هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3261 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ ، وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ ، ثُمَّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ ، وَأَهْلُهَا يَهُودُ ، فَتَفَرَّقَا لِحَاجَتِهِمَا ، فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ ، فَوُجِدَ فِي شَرَبَةٍ مَقْتُولًا ، فَدَفَنَهُ صَاحِبُهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَمَشَى أَخُو الْمَقْتُولِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ ، وَمُحَيِّصَةُ ، وَحُوَيِّصَةُ ، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَحَيْثُ قُتِلَ ، فَزَعَمَ بُشَيْرٌ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ : تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا شَهِدْنَا وَلَا حَضَرْنَا ، فَزَعَمَ أَنَّهُ قَالَ : فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ ؟ فَزَعَمَ بُشَيْرٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلَهُ مِنْ عِنْدِهِ ، وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ يُقَالُ لَهُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ انْطَلَقَ هُوَ وَابْنُ عَمٍّ لَهُ يُقَالُ لَهُ : مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ اللَّيْثِ إِلَى قَوْلِهِ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ ، قَالَ يَحْيَى ، فَحَدَّثَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ ، قَالَ : لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ بِالْمِرْبَدِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ الْأَنْصَارِيُّ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَفَرًا مِنْهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيهَا ، فَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلًا وَسَاقَ الْحَدِيثَ ، وَقَالَ فِيهِ : فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3261 حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار ، أن عبد الله بن سهل بن زيد ، ومحيصة بن مسعود بن زيد الأنصاريين ، ثم من بني حارثة خرجا إلى خيبر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي يومئذ صلح ، وأهلها يهود ، فتفرقا لحاجتهما ، فقتل عبد الله بن سهل ، فوجد في شربة مقتولا ، فدفنه صاحبه ، ثم أقبل إلى المدينة ، فمشى أخو المقتول عبد الرحمن بن سهل ، ومحيصة ، وحويصة ، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأن عبد الله وحيث قتل ، فزعم بشير وهو يحدث عمن أدرك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال لهم : تحلفون خمسين يمينا وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم ، قالوا : يا رسول الله ، ما شهدنا ولا حضرنا ، فزعم أنه قال : فتبرئكم يهود بخمسين ، فقالوا : يا رسول الله ، كيف نقبل أيمان قوم كفار ؟ فزعم بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقله من عنده ، وحدثنا يحيى بن يحيى ، أخبرنا هشيم ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار ، أن رجلا من الأنصار من بني حارثة يقال له : عبد الله بن سهل بن زيد انطلق هو وابن عم له يقال له : محيصة بن مسعود بن زيد وساق الحديث بنحو حديث الليث إلى قوله فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده ، قال يحيى ، فحدثني بشير بن يسار ، قال : أخبرني سهل بن أبي حثمة ، قال : لقد ركضتني فريضة من تلك الفرائض بالمربد ، حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا أبي ، حدثنا سعيد بن عبيد ، حدثنا بشير بن يسار الأنصاري ، عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري ، أنه أخبره أن نفرا منهم انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ، فوجدوا أحدهم قتيلا وساق الحديث ، وقال فيه : فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن بشير بن يسار رضي الله عنه أن عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد الأنصاريين ثم من بني حارثة، خرجا إلى خيبر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي يومئذ صلح وأهلها يهود.
فتفرقا لحاجتهما.
فقتل عبد الله بن سهل، فوجد في شربة مقتولاً، فدفنه صاحبه، ثم أقبل إلى المدينة.
فمشى أخو المقتول عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأن عبد الله وحيث قتل.
فزعم بشير وهو يحدث عمن أدرك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لهم تحلفون خمسين يمينًا وتستحقون قاتلكم؟ ( أو صاحبكم) قالوا: يا رسول الله ما شهدنا ولا حضرنا.
فزعم أنه قال فتبرئكم يهود بخمسين؟ فقالوا: يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فزعم بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقله من عنده.


المعنى العام

كانت القسامةُ في الجاهليةِ قبلَ الإسلام، فكان إذا وُجِدَ قتيل في مكان، ولم تقم أدلةُ الثبوت على القاتل، وكانت هناك شبهة، تغلب على الظن اتهام شخص أو جماعة بقتله، وجه أولياء القتيل التهمة إلى من يتهمون، فيقضي عليهم أن يحلف خمسون منهم اليمين على صحة اتهامهم، فإن هم حلفوا قضى على المتهمين وقومهم أن يحلفوا خمسين يمينًَا أنهم ما قتلوا: وما علموا القاتل، فإن هم حلفوا حقنوا دماءهم، ودفعوا دية القتيل، وإن رفضوا الحلف كان عليهم القود والقصاص، وإن لم يحلف أولياء القتيل، ولا بينة عندهم لم يستحقوا شيئًا، وبخاصة إذا حلف المدعى عليهم، أو إذا لم يقبل المدعون أن يحلفوا.

كان في هذه القسامة محاذير بالنسبة لقواعد الإسلام، قوم يحلفون لمجرد الظن، ولم يروا، ولم يحضروا، ولم يجزموا بحقيقة.
فكيف تقبل أيمانهم؟ وقوم يستحلفون لمجرد اتهام، لا تقوم عليه أدلة.
لماذا يستحلفون؟ وكيف يطالبون بدية قتل لم يثبت عليهم؟ إن هذه الأحكام تتيح لتلفيق التهم مجالاً فسيحًا، وتفتح لإلصاق الجرائم بالبراء بابًا واسعًا، وفي المقابل، لولا هذه الأحكام لأهدرت دماء يجب حقنها، ولتمكن المجرمون من ارتكاب جرائمهم، والهروب من العقاب بل ولتمالأ أهلوهم معهم، وتستروا على جرائمهم، إنها - بحق - قضية شائكة، طرفاها لا يتسمان بالعدالة الظاهرة، وكل من الحكمين فيها لا يخلو من مجاوزة على المحكوم عليه.
ولكن أحد الحكمين - وهو القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية - أقل ضررًا، وأكثر نفعًا من الحكم الآخر، واحتمال أخف الضررين واجب، من هنا أقر الإسلام القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، ومن هنا أعذر بعض العلماء الذين لم يقروا بها، ولم يعملوها، ولم يجوزوها، بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرضها، ولم ينفذها، فلم يقتص بها، ولم يفرض الدية على المتهمين بناء عليها، بلد دفعها من عنده، ولم يثبت أن أبا بكر قضى بها ونفذها في حادثة واحدة، ولم يثبت أن عمر قضى بها ونفذها في حادثة واحدة، فهل يعقل أن نحوًا من ثلاث عشرة سنة لا تقع فيها حادثة تقتضي القسامة؟ معذورون أولئك المتوقفون عن القسامة وإن كانوا قليلين، ومأجورون أولئك القائلون بها، مأجورون، بحسن القصد، وإخلاص النية، والعمل بالسنة، وليس كل ما كان في الجاهلية مذمومًا، فهناك الكثير مما كان فيها وأقره الإسلام مراعاة لمصالح العباد، وعلى الله قصد السبيل.

المباحث العربية

( القسامة) بفتح القاف، وفتح السين مخففة، هي مصدر أقسم قسمًا وقسامة، وهي الأيمان تقسم على أولياء القتيل، إذا ادعوا الدم، أو على المدعى عليهم بالدم، وخص القسم على الدم بلفظ القسامة، وقال إمام الحرمين: القسامة عند أهل اللغة اسم للقوم الذين يقسمون، وعند الفقهاء اسم للأيمان، وقال في المحكم: القسامة: الجماعة يقسمون على الشيء، أو يشهدون به، ويمين القسامة منسوب إليهم، ثم أطلقت على الأيمان نفسها.

( خرج عبد الله بن سهل بن زيد، ومحيصة بن مسعود بن زيد، حتى إذا كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك) أي في الأماكن هنالك، ومحيصة بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الياء المكسورة.
وحويصة بضم الحاء وفتح الواو وتشديد الياء المكسورة، وحكي تخفيف الياء في الاسمين معًا.

وفي الرواية الثانية انطلقا قبل - أي جهة - خيبر، فتفرقا في النخل وفي الرواية الرابعة خرجا إلى خيبر، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي يومئذ صلح، وأهلها يهود، فتفرقا لحاجتهما وفي ملحقها عبد الله بن سهل بن زيد انطلق هو وابن عم له، يقال له: محيصة بن مسعود بن زيد وفي الرواية السادسة أن عبد الله بن سهل ومحيصة، خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم أي ضيق عيش، وكان حقه أن يقول: أصابهما، لكنه راعى أن الجهد أصابهما وأصاب أهلهما.

وفي رواية لمحمد بن إسحق خرج عبد الله بن سهل في أصحاب له، يمتارون تمرًا.
وكان خروجهم بعد فتح خيبر، فإنها لما فتحت أقر النبي صلى الله عليه وسلم أهلها فيها، على أن يعملوا في المزارع بالشطر مما يخرج منها.

( ثم إذا محيصة يجد عبد الله بن سهل قتيلاً، فدفنه، ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وحويصة بن مسعود وعبد الرحمن بن سهل) في بعض النسخ ثم إن محيصة.
وتبين الروايات الأخرى أن محيصة وجد عبد الله بن سهل مقتولاً ينزف دمه، في حفرة غير عميقة من حفر الأرض، وبعد أن دفنه اتهم يهود بقتله، فنفوا، فرجع من خيبر إلى المدينة، فأخذ أخاه حويصة وابن عمه أخا القتيل، عبد الرحمن بن سهل، وذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الرواية الثانية فاتهموا اليهود فجاء أخوه عبد الرحمن، وابنا عمه حويصة ومحيصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الرواية الرابعة فقتل عبد الله بن سهل فوجد في شربة مقتولاً - والشربة بفتح الشين والراء والباء، هي حوض أو حفرة واسعة غير عميقة، تكون في أصل النخلة، وجمعها شرب بفتحتين، مثل ثمرة، وثمر، وفي الرواية السادسة أن عبد الله بن سهل قد قتل، وطرح في عين أو فقير بفتح الفاء وكسر القاف، أي حفيرة، وفي رواية: فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل، وهو يتشحط في دمه، أي يضطرب، فيتمرغ في دمه وفي رواية فأتى محيصة يهود، فقال: أنتم والله قتلتموه، قالوا: والله ما قتلناه.
وفي رواية للبخاري فقالوا للذين وجد فيهم: قد قتلتم صاحبنا، قالوا ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً.

( وكان أصغر القوم) أي كان أخو القتيل، عبد الرحمن بن سهل، أصغر الثلاثة.

( فذهب عبد الرحمن ليتكلم قبل صاحبيه) فإن الأمر أمر أخيه، وهو ولي الدم، وهو الوارث، وأما الآخران فابنا عم، لا ميراث لهما مع الأخ، وإقامة الدعوى تكون من الوارث، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له كبر.
كبر وفي الرواية السادسة فذهب محيصة ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر وهو أعلم بشرح ما وقع، ولكنه لما كان أصغر من أخيه حويصة قال له صلى الله عليه وسلم: كبر.
كبر، ومادام صلى الله عليه وسلم سيسمع من الثلاثة، فليكن سماعه من الأسن، فالأقل سنًا، فالأقل سنًا، حويصة، ثم محيصة، ثم عبد الرحمن، كأدب شرعي.

( كبِّر.
الكُبْرَ في السن)
كبر بتشديد الباء المكسورة، فعل أمر، أي قدم الأكبر منك.
والكبر بضم الكاف وسكون الباء، منصوب على الإغراء، مفعول لفعل محذوف، أي الزم الكبر في السن، وفي الرواية الثانية كبر.
الكبر - أو قال: ليبدأ الأكبر وفي الرواية السادسة: كبر.
كبر - الثانية توكيد - يريد السن فتكلم حويصة، ثم محيصة أي ثم عبد الرحمن، ففي الرواية الأولى فصمت، فتكلم صاحباه وتكلم معهما أي بعدهما.

( فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أتحلفون خمسين يمينًا، فتستحقون صاحبكم؟ أو قاتلكم؟) معناه أيحلف منكم خمسون رجلاً خمسين يمينًا، فيثبت حقكم على من حلفتم عليه؟ أي فأحكم لكم بثبوت حقكم فيمن تعينونه قاتلاً؟ وفي الرواية الثانية يقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع برمته؟ أي فيدفع إليكم من تعينونه؟ والرمة بضم الراء، وتشديد الميم الحبل، والمراد هنا الحبل الذي يربط في رقبة القاتل، ويسلم فيه إلى ولي القتيل.

( قالوا: وكيف نحلف؟ ولم نشهد) ؟ استفهام إنكاري، أو تعجبي، والمراد به النفي، أي لا نحلف، وفي الرواية الثانية أمر لم نشهده.
كيف نحلف؟ وفي الرواية الثالثة ما شهدنا ولا حضرنا؟ وفي الرواية السادسة قالوا: لا، وفي بعض الروايات أنه طلب منهم البينة - شاهدين - ففي رواية للبخاري فقال لهم: تأتون بالبينة على من قتله؟ قالوا: ما لنا ببينة.

( فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب) أي إما أن يدفعوا دية صاحبكم، وإما أن يعلمونا بحرب، إن هم أقروا بقتله خطأ، أو ثبت عليهم القتل بقسامتكم.
فقوله يؤذنِوا بكسر الذال.

( فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا) يهود ممنوع من الصرف، للعلمية والتأنيث، لأنه اسم القبيلة والطائفة.

وقوله فتبرئكم بضم التاء وفتح الباء وكسر الراء المشددة، يقال: برأه من الذنب والتهمة، بتشديد الراء أي خلصه منه، وقضى ببراءته، والمعنى يخلصونكم من اليمين، بأن يحلفوا.
أو فتبرأكم يهود بفتح التاء وسكون الباء وفتح الراء، من برئ يبرأ، بكسر الراء في الماضي، وفتحها في المضارع، يقال: برئ فلان من التهمة إذا خلص منها، أو بضم الراء، يقال: برؤ من التهمة إذا خلا منها، والمعنى فتبرأ منكم يهود، أي فتبرأ من دعواكم، وتبرأ من خصومتكم، ففيه حذف حرف الجر، وإيصال المجرور بالفعل.

( وكيف نقبل أيمان قوم كفار؟) الاستفهام إنكاري بمعنى النفي، وفي الرواية الثانية قوم كفار خبر مبتدأ محذوف أي هم قوم كفار، لا نقبل يمينهم، وفي الرواية السادسة ليسوا بمسلمين وعند البخاري لا نرضى بأيمان اليهود وفي رواية ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم يحلفون.

( أعطى عقله) أي أعطى ديته، وسميت الدية عقلاً تسمية بالمصدر، لأن الإبل كانت تعقل بفناء ولي القتيل، ثم كثر الاستعمال، حتى أطلق العقل على الدية، ولو لم تكن إبلاً.
وعاقلة الرجل قراباته من قبل الأب، وهم عصبته، وهم الذين كانوا يعقلون الإبل على باب ولي المقتول.

وفي الرواية الثانية فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله بكسر القاف وفتح الباء، أي من جهته، ومن عنده، كما في الرواية الرابعة، وفي السادسة فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ناقة، حتى أدخلت عليهم الدار.

( فكره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه، فوداه مائة من إبل الصدقة) كذا في الأصول يُبْطِل دمه بضم الياء وسكون الباء وكسر الطاء، والفاعل ضمير رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي يضيع دمه هدرًا، دون دية، وفي رواية للبخاري فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطل دمه بضم الياء وفتح الطاء وتشديد اللام، مبني للمجهول، أي يهدر دمه يقال: طل دم القتيل، بفتح الطاء مبني للمعلوم، وطل دم القتيل، بضم الطاء، مبني للمجهول وهو الأكثر استعمالاً، أي بطل وهدر، أو أبطل وأهدر، ووداه بتخفيف الدال، أي دفع ديته وقوله من إبل الصدقة قال النووي: قال بعض العلماء: إنها غلط من الرواة، لأن الصدقة المفروضة لا تصرف هذا المصرف، قال جمهور أصحابنا: معناه: اشتراها من إبل الصدقة.
وسيأتي تفصيل لذلك في فقه الحديث.
وفي الرواية الثانية فوداه من قبله أي من جهته، وفي الرواية الرابعة من عنده قال النووي: يحتمل أن يكون من خالص ماله، ويحتمل أنه من مال بيت المسلمين لمصالحهم.

( قال سهل: فدخلت مِرْبَدًا لهم يومًا، فركضتني ناقة من تلك الإبل ركضة برجلها) المربد بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء: الموضع الذي تجمع فيه الإبل وتحبس، والربد الحبس، ومعنى ركضتني رفستني، وأراد بهذا الكلام التوثيق في الرواية، وأنه يضبط الحديث ويحفظه حفظًا بليغًا، حتى إنه يضبط ملابساته.
وفي الرواية الرابعة لقد ركضتني فريضة من تلك الفرائض بالمربد والمراد بالفريضة هنا الناقة من تلك النوق المفروضة في الدية، وتسمى المدفوعة في الزكاة أو في الدية فريضة، لأنها مفروضة، أي مقدرة بالسن والعدد.
وأما قول المازري: إن المراد بالفريضة هنا الناقة الهرمة فقد غلط فيه.
كذا قال النووي.

فقه الحديث

في القسامة اختلاف كبير بين العلماء نحصره في أربع نقاط:

الأولى: هل القسامة مشروعة، يعمل بها؟ أولاً؟

الثانية: إذا كانت مشروعة، يعمل بها، فهل توجب القود؟ أو الدية؟

الثالثة: وهل يبدأ بالمدعين؟ أو المدعى عليهم؟

الرابعة: ما يؤخذ من الحديث من الأحكام.

وهذا هو التفصيل.

النقطة الأولى: روي عن جماعة إبطال القسامة، وأنه لا حكم لها، ولا عمل بها، وممن قال بهذا: سالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار، والحكم بن عتيبة، وقتادة، وأبو قلابة، ومسلم بن خالد، وابن علية، والبخاري، وغيرهم، وعن عمر بن عبد العزيز روايتان كالمذهبين.

أما سالم بن عبد الله بن عمر فقد أخرج ابن المنذر عنه، أنه كان يقول: يالقوم يحلفون على أمر لم يروه، ولم يحضروه، ولو كان لي أمر لعاقبتهم، ولجعلتهم نكالاً، ولم أقبل لهم شهادة.

وأما أبو قلابة فيروي البخاري عنه أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يومًا للناس، ثم أذن لهم، فدخلوا فقال: ما تقول يا أبا قلابة؟ ونصبني للناس.
فقلت يا أمير المؤمنين.
عندك رؤوس الأجناد، وأشراف العرب.
أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق، أنه قد زنى، ولم يروه، أكنت ترجمه؟ قال: لا.
قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق ولم يروه، أكنت تقطعه؟ قال: لا.
قلت: فوالله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا قط إلا في إحدى ثلاث خصال: رجل قتل بجريرة نفسه فقتل، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل حارب الله ورسوله، وارتد عن الإسلام ثم استدل أبو قلابة بحديثنا على أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يعمل بالقسامة - وإن عرضها - ولم يجبر أي من الطرفين أن يحلف، بل ودي القتيل من عنده.
ثم قال أبو قلابة: وقد كان عبد الملك بن مروان أقاد رجلاً بالقسامة، ثم ندم بعد ما صنع، فأمر بالخمسين الذين أقسموا، فمحوا من الديوان، وسيرهم إلى الشام.

وأما عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فقد ورد عنه في القسامة: إن من القضايا ما لا يقضى فيه إلى يوم القيامة، وإن هذه القضية لمنهن وقد اختلف على عمر بن عبد العزيز في القسامة، كما اختلف على معاوية، فقد أخرج ابن المنذر من طريق الزهري قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: إني أريد أن أدع القسامة، يأتي رجل من أرض كذا، وآخر من أرض كذا، وآخر من أرض كذا، فيحلفون على ما لا يرون؟ فقلت: إنك إن تتركها يوشك أن الرجل يقتل عند بابك، فيبطل دمه، وإن للناس في القسامة لحياة.

أما القائلون بمشروعية القسامة، وبالعمل بها، فعامة العلماء من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم علماء الأمصار الحجازيين والشاميين والكوفيين وغيرهم، ممن سيأتي ذكرهم في النقطة التالية.

النقطة الثانية: هل القسامة توجب القود أو الدية؟ إذا كان القتل عمدًا؟ إذ لا خلاف في أن القتل الخطأ إذا ثبت ولو بالبينة يوجب الدية.
إذن الخلاف في القتل العمد مع القسامة.

قال معظم الحجازيين: يجب بها القصاص والقود، وهو قول الزهري وربيعة وأبي الزناد ومالك وأصحابه والليث والأوزاعي وأحمد وإسحق وأبي ثور وداود، وهو قول الشافعي في القديم، وروي عن ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز.
قال أبو الزناد: قلنا بها وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، إني لأرى أنهم ألف رجل، فما اختلف منهم اثنان.

وقال الكوفيون والشافعي في الجديد وفي أصح قوليه: لا يجب بها القصاص، وإنما تجب بها الدية، وهو مروي عن الحسن البصري والشعبي والنخعي وعثمان الليثي والحسن بن صالح، وروي أيضًا عن أبي بكر وعمر وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم.

استدل الأولون بقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى فتستحقون صاحبكم أو قاتلكم وفي الرواية الثانية على رجل منهم، فيدفع برمته وفي الرواية الرابعة وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم وفي الرواية السادسة وتستحقون دم صاحبكم فهذه الألفاظ كلها ظاهرها يفيد القصاص، كما استندوا إلى روايتنا السابعة، وفيها إقرار القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا يتوقف على ثبوت أنهم كانوا في الجاهلية يقتلون بالقسامة.
ويتأولها الفريق الثاني: بأن المراد أن يسلم المدعى عليه بالقتل، ليستوفي منه الدية، لكونها تثبت عليه.

كما استدلوا بما في مصنف عبد الرزاق، ولفظه قلت لعبيد الله بن عمر العمري: أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاد بالقسامة؟ قال: لا.
قلت: فأبو بكر؟ قال: لا.
قلت: فعمر؟ قال: لا.
قلت: فلم تجترئون عليها؟ فسكت.
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال: القود بالقسامة جور.
اهـ وهذا الذي نستريح إليه، فإن القود والقصاص إنما يكون حيث لا شبهة، والشبهة هنا محققة، والأخذ بالدية أفضل من عدم الأخذ بالقسامة، إذ فيها حماية للدماء، ومواساة لأهل القتيل، وكل من الفريقين، القائلين بالقصاص، والقائلين بالدية، متفقون كلهم على أنها لا تجب بمجرد دعوى الأولياء، حتى يقترن بها شبهة، يغلب على الظن الحكم بها، واختلفوا في تصوير الشبهة، ولها سبع صور:

الأولى: أن يقول المقتول في حياته: دمي عند فلان، أو فلان قتلني، أو ضربني، وإن لم يكن به أثر، ويذكر العمد.
فهذا موجب للقسامة عند مالك والليث.
وادعى مالك أنه مما أجمع عليه الأئمة قديمًا وحديثًا.
قال القاضي: ولم يقل بهذا من فقهاء الأمصار غيرهما، ولا روي عن غيرهما، وخالف في ذلك العلماء كافة، فلم ير أحد غيرهما في هذا قسامة.
واشترط بعض المالكية في هذه الصورة، وجود الأثر والجرح، واحتج مالك في ذلك بقضية بني إسرائيل، قوله تعالى { { فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى } } [البقرة: 73] قالوا: فحيى الرجل، فأخبر بقاتله، وتعقب بخفاء الدلالة من هذه القضية، فخوارق العادات لا يستدل بها، بل هذه القضية أقوى في الإثبات من البينة.
واحتج أصحاب مالك أيضًا بأن تلك حالة يطلب القاتل فيها غفلة الناس، فلو شرطنا الشهادة، وأبطلنا قول المجروح، أدى ذلك إلى إبطال الدماء غالبًا، قالوا: ولأنها حالة، يتحرى فيها المجروح الصدق، ويتجنب الكذب والمعاصي، ويتزود بالبر والتقوى، فوجب قبول قوله.
واختلف المالكية في أنه: هل يكتفي في الشهادة على قوله بشاهد؟ أم لا بد من شاهدين يشهدان بأن المقتول قال ذلك؟.

الثانية: اللوث: وهو شبه الدلالة على حدث من الأحداث، حيث لا بينة - وبهذا قال مالك والليث والشافعي ومن اللوث شهادة عدل واحد، أو شهادة جماعة ليسوا عدولاً.

الثالثة: أن يشهد عدلان بالجرح، فيعيش بعده أيامًا، ثم يموت قبل أن يفيق منه، قال مالك والليث: هو لوث.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا قسامة هنا، بل يجب القصاص بشهادة العدلين.

الرابعة: أن يوجد المتهم عند المقتول، أو قريبًا منه، أو آتيًا من جهته، ومعه آلة القتل، وعليه أثره من لطخ دم وغيره، وليس هناك حيوان مفترس، ولا من يمكن إحالة القتل عليه غيره، أو تفترق جماعة عن قتيل، فهذا لوث موجب للقسامة عند مالك والشافعي.

الخامسة: أن تقتتل طائفتان، فيوجد بينهما قتيل، ففيه القسامة عند مالك والشافعي وأحمد وإسحق، وعن مالك رواية: لا قسامة، بل فيه دية على الطائفة الأخرى، إن كان من إحدى الطائفتين، وإن كان غيرهما فعلى الطائفتين ديته.

السادسة: أن يوجد الميت في زحمة الناس، قال الشافعي: تثبت فيه القسامة، وتجب به الدية، وقال مالك، هو هدر، وقال الثوري وإسحق: تجب دية في بيت المال.

السابعة: أن يوجد في محلة قوم، أو قبيلتهم، أو مسجدهم، فقال مالك والليث والشافعي وأحمد وداود وغيرهم: لا يثبت بمجرد هذا قسامة، بل القتل هدر، لأنه قد يقتل الرجل الرجل، ويلقيه في محل طائفة، لينسب إليهم، قال الشافعي: إلا أن يكون في محلة أعدائه، لا يخالطهم غيرهم، فيكون كالقصة التي جرت بخيبر، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالقسامة لورثة القتيل، لما كان بين الأنصار وبين اليهود من العداوة، ولم يكن هناك سواهم، وعن أحمد نحو قول الشافعي.
وقال أبو حنيفة والثوري ومعظم الكوفيين: وجود القتيل في المحلة والقرية يوجب القسامة، ولا تثبت القسامة عندهم في شيء من الصور السبع السابقة إلا هنا، لأنها عندهم هي الصورة التي حكم النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالقسامة، ولا قسامة عندهم إلا إذا وجد القتيل وبه أثر، قالوا: فإن وجد القتيل في المسجد حلف أهل المحلة، ووجبت الدية في بيت المال، وذلك إذا ادعوا على أهل المحلة.

وحجة الجمهور القياس على هذه الواقعة، والجامع أن يقترن بالدعوى شيء يدل على صدق المدعي، فيقسم معه، ويستحق.

النقطة الثالثة: هل يبدأ الحلف بالمدعين؟ أو بالمدعى عليهم؟ يقول مالك: أجمعت الأئمة في القديم والحديث على أن المدعين يبدءون الحلف في القسامة، لأن جنبة المدعي إذا قويت بشهادة أو شبهة صارت اليمين له، وههنا الشبهة قوية، وقالوا: هذه سنة بحيالها، وأصل قائم برأسه، لحياة الناس، وردع المعتدين، وخالفت الدعاوي في الأموال، فهي على ما ورد فيها، وكل أصل يتبع ويستعمل، ولا تطرح سنة لسنة، واحتجوا بحديث أبي هريرة البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه، إلا القسامة وقال القرطبي: الأصل في الدعاوي أن اليمين على المدعى عليه، وحكم القسامة أصل بنفسه، لتعذر إقامة البينة على القتل فيها غالبا، فإن القاصد للقتل يقصد الخلوة، ويترصد الغفلة، ثم ليس هذا خروجًا على الأصل بالكلية، بل لأن المدعى عليه إنما كان القول قوله، لقوة جانبه، بشهادة الأصل له بالبراء مما ادعى عليه، وهو موجود في القسامة في جانب المدعي، لقوة جانبه باللوث، الذي يقوي دعواه.

وذهب من قال بالدية إلى تقديم المدعى عليهم في اليمين، إلا الشافعي وأحمد، فقالا بقول الجمهور: يبدأ بأيمان المدعين، وردها - إن أبوا - على المدعى عليهم، وقال بعكسه أهل الكوفة، وكثير من أهل البصرة، وبعض أهل المدينة، والأوزاعي، فقال: يستحلف من أهل القرية خمسون رجلاً خمسين يمينًا: ما قتلناه، ولا علمنا من قتله، فإن حلفوا برئوا، وإن نقصت قسامتهم عن عدد، أو نكلوا حلف المدعون على رجل واحد، واستحقوا.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- أن أيمان القسامة خمسون يمينًا، واختلف في عدد الحالفين، فقال الشافعي: لا يجب الحق حتى يحلف الورثة خمسين يمينًا، سواء قلوا، أم كثروا، فلو كانوا بعدد الأيمان حلف كل واحد منهم يمينًا، وإن كانوا أقل، أو نكل بعضهم، ردت الأيمان على الباقين، فإن لم يكن إلا واحد، حلف خمسين يمينًا، واستحق، حتى لو كان من يرث بالفرض والتعصيب، أو بالنسب والولاء، حلف واستحق.
وقال مالك: إن كان ولى الدم واحدا ضم إليه آخر من العصبة، ولا يستعان بغيرهم، وإن كان الأولياء أكثر حلف منهم خمسون.
وقال الليث: لم أسمع أحدًا يقول: إنها تنزل عن ثلاثة أنفس.

قال النووي: قد يقال: كيف عرضت اليمين على الثلاثة - في قوله صلى الله عليه وسلم أتحلفون خمسين يمينًا، فتستحقون صاحبكم - وإنما يكون اليمين للوارث خاصة؟ والوارث عبد الرحمن خاصة، وهو أخو القتيل، وأما الآخران فابنا عم، لا ميراث لهما مع الأخ؟ والجواب أنه كان معلومًا عندهم، أن اليمين تختص بالوارث، فأطلق الخطاب لهم، والمراد من تختص به اليمين، واحتمل ذلك لكونه معلومًا للمخاطبين، كما سمع كلام الجميع في صورة قتله، وكيفية ما جرى له، وإن كانت حقيقة الدعوى وقت الحاجة مختصة بالوارث.
اهـ وقد يكون في هذا حجة لليث في أن الأيمان لا تنقص عن ثلاثة.

ثم قال النووي عن قوله صلى الله عليه وسلم يقسم خمسون منكم على رجل منهم قال: هذا مما يجب تأويله، لأن اليمين إنما تكون على الوارث خاصة، لا على غيره من القبيلة، وتأويله عند أصحابنا أن معناه: يؤخذ منكم خمسون يمينًا، والحالف هم الورثة، فلا يحلف أحد من الأقارب غير الورثة، يحلف كل الورثة، ذكورًا كانوا أو إناثًا، سواء كان القتل عمدا أم خطأ.
هذا مذهب الشافعي، وبه قال أبو ثور وابن المنذر، ووافقهم مالك، إذا كان القتل خطأ، وأما في العمد، فقال: يحلف الأقارب خمسين يمينًا، ولا تحلف النساء ولا الصبيان، ووافقه ربيعة والليث والأوزاعي وأحمد وداود وأهل الظاهر، واحتج الشافعي بقوله صلى الله عليه وسلم تحلفون خمسين يمينًا، فتستحقون صاحبكم فجعل الحالف هو المستحق للدية والقصاص، ومعلوم أن غير الوارث لا يستحق شيئًا، فدل على أن المراد حلف من يستحق الدية.

2- وفيه إثبات القسامة.

3- والابتداء بيمين المدعي في القسامة.

4- وفيه رد اليمين على المدعى عليه، إذا نكل المدعي في القسامة.

5- واستدل بقوله في الرواية الثانية فيدفع إليكم برمته على القود والقصاص في القسامة، وقد سبق توجيهه.

6- واستدل به على أن القسامة تكون على رجل واحد، لقوله على رجل منهم وهو قول أحمد، ومشهور قول مالك، وقال الجمهور: يشترط أن تكون على معين، سواء كان واحدًا أم أكثر، واختلفوا: هل يختص القتل بواحد؟ أو يقتل الكل؟.

7- واستدل به الحنفية على جواز سماع الدعوى في القتل على غير معين، لأن الأنصار ادعوا على اليهود أنهم قتلوا صاحبهم، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم دعواهم، ورد بأن الذي ذكره الأنصاري أولا، ليس على صورة الدعوى بين الخصمين، لأن من شرطها - إذ لم يحضر المدعى عليه - أن يتعذر حضوره.

8- وفيه أن من توجهت عليه اليمين، فنكل عنها، لا يقضى عليه، حتى يرد اليمين على الآخر، وهو المشهور عند الجمهور.
وعند أحمد والحنفية: يقضى عليه، دون رد اليمين.

9- ويؤخذ منه أن مجرد الدعوى لا توجب إحضار المدعى عليه، لأن في إحضاره مشغلة له عن أشغاله، وتضييعًا لماله، من غير موجب ثابت لذلك، أما لو ظهر ما يقوي الدعوى من شبهة ظاهرة، فهل يسوغ استحضار الخصم؟ أولاً؟ محل نظر، والراجح أن ذلك يختلف بالقرب والبعد، وشدة الضرر، وخفته.

10- وفيه الاكتفاء بالمكاتبة، أخذًا من الرواية السادسة.

11- والاكتفاء بخبر الواحد، مع إمكان المشافهة.

12- وفيه أن اليمين قبل توجيهها من الحاكم لا أثر لها، لقول اليهود في جوابهم: والله ما قتلناه.

13- وفي قولهم لا نرضى بأيمان اليهود استبعاد لصدقهم، لما عرفوه من إقدامهم على الكذب، وجراءتهم على الأيمان الفاجرة.

14- واستدل به على أن الدعوى في القسامة لا بد فيها من عداوة، أو لوث.

15- واستدل بقوله في الرواية الثانية يقسم خمسون منكم على أن من يحلف في القسامة لا يشترط أن يكون رجلاً ولا بالغًا، لإطلاق قوله خمسون وبه قال ربيعة والثوري والليث والأوزاعي وأحمد، وقال مالك: لا مدخل للنساء في القسامة، لأن المطلوب في القسامة القتل، ولا يسمع من النساء، وقال الشافعي: لا يحلف في القسامة إلا الوارث البالغ، لأنها يمين في دعوى حكمية، فكانت كسائر الأيمان، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.

16- واستدل به على تقديم الأسن في الأمور المهمة، إذا كان فيه أهلية لذلك، لا ما إذا كان عريًا عن أهليته لها، ففيه فضيلة السن عند التساوي في الفضائل.
قال النووي: ولهذا نظائر، فإنها يقدم بها في الإمامة، وفي ولاية النكاح ندبًا، وغير ذلك.

17- واستدل بقوله فتحلف لكم يهود على صحة يمين الكافر والفاسق.

18- ومن قوله فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه...إلخ ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الكرم، وحسن السياسة، وجلب المصالح، ودرء المفاسد، وتأليف القلوب، ولا سيما عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحق.

19- وفيه استحباب جبر الخاطر، ومواساة المجروحين، فإن أهل القتيل لا يستحقون إلا أن يحلفوا، أو يستحلفوا المدعى عليهم، وقد امتنعوا من الأمرين، وهم مكسورون بقتل صاحبهم.

20- وفيه أنه ينبغي للإمام مراعاة المصالح العامة، والاهتمام بإصلاح ذات البين.

21- استدل الإمام أبو إسحاق المروزي من الشافعية، بقوله في الرواية الخامسة من إبل الصدقة، بجواز صرف الدية من الزكاة، والجمهور على أن الصدقة المفروضة لا تصرف هذا المصرف، بل هي لأصناف سماهم الله تعالى، ووجهه الجمهور بأن معناه: اشتراها من أهل الصدقات، بعد أن ملكوها، ثم دفعها تبرعًا إلى أهل القتيل، وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أنه يجوز صرف الزكاة في المصالح العامة، ونزل الحديث على هذا، وتأوله بعضهم على أن أولياء القتيل كانوا محتاجين، ممن تباح لهم الزكاة، قال النووي: وهذا تأويل باطل، لأن هذا قدر كثير، لا يدفع إلى الواحد، ولأنه سماه دية، وتأوله بعضهم على أنه دفعه من سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة، استئلافًا لليهود، لعلهم يسلمون، وهذا ضعيف، لأن الزكاة لا يجوز صرفها إلى كافر، فالمختار أنه اشتراها من إبل الصدقة.

22- وفيه أن الحكم بين المسلم والكافر يكون بحكم الإسلام.

23- وفيه جواز الحكم على الغائب.

24- وسماع الدعوى في الدماء من غير حضور الخصم.

25- وجواز اليمين بالظن، وإن لم يتيقن.

26- واستدل بقوله في الرواية السادسة إما أن يدوا صاحبكم على أن الواجب بالقسامة الدية، دون القصاص.

27- استدل بالحديث على أن القسامة لا يطالب فيها المدعون بالبينة أولا، لأنه لم يرد لها ذكر، وتعقب بأن عدم الذكر لا يدل على عدم الوقوع، فقد يحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر، فعند النسائي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقم شاهدين على من قتله، أدفعه إليك برمته.
قال: يا رسول الله، أنى أصيب شاهدين؟ وإنما أصبح قتيلاً على أبوابهم؟ قال: فتحلف خمسين قسامة... إلخ.
وعند أبي داوود: أصبح رجل من الأنصار بخيبر مقتولاً، فانطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم.
قالوا: لم يكن ثم أحد من المسلمين، وإنما هم اليهود، وقد يجترئون على أعظم من هذا فتحمل رواياتنا على أنه طلب البينة أولاً فلم تكن لهم بينة، فعرض الأيمان.
أما قول بعضهم: إن ذكر البينة في بعض الروايات وهم، لأنه قد علم أن خيبر حينئذ لم يكن بها أحد من المسلمين، فهو مردود، فإنه لو سلم أنه لم يسكن مع اليهود أحد من المسلمين، فإنه ثبت في نفس القصة أن المسلمين كانوا يدخلونها لمصالحهم وتجاراتهم.

واللَّه أعلم