هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3197 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ، ثُمَّ قَرَأَ : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } ، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ ، وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ، فَأَقُولُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي ، فَيَقُولُ : إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ : { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي } - إِلَى قَوْلِهِ - { العَزِيزُ الحَكِيمُ }
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  إلى قوله { العزيز الحكيم }
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Ibn `Abbas:

The Prophet (ﷺ) said, You will be gathered (on the Day of Judgment), bare-footed, naked and not circumcised. He then recited:--'As We began the first creation, We, shall repeat it: A Promise We have undertaken: Truly we shall do it.' (21.104) He added, The first to be dressed on the Day of Resurrection, will be Abraham, and some of my companions will be taken towards the left side (i.e. to the (Hell) Fire), and I will say: 'My companions! My companions!' It will be said: 'They renegade from Islam after you left them.' Then I will say as the Pious slave of Allah (i.e. Jesus) said. 'And I was a witness Over them while I dwelt amongst them. When You took me up You were the Watcher over them, And You are a witness to all things. If You punish them. They are Your slaves And if You forgive them, Verily you, only You are the All-Mighty, the All-Wise. (5.120-121)

D'après Ibn 'Abbâs (), le Prophète () dit: «Vous serez ressuscites pieds nus, sans vêtement, et non circoncis.

":"ہم سے محمد بن کثیر نے بیان کیا ، کہا ہم کو سفیان ثوری نے خبر دی ، ان سے مغیرہ بن نعمان نے بیان کیا ، کہا کہ مجھ سے سعید بن جبیر نے بیان کیا اور ان سے ابن عباس رضی اللہ عنہما نے کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا تم لوگ حشر میں ننگے پاؤں ، ننگے جسم اور بن ختنہ اٹھائے جاؤ گے ۔ پھر آپ نے اس آیت کی تلاوت کی کہ ” جیسا کہ ہم نے پیدا کیا تھا پہلی مرتبہ ، ہم ایسے ہی لوٹائیں گے ۔ یہ ہماری طرف سے ایک وعدہ ہے جس کو ہم پورا کر کے رہیں گے ( سورۃ انبیاء ) اور انبیاء میں سب سے پہلے حضرت ابراہیم علیہ السلام کو کپڑا پہنایا جائے گا اور میرے اصحاب میں سے بعض کو جہنم کی طرف لے جایا جائے گا تو میں پکار اٹھوں گا کہ یہ تو میرے اصحاب ہیں ، میرے اصحاب ! لیکن مجھے بتایا جائے گا کہ آپ کی وفات کے بعد ان لوگوں نے پھر کفر اختیار کر لیا تھا ۔ اس وقت میں بھی وہی جملہ کہوں گا جو نیک بندے ( عیسیٰ علیہ السلام ) کہیں گے کہ ” جب تک میں ان کے ساتھ تھا ۔ ان پر نگران تھا ، اللہ تعالیٰ کے ارشاد الحکیم تک ۔ “

D'après Ibn 'Abbâs (), le Prophète () dit: «Vous serez ressuscites pieds nus, sans vêtement, et non circoncis.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [3349] .

     قَوْلُهُ  وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَىيَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاء من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ حُلَّةً مِنَ الْجَنَّةِ وَيُؤْتَى بِكُرْسِيٍّ فَيُطْرَحُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ وَيُؤْتَى بِي فَأُكْسَى حُلَّةً لَا يَقُومُ لَهَا الْبَشَرُ وَيُقَالُ إِنَّ الْحِكْمَةَ فِي خُصُوصِيَّةِ إِبْرَاهِيمَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ أُلْقِيَ فِي النَّارِ عُرْيَانًا وَقِيلَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ خُصُوصِيَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ تَفْضِيلُهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ قَدْ يَمْتَازُ بِشَيْءٍ يُخَصُّ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفَضِيلَةُ الْمُطْلَقَةُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَدْخُلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ وَقَدْ ثَبَتَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلِيَّاتٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ مِنْهَا أَوَّلُ مَنْ ضَافَ الضَّيْفَ وَقَصَّ الشَّارِبَ وَاخْتَتَنَ وَرَأَى الشَّيْبَ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ أَتَيْتُ عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ فِي كِتَابِي إِقَامَةُ الدَّلَائِلِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْأَوَائِلِ وَسَيَأْتِي شَرْحُ حَدِيثِ الْبَابِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثَانِيهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ الشُّعَرَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثَالِثا حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي رُؤْيَةِ الصُّوَرِ فِي الْبَيْتِ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَقَدْ مَضَى أَيْضًا فِي الْحَجِّ وَيَأْتِي شَرْحُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَزْلَامِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى رَابِعُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي قِصَّةِ يَعْقُوبَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا)
وَقَولُهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ وَقَوله ان إِبْرَاهِيم لأواه حَلِيم وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ إِلَى ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِبْرَاهِيمُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ مَعْنَاهُ أَبٌ رَاحِمٌ وَالْخَلِيلُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَهُوَ مِنَ الْخُلَّةِ بِالضَّمِّ وَهِيَ الصَّدَاقَةُ وَالْمَحَبَّةُ الَّتِي تَخَلَّلَتِ الْقَلْبَ فَصَارَتْ خِلَالَهُ وَهَذَا صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فِي قَلْبِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى.

.
وَأَمَّا إِطْلَاقُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ وَقِيلَ الْخُلَّةُ أَصْلُهَا الِاسْتِصْفَاءُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُوَالِي وَيُعَادِي فِي اللَّهِ تَعَالَى وَخُلَّةُ اللَّهِ لَهُ نَصْرُهُ وَجَعْلُهُ إِمَامًا وَقِيلَ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْخَلَّةِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الْحَاجَةُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْقِطَاعِهِ إِلَى رَبِّهِ وَقَصْرِهِ حَاجَتَهُ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ الْآيَةِ فِي تَفْسِيرِ النَّحْلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِبْرَاهِيم هُوَ بن آزَرَ وَاسْمُهُ تَارَحُ بِمُثَنَّاةٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَآخِرُهُ حاء مُهْملَة بن ناحور بنُون ومهملة مَضْمُومَة بن شاروخ بِمُعْجَمَة وَرَاء مَضْمُومَة وَآخره خاء مُعْجمَة بن راغوء بغين مُعْجمَة بن فالخ بفاء وَلَام مَفْتُوحَة بعْدهَا مُعْجمَة بن عبير وَيُقَال عَابِر وَهُوَ بِمُهْملَة وموحدة بن شالخ بمعجمتين بن أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ لَا يَخْتَلِفُ جُمْهُورُ أَهْلِ النَّسَبِ وَلَا أَهْلُ الْكِتَابِ فِي ذَلِكَ إِلَّا فِي النُّطْقِ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ نعم سَاق بن حِبَّانَ فِي أَوَّلِ تَارِيخِهِ خِلَافَ ذَلِكَ وَهُوَ شَاذٌّ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  أَبُو مَيْسَرَةَ الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ يَعْنِي الْأَوَّاهُ وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ وَكِيعٌ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ الْأَوَّاهُ الرَّحِيم بِلِسَان الْحَبَشَة وروى بن أبي حَاتِم من طَرِيق بن مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الْأَوَّاهُ الرَّحِيمُ وَلَمْ يَقُلْ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْأَوَّاهُ قَالَ الْخَاشِعُ المتضرع فِي الدُّعَاء وَمن طَرِيق بن عَبَّاسٍ قَالَ الْأَوَّاهُ الْمُوقِنُ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ الْأَوَّاهُ الْحَفِيظُ الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ سِرًّا ثُمَّ يَتُوبُ مِنْهُ سِرًّا وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْأَوَّاهُ الْمُنِيبُ الْفَقِيهُ الْمُوَفَّقُ وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ الْأَوَّاهُ الْمُسَبِّحُ وَمِنْ طَرِيقِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي قَوْلِهِ أَوَّاهٌ قَالَ كَانَ إِذَا ذَكَرَ النَّارَ قَالَ أَوَّاهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ كَانَ رَجُلٌ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ أَوَّهْ أَوَّهْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَأَوَّاهٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ رَجُلًا مُبْهَمًا وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهُ فَعَّالٌ مِنَ التَّأَوُّهِ وَمَعْنَاهُ مُتَضَرِّعٌ شَفَقًا وَلُزُومًا لِطَاعَةِ رَبِّهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ عشْرين حَدِيثا أَحدهَا حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ الْحَشْرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ

[ قــ :3197 ... غــ :3349] .

     قَوْلُهُ  وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاء من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ حُلَّةً مِنَ الْجَنَّةِ وَيُؤْتَى بِكُرْسِيٍّ فَيُطْرَحُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ وَيُؤْتَى بِي فَأُكْسَى حُلَّةً لَا يَقُومُ لَهَا الْبَشَرُ وَيُقَالُ إِنَّ الْحِكْمَةَ فِي خُصُوصِيَّةِ إِبْرَاهِيمَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ أُلْقِيَ فِي النَّارِ عُرْيَانًا وَقِيلَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ خُصُوصِيَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ تَفْضِيلُهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ قَدْ يَمْتَازُ بِشَيْءٍ يُخَصُّ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفَضِيلَةُ الْمُطْلَقَةُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَدْخُلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ وَقَدْ ثَبَتَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلِيَّاتٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ مِنْهَا أَوَّلُ مَنْ ضَافَ الضَّيْفَ وَقَصَّ الشَّارِبَ وَاخْتَتَنَ وَرَأَى الشَّيْبَ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ أَتَيْتُ عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ فِي كِتَابِي إِقَامَةُ الدَّلَائِلِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْأَوَائِلِ وَسَيَأْتِي شَرْحُ حَدِيثِ الْبَابِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثَانِيهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ الشُّعَرَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثَالِثا حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي رُؤْيَةِ الصُّوَرِ فِي الْبَيْتِ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَقَدْ مَضَى أَيْضًا فِي الْحَجِّ وَيَأْتِي شَرْحُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَزْلَامِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى رَابِعُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي قِصَّةِ يَعْقُوبَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء: 165] وَقَوْلِهِ: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لله} [النحل: 120]
وَقَوْلِهِ: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114] ..
     وَقَالَ  أَبُو مَيْسَرَةَ الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ.

(باب قول الله تعالى { واتخذ الله إبراهيم خليلا} [النساء: 125] .
الخليل مشتق من الخلة بالفتح وهي الحاجة سميت خلة للاختلال الذي يلحق الإنسان فيها وسمي إبراهيم خليلاً لأنه لم يجعل فقره وفاقته إلا إلى الله تعالى في كل حال، وهذا الفقر أشرف غنى بل أشرف فضيلة يكتسبها الإنسان، ولهذا ورد: اللهم أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك، وقيل من الخلة بالضم وهي المودّة الخالصة أو من التخلل.
قال ثعلب: لأن مودته تتخلل القلب وأنشد:
قد تخللت مسلك الروح مني ... وبذا سمي الخليل خليلا
وقال الزجاج: معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل، وسمي إبراهيم خليل الله لأنه أحبه محبة كاملة ليس فيها نقص ولا خلل.
وقال القرطبي: الخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى عالم، وقيل هو بمعنى المفعول كالحبيب بمعنى المحبوب، وقيل الخليل هو الذي يوافقك في خلالك.
قال عليه السلام: تخلقوا بأخلاق الله فلما بلغ إبراهيم في هذا الباب مبلغًا لم يبلغه أحد ممن تقدمه لا جرم خصه الله تعالى بهذا الاسم.
وقال الإمام فخر الدين إنما سمي خليلاً لأن محبة الله تخللت في جميع قواه فصار بحيث لا يرى إلا الله ولا يتحرك إلا لله ولا يسكن إلا لله ولا يمشي إلا لله ولا يسمع إلا بالله فكان نور جلال الله قد سرى في جميع قواه الجسمانية وتخلل فيها
وغاص في جواهرها ووغل في ماهيتها.
وقال في الكشاف: هو مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله، والخليل المخالّ وهو الذي يخاللك أي يوافقك في خلالك أو يسايرك في طريقك من الخلط وهو الطريق في الرمل اهـ.

قال في فتوح الغيب قوله تشبه كرامة الخليل بعد قوله مجاز عن اصطفائه إيذان بأن المجاز من باب الاستعارة التمثيلية، واختلف في السبب الذي من أجله { اتخذ الله إبراهيم خليلاً} [النساء: 125] .
فقيل كما ذكره ابن جرير وغيره أنه أصاب الناس أزمة، وكانت الميرة تأتيه من خليل له بمصر فأرسل إبراهيم غلمانه ليمتاروا له منه فقال خليله: لو كان إبراهيم يطلب الميرة لنفسه لفعلت ولكن يريدها للأضياف وقد أصابنا ما أصاب الناس من الأزمة والشدة فرجعوا بغير شيء فاجتازوا ببطحاء لينة فقالوا: لو أنا حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة فإنا نستحي أن نمرّ بهم وإبلنا فارغة فملأوا تلك الغرائر ثم أتوا إبراهيم فلما أعلموه ساءه ذلك فغلبته عيناه فنام وكانت امرأته سارة نائمة فاستيقظت وقد ارتفع النهار فقالت: سبحان الله ما جاء الغلمان؟ قالوا: بلى.
فقامت إلى الغرائر فأخرجت منها أحسن حوّاري فاختبزت وأطعمت واستيقظ إبراهيم فاشتم رائحة الخبز فقال: من أين لكم هذا؟ فقالت: من خليلك المصري.
فقال: بل من عند خليلي الله فسماه الله تعالى خليلاً، وعلى هذا فإطلاق اسم الخلة على الله على سبيل المشاكلة لأن جوابه عليه السلام بل من عند خليلي الله في مقابلة قولها من خليلك المصري، وقيل لما أراه الله ملكوت السماوات والأرض وحاج قومه في الله ودعاهم إلى توحيده ومنعهم من عبادة النجوم والشمس والقمر والأوثان وبذل نفسه للإلقاء في النيران وولده للقربان وماله للضيفان اتخذه الله خليلاً.
وقيل غير ذلك.
وإبراهيم هو ابن آزر واسمه تارح بفوقية وراء مفتوحة آخره حاء مهملة ابن ناحور بنون ومهملة مضمومة ابن شاروخ بمعجمة وراء مضمومة آخره خاء معجمة ابن راغو بغين معجمة ابن فالخ بفاء ولام مفتوحة بعدها خاء معجمة ابن عيبر، ويقال عابر وهو بمهملة وموحدة ابن شالخ بمعجمتين ابن أرفخشد بن سام بن نوح.
قال في الفتح: لا يختلف جمهور أهل النسب ولا أهل الكتاب في ذلك إلا في النطق ببعض هذه الأسماء.
نعم ساق ابن حبان في أوّل تاريخه خلاف ذلك وهو شاذ اهـ.

وقال الثعلبي: كان بين مولد إبراهيم عليه السلام وبين الطوفان ألف سنة ومائتا سنة وثلاث وستون سنة وذلك بعد خلق آدم عليه السلام بثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة وسبع وثلاثين سنة.
وقال ابن هشام: لم يكن بين نوح وإبراهيم عليهم السلام إلا هود وصالح، وكان بين إبراهيم وهود ستمائة سنة وثلاثون سنة، وبين نوح وإبراهيم ألف سنة ومائة وثلاث وأربعون سنة.

(وقوله) بالجر عطفًا على المجرور السابق بالإضافة ({ إن إبراهيم كان أمة} ) جامعًا للخصال المحمودة.
قال ابن هانئ:
ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
أي: إن الله تعالى قادر على أن يجمع في واحد ما في الناس من معاني الفضل والكمال، وقيل فعلة تدل على المبالغة.
وقال مجاهد: كان مؤمنًا وحده والناس كلهم كانوا كفارًا فلذا كان وحده أمة ({ قانتًا لله} ) [النحل: 125] .
مطيعًا له وثبتت لفظة لله لأبي ذر.

(وقوله) بالجر أيضًا على العطف ({ إن إبراهيم لأوّاه حليم} ) [هود: 75] .
(وقال) بالواو ولأبي ذر قال (أبو ميسرة) ضد الميمنة عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي فيما وصله وكيع في تفسيره الأواه (الرحيم بلسان الحبشة).
ورواه ابن أبي حاتم من طريق ابن مسعود بإسناد حسن قال: الأوّاه الرحيم ولم يقل بلسان الحبشة، ومن طريق عبد الله بن شدّاد أحد كبار التابعين قال: قال رجل يا رسول الله ما الأوّاه؟ قال: "الخاشع المتضرّع في الدعاء" ومن طريق ابن عباس قال: الأواه الموقن.
ومن طريق مجاهد المنيب، ومن طريق الشعبي المسبّح، ومن طريق كعب الأحبار قال: كان إذا ذكر النار قال أوّاه من عذاب الله.
وقال في اللباب الأوّاه الكثير التأوّه وهو مَن يقول أواه، وقيل مَن يقول أوه وهو أنسب لأن أوه بمعنى أتوجع فالأواه فعال مثال مبالغة من ذلك وقياس فعله أن يكون ثلاثيًّا لأن أمثلة المبالغة إنما تطرد في الثلاثي وإنما وصف الله تعالى خليله بهذين الوصفين بعد قوله: { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} [التوبة: 114] .
الآية لأنه تعالى وصفه بشدّة الرقة والشفقة والخوف ومن كان كذلك فإنه تعظم رقته على أبيه، ثم إنه مع هذه الصفات تبرأ من أبيه وغلظ قلبه عليه لما ظهر له إصراره على الكفر.


[ قــ :3197 ... غــ : 3349 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً.
ثُمَّ قَرَأَ: { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ.
وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: أَصْحَابِي، أَصْحَابِي.
فَيَقالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- { الْحَكِيمُ} [الحديث 3349 - أطرافه في: 3447، 4625، 4626، 4740، 6524، 6525، 6526] .

وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا المغيرة بن النعمان) النخعي الكوفي (قال: حدثنى) بالإفراد (سعيد بن جبير عن ابن عباس) ولابن عساكر أراه بضم الهمزة أي أظنه عن ابن عباس (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إنكم تحشرون) عند الخروج من القبور حال كونكم (حفاة) بضم الحاء المهملة وتخفيف الفاء جمع حاف أي بلا خف ولا نعل (عراة) أي لا ثياب عليهم جميعهم أو بعضهم يحشر عاريًا وبعضهم
كاسيًا لحديث سعيد عند أبي داود وصححه ابن حبان مرفوعًا: "إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها" (غرلاً) بضم الغين المعجمة وإسكان الراء أي غير مختونين والغرلة ما يقطعه الخاتن وهي القلفة (ثم قرأ): { كما بدأنا أول خلق نعيده} [الأنبياء: 104] أي نوجده بعينه بعد إعدامه مرة أخرى أو نعيد تركيب أجزائه بعد تفريقها من غير إعدام، والأول أوجه لأنه تعالى شبه الإعادة بالابتداء والابتداء ليس عبارة عن تركيب الأجزاء المتفرقة بل عن الوجود بعد العدم فوجب أن تكون الإعادة كذلك { وعدًا علينا إنّا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104] .
الإعادة والبعث.
وقوله: (وعدًا) نصب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة المتقدمة فناصبه مضمر أي وعدنا ذلك وعدًا.
قال ابن عبد البر: يحشر الآدمي عاريًا ولكل من الأعضاء ما كان له يوم ولد فمن قطع منه شيء يرد إليه حتى الأقلف وقال أبو الوفاء بن عقيل: حشفة الأقلف موفاة بالقلفة فتكون أرق فلما أزالوا تلك القطعة في الدنيا أعادها الله تعالى ليذيقها من حلاوة فضله.

وفي شرح المشكاة، فإن قلت: سياق الآية في إثبات الحشر والنشر لأن المعنى نوجدكم عن العدم ما أوجدناكم أولاً عن العدم فكيف يشتهد بها للمعنى المذكور أي من كونهم غرلاً؟ وأجاب بأن سياق الآية وعبارتها على إثبات الحشر وإشارتها على المعنى المراد من الحديث فهو من باب الإدماج.

(وأول من يكسى) من الأنبياء (يوم القيامة إبراهيم) بعد حشر الناس كلهم عراة أو بعضهم كاسيًا أو بعد خروجهم من قبورهم بأثوابهم التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة ثم يكون أول من يُكسى من الجنة إبراهيم عليه السلام وزاد البيهقي مرفوعًا من حديث ابن عباس: (وأول من يكسى من الجنة إبراهيم يكسى حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ثم يؤتى بي فأكسى حلة من الجنة لا يقوم لها البشر).
قيل: والحكمة في كون الخليل أول من يكسى لكونه جرّد حين ألقي في النار ولا يلزم من تخصيص إبراهيم بأولية الكسو هنا أفضليته على نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن حلة نبينا أعلى وأكمل فتجبر بنفاستها ما فات من الأولية، وكم لنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من فضائل مختصة به لم يسبق إليها ولم يشارك فيها ولو لم يكن سوى خصوصية الشفاعة العظمى لكفى.

(وإن أناسًا) بهمزة مضمومة ولأبي ذر وابن عساكر وإن ناسًا (من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال) وهي جهة النار (فأقول أصحابي أصحابي) أي هؤلاء أصحابي، ولأبي ذر وابن عساكر: أصيحابي أصيحابي مصغرين إشارة إلى قلة عددهم والتكرير للتأكيد (فيقال: إنهم لم) بالميم ولأبي ذر عن الكشميهني لمن (يزالوا مرتدين على أعقابهم) بالكفر (مند فارقتهم) قيل المراد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نصرة له في الدين ممن ارتد بعد موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يقدح ذلك في الصحابة المشهورين، فإن أصحابه وإن شاع استعماله عرفًا فيمن لازمه من المهاجرين والأنصار شاع استعماله في كل تبعه أو أدرك حضرته ووفد عليه ولو مرة أو المراد بالارتداد إساءة السيرة والرجوع عما كانوا عليه من الإخلاص وصدق النية (فأقول كما قال العبد الصالح) عيسى ابن
مريم ({ وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم} ) أي رقيبًا عليهم أمنعهم من الارتداد ومشاهدًا لأحوالهم من كفر وإيمان؟ إلى قوله ({ الحكيم} ) [المائدة: 117، 118] .
ولأبي ذر { فلما توفيتني} إلى قولها { العزيز الحكيم} .

وهذا الحديث أخرجه في التفسير والرقاق وأحاديث الأنبياء ومسلم في صفة القيامة والتفسير والنسائي في الجنائز والتفسير.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى { واتَّخَذَ الله إبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} ( النِّسَاء: 561) .
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} وَتَمام الْآيَة هُوَ قَوْله تَعَالَى: { وَمن أحسن دينا مِمَّن أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن وَاتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} ( النِّسَاء: 561) .
وَسبب تَسْمِيَته خَلِيلًا مَا ذكره ابْن جرير فِي ( تَفْسِيره) : عَن بَعضهم أَنه إِنَّمَا سَمَّاهُ الله خَلِيلًا من أجل أَنه أصَاب أهل نَاحيَة جَدب، فَأرْسل إِلَى خَلِيل لَهُ من أهل الْموصل، وَقيل: من أهل مصر، ليمتار طَعَاما لأَهله من قبله، فَلم يصب عِنْده حَاجته، فَلَمَّا قرب من أَهله مر بمفازة ذَات رمال فَقَالَ: لَو مَلَأت غرائري من هَذَا الرمل لِئَلَّا أغم أَهلِي برجوعي إِلَيْهِم بِغَيْر ميرة، وليظنوا إِنِّي أتيتهم بِمَا يحبونَ، فَفعل ذَلِك، فتحول مَا فِي غرائره من الرمل دَقِيقًا، فَلَمَّا صَار إِلَى منزله نَام وَقَامَ أَهله ففتحوا الغرائر فوجدوا دَقِيقًا نقياً، فعجنوا مِنْهُ وخبزوه، فَاسْتَيْقَظَ فَسَأَلَهُمْ عَن الذقيق الَّذِي خبزوا مِنْهُ، فَقَالُوا: من الدَّقِيق الَّذِي جئتنا بِهِ من عِنْد خَلِيلك، فَقَالَ: نعم هُوَ من خليلي الله، فَسَماهُ الله تَعَالَى بذلك خَلِيلًا.
وَقيل: إِنَّمَا سمي خَلِيلًا لشدَّة محبَّة ربه عز وَجل لما قَامَ لَهُ من الطَّاعَة الَّتِي يُحِبهَا ويرضاها، وَقيل: جَاءَ من طَرِيق جُنْدُب بن عبد الله البَجلِيّ، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن الله اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا..
     وَقَالَ  ابْن أبي حَاتِم، بِإِسْنَادِهِ إِلَى عبد الله بن عُمَيْر، قَالَ: كَانَ إِبْرَهِيمُ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يضيف النَّاس، فَخرج يَوْمًا يلْتَمس إنْسَانا يضيفه فَلم يجد أحدا يضيفه فَرجع إِلَى دَاره فَوجدَ فِيهَا رجلا قَائِما، فَقَالَ: يَا عبد الله { مَا أدْخلك دَاري بِغَيْر إذني؟ فَقَالَ: دَخَلتهَا بِإِذن رَبهَا، قَالَ: وَمن أَنْت، قَالَ: ملك الْمَوْت أَرْسلنِي رَبِّي إِلَى عبد من عباده أُبَشِّرهُ بِأَن الله قد اتَّخذهُ خَلِيلًا، قَالَ: من هُوَ؟ فوَاللَّه إِن أَخْبَرتنِي بِهِ، ثمَّ كَانَ بأقصى الْبِلَاد لآتيته ثمَّ لَا أَبْرَح لَهُ جاراً حَتَّى يفرق بَيْننَا الْمَوْت، قَالَ: ذَلِك العَبْد أَنْت قَالَ: نعم} قَالَ: فَبِمَ اتَّخَذَنِي رَبِي خَلِيلًا؟ قَالَ: إِنَّك تُعْطِي النَّاس وَلَا تَسْأَلهُمْ.

وَاخْتلفُوا فِي نسبه؟ فَقيل: إِنَّه إِبْرَاهِيم بن تارح بن ناحور بن ساروح بن راعو بن فالح بن عَابِر بن شالخ بن قينان بن أرفخشذ بن سَام بن نوح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَكَاهُ السّديّ عَن أشياخه، وَقد أسقط ذكر: قينان، من عَمُود النّسَب بِسَبَب أَنه كَانَ ساحراً، وَقيل: إِبْرَاهِيم بن تارخ بن أسوع بن أرغو بن فالغ بن شالخ بن أرفخشذ بن سَام بن نوح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: إِبْرَاهِيم بن آزر بن الناجر بن سارغ بن والغ بن الْقَاسِم، الَّذِي قسم الأَرْض ابْن عبير بن شالخ بن وَاقد بن فالخ، وَهُوَ سَام.
وَقيل: آزر بن صاروج بن راغو بن فالغ بن إرفخشذ..
     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: كَانَ اسْم أَب إِبْرَاهِيم الَّذِي سَمَّاهُ أَبوهُ: تارخ، فَلَمَّا صَار مَعَ نمْرُود قيمًا على خزانَة آلِهَته سَمَّاهُ: آزر، وَقيل: آزر اسْم صنم،.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: إِنَّه لقب لَهُ عيب بِهِ، وَمَعْنَاهُ: معوج، وَقيل: هُوَ بالقبطية الشَّيْخ الْهَرم،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: آزر اسْم أعجمي،.

     وَقَالَ  البلاذري عَن الشرفي بن الْقطَامِي: إِن معنى آزر: السَّيِّد الْمعِين،.

     وَقَالَ  وهب: إسم أم إِبْرَاهِيم نونا بنت كرنبا من بني سَام بن نوح،.

     وَقَالَ  هِشَام: لم يكن بَين نوح وَإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، إلاَّ هود وَصَالح، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَ بَين إِبْرَاهِيم وَهود سِتّمائَة سنة وَثَلَاثُونَ سنة، وَبَين نوح وَإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، ألف وَمِائَة وَثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ سنة..
     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: وَكَانَ بَين مولد إِبْرَاهِيم وَبَين الطوفان ألف سنة وَمِائَتَا سنة وَثَلَاث وَسِتُّونَ سنة، وَذَلِكَ بعد خلق آدم بِثَلَاثَة آلَاف سنة وثلاثمائة سنة وَسبع وَثَلَاثُونَ سنة، وَكَانَ مولد إِبْرَاهِيم فِي زمن نمْرُود بن كنعان، لَعنه الله تَعَالَى، وَلَكِن اخْتلفُوا فِي أَي مَكَان ولد؟ فَقيل: بِبابُُِل من أَرض السوَاد مَدِينَة نمْرُود، قَالَه ابْن عَبَّاس، وَعَن مُجَاهِد: بكوثا محلّة بكوفة، وَعَن عِكْرِمَة: بالسوس، وَعَن السّديّ: بَين الْبَصْرَة والكوفة، وَعَن الرّبيع بن أنس: بكسكر ثمَّ نَقله أَبوهُ إِلَى كوثا، وَعَن وهب: بحران، وَالصَّحِيح الأول،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن سعد فِي ( الطَّبَقَات) كنية إِبْرَاهِيم أَبُو الأضياف، وَقد سَمَّاهُ الله بأسماء كَثِيرَة مِنْهَا: الأواه والحليم والمنيب، قَالَ الله تَعَالَى: { إِن إِبْرَاهِيم لحليم أَواه منيب} ( هود: 57) .
وَمِنْهَا: الحنيف وَهُوَ المائل إِلَى الدّين الْحق، وَمِنْهَا: القانت والشاكر إِلَى غير ذَلِك.
قلت: هَذِه أَوْصَاف لَهُ فِي الْحَقِيقَة، وَمَات إِبْرَاهِيم وعمره مِائَتي سنة، وَهُوَ الْأَصَح، وَيُقَال: مائَة وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ سنة، قَالَه الْكَلْبِيّ،.

     وَقَالَ  مقَاتل: مائَة وَتسْعُونَ سنة، وَدفن بالمغارة الَّتِي فِي جبرون وَهِي الْآن تسمى بِمَدِينَة الْخَلِيل، وَمعنى: إِبْرَاهِيم: أَب رَحِيم، لِرَحْمَتِهِ الْأَطْفَال، وَلذَلِك جعل هُوَ وَسَارة كافلين لأطفال الْمُؤمنِينَ الَّذين يموتون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَسَيَأْتِي عَن قريب،.

     وَقَالَ  الجواليقي: إِبْرَاهِيم وأبرهم وإبراهم وإبراهام.
وقَوْلِهِ { إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتَاً} ( النَّحْل: 021) .
وقوْلِهِ { إنَّ إبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} ( التَّوْبَة: 411) .

وَقَوله، عطف على الْمَجْرُور فِي: بابُُ قَول الله تَعَالَى، الأواه، على وزن: فعال، للْمُبَالَغَة فِيمَن يَقُول أوه، وَهُوَ المتأوه المتضرع، وَقيل: هُوَ الْكثير الْبكاء، وَقيل: هُوَ الْكثير الدُّعَاء.
وَفِي الحَدِيث: ( أللهم إجعلني لَك مخبتاً أوَّاهاً منيباً) وَعَن مُجَاهِد: الأوَّاه الْمُنِيب: الْفَقِير الْمُوفق، وَعَن الشّعبِيّ: الأواه المسبح، وَعَن كَعْب الْأَحْبَار: كَانَ إِذا ذكر النَّار قَالَ: أَواه من عَذَاب الله تَعَالَى.

وَقَالَ أبُو مَيْسَرَةَ الرَّحِيمُ بِلسَان الحَبَشَةِ
أَبُو ميسرَة ضد الميمنة واسْمه: عَمْرو بن شُرَحْبِيل الْهَمدَانِي الوادعي الْكُوفِي، سمع ابْن مَسْعُود، وَعنهُ أَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، مَاتَ قبل أبي جُحَيْفَة فِي ولَايَة عبيد الله بن زِيَاد، وَهَذَا الْأَثر الْمُعَلق وَصله وَكِيع فِي تَفْسِيره من طَرِيق أبي إِسْحَاق عَنهُ.



[ قــ :3197 ... غــ :3349 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخبرَنا سُفْيانُ حدَّثنا المُغِيرَةُ بنُ النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثَني سَعِيدُ ابنُ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً ثُمَّ قَرَأ { ك بَدَأنا أوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدَاً علَيْنَا إنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} ( الْأَنْبِيَاء: 401) .
وأوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ القِيامَةِ إبْرَاهِيمُ وإنَّ أُنَاسَاً مِنْ أصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فأقُولُ أصْحَابِي أصْحَابِي فيُقَالُ إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ علَى أعْقَابِهِمْ مُنْذُ فارَقْتَهُمْ فأقُولُ كَما قالَ العَبْدُ الصَّالِحُ { وكُنْتُ علَيْهِمْ شَهِيدَاً مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إلَى قَوْلهِ { الحَكِيمُ} ( الْمَائِدَة: 711) .
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَأول من يُكسى يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، والمغيرة بن النُّعْمَان النَّخعِيّ الْكُوفِي.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن أبي الْوَلِيد وَسليمَان بن حَرْب فرقهما، وَفِي الرقَاق عَن بنْدَار عَن غنْدر، وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَن مُحَمَّد بن يُوسُف.
وَفِيه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن كثير.
وَأخرجه مُسلم فِي صفة الْقِيَامَة عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن عبيد الله بن معَاذ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار بِهِ وَعَن مَحْمُود بن غيلَان وَفِي التَّفْسِير عَن مَحْمُود بن غيلَان أَيْضا.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن مَحْمُود بن غيلَان وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَفِي التَّفْسِير عَن سُلَيْمَان بن عبيد الله.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( إِنَّكُم مَحْشُورُونَ) ، جمع محشور من الْحَشْر، وَهُوَ الْجمع، وَفِي رِوَايَة مُسلم: إِنَّكُم تحشرون، بتاء المضارعة على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( حُفَاة) ، جمع حافٍ، وَهُوَ خلاف الناعل، كقضاة جمع قاضٍ من حفي يحفى حفيةً وحفايةً، وَأما من حفي من كَثْرَة الْمَشْي إِذا رقت قدمه فَهُوَ حفء من: الحفاء، مَقْصُور.
قَوْله: ( عُرَاة) جمع عَار من الثِّيَاب.
قَوْله: ( غرلًا) ، بِضَم الْغَيْن جمع: أغرل، وَهُوَ الأقلف، وَهُوَ الَّذِي لم يختن، وَبقيت مَعَه غرلته، وَهِي قلفته، وَهِي الْجلْدَة الَّتِي لم تقطع فِي الْخِتَان.
قَالَ الْأَزْهَرِي وَغَيره: هُوَ الأغرل، والأرغل والأغلف، بالغين الْمُعْجَمَة فِي الثَّلَاثَة، والأقلف والأعرم بِالْعينِ الْمُهْملَة وَجمعه: غرل ورغل وغلف وقلف وعرم، والغرلة: مَا يقطع من ذكر الصَّبِي وَهُوَ القلفة وبطولها يعرف نجابة الصَّبِي..
     وَقَالَ  أَبُو هِلَال العسكري: لَا تلتقي الرَّاء مَعَ اللَّام فِي الْعَرَبيَّة إلاَّ فِي أَربع كَلِمَات: أرل اسْم جبل، وورل اسْم دَابَّة، وجرل هُوَ اسْم للحجارة، والغرلة..
     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : أهمل أَربع كَلِمَات أُخْرَى: برل الديك، وَهُوَ الريش الَّذِي يستدير بعنقه.
وعيش أغرل: أَي وَاسع، وَرجل غرل: مسترخي الْخلق والهرل: ولد ... قَالَه القالي: قلت: لُغَة الْعَرَب وَاسِعَة واستقصاء هَذِه الْمَادَّة متعسر، والورل، بِفتْحَتَيْنِ: دَابَّة مثل الضَّب، وَالْجمع ورلان، والجرل، بِفَتْح الْجِيم وَفتح الرَّاء وَكَذَلِكَ الجرول وَالْوَاو للإلحاق بِجَعْفَر، وبرل الديك، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: برائل الديك عفرته، وَهُوَ الريش الَّذِي يستدير فِي عُنُقه، وَلم يذكر برلاً، وَقد برأل الديك برألة: إِذا نفش برائله، وعيش أغرل بالغين الْمُعْجَمَة، وَرجل غرل، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء: مسترخي الْخلق بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.
فَإِن قلت: مَا فَائِدَة الغلفة يَوْم الْقِيَامَة؟ قلت: الْمَقْصُود أَنهم يحشرون كَمَا خلقُوا لَا شَيْء مَعَهم وَلَا يفقد مِنْهُم شَيْء، حَتَّى الغرلة تكون مَعَهم..
     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: لَذَّة جماع الأقلف تزيد على لَذَّة جماع المختون،.

     وَقَالَ  ابْن عقيل: بشرة حَشَفَة الأقلف موقاة بالقلفة فَتكون بَشرَتهَا أرق وَمَوْضِع الْحس كلما رق كَانَ الْحس أصدق كراحة الْكَفّ، إِذا كَانَت موقاة من الْأَعْمَال صلحت للحس، وَإِذا كَانَت يَد قصار أَو نجار خَفِي فِيهَا الْحس، فَلَمَّا أبانوا فِي الدُّنْيَا تِلْكَ الْبضْعَة لأَجله أَعَادَهَا الله ليذيقها من حلاوة فَضله، قَالَ: والسر فِي الْخِتَان، مَعَ أَن القلفة مَعْفُو عَن مَا تحتهَا من النَّجس، أَنه سنة إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي سعيد: أَنه لما حَضَره الْمَوْت دَعَا بِثِيَاب جدد فلبسها، ثمَّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: إِن الْمَيِّت يبْعَث فِي ثِيَابه الَّتِي يَمُوت فِيهَا، وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا وَصَححهُ، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: إِنَّكُم تحشرون رجَالًا وركباناً وَتجرونَ على وُجُوهكُم، فَفِيهَا مُعَارضَة لحَدِيث الْبابُُ ظَاهرا.
قلت: أُجِيب بِأَنَّهُم يبعثون من قُبُورهم فِي ثِيَابهمْ الَّتِي يموتون فِيهَا، ثمَّ عِنْد الْحَشْر تتناثر عَنْهُم ثِيَابهمْ فيحشرون عُرَاة أَو بَعضهم يأْتونَ إِلَى موقف الْحساب عُرَاة ثمَّ يكسون من ثِيَاب الْجنَّة، وَبَعْضهمْ حمل قَوْله: يبعثون فِي ثِيَابه، على الْأَعْمَال، أَي: فِي أَعماله الَّتِي يَمُوت فِيهَا من خير أَو شَرّ.
قَالَ تَعَالَى: { ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير} ( الْأَعْرَاف: 62) ..
     وَقَالَ  تَعَالَى: { وثيابك فطهر} ( المدثر: 3) .
أَي: عَمَلك أخلصه، وروى مُسلم عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَرْفُوعا: يبْعَث كل عبد على مَا مَاتَ عَلَيْهِ، وَحمله بَعضهم على الشُّهَدَاء الَّذين أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن يزملوا فِي ثِيَابهمْ ويدفنوا بهَا، وَلَا يُغير شَيْء من حَالهم، وَقَالُوا: يحْتَمل أَن يكون أَبُو سعيد سمع الحَدِيث فِي الشُّهَدَاء فتأوله على الْعُمُوم،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَمِمَّا يدل على حَدِيث الْبابُُ قَوْله تَعَالَى: { وَلَقَد جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة} ( الْأَنْعَام: 49) .
وَقَوله تَعَالَى: { كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} ( الْأَعْرَاف: 92) .
وَلَا ملابس يَوْمئِذٍ إلاَّ فِي الْجنَّة، وَذهب الْغَزالِيّ إِلَى حَدِيث أبي سعيد وَاحْتج بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بالغوا فِي أكفان مَوْتَاكُم، فَإِن أمتِي تحْشر فِي أكفانها، وَسَائِر الْأُمَم عُرَاة، رَوَاهُ أَبُو سُفْيَان مُسْندًا.
وَأجِيب: عَنهُ، على تَقْدِير صِحَّته: إِنَّه مَحْمُول على أمتِي الشُّهَدَاء، وَاحْتج الْغَزالِيّ أَيْضا بِمَا رَوَاهُ أَبُو نصر الوائلي فِي ( الْإِبَانَة) : من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر مَرْفُوعا: أَحْسنُوا أكفان مَوْتَاكُم، فَإِنَّهُم يتباهون بهَا ويتزاورون فِي قُبُورهم.
وَأجِيب: بِأَن ذَلِك يكون فِي البرزخ، كَمَا فِي نفس الحَدِيث، فَإِذا قَامُوا خَرجُوا، كَمَا فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: إلاَّ الشُّهَدَاء.
قَوْله: ثمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى: { كَمَا بدأنا أول خلق نعيده} ( الْأَنْبِيَاء: 401) .
الْآيَة، وأولها هُوَ قَوْله: { يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل للْكتاب} ( الْأَنْبِيَاء: 401) .
أَي: يَوْم نطوي السَّمَاء طياً كطي السّجل الصَّحِيفَة للْكتاب الْمَكْتُوب، وَعَن عَليّ وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: السّجل ملك يطوي كتب ابْن آدم إِذا رفعت إِلَيْهِ، وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: السّجل كَاتب لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعنهُ أَيْضا السّجل يَعْنِي: الرجل، فعلى هَذِه الْأَقْوَال: الْكتاب اسْم الصَّحِيفَة الْمَكْتُوب فِيهَا.
قَوْله: { أول خلق} ( الْأَنْبِيَاء: 401) .
مفعول لقَوْله: نعيد، الَّذِي يفسره: نعيده، الَّذِي بعده، وَالْكَاف مَكْفُوفَة بِمَا، وَالْمعْنَى: نعيد أول خلق كَمَا بدأناه، تَشْبِيها للإعادة بالإبداء فِي تنَاول الْقُدْرَة لَهما على السوَاء، وَقيل: كَمَا بدأناهم فِي بطُون أمهاتهم حُفَاة عُرَاة غرلًا، كَذَلِك نعيدهم يَوْم الْقِيَامَة نظيرها.
قَوْله: ( وَعدا) مصدر مُؤَكد، لِأَن قَوْله: نعيده، عدَّة للإعادة.
قَوْله: ( إنَّا كُنَّا فاعلين) أَي: قَادِرين على مَا نشَاء أَن نَفْعل، وَقيل: مَعْنَاهُ: إِنَّا كُنَّا فاعلين مَا وعدناه.
قَوْله: ( وَأول من يكسى يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم) ، فِيهِ منقبة، ظَاهره لَهُ فَضِيلَة عَظِيمَة وخصوصية، كَمَا خص مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجده مُتَعَلقا بساق الْعَرْش، مَعَ أَن سيد الْأمة أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض، وَلَا يلْزم من هَذَا أَن يكون أفضل مِنْهُ، بل هُوَ أفضل من فِي الْقِيَامَة، وَلَا يلْزم من اخْتِصَاص الشَّخْص بفضيلة كَونه أفضل مُطلقًا، أَو المُرَاد غير الْمُتَكَلّم بذلك، لِأَن قوما من أهل الْأُصُول ذكرُوا أَن الْمُتَكَلّم لَا يدْخل تَحت عُمُوم خطابه، وروى ابْن الْمُبَارك فِي ( رقائقه) : من حَدِيث عبد الله بن الْحَارِث عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أول من يكسى خَلِيل الله قبطيتين، ثمَّ يكسى مُحَمَّد حلَّة حبرَة عَن يَمِين الْعَرْش.
وَفِي ( منهاج الْحَلِيمِيّ) : من حَدِيث عباد بن كثير عَن أبي الزبير عَن جبر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أول من يكسى من حلل الْجنَّة إِبْرَاهِيم، ثمَّ مُحَمَّد ثمَّ النَّبِيون، ثمَّ قَالَ: إِذا أَتَى بِمُحَمد أُتِي بحلة لَا يقوم لَهَا الْبشر لنفاسة الْكسْوَة، فَكَأَنَّهُ كسى مَعَ إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وروى أَبُو نعيم من حَدِيث ابْن مَسْعُود فِيهِ: فَيكون أول من يكسى إِبْرَاهِيم، فَيَقُول: رَبنَا عز وَجل إكسوا خليلي، فَيُؤتى بربطتين بيضاوين فيلبسهما، ثمَّ يقْصد مُسْتَقْبل الْعَرْش، ثمَّ يُؤْتى بكسوتي فألبسها فأقوم عَن يَمِينه مقَاما يغبطني فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ.
وَفِي ( الْأَسْمَاء وَالصِّفَات) للبيهقي: من حَدِيث ابْن عَبَّاس، مَرْفُوعا: أول من يكسى إِبْرَاهِيم حلَّة من الْجنَّة، وَيُؤْتى بكرسي فيطرح عَن يَمِين الْعَرْش، وَيُؤْتى بِي فأكسى حلَّة لَا يقوم لَهَا الْبشر.
وَالْحكمَة فِي خُصُوصِيَّة إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بذلك لكَونه ألقِي فِي النَّار عُريَانا، وَقيل: لِأَنَّهُ أول من لبس السَّرَاوِيل مُبَالغَة فِي السّتْر، وَلَا سِيمَا فِي الصَّلَاة، فَلَمَّا فعل ذَلِك جوزي بِأَن يكون أول من يستر يَوْم الْقِيَامَة.
قَوْله: ( وَإِن أُنَاسًا من أَصْحَابِي يُؤْخَذ بهم ذَات الشمَال) ، بِكَسْر الشين ضد الْيَمين وَيُرَاد بهَا جِهَة الْيَسَار.
قَوْله: ( فَأَقُول: أَصْحَابِي أَصْحَابِي) الأول، خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هَؤُلَاءِ أَصْحَابِي، وأصحابي الثَّانِي تَأْكِيد لَهُ، ويروى: أصيحابي أصيحابي، وَوجه التصغير فِيهِ إِشَارَة إِلَى قلَّة عدد من هَذَا وَصفهم.
قَوْله: ( لن يزَالُوا) ويروى: لم يزَالُوا، وَفِي رِوَايَة مُسلم: ألاَّ وَإنَّهُ سيجاء بِرِجَال من أمتِي فَيُؤْخَذ بهم ذَات الشمَال، فَأَقُول: يَا رب أَصْحَابِي.
قَوْله: ( لن يزَالُوا مرتدين على أَعْقَابهم مُنْذُ فَارَقْتهمْ) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَيُقَال: ( لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك) ،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: الإرتداد هُنَا التَّأْخِير عَن الْحُقُوق اللَّازِمَة وَالتَّقْصِير فِيهَا، قيل: هُوَ مَرْدُود، لِأَن ظَاهر الإرتداد يَقْتَضِي الْكفْر لقَوْله تَعَالَى: { أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم} ( آل عمرَان: 441) .
أَي: رجعتم إِلَى الْكفْر والتنازع، وَلِهَذَا قَالَ: بعدا لَهُم وَسُحْقًا، وَهَذَا لَا يُقَال للْمُسلمين، فَإِن شَفَاعَته للمذنبين.
فَإِن قلت: كَيفَ خَفِي عَلَيْهِ حَالهم مَعَ إخْبَاره بِعرْض أمته عَلَيْهِ؟ قلت: لَيْسُوا من أمته، وَإِنَّمَا يعرض عَلَيْهِ أَعمال الْمُوَحِّدين لَا الْمُرْتَدين وَالْمُنَافِقِينَ،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يَكُونُوا منافقين أَو مرتكبي الْكَبَائِر من أمته، قَالَ: وَلم يرْتَد أحد من أمته، وَلذَلِك قَالَ: على أَعْقَابهم، لِأَن الَّذِي يعقل من قَوْله: الْمُرْتَدين الْكفَّار إِذا أطلق من غير تَقْيِيد، وَقيل: هم قوم من جُفَاة الْعَرَب دخلُوا فِي الْإِسْلَام أَيَّام حَيَاته رَغْبَة وَرَهْبَة: كعيينة بن حُصَيْن، جَاءَ بِهِ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَسِيرًا، والأشعث بن قيس، فَلم يقتلهما وَلم يسترقهما، فعادوا الْإِسْلَام..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: المُرَاد بِهِ المُنَافِقُونَ والمرتدون، وَقيل: المُرَاد من كَانَ فِي زَمَنه مُسلما ثمَّ ارْتَدَّ بعده، فيناديه لما كَانَ يعرفهُ فِي حَال حَيَاته من إسْلَامهمْ، فَيُقَال: ارْتَدُّوا بعْدك.
فَإِن قلت: يشكل عَلَيْهِ بِعرْض الْأَعْمَال؟ قلت: قد ذكرنَا أَن الَّذِي يعرض عَلَيْهِ أَعمال الْمُوَحِّدين لَا الْمُرْتَدين وَلَا الْمُنَافِقين..
     وَقَالَ  أَبُو عمر: كل من أحدث فِي الدّين فَهُوَ من المطرودين عَن الْحَوْض: كالخوارج وَالرَّوَافِض وَسَائِر أَصْحَاب الْأَهْوَاء، وَكَذَلِكَ الظَّلَمة المسرفون فِي الْجور وطمس الْحق والمعلنون بالكبائر.
قَوْله: ( فَأَقُول كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالح) وَهُوَ: عِيسَى بن مَرْيَم، صلوَات الله عَلَيْهِمَا.
قَوْله: { وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا} إِلَى آخِره ( الْمَائِدَة: 711) .
وَتَمام هَذَا الْكَلَام من قَوْله: { وَإِذ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس} ( الْمَائِدَة: 711) .
إِلَى قَوْله: { فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} ( الْمَائِدَة: 711) .
وَمعنى قَوْله: { وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا} ( الْمَائِدَة: 711) .
أَي: كنت أشهد على أَعْمَالهم حِين كنت بَين أظهرهم، فَلَمَّا توفيتني كنت أَنْت الرَّقِيب أَي: الحفيظ عَلَيْهِم، والمراقبة فِي الأَصْل المراعاة، وَقيل: أَنْت الْعَالم بهم وَأَنت على كل شَيْء شَهِيد أَي: شَاهد لما حضر وَغَابَ، وَقيل: على من عصى وأطاع.
قَوْله: { أَن تُعَذبهُمْ} ( الْمَائِدَة: 711) .
ذكر ذَلِك على وَجه الاستعطاف وَالتَّسْلِيم لأَمره، وَإِن تغْفر لَهُم فبتوبة كَانَت مِنْهُم لأَنهم عِبَادك وَأَنت الْعَادِل فيهم، وَأَنت فِي مغفرتك عَزِيز لَا يمْتَنع عَلَيْك مَا تُرِيدُ، حَكِيم فِي ذَلِك.