُحمدُ بنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَن صالِحٍ عنِ ابْن شِهابٍ عَن أبي أُمامَةَ بنِ سَهْلٍ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ يَقولُ قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَا أَنا نائِمٌ رَأْيْتُ الناسَ يُعْرَضُونَ عليَّ وَعَليهمْ قُمُصٌ مِنها مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ ومِنها مَا دُونَ ذلِكِ وعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَميصٌ يَجُرُّهُ قَالُوا فَمَا أَوّلْتَ ذلكَ يَا رسولَ اللَّهِ قَالَ الدِّينَ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من جِهَة تَأْوِيل الْقَمِيص بِالدّينِ، وَذكر فِيهِ أَنهم متفاضلون فِي لبسهَا فَدلَّ على أَنهم متفاضلون فِي الْإِيمَان..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: دلّ الحَدِيث على أَن الْأَعْمَال من الْإِيمَان، وَأَن الْإِيمَان وَالدّين بِمَعْنى وَاحِد، وَأَن أهل الْإِيمَان يتفاضلون.
قلت: تفاضلهم فِي الْإِيمَان لَيْسَ فِي نفس الْإِيمَان وَحَقِيقَته، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَعْمَال الَّتِي يزْدَاد بهَا نور الْإِيمَان، كَمَا عرف فِيمَا مضى.
وَقَوله: الْإِيمَان وَالدّين بِمَعْنى وَاحِد، لَيْسَ كَذَلِك، وَقد أوضحنا الْفرق فِيمَا مضى.

( بَيَان رِجَاله) وهم سِتَّة.
الأول: مُحَمَّد بن عبيد الله، بِالتَّصْغِيرِ، ابْن مُحَمَّد بن زيد بن أبي زيد الْقرشِي الْأمَوِي، مولى عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله عَنهُ، أَبُو ثَابت الْمدنِي، سمع جمعا من الْكِبَار، وَعنهُ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن رجل عَنهُ وَغَيرهمَا من الْأَعْلَام، قَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق.
الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بن عبد الْحَارِث بن زهرَة بن كلاب، سمع: أَبَاهُ وَالزهْرِيّ وَهِشَام بن عُرْوَة وَغَيرهم، روى عَنهُ: شُعْبَة وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وابناه يَعْقُوب وَمُحَمّد وَخلق كثير، قَالَ أَحْمد وَيحيى وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة: ثِقَة،.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة: كثير الحَدِيث وَرُبمَا أَخطَأ فِي أَحَادِيث، وَقدم بَغْدَاد فَأَقَامَ بهَا وَولي بَيت المَال بهَا لهارون الرشيد، وَأَبوهُ سعد ولي قَضَاء الْمَدِينَة، وَكَانَ من جملَة التَّابِعين، وَكَانَ مولد إِبْرَاهِيم سنة عشرَة وَمِائَة، وَتُوفِّي بِبَغْدَاد سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الثَّالِث: صَالح هُوَ ابْن كيسَان أَبُو مُحَمَّد الْغِفَارِيّ الْمدنِي التَّابِعِيّ، لَقِي جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله عَنْهُم، ثمَّ تلمذ بعد ذَلِك لِلزهْرِيِّ وتلقن مِنْهُ الْعلم، وابتدأ بالتعلم وَهُوَ ابْن تسعين سنة، وَمَات وَهُوَ ابْن مائَة وَسِتِّينَ سنة.
الرَّابِع: ابْن شهَاب، وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَقد تقدم.
الْخَامِس: أَبُو أُمَامَة، بِضَم الْهمزَة، واسْمه أسعد بن سهل بن حنيف، بِضَم الْمُهْملَة؛ ابْن واهب بن الْعَلِيم بن ثَعْلَبَة بن الْحَارِث بن مجدعة بن عَمْرو بن خُنَيْس بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف بن مَالك بن الْأَوْس، أخي الْخَزْرَج ابْني حَارِثَة بن ثَعْلَبَة العنقاء بن عَمْرو مزيقيا الْخَارِج من الْيمن أَيَّام سيل العرم بن عَامر مَاء السَّمَاء بن حَارِثَة الغطريف بن امرىء الْقَيْس البطريق بن ثَعْلَبَة بن مَازِن وَهُوَ جماع غَسَّان بن الأزد بن الْغَوْث بن نبت بن مَالك بن زيد بن كهلان، أخي حمير، أمه حَبِيبَة بنت أبي أُمَامَة أسعد بن زُرَارَة، وَكَانَ أَبُو أُمَامَة أوصى ببناته إِلَى رَسُول الله، عَلَيْهِ السَّلَام فزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَبِيبَة سهل بن حنيف فَولدت لَهُ أسعد هَذَا، فَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكناه باسم جده لأمه، وكنيته، وبرك عَلَيْهِ، وَمَات سنة مائَة وَهُوَ ابْن نَيف وَتِسْعين سنة، روى لَهُ الْجَمَاعَة عَن الصَّحَابَة، وروى لَهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَثَبت فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ عَن أبي أُمَامَة بن سهل هُوَ ابْن حنيف، ولحاصل أَنه مُخْتَلف فِي صحبته وَلم يَصح لَهُ سَماع، وَإِنَّمَا ذكر فِي الصَّحَابَة لشرف الرِّوَايَة.
السَّادِس: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ، واسْمه سعد بن مَالك، وَقد مر بَيَانه.

( بَيَان لطائف أسناده) .
مِنْهَا: أَنه كَالَّذي قبله فِي أَن رِجَاله مدنيون، وَهَذَا فِي غَايَة الاستطراف إِذْ اقتران إسنادين مدنيين قَلِيل جدا.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة وَالتَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة ثَلَاثَة من التابعيين، أَو تابعيين وصحابيين.
فَافْهَم.

( بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ هُنَا عَن مُحَمَّد بن عبيد الله كَمَا ترى، وَأخرجه أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَليّ عَن يَعْقُوب عَن صَالح، وَفِي فضل عمر رَضِي الله عَنهُ، عَن يحيى بن بكير جَمِيعًا عَن اللَّيْث عَن عقيل، وَفِي التَّعْبِير عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي أُمَامَة عَنهُ، وَرَوَاهُ مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن صَالح، وَعَن الزُّهْرِيّ والحلواني، وَعبد بن حميد عَن يَعْقُوب عَن أَبِيه عَن صَالح عَن الزُّهْرِيّ بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ أَيْضا، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن أبي أُمَامَة بن سههل بن حنيف عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَلم يسمعهُ.

( بَيَان اللُّغَات) .
قَوْله: ( يعرضون عَليّ) أَي: يظهرون لي، يُقَال: عرض الشَّيْء إِذا أبداه وأظهره، وَفِي ( الْعبابُ) عرض لَهُ أَمر كَذَا يعرض بِالْكَسْرِ، أَي: ظهر وَعرضت عَلَيْهِ أَمر كَذَا، وَعرضت لَهُ الشَّيْء أَي: أظهرته لَهُ، وأبرزته إِلَيْهِ، يُقَال: عرضت لَهُ ثوبا، فَكَانَ حَقه، وَذكر فِي هَذِه الْمَادَّة مَعَاني كَثِيرَة جدا، ثمَّ قَالَ فِي آخِره: وَالْعين وَالرَّاء وَالضَّاد تكْثر فروعها، وَهِي مَعَ كثرتها ترجع إِلَى أصل وَاحِد، وَهُوَ الْعرض الَّذِي يُخَالف الطول، وَمن حقق النّظر ودققه علم صِحَة ذَلِك.
قَوْله: ( قمص) بِضَم الْقَاف وَالْمِيم، جمع: قَمِيص نَحْو: رغيف ورغف، وَيجمع أَيْضا على قمصان وأقمصة، كرغفان وأرغفة.
قَوْله: ( الثدي) ، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الدَّال، وَتَشْديد الْيَاء، جمع: الثدي، وَهُوَ على وزن فعل، كفلس يجمع على فعول كفلوس، وأصل الثدي الَّذِي هُوَ الْجمع ثدوي، على وزن فعول، اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء، وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فابدلت الْوَاو يَاء وادغمت الْيَاء فِي الْيَاء فَصَارَت: ثدي، بِضَم الدَّال، ثمَّ ابدلت كسرة من ضمة الدَّال لأجل الْيَاء، فَصَارَ ثدياً، وَجَاء أَيْضا: ثدي، بِكَسْر الثَّاء أَيْضا اتبَاعا لما بعْدهَا من الكسرة، وَجَاء جمعه أَيْضا على: أثد، وَأَصله: أثدي، على وزن أفعل: كيد تجمع على أيدٍ، استثقلت الضمة على الْيَاء فحذفت، فَالتقى ساكنان فحذفت الْيَاء، فَصَارَ: أثد،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الثدي يذكر وَيُؤَنث، وَهِي للْمَرْأَة وَالرجل جَمِيعًا.
وَقيل: يخْتَص بِالْمَرْأَةِ، والْحَدِيث يرد عَلَيْهِ، وَالْمَشْهُور مَا نَص عَلَيْهِ الْجَوْهَرِي، وَفِي ( كتاب خلق الْإِنْسَان) وَفِي الصَّدْر ثديان وَثَلَاثَة أثد، فَإِذا كثرت فَهِيَ الثدي، يُقَال: امْرَأَة ثدياء إِذا كَانَت عَظِيمَة الثديين، وَلَا يُقَال رجل أثدأ.
قَوْله: ( أولت) من التَّأْوِيل، وَهُوَ تَفْسِير مَا يؤول إِلَيْهِ الشَّيْء، وَالْمرَاد هُنَا التَّعْبِير، وَفِي اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ التَّأْوِيل تَفْسِير الشَّيْء بِالْوَجْهِ الْمَرْجُوح، وَقيل: هُوَ حمل الظَّاهِر على الْمُحْتَمل الْمَرْجُوح بِدَلِيل يصيره راجحاً، وَهَذَا أخص مِنْهُ، وَأما تَفْسِير الْقُرْآن فَهُوَ الْمَنْقُول عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو عَن الصَّحَابَة، وَأما تَأْوِيله فَهُوَ مَا يسْتَخْرج بِحَسب الْقَوَاعِد الْعَرَبيَّة.

( بَيَان الْإِعْرَاب) : قَوْله: ( بَينا) .
أَصله: بَين، أشبعت الفتحة فَصَارَت ألفا،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: بَينا، فعلى مشبعة الفتحة قَالَ الشَّاعِر:
( فَبينا نَحن نرقبه أَتَانَا)

أَي: بَين أَوْقَات رقبتنا إِيَّاه، والجمل يُضَاف إِلَيْهَا أَسمَاء الزَّمَان نَحْو: أَتَيْتُك زمن الْحجَّاج أَمِير، ثمَّ حذف الْمُضَاف الَّذِي هُوَ: أَوْقَات، وَولي الظّرْف الَّذِي هُوَ: بَين الْجُمْلَة الَّتِي أُقِيمَت مقَام الْمُضَاف إِلَيْهَا، والأصمعي يستفصح طرح إِذْ وَإِذا فِي جَوَابه، واخرون يَقُولُونَ: بَينا أَنا قَائِم إِذْ جَاءَ أَو إِذا جَاءَ فلَان، وَالَّذِي جَاءَ فِي الحَدِيث هُوَ الفصيح، فَلذَلِك اخْتَارَهُ الْأَصْمَعِي، رَحمَه الله تَعَالَى.
قَوْله: ( أَنا) مُبْتَدأ، أَو ( نَائِم) خَبره، وَقَوله: رَأَيْت النَّاس، جَوَاب بَينا من الرُّؤْيَة بِمَعْنى: الإبصار فَيَقْتَضِي مَفْعُولا وَاحِدًا، وَهُوَ قَوْله: النَّاس، فعلى هَذَا يكون قَوْله: ( يعرضون عَليّ) جملَة حَالية، وَيجوز أَن يكون من الرُّؤْيَا بِمَعْنى الْعلم فَيَقْتَضِي حينئذٍ مفعولين، وهما قَوْله: النَّاس يعرضون عَليّ وَيجوز رفع النَّاس على أَنه مُبْتَدأ وَخَبره، قَوْله: يعرضون عَليّ، وَالْجُمْلَة مفعول قَوْله رَأَيْت، كَمَا فِي قَول الشَّاعِر:
( رَأَيْت النَّاس ينتجعون غيثاً ... فَقلت لصيدح: انتجعي بِلَالًا)

ويروى: سَمِعت النَّاس، وَالْقَائِل هُوَ ذُو الرمة الشَّاعِر الْمَشْهُور، وصيدح علم النَّاقة.
وينتجعون من: انتجعت فلَانا إِذا أَتَيْته تطلب معروفه، وَأَرَادَ ببلال هُوَ: بِلَال بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، قَاضِي الْبَصْرَة، كَانَ جواداً ممدوحاً رَحمَه الله.
قَوْله: ( وَعَلَيْهِم قمص) جملَة اسمية وَقعت حَالا.
قَوْله: ( مِنْهَا) أَي: من القمص، وَهُوَ خبر لقَوْله: مَا يبلغ الثدي، وَمَا مَوْصُولَة فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء، و: الثدي، مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول، يبلغ، وَكَذَلِكَ إِعْرَاب قَوْله: وَمِنْهَا دون ذَلِك، أَي: أقصر، فَيكون: فَوق الثدي لم ينزل إِلَيْهِ وَلم يصل بِهِ لقلته.
قَوْله: ( وَعرض) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَعمر بن الْخطاب، مُسْند إِلَيْهِ مفعول نَاب عَن الْفَاعِل.
قَوْله: ( وَعَلِيهِ قَمِيص) جملَة إسمية وَقعت حَالا.
وَقَوله: يجره، جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل، وَهُوَ الضَّمِير الْمَرْفُوع الَّذِي فِيهِ الْعَائِد إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ، وَالْمَفْعُول وَهُوَ الضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي يرجع إِلَى الْقَمِيص، وَالْجُمْلَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا صفة للقميص، وَيجوز أَن يكون محلهَا النصب على الْحَال من الْأَحْوَال المتداخلة، وَقد علم أَن الْجُمْلَة الفعلية المضارعية إِذا وَقعت حَالا وَكَانَت مثبتة تكون بِلَا وَاو.
قَوْله: ( قَالُوا) ، أَي: الصَّحَابَة.
قَوْله: ( ذَلِك) مفعول قَوْله: أولت، قَوْله: ( الدّين) بِالنّصب أَي: أولت الدّين.

( بَيَان الْمعَانِي وَالْبَيَان) فِيهِ من الفصاحة اسْتِعْمَال جَوَاب بَينا بِدُونِ إِذْ وَإِذ.
وَمِنْهَا: اسْتِعْمَال جمع الْكَثْرَة فِي الثدي لأجل الْمُطَابقَة، وَفِيه من التَّشْبِيه البليغ، وَهُوَ أَنه شبه الدّين بالقميص، وَوجه التَّشْبِيه السّتْر، وَذَلِكَ أَن الْقَمِيص يستر عَورَة الْإِنْسَان ويحجبه من وُقُوع النّظر عَلَيْهَا، فَكَذَلِك الدّين يستره من النَّار ويحجبه عَن كل مَكْرُوه، فالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِنَّمَا أَوله الدّين بِهَذَا الِاعْتِبَار..
     وَقَالَ  أهل الْعبارَة: الْقَمِيص فِي النّوم مَعْنَاهُ الدّين، وجره يدل على بَقَاء آثاره الجميلة وسننه الْحَسَنَة فِي الْمُسلمين بعد وَفَاته ليُقتدى بهَا،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: مَعْلُوم أَن عمر رَضِي الله عَنهُ، فِي إيمَانه أفضل من عمل من بلغ قَمِيصه ثديه، وتأويله عَلَيْهِ السَّلَام، ذَلِك بِالدّينِ يدل على أَن الْإِيمَان الْوَاقِع على الْعَمَل يُسمى دينا، كالإيمان الْوَاقِع على القَوْل..
     وَقَالَ  القَاضِي: أَخذ ذَلِك أهل التَّعْبِير من قَوْله تَعَالَى: { وثيابك فطهر} ( المدثر: 4) يُرِيد بِهِ نَفسك، وَإِصْلَاح عَمَلك وَدينك على تَأْوِيل بَعضهم، لِأَن الْعَرَب تعبر عَن الْعِفَّة بنقاء الثَّوْب والمئزر، وجره عبارَة عَمَّا فضل عَنهُ وانتفع النَّاس بِهِ، بِخِلَاف جَرّه فِي الدُّنْيَا للخيلاء فَإِنَّهُ مَذْمُوم.
فَإِن قيل: يلْزم من الحَدِيث أَن يكون عمر رَضِي الله عَنهُ، أفضل من أبي بكر رَضِي الله عَنهُ، لِأَن المُرَاد بالأفضل الْأَكْثَر ثَوابًا، والأعمال عَلَامَات الثَّوَاب، فَمن كَانَ دينه أَكثر فثوابه أَكثر، وَهُوَ خلاف الاجماع.
قلت: لَا يلْزم، إِذْ الْقِسْمَة غير حاصرة لجَوَاز قسم رَابِع سلمنَا انحصار الْقِسْمَة، لَكِن مَا خصص الْقسم الثَّالِث بعمر رَضِي الله عَنهُ، وَلم يحصره عَلَيْهِ سلمنَا التَّخْصِيص بِهِ، لكنه معَارض بالأحاديث الدَّالَّة على أَفضَلِيَّة الصّديق رَضِي الله عَنهُ، بِحَسب تَوَاتر الْقدر الْمُشْتَرك بَينهَا، وَمثله يُسمى بالمتواتر من جِهَة الْمَعْنى، فدليلكم آحَاد وَدَلِيلنَا متواتر، سلمنَا التَّسَاوِي بَين الدَّلِيلَيْنِ.
لَكِن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أفضليته وَهُوَ دَلِيل قَطْعِيّ، وَهَذَا دَلِيل ظَنِّي، وَالظَّن لَا يُعَارض الْقطع، وَهَذَا الْجَواب يُسْتَفَاد من نفس تَقْرِير الدَّلِيل، وَهَذِه قَاعِدَة كُلية عِنْد أهل المناظرة فِي أَمْثَال هَذِه الإيرادات، بِأَن يُقَال: مَا أردته إِمَّا مجمع عَلَيْهِ أَو لَا، فَإِن كَانَ فالدليل مَخْصُوص بِالْإِجْمَاع وإلاَّ فَلَا يتم الْإِيرَاد إِذْ لَا إِلْزَام إلاَّ بالمجمع عَلَيْهِ.
لَا يُقَال: كَيفَ يُقَال: الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَفضَلِيَّة الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد أنكر ذَلِك طَائِفَة الشِّيعَة والخوارج من العثمانية، لأَنا نقُول: لَا اعْتِبَار بمخالفة أهل الضلال، وَالْأَصْل إِجْمَاع أهل السّنة وَالْجَمَاعَة.

( بَيَان استنباط الْفَوَائِد) مِنْهَا: الدّلَالَة على تفاضل أهل الْإِيمَان، وَمِنْهَا: الدّلَالَة على فَضِيلَة عمر رَضِي الله عَنهُ.
وَمِنْهَا: تَعْبِير الرُّؤْيَا وسؤال الْعَالم بهَا عَنْهَا.
وَمِنْهَا: جَوَاز إِشَاعَة الْعَالم الثَّنَاء على الْفَاضِل من أَصْحَابه إِذا لم يحس بِهِ بإعجاب وَنَحْوه، وَيكون الْغَرَض التَّنْبِيه على فَضله لتعلم مَنْزِلَته ويعامل بمقتضاها، ويرغب الِاقْتِدَاء بِهِ والتخلق بأخلاقه.