هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3265 حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ ، حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ ، مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ ، أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً ، قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ، فَاسْتَوْخَمُوا الْأَرْضَ ، وَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَلَا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إِبِلِهِ ، فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا ، فَقَالُوا : بَلَى ، فَخَرَجُوا ، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا ، فَصَحُّوا ، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَطَرَدُوا الْإِبِلَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ ، فَأُدْرِكُوا ، فَجِيءَ بِهِمْ ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ، وَسُمِرَ أَعْيُنُهُمْ ، ثُمَّ نُبِذُوا فِي الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا ، وقَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ فِي رِوَايَتِهِ : وَاطَّرَدُوا النَّعَمَ ، وَقَالَ : وَسُمِّرَتْ أَعْيُنُهُمْ ، وحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ ، مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ : قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ مِنْ عُكْلٍ ، أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ ، فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا ، بِمَعْنَى حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ ، قَالَ : وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ ، وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ ، فَلَا يُسْقَوْنَ ، وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ ، ح وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ ، قَالَا : حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ ، مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا خَلْفَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، فَقَالَ لِلنَّاسِ : مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ ؟ فَقَالَ عَنْبَسَةُ : قَدْ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كَذَا وَكَذَا ، فَقُلْتُ إِيَّايَ : حَدَّثَ أَنَسٌ ، قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَيُّوبَ ، وَحَجَّاجٍ ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ عَنْبَسَةُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : فَقُلْتُ : أَتَتَّهِمُنِي يَا عَنْبَسَةُ ؟ قَالَ : لَا ، هَكَذَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ يَا أَهْلَ الشَّامِ ، مَا دَامَ فِيكُمْ هَذَا أَوْ مِثْلُ هَذَا ، وحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا مِسْكِينٌ وَهُوَ ابْنُ بُكَيْرٍ الْحَرَّانِيُّ ، أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ مِنْ عُكْلٍ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ ، وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ ، وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ ، وحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْ عُرَيْنَةَ ، فَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوهُ ، وَقَدْ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ الْمُومُ ، وَهُوَ الْبِرْسَامُ ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ ، وَزَادَ : وَعِنْدَهُ شَبَابٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ ، فَأَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمْ ، وَبَعَثَ مَعَهُمْ قَائِفًا يَقْتَصُّ أَثَرَهُمْ ، حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ أَنَسٍ ، ح وحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، وَفِي حَدِيثِ هَمَّامٍ : قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطٌ مِنْ عُرَيْنَةَ ، وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ : مِنْ عُكْلٍ ، وَعُرَيْنَةَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3265 حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، واللفظ لأبي بكر ، قال : حدثنا ابن علية ، عن حجاج بن أبي عثمان ، حدثني أبو رجاء ، مولى أبي قلابة ، عن أبي قلابة ، حدثني أنس ، أن نفرا من عكل ثمانية ، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبايعوه على الإسلام ، فاستوخموا الأرض ، وسقمت أجسامهم ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ألا تخرجون مع راعينا في إبله ، فتصيبون من أبوالها وألبانها ، فقالوا : بلى ، فخرجوا ، فشربوا من أبوالها وألبانها ، فصحوا ، فقتلوا الراعي وطردوا الإبل ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث في آثارهم ، فأدركوا ، فجيء بهم ، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم ، وسمر أعينهم ، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا ، وقال ابن الصباح في روايته : واطردوا النعم ، وقال : وسمرت أعينهم ، وحدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي رجاء ، مولى أبي قلابة ، قال : قال أبو قلابة : حدثنا أنس بن مالك ، قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عكل ، أو عرينة فاجتووا المدينة ، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح ، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها ، بمعنى حديث حجاج بن أبي عثمان ، قال : وسمرت أعينهم ، وألقوا في الحرة يستسقون ، فلا يسقون ، وحدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا معاذ بن معاذ ، ح وحدثنا أحمد بن عثمان النوفلي ، حدثنا أزهر السمان ، قالا : حدثنا ابن عون ، حدثنا أبو رجاء ، مولى أبي قلابة ، عن أبي قلابة ، قال : كنت جالسا خلف عمر بن عبد العزيز ، فقال للناس : ما تقولون في القسامة ؟ فقال عنبسة : قد حدثنا أنس بن مالك كذا وكذا ، فقلت إياي : حدث أنس ، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قوم ، وساق الحديث بنحو حديث أيوب ، وحجاج ، قال أبو قلابة : فلما فرغت قال عنبسة : سبحان الله ، قال أبو قلابة : فقلت : أتتهمني يا عنبسة ؟ قال : لا ، هكذا حدثنا أنس بن مالك ، لن تزالوا بخير يا أهل الشام ، ما دام فيكم هذا أو مثل هذا ، وحدثنا الحسن بن أبي شعيب الحراني ، حدثنا مسكين وهو ابن بكير الحراني ، أخبرنا الأوزاعي ، ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية نفر من عكل بنحو حديثهم ، وزاد في الحديث ، ولم يحسمهم ، وحدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا زهير ، حدثنا سماك بن حرب ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس ، قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من عرينة ، فأسلموا وبايعوه ، وقد وقع بالمدينة الموم ، وهو البرسام ، ثم ذكر نحو حديثهم ، وزاد : وعنده شباب من الأنصار قريب من عشرين ، فأرسلهم إليهم ، وبعث معهم قائفا يقتص أثرهم ، حدثنا هداب بن خالد ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أنس ، ح وحدثنا ابن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، وفي حديث همام : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم رهط من عرينة ، وفي حديث سعيد : من عكل ، وعرينة بنحو حديثهم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أنس رضي الله عنه أن نفراً من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض وسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها؟ فقالوا: بلى.
فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا، فقتلوا الراعي وطردوا الإبل.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم.
فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا
وقال ابن الصباح في روايته واطردوا النعم وقال وسمرت أعينهم.


المعنى العام

إن السارق يعتدي على المال، فتقطع يده، وإن القاتل يقتل قصاصًا، فماذا لقاطع الطريق الذي يعتدي على المال؟ ويقتل؟ ويلقي الرعب في قلوب الناس؟ هؤلاء الذين يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فسادًا، وقد بينت الآية الكريمة جزاءهم { { أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } } [المائدة: 33] .

وفي هذه القصة، ثمانية من أهل البوادي، أكرمهم النبي صلى الله عليه وسلم، وآواهم، وأطعمهم، وسقاهم، تحايلوا للإفساد في الأرض، وبيتوا نية الغدر، والغصب والقتل، فطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا مع الرعاة، رعاة إبل الصدقة، وإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحجة أن أجسامهم سقمت في المدينة، فهم أبناء الصحراء والبوادي، وبحجة أن أمراضهم شفيت بشرب لبن الإبل وبولها، وهم مع الرعاة يجدون حاجتهم من الأبوال والألبان، وأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجوا، ولما بعدوا عن المدينة، وانقطعوا في المراعي النائية، سولت لهم نفوسهم الشريرة، وسول لهم الشيطان أن يقتلوا الراعيين، ويستولوا على الإبل، ويسوقوها إلى حيث يأمنون، بعيدًا عن سلطات محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه، إنهم ثمانية رجال، وإن الرعاة غلامان ضعيفان، والإبل فوق الأربعين، غنيمة كبرى، بعدوان بسيط، لقد استفردوا بأحد الغلامين فقيدوه، وفقئوا عينيه لئلا يرى، لكنه صرخ واستغاث، فذبحوه، ورأى الغلام الثاني الجريمة من بعيد، ففر هاربًا إلى المدينة، ولم يشغلوا أنفسهم بمحاولة اللحاق به، فهو أسرع، وأصح نشاطًا وحيوية، فاستاقوا الإبل إلى حيث يقصدون.

وبلغ الغلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدث، وكان معه عشرون من شباب المسلمين الأشداء الفوارس، فثارت نفوسهم أن يلحقوا بهم، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم قائفًا، يعرف الأثر، ليدلهم على الطريق الذي سلكوه، وما هي إلا ساعات حتى أدركوهم، ولم يمض يوم حتى كانوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم فيهم بحكم الله، أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وأن يقتص منهم بفقء عيونهم، وأن يتركوا في شمس الصحراء حتى يموتوا، وكان في ذلك الجزاء الأمن والأمان، لأبناء المجتمع الإسلامي، والعقوبة الرادعة لمن تسول له نفسه من الأشقياء السعي في الأرض بالفساد.

المباحث العربية

( أن ناسًا من عُرَينة) بضم العين وفتح الراء، مصغر، اسم قبيلة، أوحى من بجيلة، وفي الرواية الثانية أن نفرًا من عكل بضم العين وسكون الكاف، وهي قبيلة من تيم الرباب، وفي الرواية الثالثة قوم من عكل أو عرينة بأو، وفي الرواية الخامسة نفر من عرينة وفي ملحق الرابعة نفر من عكل وفي ملحق الخامسة رهط من عرينة وفي ملحقها من عكل وعرينة والظاهر أن بعضهم كان من عكل، وبعضهم كان من عرينة فحين ذكرت واحدة قصدت الثانية معها، وحين ذكرت أو كانت بمعنى الواو.
وكان عددهم ثمانية كما جاء في الرواية الثانية، وملحق الرواية الرابعة.

( قدموا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة) ليعلنوا إسلامهم، ويبايعوه، كما جاء في الرواية الثانية والخامسة، وكان قدومهم في شوال أو ذي القعدة سنة ست من الهجرة.

( فاجتووا المدينة) يقال: اجتويت البلد، إذا كرهت المقام فيه، أو تضررت بالإقامة فيه، وفي الرواية الثانية فاستوخموا الأرض أي أرض المدينة، وهو بمعنى اجتووا.
وعند البخاري فقالوا: يا نبي الله، إنا كنا أهل ضرع أي رعاة إبل وبقر في البرية ولم نكن أهل ريف أي أهل إقامة وزراعة، كما هو الحال في المدينة، وفي رواية له أيضًا إن ناسًا كان بهم سقم، قالوا: يا رسول الله آونا وأطعمنا، فلما صحوا قالوا: إن المدينة وخمة أما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد من الجوع والجهد، ففي رواية كان بهم هزال شديد وفي رواية مصفرة ألوانهم وفي رواية أنهم أقاموا في الصفة.

( وسقمت أجسامهم) أي بعد أن صحت أجسامهم من الهزال، أصابهم مرض، كان قد انتشر بالمدينة، ففي الرواية الخامسة وقد وقع بالمدينة الموم بضم الميم وسكون الواو وهو البرسام بكسر الباء وسكون الراء، سرياني معرب، أطلق على اختلال العقل، وعلى ورم الرأس، وعلى ورم الصدر، والمراد منه هنا ورم الصدر، ففي رواية فعظمت بطونهم.

( فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة، فتشربوا من ألبانها وأبوالها؟ ففعلوا، وصحوا) بفتح الصاد وتشديد الحاء المضمومة، وكان هذا العرض من النبي صلى الله عليه وسلم بناء على شكواهم من الإقامة في المدينة وطلبهم الخروج إلى البادية، ففي الرواية الثانية فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبون من أبوالها وألبانها؟ فقالوا: بلى.
فخرجوا، فشربوا من أبوالها وألبانها، فصحوا وفي رواية عند أبي عوانة، أنهم بدءوا بطلب الخروج إلى اللقاح -ولعلهم بيتوا نية الشر- فقالوا: يا رسول الله، قد وقع بنا هذا الوجع، فلو أذنت لنا، فخرجنا إلى الإبل؟ وفي رواية للبخاري أنهم طلبوا لبنًا كثيرًا فقال لهم: ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود وفي الرواية الثالثة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح واللقاح بكسر اللام هي النوق ذوات الألبان، واحدها لقحة بكسر اللام وسكون القاف، أي أمر لهم، وأذن لهم بشرب لبن اللقاح، وفي الرواية الأولى أن تخرجوا إلى إبل الصدقة وفي الرواية الثانية ألا تخرجون مع راعينا في إبله... وفي رواية البخاري ألا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ ابن حجر: والجمع بينهما أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة، وصادف بعث النبي صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء، لشرب ألبان الإبل، فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه، فخرجوا معه إلى إبل الصدقة.
وذكر ابن سعد أن عدد لقاحه صلى الله عليه وسلم كانت خمس عشرة، وأنهم نحروا منها واحدة.

( ثم مالوا على الرعاء، فقتلوهم) في الرواية الثانية فقتلوا الراعي وفي رواية فقتلوا أحد الراعيين، وجاء الآخر، قد جزع، فقال: قد قتلوا صاحبي، وذهبوا بالإبل ولم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان اسمه يسار - بفتح الياء والسين المخففة، كان غلامًا للنبي صلى الله عليه وسلم، فرآه يحسن الصلاة فأعتقه، وبعثه في لقاح له، قال الحافظ ابن حجر: فيحتمل أن إبل الصدقة كان لها رعاة، فقتل بعضهم مع راعي لقاح النبي صلى الله عليه وسلم، فاقتصر بعض الرواة على راعي النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر بعضهم معه غيره، ويحتمل أن يكون بعض الرواة ذكر الحديث بالمعنى، فتجوز في الإتيان بصيغة الجمع، وهذا أرجح، لأن أصحاب المغازي لم يذكر أحد منهم أنهم قتلوا غير يسار.
اهـ وفي بعض النسخ الرعاة بضم الراء وبالتاء، وهما لغتان.

( وساقوا ذود النبي صلى الله عليه وسلم) الذود القطيع من الإبل، قيل: من الثلاث إلى العشر.
وفي الرواية الثانية وطردوا الإبل أي ساقوها أمامهم، وفي ملحقها واطردوا النعم أي جعلوها تطرد وتتابع أمامهم، وفي رواية للبخاري واستاقوا النعم.

( فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية للبخاري فجاء الخبر في أول النهار وسبق أن الذي جاء بالخبر أحد الرعاة.

( فبعث في إثرهم) وفي الرواية الثانية فبعث في آثارهم والإثر بكسر الهمزة العقب، والأثر بفتح الهمزة والتاء وجمعه آثار بقية الشيء وما تخلف عنه، فالمعنى بعث وراءهم من يلحقهم ويأتي بهم، أو بعث من يتتبع آثارهم حتى يلحقهم، وفي ملحق الرواية الخامسة وعنده شباب من الأنصار، قريب من عشرين، فأرسلهم إليهم، وبعث معهم قائفًا يقتفي أثرهم.

( فأتى بهم) في الرواية الثانية فأدركوا، فجيء بهم أي أسارى.
فاعترفوا.

( فقطع أيديهم وأرجلهم) في الرواية الثانية فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم يعني قطع يدا كل واحد ورجلاه من خلاف.
وفي ملحق الرواية الرابعة ولم يحسمهم أي لم يكو ما قطع منهم بالنار، لينقطع الدم، بل تركه ينزف، كما فعلوا بالراعي أو الرعاة.

( وسمل أعينهم) بفتح السين والميم مخففة، والسمل فقء العين بأي شيء كان، وفي الرواية السادسة إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك، لأنهم سملوا أعين الرعاء وفي الرواية الثانية وسمر أعينهم بضم السين وكسر الميم مخففة، مبني للمجهول، وفي ملحقها وسمرت أعينهم بضم السين وتشديد الميم المكسورة.
مبني للمجهول أيضًا، ولم يؤنث الفعل تارة، وأنث أخرى، لأن نائب الفاعل مجازي التأنيث.
وتسمير الأعين لغة في سملها، ومخرجهما متقارب، وقد يكون من المسمار، يريد أنهم كحلوا بمسامير قد أحميت، ففي رواية عند البخاري ثم أمر بمسامير، فأحميت، فكحلهم بها ولا يخالف ذلك رواية السمل، لأنه فقء العين بأي شيء كان.

( وتركهم في الحرة حتى ماتوا) الحرة بفتح الحاء وتشديد الراء المفتوحة أرض ذات حجارة سود، كأنها أحرقت.
والمقصود منها هنا موضع بظاهر المدينة بهذه الصفة معروف.
وفي الرواية الثانية ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا، وفي الرواية الثالثة وألقوا في الحرة، يستسقون فلا يسقون وفي رواية يعضون الحجارة وفي رواية يعض الأرض، ليجد بردها، مما يجد من الحر والشدة وفي البخاري قال أنس: فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت.

فقه الحديث

يقول الله تعالى { { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } }

أخرج عبد الرزاق عن قتادة، قال: بلغنا أن هذه الآية نزلت في العرنيين، وذهب جمهور الفقهاء إلى أنها نزلت فيمن خرج من المسلمين، يسعى في الأرض فسادًا، ويقطع الطريق، وهو قول مالك والشافعي والكوفيين.

قال الحافظ ابن حجر: والمعتمد أن الآية نزلت أولاً في العرنيين، وهي تتناول بعمومها من حارب من المسلمين بقطع الطريق، لكن عقوبة الفريقين مختلفة، فإن كانوا كفارًا يخير الإمام فيهم، إذا ظفر بهم، وإن كانوا مسلمين، فعلى قولين.
أحدهما وهو قول الشافعي والكوفيين: ينظر في الجناية، فمن قتل قتل، ومن أخذ المال قطع، ومن لم يقتل، ولم يأخذ مالاً نفى، وجعلوا أو للتنويع.

وقال مالك: بل هي للتخيير، فيتخير الإمام في المحارب المسلم بين الأمور الثلاثة.
واختلفوا في المراد بالنفي في الآية، فقال مالك والشافعي: يخرج من بلد الجناية إلى بلد أخرى، زاد مالك: فيحبس فيها.

وعن أبي حنيفة: بل يحبس في بلده.

أما المثلة التي وقعت بهم فقد مال ابن الجوزي وجماعة إلى أن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص، وروايتنا السادسة تشير إلى ذلك، وقد نقل أهل المغازي أنهم مثلوا بالراعي.

وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ بحديث النهي عن المثلة، فقد قال عنه ابن شاهين: أنه ينسخ كل مثلة.
وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ، ومال الحافظ ابن حجر إلى أن التاريخ ثابت، فقد نقل قتادة عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود، ولموسى بن عقبة في المغازي: وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثلة، وإلى هذا مال البخاري، وحكاه إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء، للإجماع على أن من وجب عليه القتل، فاستسقى، لا يمنع.

وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا وقع منه نهي عن سقيهم.
قال الحافظ: وهو ضعيف جدًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك، وسكوته كاف في ثبوت الحكم.
وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره.

وقال الخطابي: إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ذلك، لأنه أراد بهم الموت بذلك، وقيل: إن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل، التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم.

وقد احتج بهذا الحديث من قال بطهارة بول ما يؤكل لحمه، لشربهم بول الإبل، ويقاس على الإبل بول مأكول اللحم، وهذا قول مالك وأحمد وطائفة من السلف، ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والاصطرخي والروياني.

وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها، من مأكول اللحم وغيره قال ابن العربي: وقد تعلق بهذا الحديث من قال بطهارة أبوال الإبل، وعورضوا بأنه أذن لهم في شربها للتداوي، وتعقب بأن التداوي ليس حال ضرورة، قال الحافظ ابن حجر: بل هو حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره، وما أبيح للضرورة لا يسمى حرامًا وقت تناوله.

فإن قالوا: لو كان نجسًا ما جاز التداوي به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليهم رواه أبو داود، والنجس حرام، فلا يتداوى به، لأنه غير شفاء، فالجواب أن الحديث محمول على حالة الاختيار، وأما في حالة الضرورة فلا يكون حرامًا، كالميتة للمضطر.

وقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعًا إن في أبوال الإبل شفاء لذربة بطونهم والذرب فساد المعدة.

واستشكل الإذن لهم من شرب لبن الصدقة، وأجيب بأن ألبانها للمحتاجين من المسلمين، وهؤلاء إذ ذاك منهم.

وفي الحديث غير ما تقدم

1- قدوم الوفود على الإمام.

2- ونظره في مصالحهم.

3- ومشروعية الطب والتداوي بألبان الإبل وأبوالها.

4- وأن كل جسد يداوى بما اعتاده.

5- وقتل الجماعة بالواحد، سواء قتلوه غيلة أو حرابة، إن قلنا: إن قتلهم كان قصاصًا.

6- وفيه المماثلة في القصاص، وليس ذلك من المثلة المنهي عنها.

7- وثبوت حكم المحاربة في الصحراء وأما في القرى ففيه خلاف.

8- وفيه العمل بقول القائف، وللعرب في ذلك معرفة تامة.

9- وفيه الحزم والشدة مع أعداء الله، واستبعاد الرحمة في تنفيذ الحدود، ففي ذلك مصلحة المجتمع.

10- وفيه أن المدينة تنفي خبثها، كما جاء في الحديث الشريف.

واللَّه أعلم