هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3211 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ ، وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ بُرَيْدٍ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ لَهُمُ الْحُمْلَانَ ، إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ ، وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ ، فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، إِنَّ أَصْحَابِي أَرْسَلُونِي إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيْءٍ ، وَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَا أَشْعُرُ ، فَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمِنْ مَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي ، فَأَخْبَرْتُهُمُ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا سُوَيْعَةً إِذْ سَمِعْتُ بِلَالًا يُنَادِي : أَيْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ فَأَجَبْتُهُ ، فَقَالَ : أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوكَ ، فَلَمَّا أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : خُذْ هَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ ، وَهَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ ، وَهَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ ، لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ ، فَانْطَلِقْ بِهِنَّ إِلَى أَصْحَابِكَ ، فَقُلْ : إِنَّ اللَّهَ - أَوْ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ فَارْكَبُوهُنَّ ، قَالَ أَبُو مُوسَى : فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي بِهِنَّ ، فَقُلْتُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إِلَى مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلْتُهُ لَكُمْ ، وَمَنْعَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ ، ثُمَّ إِعْطَاءَهُ إِيَّايَ بَعْدَ ذَلِكَ ، لَا تَظُنُّوا أَنِّي حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ ، فَقَالُوا لِي : وَاللَّهِ إِنَّكَ عِنْدَنَا لَمُصَدَّقٌ ، وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَ ، فَانْطَلَقَ أَبُو مُوسَى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ ، حَتَّى أَتَوُا الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْعَهُ إِيَّاهُمْ ، ثُمَّ إِعْطَاءَهُمْ بَعْدُ ، فَحَدَّثُوهُمْ بِمَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو مُوسَى سَوَاءً
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  أو قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملكم على هؤلاء فاركبوهن ، قال أبو موسى : فانطلقت إلى أصحابي بهن ، فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملكم على هؤلاء ، ولكن والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألته لكم ، ومنعه في أول مرة ، ثم إعطاءه إياي بعد ذلك ، لا تظنوا أني حدثتكم شيئا لم يقله ، فقالوا لي : والله إنك عندنا لمصدق ، ولنفعلن ما أحببت ، فانطلق أبو موسى بنفر منهم ، حتى أتوا الذين سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعه إياهم ، ثم إعطاءهم بعد ، فحدثوهم بما حدثهم به أبو موسى سواء
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي موسى رضي الله عنه قال: أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله لهم الحملان إذ هم معه في جيش العسرة ( وهي غزوة تبوك) .
فقلت: يا نبي الله إن أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم.
فقال والله لا أحملكم على شيء ووافقته وهو غضبان ولا أشعر فرجعت حزينًا من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مخافة أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجد في نفسه علي فرجعت.
إلى أصحابي فأخبرتهم الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالاً ينادي: أي عبد الله بن قيس.
فأجبته.
فقال: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك.
فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خذ هذين القرينين وهذين القرينين وهذين القرينين ( لستة أبعرة ابتاعهن حينئذ من سعد) فانطلق بهن إلى أصحابك فقل إن الله ( أو قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحملكم على هؤلاء فاركبوهن قال أبو موسى فانطلقت إلى أصحابي بهن فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملكم على هؤلاء ولكن والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألته لكم ومنعه في أول مرة ثم إعطاءه إياي بعد ذلك لا تظنوا أني حدثتكم شيئًا لم يقله.
فقالوا لي: والله إنك عندنا لمصدق ولنفعلن ما أحببت.
فانطلق أبو موسى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعه إياهم ثم إعطاءهم بعد فحدثوهم بما حدثهم به أبو موسى سواء.


المعنى العام

يقول الله تعالى: { { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } } [المائدة: 89] وهكذا شرع الله عبادة مالية أو بدنية فداء لليمين، وكفارة للحنث فيه، وإذا كان اليمين عقدًا وتعهدًا من الحالف مع ربه، فقد جعل الله جل شأنه تحلة هذا العقد، وفك رباطه بهذه الكفارة، حيث قال: { { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } } [التحريم: 2] فأصبح الحالف بين خيرين، إما أن يمضي ما حلف عليه، فيبر بيمينه وعهده مع ربه، وينتفع بتحقيق ما حلف عليه إذا كان من وجوه الخير، وإما أن يكفر عن يمينه، بتلك العبادة المالية أو البدنية، وفي كل خير، فإذا حلف أن يفعل مباحًا أو خيرًا، فرأى خيرًا مما حلف عليه رسم له الحديث الشريف طريقًا إلى الحصول على الخيرين معًا، أن يفعل الشيء الذي حلف ألا يفعله، أو أن يترك الشيء الذي حلف أن يفعله، وليكفر عن يمينه، فالارتقاء بالخير تقوى، وتكفير اليمين تقوى، واغتنام الخيرين أفضل من خير واحد، ومن تقوى واحدة.

وبدأ بنفسه صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، فقال إني - والله - إن شاء الله - لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير، وتحللتها وطبق هذا القانون على نفسه، يوم جاءه أبو موسى الأشعري يطلب لنفسه ولجماعة من الأشعريين نوقًا يركبونها، ويحملون عليها زادهم في سفرهم إلى غزوة العسرة، غزوة تبوك، إنهم مشاة لا يملكون ما يحملهم، وإن الطريق طويل من المدينة إلى تبوك، والحر الشديد، والرسول صلى الله عليه وسلم يوزع على المحتاجين ما عنده من إبل، ليتعاقب على البعير الواحد من يتعاقبون، ويأتي أبو موسى، وقد نفد ما عنده صلى الله عليه وسلم، فيسأل، وهو يظن وجود الفضل، ويعتذر الرسول صلى الله عليه وسلم، بأنه ليس عنده ما يحملهم عليه، ويلح أبو موسى لشدة حاجته، وأكثر ما كان يؤلم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعجز عن مساعدة المحتاجين، وكم يغضبه أن يلح من لا يعرف حاله، فقال لأبي موسى: والله ما أحملكم، لأني لا أجد ما أحملكم عليه، وانصرف أبو موسى حزينًا، وبعد قليل جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة، فيها إبل، فدعا أبا موسى وأعطاه ستًا منها، له ولأصحابه، فلما وصل أصحابه قالوا: لقد حلف صلى الله عليه وسلم ألا يعطينا، لعله نسي، فلنذكره، فلما جاءوه قال: لم أنس يميني، ولكني - إن شاء الله - لا أحلف على يمين فأجد غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني، وفعلت الذي هو خير، صلى الله عليه وسلم.

المباحث العربية

( أبو موسى الأشعري) عبد الله بن قيس، مشهور باسمه وكنيته، قدم المدينة بعد فتح خيبر، صادفت سفينته سفينة جعفر بن أبي طالب، فقدموا جميعًا، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض اليمن، واستعمله عمر على البصرة.

( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين نستحمله) أي يطلبون منه أن يحملهم على أبعرة من عنده، أي يطلبون منه ما يحملهم ويحمل أمتعتهم، والجملة صفة ثانية لرهط، والرهط الجماعة من ثلاثة - أو من سبعة - إلى عشرة - أو إلى ما دون العشرة.

وفي في قوله في رهط سببية، أي بسبب رهط، كقوله صلى الله عليه وسلم دخلت امرأة النار في هرة وإسناد اللإتيان إلى الجماعة - في قوله في الرواية الرابعة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله من قبيل إسناد الفعل إلى الراضين به، كقوله فعقروا الناقة والرواية الثانية توضح أن أصحابه أرسلوه نيابة عنهم.
والأشعريون قومه من أهل اليمن، وجمع الحافظ ابن حجر بأن أبا موسى حضر هو والرهط، فباشر الكلام بنفسه عنهم.
وهذا الجمع تستبعده الرواية الثانية، إذ طلب من أصحابه أن يستوثقوا من نقله عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقوله في الرواية الثانية أسأله لهم الحملان بضم الحاء، أي الحمل، وفي كتب اللغة: الحملان ما تحمل عليه الأمتعة من الدواب، وعند البخاري وهو يقسم نعمًا - بفتح النون والعين - من نعم الصدقة فبين سبب الإتيان في هذا الوقت، ولعل النعم انتهى توزيعها ونفدت حين وصوله، فتألم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدة حاجة أصحابه إلى الظهر مع نفاد ما عنده، فكان غاضبًا، حين طلب أبو موسى الأشعري، فكان في رده بعض العنف، وبهذا عذره أبو موسى، وعذر نفسه، حيث قال في الرواية الثانية ووافقته وهو غضبان ولا أشعر.

( والله لا أحملكم، وما عندي ما أحملكم عليه) الجملة الثانية كالتعليل للجملة الأولى، وقد قدمت على الجملة الأولى في الرواية الرابعة، وفي الرواية الثانية، والله لا أحملكم على شيء والظاهر أن أبا موسى ألح في الطلب، ففي الرواية الثانية فرجعت حزينًا، من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن مخافة أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد وجد في نفسه علي يقال: وجد فلان، بفتح الجيم يجد، بكسرها، وجدًا، بسكونها مع فتح الواو، إذا حزن ووجد عليه إذا غضب، وهؤلاء الأشعريون ليسوا من البكائين، الذين قال الله فيهم { { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا....
}
}
[التوبة: 92] .

( فلبثنا ما شاء الله) أي فلبثنا زمنًا شاءه الله، وفي الرواية الثانية فلم ألبث إلا سويعة والساعة في اللغة جزء من أجزاء الوقت، قل أو كثر، فالمعنى لم ألبث إلا وقتًا، وليس المراد منها هنا جزءًا من أربعة وعشرين جزءًا من الليل والنهار، والظاهر أنه لبث جزءًا من نهار.

( ثم أتي بإبل) في الرواية الثالثة فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهب إبل بالإضافة، وبتنوين نهب وإبل بدل منه.
والنهب بفتح النون وسكون الهاء بعدها باء، الغنيمة، وأصله ما يؤخذ اختطافًا، بحسب السبق إليه على غير تسوية بين الآخذين.

وفي الرواية الثانية، ابتاعهن حينئذ من سعد قال الحافظ ابن حجر، ويجمع بينهما باحتمال أن تكون الغنيمة لما حصلت حصل لسعد منها القدر المذكور، فابتاع النبي صلى الله عليه وسلم منه نصيبه، فحملهم عليه، قيل: هو سعد بن عبادة.

( فأمر لنا بثلاث ذود) معطوف على محذوفات أبرزتها الرواية الثانية، وفي رواية البخاري فقيل: أين هؤلاء الأشعريون؟ فأتينا، فأمر لنا والذود بفتح الذال وسكون الواو من الثلاث إلى العشر من النوق، وقيل: إلى السبع، وقيل: من الاثنتين إلى التسع، وثلاث ذود من إضافة الشيء إلى نفسه، وبتنوين ثلاث وذود بدل، أي بثلاث هي ثلاث نوق، وفي روايتنا الرابعة بثلاثة ذود والصواب الأول، لأن الذود مؤنث، ووجهها الحافظ ابن حجر، بأن الذود قد يطلق على الذكر والأنثى، وقال النووي: وهو صحيح، يعود إلى معنى الإبل، وهو الأبعرة، وظاهر هذه الرواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم حملهم على ثلاث نوق، لكن الرواية الثالثة، تقول فأمر لنا بخمس ذود قال ابن التين: الله أعلم أيهما يصح، قال الحافظ ابن حجر، لعل الجمع بينهما يحصل من الرواية الأخرى روايتنا الثانية ولفظها خذ هذين القرينين - أي البعيرين المقرون أحدهما بصاحبه - وهذين القرينين، لستة أبعرة فلعل رواية الثلاث باعتبار ثلاثة أزواج إذ كان كل اثنين قد ربطا ببعضهما كأنهما واحد - ورواية الخمس باعتبار أن أحد الأزواج كان قرينه - صغيرًا - تابعًا له، فاعتد به تارة، ولم يعتد به أخرى.
أو أن أحد الأزواج كان سنمه مخالفًا للخمسة، فلم يكن غر الذرى، ويمكن أن يجمع بأنه أمر لهم بثلاث ذود أولاً، ثم زادهم اثنتين.

( غر الذرى) الذرى بضم الذال وكسرها، وفتح الراء المخففة، جمع ذروة، بكسر الذال وضمها.
وذروة كل شيء أعلاه، والمراد هنا الأسنمة، والغر البيض، وكذلك البقع الوارد في الرواية الرابعة، المراد بها البيض، وأصلها ما كان فيه بياض وسواد، والمعنى أمر لنا بإبل بيض الأسنمة.

( ما أنا حملتكم، ولكن الله حملكم) قيل: معناه نسبة الأفعال الاختيارية إلى الله، وإن الله خالق كل شيء، وقيل: معناه أن الله تعالى آتاني ما أحملكم عليه، وقيل: معناه أن الله أمرني أن أحملكم، فاشتريت لكم ما يحملكم، ويكون قد أوحي إليه أن يحملهم.

( وإني -إن شاء الله- لا أحلف على يمين) التعليق على المشيئة يقال له استثناء، فكأن فيه إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، ومعنى لا أحلف على يمين أي لا أحلف على شيء، وهو محلوف اليمين، فأطلق عليه لفظ يمين للملابسة، والمراد ما شأنه يكون محلوفًا عليه، فهو من مجاز الاستعارة، ويجوز أن يكون على بمعنى الباء، ورجح الأول بقوله ثم رأى خيرًا منها لأن الضمير منها لا يصح عوده على اليمين، بل على المحلوف عليه.

( إذ هم معه في جيش العسرة، وهي غزوة تبوك) وكانت في شهر رجب من سنة تسع، وتبوك مكان معروف، في نصف المسافة من طريق المدينة - دمشق، والمشهور في تبوك المنع من الصرف للعلمية والتأنيث، ومن صرفها أراد الموضع، خرج المسلمون في قلة من الظهر، وفي عسرة من الماء والنفقة، وفي حر شديد، حتى كانوا ينحرون البعير، فيشربون ما في كرشه من الماء، فسميت غزوة العسرة.

( وعليها لحم دجاج) مثلث الدال، الواحدة دجاجة، مثلثة الدال أيضًا، وقيل: إن الضم ضعيف.

( فدخل رجل من بني تيم الله، أحمر، شبيه بالموالي) أحمر أي أحمر اللون، والمراد من الموالي العجم، قال الحافظ ابن حجر: وهذا الرجل هو زهدم الراوي، أبهم نفسه، ففي ملحق الرواية الثالثة عن زهدم قال: دخلت على أبي موسى، وهو يأكل لحم الدجاج....
الحديث، وعند البيهقي عند زهدم قال: رأيت أبا موسى يأكل الدجاج فدعاني، فقلت: إني رأيته يأكل نتنًا؟ فقال: ادن فكل فقلت: إني حلفت لا آكله.

( فتلكأ) أي تمنع وتوقف.

( إني رأيته يأكل شيئًا فقذرته) أي إني رأيت جنس هذا الدجاج - وليس المراد المأكول عند أبي موسى نفسه - يأكل شيئًا نتنًا، أو قذرًا، فقذرته بكسر الذال وفي رواية إني رأيتها تأكل قذرًا وكأنه ظن أنها أكثرت من ذلك، بحيث صارت جلالة، فبين له أبو موسى أنها ليست كذلك، أو أنه لا يلزم من كون تلك الدجاجة التي رآها كذلك أن يكون كل الدجاج كذلك.

( هلم أحدثك عن ذلك) أي عن الطريق في حل اليمين.

( أغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه) أغفلنا بسكون اللام، أي جعلناه غافلاً، ومعناه كنا سبب غفلته عن يمينه، ونسيانه إياها، وما ذكرناه إياها، أي أخذنا منه ما أخذنا، وهو ذاهل عن يمينه.

( وتحللتها) معنى تحللتها خرجت من حرمتها، إلى ما يحل منها، وذلك يكون بالكفارة.

( قال: إني - واللَّه - ما نسيتها) رد لقولهم: أفنسيت يا رسول الله؟ أي ما نسيت يميني.

( فليأتها، وليكفر عن يمينه) كذا في الرواية الخامسة، وفي الرواية الأولى تقديم التكفير على الإتيان، وكذا السادسة فليكفر عن يمينه، وليفعل أي وليفعل غير ما حلف عليه، وفي الرواية الثامنة ثم رأى أتقى لله منها، فليأت التقوى وهي بمعنى الذي هو خير وفي الرواية التاسعة فليأت الذي هو خير، وليترك يمينه أي وليترك ما حلف عليه، ويكفر عن يمينه.
وفي كل الروايات العطف بين الإتيان والتكفير بالواو، وهي لا تقتضي ترتيبًا ولا تعقيبًا، وسيأتي في فقه الحديث حكم تقديم التكفير على الحنث.

( فسأله نفقة في ثمن خادم) أي إعانة مالية يستكمل بها ثمن عبد يخدمه، وفي الرواية الحادية عشرة يسأله مائة درهم فيمكن أن تكون قصة واحدة، ويحتمل أن تكونا حادثتين.

( ليس عندي ما أعطيك إلا درعي ومغفري....
)
المغفر زرد ينسج على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة عند الحرب، وفي الرواية الحادية عشرة تسألني مائة درهم، وأنا ابن حاتم؟ أي الطائي أي الجواد بن الجواد، الذي يقصد في عظائم الأمور، لا في تافهها؟ فإن كانتا في قصتين فلا إشكال، وإن كانت قصة واحدة، فيحتمل أن الرجل سأل مائة درهم، فاستحقرها عدي، فقال ما قال، وعرض درعه ومغفره، وهما يساويان مئات الدراهم، فلم يرض الرجل أن يجرد عديًا من عدة قتاله، ولعله لم يصدقه، مما أغضب عديًا، فحلف، ولعله غضب لأن الرجل لم يتوجه بهذا الفخار، ثم جاءه مال، فأعطى الرجل أربعة أو خمسة أمثال ما طلب، كرمًا وجودًا.

( وكلت إليها) بضم الواو، وكسر الكاف مخففًا ومشددًا، وسكون اللام، ومعنى المخفف صرفت إليها، ومن وكل إلى نفسه هلك، ومنه في الدعاء، ولا تكلني إلى نفسي والمراد من الإمارة الولاية مطلقًا، فيدخل فيها القضاء والحسبة وكل ما يتعلق بالحكم، وفي بعض نسخ مسلم أكلت إليها بالهمزة.
قاله النووي.
والمعنى أن من طلب الإمارة، فأعطيها تركت إعانته عليها، من أجل حرصه، ومن لم يكن له عون من الله على عمله، لا يكون فيه كفاية لذلك العمل، ومن المعلوم أن كل ولاية لا تخلو من المشقة، فمن لم يكن له من الله إعانة تورط فيما دخل فيه، وخسر دنياه وعقباه، فمن كان ذا عقل لم يتعرض للطلب أصلاً، بل إذا كان كفأ، وأعطيها من غير مسألة فقد وعده الصادق بالإعانة، قال ابن التين: وهو محمول على الغالب، فقد سألها يوسف وقال { { اجعلني على خزائن الأرض } } [يوسف: 55] وقال سليمان { { وهب لي ملكًا } } [ص: 35] قال: ويحتمل أن يكون ذلك في غير الأنبياء.

فقه الحديث

قال النووي: في هذه الأحاديث دلالة على أن من حلف على فعل شيء، أو تركه، وكان الحنث خيرًا من التمادي على اليمين، استحب له الحنث، وتلزمه الكفارة، وهذا متفق عليه، وأجمعوا على أنه لا تجب عليه الكفارة قبل الحنث، وعلى أنه يجوز تأخيرها عن الحنث، وعلى أنه لا يجوز تقديمها على اليمين، واختلفوا في جوازها بعد اليمين، وقبل الحنث، فجوزها مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأربعة عشر صحابيًا وجماعات من التابعين، وهو قول جماهير العلماء، لكن قالوا: يستحب كونها بعد الحنث، واستثنى الشافعي التكفير بالصوم، فقال: لا يجوز قبل الحنث، لأنه عبادة بدنية، فلا يجوز تقديمها على وقتها، كالصلاة وصوم رمضان، وأما التكفير بالمال فيجوز تقديمه، كما يجوز تعجيل الزكاة، واستثنى بعض أصحابنا حنث المعصية، فقال: لا يجوز، لأن فيه إعانة على المعصية، والجمهور على إجزائها، كغير المعصية.

وقال أبو حنيفة وأصحابه وأشهب المالكي: لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث بأي حال، ودليل الجمهور ظواهر هذه الأحاديث - ففي بعضها تقديم الكفارة على الحنث - والقياس على تعجيل الزكاة.
اهـ.

ووافق الحنفية داود الظاهري، وخالفه ابن حزم، واحتج لهم الطحاوي بقوله تعالى: { { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } } [المائدة: 89] فإن المراد إذا حلفتم، فحنثتم، ورده مخالفوهم، فقالوا: بل المراد إذا حلفتم فعزمتم على الحنث، أو المراد ما هو أعم من ذلك، واحتجوا أيضًا بأن الكفارة بعد الحنث فرض، وإخراجها قبله تطوع، فلا يقوم التطوع مقام الفرض.

واحتج الجمهور بأن عقد اليمين، لما كان يحله الاستثناء، وهو كلام، فلأن تحله الكفارة، وهي فعل مالي أو بدني من باب أولى.

وقال ابن حزم: أجاز الحنفية تعجيل الزكاة قبل الحول، وتقديم زكاة الزرع، وأجازوا تقديم كفارة القتل، قبل موت المجني عليه.
اهـ أي فيلزمهم القول بجواز تعجيل كفارة اليمين، قيل الحنث.
والله أعلم.

ويستفاد من الأحاديث فوق ما تقدم

1- من قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى والثالثة إني واللَّه - إن شاء الله - لا أحلف على يمين....
الاستثناء في اليمين، فإذا قال: لأفعلن كذا إن شاء الله، أو إلا أن يشاء الله، أو لا أفعل كذا إن شاء الله، أو إن أراد الله، أو إن اختار الله، فقد استثنى، وقد اتفقوا على أن من قال ذلك، وقصد به التبرك فقط، ففعل، يحنث، وإن قصد الاستثناء فلا حنث عليه، واتفقوا على دخول الاستثناء في كل ما يحلف به، إلا الأوزاعي، فقال: لا يدخل في الطلاق والعتق والمشي إلى بيت الله، وكذا جاء مثله عن مالك وطاووس، وعن أحمد: يدخل الجميع إلا العتق.

2- وجواز الحلف من غير استحلاف، لتأكيد الخبر، ولو كان مستقبلاً.

3- وفي الحديث أن تعمد الحنث في مثل ذلك يكون طاعة، لا معصية.

4- وفي حمله صلى الله عليه وسلم للأشعريين تطييب قلوب الأتباع، واستدراك جبر خاطر السائل.

5- ومن قوله: والله لا أحملكم جواز اليمين عند المنع.

6- ورد السائل الملحف عند تعذر الإسعاف.

7- وتأديبه بنوع من الإغلاظ بالقول.

8- ومن قولهم لا يبارك الله لنا أن من أخذ شيئًا، يعلم أن المعطي لم يكن راضيًا بإعطائه لا يبارك له فيه.

9- أخذ بعضهم من قوله إلا كفرت عن يميني أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك التكفير، وروي عن الحسن البصري أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكفر أصلاً، لأنه مغفور له، وإنما نزلت كفارة اليمين تعليمًا للأمة.

10- ومن قوله ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم إزالة المنة عن المعطي، بإضافة النعمة لمالكها الأصلي.

11- ومن الرواية الثالثة إباحة لحم الدجاج، إنسيه ووحشيه.

12- وإباحة ملاذ الأطعمة والطيبات.

13- ومن قوله فدعا بمائدته استخدام الكبير من يباشر له نقل طعامه، ووضعه بين يديه، قال القرطبي: ولا يناقض ذلك الزهد، ولا ينقصه، خلافًا لبعض المتقشفة، قال الحافظ ابن حجر: والجواز ظاهر، وأما كونه لا ينقص الزهد، ففيه وقفة.

14- دخول المرء على صديقه، في حال أكله.

15- استدعاء صاحب الطعام الداخل، وعرضه الطعام عليه، ولو كان قليلاً، لأن اجتماع الجماعة على الطعام سبب للبركة فيه.

16- وأن أكل الطيور لبعض القاذورات لا يحرم أكلها، واستثنى بعضهم التي تكثر من أكل القاذورات وظاهر صنيع أبي موسى أنه لم يبال بذلك، واختلف الفقهاء في حكم أكل الجلالة، وهي الدابة التي تأكل الجلة، وهي البعر، وادعى ابن حزم اختصاص الجلالة بذوات الأربع، والمعروف التعميم ، وفي الحديث من طرق صحيحة النهي عن لحوم الجلالة، وقد أطلق الشافعي كراهة أكلها، إذا تغير لحمها بأكل النجاسة، وفي وجه إذا أكترث من ذلك، ورجح أكثرهم أنها كراهة تنزيه، ومن حجتهم أن العلف الطاهر إذا صار في كرشها تنجس، فلا تتغذى إلا بالنجاسة، ومع ذلك فلا يحكم على اللحم واللبن بالنجاسة، فكذلك هنا.
وذهب جماعة من الشافعية - وهو قول الحنابلة - إلى أن النهي للتحريم، قال الحافظ ابن حجر: وفي معنى الجلالة ما يتغذى بالنجس، كالشاة ترضع من كلبة، وعن بعض السلف أنه كان يحبس الدجاجة الجلالة ثلاثًا، وبعضهم لا يأكلها إلا بعد أن يعلفها أربعين يومًا.

17- ومن الرواية السابعة عشرة كراهة سؤال الولاية، وأن من سألها لا يكون معه إعانة من الله تعالى.

والله أعلم