3303 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ المَعْنَى وَاحِدٌ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ الأَعْمَشِ ، عَنْ يَحْيَى ، قَالَ عَبْدٌ : هُوَ ابْنُ عَبَّادٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ ، وَجَاءَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَ أَبِي طَالِبٍ مَجْلِسُ رَجُلٍ ، فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ كَيْ يَمْنَعَهُ قَالَ : وَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ ؟ قَالَ : إِنِّي أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً تَدِينُ لَهُمْ بِهَا العَرَبُ ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمُ العَجَمُ الجِزْيَةَ . قَالَ : كَلِمَةً وَاحِدَةً ؟ قَالَ : كَلِمَةً وَاحِدَةً قَالَ : يَا عَمِّ يَقُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالُوا : إِلَهًا وَاحِدًا مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي المِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ . قَالَ : فَنَزَلَ فِيهِمُ القُرْآنُ : { ص وَالقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } - إِلَى قَوْلِهِ - { مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي المِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ } . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ ، وقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ |
شرح الحديث من تحفة الاحوذي
[3232] .
قَوْلُهُ ( أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ) هُوَ الزُّبَيْرِيُّ ( عَنِ يَحْيَى) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ يَحْيَى بن عمارة ويقال بن عباد وقيل عبادة كوفي روى عن بن عَبَّاسٍ قِصَّةَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ وَعَنْهُ الْأَعْمَشُ ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَالَ الْحَافِظُ وَجَزَمَ بِكَوْنِهِ يَحْيَى بْنَ عُمَارَةَ وَكَذَا الْبُخَارِيُّ وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ .
قَوْلُهُ ( مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ وجاءه النبي) وفي رواية بن جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ فقالوا إن بن أَخِيكَ يَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ وَيَقُولُ وَيَقُولُ فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَنَهَيْتَهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَجَاءَ النبي فَدَخَلَ الْبَيْتَ ( مَجْلِسُ رَجُلٍ) أَيْ مَوْضِعُ جُلُوسِ رجل ( كي يمنعه) أي النبي عن الجلوس فيه وفي رواية بن جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِسِ رَجُلٍ فَخَشِيَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ إِنْ جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذلك المجلس ولم يجد رسول الله مَجْلِسًا قُرْبَ عَمِّهِ فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَابِ ( وَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ) أَيْ قَالُوا لَهُ إِنَّ بن أَخِيكَ يَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ وَيَقُولُويقول كما في رواية بن جَرِيرٍ ( فَقَالَ) أَيْ أَبُو طَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ( يا بن أَخِي مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ) وَفِي رِوَايَةِ بن جرير فقال له أبو طالب أي بن أَخِي مَا بَالُ قَوْمِكَ يَشْكُونَكَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَتَقُولُ وَتَقُولُ أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ أَيْ تُطِيعُهُمْ وَتَخْضَعُ لَهُمُ الْعَرَبُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمُ الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ أَيْ تُعْطِيهِمُ الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ بِسَبَبِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ ( قَالَ) أَيْ أَبُو طَالِبٍ كَلِمَةً وَاحِدَةً أَيْ تُرِيدُ كَلِمَةً وَاحِدَةً ( قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ ( كَلِمَةً وَاحِدَةً) أَيْ أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً ( فَقَالُوا إِلَهًا وَاحِدًا) أَيْ أَتَجْعَلُ الْآلِهَةَ إِلَهًا واحدا ما سمعنا بهذا أَيْ بِالَّذِي تَقُولُهُ مِنَ التَّوْحِيدِ فِي الْمِلَّةِ الآخرة وَهِيَ مِلَّةُ النَّصْرَانِيَّةِ فَإِنَّهَا آخِرُ الْمِلَلِ قَبْلَ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ كَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَبِهِ قَالَ بن عَبَّاسٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَعْنُونَ بِهِ مِلَّةَ قُرَيْشٍ أَيِ الَّتِي أَدْرَكْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَعَنْ قَتَادَةَ مثله إن هذا أي ما هذا إلا اختلاق أَيْ كَذِبٌ اخْتَلَقَهُ مُحَمَّدٌ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذكر إِلَخْ الْآيَاتُ بِتَمَامِهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا ص اللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ بِهِ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ أَيْ وَالْقُرْآنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا فِيهِ ذِكْرٌ لِلْعِبَادِ وَنَفْعٌ لَهُمْ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أي تذكيركم وقال بن عباس رضي الله عنهما ذي الذكر أَيْ ذِي الشَّرَفِ وَذِي الشَّأْنِ وَالْمَكَانَةِ قَالَ بن كَثِيرٍ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ كِتَابٌ شَرِيفٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّذْكِيرِ انْتَهَى وَجَوَابُ هَذَا الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ كُفَّارُ مَكَّةَ مِنْ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ بَلِ الَّذِينَ كفروا في عزة أي حمية وتكبر عن الإيمان وشقاق أي خلاف وعداوة للنبي كم أَيْ كَثِيرًا أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ أَيْ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَنَادَوْا أَيْ بِالتَّوْحِيدِ حِينَ تَوَلَّتِ الدُّنْيَا عَنْهُمْ وَقِيلَ اسْتَغَاثُوا عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ وَحُلُولِ النِّقْمَةِ وَلَاتَ حِينَ مناص أَيْ لَيْسَ الْحِينُ حِينَ فِرَارٍ وَلَاتَ هِيَ لَا الْمُشَبَّهَةُ بِلَيْسَ زِيدَتْ عَلَيْهَا تَاءُ التَّأْنِيثِ كَمَا زِيدَتْ عَلَى رُبَّ وَثُمَّ لِلتَّوْكِيدِ وَتَغَيَّرَ بِذَلِكَ حُكْمُهَا حَيْثُ لَمْ تَدْخُلْ إِلَى عَلَى الْأَحْيَانِ وَلَمْ يَبْرُزْ إِلَّا أَحَدُ مُقْتَضَيَيْهَا إِمَّا الِاسْمُ أَوِ الْخَبَرُ وَامْتَنَعَ بُرُوزُهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَعِنْدَ الْأَخْفَشِ أَنَّهَا لَا النَّافِيَةُ لِلْجِنْسِ زِيدَتْ عَلَيْهَا التَّاءُ وَخُصَّتْ بِنَفْيِ الْأَحْيَانِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ نَادَوْا أَيِ اسْتَغَاثُوا وَالْحَالُ أَنْ لَا مَهْرَبَ لَهُمْ وَلَا منجا وعجبوا أن جاءهم منذر منهم أَيْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يُنْذِرُهُمْ وَيُخَوِّفُهُمْ بِالنَّارِ بعد البعث وهو النبي وقال الكافرون فِيهِ وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ هَذَا سَاحِرٌ كذاب أجعل الآلهة إلها واحداأَيْ أَزَعَمَ أَنَّ الْمَعْبُودَ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ حَيْثُ قَالَ لَهُمْ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ أي عجيب وانطلق الملأ منهم أَيْ مِنْ مَجْلِسِ اجْتِمَاعِهِمْ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ وسماعهم من النبي قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَنِ امْشُوا أَيْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ امْشُوا وَامْضُوا عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ وَلَا تَدْخُلُوا فِي دِينِهِ واصبروا على آلهتكم أَيِ اثْبُتُوا عَلَى عِبَادَتِهَا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يراد أَيْ إِنَّ هَذَا الَّذِي يَدْعُونَا إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ مِنَ التَّوْحِيدِ لَشَيْءٌ يُرِيدُ بِهِ الشَّرَفَ عَلَيْكُمْ والاستعلاء وأن يكون له منكم ابتاع وَلَسْنَا نُجِيبُهُ إِلَيْهِ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق تَقَدَّمَ تَفْسِيرِهِ .
قَوْلُهُ ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وبن جرير وبن الْمُنْذِرِ .
قَوْلُهُ (.
وَقَالَ ) أَيِ الْأَعْمَشُ ( يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ) يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ هَذَا هُوَ يَحْيَى بن عباد المذكور في الإسناد المتقدم .
قَوْلُهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ الظَّاهِرُ أَنَّ إِتْيَانَهُ تَعَالَى كَانَ فِي الْمَنَامِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الرَّاوِي أَحْسَبُهُ فِي الْمَنَامِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ الْآتِي فَفِيهِ فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي فَاسْتَثْقَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي تَبَارَكَ وتعالى في أحسن صورة قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ إِذَا كَانَ هَذَا فِي الْمَنَامِ فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ إِذِ الرَّائِي قَدْ يَرَى غَيْرَ الْمُتَشَكِّلِ مُتَشَكِّلًا وَالْمُتَشَكِّلَ بِغَيْرِ شَكْلِهِ ثُمَّ لَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ بِخَلَلٍ فِي الرُّؤْيَا وَلَا فِي خَلَدِ الرَّائِي بَلْ لَهُ أَسْبَابٌ أُخَرُ تُذْكَرُ فِي عِلْمِ الْمَنَامِ أَيِ التَّعْبِيرِ وَلَوْلَا تِلْكَ الْأَسْبَابُ لَمَا افْتَقَرَتْ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَإِنْ كَانَ فِي الْيَقَظَةِ وَعَلَيْهِ ظَاهِرُ مَا رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَإِنَّ فِيهِ فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ الْحَدِيثَ فَذَهَبَ السَّلَفُ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا صَحَّ أَنْ يُؤْمَنَ بِظَاهِرِهِ وَلَا يُفَسَّرُ بِمَا يُفَسَّرُ بِهِ صِفَاتُ الْخَلْقِ بَلْ يُنْفَى عَنْهُ الْكَيْفِيَّةُ وَيُوَكَّلُ عِلْمُ بَاطِنِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُرِي رَسُولَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ وَرَاءِ أَسْتَارِ الْغَيْبِ بِمَا لَا سَبِيلَ لِعُقُولِنَا إِلَى إِدْرَاكِهِ لَكِنْ تُرْكُ التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ فِي عَقَائِدِ النَّاسِ لِفُشُوِّ اعْتِقَادَاتِ الضَّلَالِ وَإِنْ تَأَوَّلَ بِمَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِمَالِ لَا الْقَطْعِ حَتَّى لَا يُحْمَلَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ شَرْعًا فَلَهُ وَجْهٌ فَ.
قَوْلُهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ رَأَيْتُ رَبِّي حَالَ كَوْنِي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَصِفَةٍ مِنْ غَايَةِ إِنْعَامِهِ وَلُطْفِهِ عَلَيَّ أَوْ حَالَ كَوْنِالرَّبِّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَصُورَةُ الشَّيْءِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ سَوَاءً كَانَ عَيْنَ ذاته أو جزءه الْمُمَيِّزَ لَهُ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ صِفَتَهُ الْمُمَيِّزَةَ وَكَمَا يُطْلَقُ ذَلِكَ فِي الْجُثَّةِ يُطْلَقُ فِي الْمَعَانِي يُقَالُ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا وَصُورَةِ الْحَالِ كَذَا فَصُورَتُهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ ذَاتُهُ الْمَخْصُوصَةُ الْمُنَزَّهَةُ عَنْ مُمَاثَلَةِ مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْبَالِغَةِ إِلَى أَقْصَى مَرَاتِبِ الْكَمَالِ أَوْ صِفَتُهُ الْمَخْصُوصَةُ بِهِ أَيْ كَانَ رَبِّي أَحْسَنَ إِكْرَامًا وَلُطْفًا مِنْ وَقْتٍ آخَرَ كَذَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ وَالتُّورِبِشْتِيُّ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَنَامِ فَإِنَّ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ الْآتِيَةَ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ رِوَايَةَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ تَصْحِيفٌ فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ حتى استثقلت انتهى وقال الحافظ بن كَثِيرٍ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ حَدِيثُ الْمَنَامِ الْمَشْهُورُ وَمَنْ جَعَلَهُ يَقَظَةً فَقَدْ غَلِطَ انْتَهَى وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ ذَلِكَ فِي الْيَقَظَةِ فَمَذْهَبُ السَّلَفِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ إِمْرَارُهُ كَمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَالْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ لَهُ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ وَعَنْ أَمْثَالِهِ مَعَ الِاعْتِقَادِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير وَمَذْهَبُ السَّلَفِ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّأْوِيلِ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ تَرْكَ التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ فِي عَقَائِدِ النَّاسِ لِفُشُوِّ اعْتِقَادَاتِ الضَّلَالِ فَمِمَّا لَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ فِيمَ أَيْ فِي أَيْ شَيْءٍ يَخْتَصِمُ أَيْ يَبْحَثُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى أَيِ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ والملأ هم الأشراف الذين يملأون الْمَجَالِسَ وَالصُّدُورَ عَظَمَةً وَإِجْلَالًا وَوُصِفُوا بِالْأَعْلَى إِمَّا لِعُلُوِّ مَكَانِهِمْ وَإِمَّا لِعُلُوِّ مَكَانَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَاخْتِصَامُهُمْ إِمَّا عِبَارَةٌ عَنْ تَبَادُرِهِمْ إِلَى إِثْبَاتِ تِلْكَ الْأَعْمَالِ وَالصُّعُودِ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ وَإِمَّا عَنْ تَقَاوُلِهِمْ فِي فَضْلِهَا وَشَرَفِهَا وَإِمَّا عَنِ اغْتِبَاطِهِمُ النَّاسَ بِتِلْكَ الْفَضَائِلِ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِهَا وَتَفَضُّلِهِمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ بِسَبَبِهَا مَعَ تَهَافُتِهِمْ فِي الشَّهَوَاتِ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مُخَاصَمَةً لِأَنَّهُ وَرَدَ مَوْرِدَ سُؤَالٍ وَجَوَابٍ وَذَلِكَ يُشْبِهُ الْمُخَاصَمَةَ وَالْمُنَاظَرَةَ فَلِهَذَا السَّبَبِ حَسُنَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُخَاصَمَةِ عَلَيْهِ ( قَالَ) أي النبي فَوَضَعَ أَيْ رَبِّي يَدَهُ أَيْ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَخْصِيصِهِ إِيَّاهُ بِمَزِيدِ الْفَضْلِ عَلَيْهِ وَإِيصَالِ الْفَيْضِ إِلَيْهِ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُتَلَطِّفِ بِمَنْ يَحْنُو عَلَيْهِ أَنْ يَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ تَنْبِيهًا عَلَى أنه يريد بذلك تكريمه وتأييده قاله القارىء.
قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ مَذْهَبَ السَّلَفِ فِي مِثْلِ هَذَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ بِالتَّثْنِيَةِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ قَلْبِي أَوْ صَدْرِي ( أَوْ قَالَ فِي نَحْرِي) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي نعم الْكَفَّارَاتِ أَيْ يَخْتَصِمُونَ فِيويقول كما في رواية بن جَرِيرٍ ( فَقَالَ) أَيْ أَبُو طَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ( يا بن أَخِي مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ) وَفِي رِوَايَةِ بن جرير فقال له أبو طالب أي بن أَخِي مَا بَالُ قَوْمِكَ يَشْكُونَكَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَتَقُولُ وَتَقُولُ أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ أَيْ تُطِيعُهُمْ وَتَخْضَعُ لَهُمُ الْعَرَبُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمُ الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ أَيْ تُعْطِيهِمُ الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ بِسَبَبِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ ( قَالَ) أَيْ أَبُو طَالِبٍ كَلِمَةً وَاحِدَةً أَيْ تُرِيدُ كَلِمَةً وَاحِدَةً ( قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ ( كَلِمَةً وَاحِدَةً) أَيْ أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً ( فَقَالُوا إِلَهًا وَاحِدًا) أَيْ أَتَجْعَلُ الْآلِهَةَ إِلَهًا واحدا ما سمعنا بهذا أَيْ بِالَّذِي تَقُولُهُ مِنَ التَّوْحِيدِ فِي الْمِلَّةِ الآخرة وَهِيَ مِلَّةُ النَّصْرَانِيَّةِ فَإِنَّهَا آخِرُ الْمِلَلِ قَبْلَ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ كَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَبِهِ قَالَ بن عَبَّاسٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَعْنُونَ بِهِ مِلَّةَ قُرَيْشٍ أَيِ الَّتِي أَدْرَكْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَعَنْ قَتَادَةَ مثله إن هذا أي ما هذا إلا اختلاق أَيْ كَذِبٌ اخْتَلَقَهُ مُحَمَّدٌ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذكر إِلَخْ الْآيَاتُ بِتَمَامِهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا ص اللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ بِهِ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ أَيْ وَالْقُرْآنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا فِيهِ ذِكْرٌ لِلْعِبَادِ وَنَفْعٌ لَهُمْ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أي تذكيركم وقال بن عباس رضي الله عنهما ذي الذكر أَيْ ذِي الشَّرَفِ وَذِي الشَّأْنِ وَالْمَكَانَةِ قَالَ بن كَثِيرٍ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ كِتَابٌ شَرِيفٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّذْكِيرِ انْتَهَى وَجَوَابُ هَذَا الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ كُفَّارُ مَكَّةَ مِنْ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ بَلِ الَّذِينَ كفروا في عزة أي حمية وتكبر عن الإيمان وشقاق أي خلاف وعداوة للنبي كم أَيْ كَثِيرًا أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ أَيْ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَنَادَوْا أَيْ بِالتَّوْحِيدِ حِينَ تَوَلَّتِ الدُّنْيَا عَنْهُمْ وَقِيلَ اسْتَغَاثُوا عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ وَحُلُولِ النِّقْمَةِ وَلَاتَ حِينَ مناص أَيْ لَيْسَ الْحِينُ حِينَ فِرَارٍ وَلَاتَ هِيَ لَا الْمُشَبَّهَةُ بِلَيْسَ زِيدَتْ عَلَيْهَا تَاءُ التَّأْنِيثِ كَمَا زِيدَتْ عَلَى رُبَّ وَثُمَّ لِلتَّوْكِيدِ وَتَغَيَّرَ بِذَلِكَ حُكْمُهَا حَيْثُ لَمْ تَدْخُلْ إِلَى عَلَى الْأَحْيَانِ وَلَمْ يَبْرُزْ إِلَّا أَحَدُ مُقْتَضَيَيْهَا إِمَّا الِاسْمُ أَوِ الْخَبَرُ وَامْتَنَعَ بُرُوزُهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَعِنْدَ الْأَخْفَشِ أَنَّهَا لَا النَّافِيَةُ لِلْجِنْسِ زِيدَتْ عَلَيْهَا التَّاءُ وَخُصَّتْ بِنَفْيِ الْأَحْيَانِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ نَادَوْا أَيِ اسْتَغَاثُوا وَالْحَالُ أَنْ لَا مَهْرَبَ لَهُمْ وَلَا منجا وعجبوا أن جاءهم منذر منهم أَيْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يُنْذِرُهُمْ وَيُخَوِّفُهُمْ بِالنَّارِ بعد البعث وهو النبي وقال الكافرون فِيهِ وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ هَذَا سَاحِرٌ كذاب أجعل الآلهة إلها واحداأَيْ أَزَعَمَ أَنَّ الْمَعْبُودَ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ حَيْثُ قَالَ لَهُمْ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ أي عجيب وانطلق الملأ منهم أَيْ مِنْ مَجْلِسِ اجْتِمَاعِهِمْ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ وسماعهم من النبي قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَنِ امْشُوا أَيْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ امْشُوا وَامْضُوا عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ وَلَا تَدْخُلُوا فِي دِينِهِ واصبروا على آلهتكم أَيِ اثْبُتُوا عَلَى عِبَادَتِهَا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يراد أَيْ إِنَّ هَذَا الَّذِي يَدْعُونَا إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ مِنَ التَّوْحِيدِ لَشَيْءٌ يُرِيدُ بِهِ الشَّرَفَ عَلَيْكُمْ والاستعلاء وأن يكون له منكم ابتاع وَلَسْنَا نُجِيبُهُ إِلَيْهِ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق تَقَدَّمَ تَفْسِيرِهِ .
قَوْلُهُ ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وبن جرير وبن الْمُنْذِرِ .
قَوْلُهُ (.
وَقَالَ ) أَيِ الْأَعْمَشُ ( يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ) يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ هَذَا هُوَ يَحْيَى بن عباد المذكور في الإسناد المتقدم .
قَوْلُهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ الظَّاهِرُ أَنَّ إِتْيَانَهُ تَعَالَى كَانَ فِي الْمَنَامِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الرَّاوِي أَحْسَبُهُ فِي الْمَنَامِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ الْآتِي فَفِيهِ فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي فَاسْتَثْقَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي تَبَارَكَ وتعالى في أحسن صورة قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ إِذَا كَانَ هَذَا فِي الْمَنَامِ فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ إِذِ الرَّائِي قَدْ يَرَى غَيْرَ الْمُتَشَكِّلِ مُتَشَكِّلًا وَالْمُتَشَكِّلَ بِغَيْرِ شَكْلِهِ ثُمَّ لَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ بِخَلَلٍ فِي الرُّؤْيَا وَلَا فِي خَلَدِ الرَّائِي بَلْ لَهُ أَسْبَابٌ أُخَرُ تُذْكَرُ فِي عِلْمِ الْمَنَامِ أَيِ التَّعْبِيرِ وَلَوْلَا تِلْكَ الْأَسْبَابُ لَمَا افْتَقَرَتْ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَإِنْ كَانَ فِي الْيَقَظَةِ وَعَلَيْهِ ظَاهِرُ مَا رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَإِنَّ فِيهِ فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ الْحَدِيثَ فَذَهَبَ السَّلَفُ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا صَحَّ أَنْ يُؤْمَنَ بِظَاهِرِهِ وَلَا يُفَسَّرُ بِمَا يُفَسَّرُ بِهِ صِفَاتُ الْخَلْقِ بَلْ يُنْفَى عَنْهُ الْكَيْفِيَّةُ وَيُوَكَّلُ عِلْمُ بَاطِنِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُرِي رَسُولَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ وَرَاءِ أَسْتَارِ الْغَيْبِ بِمَا لَا سَبِيلَ لِعُقُولِنَا إِلَى إِدْرَاكِهِ لَكِنْ تُرْكُ التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ فِي عَقَائِدِ النَّاسِ لِفُشُوِّ اعْتِقَادَاتِ الضَّلَالِ وَإِنْ تَأَوَّلَ بِمَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِمَالِ لَا الْقَطْعِ حَتَّى لَا يُحْمَلَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ شَرْعًا فَلَهُ وَجْهٌ فَ.
قَوْلُهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ رَأَيْتُ رَبِّي حَالَ كَوْنِي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَصِفَةٍ مِنْ غَايَةِ إِنْعَامِهِ وَلُطْفِهِ عَلَيَّ أَوْ حَالَ كَوْنِالرَّبِّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَصُورَةُ الشَّيْءِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ سَوَاءً كَانَ عَيْنَ ذاته أو جزءه الْمُمَيِّزَ لَهُ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ صِفَتَهُ الْمُمَيِّزَةَ وَكَمَا يُطْلَقُ ذَلِكَ فِي الْجُثَّةِ يُطْلَقُ فِي الْمَعَانِي يُقَالُ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا وَصُورَةِ الْحَالِ كَذَا فَصُورَتُهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ ذَاتُهُ الْمَخْصُوصَةُ الْمُنَزَّهَةُ عَنْ مُمَاثَلَةِ مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْبَالِغَةِ إِلَى أَقْصَى مَرَاتِبِ الْكَمَالِ أَوْ صِفَتُهُ الْمَخْصُوصَةُ بِهِ أَيْ كَانَ رَبِّي أَحْسَنَ إِكْرَامًا وَلُطْفًا مِنْ وَقْتٍ آخَرَ كَذَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ وَالتُّورِبِشْتِيُّ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَنَامِ فَإِنَّ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ الْآتِيَةَ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ رِوَايَةَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ تَصْحِيفٌ فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ حتى استثقلت انتهى وقال الحافظ بن كَثِيرٍ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ حَدِيثُ الْمَنَامِ الْمَشْهُورُ وَمَنْ جَعَلَهُ يَقَظَةً فَقَدْ غَلِطَ انْتَهَى وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ ذَلِكَ فِي الْيَقَظَةِ فَمَذْهَبُ السَّلَفِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ إِمْرَارُهُ كَمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَالْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ لَهُ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ وَعَنْ أَمْثَالِهِ مَعَ الِاعْتِقَادِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير وَمَذْهَبُ السَّلَفِ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّأْوِيلِ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ تَرْكَ التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ فِي عَقَائِدِ النَّاسِ لِفُشُوِّ اعْتِقَادَاتِ الضَّلَالِ فَمِمَّا لَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ فِيمَ أَيْ فِي أَيْ شَيْءٍ يَخْتَصِمُ أَيْ يَبْحَثُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى أَيِ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ والملأ هم الأشراف الذين يملأون الْمَجَالِسَ وَالصُّدُورَ عَظَمَةً وَإِجْلَالًا وَوُصِفُوا بِالْأَعْلَى إِمَّا لِعُلُوِّ مَكَانِهِمْ وَإِمَّا لِعُلُوِّ مَكَانَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَاخْتِصَامُهُمْ إِمَّا عِبَارَةٌ عَنْ تَبَادُرِهِمْ إِلَى إِثْبَاتِ تِلْكَ الْأَعْمَالِ وَالصُّعُودِ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ وَإِمَّا عَنْ تَقَاوُلِهِمْ فِي فَضْلِهَا وَشَرَفِهَا وَإِمَّا عَنِ اغْتِبَاطِهِمُ النَّاسَ بِتِلْكَ الْفَضَائِلِ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِهَا وَتَفَضُّلِهِمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ بِسَبَبِهَا مَعَ تَهَافُتِهِمْ فِي الشَّهَوَاتِ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مُخَاصَمَةً لِأَنَّهُ وَرَدَ مَوْرِدَ سُؤَالٍ وَجَوَابٍ وَذَلِكَ يُشْبِهُ الْمُخَاصَمَةَ وَالْمُنَاظَرَةَ فَلِهَذَا السَّبَبِ حَسُنَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُخَاصَمَةِ عَلَيْهِ ( قَالَ) أي النبي فَوَضَعَ أَيْ رَبِّي يَدَهُ أَيْ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَخْصِيصِهِ إِيَّاهُ بِمَزِيدِ الْفَضْلِ عَلَيْهِ وَإِيصَالِ الْفَيْضِ إِلَيْهِ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُتَلَطِّفِ بِمَنْ يَحْنُو عَلَيْهِ أَنْ يَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ تَنْبِيهًا عَلَى أنه يريد بذلك تكريمه وتأييده قاله القارىء.
قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ مَذْهَبَ السَّلَفِ فِي مِثْلِ هَذَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ بِالتَّثْنِيَةِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ قَلْبِي أَوْ صَدْرِي ( أَوْ قَالَ فِي نَحْرِي) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي نعم الْكَفَّارَاتِ أَيْ يَخْتَصِمُونَ فِيحَاتِمٍ وَفِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ كَلَامٌ مَعْرُوفٌ وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ