2586 وحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيُّ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانَا فَأَذِنَ لَنَا فِي الْمُتْعَةِ |
2586 وحدثني أمية بن بسطام العيشي ، حدثنا يزيد يعني ابن زريع ، حدثنا روح يعني ابن القاسم ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد ، عن سلمة بن الأكوع ، وجابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا فأذن لنا في المتعة |
شرح الحديث من فـــتح المــــنعم
عن سلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا، فأذن لنا في المتعة.
المعنى العام
يقول الله تعالى { { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } } [الروم: 21].
هذه حكمة الله في التشريع أن يجعل بين الزوجين استقراراً وسكناً ورحمة، تطول العشرة فيكون منها البنون والحفدة، فكان عقد الزواج عقداً قائماً دون حدود تحده بزمن أو مكان، وهكذا كان الزواج منذ شرعه الله للخليقة، مفتوح النهاية، لا يقطعه إلا أحد الأمرين، الطلاق أو الوفاة، وفي معنى الطلاق الفرقة الشرعية، لكن ظروفاً طرأت على المسلمين في أول الإسلام وفي أسفارهم البعيدة عن الأزواج، بالغزو ونحوه، وهم عرب، بلادهم حارة، كثيرو الرغبة في النساء، ومعظم الغزاة من الشباب، الذين لا يطيقون الثورة الشهوانية، ولا يستطيعون أن يستصحبوا نساءهم في الغزو، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات: يا رسول الله، ألا نستخصي؟ أتسمح لنا بالخصي، لنقضي بذلك على ما نحن عليه من شبق ورغبة جامحة؟ فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، لكنه صلى الله عليه وسلم أهمه الأمر وأقلقه، وهو يقدر الحالة، ويعز عليه عنتهم ومشقتهم، ويعذر الشباب، وكان الشرع الرحيم بالأمة، على لسان الحريص عليهم، الرءوف بالمؤمنين، أن أرسل مناديه ينادي في جيش المسلمين: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لكم أن تستمتعوا متعة النساء فكان الواحد يستمتع بامرأة ليلة أو أقل أو أكثر بقبضة من شعير أو قبضة من تمر، وكان الواحد منهم يستمتع بامرأة برداء أياماً، ولما انتهت الضرورة والحاجة إلى المتعة حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا جاءت الضرورة إليها في فتح مكة، رخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها لمدة ثلاثة أيام، وهي فترة كافية لتهدئة الثورة الشهوانية، ثم نهى عنها، وحرمها تحريماً أبدياً إلى يوم القيامة، وأعلن هذا القرار وهذا الحكم بمكة، ولكنه لم يبلغ بعض المسلمين، فظل على اعتقاد حل المتعة زمناً، ظل يفتي بإباحتها أيام أبي بكر وعمر، فلما علم عمر بذلك غضب، وخطب الناس، وحذر وخوف وأوعد، كان شديداً يخافه شعبه، فانتهى من لم يبلغه نهي النبي صلى الله عليه وسلم انتهى بنهي عمر رضي الله عنه.
وأجمع المسلمون على تحريم نكاح المتعة ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا الرافضة من الشيعة الذين ظلوا إلى اليوم يبيحونها.
فالحمد لله الذي أتم نعمته، وأكمل دينه، والحمد لله الذي أحل الحلال وحرم الحرام، وفي الحلال كفاية وراحة للمؤمنين.
المباحث العربية
( عن عبد الله) أي ابن مسعود رضي الله عنه.
( كنا نغزو...ليس لنا نساء) أي ليس معنا نساؤنا، أي ليس لنا نساء مصاحبات لنا.
( ألا نستخصي؟) دفعهم إلى هذا المطلب أنهم كانوا شباباً في قوة مع عزوبة، فأرادوا كسر الشهوة بذلك.
( ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل) أي بالثوب وغيره مما نتراضى به وفي الرواية الخامسة كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق والقبضة بضم القاف وسكون الباء، وبفتح القاف، والضم أفصح.
قال الجوهري: القبضة بالضم ما قبضت عليه من الشيء، يقال: أعطاه قبضة من سويق أو تمر.
قال: وربما فتح، وفي الرواية الثامنة وما بعدها كان المهر البرد -كما سيأتي- وهو الثوب.
( ثم قرأ { { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } } [المائدة: 87]) قال النووي: في قراءته الآية إشارة إلى أنه كان يعتقد إباحتها، كابن عباس، وأنه لم يكن بلغه النسخ.
( خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال....
) في الرواية الثالثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا....
قال النووي: أتانا يحمل على المجاز، أي أتانا رسول الله ومناديه، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم مر عليهم، فقال لهم ذلك بلسانه.
قال الحافظ: ويشبه أن يكون المراد بمنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً.
( يعني متعة النساء) قال القاضي: واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحاً -أي زواجاً- إلى أجل، لا ميراث فيها، وفراقها يحصل بانقضاء الأجل، من غير طلاق.
( رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً) أي ثلاث ليال، أي كانت المدة بين الترخيص بها، وبين النهي عنها ثلاث ليال، وأوطاس واد بالطائف، يصرف، ولا يصرف، فمن صرفه أراد المكان، ومن لم يصرفه أراد البقعة، وأكثر استعمالهم له غير مصروف.
وكانت غزوة أوطاس مع فتح مكة في عام واحد، كان فتح مكة في رمضان، وغزوة أوطاس في شوال.
( كأنها بكرة عيطاء) البكرة الفتية من الإبل، أي الشابة القوية، والعيطاء بفتح العين وإسكان الياء بعدها طاء هي الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام، والعيط بفتح العين طول العنق، وفي الرواية التاسعة مثل البكرة العنطنطة بفتح العين بعدها نون مفتوحة ثم طاء ساكنة، ثم نون مفتوحة، ثم طاء، وهي كالعيطاء، وقيل: هي الطويلة فقط، والمشهور الأول.
( فعرضنا عليها أنفسنا) في الرواية الثانية عشرة فخطبناها إلى نفسها وفي الرواية التاسعة فقلنا: هل لك أن يستمتع منك أحدنا؟.
( فقالت: ما تعطي؟ فقلت: ردائي.
وقال صاحبي: ردائي) أي وقالت لصاحبي: ما تعطي؟ فقال: ردائي، وكأنها سألتهما واحداً واحداً، لكن في الرواية التاسعة قالت: وما تبذلان؟ فنشر كل منا برده.
( وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشب منه) أي أحسن شباباً منه، وفي الرواية التاسعة ولي عليه فضل في الجمال، وهو قريب من الدمامة -بفتح الدال، وهي القبح -مع كل منا برد، فبردي خلق -بفتح اللام أي قريب من البالي- وأما برد ابن عمي فبرد جديد غض أي طري ناعم جيد، وفي ملحق الرواية التاسعة إن برد هذا خلق مح أي قال ابن العم الدميم يبغض في برد الشاب الجميل: إن برد الشاب قديم بال والمح بميم مفتوحة وحاء مشددة البالي، كما قال في الرواية التاسعة إن برد هذا خلق، وبردي جديد غض.
( فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إلي أعجبتها، ثم قالت: أنت ورداؤك يكفيني) أنت خبر مبتدأ محذوف تقديره: المختار أنت، أو المقبول أنت.
وجملة ورداؤك يكفيني معطوفة، هذا الإعراب خير من جعل يكفيني متنازعاً بين الضمير والرداء، لأنه لا يليق أن تقول له: أنت يكفيني، وفي الرواية التاسعة فجعلت تنظر إلى الرجلين، ويراها صاحبي تنظر إلى عطفها -والعطف بكسر وسكون الطاء الجانب، وقيل: من رأسها إلى وركها، أي جعل صاحبي ينظر إلى جمالها، ويتمناها لنفسه- فتقول: برد هذا لا بأس به.
ثلاث مرار أو مرتين وفي ملحق الرواية التاسعة قالت: وهل يصلح ذاك؟ والاستفهام.
إنكاري بمعنى النفي، أي قالت للجميل مشيرة إلى الدميم: لا يصلح لي ذاك، واختارت الجميل، وفي الرواية الثامنة عشرة وجعلت تنظر فتراني أجمل من صاحبي، وترى برد صاحبي أحسن من بردي، فآمرت نفسها ساعة -أي شاورت نفسها فترة من الزمن، آمرت بمد الهمزة، ومنه قوله تعالى { { إن الملأ يأتمرون بك } } [القصص: 20].
- ثم اختارتني.
( فمكثت معها ثلاثاً) في الرواية الثانية عشرة فكن معنا ثلاثاً، ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقهن بضمير جمع النسوة، فيحتمل أنه يتحدث عن نفسه وعن ابن عمه الذي تمتع بأخرى وأن سبرة تمتع أيضاً بأخرى ليصح أنه تمتع ببردين أحمرين، كما جاء في آخر الرواية الخامسة عشرة، إذ يقول ابن شهاب أن سبرة قال: استمتعت امرأة من بني عامر ببردين أحمرين أي امرأة وأخرى ببردين، ويحتمل أن يكون الجمع ما فوق الواحد على قول من يقول ذلك، وأنه أراد نفسه وابن عمه، والمعنى: استمتعت امرأة من بني عامر واستمتع ابن عمي أيضاً امرأة من بني عامر ببردين أحمرين.
( من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخل سبيلها) قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ التي يتمتع بفتح الياء والتاء والميم وتشديد التاء الثانية، مبني للمعلوم، أي يتمتع هو بها، فليخل سبيلها بضم الياء وفتح الخاء، مضارع خلى بتشديد اللام.
( فأقمنا بها خمس عشرة ثلاثين بين ليلة ويوم) أي أقمنا بمكة خمس عشرة ليلة بخمسة عشرة يوماً، فمجموع ليلها ونهارها ثلاثون.
( فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فلم أخرج من عندها حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مدة إقامته عندها ثلاث ليال، كما جاء في الرواية الثامنة، ولفظها فمكثت معها ثلاثاً وفي الرواية الثانية عشرة فكن معنا ثلاثاً، ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقهن.
( بين الركن والباب) أي بين ركن الحجر الأسود وباب الكعبة، وهو المكان المعروف باسم الملتزم.
( إن ناساً أعمى الله قلوبهم) أي بعدم الاهتداء إلى الحق.
( كما أعمى أبصارهم...يعرض برجل) يعرض بابن عباس -رضي الله عنهما- وكان قد عمي في آخر عمره.
( فناداه) أي نادى ابن عباس ابن الزبير، فقال له:
( إنك لجلف جاف) الجلف بكسر الجيم وسكون اللام هو الجافي، وعلى هذا فلفظ جاف تأكيد، والجافي هو غليظ الطبع، قليل الفهم والعلم والأدب، ووصفه ابن عباس بذلك لفظاعة وصفه السابق لابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
( لئن فعلتها) أي لئن تمتعت بعد أن أبلغتك إن كنت لم يبلغك النسخ من قبل.
( لأرجمنك بأحجارك) أي كنت زانياً ورجمتك بأحجار الزاني.
( خالد بن المهاجر بن سيف الله) سيف الله هو خالد بن الوليد رضي الله عنه، سماه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه كان منتصراً على أعداء الله.
( بينا هو جالس عند الرجل) يعني ابن عباس، وصرح به البيهقي في روايته.
( فأمره بها) أي فرخص له فيها، كما جاء في بعض الروايات.
( مهلاً) أي تمهل يا ابن عباس في هذه الفتوى، وادرسها فليس أمرها كما ذكرت.
( قال: ما هي) أي ما هي المشكلة في فتواي؟.
( إنها كانت رخصة...إلخ) حاصل كلام ابن أبي عمرة التسليم بأنها فعلت في عهد إمام المتقين صلى الله عليه وسلم، لكنها كانت رخصة، ثم نهى عنها، ورفعت الرخصة، وأحكم الله دينه.
( نهى عن متعة النساء، يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الأهلية) وفي الرواية التاسعة عشرة والمتممة للعشرين الحمر الإنسية قال النووي: ضبطوه بوجهين.
أحدهما كسر الهمزة وإسكان النون، والثاني فتحهما جميعاً، صرح القاضي عياض بترجيح الفتح، وأنه رواية الأكثرين.
وظاهر من العبارة أن يوم خيبر ظرف للنهي عن المتعة وعن أكل لحوم الحمر الأهلية، وليس في هذا أنه كان مرخصاً بالمتعة، فكل ما يفيده، وقوع النهي عنها زمن خيبر.
لكن قال السهيلي: يتصل بهذا الحديث تنبيه على إشكال، لأن فيه النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر، وهذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر.
قال: فالذي يظهر أنه وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهري -راوي الحديث- فالنهي زمن خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية، وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر.
قال ابن عبد البر: وعلى هذا أكثر الناس، وقال أبو عوانة في صحيحه: سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث علي أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر، وأما المتعة فسكت عنها، وإنما نهى عنها يوم الفتح.
اهـ قال الحافظ: والحامل لهؤلاء على هذا ما ثبت من الرخصة فيها بعد زمن خيبر، لكن يمكن الانفصال عن ذلك بأن علياً لم تبلغه الرخصة فيها يوم الفتح، لوقوع النهي عنها عن قرب.
( قال لفلان: إنك رجل تائه) فلان كناية عن ابن عباس، ففي الرواية التاسعة عشرة تصريح باسمه، وفي البخاري أن علياً قيل له: إن ابن عباس لا يرى بمتعة النساء بأساً وعند الدارقطني أن علياً سمع ابن عباس وهو يفتي في متعة النساء.
فقال....
وعند سعيد بن منصور أن علياً مر بابن عباس وهو يفتي في متعة النساء أنه لا بأس بها... والتائه الحائر، الذاهب عن الطريق المستقيم.
فقه الحديث
قال النووي: اعلم أن القاضي عياضاً بسط شرح هذا الباب بسطاً بليغاً، وأتى فيه بأشياء نفيسة، وأشياء يخالف فيها، فالوجه أن ننقل ما ذكره مختصراً، ثم نذكر ما ينكر عليه، ويخالف فيه، وننبه على المختار.
قال المازري: ثبت أن نكاح المتعة كان جائزاً في أول الإسلام، ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة المذكورة هنا أنه نسخ، وانعقد الإجماع على تحريمه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة، وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة، فلا دلالة لهم فيها، وتعلقوا بقوله تعالى { { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } } [النساء: 24].
وفي قراءة ابن مسعود فما استمتعتم به منهن إلى أجل وقراءة ابن مسعود هذه شاذة، لا يحتج بها قرآناً ولا خبراً، ولا يلزم العمل بها.
قال: وقال زفر: من نكح نكاح متعة تأبد نكاحه، وكأنه جعل ذكر الأجل من باب الشروط الفاسدة في النكاح، وأنها تلغى، ويصح النكاح.
قال المازري: واختلفت الرواية في صحيح مسلم في النهي عن المتعة، ففيه أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وفيه أنه نهى عنها يوم الفتح، فإن تعلق بهذا من أجاز المتعة، وزعم أن الأحاديث تعارضت، وأن هذا الاختلاف قادح فيها قلنا: هذا الزعم خطأ، وليس هذا تناقضاً، لأنه يصح أن ينهي عنه في زمن، ثم ينهي عنه في زمن آخر توكيداً، أو ليشتهر النهي ويسمعه من لم يكن سمعه أولاً، فسمع بعض الرواة النهي في زمن، وسمعه آخرون في زمن آخر، فنقل كل منهم ما سمعه، وأضافه إلى زمان سماعه.
هذا كلام المازري.
وحاصله أنه يختار أن الإباحة مختصة بما قبل خيبر، والتحريم يوم خيبر للتأبيد، وأن الذي كان يوم الفتح مجرد توكيد التحريم، من غير إباحة وترخيص يوم الفتح.
وهذا الرأي وإن ساعدته الروايات ( 17، 18، 19، 20) فإن الروايات ( 7، 8، 9، 11، 12، 14) تعارضه معارضة صريحة، إذ هي تثبت الرخصة في المتعة عام فتح مكة.
أما القاضي عياض فيقول: روى أحاديث إباحة المتعة جماعة من الصحابة، فذكره مسلم من رواية ابن مسعود وابن عباس وجابر وسلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني، وليس في هذه الأحاديث كلها أنها كانت في الحضر، وإنما كانت في أسفارهم في الغزو، عند ضرورتهم، وعدم النساء، مع أن بلادهم حارة، وصبرهم عن النساء قليل، وقد ذكر في حديث ابن أبي عمرة أنها كانت رخصة في أول الإسلام، لمن اضطر إليها كالميتة، ونحوها، وعن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه [يشير بذلك إلى ما رواه البخاري عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس يسأل عن متعة النساء، فرخص، فقال مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلة أو نحوه، فقال ابن عباس: نعم وما أخرجه الخطابي والفاكهي عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس: لقد سارت بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء -يعني في المتعة- فقال: والله ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة، لا تحل إلا للمضطر وأخرجه البيهقي بلفظ ألا إنما هي كالميتة والدم ولحم الخنزير ثم ذكر مسلم عن سلمة بن الأكوع إباحتها يوم أوطاس، ومن رواية سبرة إباحتها يوم الفتح، وهما واحد، ثم حرمت يومئذ.
وفي حديث علي تحريمها يوم خيبر، وهو قبل الفتح، وذكر غير مسلم عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها في غزوة تبوك، ولم يتابع علي هذا، وهو غلط، والصحيح يوم خيبر، كما في مسلم.
وقد روى أبو داود من حديث سبرة النهي عنها في حجة الوداع.
قال أبو داود: وهذا أصح ما روي في ذلك، وقد روي عن سبرة أيضا إباحتها في حجة الوداع، ثم نهى صلى الله عليه وسلم عنها حينئذ إلى يوم القيامة، وروي عن الحسن البصري أنها ما حلت قط إلا في عمرة القضاء، وروي هذا عن سبرة الجهني أيضاً.
قالوا: وذكر الرواية بإباحتها يوم حجة الوداع خطأ، لأنه لم يكن يومئذ ضرورة ولا عزوبة، وأكثرهم حجوا بنسائهم، والصحيح أن الذي جرى في حجة الوداع مجرد النهي، ويكون تجديده صلى الله عليه وسلم النهي يومئذ لاجتماع الناس، وليبلغ الشاهد الغائب، ولتمام الدين، وتقرر الشريعة، كما قرر غير شيء، وبين الحلال والحرام يومئذ، وبت تحريم المتعة حينئذ، لقوله إلى يوم القيامة قال القاضي: ويحتمل ما جاء من تحريم المتعة يوم خيبر، وفي عمرة القضاء ويوم الفتح، ويوم أوطاس أنه جدد النهي عنها في هذه المواطن، لأن حديث تحريمها يوم خيبر صحيح لا مطعن فيه، بل هو ثابت من رواية الثقات الأثبات -ثم مال القاضي إلى أن حديث علي في تحريمها يوم خيبر فيه تقديم وتأخير، فيكون يوم خيبر ظرفاً لتحريم الحمر الأهلية خاصة.
ثم قال: لكن بقي على هذا ما جاء من ذكر إباحته في عمرة القضاء ويوم الفتح ويوم أوطاس، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها لهم للضرورة بعد التحريم، ثم حرمها تحريماً مؤبداً، فيكون حرمها يوم خيبر، وفي عمرة القضاء، ثم أباحها يوم الفتح للضرورة، ثم حرمها يوم الفتح أيضاً تحريماً مؤبداً، وتسقط رواية إباحتها يوم حجة الوداع، والذي في حجة الوداع التحريم، وأما قول الحسن: إنما كانت في عمرة القضاء لا قبلها ولا بعدها فترده الأحاديث الثابتة في تحريمها يوم خيبر، وهي قبل عمرة القضاء، وما جاء في إباحتها يوم فتح مكة، ويوم أوطاس فيترك ما خالف الصحيح.
وقد قال بعضهم: هذا مما تداوله التحريم والإباحة والنسخ مرتين.
هذا آخر كلام القاضي.
وحاصله أنه بعد أن ذكر الروايات حكم بخطأ رواية النهي في غزوة تبوك، وحكم ببطلان القول بإباحتها في حجة الوداع، ورأى أن تحريمها في حجة الوداع من باب تأكيد التحريم وتكريره، وحكم ببطلان قول الحسن تخصيص المتعة بعمرة القضاء، وكل ذلك موافق لما عليه جمهور العلماء.
أما الترخيص بها قبل خيبر وفي عمرة القضاء ويوم الفتح ويوم أوطاس فهو يذكر عنها احتمالين.
الأول أن التحريم فيها تجديد النهي، والثاني تعدد الترخيص وتعدد التحريم، وهو ما يميل إليه.
فاتهام النووي له بأنه يختار أن الإباحة مختصة بما قبل خيبر، والتحريم يوم خيبر للتأبيد، وأن الذي كان يوم الفتح مجرد توكيد التحريم من غير تقدم إباحة يوم الفتح.
هذا الاتهام من النووي غير واضح من كلام القاضي الذي نقله النووي نفسه، ونقلناه عنه.
والذي اختاره النووي ورجحه هو نفسه الذي يفهم مما انتهى إليه القاضي، إذ قال النووي: والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالاً قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة، وهو يوم أوطاس، لاتصالهما، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة واستمر التحريم.
اهـوفي قول النووي [ثم أبيحت يوم فتح مكة -وهو يوم أوطاس لاتصالهما، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام] في هذا القول نظر، لأن الروايات الصحيحة تصرح بأن التحريم الأبدي كان بمكة، كما هو واضح من الرواية الثامنة والتاسعة والعاشرة وملحقها والحادية عشرة والثانية عشرة والرابعة عشرة.
ومن المعلوم أنهم تحولوا من مكة إلى حنين، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين لست خلت من شوال، وقيل لليلتين بقيتا من رمضان، وجمع بعضهم بأنه بدأ بالخروج في أواخر رمضان وسار سادس شوال، وكان وصوله إليها في عاشر شوال، ثم كانت غزوة حنين، ثم كانت أوطاس عقب حنين، أو هي تتبع لفلول حنين، فليس يوم فتح مكة هو يوم أوطاس، وليس هناك اتصال، ولا يصح أن يذكر التحريم بعد أوطاس.
والتوجيه الصحيح أن رواية أوطاس رواها مسلم، وليس فيها لفظ يوم بل لفظها وهي الرواية السابعة.
رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاًَ، ثم نهى عنها فيصدق هذا دون تأويل على الرخصة بالمتعة في مكة، والنهي عنها في مكة، فعام أوطاس هو عام فتح مكة، ولم يقع في يوم أوطاس ترخيص ولا تحريم.
وعلى هذا لا يستقيم أيضاً قول القاضي عياض سابقاً [وذكر مسلم عن سلمة بن الأكوع إباحتها يوم أوطاس] فمسلم كما أوضحنا لم يذكر أباحتها يوم أوطاس.
والله أعلم.
ثم قال النووي: قال القاضي: واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحاً إلى أجل، لا ميراث فيها، وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق، ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء، إلا الروافض، قال: وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول بإباحتها، وروي عنه أنه رجع عنه.
قال: وأجمعوا على أنه متى وقع نكاح المتعة الآن حكم ببطلانه، سواء كان قبل الدخول أو بعده، إلا ما سبق عن زفر.
واختلف أصحاب مالك: هل يحد الواطئ فيه؟ قال النووي: ومذهبنا أنه لا يحد، لشبهة العقد، وشبهة الخلاف، ومأخذ الخلاف اختلاف الأصوليين في أن الإجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف؟ ويصير المسألة مجمعاً عليها؟ والأصح عند أصحابنا أنه لا يرفعه، بل يدوم الخلاف، ولا يصير المسألة بعد ذلك مجمعاً عليها أبداً، وبه قال القاضي أبو بكر الباقلاني.
قال القاضي: وأجمعوا على أن من نكح مطلقاً ونيته ألا يمكث معها إلا مرة نواها فنكاحه صحيح حلال، وليس نكاح متعة، وإنما نكاح المتعة ما وقع بالشرط المذكور، ولكن قال مالك: ليس هذا من أخلاق الناس، وشذ الأوزاعي فقال: هو نكاح متعة، ولا خير فيه.
ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:
1- من الرواية الأولى تحريم الخصي، قال النووي: لما فيه من تغيير خلق الله، ولما فيه من قطع النسل.
2- استدل بالرواية الرابعة والخامسة والسادسة على أن المتعة منعت في عهد عمر، وهذا الاستدلال باطل، وكل ما في الأمر أن البعض لم يبلغه النسخ حتى نهى عمر عنها.
3- ومن الرواية الثامنة والتاسعة ونحوها أن نكاح المتعة لا يحتاج إلى ولي ولا إلى شهود.
4- ومن الرواية العاشرة، من قوله قد كنت أذنت لكم...وإن الله قد حرم ذلك التصريح بالمنسوخ والناسخ في حديث واحد من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، كحديث كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها.
5- ومن قوله إلى يوم القيامة التصريح بتحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة.
6- ومن قوله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً أن المهر الذي كان أعطاها يستقر لها، ولا يحل أخذ شيء منه، وإن فارقها قبل الأجل المسمى، كما أنه يستقر في النكاح المعروف المهر المسمى بالوطء، ولا يسقط منه شيء بالفرقة بعده.
7- ومن الرواية السابعة عشرة وما بعدها تحريم لحوم الحمر الأهلية، قال النووي: وهو مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا طائفة يسيرة من السلف، فقد روي عن ابن عباس وعائشة وبعض السلف إباحته، وروي عنهم تحريمه، وروي عن مالك كراهته وتحريمه.
والله أعلم