هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2694 وحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ، وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي كَامِلٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرِ بْنِ مَسْعُودٍ ، رَدَّهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْلِ ، فَقَالَ : لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَاكُمْ ، فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ ، قَالَ : مُحَمَّدٌ : وَقَوْلُهُ : لَا عَلَيْكُمْ أَقْرَبُ إِلَى النَّهْيِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2694 وحدثني أبو الربيع الزهراني ، وأبو كامل الجحدري ، واللفظ لأبي كامل ، قالا : حدثنا حماد وهو ابن زيد ، حدثنا أيوب ، عن محمد ، عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود ، رده إلى أبي سعيد الخدري ، قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل ، فقال : لا عليكم أن لا تفعلوا ذاكم ، فإنما هو القدر ، قال : محمد : وقوله : لا عليكم أقرب إلى النهي
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا عليكم أن لا تفعلوا.
فإنما هو القدر.


المعنى العام

يقول الله تعالى { { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء } } [النساء: 1] .
فالذرية وكثرتها حكمة إلهية من حكم الزواج، لعمارة الأرض، والاستخلاف فيها، وكلما كثر الآدميون العابدون لله من ذرية آدم كلما علا وأعلن وتحقق قوله تعالى للملائكة { { إني أعلم ما لا تعلمون } } [البقرة: 30] .
وقوله { { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } } [الذاريات: 56] .
والذرية وكثرتها غرس حبها في جبلة البشر، مصداقاً لقوله تعالى { { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث } } [آل عمران: 14] .
وقوله تعالى { { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } } [الكهف: 46] .
وخلق جل شأنه شهوة الفرج في طبيعة الرجل والمرأة، يسعى بها كل منهما نحو الآخر، ويتمتع بلذتها كل منهما من الآخر، فإذا أخل أحدهما بمقتضيات هذه الشهوة ولوازمها أساء طبيعة وشرعاً إلى الطرف الآخر، وإذا وقف أحدهما أو وقفا معاً أمام أهداف الشريعة من الزواج كان أو كانا عاصيين لربهما، الخالق الحكيم العليم القدير.

لقد حاول بعض الصحابة أن يعزل ماءه عن مملوكته عند قضاء شهوته، خوفاً من أن تحمل، فتصير أم ولد يحرم بيعها، وترفعاً أن يصبح ولده ابن أمة، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال لهم: ولم تفعلون ذلك؟ هل كل ماء من الرجل يدخل رحم المرأة يكون منه ولد، أم حصول الولد بهبة من الله وبقضائه وقدرته؟ إن عملكم هذا لا يحقق هدفكم، وإنما هو القدر، ما من روح أراد الله لها أن تخلق إلا خلقت، ولو شاء لخلقها بدون ماء الرجل، وأمامكم خلق عيسى عليه السلام بدون أب، فلا تعاندوا القدر، ولا تظهروا بمظهر المعترضين عليه، غير الراضيين به.
وكأن واحداً منهم أراد أن يعزل عن جاريته بعد البيان الشافي، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سأعزل عن جاريتي، ولن تحمل، فقال له صلى الله عليه وسلم: اعزل عنها إن شئت، فذهب ثم جاء بعد مدة يقول: يا رسول الله.
إن الجارية التي عزلت عنها قد حملت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أقل لك: لا يغني حذر من قدر؟ أشهد أني عبد الله ورسوله.

المباحث العربية

( عن ابن محيريز أنه قال: دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد الخدري، فسأله أبو صرمة) ابن محيريز بحاء ثم راء، ثم زاي، مصغراً، واسمه عبد الله بن محيريز الجمحي، وهو مدني سكن الشام، وأبو صرمة بكسر الصاد وسكون الراء، اسمه مالك بن قيس، وقيل: قيس بن مالك، صحابي مشهور من الأنصار.
ففي الرواية الأولى أن السائل لأبي سعيد أبو صرمة، وفي الرواية الثانية أن أبا سعيد أخبر ابن محيريز، فتحمل على أن أبا سعيد أخبره تبعاً لأبي صرمة السائل، لكن عند البخاري عن ابن محيريز أنه قال: دخلت المسجد، فرأيت أبا سعيد الخدري، فجلست إليه، فسألته عن العزل....
إلخ فتحمل رواية البخاري على أن نسبة السؤال لابن محيريز باعتباره موافقاً لأبي صرمة، طالباً السؤال معه، كقوله { { فعقروا الناقة } } [الأعراف: 77] .

( يذكر العزل) قال النووي: العزل هو أن يجامع، فإذا قارب الإنزال نزع، وأنزل خارج الفرج.

( غزوة بلمصطلق) بفتح الباء وسكون اللام، وأصله بني المصطلق، بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء وكسر اللام بعدها قاف، وهم بطن من خزاعة، وكانت الغزوة سنة ست، وقيل سنة خمس، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار، فخرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم، يقال له المريسيع، قريباً من الساحل، فاقتتلوا، فهزمهم الله، ولم يفلت منهم إنسان، بل قتل منهم من قتل، وأسر الباقون، رجالاً ونساءً وأولاداً.

( فسبينا كرائم العرب) أي النفيسات من العرب.

( فطالت علينا العزبة) بضم العين وسكون الزاي، بعدها باء، وهي عدم الزواج، والمراد هنا طال علينا البعد عن أزواجنا، أي احتجنا إلى الوطء.

( ورغبنا في الفداء) قال النووي: المعنى احتجنا إلى الوطء، وخفنا من حمل السبايا، فتصير أم ولد، يمتنع علينا بيعها.
اهـ أي احتجنا إلى الوطء، ورغبنا في ثمن السبايا، فوطئنا وعزلنا.

( فأردنا أن نستمتع ونعزل، فقلنا....
فسألنا...)
ظاهر هذا أنهم لم يعزلوا حتى سألوا، لكن الرواية الثانية تقول فكنا نعزل، ثم سألنا فتدل على أنهم عزلوا، ثم سألوا، ويؤكده قوله وإنكم لتفعلون؟ ويجمع بأن بعضهم عزل قبل أن يسأل، وبعضهم سأل قبل أن يعزل.

( لا عليكم ألا تفعلوا) في ملحق الرواية الثالثة لا عليكم أن لا تفعلوا ذاكم أي العزل، وكذا في الرواية الخامسة ومعنى لا عليكم أن لا تفعلوا العزل لا عليكم أن تتركوا العزل، ولمعانيها احتمالات.
الأول: أن لا في قوة جملة، رد لسؤالهم عن العزل، فكأنه قال: لا.
لا تعزلوا، ثم أكده بقوله عليكم أن لا تفعلوا الاحتمال الثاني أن لا نافية، أي ليس عليكم أن لا تفعلوا، والمعنى لا حرج عليكم في أن لا تفعلوا، ففيه نفي الحرج عن ترك العزل، فيفهم منه ثبوت الحرج في فعل العزل، إذ لو أراد رفع الحرج عن فعل العزل لقال: لا عليكم أن تفعلوا، فأصحاب الاحتمال الأول قالوا: الأسلوب أقرب إلى النهي، كما قال محمد بن سيرين الراوي عن عبد الرحمن بن بشر الراوي عن أبي سعيد في الرواية الخامسة، وأصحاب الاحتمال الثاني قالوا: الأسلوب كأنه أسلوب زجر كما في ملحق الرواية الخامسة، أي أسلوب كراهة الفعل، الاحتمال الثالث: أن لا الأولى نافية، ولا الثانية زائدة، والمعنى: ليس عليكم جناح أن تفعلوا.
وهذا الاحتمال مردود، لأن الأصل عدم الزيادة، ولأن بقية الحديث تفيد حرجاً للفعل.

( وإنكم لتفعلون؟) في الرواية الثانية كررها مرتين، والمناسب لها أن تكون قبل قوله لا عليكم ألا تفعلوا وفي رواية البخاري أو إنكم لتفعلون؟ قال الحافظ: هذا الاستفهام يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم ما كان اطلع على فعلهم ذلك.
اهـ والاستفهام تعجبي، أي أتعجب من فعلكم ذلك، أو إنكاري توبيخي، بمعنى لا ينبغي أن تفعلوا، وليس استفهاماً حقيقياً عن أنهم يفعلون أو لا يفعلون، فهم قد أعلنوا أنهم فعلوا.

( ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة) أي ما من نفس قدر لها في الأزل أن تخلق وتوجد إلا ستخلق وتوجد، لا يغير من هذا القدر عزل.
فعزلكم لا أثر له، ومن اشتغل بما لا فائدة فيه فهو عابث.

( فإنما هو القدر) أي فإنما المؤثر إيجاداً وعدماً هو القدر لا غيره.

( الرجل تكون له المرأة ترضع....
ويكره أن تحمل منه)
خوفاً على الرضيع أو على صحة المرضعة من الحمل.

( والرجل تكون له الأمة...ويكره أن تحمل منه) خوفاً أن تصير أم ولد فيحرم من بيعها وثمنها، أو أنفة من أن يكون له ولد من أمة.

( فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها) أي فإنه ليست نفس قدر لها في الأزل أن تكون مخلوقة إلا خلقت.

( ما من كل الماء يكون الولد) المراد من الماء النطفة المني والواقع أنه ليس كل ماء يكون فيه ولد، فما أكثر ما يصب الماء ولا يكون حمل، وهناك رجال كل مائهم عقيم، ورجال ماؤهم غير عقيم والزوجة عقيم، وماء صالح للإنجاب في وقت، غير صالح في وقت آخر، وزوجات صالحات للحمل في وقت غير صالحات في وقت آخر، فليس كل ماء صب في فرج امرأة حملت، حتى يكون العزل مانعاً للولد.

( وسانيتنا) أي التي تسقي لنا، وتحمل الماء من البئر إلينا، والسانية في الأصل الناقة التي تسقي.

( وأنا أطوف عليها) كناية عن وطئها.

( فقال: اعزل عنها) ليس المقصود أنه أشار عليه بالعزل عنها ابتداء، بل هذا مبني على أن الرجل جاء يستأذن في العزل عنها، فأذن له، ليتحقق للرجل عملياً صدق ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ففي الرواية التاسعة إن عندي جارية لي، وأنا أعزل عنها.

( أنا عبد الله ورسوله) معناه أن ما أقول لكم حق، فاعتمدوه، واستيقنوا، فإنه سيأتي مثل فلق الصبح، فإني لا أحدثكم من عند نفسي.

( لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن) أي لو كان العزل شيئاً منهياً عنه لنهانا عنه القرآن، وهذا استنباط من سفيان الراوي عن عطاء الراوي عن جابر رضي الله عنه.

فقه الحديث

نفرق في الأحكام الشرعية بالنسبة إلى العزل بين العزل بدون هدف، وبين العزل بهدف مشروع، وبين العزل بهدف غير مشروع، وبين العزل عن الحرة، وبين العزل عن الأمة.

فالعزل بدون هدف مبني على الخلاف في حق الزوجة الحرة في الوطء وعدم حقها فيه، فالشافعية وأبو حنيفة يقولون بأن المرأة لا حق لها في الوطء إلا في وطأة واحدة، يستقر بها المهر، والمالكية يقولون: إن لها حق المطالبة بالوطء إذا قصد بتركه إضرارها، وحيث إن العزل فيه تفويت كمال لذتها بالوطء فمن جعل لها حق المطالبة بالوطء اشترط إذنها وموافقتها على العزل، وكان المفروض أن من قال: لا حق لها في الوطء يقول: لا رأي لها في العزل، لكن أبا حنيفة يقول: لا يعزل عن الحرة بدون إذنها.
وعلى هذا فقد اتفقت المذاهب الثلاثة المالكية والحنفية والحنابلة على أن الحرة لا يعزل عنها إلا بإذنها، وأن الأمة يعزل عنها بغير إذنها.
وعليه قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها، لأن الجماع من حقها، ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل.
وتعقب هذا بما عند الشافعية من أن المرأة لا حق لها في الجماع أصلاً، لكن بين الشافعية في خصوص العزل خلاف مشهور، قيل: يجوز العزل عن الحرة بغير إذنها وبغير رضاها، وهو المصحح عند المتأخرين، وقيل: لا يجوز بغير إذنها، ويمنع إذا امتنعت، وفيما لو رضيت وجهان، أصحهما الجواز.
هذا في العزل بدون هدف، أي بدون نظر إلى الحمل وعدمه، كالعزل عن الكبيرة في سن اليأس، والعزل عن الحامل، ونحو ذلك.
ويلحق به العزل بهدف مشروع، ويمثل له بالحفاظ على صحة الأم، أو صحة الطفل الرضيع، وإن كان الأولى ترك العزل، لأن الصحة هبة من الله والحمل هبة من الله، فلو أراد الصحة للأم والرضيع وهبها مع عدم العزل، ولو أراد عدمها كان مع العزل، ولذلك حينما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الحالة رخص بها، ثم نفى فائدتها، فقد روى مسلم من حديث أسامة بن زيد قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعزل عن امرأتي شفقة على ولدها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان ذلك فلا، ثم قال: ما ضر ذلك فارس ولا الروم وسيأتي هذا الحديث بعد باب واحد.
ويلحق به أيضاً العزل عن الأمة خشية أن تحمل فتصير أم ولد، فلا تباع.
وهو ما كان عند الصحابة في الحالة والظروف التي سيقت لها أحاديث الباب.

أما العزل خشية الفقر، وخشية ضيق الرزق على الأولاد، وخشية عدم القدرة على القيام بحسن تربيتهم، ومثله ادعاء الدولة أن كثرة النسل تأكل محاولات التنمية، وتبقى الأمة فقيرة ضعيفة، فهذا هدف وقصد غير مشروع، والعزل عليه حرام، حتى لو رضيت الزوجة لأمور:

الأول: أن الرزق بيد الله وحده { { وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون } } [الذاريات: 22] .
{ { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } } [هود: 6] .
وقد رأينا بلاداً ترزق من باطن الأرض من غير جهد، وبلاداً تكد وتتعب ورزقها محدود.

الثاني: أن كل مولود له رزقه، وقد يكون رزق أبيه ورزق إخوته تابعاً لرزق الولد الثالث أو الرابع أو الخامس، والله تعالى يقول { { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم } } [الإسراء: 31] .
ويقول { { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم } } [الأنعام: 151] .
وقد رأينا أسراً كانت نجدتها وعزها وسؤددها في ابنها الخامس أو السادس، وأمامنا قصة يوسف عليه السلام.

الثالث: أن الذي يكتفي بولد أو ولدين لا يضمن بقاءهما وحياتهما، فالموت حق، وقد يلحقهما حين لا تجدي المحاولة للحمل بعد فوات الأوان.
والشواهد لذلك في حياتنا كثيرة.

الرابع: أن الولد قوة، ومصدر كسب، ومبعث عزة ومنعة، يقول تعالى { { وجعلت له مالاً ممدوداً وبنين شهوداًََ } } [المدثر: 12، 13] .
فكيف يدعي أن الأولاد وكثرتهم تؤدي إلى الفقر؟ أو إلى زيادة الفقر؟ قد يكون ذلك في أمة خذولة كسولة غير منتجة، وفي قيادة لا تهيئ لأبنائها ظروف العمل، وتكبل العاملين، وتصيب الطموحين بالشلل والإحباط، وإنها لدعوة خبيثة، تسري في أوساط المسلمين لزيادة إضعافهم، ينفق عليها ويغذيها، أعداؤهم، في الوقت الذي يشجعون فيه زيادة العدد لغير المسلمين.

الخامس: أن الأولاد هدية من الله، يقول جل شأنه { { لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاًَ ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير } } [الشورى: 49، 50] .
وتخيل معي أن تقدم لإنسان هدية فيرفضها ويردها في وجهك، أو تعده وتعرض عليه هدية فيواجهك: لا أريدها.
لا أحبها لا أقبلها.
هي تضرني.
هي لا تنفعني.
هل تكون راضياً؟ وهل يكون في فعله هذا مرضياً لك؟ متقرباً منك؟ مقدراً عطفك وكرمك؟.

فما بالك بمن يفعل ذلك مع العليم القدير؟ الذي يعلم وحده ما ينفعك وما يضرك.
إن العلماء يعبرون عن هذه الحالة بمعاندة القدر، فماذا عساها نتيجة معاندة القدر؟.

السادس: أن هذه المعاندة لا تنفع إن لم تضر، يعزل من يريد والله يفعل ما يريد، وقد رأينا في الرواية الثامنة والتاسعة كيف أن الجارية حملت وسيدها يتحرى العزل عنها، ونرى في حياتنا وسائل منع الحمل تفشل كثيراً أمام القدر، بل رأينا كثيراً منها يمنع فترة، ويؤدي إلى التوائم في فترة أخرى وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم فإنما هو القدر.
ما من كل الماء يكون الولد.
ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة.
وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء وعند أحمد والبزار وابن حبان يقول صلى الله عليه وسلم لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولداً.
وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل؟ فقال: ذلك الوأد الخفي.
أخرجه مسلم بعد باب واحد.
وقد جنح إلى منع العزل من الشافعية ابن حبان، فقال في صحيحه: ذكر الخبر الدال على أن هذا الفعل مزجور عنه، لا يباح استعماله، ثم ساق حديث أبي ذر رفعه ضعه في حلاله، وجنبه حرامه، وأقرره، فإن شاء الله أحياه، وإن شاء أماته، ولك أجر هذا.
وفي معنى العزل تعاطي المرأة أو الرجل حبوب منع الحمل، والوسائل الحديثة الأخرى.

وقال الحافظ ابن حجر: وينتزع من حكم العزل حكم معالجة المرأة إسقاط النطفة قبل نفخ الروح فمن قال بالمنع في العزل ففي هذه أولى، ومن قال بالجواز في العزل يمكن أن يلحق هذا به، ويمكن أن يفرق بينهم بأن إسقاط النطفة أشد فتمنع، لأن العزل لم يقع فيه تعاطي السبب، ومعالجة السقط تقع بعد تعاطي السبب.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:

1- قوله في الرواية الأولى فسبينا كرائم العرب... استدل به من أجاز استرقاق العرب، وأنهم يجري عليهم الرق كما يجري على العجم وأنهم إذا كانوا مشركين وسبوا جاز استرقاقهم، لأن بني المصطلق عرب من خزاعة، وقد استرقوهن، ووطئوا سباياهن، واستباحوا بيعهن، وبهذا قال مالك والشافعي وجمهور العلماء، وقال أبو حنيفة: لا يجري عليهن الرق لشرفهن.

2- ومن أجاز وطء المشركات بملك اليمين، وإن لم يكن من أهل الكتاب، لأن بني المصطلق كانوا أهل أوثان، وقد رد عليه من منع باحتمال أن يكونوا ممن دان بدين أهل الكتاب.
قال الحافظ ابن حجر: وهو باطل.
وباحتمال أن يكون ذلك في أول الأمر، ثم نسخ، وفيه نظر، إذا النسخ لا يثبت بالاحتمال.
وباحتمال أن تكون المسبيات أسلمن قبل الوطء، وهذا لا يتم مع قوله وأحببنا في الفداء فإن المسلمة لا تعاد للمشرك.
والله أعلم.

3- وفيها دلالة على إلحاق النسب مع العزل، لأن الماء قد سبق.

4- وأنه إذا اعترف بوطء أمته صارت فراشاً له، ويلحقه أولادها، إلا أن يدعي الاستبراء، وهو مذهب مالك والشافعي.

والله أعلم