هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
235 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ ، حَدَّثَهُ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
235 حدثنا أبو اليمان ، قال : أخبرنا شعيب ، قال : أخبرنا أبو الزناد ، أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، حدثه ، أنه سمع أبا هريرة ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : نحن الآخرون السابقون
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أبي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ .

Narrated Abu Huraira:

Allah's Messenger (ﷺ) said, We (Muslims) are the last (people to come in the world) but (will be) the foremost (on the Day of Resurrection).

0238 D’après Abu az-Zinàd, Abd-ar-Rahmân ibn Hurmuz al-Araj entendit Abu Hurayra rapporter avoir entendu le Messager de dieu dire : « Nous sommes les derniers mais aussi les premiers«   

":"ہم سے ابوالیمان بیان کیا ، کہا ہم کو شعیب نے خبر دی ، کہا مجھے ابوالزناد نے خبر دی کہ ان سے عبدالرحمٰن بن ہرمزالاعرج نے بیان کیا ، انھوں نے حضرت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ سے سنا ، انہوں نے رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم سے سنا ، آپ صلی اللہ علیہ وسلم فرماتے تھے کہہم ( لوگ ) دنیا میں پچھلے زمانے میں آئے ہیں ( مگر آخرت میں ) سب سے آگے ہیں ۔

0238 D’après Abu az-Zinàd, Abd-ar-Rahmân ibn Hurmuz al-Araj entendit Abu Hurayra rapporter avoir entendu le Messager de dieu dire : « Nous sommes les derniers mais aussi les premiers«   

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [238] .

     قَوْلُهُ  الْأَعْرَجُ كَذَا رَوَاهُ شُعَيْبٌ وَوَافَقَهُ بن عُيَيْنَةَ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَرَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ بن عُيَيْنَةَ عَنْهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيِّ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ والطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ وَالطَّرِيقَانِ مَعًا صَحِيحَانِ وَلِأَبِي الزِّنَادِ فِيهِ شَيْخَانِ وَلَفْظُهُمَا فِي سِيَاقِ الْمَتْنِ مُخْتَلِفٌ كَمَا سَنُشِيرُ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ اخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي تَقْدِيمِ هَذِه الْجُمْلَة على الحَدِيث الْمَقْصُود فَقَالَ بن بَطَّالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا بَعْدَهُ فِي نَسَقٍ وَاحِدٍ فَحَدَّثَ بِهِمَا جَمِيعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَمَّامٌ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَمِعَهُمَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مُنَاسَبَةٌ لِلتَّرْجَمَةِ.

.

قُلْتُ جَزَمَ بن التِّينِ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَدِيثًا وَاحِدًا مَا فَصَّلَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَبِإِسْنَادِهِ وَأَيْضًا فَ.

     قَوْلُهُ  نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ مَشْهُورٍ فِي ذِكْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ رَاعَى الْبُخَارِيُّ مَا ادَّعَاهُ لَسَاقَ الْمَتْنَ بِتَمَامِهِ وَأَيْضًا فَحَدِيثُ الْبَابِ مَرْوِيٌّ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي دَوَاوِينِ الْأَئِمَّةِ وَلَيْسَ فِي طَرِيقٍ مِنْهَا فِي أَوَّلِهِ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ بِدُونِ هَذِه الْجُمْلَة وَقَول بن بطال وَيحْتَمل أَن يكون همام وهم تبعه عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَلَيْسَ لِهَمَّامٍ ذِكْرٌ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ وَقَولُهُ إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مُنَاسَبَةٌ لِلتَّرْجَمَةِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ تَكَلَّفَ فَأَبْدَى بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةً كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ فِي الْغَالِبِ يَذْكُرُ الشَّيْءَ كَمَا سَمِعَهُ جُمْلَةً لِتَضَمُّنِهِ مَوْضِعَ الدَّلَالَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَاقِيهِ مَقْصُودًا كَمَا صَنَعَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ فِي شِرَاءِ الشَّاةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْجِهَادِ وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ وَقَعَ لِمَالِكٍ نَحْوُ هَذَا فِي الْمُوَطَّأِ إِذْ أَخْرَجَ فِي بَابِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَتَمَةِ مُتُونًا بِسَنَدٍ وَاحِدٍ أَوَّلُهَا مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَوْكٍ وَآخِرُهَا لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصُّبْحِ وَالْعَتَمَةِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَيْسَ غَرَضُهُ مِنْهَا إِلَّا الْحَدِيثَ الْأَخِيرَ لَكِنَّهُ أَدَّاهَا عَلَى الْوَجْه الَّذِي سَمعه قَالَ بن الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ نَرَى الْجُهَّالَ يَتْعَبُونَ فِي تَأْوِيلِهَا وَلَا تَعَلُّقَ لِلْأَوَّلِ مِنْهَا بِالْبَابِ أَصْلًا.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ آخِرُ مَنْ يُدْفَنُ مِنَ الْأُمَمِ فِي الْأَرْضِ وَأَوَّلُ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّ الْوِعَاءَ آخِرُ مَا يُوضَعُ فِيهِ أَوَّلُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَكَذَلِكَ الْمَاءُ الرَّاكِدُ آخِرُ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْبَوْلِ أَوَّلُ مَا يُصَادِفُ أَعْضَاءَ الْمُتَطَهِّرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَقِيلَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَإِنْ سَبَقُوا فِي الزَّمَانِ لَكِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَبَقَتْهُمْ بِاجْتِنَابِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ إِذَا وَقَعَ الْبَوْلُ فِيهِ فَلَعَلَّهُمْ كَانُوا لَا يَجْتَنِبُونَهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا أَشَدَّ مُبَالَغَةً فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ بِحَيْثُ كَانَتِ النَّجَاسَةُ إِذَا أَصَابَتْ جِلْدَ أَحَدِهِمْ قَرَضَهُ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِمُ التَّسَاهُلُ فِي هَذَا وَهُوَ اسْتِبْعَادٌ لَا يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَمَا قَرَّرْنَاهُ أَوْلَى وَقَدْ وَقَعَ البُخَارِيّ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ فِي حَدِيثٍ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُ هَذَا صَدَّرَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ قَالَ وَبِإِسْنَادِهِ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمُنَاسَبَةُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ مَا فِيهَا مِنَ التَّكَلُّفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ نُسْخَةَ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَنُسْخَةِ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْهُ وَلِهَذَا قَلَّ حَدِيثٌ يُوجَدُ فِي هَذِهِ إِلَّا وَهُوَ فِي الْأُخْرَىوَقَدِ اشْتَمَلَتَا عَلَى أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ غَالِبَهَا وَابْتِدَاءُ كُلِّ نُسْخَةٍ مِنْهُمَا حَدِيثُ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ فَلِهَذَا صَدَّرَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِيمَا أَخْرَجَهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَسَلَكَ مُسْلِمٌ فِي نُسْخَةِ هَمَّامٍ طَرِيقًا أُخْرَى فَيَقُولُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مِنْهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا.

     وَقَالَ  رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَذْكُرُ الْحَدِيثَ الَّذِي يُرِيدُهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ مِنْ أَثْنَاءِ النُّسْخَةِ لَا أَوَّلِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  الَّذِي لَا يَجْرِي قِيلَ هُوَ تَفْسِيرٌ لِلدَّائِمِ وَإِيضَاحٌ لِمَعْنَاهُ وَقِيلَ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ رَاكِدٍ يَجْرِي بَعْضُهُ كَالْبِرَكِ وَقِيلَ احْتَرَزَ بِهِ عَنِ الْمَاءِ الدَّائِمِ لِأَنَّهُ جَارٍ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ سَاكِنٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا حَيْثُ جَاءَ فِيهَا بِلَفْظِ الرَّاكِدِ بَدَلَ الدَّائِمِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.

     وَقَالَ  بن الْأَنْبَارِيِّ الدَّائِمُ مِنْ حُرُوفِ الْأَضْدَادِ يُقَالُ لِلسَّاكِنِ وَالدَّائِرِ وَمِنْهُ أَصَابَ الرَّأْسَ دُوَامٌ أَيْ دُوَارٌ وَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  الَّذِي لَا يَجْرِي صِفَةٌ مخصصة لأحد معني الْمُشْتَرَكِ وَقِيلَ الدَّائِمُ وَالرَّاكِدُ مُقَابِلَانِ لِلْجَارِي لَكِنِ الدَّائِم الَّذِي لَهُ نَبْعٌ وَالرَّاكِدُ الَّذِي لَا نَبْعَ لَهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَغْتَسِلُ بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُور.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ يَجُوزُ الْجَزْمُ عَطْفًا عَلَى يَبُولَنَّ لِأَنَّهُ مَجْزُومُ الْمَوْضِعِ بِلَا النَّاهِيَةِ وَلَكِنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ لِتَوْكِيدِهِ بِالنُّونِ وَمَنَعَ ذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ لَوْ أَرَادَ النَّهْيَ لَقَالَ ثُمَّ لَا يَغْتَسِلَنَّ فَحِينَئِذٍ يَتَسَاوَى الْأَمْرَانِ فِي النَّهْيِ عَنْهُمَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي تَوَارَدَا عَلَيْهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمَاءُ قَالَ فَعُدُولُهُ عَنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْعَطْفَ بَلْ نَبَّهَ عَلَى مَآلِ الْحَالِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا بَالَ فِيهِ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَضْرِبَنَّ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْأَمَةِ ثُمَّ يُضَاجِعُهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ بِالْجَزْمِ لِأَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنِ الضَّرْبِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي مَآلِ حَالِهِ إِلَى مُضَاجَعَتِهَا فَتَمْتَنِعُ لِإِسَاءَتِهِ إِلَيْهَا فَلَا يَحْصُلُ لَهُ مَقْصُودُهُ وَتَقْدِيرُ اللَّفْظِ ثُمَّ هُوَ يُضَاجِعُهَا وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ ثُمَّ هُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَأْكِيدِ النَّهْيِ أَن لايعطف عَلَيْهِ نَهْيٌ آخَرُ غَيْرُ مُؤَكَّدٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلتَّأْكِيدِ فِي أَحَدِهِمَا مَعْنًى لَيْسَ لِلْآخَرِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَا يَجُوزُ النَّصْبُ إِذْ لَا تضمر أَن بعد ثمَّ وَأَجَازَهُ بن مَالِكٍ بِإِعْطَاءِ ثُمَّ حُكْمَ الْوَاوِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ دُونَ إِفْرَادِ أَحَدِهِمَا وَضَعَّفَهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْأَحْكَامِ الْمُتَعَدِّدَةِ لَفْظٌ وَاحِدٌ فَيُؤْخَذُ النَّهْيُ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ ثَبَتَتْ رِوَايَةُ النَّصْبِ وَيُؤْخَذُ النَّهْيُ عَنِ الْإِفْرَادِ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ.

.

قُلْتُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد النَّهْيَ عَنْهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَلَفْظُهُ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى تَنْجِيسِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لِأَنَّ الْبَوْلَ يُنَجِّسُ الْمَاءَ فَكَذَلِكَ الِاغْتِسَالُ وَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا مَعًا وَهُوَ لِلتَّحْرِيمِ فَيَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ فِيهِمَا وَرُدَّ بِأَنَّهَا دَلَالَةُ اقْتِرَانٍ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهَا فَلَا يَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنَ الْبَوْلِ لِئَلَّا يُنَجِّسَهُ وَعَنِ الِاغْتِسَالِ فِيهِ لِئَلَّا يَسْلُبَهُ الطَّهُورِيَّةَ وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الِانْغِمَاسِ فِيهِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَعْمَلًا فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْغَيْرِ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَالصَّحَابِيُّ أَعْلَمُ بِمَوَارِدِ الْخِطَابِ مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ غَيْرُ طَهُورٍ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَدِلَّةعَلَى طَهَارَتِهِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَاءِ الَّذِي لَا يَجْرِي فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ بَوْلِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَبُولَ فِي الْمَاءِ أَوْ يَبُولَ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ يَصُبَّهُ فِيهِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ إِلَّا التَّغَيُّرَ وَعَدَمَهُ وَهُوَ قَوِيٌّ لَكِنَّ الْفَصْلَ بِالْقُلَّتَيْنِ أَقْوَى لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ وَقَدِ اعْتَرَفَ الطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ اعْتَذَرَ عَنِ الْقَوْلِ بِهِ بِأَنَّ الْقُلَّةَ فِي الْعُرْفِ تُطْلَقُ عَلَى الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ كَالْجَرَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ مِنَ الْحَدِيثِ تَقْدِيرُهُمَا فَيكون مُجملا فَلَا يعْمل بِهِ وَقواهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَكِنِ اسْتَدَلَّ لَهُ غَيْرُهُمَا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ الْمُرَادُ الْقُلَّةُ الْكَبِيرَةُ إِذْ لَوْ أَرَادَ الصَّغِيرَةَ لَمْ يَحْتَجْ لِذِكْرِ الْعَدَدِ فَإِنَّ الصَّغِيرَتَيْنِ قَدْرُ وَاحِدَةٍ كَبِيرَةٍ وَيُرْجَعُ فِي الْكَبِيرَةِ إِلَى الْعُرْفِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِعَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَرَكَ تَحْدِيدَهُمَا عَلَى سَبِيلِ التَّوْسِعَةِ وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ بِأَنَّهُ مَا خَاطَبَ الصَّحَابَةَ إِلَّا بِمَا يَفْهَمُونَ فَانْتَفَى الْإِجْمَالُ لَكِنْ لِعَدَمِ التَّحْدِيدِ وَقَعَ الْخُلْفُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي مِقْدَارِهِمَا عَلَى تِسْعَةِ أَقْوَالٍ حَكَاهَا بن الْمُنْذِرِ ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْدِيدُهُمَا بِالْأَرْطَالِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ وَهُوَ قَوْلُ الْبَاقِينَ فِي الْكَثِيرِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ يُمكن حمله علىالتحريم مُطْلَقًا عَلَى قَاعِدَةِ سَدِّ الذَّرِيعَةِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى تَنْجِيسِ الْمَاءِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ كَذَا هُنَا وَفِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ وَكَذَا لمُسلم من طَرِيق بن سِيرِينَ وَكُلٌّ مِنَ اللَّفْظَيْنِ يُفِيدُ حُكْمًا بِالنَّصِّ وَحكما بالاستنباط قَالَه بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِلَفْظِ فِيهِ تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الِانْغِمَاسِ بِالنَّصِّ وَعَلَى مَنْعِ التَّنَاوُلِ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالرِّوَايَةَ بِلَفْظِ مِنْهُ بِعَكْسِ ذَلِكَ وَكُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ يَنْجُسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَة وَالله أعلم ( قَولُهُ بَابُ إِذَا أُلْقِيَ عَلَى ظَهْرِ الْمُصَلِّي قَذَرٌ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ شَيْءٌ نَجِسٌ أَوْ جِيفَةٌ أَيْ مَيْتَةٌ لَهَا رَائِحَةٌ .

     قَوْلُهُ  لَمْ تَفْسُدْ مَحَلُّهُ مَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَتَمَادَى وَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى مَنْعِ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ مَا يَطْرَأُ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهِ يَتَخَرَّجُ صَنِيعُ الصَّحَابِيِّ الَّذِي اسْتَمَرَّ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ سَالَتْ مِنْهُ الدِّمَاءُ بِرَمْيِ مَنْ رَمَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرٍ بِذَلِكَ فِي بَابِ مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوءَ إِلَّا مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ قَوْله وَكَانَ بن عمر هَذَا الْأَثر وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ بُرْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَى فِي ثَوْبِهِ دَمًا فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَضَعَهُ وَضَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ خَرَجَ فَغَسَلَهُ ثُمَّ جَاءَ فَيَبْنِي عَلَى مَا كَانَ صَلَّى وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَرَى التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَقَيَّدَهَا مَالِكٌ بِالْوَقْتِ فَإِنْ خَرَجَ فَلَا قَضَاءَ وَفِيهِ بَحْثٌ يَطُولُ وَاسْتُدِلَّ لِلْأَوَّلِينَ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ بن خُزَيْمَة وَله شَاهد من حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ إِعَادَةً وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِوَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْبِنَاءِ عَلَى مَا مَضَى فَتَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْله.

     وَقَالَ  بن الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيُّ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلِلْمُسْتَمْلِي وَالسَّرْخَسِيِّ وَكَانَ فَإِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً فَإِفْرَادُ قَوْلِهِ إِذَا صَلَّى عَلَى إِرَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْمُرَادُ بِمَسْأَلَةِ الدَّمِ مَا إِذَا كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُصَلِّي وَكَذَا الْجَنَابَةُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ الْمَنِيِّ وَبِمَسْأَلَةِ الْقِبْلَةِ مَا إِذَا كَانَ عَنِ اجْتِهَادٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ وَبِمَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ مَا إِذَا كَانَ غَيْرَ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ وَكُلُّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ الْآثَارِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنِ التَّابِعِينَ الْمَذْكُورِينَ وَقَدْ وَصَلَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بن مَنْصُور وبن أَبِي شَيْبَةَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مُفَرَّقَةٍ أَوْضَحْتُهَا فِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَسْأَلَةِ الدَّمِ.

.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّيَمُّمِ فَعَدَمُ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَكْثَرِ السَّلَفِ وَذَهَبَ جَمْعٌ من التَّابِعين مِنْهُم عَطاء وبن سِيرِينَ وَمَكْحُولٌ إِلَى وُجُوبِ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا.

.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ بَيَانِ الْخَطَأِ فِي الْقِبْلَةِ فَقَالَ الثَّلَاثَةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ لَا يُعِيدُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ أَيْضًا.

     وَقَالَ  فِي الْجَدِيدِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَاسْتُدِلَّ لِلْأَوَّلِينَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ.

     وَقَالَ  حَسَنٌ لَكِنْ ضَعَّفَهُ غَيْرُهُ.

     وَقَالَ  الْعُقَيْلِيُّ لَا يُرْوَى مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ مُسْتَنَدُ الْجَدِيدِ أَنَّ خَطَأَ الْمُجْتَهِدِ يَبْطُلُ إِذَا وُجِدَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ قَالَ وَهَذَا لَا يَتِمُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَّا بِمَكَّةَ.

.
وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلَا يُنْقَضُ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ فِيمَا إِذَا تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فَهُوَ انْتِقَالٌ مِنْ يَقِينِ الْخَطَأِ إِلَى الظَّنِّ الْقَوِيِّ فَلَيْسَ فِيهِ نَقْضُ اجْتِهَادٍ بِاجْتِهَادٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [238] حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ».
[الحديث أطرافه في: 876، 896، 2956، 3486، 6624، 6887، 7036، 7495] .
وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) بتخفيف الميم الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( قال: أخبرنا) ولابن عساكر حدّثنا ( أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج حدّثه أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه ( أنه سمع) وللأصيلي قال: سمعت ولابن عساكر يقول: سمعت ( رسول الله) ولابن عساكر النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) : ( نحن الآخرون) بكسر الخاء أي المتأخرون في الدنيا ( السابقون) أي المتقدمون في الآخرة.
239 - وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: «لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ».
( وبإسناده) أي إسناد هذا الحديث السابق ( قال) : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم) القليل الغير القلتين فإنه يتنجس وإن لم يتغير وهذا مذهب الشافعية.
وقال المالكية: لا ينجس إلا بالتغير قليلاً كان أو كثيرًا جاريًا كان الماء أو راكدًا حديث: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء" الحديث.
وعند الحنفية: ينجس إذا بلغ الغدير العظيم الذي لا يتحرك أحد أطرافه بتحرك أحدها، وعن أحمد رواية صحّحوها في غير بول الآدمي وعذرته المائعة فأما هما فينجسان الماء وإن كان قلّتين فأكثر على المشهور ما لم يكثر أي بحيث لا يمكن نزحه، وقوله: ( الذي لا يجري) قيل: هو تفسير للدائم وإيضاح لمعناه.
وقيل: احترز به عن الماء الدائر لأنه جارٍ من حيث الصورة ساكن من حيث المعنى.
وقال ابن الأنباري: الدائم من حروف الأضداد يقال للساكن والدائر، ويطلق على البحار والأنهار الكبار التي لا ينقطع ماؤها أنها دائمة بمعنى أن ماءها غير منقطع، وقد اتفق على أنها غير مرادة هنا وعلى هذين القولين فقوله الذي لا يجري صفة مخصصة لأحد معنيي المشترك، وهذا أولى من حمله على التوكيد الذي الأصل عدمه، ولا يخفى أنه لو لم يقل الذي لا يجري مجملاً بحكم الاشتراك الدائر بين الدائر والدائم، وحينئذ فلا يصح الحمل على التأكيد أو احترز به عن راكد يجري بعضه كالبرك.
( ثم) هو ( يغتسل فيه) أو يتوضأ وهو بضم اللام على المشهور في الرواية، وجوز ابن مالك في توضيحه صحة الجزم عطفًا على يبولن المجزوم موضعًا بلا الناهية، ولكنه فتح بناء لتأكيده بالنون والنصب على إضمار أن إعطاء لثم حكم واو الجمع.
وتعقبه القرطبي في المفهم والنووي في شرح مسلم بأنه يقتضي أن النهي للجمع بينهما، ولم يقله أحد بل البول منهي عنه أراد الغسل منه أو لا.
وأجاب ابن دقيق العيد بأنه لا يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة لفظ واحد، فيؤخذ النهي عن الجمع بينهما من هذا الحديث إن ثبتت رواية النصب، ويؤخذ النهي عن الإفراد من حديث آخر انتهى.
يعني كحديث مسلم عن جابر مرفوعًا: نهى عن البول في الماء الراكد.
وقال القرطبي أبو العباس: لا يحسن النصب لأنه لا ينصب بإضمار أن بعد ثم، وقال أيضًا: إن الجزم ليس بشيء إذ لو أراد ذلك لقال ثم لا يغتسلن لأنه إذ ذاك يكون عطف فعل على فعل لا عطف جملة على جملة، وحينئذ يكون الأصل مشاركة الفعلين في المنهي عنه وتأكيدهما بالنون المشددة، فإن المحل الذي توارد عليه شيء واحد وهو الماء، فعدوله عن ثم لا يغتسلن إلى ثم يغتسل دليل على أنه لم يرد العطف، وإنما جاء يغتسل على التنبيه على مآل الحال، ومعناه: أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه فيمتنع عليه استعماله لما وقع فيه من البول.
وتعقبه الزين العراقي بأنه لا يلزم من عطف النهي على النهي ورود التأكيد فيهما معًا كما هو معروف في العربية، قال: وفي رواية أبي داود لا يغتسل فيه من الجنابة فأتى بأداة النهي ولم يؤكده، وهذا كله محمول على القليل عند أهل العلم على اختلافهم في حدّ القليل، وقد تقدم قول من لا يعتبر إلا التغير وعدمه وهو قوي، لكن التفصيل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه، وقد نقل عن مالك أنه حمل النهي على التنزيه فيما لا يتغير وهو قول الباقين في الكثير، وقد وقع في رواية ابن عيينة عن أبي الزناد: ثم يغتسل منه بالميم بدل فيه وكلٌّ منهما يفيد حكمًا بالنص وحكمًا بالاستنباط، فلفظة فيه بالفاء تدل على منع الانغماس بالنص وعلى منع التناول بالاستنباط ولفظه منه بالميمبعكس ذلك وكل ذلك مبني على أن الماء ينجس بملاقاة النجاسة.
فإن قلت: ما وجه دخول نحن الآخرون في الترجمة، وما المناسبة بين أوّل الحديث وآخره؟ أجيب باحتمال أن يكون أبو هريرة سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع ما بعده في نسق واحد فحدّث بهما جميعًا، وتبعه المؤلف ويحتمل أن يكون همام فعل ذلك وأنه سمعهما من أبي هريرة وإلاَّ فليس في الحديث مناسبة للترجمة.
وتعقب بأن البخاري إنما ساق الحديث من طريق الأعرج عن أبي هريرة لا من طريق همام، فالاحتمال الثاني ساقط.
وقال في فتح الباري والصواب أن البخاري في الغالب يذكر الشيء كما سمعه جملة لتضمنه موضع الدلالة المطلوبة منه وإن لم يكن باقيه مقصودًا.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث بالإفراد والجمع والإخبار والسماع، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
69 - باب إِذَا أُلْقِيَ عَلَى ظَهْرِ الْمُصَلِّي قَذَرٌ أَوْ جِيفَةٌ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ دَمًا وَهُوَ يُصَلِّي وَضَعَهُ وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ: إِذَا صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ دَمٌ أَوْ جَنَابَةٌ أَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ تَيَمَّمَ فَصَلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ الْمَاءَ فِي وَقْتِهِ لاَ يُعِيدُ.
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا ألقي) بضم الهمزة مبنيًّا لما لم يسم فاعله ( على ظهر المصلي قذر) بالذال المعجمة المفتوحة مرفوع لكونه نائبًا عن الفاعل أي شيء نجس ( أو جيفة) بالرفع عطفًا على السابق وهي جثة الميتة المريحة ( لم تفسد عليه صلاته) جواب إذا ( وكان) ولأبوي ذر والوقت قال وكان ابن ( ابن عمر) رضي الله عنهما مما وصله ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد صحيح ( إذا رأى في ثوبه دمًا وهو يصلي وضعه) أي ألقاه عنه ( ومضى في صلاته) ولم يذكر فيه إعادة الصلاة، ومذهب الشافعي وأحمد يعيدها، وقيدها مالك بالوقت فإن خرج فلا قضاء.
( وقال ابن المسيب) بفتح المثناة المشددة واسمه سعيد ( والشعبي) بفتح الشين عامر مما وصله عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة بأسانيد متفرقة ( إذا صلّى) المرء ( وفي ثوبه دم) لم يعلمه، وللمستملي والسرخسي كان ابن المسيب والشعبي إذا صلّى أي كل واحد منهما، وفي ثوبه دم ( أو جنابة) أي أثرها وهو المني وهو مقيد عند القائل بنجاسته بعدم العلم كالدم ( أو لغير القبلة) إذا كان باجتهاد ثم أخطأ ( أو تيمم) عند عدم الماء ( وصلى) وللهروي والأصيلي وابن عساكر فصلى ( ثم أدرك الماء في وقته) أي بعد أن فرغ ( لا يعيد) الصلاة أما الدم فيعفى عنه إذا كان قليلاً من أجنبيّ ومطلقًا من نفسه وهو مذهب الشافعي.
وأما القبلة، فعند الثلاثة والشافعي في القديم لا يعيد، وقال في الجديد: تجب الإعادة، وأما التيمم فعدم وجوب الإعادة بعد الفراغ من الصلاة قول الأئمة الأربعة وأكثر السلف.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [238] حدّثنا أَبُو الْيَمَان قالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ قَالَ إأخبرنا أبُو الزِّنادِ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْهُ تَعَالَى أنَّهُ سَمِعَ رَسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول نحْنُ الآخَرُونَ السَّابِقُونَ باسْنَادِهِ قَالَ لاَ يَبُولَنَّ احَدُكُمْ فِي الماءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسَلُ فِيهِ.
هَذَانِ حديثان مستقلان، ومطابقة الحَدِيث الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأما الْحِكْمَة فِي تَقْدِيم الحَدِيث الأول فقد اخْتلفُوا فِيهَا فَقَالَ ابْن بطال: يحْتَمل أَن يكون أَبُو هُرَيْرَة سمع ذَلِك من النَّبِي ت وَمَا بعده فِي نسق وَاحِد،.
فَحدث بهما جَمِيعًا وَيحْتَمل أَن يكون همام فعل ذَلِك لِأَنَّهُ سَمعهَا من أبي هُرَيْرَة وإلاَّ فَلَيْسَ فِي الحَدِيث مُنَاسبَة للتَّرْجَمَة.
قيل: فِي الِاحْتِمَال الأول نظر لتعذره.
وَلِأَنَّهُ مَا بلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حفظ عَنهُ أحد فِي مجْلِس وَاحِد مِقْدَار هَذِه النُّسْخَة صَحِيحا إِلَّا أَن يكون من الْوَصَايَا الْغَيْر الصَّحِيحَة، وَلَا يقرب من الصَّحِيح..
     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير: مَا حَاصله أَن هما مَا رَاوِيه، روى جملَة أَحَادِيث عَن أبي هُرَيْرَة استفتحها لَهُ أَبُو هُرَيْرَة بِحَدِيث نَحن الْآخرُونَ فَصَارَ همام كلما حدث عَن أبي هُرَيْرَة ذكر الْجُمْلَة من أَولهَا، وَتَبعهُ البُخَارِيّ فِي ذَلِك، وَكَذَلِكَ فِي مَوَاضِع أُخْرَى من كِتَابه فِي كتاب: الْجِهَاد والمغازي وَالْإِيمَان وَالنُّذُور وقصص الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، والاعتصام ذكر فِي أوائلها كلهَا نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير: هُوَ حَدِيث وَاحِد، فَإِذا كَانَ وَاحِدًا تكون الْمُطَابقَة فِي آخر الحَدِيث.
وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لَو كَانَ وَاحِدًا لما فَصله البُخَارِيّ بقوله: ( وبأسناده) وَأَيْضًا فَقَوله: نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ طرف من حَدِيث مَشْهُور فِي ذكر يَوْم الْجُمُعَة لَو رَاعى البُخَارِيّ مَا ادَّعَاهُ لساق الْمَتْن بِتَمَامِهِ، وَيُقَال: الْحِكْمَة فِي هَذَا أَن حَدِيث نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ، أول الحَدِيث فِي صحيفَة همام عَن أبي هُرَيْرَة، وَكَانَ همام إِذا رُؤِيَ الصَّحِيفَة استفتج بِذكر، ثمَّ سرد الْأَحَادِيث، فواقه البُخَارِيّ هَاهُنَا وَيُقَال: الْحِكْمَة فِيهِ أَن من عَادَة الْمُحدثين ذكر الحَدِيث جملَة لتَضَمّنه مَوضِع الدّلَالَة الْمَطْلُوبَة، وَلَا يكون مَا فِيهِ مَقْصُودا بالاستدلال، وَإِنَّمَا جَاءَ تبعا لموْضِع الدَّلِيل وَفِيه نظر، وَلَا يخفى.
وَقَالَ الْكرْمَانِيوَقَالَ ابنُ المُسَيِّبَ والشَّعْبِي إِذا صلَّى وَفِي ثَوْبِهِ دَمٌ أَوْ جَنَابَةٌ أَو لِغَيْرِ القِبْلَةِ أَوْ تَيَمَمَ وصلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ الماءَ فِي وَقْتِهِ لَا يُعيدُ وَقع للأكثرين: (.

     وَقَالَ  ابْن الْمسيب:)
وَوَقع للمستملي والسرخسي: وَكَانَ ابْن الْمسيب، يدل، قَالَ: فَإِن قلت: فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يثنى الضَّمِير، لِأَن الْمَذْكُور اثْنَان وهم: ابْن الْمسيب وَالشعْبِيّ.
قلت: أَرَادَ كلَّ وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن ابْن الْمسيب هُوَ سعيد، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر، وَهَذَا الْأَثر بِمَا يُطَابق التَّرْجَمَة إِذا عمل بِظَاهِرِهِ على الْإِطْلَاق أما إِذا قيل: المُرَاد من قَوْله: دم أقل من قدر الدِّرْهَم عِنْد من يرى ذَلِك، أَو شَيْء يسير عِنْد من ذهب إِلَى أَن الْيَسِير عَفْو فَلَا يُطَابق التَّرْجَمَة على مَا لَا يخفى، وَكَذَلِكَ الْجَنَابَة لَا تطابق عِنْد من يرَاهُ طَاهِرا وَالْمرَاد من الْجَنَابَة أَثَرهَا وَهُوَ الْمَنِيّ، أَو فِيهِ إِطْلَاق الْجَنَابَة على الْمَنِيّ من قبيل ذكر الْمسيب، وَإِرَادَة السَّبَب.
قَوْله: ( أَو لغير الْقبْلَة) أَي: أَو صلى لغير الْقبْلَة على اجْتِهَاده، ثمَّ تبين الْخَطَأ قَوْله: ( أَو تيَمّم) أَي: عِنْد عدم المَاء، وكل هَذِه قيود لَا بُد مِنْهَا على مَا لَا يخفى.
قَوْله: ( وَلَا يُعِيد) أَي: الصَّلَاة، وَذكر ابْن بطال عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَسَالم وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَمُجاهد وَالزهْرِيّ وَطَاوُس: أَنه إِذا صلى فِي ثوب نجس، ثمَّ علم بِهِ بعد الصَّلَاة، لَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وَعَن ربيعَة وَمَالك: يُعِيد فِي الْوَقْت، وَعَن الشَّافِعِي: يُعِيد أبدا، وَبِه قَالَ أَحْمد، رَحمَه الله تَعَالَى.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ)
أَيْ السَّاكِنِ يُقَالُ دَوَّمَ الطَّائِرُ تَدْوِيمًا إِذَا صَفَّ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ فَلَمْ يُحَرِّكْهُمَا وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بَابُ لَا تَبُولُوا فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهِيَ بِالْمَعْنَى

[ قــ :235 ... غــ :238] .

     قَوْلُهُ  الْأَعْرَجُ كَذَا رَوَاهُ شُعَيْبٌ وَوَافَقَهُ بن عُيَيْنَةَ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَرَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ بن عُيَيْنَةَ عَنْهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيِّ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ والطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ وَالطَّرِيقَانِ مَعًا صَحِيحَانِ وَلِأَبِي الزِّنَادِ فِيهِ شَيْخَانِ وَلَفْظُهُمَا فِي سِيَاقِ الْمَتْنِ مُخْتَلِفٌ كَمَا سَنُشِيرُ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ اخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي تَقْدِيمِ هَذِه الْجُمْلَة على الحَدِيث الْمَقْصُود فَقَالَ بن بَطَّالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا بَعْدَهُ فِي نَسَقٍ وَاحِدٍ فَحَدَّثَ بِهِمَا جَمِيعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَمَّامٌ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَمِعَهُمَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مُنَاسَبَةٌ لِلتَّرْجَمَةِ.

.

قُلْتُ جَزَمَ بن التِّينِ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَدِيثًا وَاحِدًا مَا فَصَّلَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَبِإِسْنَادِهِ وَأَيْضًا فَ.

     قَوْلُهُ  نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ مَشْهُورٍ فِي ذِكْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ رَاعَى الْبُخَارِيُّ مَا ادَّعَاهُ لَسَاقَ الْمَتْنَ بِتَمَامِهِ وَأَيْضًا فَحَدِيثُ الْبَابِ مَرْوِيٌّ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي دَوَاوِينِ الْأَئِمَّةِ وَلَيْسَ فِي طَرِيقٍ مِنْهَا فِي أَوَّلِهِ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ بِدُونِ هَذِه الْجُمْلَة وَقَول بن بطال وَيحْتَمل أَن يكون همام وهم تبعه عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَلَيْسَ لِهَمَّامٍ ذِكْرٌ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ وَقَولُهُ إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مُنَاسَبَةٌ لِلتَّرْجَمَةِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ تَكَلَّفَ فَأَبْدَى بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةً كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ فِي الْغَالِبِ يَذْكُرُ الشَّيْءَ كَمَا سَمِعَهُ جُمْلَةً لِتَضَمُّنِهِ مَوْضِعَ الدَّلَالَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَاقِيهِ مَقْصُودًا كَمَا صَنَعَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ فِي شِرَاءِ الشَّاةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْجِهَادِ وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ وَقَعَ لِمَالِكٍ نَحْوُ هَذَا فِي الْمُوَطَّأِ إِذْ أَخْرَجَ فِي بَابِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَتَمَةِ مُتُونًا بِسَنَدٍ وَاحِدٍ أَوَّلُهَا مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَوْكٍ وَآخِرُهَا لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصُّبْحِ وَالْعَتَمَةِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَيْسَ غَرَضُهُ مِنْهَا إِلَّا الْحَدِيثَ الْأَخِيرَ لَكِنَّهُ أَدَّاهَا عَلَى الْوَجْه الَّذِي سَمعه قَالَ بن الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ نَرَى الْجُهَّالَ يَتْعَبُونَ فِي تَأْوِيلِهَا وَلَا تَعَلُّقَ لِلْأَوَّلِ مِنْهَا بِالْبَابِ أَصْلًا.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ آخِرُ مَنْ يُدْفَنُ مِنَ الْأُمَمِ فِي الْأَرْضِ وَأَوَّلُ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّ الْوِعَاءَ آخِرُ مَا يُوضَعُ فِيهِ أَوَّلُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَكَذَلِكَ الْمَاءُ الرَّاكِدُ آخِرُ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْبَوْلِ أَوَّلُ مَا يُصَادِفُ أَعْضَاءَ الْمُتَطَهِّرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَقِيلَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَإِنْ سَبَقُوا فِي الزَّمَانِ لَكِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَبَقَتْهُمْ بِاجْتِنَابِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ إِذَا وَقَعَ الْبَوْلُ فِيهِ فَلَعَلَّهُمْ كَانُوا لَا يَجْتَنِبُونَهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا أَشَدَّ مُبَالَغَةً فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ بِحَيْثُ كَانَتِ النَّجَاسَةُ إِذَا أَصَابَتْ جِلْدَ أَحَدِهِمْ قَرَضَهُ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِمُ التَّسَاهُلُ فِي هَذَا وَهُوَ اسْتِبْعَادٌ لَا يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَمَا قَرَّرْنَاهُ أَوْلَى وَقَدْ وَقَعَ البُخَارِيّ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ فِي حَدِيثٍ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُ هَذَا صَدَّرَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ قَالَ وَبِإِسْنَادِهِ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمُنَاسَبَةُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ مَا فِيهَا مِنَ التَّكَلُّفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ نُسْخَةَ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَنُسْخَةِ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْهُ وَلِهَذَا قَلَّ حَدِيثٌ يُوجَدُ فِي هَذِهِ إِلَّا وَهُوَ فِي الْأُخْرَى وَقَدِ اشْتَمَلَتَا عَلَى أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ غَالِبَهَا وَابْتِدَاءُ كُلِّ نُسْخَةٍ مِنْهُمَا حَدِيثُ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ فَلِهَذَا صَدَّرَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِيمَا أَخْرَجَهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَسَلَكَ مُسْلِمٌ فِي نُسْخَةِ هَمَّامٍ طَرِيقًا أُخْرَى فَيَقُولُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مِنْهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا.

     وَقَالَ  رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَذْكُرُ الْحَدِيثَ الَّذِي يُرِيدُهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ مِنْ أَثْنَاءِ النُّسْخَةِ لَا أَوَّلِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  الَّذِي لَا يَجْرِي قِيلَ هُوَ تَفْسِيرٌ لِلدَّائِمِ وَإِيضَاحٌ لِمَعْنَاهُ وَقِيلَ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ رَاكِدٍ يَجْرِي بَعْضُهُ كَالْبِرَكِ وَقِيلَ احْتَرَزَ بِهِ عَنِ الْمَاءِ الدَّائِمِ لِأَنَّهُ جَارٍ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ سَاكِنٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا حَيْثُ جَاءَ فِيهَا بِلَفْظِ الرَّاكِدِ بَدَلَ الدَّائِمِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.

     وَقَالَ  بن الْأَنْبَارِيِّ الدَّائِمُ مِنْ حُرُوفِ الْأَضْدَادِ يُقَالُ لِلسَّاكِنِ وَالدَّائِرِ وَمِنْهُ أَصَابَ الرَّأْسَ دُوَامٌ أَيْ دُوَارٌ وَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  الَّذِي لَا يَجْرِي صِفَةٌ مخصصة لأحد معني الْمُشْتَرَكِ وَقِيلَ الدَّائِمُ وَالرَّاكِدُ مُقَابِلَانِ لِلْجَارِي لَكِنِ الدَّائِم الَّذِي لَهُ نَبْعٌ وَالرَّاكِدُ الَّذِي لَا نَبْعَ لَهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَغْتَسِلُ بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُور.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ يَجُوزُ الْجَزْمُ عَطْفًا عَلَى يَبُولَنَّ لِأَنَّهُ مَجْزُومُ الْمَوْضِعِ بِلَا النَّاهِيَةِ وَلَكِنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ لِتَوْكِيدِهِ بِالنُّونِ وَمَنَعَ ذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ لَوْ أَرَادَ النَّهْيَ لَقَالَ ثُمَّ لَا يَغْتَسِلَنَّ فَحِينَئِذٍ يَتَسَاوَى الْأَمْرَانِ فِي النَّهْيِ عَنْهُمَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي تَوَارَدَا عَلَيْهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمَاءُ قَالَ فَعُدُولُهُ عَنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْعَطْفَ بَلْ نَبَّهَ عَلَى مَآلِ الْحَالِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا بَالَ فِيهِ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَضْرِبَنَّ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْأَمَةِ ثُمَّ يُضَاجِعُهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ بِالْجَزْمِ لِأَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنِ الضَّرْبِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي مَآلِ حَالِهِ إِلَى مُضَاجَعَتِهَا فَتَمْتَنِعُ لِإِسَاءَتِهِ إِلَيْهَا فَلَا يَحْصُلُ لَهُ مَقْصُودُهُ وَتَقْدِيرُ اللَّفْظِ ثُمَّ هُوَ يُضَاجِعُهَا وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ ثُمَّ هُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَأْكِيدِ النَّهْيِ أَن لايعطف عَلَيْهِ نَهْيٌ آخَرُ غَيْرُ مُؤَكَّدٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلتَّأْكِيدِ فِي أَحَدِهِمَا مَعْنًى لَيْسَ لِلْآخَرِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَا يَجُوزُ النَّصْبُ إِذْ لَا تضمر أَن بعد ثمَّ وَأَجَازَهُ بن مَالِكٍ بِإِعْطَاءِ ثُمَّ حُكْمَ الْوَاوِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ دُونَ إِفْرَادِ أَحَدِهِمَا وَضَعَّفَهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْأَحْكَامِ الْمُتَعَدِّدَةِ لَفْظٌ وَاحِدٌ فَيُؤْخَذُ النَّهْيُ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ ثَبَتَتْ رِوَايَةُ النَّصْبِ وَيُؤْخَذُ النَّهْيُ عَنِ الْإِفْرَادِ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ.

.

قُلْتُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد النَّهْيَ عَنْهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَلَفْظُهُ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى تَنْجِيسِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لِأَنَّ الْبَوْلَ يُنَجِّسُ الْمَاءَ فَكَذَلِكَ الِاغْتِسَالُ وَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا مَعًا وَهُوَ لِلتَّحْرِيمِ فَيَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ فِيهِمَا وَرُدَّ بِأَنَّهَا دَلَالَةُ اقْتِرَانٍ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهَا فَلَا يَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنَ الْبَوْلِ لِئَلَّا يُنَجِّسَهُ وَعَنِ الِاغْتِسَالِ فِيهِ لِئَلَّا يَسْلُبَهُ الطَّهُورِيَّةَ وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الِانْغِمَاسِ فِيهِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَعْمَلًا فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْغَيْرِ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَالصَّحَابِيُّ أَعْلَمُ بِمَوَارِدِ الْخِطَابِ مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ غَيْرُ طَهُورٍ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَدِلَّة عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَاءِ الَّذِي لَا يَجْرِي فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ بَوْلِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَبُولَ فِي الْمَاءِ أَوْ يَبُولَ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ يَصُبَّهُ فِيهِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ إِلَّا التَّغَيُّرَ وَعَدَمَهُ وَهُوَ قَوِيٌّ لَكِنَّ الْفَصْلَ بِالْقُلَّتَيْنِ أَقْوَى لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ وَقَدِ اعْتَرَفَ الطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ اعْتَذَرَ عَنِ الْقَوْلِ بِهِ بِأَنَّ الْقُلَّةَ فِي الْعُرْفِ تُطْلَقُ عَلَى الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ كَالْجَرَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ مِنَ الْحَدِيثِ تَقْدِيرُهُمَا فَيكون مُجملا فَلَا يعْمل بِهِ وَقواهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَكِنِ اسْتَدَلَّ لَهُ غَيْرُهُمَا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ الْمُرَادُ الْقُلَّةُ الْكَبِيرَةُ إِذْ لَوْ أَرَادَ الصَّغِيرَةَ لَمْ يَحْتَجْ لِذِكْرِ الْعَدَدِ فَإِنَّ الصَّغِيرَتَيْنِ قَدْرُ وَاحِدَةٍ كَبِيرَةٍ وَيُرْجَعُ فِي الْكَبِيرَةِ إِلَى الْعُرْفِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِعَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَرَكَ تَحْدِيدَهُمَا عَلَى سَبِيلِ التَّوْسِعَةِ وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ بِأَنَّهُ مَا خَاطَبَ الصَّحَابَةَ إِلَّا بِمَا يَفْهَمُونَ فَانْتَفَى الْإِجْمَالُ لَكِنْ لِعَدَمِ التَّحْدِيدِ وَقَعَ الْخُلْفُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي مِقْدَارِهِمَا عَلَى تِسْعَةِ أَقْوَالٍ حَكَاهَا بن الْمُنْذِرِ ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْدِيدُهُمَا بِالْأَرْطَالِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ وَهُوَ قَوْلُ الْبَاقِينَ فِي الْكَثِيرِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ يُمكن حمله علىالتحريم مُطْلَقًا عَلَى قَاعِدَةِ سَدِّ الذَّرِيعَةِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى تَنْجِيسِ الْمَاءِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ كَذَا هُنَا وَفِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ وَكَذَا لمُسلم من طَرِيق بن سِيرِينَ وَكُلٌّ مِنَ اللَّفْظَيْنِ يُفِيدُ حُكْمًا بِالنَّصِّ وَحكما بالاستنباط قَالَه بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِلَفْظِ فِيهِ تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الِانْغِمَاسِ بِالنَّصِّ وَعَلَى مَنْعِ التَّنَاوُلِ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالرِّوَايَةَ بِلَفْظِ مِنْهُ بِعَكْسِ ذَلِكَ وَكُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ يَنْجُسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَة وَالله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ
( باب الماء الدائم) بالجر صفة للمضاف إليه أي الراكد ولفظ الباب ساقط عند الأصيلي ولابن عساكر باب البول في الماء الدائم، وللأصيلي: لا تبولوا في الماء الدائم.


[ قــ :235 ... غــ : 238 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ».
[الحديث 238 - أطرافه في: 876، 896، 2956، 3486، 6624، 6887، 7036، 7495] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) بتخفيف الميم الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( قال: أخبرنا) ولابن عساكر حدّثنا ( أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج حدّثه أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه ( أنه سمع) وللأصيلي قال: سمعت ولابن عساكر يقول: سمعت ( رسول الله) ولابن عساكر النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( نحن الآخرون) بكسر الخاء أي المتأخرون في الدنيا ( السابقون) أي المتقدمون في الآخرة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ البَولِ فِي الماءِ الدَّائِمِ)

أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الْبَوْل فِي المَاء الراكد، وَهُوَ الَّذِي لَا يجْرِي فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، بابُُ لَا تبولوا فِي المَاء الراكد وَفِي بعض النّسخ: بابُُ المَاء الدَّائِم، وَفِي بَعْضهَا، بابُُ الْبَوْل فِي المَاء الدَّائِم ثمَّ الَّذِي لَا يجْرِي، وَتَفْسِير الدَّائِم هُوَ: الَّذِي لَا يجْرِي وَذكر قَوْله: بعد ذَلِك الَّذِي لَا يجْرِي يكون تَأْكِيدًا لمعناه وَصفَة مُوضحَة لَهُ، وَقيل: للِاحْتِرَاز عَن راكد لَا يجْرِي بعضه كالبرك وَنَحْوهَا.
قلت: فِيهَا تعسف، وَالْألف وَاللَّام فِي المَاء، إِمَّا لبَيَان حَقِيقَة الْجِنْس أَو للْعهد الذهْنِي، وَهُوَ: المَاء الَّذِي يُرِيد الملكف التوضأ بِهِ والاغتسال مِنْهُ.

فَإِن قلت مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ؟ قلت: ظَاهر لِأَن الْبابُُ السَّابِق فِي بَيَان السّمن وَالْمَاء الَّذِي يَقع فِيهِ النَّجَاسَة، وَهَذَا أَيْضا فِي بَيَان المَاء الراكد الَّذِي يَبُول فِيهِ الرجل فيتقاربان فِي الحكم وَلم أجد مِمَّن اعتنى بشرح هَذَا الْكتاب أَن يذكر وُجُوه المناسبات بَين الْأَبْوَاب والكتب إلاَّ نَادرا.



[ قــ :235 ... غــ :238 ]
- حدّثنا أَبُو الْيَمَان قالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ قَالَ إأخبرنا أبُو الزِّنادِ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْهُ تَعَالَى أنَّهُ سَمِعَ رَسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول نحْنُ الآخَرُونَ السَّابِقُونَ

باسْنَادِهِ قَالَ لاَ يَبُولَنَّ احَدُكُمْ فِي الماءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسَلُ فِيهِ.

هَذَانِ حديثان مستقلان، ومطابقة الحَدِيث الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأما الْحِكْمَة فِي تَقْدِيم الحَدِيث الأول فقد اخْتلفُوا فِيهَا فَقَالَ ابْن بطال: يحْتَمل أَن يكون أَبُو هُرَيْرَة سمع ذَلِك من النَّبِي ت وَمَا بعده فِي نسق وَاحِد،.
فَحدث بهما جَمِيعًا وَيحْتَمل أَن يكون همام فعل ذَلِك لِأَنَّهُ سَمعهَا من أبي هُرَيْرَة وإلاَّ فَلَيْسَ فِي الحَدِيث مُنَاسبَة للتَّرْجَمَة.
قيل: فِي الِاحْتِمَال الأول نظر لتعذره.
وَلِأَنَّهُ مَا بلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حفظ عَنهُ أحد فِي مجْلِس وَاحِد مِقْدَار هَذِه النُّسْخَة صَحِيحا إِلَّا أَن يكون من الْوَصَايَا الْغَيْر الصَّحِيحَة، وَلَا يقرب من الصَّحِيح..
     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير: مَا حَاصله أَن هما مَا رَاوِيه، روى جملَة أَحَادِيث عَن أبي هُرَيْرَة استفتحها لَهُ أَبُو هُرَيْرَة بِحَدِيث نَحن الْآخرُونَ فَصَارَ همام كلما حدث عَن أبي هُرَيْرَة ذكر الْجُمْلَة من أَولهَا، وَتَبعهُ البُخَارِيّ فِي ذَلِك، وَكَذَلِكَ فِي مَوَاضِع أُخْرَى من كِتَابه فِي كتاب: الْجِهَاد والمغازي وَالْإِيمَان وَالنُّذُور وقصص الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، والاعتصام ذكر فِي أوائلها كلهَا نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير: هُوَ حَدِيث وَاحِد، فَإِذا كَانَ وَاحِدًا تكون الْمُطَابقَة فِي آخر الحَدِيث.
وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لَو كَانَ وَاحِدًا لما فَصله البُخَارِيّ بقوله: ( وبأسناده) وَأَيْضًا فَقَوله: نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ طرف من حَدِيث مَشْهُور فِي ذكر يَوْم الْجُمُعَة لَو رَاعى البُخَارِيّ مَا ادَّعَاهُ لساق الْمَتْن بِتَمَامِهِ، وَيُقَال: الْحِكْمَة فِي هَذَا أَن حَدِيث نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ، أول الحَدِيث فِي صحيفَة همام عَن أبي هُرَيْرَة، وَكَانَ همام إِذا رُؤِيَ الصَّحِيفَة استفتج بِذكر، ثمَّ سرد الْأَحَادِيث، فواقه البُخَارِيّ هَاهُنَا وَيُقَال: الْحِكْمَة فِيهِ أَن من عَادَة الْمُحدثين ذكر الحَدِيث جملَة لتَضَمّنه مَوضِع الدّلَالَة الْمَطْلُوبَة، وَلَا يكون مَا فِيهِ مَقْصُودا بالاستدلال، وَإِنَّمَا جَاءَ تبعا لموْضِع الدَّلِيل وَفِيه نظر، وَلَا يخفى.

وَقَالَ الْكرْمَانِي قَالَ بعض عُلَمَاء الْعَصْر: إِن قيل: مَا مُنَاسبَة صدر الحَدِيث لآخرة؟ قُلْنَا: وَجهه أَن هَذِه الْأمة آخر من يدْفن من الْأُمَم، وَأول من يخرج مِنْهَا لِأَن الأَرْض لَهُم وعَاء والوعاء آخر مَا يوضع فِيهِ، وَأول مَا يخرج مِنْهُ فَكَذَلِك المَاء الراكد.
آخر مَا يَقع فِيهِ من الْبَوْل أول مَا يُصَادف أَعْضَاء المتطهر مِنْهُ، فَيَنْبَغِي أَن يجْتَنب ذَلِك وَلَا يَفْعَله قلت فِيهِ: جر الثقيل وَلَا يشفي العليل.

بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو الْيَمَان، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم: هُوَ الحكم بن نَافِع.
الثَّانِي: شُعَيْب ابْن أبي حَمْزَة، وَكِلَاهُمَا تقدما فِي قصَّة هِرقل.
الثَّالِث: والزناد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف النُّون: عبد لله بن ذكْوَان.
الرَّابِع: الْأَعْرَج، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، والأعرج صفته تقدما فِي بابُُ: حب الرَّسُول من الْإِيمَان.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.

بَيَان لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موصع، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه: الْأَخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين حمصي ومدني.
وَفِيه: فِي بعض النّسخ أخبرنَا أَبُو الزِّنَاد أَن الْأَعْرَج وَفِي بَعْضهَا: حَدثنَا أَبُو الزِّنَاد أَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج وَفِيه: كَمَا ترى أَن شعيباً روى عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج وَوَافَقَهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن أبي الزِّنَاد.
وَكَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ.
وَرَوَاهُ أَكثر أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة عَنهُ عَن أبي الزِّنَاد عَن مُوسَى بن أبي عُثْمَان عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَمن هَذَا الْوَجْه أخرجه النَّسَائِيّ، وَكَذَا أخرجه من طَرِيق النَّوَوِيّ عَن أبي الزِّنَاد، والطَّحَاوِي من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه، والطريقان صَحِيحَانِ وَلأبي الزِّنَاد فِيهِ شَيْخَانِ وَلَفْظهمَا فِي سِيَاق الْمَتْن مُخْتَلف فِيهِ.

وَأخرجه الطَّحَاوِيّ من عشر طرق: الأول: حَدثنَا صَالح عبد الرحمان بن عَمْرو الْحَارِث الْأنْصَارِيّ، وَعلي بن شيبَة بن الصلات الْبَغْدَادِيّ قَالَا حَدثنَا عبد الله بن يزِيد المقرىء، قَالَ: سَمِعت ابْن عون يحدث عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة.
قَالَ: نهى أَو نهيّ أَن يَبُول الرجل فِي المَاء الدَّائِم، أَو الراكد ثمَّ يتَوَضَّأ مِنْهُ أَو يغْتَسل فِيهِ.
الطَّرِيق الثَّانِي: حَدثنَا عَليّ بن سعيد بن نوح الْبَغْدَادِيّ، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن بكر السَّهْمِي، قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( لَا يَبُول أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم الَّذِي لَا يجْرِي ثمَّ يغْتَسل فِيهِ) وَأخرجه مُسلم بِنَحْوِهِ.
الطَّرِيق الثَّالِث: حَدثنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبرنِي أنس بن عِيَاض اللَّيْثِيّ عَن الْحَارِث بن أبي ذياب، وَهُوَ رجل من الأزد، عَن عَطاء بن مينا عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم ثمَّ يتَوَضَّأ مِنْهُ أَو يشرب) وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ إِسْنَادًا ومتناً.
الطَّرِيق الرَّابِع: حَدثنَا يُونُس، قَالَ: أَخْبرنِي عبد الله بن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث أَن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج حَدثهُ أَن أَبَا السَّائِب، مولى هِشَام بن زهرَة؟ حَدثهُ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا يغْتَسل أحدكُم فِي المَاء، الدَّائِم وَهُوَ جنب فَقَالَ: كَيفَ تفعل يَا أَبَا هُرَيْرَة؟ فَقَالَ: يتَنَاوَلهُ تناولاً) وَأخرجه ابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) نَحوه عَن عبد الله بن مُسلم عَن جرملة بن يحيى عَن عبد الله بن وهب إِلَى آخِره.
الطَّرِيق الْخَامِس: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن الحكم ابْن أبي مَرْيَم، قَالَ: أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، قَالَ: حَدثنِي أبي عَن مُوسَى بن أبي عُثْمَان عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم الَّذِي لَا يجْرِي ثمَّ يغْتَسل مِنْهُ) وَلم يعرف قَاسم اسْم: أبي مُوسَى، الْمَذْكُور وَتَركه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ.
الطَّرِيق السَّادِس وَالسَّابِع: حَدثنَا حسن بن نَص الْبَغْدَادِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان ( ح) وَحدثنَا فهر، قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم، قَالَ: سُفْيَان عَن أبي الزِّنَاد، الطَّرِيق الثَّامِن: حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان الْمرَادِي الْمُؤَذّن قَالَ: حَدثنَا أَسد بن مُوسَى قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن لهيفة قَالَ: فَذكر بِإِسْنَادِهِ مثله، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، قَالَ: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم الَّذِي لَا يَتَحَرَّك ثمَّ يغْتَسل مِنْهُ) .
الطَّرِيق التَّاسِع: حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان الجيزي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو زرْعَة وَهبة الله بن رَاشد، قَالَ: أخبرنَا حَيْوَة بن شُرَيْح، قَالَ: سَمِعت ابْن عجلَان يحدث عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الراكد وَلَا يغْتَسل فِيهِ) .
الطَّرِيق الْعَاشِر: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن منقذ الْعُصْفُرِي؟ قَالَ: حَدثنِي إِدْرِيس بن يحيى، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن عَبَّاس عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله، غير أَنه قَالَ: ( وَلَا يغْتَسل فِيهِ جنب) .
بَيَان تعدد مَوْضِعه من أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ كَمَا ترى عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة.
وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن ابْن عجلَان عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث جَابر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه: ( نهى أَن يبال فِي المَاء الراكد) .
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا وَابْن مَاجَه وَالطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الناقع) .

بَيَان لغته وَمَعْنَاهُ قَوْله: ( وَنحن الْآخرُونَ) بِكَسْر الْحَاء جمع الآخر، بِمَعْنى الْمُتَأَخر، يذكر فِي مُقَابلَة الأول، وَبِفَتْحِهَا جمع الآخر، أفعل التَّفْصِيل، وَهَذَا الْمَعْنى أَعم من الأول، وَالرِّوَايَة بِالْكَسْرِ فَقَط، وَمَعْنَاهُ نَحن الْمُتَأَخّرُونَ فِي الدُّنْيَا المتقدمون فِي يَوْم الْقِيَامَة.
قَوْله: ( وبإسناده) الضَّمِير يرجع إِلَى الحَدِيث أَي: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله: ( لَا يبولن) ، بِفَتْح اللَّام وبنون التَّأْكِيد الثَّقِيلَة.
وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: ( لَا يَبُول) ، بِغَيْر نون التَّأْكِيد.
قَوْله: ( فِي المَاء الدَّائِم) من دَامَ الشَّيْء يَدُوم ويدام، قَالَ الشَّاعِر:
( يَا مي لَا غرو وَلَا ملاماً ... فِي الْحبّ أَن الْحبّ لن يداما)

وديماً ودواماً وديمومة قَالَه ابْن سَيّده وَأَصله الاستدارة، وَذَلِكَ أَن أَصْحَاب الهندسة يَقُولُونَ إِن المَاء إِذا كَانَ بمَكَان فَإِنَّهُ يكون مستديراً فِي الشكل، وَيُقَال الدَّائِم الثَّابِت الْوَاقِف الَّذِي لَا يجْرِي.
وَقَوله: ( لَا يجْرِي) إِيضَاح لمعناه وتأكيد لَهُ وَيُقَال: الدَّائِم الراكد، جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات: وَفِي ( تَارِيخ نيسابور) المَاء الراكد الدَّائِم.
وَيُقَال: احْتَرز بقوله: ( الَّذِي لَا يجْرِي) عَن راكد يجْرِي بعضه، كالبرك وَقيل: احْتَرز بِهِ عَن المَاء الدائر لِأَنَّهُ جَار من حَيْثُ الصُّورَة، سَاكن من حَيْثُ الْمَعْنى.
قَوْله: ( ثمَّ يغْتَسل) يجوز فِيهِ الْأَوْجه الثَّلَاثَة الْجَزْم عطفا على: ( لَا يبولن) لِأَنَّهُ مجزوم الْموضع بِلَا الَّتِي للنَّهْي، وَلكنه بني على الْفَتْح لتوكيده بالنُّون.
وَالرَّفْع: تَقْدِير ثمَّ هُوَ يغْتَسل فِيهِ.
وَالنّصب: على إِضْمَار أَن وَإِعْطَاء، ثمَّ حكم وَاو الْجمع وَنَظِيره فِي الْأَوْجه الثَّلَاثَة قَوْله تَعَالَى: { ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت} ( النِّسَاء: 100) إغاثة قرىء بِالْجَزْمِ، وَهُوَ الَّذِي قرأنه السَّبْعَة، وبالرفع وَالنّصب على الشذوذ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ لَا يجوز النصب لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن الْمنْهِي عَنهُ الْجمع بَينهمَا دون إِفْرَاد أَحدهمَا.
وَهَذَا لم يقلهُ أحد، بل الْبَوْل فِيهِ مَنْهِيّ عَنهُ سَوَاء أَرَادَ الِاغْتِسَال فِيهِ أَو مِنْهُ أم لَا، وَلَا يَقْتَضِي الْجمع إِذْ لَا يُرِيد بتشبيه، ثمَّ بِالْوَاو المشابهة من جَمِيع الْوُجُوه بل جَوَاز النصب بعده فَقَط سلمنَا لَكِن لَا يضر إِذْ كَون الْجمع يعلم من حَقنا وَكَون الْأَفْرَاد مَنْهِيّا من دَلِيل آخر كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتموا الْحق} ( الْبَقَرَة: 42) على تَقْدِير النصب.
قَوْله: ( فِيهِ) أَي: فِي المَاء الدَّائِم الَّذِي لَا يجْرِي، وَتفرد البُخَارِيّ بِلَفْظ فِيهِ، أَو فِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد ( ثمَّ يغْتَسل مِنْهُ) كَمَا فِي رِوَايَة غَيره مِنْهُ بِكَلِمَة من وَلَك وَاحِد من اللَّفْظَيْنِ يُفِيد حكما بِالنَّصِّ، وَحكما بالاستنباط.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: احْتج بِهِ أَصْحَابنَا.
أَن المَاء الَّذِي لَا يبلغ الغدير الْعَظِيم إِذا وَقعت فِيهِ نَجَاسَة لم يجز الْوضُوء بِهِ، قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا، وعَلى أَن الْقلَّتَيْنِ تحمل النَّجَاسَة لِأَن الحَدِيث مُطلق فبإطلاقه يتَنَاوَل الْقَلِيل وَالْكثير، والقلتين وَالْأَكْثَر مِنْهُمَا.
وَلَو قُلْنَا: إِن الْقلَّتَيْنِ لَا تحمل النَّجَاسَة لم يكن للنَّهْي فَائِدَة على أَن هَذَا أصح من حَدِيث الْقلَّتَيْنِ.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة وَدَلِيلنَا حَدِيث الْقلَّتَيْنِ، وَحَدِيث بِئْر بضَاعَة، وَهَذَانِ نَص فِي خلاف مَا ذهب إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة.

     وَقَالَ  أَيْضا بِئْر بضَاعَة لَا تبلغ إِلَى الْحَد الَّذِي يمْنَع التنجس عِنْدهم قلت: لَا نسلم أَن هذَيْن الْحَدِيثين نصر فِي خلاف مَذْهَبنَا، أما حَدِيث الْقلَّتَيْنِ فَلِأَنَّهُ وَإِن كَانَ بَعضهم صَححهُ فَإِنَّهُ مُضْطَرب سنداً ومتناً والقلة فِي نَفسهَا مَجْهُولَة وَالْعَمَل بِالصَّحِيحِ الْمُتَّفق عَلَيْهِ أقوى وَأقرب وَأما حَدِيث بِئْر بضَاعَة فَإنَّا نعمل بِهِ فَإِن ماءها كَانَ جَارِيا وَقَوله: وبئر بضَاعَة لَا تبلغ إِلَى آخِره غير صَحِيح لِأَن الْبَيْهَقِيّ رُوِيَ عَن الشَّافِعِي أَن بِئْر بضَاعَة كَانَت كَثِيرَة المَاء وَاسِعَة، وَكَانَ يطْرَح فِيهَا من الأنجاس مَا لَا يُغير لَهَا لوناً وَلَا ريحًا وَلَا طعماً فَإِن قَالُوا: حديثكم عَام فِي كل مَاء، وحديثنا خَاص فِيمَا يبلغ الْقلَّتَيْنِ، وَتَقْدِيم الْخَاص على الْعَام مُتَعَيّن، كَيفَ وحديثكم لَا بُد من تَخْصِيصه، فَإِنَّكُم وافقتمونا على تَخْصِيص المَاء الْكثير الَّذِي يزِيد على عشرَة أَذْرع وَإِذا لم يكن بُد من التَّخْصِيص فالتخصيص بِالْحَدِيثِ أولى من التَّخْصِيص بِالرَّأْيِ من غير أصل يرجع إِلَيْهِ، وَلَا دَلِيل يعْتَمد عَلَيْهِ.
قُلْنَا: لَا تسلمك أَن تَقْدِيم الْخَاص على الْعَام مُتَعَيّن، بل الظَّاهِر من مهب أبي حنيفَة، رَضِي الله عَنهُ تَرْجِيح الْعَام على الْخَاص فِي الْعَمَل بِهِ، كَمَا فِي حديثكم حَرِيم لئر الناضح فَإِنَّهُ رجح قَوْله: عَلَيْهِ السَّلَام: من حفر بِئْرا فَلهُ مِمَّا حولهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعا على الْخَاص الْوَارِد فِي بِئْر الناضح أَنه سِتُّونَ ذِرَاعا وَرجح قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مَا أخرجت الأَرْض فَفِيهِ الْعشْر) على الْخَاص الْوَارِد بقوله: ( لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صدقه) وَنسخ الْخَاص بِالْعَام، قَوْلهم: التَّخْصِيص بِالْحَدِيثِ أولى من التَّخْصِيص بِالرَّأْيِ قُلْنَا: هَذَا إِنَّمَا يكون إِذا كَانَ الحَدِيث الْمُخَصّص غير مُخَالف للْإِجْمَاع، وَحَدِيث الْقلَّتَيْنِ خير آحَاد ورد مُخَالفا لإِجْمَاع الصَّحَابَة فَيرد بَيَانه أَن ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير رَضِي الله عَنْهُم فتيا فِي زنجي وَقع فِي بِئْر زَمْزَم، بنزج المَاء كُله، وَلم يظْهر أَثَره فِي المَاء، وَكَانَ المَاء أَكثر من قُلَّتَيْنِ، وَذَلِكَ بِمحضر من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَلم يُنكر عَلَيْهِمَا أحد مِنْهُم، فَكَانَ إِجْمَاعًا وَخبر الْوَاحِد إِذا ورد مُخَالفا للْإِجْمَاع يرد، يدل عَلَيْهِ أَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ قَالَ: لَا يثبت هَذَا الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكفى بِهِ قدوة فِي هَذَا الْبابُُ.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد، لَا يكَاد يَصح لوَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ حَدِيث عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، فِي تَقْدِير المَاء..
     وَقَالَ  صَاحب ( الْبَدَائِع) وَلِهَذَا رَجَعَ أَصْحَابنَا فِي التَّقْدِير إِلَى الدَّلَائِل الحسية دون الدَّلَائِل السمعية.

الثَّانِي: اسْتدلَّ بِهِ أَبُو يُوسُف على نَجَاسَة المَاء الْمُسْتَعْمل، فَإِنَّهُ قرن بَين الْغسْل فِيهِ وَالْبَوْل فِيهِ، وَأما الْبَوْل فِيهِ فينجسه، فَكَذَلِك الْغسْل فِيهِ وَفِي دلَالَة الْقرَان بَين الشَّيْئَيْنِ على استوائهما فِي الحكم خلاف بَين الْعلمَاء فالمذكور عَن أبي يُوسُف والمزني ذَلِك، وَخَالَفَهُمَا غَيرهمَا.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَاسْتدلَّ بِهِ بعض الْحَنَفِيَّة على تنجس المَاء الْمُسْتَعْمل، لِأَن الْبَوْل ينجس المَاء، فَكَذَلِك الِاغْتِسَال، وَقد نهى عَنْهُمَا مَعًا، وَهُوَ التَّحْرِيم، فَدلَّ على أَن النَّجَاسَة فيهمَا ثَابِتَة، ورد بِأَنَّهَا دلَالَة قرَان وَهِي ضَعِيفَة قلت: هَذَا عجب مِنْهُ، فَإِنَّهُ إِذا كَانَت دلَالَة الاقتران صَحِيحَة عِنْده، فبقوله: وَهِي ضَعِيفَة، يرد على قَائِله: على أَن مَذْهَب أَكثر أَصْحَاب إِمَامه مثل مَذْهَب بعض الْحَنَفِيَّة، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: وعَلى تَقْدِير تَسْلِيمهَا قد يلْزم التَّسْوِيَة، فَيكون النَّهْي عَن الْبَوْل لِئَلَّا يُنجسهُ، وَعَن الِاغْتِسَال فِيهِ لِئَلَّا يسلبه الطّهُورِيَّة قلت: هَذَا أعجب من الأول، لِأَنَّهُ تحكم حَيْثُ لَا يفهم هَذِه التَّسْوِيَة من نظم الْكَلَام، وَالَّذِي احْتج بِهِ فِي نَجَاسَة المَاء الْمُسْتَعْمل يَقُول بالتسوية من نظم الْكَلَام.

الثَّالِث: النَّوَوِيّ زعم أَن النَّهْي الْمَذْكُور فِيهِ للتَّحْرِيم فِي بعض الْمِيَاه، وَالْكَرَاهَة فِي بَعْضهَا، فَإِن كَانَ المَاء كثيرا جَارِيا لم يحرم الْبَوْل فِيهِ لمَفْهُوم الحَدِيث، وَلَكِن الأولى اجتنابه، وَإِن كَانَ قَلِيلا جَارِيا فقد قَالَ جمَاعَة من أَصْحَابنَا: يكره، وَالْمُخْتَار أَنه يحرم، لِأَنَّهُ يقذره وينجسه على الْمَشْهُور من مَذْهَب الشَّافِعِي، وَإِن كَانَ كثيرا راكداً فَقَالَ أَصْحَابنَا يكره وَلَا يحرم وَلَو قيل يحرم لم يكن بَعيدا وَأما الراكد الْقَلِيل فقد أطلق جمَاعَة من أَصْحَابنَا أَنه مَكْرُوه، وَالصَّوَاب الْمُخْتَار: أَنه حرَام، والتغوط فِيهِ كالبول فِيهِ، وأقبح، وَكَذَا أذا بَال فِي إِنَاء ثمَّ صبه فِي المَاء قلت: زعم النَّوَوِيّ أَنه من بابُُ اسْتِعْمَال اللَّفْظ اسْتِعْمَال اللَّفْظ الْوَاحِد فِي مَعْنيين مُخْتَلفين، وَفِيه من الْخلاف مَا هُوَ مَعْرُوف عِنْد أهل الْأُصُول.

الرَّابِع: أَن هَذَا الحَدِيث عَام فَلَا بُد من تَخْصِيصه اتِّفَاقًا بِالْمَاءِ المتبحر الَّذِي لَا يَتَحَرَّك أحد طَرفَيْهِ بتحريك الطّرف الآخر، أَو بِحَدِيث الْقلَّتَيْنِ كَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي، وبالعمومات الدَّالَّة على طهورية المَاء مَا لم تَتَغَيَّر أحد أَوْصَافه الثَّلَاثَة كَمَا ذهب إِلَيْهِ مَالك رَحمَه الله..
     وَقَالَ  بَعضهم: الْفَصْل بالقلتين أقوى لصِحَّة الحَدِيث فِيهِ، وَقد اعْترف الطَّحَاوِيّ من الْحَنَفِيَّة بذلك، لكنه أعْتَذر عَن القَوْل بِهِ بِأَن الْقلَّة فِي الْعرف تطلق على الْكَبِيرَة وَالصَّغِيرَة، كالجرة وَلم يثبت فِي الحَدِيث تقديرهما، فَيكون مُجملا فَلَا يعْمل بِهِ، وَقواهُ ابْن دَقِيق الْعِيد.
قلت: هَذَا الْقَائِل أدعى ثمَّ أبطل دَعْوَاهُ بِمَا ذكره فَلَا يحْتَاج إِلَى ود كَلَامه بِشَيْء آخر.

الْخَامِس: فِيهِ ذليل على تَحْرِيم الْغسْل وَالْوُضُوء بِالْمَاءِ النَّجس.

السَّادِس: فِيهِ التَّأْدِيب بالتنزه ومختص ببول نسفه، لغير البائل أَن يتَوَضَّأ بِمَا بَال فِيهِ غَيره، أَيْضا للبائل إِذا بَال فِي إِنَاء ثمَّ صبه فِي المَاء أَو بَال بِقرب المَاء ثمَّ جرى إِلَيْهِ، وَهَذَا من أقبح مَا نقل عَنهُ.

السَّابِع: أَن الْمَذْكُور فِيهِ الْغسْل من الْجَنَابَة، فَيلْحق بِهِ الِاغْتِسَال من الْحَائِض وَالنُّفَسَاء، وَكَذَلِكَ يحلق بِهِ اغتسال الْجُمُعَة، والاغتسال من غسل الْمَيِّت عِنْد من يُوجِبهَا.
قلت: هَل يلْحق بِهِ الْغسْل الْمسنون أم لَا؟ قلت: من اقْتصر على اللَّفْظ فَلَا إِلْحَاق عِنْده كَأَهل الظَّاهِر، وَأما من يعْمل بِالْقِيَاسِ فَمن زعم أَن الْعلَّة الِاسْتِعْمَال فالإلحاق صَحِيح، وَمن زعم أَن الْعلَّة رفع الْحَدث فَلَا إِلْحَاق عِنْده، فَاعْتبر بِالْخِلَافِ الَّذِي بَين أبي يُوسُف وَمُحَمّد فِي كَون المَاء مُسْتَعْملا.

الثَّامِن: فِيهِ دَلِيل على نَجَاسَة الْبَوْل.