هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
345 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَفَرَجَ صَدْرِي ، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا ، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي ، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، قَالَ جِبْرِيلُ : لِخَازِنِ السَّمَاءِ افْتَحْ ، قَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ هَذَا جِبْرِيلُ ، قَالَ : هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ مَعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ ، وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى ، فَقَالَ : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ ، قُلْتُ لِجِبْرِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا آدَمُ ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ ، فَأَهْلُ اليَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا : افْتَحْ ، فَقَالَ لَهُ خَازِنِهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ : فَفَتَحَ ، - قَالَ أَنَسٌ : فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ ، وَإِدْرِيسَ ، وَمُوسَى ، وَعِيسَى ، وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ ، قَالَ أَنَسٌ - فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِدْرِيسَ قَالَ : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا إِدْرِيسُ ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ ، قُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا مُوسَى ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ : مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ، قُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا عِيسَى ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ ، فَقَالَ : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ ، قُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ، وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ ، كَانَا يَقُولاَنِ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوَى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً ، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ ، حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى ، فَقَالَ : مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ ؟ قُلْتُ : فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً ، قَالَ : فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ ، فَرَاجَعْتُ ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى ، قُلْتُ : وَضَعَ شَطْرَهَا ، فَقَالَ : رَاجِعْ رَبَّكَ ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ ، فَرَاجَعْتُهُ ، فَقَالَ : هِيَ خَمْسٌ ، وَهِيَ خَمْسُونَ ، لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى ، فَقَالَ : رَاجِعْ رَبَّكَ ، فَقُلْتُ : اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي ، حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى ، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ ؟ ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا المِسْكُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  قال أنس : فذكر أنه وجد في السموات آدم ، وإدريس ، وموسى ، وعيسى ، وإبراهيم صلوات الله عليهم ، ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة ، قال أنس فلما مر جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم بإدريس قال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح ، فقلت من هذا ؟ قال : هذا إدريس ، ثم مررت بموسى فقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح ، قلت : من هذا ؟ قال : هذا موسى ، ثم مررت بعيسى فقال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ، قلت : من هذا ؟ قال : هذا عيسى ، ثم مررت بإبراهيم ، فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح ، قلت : من هذا ؟ قال : هذا إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، قال ابن شهاب : فأخبرني ابن حزم ، أن ابن عباس ، وأبا حبة الأنصاري ، كانا يقولان : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام ، قال ابن حزم ، وأنس بن مالك : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة ، فرجعت بذلك ، حتى مررت على موسى ، فقال : ما فرض الله لك على أمتك ؟ قلت : فرض خمسين صلاة ، قال : فارجع إلى ربك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فراجعت ، فوضع شطرها ، فرجعت إلى موسى ، قلت : وضع شطرها ، فقال : راجع ربك ، فإن أمتك لا تطيق ، فراجعت فوضع شطرها ، فرجعت إليه ، فقال : ارجع إلى ربك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فراجعته ، فقال : هي خمس ، وهي خمسون ، لا يبدل القول لدي ، فرجعت إلى موسى ، فقال : راجع ربك ، فقلت : استحييت من ربي ، ثم انطلق بي ، حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى ، وغشيها ألوان لا أدري ما هي ؟ ثم أدخلت الجنة ، فإذا فيها حبايل اللؤلؤ وإذا ترابها المسك
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَفَرَجَ صَدْرِي ، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا ، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي ، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، قَالَ جِبْرِيلُ : لِخَازِنِ السَّمَاءِ افْتَحْ ، قَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ هَذَا جِبْرِيلُ ، قَالَ : هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ مَعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ ، وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى ، فَقَالَ : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ ، قُلْتُ لِجِبْرِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا آدَمُ ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ ، فَأَهْلُ اليَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا : افْتَحْ ، فَقَالَ لَهُ خَازِنِهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ : فَفَتَحَ ، - قَالَ أَنَسٌ : فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ ، وَإِدْرِيسَ ، وَمُوسَى ، وَعِيسَى ، وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ ، قَالَ أَنَسٌ - فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِدْرِيسَ قَالَ : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا إِدْرِيسُ ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ ، قُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا مُوسَى ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ : مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ، قُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا عِيسَى ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ ، فَقَالَ : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ ، قُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ، وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ ، كَانَا يَقُولاَنِ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوَى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً ، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ ، حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى ، فَقَالَ : مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ ؟ قُلْتُ : فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً ، قَالَ : فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ ، فَرَاجَعْتُ ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى ، قُلْتُ : وَضَعَ شَطْرَهَا ، فَقَالَ : رَاجِعْ رَبَّكَ ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ ، فَرَاجَعْتُهُ ، فَقَالَ : هِيَ خَمْسٌ ، وَهِيَ خَمْسُونَ ، لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى ، فَقَالَ : رَاجِعْ رَبَّكَ ، فَقُلْتُ : اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي ، حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى ، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ ؟ ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا المِسْكُ .

Narrated Abu Dhar:

Allah's Messenger (ﷺ) said, While I was at Mecca the roof of my house was opened and Gabriel descended, opened my chest, and washed it with Zamzam water. Then he brought a golden tray full of wisdom and faith and having poured its contents into my chest, he closed it. Then he took my hand and ascended with me to the nearest heaven, when I reached the nearest heaven, Gabriel said to the gatekeeper of the heaven, 'Open (the gate).' The gatekeeper asked, 'Who is it?' Gabriel answered: 'Gabriel.' He asked, 'Is there anyone with you?' Gabriel replied, 'Yes, Muhammad I is with me.' He asked, 'Has he been called?' Gabriel said, 'Yes.' So the gate was opened and we went over the nearest heaven and there we saw a man sitting with some people on his right and some on his left. When he looked towards his right, he laughed and when he looked toward his left he wept. Then he said, 'Welcome! O pious Prophet and pious son.' I asked Gabriel, 'Who is he?' He replied, 'He is Adam and the people on his right and left are the souls of his offspring. Those on his right are the people of Paradise and those on his left are the people of Hell and when he looks towards his right he laughs and when he looks towards his left he weeps.' Then he ascended with me till he reached the second heaven and he (Gabriel) said to its gatekeeper, 'Open (the gate).' The gatekeeper said to him the same as the gatekeeper of the first heaven had said and he opened the gate. Anas said: Abu Dhar added that the Prophet (ﷺ) met Adam, Idris, Moses, Jesus and Abraham, he (Abu Dhar) did not mention on which heaven they were but he mentioned that he (the Prophet (ﷺ) ) met Adam on the nearest heaven and Abraham on the sixth heaven. Anas said, When Gabriel along with the Prophet (ﷺ) passed by Idris, the latter said, 'Welcome! O pious Prophet and pious brother.' The Prophet (ﷺ) asked, 'Who is he?' Gabriel replied, 'He is Idris. The Prophet (ﷺ) added, I passed by Moses and he said, 'Welcome! O pious Prophet and pious brother.' I asked Gabriel, 'Who is he?' Gabriel replied, 'He is Moses.' Then I passed by Jesus and he said, 'Welcome! O pious brother and pious Prophet.' I asked, 'Who is he?' Gabriel replied, 'He is Jesus. Then I passed by Abraham and he said, 'Welcome! O pious Prophet and pious son.' I asked Gabriel, 'Who is he?' Gabriel replied, 'He is Abraham. The Prophet (ﷺ) added, 'Then Gabriel ascended with me to a place where I heard the creaking of the pens. Ibn Hazm and Anas bin Malik said: The Prophet (ﷺ) said, Then Allah enjoined fifty prayers on my followers when I returned with this order of Allah, I passed by Moses who asked me, 'What has Allah enjoined on your followers?' I replied, 'He has enjoined fifty prayers on them.' Moses said, 'Go back to your Lord (and appeal for reduction) for your followers will not be able to bear it.' (So I went back to Allah and requested for reduction) and He reduced it to half. When I passed by Moses again and informed him about it, he said, 'Go back to your Lord as your followers will not be able to bear it.' So I returned to Allah and requested for further reduction and half of it was reduced. I again passed by Moses and he said to me: 'Return to your Lord, for your followers will not be able to bear it. So I returned to Allah and He said, 'These are five prayers and they are all (equal to) fifty (in reward) for My Word does not change.' I returned to Moses and he told me to go back once again. I replied, 'Now I feel shy of asking my Lord again.' Then Gabriel took me till we '' reached Sidrat-il-Muntaha (Lote tree of; the utmost boundary) which was shrouded in colors, indescribable. Then I was admitted into Paradise where I found small (tents or) walls (made) of pearls and its earth was of musk.

0349 Anas ben Malik dit : Abu Dhar rapportait que le Messager de Dieu avait dit : « Lorsque j’étais à La Mecque, on fendit le plafond de ma maison, et l’archange Gabriel descendit alors et me fendit la poitrine pour la laver avec l’eau de Zamzam. Il apporta ensuite une écuelle en or remplie de sagesse et de foi, la vida dans ma poitrine et la passa enfin à côté. Après cela, il me prit par la main et me fit monter au ciel du bas-monde. A notre arrivée, Gabriel dit à l’ange gardien du ciel :Ouvre !Qui est là ? demanda l’ange. C’est Gabriel. Y a-t-il quelqu’un avec toi ? Oui, il y a Muhammad. Lui a-t-on envoyé la Révélation ? Oui. On nous ouvrit les portes du ciel du bas-monde puis nous nous élevâmes en son sein. Nous y vîmes un homme assis. Il y avait à sa droite et à sa gauche deux masses noires. Et en regardant à sa droite, il souriait; tandis qu’il pleurait en se retournant à gauche. Bienvenue au prophète et au fils pieux, me dit l’homme. Mais qui est-ce ? dis-je à Gabriel.C’est Adam. Et ces deux masses noires qui son à sa droite et à sa gauche sont les âmes de sa descendances. Ceux qui sont à sa droite sont les habitants du Paradis tandis que ceux qui forment la masse de gauche sont ceux du Feu. Et c’est pourquoi il sourit une fois qu’il regarde à sa droite mais pleure lorsqu’il se retourne à sa gauche.Etant tous deux montés au deuxième ciel, Gabriel dit à son gardien : Ouvre ! Et ce dernier lui répondit de la même manière que le premier puis ouvrit la porte. » (Arrivé à ce passage, Abu Dhar rapporte que le Prophète trouva dans les différents cieux, Adam, Idrîs, Moïse, Jésus et Abraham, que les saluts de Dieu soient sur eux tous; sans toutefois désigner la place de chacun d’entre eux; mais il mentionna quand même qu’il avait trouvé Adam dans le ciel du bas-monde et Abraham au sixième ciel) Anas : Lorsque Gabriel passa avec le Prophète auprès de Idris, celui-ci dit : « Bienvenue au prophète et au frère pieux ! » Le Prophète : « Qui est-ce ? C’est Idris, répondit Gabriel. Après cela je passai auprès de Moïse qui me dit : Bienvenue au prophète et au frère pieux ! Mais qui est-ce ? dis-je C’est Moïse. Et de passage auprès de Jésus, celui-ci me dit : Bienvenue au prophète et au frère vertueux ! Qui est-ce ? dis-je. C’est Jésus, répondit Gabriel. Enfin, et de passage près d’Abraham, il me dit : Bienvenue au prophète et au fils vertueux ! Qui est-ce ? dis-je. Celui-là, c’est Abraham.«  Ibn Chihab : Ibn Hazm m’a informé qu’ibn Abbas et Abu Habba al-Ansâry rapportaient souvent que le Prophète avait ensuite dit : « Puis on me fit monter à un niveau à partir duquel je pouvais entendre le frottement des Calames. » Ibn Hazm et Anas ben Mâlik : Le Prophète avait ensuite dit : « Et Dieu prescrivit ensuite à ma Umma cinquante prières rituelles. A mon retour, je passai près de Moïse qui me dit : Qu’est-ce que Dieu a prescrit pour ta Umma ? Cinquante prières, répondis-je. Retourne voir ton Seigneur ! ta Umma ne supportera pas cela. En Effet, je retournai auprès du Seigneur et Il me déchargea de la moitié. Mais de nouveau de passage près de Moïse, je lui dis : Il a retranché la moitié. Retourne auprès de ton Seigneur ! ta Umma ne supportera pas cela. Je retournai et Dieu me déchargea d’une nouvelle moitié. De retour auprès de Moïse, il me dit : Retourne auprès de ton Seigneur ! ta Umma ne supportera pas cela. Je retournai et Dieu me dit : Elles sont cinq et elles sont cinquante. Je ne change point ma parole. Je retournai chez Moïse qui me dit : Retourne voir ton Seigneur ! J’ai honte maintenant du Seigneur, répliquai-je. Enfin, Gabriel m’emmena à Sidrat-ul-Muntaha (Lotus des confins) où je vis des couleurs que je ne connaissais pas, puis on me fit entrer dans le Paradis où il y avait des habâyl de perles et un sol en musc.«   

":"ہم سے یحییٰ بن بکیر نے بیان کیا ، انھوں نے کہا ہم سے لیث بن سعد نے یونس کے واسطہ سے بیان کیا ، انھوں نے ابن شہاب سے ، انھوں نے انس بن مالک سے ، انھوں نے فرمایا کہ ابوذر غفاری رضی اللہ عنہ یہ حدیث بیان کرتے تھے کہآنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ میرے گھر کی چھت کھول دی گئی ، اس وقت میں مکہ میں تھا ۔ پھر جبرائیل علیہ السلام اترے اور انھوں نے میرا سینہ چاک کیا ۔ پھر اسے زمزم کے پانی سے دھویا ۔ پھر ایک سونے کا طشت لائے جو حکمت اور ایمان سے بھرا ہوا تھا ۔ اس کو میرے سینے میں رکھ دیا ، پھر سینے کو جوڑ دیا ، پھر میرا ہاتھ پکڑا اور مجھے آسمان کی طرف لے کر چلے ۔ جب میں پہلے آسمان پر پہنچا تو جبرائیل علیہ السلام نے آسمان کے داروغہ سے کہا کھولو ۔ اس نے پوچھا ، آپ کون ہیں ؟ جواب دیا کہ جبرائیل ، پھر انھوں نے پوچھا کیا آپ کے ساتھ کوئی اور بھی ہے ؟ جواب دیا ، ہاں میرے ساتھ محمد ( صلی اللہ علیہ وسلم ) ہیں ۔ انھوں نے پوچھا کہ کیا ان کے بلانے کے لیے آپ کو بھیجا گیا تھا ؟ کہا ، جی ہاں ! پھر جب انھوں نے دروازہ کھولا تو ہم پہلے آسمان پر چڑھ گئے ، وہاں ہم نے ایک شخص کو بیٹھے ہوئے دیکھا ۔ ان کے داہنی طرف کچھ لوگوں کے جھنڈ تھے اور کچھ جھنڈ بائیں طرف تھے ۔ جب وہ اپنی داہنی طرف دیکھتے تو مسکرا دیتے اور جب بائیں طرف نظر کرتے تو روتے ۔ انھوں نے مجھے دیکھ کر فرمایا ، آؤ اچھے آئے ہو ۔ صالح نبی اور صالح بیٹے ! میں نے جبرائیل علیہ السلام سے پوچھا یہ کون ہیں ؟ انھوں نے کہا کہ یہ آدم علیہ السلام ہیں اور ان کے دائیں بائیں جو جھنڈ ہیں یہ ان کے بیٹوں کی روحیں ہیں ۔ جو جھنڈ دائیں طرف ہیں وہ جنتی ہیں اور بائیں طرف کے جھنڈ دوزخی روحیں ہیں ۔ اس لیے جب وہ اپنے دائیں طرف دیکھتے ہیں تو خوشی سے مسکراتے ہیں اور جب بائیں طرف دیکھتے ہیں تو ( رنج سے ) روتے ہیں ۔ پھر جبرائیل مجھے لے کر دوسرے آسمان تک پہنچے اور اس کے داروغہ سے کہا کہ کھولو ۔ اس آسمان کے داروغہ نے بھی پہلے کی طرح پوچھا پھر کھول دیا ۔ حضرت انس نے کہا کہ ابوذر نے ذکر کیا کہ آپ صلی اللہ علیہ وسلم یعنی نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے آسمان پر آدم ، ادریس ، موسیٰ ، عیسیٰ اور ابراہیم علیہم السلام کو موجود پایا ۔ اور ابوذر رضی اللہ عنہ نے ہر ایک کا ٹھکانہ نہیں بیان کیا ۔ البتہ اتنا بیان کیا کہ آنحضور صلی اللہ علیہ وسلم نے حضرت آدم کو پہلے آسمان پر پایا اور حضرت ابراہیم علیہ السلام کو چھٹے آسمان پر ۔ انس نے بیان کیا کہ جب جبرائیل علیہ السلام نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کے ساتھ ادریس علیہ السلام پر گزرے ۔ تو انھوں نے فرمایا کہ آؤ اچھے آئے ہو صالح نبی اور صالح بھائی ۔ میں نے پوچھا یہ کون ہیں ؟ جواب دیا کہ یہ ادریس علیہ السلام ہیں ۔ پھر موسیٰ علیہ السلام تک پہنچا تو انھوں نے فرمایا آؤ اچھے آئے ہو صالح نبی اور صالح بھائی ۔ میں نے پوچھا یہ کون ہیں ؟ جبرائیل علیہ السلام نے بتایا کہ موسیٰ علیہ السلام ہیں ۔ پھر میں عیسیٰ علیہ السلام تک پہنچا ، انھوں نے کہا آؤ اچھے آئے ہو صالح نبی اور صالح بھائی ۔ میں نے پوچھا یہ کون ہیں ؟ جبرائیل علیہ السلام نے بتایا کہ یہ عیسیٰ علیہ السلام ہیں ۔ پھر میں ابراہیم علیہ السلام تک پہنچا ۔ انھوں نے فرمایا آؤ اچھے آئے ہو صالح نبی اور صالح بیٹے ۔ میں نے پوچھا یہ کون ہیں ؟ جبرائیل علیہ السلام نے بتایا کہ یہ حضرت ابراہیم علیہ السلام ہیں ۔ ابن شہاب نے کہا کہ مجھے ابوبکر بن حزم نے خبر دی کہ عبداللہ بن عباس اور ابوحبۃ الانصاری رضی اللہ عنہم کہا کرتے تھے کہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا ، پھر مجھے جبرائیل علیہ السلام لے کر چڑھے ، اب میں اس بلند مقام تک پہنچ گیا جہاں میں نے قلم کی آواز سنی ( جو لکھنے والے فرشتوں کی قلموں کی آواز تھی ) ابن حزم نے ( اپنے شیخ سے ) اور انس بن مالک نے ابوذر رضی اللہ عنہ سے نقل کیا کہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا ۔ پس اللہ تعالیٰ نے میری امت پر پچاس وقت کی نمازیں فرض کیں ۔ میں یہ حکم لے کر واپس لوٹا ۔ جب موسیٰ علیہ السلام تک پہنچا تو انھوں نے پوچھا کہ آپ کی امت پر اللہ نے کیا فرض کیا ہے ؟ میں نے کہا کہ پچاس وقت کی نمازیں فرض کی ہیں ۔ انھوں نے فرمایا آپ واپس اپنے رب کی بارگاہ میں جائیے ۔ کیونکہ آپ کی امت اتنی نمازوں کو ادا کرنے کی طاقت نہیں رکھتی ہے ۔ میں واپس بارگاہ رب العزت میں گیا تو اللہ نے اس میں سے ایک حصہ کم کر دیا ، پھر موسیٰ علیہ السلام کے پاس آیا اور کہا کہ ایک حصہ کم کر دیا گیا ہے ، انھوں نے کہا کہ دوبارہ جائیے کیونکہ آپ کی امت میں اس کے برداشت کی بھی طاقت نہیں ہے ۔ پھر میں بارگاہ رب العزت میں حاضر ہوا ۔ پھر ایک حصہ کم ہوا ۔ جب موسیٰ علیہ السلام کے پاس پہنچا تو انھوں نے فرمایا کہ اپنے رب کی بارگاہ میں پھر جائیے ، کیونکہ آپ کی امت اس کو بھی برداشت نہ کر سکے گی ، پھر میں باربار آیا گیا پس اللہ تعالیٰ نے فرمایا کہ یہ نمازیں ( عمل میں ) پانچ ہیں اور ( ثواب میں ) پچاس ( کے برابر ) ہیں ۔ میری بات بدلی نہیں جاتی ۔ اب میں موسیٰ علیہ السلام کے پاس آیا تو انھوں نے پھر کہا کہ اپنے رب کے پاس جائیے ۔ لیکن میں نے کہا مجھے اب اپنے رب سے شرم آتی ہے ۔ پھر جبرائیل مجھے سدرۃالمنتہیٰ تک لے گئے جسے کئی طرح کے رنگوں نے ڈھانک رکھا تھا ۔ جن کے متعلق مجھے معلوم نہیں ہوا کہ وہ کیا ہیں ۔ اس کے بعد مجھے جنت میں لے جایا گیا ، میں نے دیکھا کہ اس میں موتیوں کے ہار ہیں اور اس کی مٹی مشک کی ہے ۔

0349 Anas ben Malik dit : Abu Dhar rapportait que le Messager de Dieu avait dit : « Lorsque j’étais à La Mecque, on fendit le plafond de ma maison, et l’archange Gabriel descendit alors et me fendit la poitrine pour la laver avec l’eau de Zamzam. Il apporta ensuite une écuelle en or remplie de sagesse et de foi, la vida dans ma poitrine et la passa enfin à côté. Après cela, il me prit par la main et me fit monter au ciel du bas-monde. A notre arrivée, Gabriel dit à l’ange gardien du ciel :Ouvre !Qui est là ? demanda l’ange. C’est Gabriel. Y a-t-il quelqu’un avec toi ? Oui, il y a Muhammad. Lui a-t-on envoyé la Révélation ? Oui. On nous ouvrit les portes du ciel du bas-monde puis nous nous élevâmes en son sein. Nous y vîmes un homme assis. Il y avait à sa droite et à sa gauche deux masses noires. Et en regardant à sa droite, il souriait; tandis qu’il pleurait en se retournant à gauche. Bienvenue au prophète et au fils pieux, me dit l’homme. Mais qui est-ce ? dis-je à Gabriel.C’est Adam. Et ces deux masses noires qui son à sa droite et à sa gauche sont les âmes de sa descendances. Ceux qui sont à sa droite sont les habitants du Paradis tandis que ceux qui forment la masse de gauche sont ceux du Feu. Et c’est pourquoi il sourit une fois qu’il regarde à sa droite mais pleure lorsqu’il se retourne à sa gauche.Etant tous deux montés au deuxième ciel, Gabriel dit à son gardien : Ouvre ! Et ce dernier lui répondit de la même manière que le premier puis ouvrit la porte. » (Arrivé à ce passage, Abu Dhar rapporte que le Prophète trouva dans les différents cieux, Adam, Idrîs, Moïse, Jésus et Abraham, que les saluts de Dieu soient sur eux tous; sans toutefois désigner la place de chacun d’entre eux; mais il mentionna quand même qu’il avait trouvé Adam dans le ciel du bas-monde et Abraham au sixième ciel) Anas : Lorsque Gabriel passa avec le Prophète auprès de Idris, celui-ci dit : « Bienvenue au prophète et au frère pieux ! » Le Prophète : « Qui est-ce ? C’est Idris, répondit Gabriel. Après cela je passai auprès de Moïse qui me dit : Bienvenue au prophète et au frère pieux ! Mais qui est-ce ? dis-je C’est Moïse. Et de passage auprès de Jésus, celui-ci me dit : Bienvenue au prophète et au frère vertueux ! Qui est-ce ? dis-je. C’est Jésus, répondit Gabriel. Enfin, et de passage près d’Abraham, il me dit : Bienvenue au prophète et au fils vertueux ! Qui est-ce ? dis-je. Celui-là, c’est Abraham.«  Ibn Chihab : Ibn Hazm m’a informé qu’ibn Abbas et Abu Habba al-Ansâry rapportaient souvent que le Prophète avait ensuite dit : « Puis on me fit monter à un niveau à partir duquel je pouvais entendre le frottement des Calames. » Ibn Hazm et Anas ben Mâlik : Le Prophète avait ensuite dit : « Et Dieu prescrivit ensuite à ma Umma cinquante prières rituelles. A mon retour, je passai près de Moïse qui me dit : Qu’est-ce que Dieu a prescrit pour ta Umma ? Cinquante prières, répondis-je. Retourne voir ton Seigneur ! ta Umma ne supportera pas cela. En Effet, je retournai auprès du Seigneur et Il me déchargea de la moitié. Mais de nouveau de passage près de Moïse, je lui dis : Il a retranché la moitié. Retourne auprès de ton Seigneur ! ta Umma ne supportera pas cela. Je retournai et Dieu me déchargea d’une nouvelle moitié. De retour auprès de Moïse, il me dit : Retourne auprès de ton Seigneur ! ta Umma ne supportera pas cela. Je retournai et Dieu me dit : Elles sont cinq et elles sont cinquante. Je ne change point ma parole. Je retournai chez Moïse qui me dit : Retourne voir ton Seigneur ! J’ai honte maintenant du Seigneur, répliquai-je. Enfin, Gabriel m’emmena à Sidrat-ul-Muntaha (Lotus des confins) où je vis des couleurs que je ne connaissais pas, puis on me fit entrer dans le Paradis où il y avait des habâyl de perles et un sol en musc.«   

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [349] .

     قَوْلُهُ  فُرِجَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَبِالْجِيمِ أَيْ فُتِحَ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْمَلَكَ انْصَبَّ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ انْصِبَابَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى شَيْءٍ سِوَاهُ مُبَالَغَةً فِي الْمُنَاجَاةِ وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الطَّلَبَ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السِّرُّ فِي ذَلِكَ التَّمْهِيدَ لِمَا وَقَعَ مِنْ شَقِّ صَدْرِهِ فَكَأَنَّ الْمَلَكَ أَرَاهُ بِانْفِرَاجِ السَّقْفِ وَالْتِئَامِهِ فِي الْحَالِ كَيْفِيَّةَ مَا سَيَصْنَعُ بِهِ لُطْفًا بِهِ وَتَثْبِيتًا لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَفَرَجَ صَدْرِي هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْجِيمِ أَيْضًا أَيْ شَقَّهُ وَرَجَّحَ عِيَاضٌ أَنَّ شَقَّ الصَّدْرِ كَانَ وَهُوَ صَغِيرٌ عِنْدَ مُرْضِعَتِهِ حَلِيمَةَ.

.
وَتَعَقَّبَهُ السُّهَيْلِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ شَرِيكٍ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ الشَّقَّ الْأَوَّلَ كَانَ لِاسْتِعْدَادِهِ لِنَزْعِ الْعَلَقَةِ الَّتِي قِيلَ لَهُ عِنْدَهَا هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ وَالشَّقُّ الثَّانِي كَانَ لِاسْتِعْدَادِهِ لِلتَّلَقِّي الْحَاصِلِ لَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَقَدْ رَوَى الطَّيَالِسِيُّ وَالْحَارِثُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ الشَّقَّ وَقَعَ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَ مَجِيءِ جِبْرِيلَ لَهُ بِالْوَحْيِ فِي غَارِ حِرَاءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَرُوِيَ الشَّقُّ أَيْضًا وَهُوَ بن عَشْرٍ أَوْ نَحْوِهَا فِي قِصَّةٍ لَهُ مَعَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَخْرَجَهَا أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ وَرُوِيَ مَرَّةً أُخْرَى خَامِسَةً وَلَا تَثْبُتُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَبِكَسْرِهَا إِنَاءٌ مَعْرُوفٌ سَبَقَ تَحْقِيقُهُ فِي الْوُضُوءِ وَخُصَّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ آلَةُ الْغَسْلِ عُرْفًا وَكَانَ مِنْ ذَهَبٍ لِأَنَّهُ أَعْلَى أَوَانِي الْجَنَّةِ وَقَدْ أَبْعَدَ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِهِ بِالذَّهَبِ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ لَهُ الْمَلَكُ فَيَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ كَوْنِهِمْ مُكَلَّفِينَ بِمَا كُلِّفْنَا بِهِ وَوَرَاءَ ذَلِك إِن ذَلِكَ كَانَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الذَّهْبِ إِنَّمَا وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا فِي اللِّبَاسِ .

     قَوْلُهُ  مُمْتَلِئٌ كَذَا وَقَعَ بِالتَّذْكِيرِ عَلَى مَعْنَى الْإِنَاءِلَا على لفظ الطست لِأَنَّهَا مؤنثه وَحِكْمَة وَإِيمَانًا بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الطَّسْتَ جُعِلَ فِيهَا شَيْءٌ يَحْصُلُ بِهِ كَمَالُ الْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ فَسُمِّيَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا مَجَازًا أَوْ مَثَلًا لَهُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَمْثِيلِ الْمَعَانِي كَمَا يُمَثَّلُ الْمَوْتُ كَبْشًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْحِكْمَةِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ مُضْطَرِبَةٌ صَفَا لَنَا مِنْهَا أَنَّ الْحِكْمَةَ الْعِلْمُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ مَعَ نَفَاذِ الْبَصِيرَةِ وَتَهْذِيبِ النَّفْسِ وَتَحْقِيقِ الْحَقِّ لِلْعَمَلِ بِهِ وَالْكَفِّ عَنْ ضِدِّهِ وَالْحَكِيمُ مَنْ حَازَ ذَلِكَ اه مُلَخَّصًا وَقَدْ تُطْلَقُ الْحِكْمَةُ عَلَى الْقُرْآنِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَعَلَى النُّبُوَّةِ كَذَلِكَ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْعِلْمِ فَقَطْ وَعَلَى الْمَعْرِفَةِ فَقَطْ وَنَحْوِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمِعْرَاجَ وَقَعَ غَيْرَ مَرَّةٍ لِكَوْنِ الْإِسْرَاءِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مِنِ اخْتِصَارِ الرَّاوِي وَالْإِتْيَانُ بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرَاخِي لَا يُنَافِي وُقُوعَ أَمْرِ الْإِسْرَاءِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُمَا الْإطْبَاقُ وَالْعُرُوجُ بَلْ يُشِيرُ إِلَيْهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ ذَكَرَ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآخَرُ وَيُؤَيِّدُهُ تَرْجَمَةُ الْمُصَنِّفِ كَمَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَعَرَجَ بِالْفَتْحِ أَيِ الْمَلَكُ بِي وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِهِ عَلَى الِالْتِفَاتِ أَوِ التَّجْرِيدِ .

     قَوْلُهُ  افْتَحْ يَدُلُّ عَلَى إِن الْبَاب كَانَ مغلقا قَالَ بن الْمُنِيرِ حِكْمَتُهُ التَّحَقُّقُ أَنَّ السَّمَاءَ لَمْ تُفْتَحْ إِلَّا مِنْ أَجْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَهُ مَفْتُوحًا .

     قَوْلُهُ  قَالَ جِبْرِيلُ فِيهِ مِنْ أَدَبِ الِاسْتِئْذَانِ أَنَّ الْمُسْتَأْذِنَ يُسَمِّي نَفْسَهُ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِغَيْرِهِ قَوْله أأرسل إِلَيْهِ وللكشميهني أَو أرسل إِلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَفِيَ عَلَيْهِ أَصْلُ إِرْسَالِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِعِبَادَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَفْهَمَ عَنِ الْإِرْسَالِ إِلَيْهِ لِلْعُرُوجِ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ إِلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ الرَّجُلِ يَقُومُ مَقَامَ إِذْنِهِ لِأَنَّ الْخَازِنَ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَنِ الْفَتْحِ لَهُ عَلَى الْوَحْيِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ بَلْ عَمِلَ بِلَازِمِ الْإِرْسَالِ إِلَيْهِ وَسَيَأْتِي فِي هَذَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ قَوْله فِي رِوَايَة شريك أَو قد بُعِثَ لَكِنَّهَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُعُقِّبَتْ كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهَا فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْله أَسْوِدَة بِوَزْن أَزْمِنَةٍ وَهِيَ الْأَشْخَاصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ .

     قَوْلُهُ .

.

قُلْتُ لِجِبْرِيلَ مَنْ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ آدَمُ مَرْحَبًا وَرِوَايَةُ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ بِعَكْسِ ذَلِكَ وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ فَتُحْمَلُ هَذِهِ عَلَيْهَا إِذْ لَيْسَ فِي هَذِهِ أَدَاةُ تَرْتِيبٍ .

     قَوْلُهُ  نَسَمُ بَنِيهِ النَّسَمُ بِالنُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ جَمْعُ نَسَمَةٍ وَهِيَ الرُّوحُ وَحكى بن التِّينِ أَنَّهُ رَوَاهُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ بَعْدَهَا مِيمٌ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَرْوَاحَ بَنِي آدَمَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ مُشْكِلٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَدْ جَاءَ أَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ فِي سِجِّينٍ وَأَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ مُنَعَّمَةٌ فِي الْجَنَّةِ يَعْنِي فَكَيْفَ تَكُونُ مُجْتَمِعَةً فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا وَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى آدَمَ أَوْقَاتًا فَصَادَفَ وَقْتَ عَرْضِهَا مُرُورُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنِهِمْ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ إِنَّمَا هُوَ فِي أَوْقَاتٍ دُونَ أَوْقَاتٍ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ لَا تُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا أَبْدَاهُ هُوَ احْتِمَالًا أَنَّ الْجَنَّةَ كَانَتْ فِي جِهَةِ يَمِينِ آدَمَ وَالنَّارَ فِي جِهَةِ شِمَالِهِ وَكَانَ يُكْشَفُ لَهُ عَنْهُمَا اه وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ النَّسَمَ الْمَرْئِيَّةَ هِيَ الَّتِي لَمْ تَدْخُلِ الْأَجْسَادَ بَعْدُ وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ قَبْلَ الْأَجْسَادِ وَمُسْتَقَرُّهَا عَنْ يَمِينِ آدَمَ وَشِمَالِهِ وَقَدْ أُعْلِمَ بِمَا سَيَصِيرُونَ إِلَيْهِ فَلِذَلِكَ كَانَ يَسْتَبْشِرُ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَحْزَنُ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ عَنْ يَسَارِهِ بِخِلَافِ الَّتِي فِي الْأَجْسَادِ فَلَيْسَتْ مُرَادَةً قَطْعًا وَبِخِلَافِ الَّتِي انْتَقَلَتْ مِنَ الْأَجْسَادِ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا مِنْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ فَلَيْسَتْ مُرَادَةً أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ وَيُعْرَفُ أَنَّ قَوْلَهُ نَسَمُ بَنِيهِ عَامٌّ مَخْصُوصٌ أَوْ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوص وَأما مَا أخرجه بن إِسْحَاقٍ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُذُرِّيَّتِهُ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُولُ رُوحٌ طَيِّبَةٌ وَنَفْسٌ طَيِّبَةٌ اجْعَلُوهَا فِي عِلِّيِّينَ ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْفُجَّارِ فَيَقُولُ رُوحٌ خَبِيثَةٌ وَنَفْسٌ خَبِيثَةٌ اجْعَلُوهَا فِي سِجِّينٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَالْبَزَّارِ فَإِذَا عَنْ يَمِينِهِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ وَعَنْ شِمَالِهِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ خَبِيثَةٌ إِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ اسْتَبْشَرَ وَإِذَا نَظَرَ عَنْ شِمَالِهِ حَزِنَ فَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْلَى مِنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَنَسٌ فَذَكَرَ أَيْ أَبُو ذَرٍّ أَنَّهُ وَجَدَ أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يُثْبِتْ أَيْ أَبُو ذَرٍّ .

     قَوْلُهُ  وَإِبْرَاهِيمُ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ هُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ وَالثَّابِتُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ غَيْرِ هَاتَيْنِ أَنَّهُ فِي السَّابِعَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِتَعَدُّدِ الْمِعْرَاجِ فَلَا تَعَارُضَ وَإِلَّا فَالْأَرْجَحُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ فِيهَا أَنَّهُ رَآهُ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَهُوَ فِي السَّابِعَةِ بِلَا خِلَافٍ.

.
وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ فِي السَّادِسَةِ عِنْدَ شَجَرَةِ طُوبَى فَإِنْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ الْبَيْتُ الَّذِي فِي السَّادِسَةِ بِجَانِبِ شَجَرَةِ طُوبَى لِأَنَّهُ جَاءَ عَنْهُ أَنَّ فِي كُلِّ سَمَاءٍ بَيْتًا يُحَاذِي الْكَعْبَةَ وَكُلٌّ مِنْهَا مَعْمُورٌ بِالْمَلَائِكَةِ وَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا جَاءَ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ بَيْتٍ يُحَاذِي الْكَعْبَةَ مِنْ بُيُوتِ السَّمَاوَاتِ وَيُقَالُ إِنَّ اسْمَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الضُّرَاحُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ وَيُقَالُ بَلْ هُوَ اسْمُ سَمَاءِ الدُّنْيَا وَلِأَنَّهُ قَالَ هُنَا إِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ فَرِوَايَةُ مَنْ أَثْبَتَهَا أَرْجَحُ وَسَأَذْكُرُ مَزِيدًا لِهَذَا فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا مَرَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْقِطْعَةَ لَمْ يَسْمَعْهَا أَنَسٌ مِنْ أَبِي ذَرٍّ .

     قَوْلُهُ  مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِدْرِيسَ الْبَاءُ الْأُولَى لِلْمُصَاحَبَةِ وَالثَّانِيَةُ لِلْإِلْصَاقِ أَوْ بِمَعْنَى عَلَى .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى لَيْسَتْ ثُمَّ عَلَى بَابِهَا فِي التَّرْتِيبِ إِلَّا إِنْ قِيلَ بِتَعَدُّدِ الْمِعْرَاجِ إِذِ الرِّوَايَاتُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ بِهِ كَانَ قبل الْمُرُور بمُوسَى قَوْله قَالَ بن شهَاب فَأَخْبرنِي بن حَزْمٍ أَيْ أَبُو بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ.

.
وَأَمَّا أَبُوهُ مُحَمَّدٌ فَلَمْ يَسْمَعِ الزُّهْرِيُّ مِنْهُ لِتَقَدُّمِ مَوْتِهِ لَكِنَّ رِوَايَةَ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَبَّةَ مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّهُ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ قَبْلَ مَوْلِدِ أَبِي بَكْرٍ بِدَهْرٍ وَقَبْلَ مَوْلِدِ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَأَبُو حَبَّةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعِنْدَ الْقَابِسِيِّ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتَانِيَّةٍ وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ بِالنُّونِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى ظَهَرْتُ أَيِ ارْتَفَعْتُ والمستوى المصعد وصريف الْأَقْلَامِ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ تَصْوِيتُهَا حَالَةَ الْكِتَابَةِ وَالْمُرَادُ مَا تَكْتُبُهُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ أَقْضِيَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَوْله قَالَ بن حَزْمٍ أَيْ عَنْ شَيْخِهِ وَأَنَسٌ أَيْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ كَذَا جَزَمَ بِهِ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ وَيحْتَمل أَن يكون مُرْسلا من جِهَة بن حَزْمٍ وَمِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ بِلَا وَاسِطَةٍ .

     قَوْلُهُ  فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِي كُلٍّ مِنْ رِوَايَةِ الْبَابِ وَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اخْتِصَارٌ أَوْ يُقَالُ ذِكْرُ الْفَرْضِ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ الْفَرْضَ عَلَى الْأُمَّةِ وَبِالْعَكْسِ إِلَّا مَا يُسْتَثْنَى مِنْ خَصَائِصِهِ .

     قَوْلُهُ  فَرَاجَعَنِي وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَرَاجَعْتُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ .

     قَوْلُهُ  فَوَضَعَ شَطْرَهَا فِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا وَمِثْلُهُ لِشَرِيكٍ وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ فحط عني خمْسا قَالَ بن الْمُنِيرِ ذِكْرُ الشَّطْرِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ وَقَعَ فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ.

.

قُلْتُ وَكَذَا الْعَشْرُ فَكَأَنَّهُ وَضَعَ الْعَشْرَ فِي دُفْعَتَيْنِ وَالشَّطْرَ فِي خَمْسِ دُفُعَاتٍ أَوِ الْمُرَادُ بِالشَّطْرِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الْبَعْضُ وَقَدْ حَقَقْتُ رِوَايَةَ ثَابِتٍ أَنَّ التَّخْفِيفَ كَانَ خَمْسًا خَمْسًا وَهِيَ زِيَادَةٌ مُعْتَمَدَةٌ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ بَاقِي الرِّوَايَاتِ عَلَيْهَا.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الْكِرْمَانِيِّ الشَّطْرُ هُوَ النِّصْفُ فَفِي الْمُرَاجَعَةِ الْأُولَى وَضَعَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَعْنِي نِصْفَ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ بِجَبْرِ الْكَسْرِ وَفِي الثَّالِثَةِ سَبْعًا كَذَا قَالَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فِي الْمُرَاجَعَةِ الثَّالِثَةِ ذِكْرُ وَضْعِ شَيْءٍ إِلَّا أَنْ يُقَالَ حُذِفَ ذَلِكَ اخْتِصَارًا فَيُتَّجَهُ لَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِيَأْبَى هَذَا الْحَمْلَ فَالْمُعْتَمَدُ مَا تَقَدَّمَ وَأَبْدَى بن الْمُنِيرِ هُنَا نُكْتَةً لَطِيفَةً فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ خَمْسًا فَقَالَ استحييت من رَبِّي قَالَ بن الْمُنِيرِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّسَ مِنْ كَوْنِ التَّخْفِيفِ وَقَعَ خَمْسًا خَمْسًا أَنَّهُ لَوْ سَأَلَ التَّخْفِيفَ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ خمْسا لَكَانَ سَائِلًا فِي رَفعهَا فَلذَلِك استحيى اه وَدَلَّتْ مُرَاجَعَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّهِ فِي طَلَبِ التَّخْفِيفِ تِلْكَ الْمَرَّاتِ كُلَّهَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ بِخِلَافِ الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ فَفِيهَا مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُبدل القَوْل لَدَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الِاسْتِحْيَاءِ أَنَّ الْعَشَرَةَ آخِرُ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَأَوَّلَ جَمْعِ الْكَثْرَةِ فَخَشِيَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْإِلْحَاحِ فِي السُّؤَالِ لَكِنَّ الْإِلْحَاحَ فِي الطَّلَبِ مِنَ اللَّهِ مَطْلُوبٌ فَكَأَنَّهُ خَشِيَ مِنْ عَدَمِ الْقِيَامِ بِالشُّكْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ زِيَادَةٌ فِي هَذَا وَمُخَالَفَةٌ وَأَبْدَى بَعْضُ الشُّيُوخِ حِكْمَةً لِاخْتِيَارِ مُوسَى تَكْرِيرَ تَرْدَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَمَّا كَانَ مُوسَى قَدْ سَأَلَ الرُّؤْيَةَ فَمُنِعَ وَعَرَفَ أَنَّهَا حَصَلَتْ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَ بِتَكْرِيرِ رُجُوعِهِ تَكْرِيرَ رُؤْيَتِهِ لِيَرَى مَنْ رَأَى كَمَا قِيلَ لَعَلِّي أَرَاهُمْ أَوْ أرى من رَآهُمْ.

.

قُلْتُ وَيَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ تَجَدُّدِ الرُّؤْيَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ .

     قَوْلُهُ  هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ هِيَ بَدَلُ هُنَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَالْمُرَادُ هُنَّ خَمْسٌ عَدَدًا بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ وَخَمْسُونَ اعْتِدَادًا بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ مَا زَادَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَالْوِتْرِ وَعَلَى دُخُولِ النَّسْخِ فِي الْإِنْشَاءَاتِ وَلَوْ كَانَتْ مُؤَكَّدَةً خِلَافًا لِقَوْمٍ فِيمَا أُكِّدَ وَعَلَى جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ الْفِعْلِ قَالَ بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَسَخَ الْخَمْسِينَ بِالْخَمْسِ قَبْلَ أَنْ تُصَلَّى ثُمَّ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِأَنْ أَكْمَلَ لَهُمُ الثَّوَابَ.

.
وَتَعَقَّبَهُ بن الْمُنِيرُ فَقَالَ هَذَا ذَكَرَهُ طَوَائِفُ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالشُّرَّاحِ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ النَّسْخَ قَبْلَ الْفِعْلِ كَالْأَشَاعِرَةِ أَوْ مَنَعَهُ كَالْمُعْتَزِلَةِ لِكَوْنِهِمُ اتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ النَّسْخَ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْلَ الْبَلَاغِ وَحَدِيثُ الْإِسْرَاءِ وَقَعَ فِيهِ النَّسْخُ قَبْلَ الْبَلَاغِ فَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا قَالَ وَهَذِهِ نُكْتَةٌ مُبْتَكَرَةٌ.

.

قُلْتُ إِنْ أَرَادَ قَبْلَ الْبَلَاغِ لِكُلِّ أَحَدٍ فَمَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ قَبْلَ الْبَلَاغِ إِلَى الْأُمَّةِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَيْسَ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ نَسْخًا لَكِنْ هُوَ نَسْخٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كُلِّفَ بِذَلِكَ قَطْعًا ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ أَنْ بُلِّغَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فَالْمَسْأَلَةُ صَحِيحَةُ التَّصْوِيرِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ فِي التَّرْجَمَةِ النَّبَوِيَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ كَذَا وَقَعَ لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَحْتَانِيَّةٌ ثُمَّ لَامٌ وَذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا هُوَ جَنَابِذُ بِالْجِيمِ وَالنُّونِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ رِوَايَةِ بن الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِ عَنْ يُونُسَ وَكَذَا عِنْدَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَوَجَدْتُ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَنَابِذُ عَلَى الصَّوَابِ وَأَظُنُّهُ مِنْ إِصْلَاحِ بَعْضِ الرُّوَاةِ.

     وَقَالَ  بن حَزْمٍ فِي أَجْوِبَتِهِ عَلَى مَوَاضِعَ مِنَ الْبُخَارِيِّ فَتَّشْتُ عَلَى هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ فَلَمْ أَجِدْهُمَا وَلَا وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَلَا وَقَفْتُ عَلَى مَعْنَاهُمَا انْتَهَى وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْجَنَابِذَ شَبَهُ الْقِبَابِ وَاحِدُهَا جُنْبُذَةٌ بِالضَّمِّ وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْبِنَاءِ فَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَأَصْلُهُ بِلِسَانِهِمْ كُنْبُذَةٌ بِوَزْنِهِ لَكِنَّ الْمُوَحَّدَةَ مَفْتُوحَةٌ وَالْكَافُ لَيْسَتْ خَالِصَةً وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِوَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ فِي الْحَبَائِلِ قِيلَ هِيَ الْقَلَائِدُ وَالْعُقُودُ أَوْ هِيَ مِنْ حِبَالِ الرَّمْلِ أَيْ فِيهَا لُؤْلُؤٌ مِثْلُ حِبَالِ الرَّمْلِ جَمْعُ حَبْلٍ وَهُوَ مَا اسْتَطَالَ مِنَ الرَّمْلِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَبَائِلَ لَا تَكُونُ إِلَّا جَمْعَ حِبَالَةٍ أَوْ حَبِيلَةٍ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ.

     وَقَالَ  بَعْضُ مَنِ اعْتَنَى بِالْبُخَارِيِّ الْحَبَائِلُ جَمْعُ حِبَالَةٍ وَحِبَالَةٌ جَمْعُ حَبْلٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَالْمُرَادُ أَنَّ فِيهَا عُقُودًا وَقَلَائِدَ مِنَ اللُّؤْلُؤِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [349] حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ.
قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ.
قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ.
قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ.
وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى.
حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ.
فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ، فَفَتَحَ».
قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ.
قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِدْرِيسَ قَالَ: "مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ.
ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا مُوسَى.
ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى.
ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-».
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولاَنِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ».
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً.
قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ.
فَرَاجَعني فَوَضَعَ شَطْرَهَا.
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا.
فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ.
فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا.
فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ.
فَرَاجَعْتُهُ فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهْيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ.
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ.
فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ.
ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ».
[الحديث طرفاه في: 1636، 3342] .
وبالسند قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن يونس) بن يزيد ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن أنس بن مالك) وسقط لفظ ابن مالك لابن عساكر ( قال) : ( كان أبو ذر) رضي الله عنه ( يحدّث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: فرج) بضم الفاء وكسر الراء أي فتح ( عن سقف بيتي) أضافه لنفسه لأن الإضافة تكون بأدنى ملابسه وإلاّ فهو بيت أُم هانئ كما ثبت ( وأنا بمكة) جملة حالية اسمية ( فنزل جبريل) عليه السلام من الوضع المفروج في السقف مبالغة في المفاجأة ( ففرج) بفتحات أي شق ( صدري) ولأبي ذر عن صدري ( ثم غسله بماء زمزم) وإنما اختاره عن غيره من المياه لفضله على غيره من المياه أو لأنه يقوّي القلب، ( ثم جاء بطست) بفتح الطاء وسكون السين المهملة وهي مؤنثة وتُذكّر على معنى الإناء ( من ذهب) لا يقال فيه استعمال آنية الذهب لأنّا نقول إن ذلك كان قبل التحريم لأنه إنما وقع بالمدينة ( ممتلئ) بالجرّ صفة لطست وذكر على معنى الإناء ( حكمةً وإيمانًا) بالنصب فيهما على التمييز أي شيئًا يحصل بملابسته الحكمة والإيمان، فأطلقا عليه تسمية للشيء باسم مسبّبه أو هو تمثيل لينكشف بالمحسوس ما هو معقول كمجيء الموت فى هيئة كبش أملح والحكمة كما قاله النووي عبارة عن العلم المتّصف بالأحكام المشتملة على المعرفة بالله تعالى المصحوبة بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصدّ عن اتباع الهوى والباطل، وقيل: هي النبوّة، وقيل: هي الفهم عن الله تعالى.
( فأفرغه) أي ما في الطست ( في صدري ثم أطبقه) أي الصدر الشريف فختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء، فجمع الله تعالى له أجزاء النبوّة وختمها فهو خاتم النبيين وختم عليه فلم يجد عدوّه سبيلاً إليه لأن الشيء المختوم عليه محروس، وإنما فعل به ذلك ليتقوّى على استجلاء الأسماء الحسنى والثبوت في المقام الأسنى كما وقع له ذلك أيضًا في حال صباه لينشأ على أكمل الأخلاق وعند المبعث ليتلقّى الوحي بقلب قوي.
قال عليه السلام: ( ثم أخذ بيدي) جبريل ( فعرج) أي صعد ( بي إلى السماء الدنيا) ولأبي ذرّ عن الكشميهني وابن عساكر به على الالتفات أو التجريد جرّد من نفسه شخصًا وأشار إليه ( فلما جئت إلى السماء الدنيا) وبينها وبين الأرض خمسمائة عام كما بين كل سماءين إلى السابعة وسقط لفظ الدنيا عند الأربعة.
( قال جبريل لخازن السماء) الدنيا: ( افتح) أي بابها، أو في رواية شريك عند المؤلّف فضرب بابًا من أبوابها.
( قال) الخازن: ( مَن هذا) الذي يقرع الباب، ( قال: جبريل) ولغير أبي ذر قال: هذا جبريل لم يقال أنا للنهي عنه ( قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معي محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: أرسل إليه) للعروج به وليس السؤالعن أصل رسالته لاشتهارها في الملكوت، ولأبي ذر أأرسل إليه بهمزتين الأولى للاستفهام وهي مفتوحة والأخرى للتعدية وهي مضمومة، وللكشميهني كما في الفتح أو أرسل بواو مفتوحة بين الهمزتين، وفي رواية شريك قال أو قد بعث إليه ( قال) جبريل: ( نعم) أرسل إليه ( فلما فتح) الخازن ( علونا السماء الدنيا) ضمير الجمع فيه يدلّ على أنه كان معهما ملائكة آخرون ولعله كان كلما عديا سماء تشيعهما الملائكة حتى يصلا إلى سماء أخرى والدنيا صفة السماء في موضع نصب، ( فإذا) بالفاء وللأصيلي وابن عساكر إذا ( رجل قاعد على يمينه أسودة) أشخاص جمع سواد كأزمنة جمع زمان ( وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة ( يمينه ضحك وإذا نظر قبل) أي جهة ( يساره بكى) وللأربعة شماله، ( فقال) أي الرجل القاعد: ( مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح) أي أصبت رحبًا لا ضيقًا وهي كلمة تُقال عند تأنيس القادم ولم يقل أحد مرحبًا بالنبي الصادق لأن الصلاح شامل لسائر الخصال المحمودة الممدوحة من الصدق وغيره، فقد جمع بين صلاح الأنبياء كأنه قال: مرحبًا بالنبي التامّ في نبوّته والابن البارّ في نبوّته.
( قلت لجبريل) عليه السلام: ( مَن هذا؟ قال: هذا آدم) عليه السلام ( وهذه الأسودة) التي ( عن يمينه وشماله نسم بنيه) بفتح النون والسين المهملة جمع نسمة وهي نفس الروح أي أرواح بنيه، ( فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار) .
يحتمل أن النار كانت في جهة شماله ويكشف له عنها حتى ينظر إليهم لا أنها في السماء لأن أرواحهم في سجين الأرض السابعة، كما أن الجنة فوق السماء السابعة في جهة يمينه كذلك، ( فإذا نظر عن يمينه قبل شماله بكى.
حتى عرج بي)
جبريل ولابن عساكر به ( إلى السماء الثانية فقال لخازنها: افتح.
فقال له خازنها مثل ما قال الأول ففتح)
.
( قال) وفي رواية فقال ( أنس) ( فذكر) أبو ذر ( أنه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم صلوات الله عليهم ولم يثبت) من الاثبات ( كيف منازلهم) أي لم يعين أبو ذر لكل نبي سماء ( غير أنه ذر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة) نعم في حديث أنس عن مالك بن صعصعة عند الشيخين أنه وجد آدم في السماء الدنيا كما مرّ وفي الثانية يحيى وعيسى، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم وفيه بحث يأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
( قال أنس) : ظاهره أن أنسًا لم يسمع من أبي ذر هذه القطعة الآتية وهي ( فلما مرّ جبريل بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مصاحبًا بالنبي ( بإدريس) عليه السلام يتعلق الجار والمجرور في الموضعين بمرّ إلا أن الباء الأولى للمصاحبة كما مرّ والثانية للإلصاق أو بمعنى على.
( قال) إدريس: ( مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح) لم يقل والابن كآدم لأنه لم يكن من آبائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ( فقلت: مَن هذا) يا جبريل؟ ( قال) وللأصيلي فقال: ( هذا إدريس) عليه السلام قال عليه السلام: ( ثم مررت بموسى) عليه السلام ( فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح) سقط قوله والأخ الصالح في رواية الأربعة كما في الفرع قال عليه السلام.
( قلت) وفي رواية فقلت: ( مَن هذا) يا جبريل؟ ( قال هذا موسى.
ثم مررت بعيسى فقال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح)
قال عليه السلام: ( قلت) وفي رواية فقلت: ( مَن هذا) يا جبريل؟ ( قال: هذا عيسى) وسقطت لفظة هذا عند أبي ذر، وليست ثم هنا على بابها في الترتيب إلاّ أن قيل بتعدّد المعراج لأن الروايات قد اتفقت على أن المرور به كان قبل المرور بموسى.
قال عليه السلام: ( ثم مررت بإبراهيم) عليه السلام ( فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح.
قلت: مَن هذا)
يا جبريل؟ ( قال: هذا إبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
( قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( فأخبرني) بالإفراد ( ابن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي أبو بكر بن محمد بن عمرو بنحزم الأنصاري قاضي المدينة وأميرها زمن الوليد، المتوفّى سنة عشرين ومائة عن أربع وثمانين سنة ( أن ابن عباس وأبا حبة) بفتح المهملة وتشديد الموحدة على المشهور البدري ( الأنصاري) وعند القابسي وأبا حبة بمثناة تحتية وغلط، ورواية أبي بكر بن حزم عن أبي حبة منقطعة لأنه استشهد بأُحُد قبل مولد أبي بكر بدهر، بل قبل مولد أبيه محمد أيضًا، ففي هذه الرواية وهم لأنه إما أن يُراد بابن حزم أبو بكر أو أبوه محمد، فالأول لم يدرك أبا حبة والثاني لم يدركه الزهري إلاّ أن يقال أن أبا بكر رواه عنه مرسلاً إذ قال إن ولم يقل سمعت ولا أخبرني وحينئذ فلا وهم، واختلف في اسم أبي حبة بالموحدة فقيل: عامر بن عبد عمرو بن عمير بن ثابت، وقيل: مالك، وأنكر الواحدي أن يكون في البدريين مَن يكنّى أبا حبّة بالموحدة، قال في الإصابة: وروى عنه أيضًا عمّار بن أبي عمّار وحديثه عنه في مسند ابن أبي شيبة وأحمد، وصحّحه الحاكم وصرّح بسماعه منه، وعلى هذا فهو غير الذي ذكر ابن إسحاق أنه استشهد بأُحد، وله في الطبراني آخر من رواية عبد الله بن عمرو بن عثمان عنه وسنده قوي إلاّ أن عبد الله بن عمرو بن عثمان لم يدركه، قال ابن حزم: ( كانا) أي ابن عباس وأبو حبّة ( يقولان) : ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ثم عرج بي) بفتحات أو بضم الأول وكسر الثاني ( حتى ظهرت) أي علوت ( لمستوى) بواو مفتوحة أي موضع مشرف يستوي عليه وهو المصعد واللام فيه للعلّة أي علت لاستعلاء مستوى، وفي بعض الأصول بمستوى بموحدة بدل اللام ( أسمع فيه صريف الأقلام) أي تصويتها حالة كتابة الملائكة ما يقضيه الله تعالى مما تنسخه من اللوح المحفوظ أو ما شاء الله أن يكتب لما أراد الله تعالى من أمره وتدبيره، والله تعالى غنيّ عن الاستذكار بتدوين الكتب إذ علمه محيط بكل شيء.
( قال ابن حزم) عن شيخه، ( و) قال ( أنس بن مالك) عن أبي ذر قال الحافظ ابن حجر: كذا جزم أصحاب الأطراف، ويحتمل أن يكون مرسلاً من جهة ابن حزم ومن رواية أنس بلا واسطة.
( قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ففرض الله) زاد الأصيلي عزّ وجل ( على أمتي خمسين صلاة) أي في كل يوم وليلة كما عند مسلم من حديث ثابت عن أنس، لكن بلفظ ففرض الله عليّ، وذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على أمته وبالعكس إلاّ ما يستثنى من خصائصه، ( فرجعت بذلك حتى مررت على موسى) عليه الصلاة والسلام ( فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال) موسى: ( فارجع إلى ربك) أي إلى الموضع الذي ناجيته فيه ( فإن أمتك لا تطيق ذلك) سقطت لفظة ذلك في رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر ( فراجعني) وللأربعة وعزاها في الفتح للكشميهني فراجعت والمعنى واحد ( فوضع) أي ربي ( شطرها) وفي رواية مالك بن صعصعة فوضع عني عشرًا وفي رواية ثابت فحط عني خمسًا وزاد فيها أن التخفيف كان خمسًا خمسًا، قال الحافظ ابن حجر: وهي زيادة معتمدة يتعيّن حمل ما في الروايات عليها، ( فرجعت إلى موسى قلت) وللأصيلي فقلت: ( وضع شطرها: فقال) ولأبي ذر والوقت قال: ( راجع ربك) وفي رواية راجع إلى ربك ( فإن أمتك لا تطيق) ذلك ( فراجعت) ربي ولابن عساكر فرجعت ( فوضع) عني ( شطرها) فيه شيء على تفسير الشطر بالنصف، لأنه يلزم منه أن يكون وضع اثنتي عشرة صلاة ونصف صلاة وهو باطل فتفسيره بجزء منها أولى وأحسن منه الحمل على ما زاده ثابت خمسًا خمسًا كما مرّ، ( فرجعت إليه) أي إلى موسى ( فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعته) تعالى ( فقال) جلّ وعلا: ( هي خمس) بحسب الفعل ( وهي خمسون) بحسب الثواب قال تعالى: { مَن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] ولأبي ذر عن المستملي، ونسبها في الفتح لغير أبي ذر هنّ خمس وهنّ خمسون، واستدلّ به على عدم فرضية ما زاد على الخمس كالوتر وفيه جواز النسخ قبل الفعل خلافًا للمعتزلة.
قال ابن المنير: لكن الكل متّفقون على أن النسخ لا يتصوّر قبل البلاغ، وقد جاء به حديث الإسراء فأشكل على الطائفتين.
وتعقب بأن الخلاف مأثور نص عليه ابن دقيقالعيد في شرح العمدة وغيره.
نعم هو نسخ بالنسبة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كلف بذلك قطعًا، ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعل فالنسخ في حقه صحيح التصوير.
( لا يبدل القول) بمساواة ثواب الخمس الخمسين ( لديّ) أو لا يبدّل القضاء المبرم لا المعلق الذي يمحو الله منه ما يشاء ويثبت ما يشاء، وأما مراجعته عليه الصلاة والسلام ربه في ذلك فللعلم بأن الأمر الأوّل ليس على وجه القطع والإبرام.
قال عليه الصلاة والسلام: ( فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك) وللأصيلي ارجع إلى ربك ( فقلت) ولأبي ذر قلت ( استحييت) وللأصيلي قد استحييت ( من ربي) وجه استحيائه أنه لو سأل الرفع بعد الخمس لكان كأنه قد سأل رفع الخمس بعينها، ولا سيما وقد سمع قوله تعالى: { لا يبدّل القول لديّ} [ق: 29] .
( ثم انطلق بي) بفتح الطاء واللام وفي بعض النسخ إسقاط بي والاقتصار ثم انطلق ( حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى) وللأربعة إلى السدرة المنتهى وهي في أعلى السماوات، وفي مسلم أنها في السادسة، فيحتمل أن أصلها فيها ومعظمها في السابعة، وسمّيت بالمنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلاّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو لأنه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها أو تنتهي إليها أرواح الشهداء أو أرواح المؤمنين فتصلي عليهم الملائكة المقرّبون، ( وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أُدخلت الجنة فإذا فيها حبائل اللؤلؤ) بحاء مهملة فموحدة وبعد الألف مثناة تحتية ثم لام كذا هنا في جميع الروايات، وضبب عليها في اليونينية ثم ضرب على التضبيب وصحّح على لفظ حبائل ثلاث مرات.
قيل: معناه أن فيها عقودًا وقلائد من اللؤلؤ، وردّ بأن الحبائل إنما تكون جمع حبالة أو حبيلة، وذكر غير واحد من الأئمة أنه تصحيف وإنما هي جنابذ كما عند المؤلّف في أحاديث الأنبياء بالجيم والنون وبعد الألف موحدة ثم معجمة جمع جنبذة وهي القبة، ( وإذا ترابها المسك) أي تراب الجنة رائحته كرائحة المسك.
ورواة هذا الحديث الستّة ما بين مصري ومدني وفيه رواية صحابي عن صحابي والتحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في الحج مختصرًا وفي بدء الخلق وفي الأنبياء وباب وكلم الله موسى تكليمًا، ومسلم في الإيمان، والترمذي في التفسير، والنسائي في الصلاة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [349] ثنا يحيى بن بكير: ثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، قال: كان أبو ذر يحدث، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل - عليه السلام - ففرج صدري، ثمغسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا، فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم اخذ بيدي فعرج إلى السماء، فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء: افتح، قال: من هذا؟ قَالَ: جبريل، قَالَ: هَلْ معك احد؟ قال: نعم، معي محمد.
فقال: أرسل إليه؟ قال: نعم، فلما فتح علونا السماء الدنيا، فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة، وعلى يساره اسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح.
قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا ادم، وهذه الاسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والاسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى.
حتى عرج بي إلى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح، فقال له خازنها مثل ما قال الأول، ففتح)) .
قال أنس: فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم، ولم يثبت كيف منازلهم، غير أنه ذكر أنه وجد ادم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السماء السادسة.
قال أنس: ((فلما مر جبريل بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإدريس قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، فقلت: من هذا؟ قَالَ: هَذَا إدريس، ثُمَّ مررت بموسى عَلِيهِ السلام، فَقَالَ: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، قُلتُ: من هَذَا؟ قال: هذا موسى، ثم مررت بعيسى عليه السلام، فقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، قلت: من هذا؟ قال: عيسى، ثم مررت بإبراهيم عليه السلام،فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم)) .
قال ابن شهاب: فأخبرني ابن حزم، أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى اسمع فيه صريف الأقلام)) .
قال ابن حزم وانس بن مالك: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ففرض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى، فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق، فراجعني فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، قال: راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال: ارجع إلى ربك؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس، وهي خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: أرجع إلى ربك، فقلت: استحييت من ربي، ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا ادري ما هي، ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك)) .
هذا الحديث رواه جماعة عن يونس، عن الزهري، عن أبي ذر وانس.
وخالفهم أبو ضمرة أنس بن عياض، فرواه عن يونس، عنالزهري، عن أنس، عن أبي بن كعب، وهو وهم منه -: قاله الدارقطني، وأشار إليه أبو زرعة وأبو حاتم.
وقد اختلف في إسناد هذا الحديث على أنس، فالزهري رواه عنه، عن أبي ذر، وجعل ذكر الصلوات منه عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ورواه قتادة، عن أنس، عن مالك بن صعصعة، وقد خرج حديثه البخاري في موضع أخر.
ورواه شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسياق مطول جدا.
وقد خرج حديثه البخاري في أخر كتابه، وفيه ألفاظ استنكرت على شريك، وتفرد بها.
وقد رواه ثابت، عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيضا - بدون سياق شريك.
وقد خرج حديثه مسلم في صحيحه.
وقال الدارقطني: يشبه أن تكون الأقاويل كلها صحاحا؛ لأن رواتها ثقات.
قال: ويشبه أن يكون أنس سمعه من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،واستثبته من أبي ذر ومالك أبن صعصعة.
وقال أبو حاتم الرازي: أرجو أن يكون قول الزهري وقتادة عن أنس صحيحين.
وقال - مرة -: قول الزهري أصح، قال: ولا أعدل به أحدا.
وشق صدره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة المعراج وغسله من طست من ذهب من ماء زمزم وملؤه إيمانا وحكمة مما تطابقت عليه أحاديث المعراج.
وروى، ثابت عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني: ظئره -، فقالوا: أن محمد قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون.
قال أنس: وقد كنت أرى اثر ذلك المخيط في صدره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
خرجه مسلم.
وليس في هذا الحديث أنه حشي إيمانا وحكمة، وقد روي هذا الحديث من رواية أبي ذر وعتبة بن عبد السلمي، وفي روايتهما: أنه ملئ سكينة، وروي ـ أيضا ـ من حديث أبي ذر، وفيه أنه أدخل قلبه الرأفةوالرحمة.
فهذا الشرح فهذا الشرح كان في حال صغره، وهو غير الشرح المذكور في ليلة المعراج، ومن تأمل ألفاظ الأحاديث الواردة في شرح صدره وملئه إيمانا وحكمة أو سكينة أو رأفة ورحمة ظهر له من ذلك أنه وضع في قلبه جسم محسوس مشاهد، نشأ عنه ما كان في قلبه من هذه المعاني، والله سبحانه قادر على أن يخلق من المعاني أجساما محسوسة مشاهدة، كما يجعل الموت في صورة كبش أملح يذبح.
وفي حديث الزهري، عن أنس، عن أبي ذر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((ثم أخذ بيدي، فعرج بي إلى السماء)) .
وفي حديث قتادة وغيره، عن أنس، أنه أركبه البراق، وهي زيادة صحيحة لم يذكرها الزهري في حديثه.
وقول خازن السماء: ((أرسل إليه؟)) الأظهر ـ والله أعلم ـ أنه أستفهم: هل أرسل الله إليه يستدعيه إلى السماء، ولم يرد إرساله إلى أهل الأرض، فإن ذلك كان قبل هذه الليلة بمدة طويلة، والظاهر أنه لا يخفى مثل ذلك على أهل السماء وخزنتها، لا سيما مع حراستها بالشهب ومنع الشياطين من استراق السمع منها.
وقيل أن اخل السماء لم يعلموا بإرساله إلى أهل الأرض حتى صعد إليهم، ويشهد لهذا: أن في حديث شريك بن أبي نمر، عن أنس في صفةالإسراء، قال: ((ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فنادى أهل السماء: من هذا؟ فَقَالَ: جبريل.
فقال: ومن معك؟ قال: معي محمد.
قال: وقد بعث؟ قال: نعم، فقالوا: مرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم)) ـ وذكر الحديث بطوله.
وقد خرجه البخاري في آخر كتابه هذا.
((والأسودة)) : جمع سواد، وهو الشخص، يقال: سواد وأسودة، مثل قراح وأقرحة، وتجمع: أسودة على أساود، فهو جمع الجمع.
((والنسم)) : جمع نسمة، وهي النفس.
والمراد بذلك: أرواح بني أدم، وأن أهل الجنة على يمين ادم وأهل النار على يساره.
قال بعضهم: ولا يناقض هذا ما ورد: أن أرواح المؤمنين في الجنة، أو في الصور الذي ينفخ فيه، أو في القبور، وأرواح الكافرين في سجين؛ لأن هذا في أحوال مختلفة وأوقات متغايرة وفي هذا الجواب نظر.
ومنهم من قال: إنما رأى في السماء الدنيا عن يمين آدم وشماله نسم بنيه الذين لم يولدوا بعد ولم تخلق أجسادهم، فأما أرواح الموتى التي فارقت أجسادها بالموت فليست في السماء الدنيا، بل أرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الكفار في سجين، وقد قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوابِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف: 40] .
وقد جاء في حديث البراء بن عازب وأبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أن روح الكافر إذا خرجت لم تفتح لها أبواب السماء، فتطرح طرحا)) ، وقرأ: { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31] .
والأظهر ـ والله أعلم ـ: أن آدم - عليه السلام - في السماء الدنيا ينظر إلى نسم بنيه عن يمينه وشماله، ونسم بنيه مستقرة في مستقرها، فنسم المؤمنين في الجنة ونسم الكافرين في النار، وليست عند آدم في السماء الدنيا.
ويدل على هذا: ما خرجه البزار وابن جرير والخلال وغيرهم من رواية أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية أو غيره، عن أبي هريرة، فذكر فذكر حديث الإسراء بطوله، وفيه: أنه لما دخل إلى سماء الدنيا فإذا هو برجل تام الخلق، لم ينقص من خلقه شئ كما ينتقص من خلق الناس، عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة، وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة، إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك واستبشر، وإذا نظر إلى الباب الذي عن شماله بكى وحزن، فقال جبريل: هذا أبوك آدم، وهذا الباب الذي عن يمينه الجنة، فإذا نظر من يدخل من ذريته الجنة ضحك واستبشر، والباب الذي عن شماله باب جهنم، إذا نظر من يدخل من ذريته جهنم بكى وحزن - وذكر الحديث بطوله.
ومما يوضح هذا المعنى: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى في صلاة الكسوف الجنة والنار وهو في الأرض، وليست الجنة في الأرض، وروي: أنه رأى ليلة أسري به الجنة والنار ـ أيضا ـ، وليست النار في السماء، وإنما رآهما وهو في السماء تارة، ورآهما وهو في الأرض أخرى.
وكذلك رؤية آدم وهو في السماء الدنيا نسم بنيه المستقرة في الجنة وفي النار، وليست الجنة والنار عند آدم في سماء الدنيا.
وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة وهي مستقر أرواح الموتى في ((كتاب أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور)) .
ولله الحمد.
وفي حَدِيْث الزُّهْرِيّ، عَن أنس، عَن أبي ذر، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى فِي السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى، ولم يثبت كَيْفَ منازلهم، إلا أنه وجد آدم فِي السماء الدنيا، وإبراهيم فِي السماء السادسة، وهذا - والله أعلم - مما لم يحفظه الزهري جيدا.
وفي رواية قتادة، عن أنس، عن مالك بن صعصعة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه رأى في السماء الدنيا آدم، وفي السماء الثانية يحيى وعيسى، وهما ابنا الخالة، وفي السماء الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم عليهم السلام.
وفي حديث شريك بن أبي نمر، عن أنس، وقد خرجه البخاري في آخر صحيحه هذا: أنه رأى آدم في السماء الدنيا،وإدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة ـ قال الراوي: لم أحفظ اسمه ـ، وإبراهيم فِي السادسة، وموسى فِي السابعة بتفضيل كلام الله - عز وجل -.
وهذا يوافق مَا فِي حَدِيْث الزُّهْرِيّ، عَن أنس، أن إبراهيم عَلِيهِ السلام فِي السماء السادسة، وفيه – أيضا -: أنه مر بموسى، ثم بعيسى، ثم بإبراهيم، وهذا يشعر برفع عيسى على موسى، وهذا كله إنما جاء من عدم ضبط منازلهم كما صرح به في الحديث نفسه.
وفي حديث حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صفة الإسراء، أنه رأى آدم في الأولى، ويحيى وعيسى في الثانية، ويوسف في الثالثة، وإدريس في الرابعة، وهارون في الخامسة، وموسى في السادسة، وإبراهيم في السابعة مسندا ظهره إلى البيت المعمور.
وقد خرجه مسلم بطوله.
والذي رآه في السماء من الأنبياء عليهم السلام إنما هو أرواحهم، إلا عيسى - عليه السلام - فإنه رفع بجسده إلى السماء.
وقد قال طائفة من السلف: أن جميع الرسل لا يتركون بعد موتهم في الأرض أكثر من أربعين يوما، ثم ترفع جثثهم إلى السماء، روي ذلك عن ابن المسيب، وعن عمر بن عبد العزيز، وأنه قال: وأخبرني بذلك غير واحد ممن أدركته، فعلى هذا يكون المرئي في السماء أشخاصهم كما كانوا في الأرض.
وقول ابن شهاب: ((أخبرني ابن حزم)) ، الظاهر: أنه أبو بكر بن عمرو ابن حزم.
((أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري)) أبو حبة بالباء الموحدة عند قوم، وعند آخرين هو بالنون، وقيل: هما إخوان، أحدوهما ابوحبة بالباء، والثاني، أبو حنة بالنون، والله أعلم.
وقوله ((حتى ظهرت لمستوى)) أي: صعدت لمصعد وارتقيت لمرتقى.
و ((صريف الأقلام)) : صوت ما تكتبة الملائكة بأقلامها من أقضية الله تعالى ووحية، أو ما ينسخونه من اللوح المحفوظ، أو ما شاء الله من ذلك.
ويقال: أن صريف القلم: هو تصويته في رجوعه إلى ورائه، مثل كتابته لحرف (كـ) ، وصريره: هو تصويته في مجيئه إلى بين يديه، مثل كتابته لحرف (ن) وما أشبه ذلك.
وقوله: ((ففرض الله على أمتي خمسين صلاة)) ، وفي رواية شريك بن أبي نمر، عن أنس: ((ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى فيما يوحي خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة)) .
وقد تفرد شريك بهذه الألفاظ في هذا الحديث، وهي مما انكرت عليه فيه.
وقوله: ((فرجعت بذلك حتى مررت بموسى)) ، وذكر مراجعته له وأمره بالرجوع إلى ربه ليخفف عن أمته - استدل بهذا من رجح رواية من روى أن موسى كان في السماء السابعة، كما في رواية الزهري وشريك، عن أنس، قال: لأنه لو كان إبراهيم في السابعة لكانت ألمراجعه بينه وبين إبراهيم.
ومن رجح أن موسى في السماء السادسة، كما في رواية قتادة عن أنس، قال: إنما وقعت المراجعة من موسى - عليه السلام -؛ لأنه كان له امة عظيمة، عالجهم اشد المعالجة، وكان عليهم في دينهم آصار وأثقال، فلهذا تفرد بمخاطبة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك دون إبراهيم - عليه السلام -.
وفي رواية شريك بن أبي نمر، عن أنس التي خرجها البخاري في أخر صحيحه هذا: ((أن موسى - عليه السلام - قال له: ((أن أمتك لا تستطيع ذلك؛ فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم أن شئت، فعلى به إلى الجبار سبحانه وتعالى، فقال وهو في مكانه: يارب، خفف عنا؟ فإن أمتي لا تستطيع هَذَا، فوضع عَنْهُ عَشَرَ صلوات، ثُمَّ رجع إلى موسى فاحتبسه فَلَمْ يزل موسى يردده إلى ربه حَتَّى صارت إلى خمس صلوات، ثُمَّ احتبسه موسى عِنْدَ الخمس، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، والله لَقَدْ راودت بني إسرائيل قومي عَلَى أدنى من هذه فضعفوا وتركوه، وأمتك اضعف أجساداً وقلوباً وأبدانا وأبصاراً وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذَلِكَ يلتفت النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى جبريل ليشير عَلِيهِ، ولا يكرهذَلِكَ جبريل، فرفعه عِنْدَ الخامسة، فَقَالَ: يارب، أن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم فخفف عنا، فقال الجبار - عز وجل -: يا محمد، قال لبيك وسعديك، قال: أنه لا يبدل القول لدي، كما فرضته عليك في أم الكتاب، فكل حسنة بعشر أمثالها، وهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى، فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفف عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها، قال موسى: قد - والله - راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، فارجع إلى ربك فليخفف عنك - أيضا - قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا موسى، قد - والله - استحييت من ربي، مما اختلف إليه.
قال: فاهبط بسم الله، قال: فاستيقظ وهو في المسجد الحرام)) .
وهذه اللفظة مما تفرد بها شريك، وقد تعلق بها من قال: أن الإسراء كان مناما، وأجاب عنها قوم - على تقدير أن تكون محفوظة -: بان المراد باستيقاظه رجوعه إلى حال بشريته المعهودة منه في الأرض، فإنه لما كان في السماء كان في طور أخر غير طور أهل الدنيا، فلم يستفق من تلك الحال التي كان عليها، ولم يرجع إلى حاله المعهودة إلا وهوفي المسجد الحرام.
وفي حديث شريك عن أنس: أنه لم يزل يحط عنه عشر صلوات إلى أن صارت خمسا، وكذا في حديث قتادة عن أنس: أنه حط عنه عشرا عشرا، ثم حط عنه خمسا، فصارت خمس صلوات.
وفي حديث ثابت، عن أنس: أنه حط عنه خمسصلوات، ولم يزل يرده موسى، قال: ((فلم أزل بين ربي تعالى وبين موسى حتى قال: يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة، قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف)) ، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((فقلت: قد رجعت إلى ربي عز وجل حتى استحييت منه)) .
وفي حديث قتادة، عن أنس، عن مالك بن صعصعة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((قلت: سلمت، فنودي أني قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، وأجزي الحسنة عشرا)) .
وفي رواية شريك، عن أنس المتقدمة: أن موسى قال لمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد أن صارت خمسا: ((قد - والله - راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه)) .
وهو يدل على أن الصلوات الخمس لم تفرض على بني إسرائيل، وقد قيل: أن من قبلنا كانت عليهم صلاتان كل يوم وليلة.
وقد روي عن ابن مسعود، أن الصلوات الخمس مما خص الله به هذه الأمة.
ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود، قال: لما أسري برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقهافيقبض منها، إذ يغشى السدرة ما يغشى، قال: فراش من ذهب، قال: فأعطي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك بالله شيئا من أمته المقحمات.
وخرجه الترمذي بمعناه، وعنده: ((فأعطاه ثلاثا لم يعطهن نبيا كان قبله)) .
وقد يعارض هذا ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث ابن عباس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((أمني جبريل عند البيت مرتين)) ، فذكر أنه صلى به الصلوات الخمس أول يوم في أول وقت، وفي اليوم الثاني في أخر وقت إلا المغرب، قال: ((ثم التفت إلي جبريل فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين)) .
وإن صح هذا فيحمل على أن الأنبياء كانت تصلي هذه الصلوات دون أممهم.
ويدل عليه: ما خرجه الإمام أحمد وأبو داود من حديث معاذ، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((اعتموا بهذه الصلاة - يعني: صلاة العشاء -، فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم، ولم تصلها امة قبلكم)) .
وقول ابن مسعود: ((أن سدرة المنتهى في السماء السادسة)) يعارضه حديث أنس المرفوع من طرقه كلها؛ فإنه يدل على أنها في السماء السابعة أو فوق السماء السابعة، والمرفوع أولى من الموقوف.
وفي حديث الزهري، عن أنس، في سدرة المنتهى: ((غشيها ألوان، لا ادري ما هِيَ)) .
وفي حديث قتادة، عن أنس، عن مالك بن صعصعة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، فقال: هذه سدرة المنتهى)) .
في حديث ثابت، عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، قال: فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت، فما احد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها)) .
خرجه مسلم.
وروى مسدد: ثنا يحيى، عن حميد، عن أنس، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((انتهيت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل الجرار، وإذا ورقها مثل آذانالفيلة، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تحولت ياقوتة أو نحو ذلك)) .
وخرجه الإمام أحمد، وعنده: ((تحولت ياقوتا وزمردا)) .
وخرج الترمذي من حديث أسماء بنت أبي بكر، قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر سدرة المنتهى، قال: ((يسير الراكب في ظل الفنن منها مائة سنة، أو يستظل بظلها مائة راكب، فيها فراش الذهب، كأن ثمرها القلال)) .
وخرجه الجوزجاني وغيره بزيادة في آخرة، وهي: ((فقلنا يا رسول الله، فماذا رأيت عندها؟ قَالَ: ((فماء مفضض)) .
وفي حَدِيْث أبي جَعْفَر الرَّازِي، عَن الربيع بْن أنس، عَن أبي العالية أو غيره، عَن أبي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر حَدِيْث الإسراء بطوله، وفيه: ((ثُمَّ انتهى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السدرة، فَقِيلَ لَهُ: هذه السدرة ينتهي إليها كل احد خلا من أمتك عَلَى سنتك، فإذا هِيَ شجرة يخرج من أصلها انهار من ماء غير آسن وانهار من لبن لَمْ يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين، وانهار من عسل مصفى، وهي شجرة يسير الراكب فِي ظلها سبعين عاما لا يقطعها، والورقة مِنْهَا مغطية للأمة كلها.
قَالَ: فغشيها نور الخلاق - عز وجل -، وغشيها الملائكة أمثال الغربان حِينَ تقع عَلَى الشجر منحب الله - عز وجل -)) - وذكر بقية الحديث.
خرجه البزار في ((مسنده)) وابن جرير في ((تفسيره)) والبيهقي في ((البعث والنشور)) وغيرهم، وفي إسناده بعض اختلاف، وروي موقوفا غير مرفوع.
وفي هذا تفسير لما تقدم من أنه غشيها فراش من ذهب، فإن الفراش مثل الجراد ونحوه، مما يطير ويقع على الشجر.
وقوله: ((ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ)) ، اختلفت النسخ في هذه اللفظة: ففي بعضها: ((جنابذ)) ، والمراد بها: القباب، وكأنها شبهت - والله أعلم - بجنابذ الورد قبل تفتحها.
وقد ثبت في حديث أبي موسى، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((أن للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، طولها في السماء ستون ميلا)) .
وفي بعض النسخ: ((حبائل)) بالحاء المهملة واللام، وفي بعضها: ((جبايل)) بالجيم واللام.
وقد قال الأكثرون: أن ذلك كله تصحيف وغلط.
وزعم بعضهم: أن حبائل - بالحاء المهملة واللام - جمع حبال، وان حبالا جمع حبل، والحبل: ما استطال من الرمل المرتفع كهيئة الجبال، فيكون المراد بذلك: أن في الجنة تلالا من لؤلؤ.
والصحيح: ((جنابذ)) .
والله أعلم.
وقوله: ((وإذا ترابها المسك)) ، والمراد - والله أعلم -: أن رائحة ترابها رائحة المسك، وأما لونه فمشرق مبهج كالزعفران، يدل عليه: ما في حديث أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((الجنة ملاطها المسك، وتربتها الزعفران)) .
خرجه الإمام أحمد والترمذي، وابن حبان في صحيحه.
والملاط: التراب الذي يختلط بالماء، فيصير كالطين، فلونه لون الزعفران في بهجته وإشراقه.
وريحه كريح المسك، وطعمه كطعم الخبز، يؤكل.
يدل على ذلك: ما في ((صحيح مسلم)) عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابن صائد: ((ما تربة الجنة؟)) قال: در مكة بيضاء مسك يا أبا القاسم، قال: ((صدقت)) .
وفي ((المسند)) عن جابر، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لليهود: ((إني سائلهم عن تربة الجنة، وهي در مكة بيضاء)) ، فسألهم، فقالوا: هي خبزة يا أبا القاسم، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((الخبز من الدرمك)) .
وهذا يدل على أن لونها بيضاء، وقد يكون منها ما هو ابيض ومنها ماهو اصفر كالزعفران.
والله أعلم.
الحديث الثاني:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ كَيْفَ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ)
وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْمُسْتَمْلِيِّ الصَّلَوَاتُ فِي الْإِسْرَاءِ أَيْ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَهَذَا مَصِيرٌ مِنَ الْمُصَنِّفِ إِلَى أَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَقَدْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فَقِيلَ كَانَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي يَقَظَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ كَانَا جَمِيعًا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَنَامِهِ وَقِيلَ وَقَعَا جَمِيعًا مَرَّتَيْنِ فِي لَيْلَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا يَقَظَةً وَالْأُخْرَى مَنَامًا وَقِيلَ كَانَ الْإِسْرَاءُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَاصَّةً فِي الْيَقَظَةِ وَكَانَ الْمِعْرَاجُ مَنَامًا إِمَّا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ أَنَّ الْإِسْرَاءَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَ فِي الْيَقَظَةِ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَلِكَوْنِ قُرَيْشٍ كَذَّبَتْهُ فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَنَامًا لَمْ تُكَذِّبْهُ فِيهِ وَلَا فِي أَبْعَدَ مِنْهُ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لَكِنَّ طُرُقَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ تَدُورُ عَلَى أَنَسٍ مَعَ اخْتِلَافِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ فَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ كَمَا فِي هَذَا الْبَابِ وَرَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَرَوَاهُ شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا وَاسِطَةٍ وَفِي سِيَاقِ كُلٍّ مِنْهُمْ عَنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْآخَرِ وَالْغَرَضُ مِنْ إِيرَادِهِ هُنَا ذِكْرُ فَرْضِ الصَّلَاةِ فَلْيَقَعِ الِاقْتِصَارُ هُنَا عَلَى شَرْحِهِ وَنَذْكُرُ الْكَلَامَ عَلَى اخْتِلَافِ طُرُقِهِ وَتَغَايُرِ أَلْفَاظِهَا وَكَيْفِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَهَا فِي الْمَوْضِعِ اللَّائِقِ بِهِ وَهُوَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ قُبَيْلَ الْهِجْرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْحِكْمَةُ فِي وُقُوعِ فَرْضِ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ لَمَّا قُدِّسَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حِينَ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ بِالْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ وَمِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا الطَّهُورُ نَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلِيَظْهَرَ شَرَفُهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُصَلِّي بِمَنْ سَكَنَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَبِالْمَلَائِكَةِ وَلِيُنَاجِيَ رَبَّهُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ الْمُتَقَدِّمِ مَوْصُولًا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَالْقَائِلُ يَأْمُرنَا هُوَ أَبُو سُفْيَانَ وَمُنَاسَبَتُهُ لِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمْ يَلْقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي اجْتَمَعَ فِيهِ بِهِرَقْلَ لِقَاءً يَتَهَيَّأُ لَهُ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ آمِرًا لَهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَالْإِسْرَاءُ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِلَا خِلَافٍ وَبَيَانُ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْكَيْفِيَّةِ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مُقَدِّمَاتِهَا كَمَا وَقَعَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ وَسَاقَ فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَلِّقِ بِذَلِكَ فَظَهَرَتِ الْمُنَاسَبَةُ

[ قــ :345 ... غــ :349] .

     قَوْلُهُ  فُرِجَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَبِالْجِيمِ أَيْ فُتِحَ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْمَلَكَ انْصَبَّ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ انْصِبَابَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى شَيْءٍ سِوَاهُ مُبَالَغَةً فِي الْمُنَاجَاةِ وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الطَّلَبَ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السِّرُّ فِي ذَلِكَ التَّمْهِيدَ لِمَا وَقَعَ مِنْ شَقِّ صَدْرِهِ فَكَأَنَّ الْمَلَكَ أَرَاهُ بِانْفِرَاجِ السَّقْفِ وَالْتِئَامِهِ فِي الْحَالِ كَيْفِيَّةَ مَا سَيَصْنَعُ بِهِ لُطْفًا بِهِ وَتَثْبِيتًا لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَفَرَجَ صَدْرِي هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْجِيمِ أَيْضًا أَيْ شَقَّهُ وَرَجَّحَ عِيَاضٌ أَنَّ شَقَّ الصَّدْرِ كَانَ وَهُوَ صَغِيرٌ عِنْدَ مُرْضِعَتِهِ حَلِيمَةَ.

.
وَتَعَقَّبَهُ السُّهَيْلِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ شَرِيكٍ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ الشَّقَّ الْأَوَّلَ كَانَ لِاسْتِعْدَادِهِ لِنَزْعِ الْعَلَقَةِ الَّتِي قِيلَ لَهُ عِنْدَهَا هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ وَالشَّقُّ الثَّانِي كَانَ لِاسْتِعْدَادِهِ لِلتَّلَقِّي الْحَاصِلِ لَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَقَدْ رَوَى الطَّيَالِسِيُّ وَالْحَارِثُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ الشَّقَّ وَقَعَ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَ مَجِيءِ جِبْرِيلَ لَهُ بِالْوَحْيِ فِي غَارِ حِرَاءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَرُوِيَ الشَّقُّ أَيْضًا وَهُوَ بن عَشْرٍ أَوْ نَحْوِهَا فِي قِصَّةٍ لَهُ مَعَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَخْرَجَهَا أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ وَرُوِيَ مَرَّةً أُخْرَى خَامِسَةً وَلَا تَثْبُتُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَبِكَسْرِهَا إِنَاءٌ مَعْرُوفٌ سَبَقَ تَحْقِيقُهُ فِي الْوُضُوءِ وَخُصَّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ آلَةُ الْغَسْلِ عُرْفًا وَكَانَ مِنْ ذَهَبٍ لِأَنَّهُ أَعْلَى أَوَانِي الْجَنَّةِ وَقَدْ أَبْعَدَ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِهِ بِالذَّهَبِ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ لَهُ الْمَلَكُ فَيَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ كَوْنِهِمْ مُكَلَّفِينَ بِمَا كُلِّفْنَا بِهِ وَوَرَاءَ ذَلِك إِن ذَلِكَ كَانَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الذَّهْبِ إِنَّمَا وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا فِي اللِّبَاسِ .

     قَوْلُهُ  مُمْتَلِئٌ كَذَا وَقَعَ بِالتَّذْكِيرِ عَلَى مَعْنَى الْإِنَاءِ لَا على لفظ الطست لِأَنَّهَا مؤنثه وَحِكْمَة وَإِيمَانًا بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الطَّسْتَ جُعِلَ فِيهَا شَيْءٌ يَحْصُلُ بِهِ كَمَالُ الْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ فَسُمِّيَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا مَجَازًا أَوْ مَثَلًا لَهُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَمْثِيلِ الْمَعَانِي كَمَا يُمَثَّلُ الْمَوْتُ كَبْشًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْحِكْمَةِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ مُضْطَرِبَةٌ صَفَا لَنَا مِنْهَا أَنَّ الْحِكْمَةَ الْعِلْمُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ مَعَ نَفَاذِ الْبَصِيرَةِ وَتَهْذِيبِ النَّفْسِ وَتَحْقِيقِ الْحَقِّ لِلْعَمَلِ بِهِ وَالْكَفِّ عَنْ ضِدِّهِ وَالْحَكِيمُ مَنْ حَازَ ذَلِكَ اه مُلَخَّصًا وَقَدْ تُطْلَقُ الْحِكْمَةُ عَلَى الْقُرْآنِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَعَلَى النُّبُوَّةِ كَذَلِكَ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْعِلْمِ فَقَطْ وَعَلَى الْمَعْرِفَةِ فَقَطْ وَنَحْوِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمِعْرَاجَ وَقَعَ غَيْرَ مَرَّةٍ لِكَوْنِ الْإِسْرَاءِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مِنِ اخْتِصَارِ الرَّاوِي وَالْإِتْيَانُ بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرَاخِي لَا يُنَافِي وُقُوعَ أَمْرِ الْإِسْرَاءِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُمَا الْإطْبَاقُ وَالْعُرُوجُ بَلْ يُشِيرُ إِلَيْهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ ذَكَرَ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآخَرُ وَيُؤَيِّدُهُ تَرْجَمَةُ الْمُصَنِّفِ كَمَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَعَرَجَ بِالْفَتْحِ أَيِ الْمَلَكُ بِي وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِهِ عَلَى الِالْتِفَاتِ أَوِ التَّجْرِيدِ .

     قَوْلُهُ  افْتَحْ يَدُلُّ عَلَى إِن الْبَاب كَانَ مغلقا قَالَ بن الْمُنِيرِ حِكْمَتُهُ التَّحَقُّقُ أَنَّ السَّمَاءَ لَمْ تُفْتَحْ إِلَّا مِنْ أَجْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَهُ مَفْتُوحًا .

     قَوْلُهُ  قَالَ جِبْرِيلُ فِيهِ مِنْ أَدَبِ الِاسْتِئْذَانِ أَنَّ الْمُسْتَأْذِنَ يُسَمِّي نَفْسَهُ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِغَيْرِهِ قَوْله أأرسل إِلَيْهِ وللكشميهني أَو أرسل إِلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَفِيَ عَلَيْهِ أَصْلُ إِرْسَالِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِعِبَادَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَفْهَمَ عَنِ الْإِرْسَالِ إِلَيْهِ لِلْعُرُوجِ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ إِلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ الرَّجُلِ يَقُومُ مَقَامَ إِذْنِهِ لِأَنَّ الْخَازِنَ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَنِ الْفَتْحِ لَهُ عَلَى الْوَحْيِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ بَلْ عَمِلَ بِلَازِمِ الْإِرْسَالِ إِلَيْهِ وَسَيَأْتِي فِي هَذَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ قَوْله فِي رِوَايَة شريك أَو قد بُعِثَ لَكِنَّهَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُعُقِّبَتْ كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهَا فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْله أَسْوِدَة بِوَزْن أَزْمِنَةٍ وَهِيَ الْأَشْخَاصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ .

     قَوْلُهُ .

.

قُلْتُ لِجِبْرِيلَ مَنْ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ آدَمُ مَرْحَبًا وَرِوَايَةُ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ بِعَكْسِ ذَلِكَ وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ فَتُحْمَلُ هَذِهِ عَلَيْهَا إِذْ لَيْسَ فِي هَذِهِ أَدَاةُ تَرْتِيبٍ .

     قَوْلُهُ  نَسَمُ بَنِيهِ النَّسَمُ بِالنُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ جَمْعُ نَسَمَةٍ وَهِيَ الرُّوحُ وَحكى بن التِّينِ أَنَّهُ رَوَاهُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ بَعْدَهَا مِيمٌ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَرْوَاحَ بَنِي آدَمَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ مُشْكِلٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَدْ جَاءَ أَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ فِي سِجِّينٍ وَأَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ مُنَعَّمَةٌ فِي الْجَنَّةِ يَعْنِي فَكَيْفَ تَكُونُ مُجْتَمِعَةً فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا وَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى آدَمَ أَوْقَاتًا فَصَادَفَ وَقْتَ عَرْضِهَا مُرُورُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنِهِمْ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ إِنَّمَا هُوَ فِي أَوْقَاتٍ دُونَ أَوْقَاتٍ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ لَا تُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا أَبْدَاهُ هُوَ احْتِمَالًا أَنَّ الْجَنَّةَ كَانَتْ فِي جِهَةِ يَمِينِ آدَمَ وَالنَّارَ فِي جِهَةِ شِمَالِهِ وَكَانَ يُكْشَفُ لَهُ عَنْهُمَا اه وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ النَّسَمَ الْمَرْئِيَّةَ هِيَ الَّتِي لَمْ تَدْخُلِ الْأَجْسَادَ بَعْدُ وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ قَبْلَ الْأَجْسَادِ وَمُسْتَقَرُّهَا عَنْ يَمِينِ آدَمَ وَشِمَالِهِ وَقَدْ أُعْلِمَ بِمَا سَيَصِيرُونَ إِلَيْهِ فَلِذَلِكَ كَانَ يَسْتَبْشِرُ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَحْزَنُ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ عَنْ يَسَارِهِ بِخِلَافِ الَّتِي فِي الْأَجْسَادِ فَلَيْسَتْ مُرَادَةً قَطْعًا وَبِخِلَافِ الَّتِي انْتَقَلَتْ مِنَ الْأَجْسَادِ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا مِنْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ فَلَيْسَتْ مُرَادَةً أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ وَيُعْرَفُ أَنَّ قَوْلَهُ نَسَمُ بَنِيهِ عَامٌّ مَخْصُوصٌ أَوْ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوص وَأما مَا أخرجه بن إِسْحَاقٍ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهُ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُولُ رُوحٌ طَيِّبَةٌ وَنَفْسٌ طَيِّبَةٌ اجْعَلُوهَا فِي عِلِّيِّينَ ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْفُجَّارِ فَيَقُولُ رُوحٌ خَبِيثَةٌ وَنَفْسٌ خَبِيثَةٌ اجْعَلُوهَا فِي سِجِّينٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَالْبَزَّارِ فَإِذَا عَنْ يَمِينِهِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ وَعَنْ شِمَالِهِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ خَبِيثَةٌ إِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ اسْتَبْشَرَ وَإِذَا نَظَرَ عَنْ شِمَالِهِ حَزِنَ فَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْلَى مِنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَنَسٌ فَذَكَرَ أَيْ أَبُو ذَرٍّ أَنَّهُ وَجَدَ أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يُثْبِتْ أَيْ أَبُو ذَرٍّ .

     قَوْلُهُ  وَإِبْرَاهِيمُ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ هُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ وَالثَّابِتُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ غَيْرِ هَاتَيْنِ أَنَّهُ فِي السَّابِعَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِتَعَدُّدِ الْمِعْرَاجِ فَلَا تَعَارُضَ وَإِلَّا فَالْأَرْجَحُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ فِيهَا أَنَّهُ رَآهُ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَهُوَ فِي السَّابِعَةِ بِلَا خِلَافٍ.

.
وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ فِي السَّادِسَةِ عِنْدَ شَجَرَةِ طُوبَى فَإِنْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ الْبَيْتُ الَّذِي فِي السَّادِسَةِ بِجَانِبِ شَجَرَةِ طُوبَى لِأَنَّهُ جَاءَ عَنْهُ أَنَّ فِي كُلِّ سَمَاءٍ بَيْتًا يُحَاذِي الْكَعْبَةَ وَكُلٌّ مِنْهَا مَعْمُورٌ بِالْمَلَائِكَةِ وَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا جَاءَ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ بَيْتٍ يُحَاذِي الْكَعْبَةَ مِنْ بُيُوتِ السَّمَاوَاتِ وَيُقَالُ إِنَّ اسْمَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الضُّرَاحُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ وَيُقَالُ بَلْ هُوَ اسْمُ سَمَاءِ الدُّنْيَا وَلِأَنَّهُ قَالَ هُنَا إِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ فَرِوَايَةُ مَنْ أَثْبَتَهَا أَرْجَحُ وَسَأَذْكُرُ مَزِيدًا لِهَذَا فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا مَرَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْقِطْعَةَ لَمْ يَسْمَعْهَا أَنَسٌ مِنْ أَبِي ذَرٍّ .

     قَوْلُهُ  مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِدْرِيسَ الْبَاءُ الْأُولَى لِلْمُصَاحَبَةِ وَالثَّانِيَةُ لِلْإِلْصَاقِ أَوْ بِمَعْنَى عَلَى .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى لَيْسَتْ ثُمَّ عَلَى بَابِهَا فِي التَّرْتِيبِ إِلَّا إِنْ قِيلَ بِتَعَدُّدِ الْمِعْرَاجِ إِذِ الرِّوَايَاتُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ بِهِ كَانَ قبل الْمُرُور بمُوسَى قَوْله قَالَ بن شهَاب فَأَخْبرنِي بن حَزْمٍ أَيْ أَبُو بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ.

.
وَأَمَّا أَبُوهُ مُحَمَّدٌ فَلَمْ يَسْمَعِ الزُّهْرِيُّ مِنْهُ لِتَقَدُّمِ مَوْتِهِ لَكِنَّ رِوَايَةَ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَبَّةَ مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّهُ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ قَبْلَ مَوْلِدِ أَبِي بَكْرٍ بِدَهْرٍ وَقَبْلَ مَوْلِدِ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَأَبُو حَبَّةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعِنْدَ الْقَابِسِيِّ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتَانِيَّةٍ وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ بِالنُّونِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى ظَهَرْتُ أَيِ ارْتَفَعْتُ والمستوى المصعد وصريف الْأَقْلَامِ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ تَصْوِيتُهَا حَالَةَ الْكِتَابَةِ وَالْمُرَادُ مَا تَكْتُبُهُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ أَقْضِيَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَوْله قَالَ بن حَزْمٍ أَيْ عَنْ شَيْخِهِ وَأَنَسٌ أَيْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ كَذَا جَزَمَ بِهِ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ وَيحْتَمل أَن يكون مُرْسلا من جِهَة بن حَزْمٍ وَمِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ بِلَا وَاسِطَةٍ .

     قَوْلُهُ  فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِي كُلٍّ مِنْ رِوَايَةِ الْبَابِ وَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اخْتِصَارٌ أَوْ يُقَالُ ذِكْرُ الْفَرْضِ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ الْفَرْضَ عَلَى الْأُمَّةِ وَبِالْعَكْسِ إِلَّا مَا يُسْتَثْنَى مِنْ خَصَائِصِهِ .

     قَوْلُهُ  فَرَاجَعَنِي وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَرَاجَعْتُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ .

     قَوْلُهُ  فَوَضَعَ شَطْرَهَا فِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا وَمِثْلُهُ لِشَرِيكٍ وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ فحط عني خمْسا قَالَ بن الْمُنِيرِ ذِكْرُ الشَّطْرِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ وَقَعَ فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ.

.

قُلْتُ وَكَذَا الْعَشْرُ فَكَأَنَّهُ وَضَعَ الْعَشْرَ فِي دُفْعَتَيْنِ وَالشَّطْرَ فِي خَمْسِ دُفُعَاتٍ أَوِ الْمُرَادُ بِالشَّطْرِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الْبَعْضُ وَقَدْ حَقَقْتُ رِوَايَةَ ثَابِتٍ أَنَّ التَّخْفِيفَ كَانَ خَمْسًا خَمْسًا وَهِيَ زِيَادَةٌ مُعْتَمَدَةٌ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ بَاقِي الرِّوَايَاتِ عَلَيْهَا.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الْكِرْمَانِيِّ الشَّطْرُ هُوَ النِّصْفُ فَفِي الْمُرَاجَعَةِ الْأُولَى وَضَعَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَعْنِي نِصْفَ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ بِجَبْرِ الْكَسْرِ وَفِي الثَّالِثَةِ سَبْعًا كَذَا قَالَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فِي الْمُرَاجَعَةِ الثَّالِثَةِ ذِكْرُ وَضْعِ شَيْءٍ إِلَّا أَنْ يُقَالَ حُذِفَ ذَلِكَ اخْتِصَارًا فَيُتَّجَهُ لَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ يَأْبَى هَذَا الْحَمْلَ فَالْمُعْتَمَدُ مَا تَقَدَّمَ وَأَبْدَى بن الْمُنِيرِ هُنَا نُكْتَةً لَطِيفَةً فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ خَمْسًا فَقَالَ استحييت من رَبِّي قَالَ بن الْمُنِيرِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّسَ مِنْ كَوْنِ التَّخْفِيفِ وَقَعَ خَمْسًا خَمْسًا أَنَّهُ لَوْ سَأَلَ التَّخْفِيفَ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ خمْسا لَكَانَ سَائِلًا فِي رَفعهَا فَلذَلِك استحيى اه وَدَلَّتْ مُرَاجَعَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّهِ فِي طَلَبِ التَّخْفِيفِ تِلْكَ الْمَرَّاتِ كُلَّهَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ بِخِلَافِ الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ فَفِيهَا مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُبدل القَوْل لَدَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الِاسْتِحْيَاءِ أَنَّ الْعَشَرَةَ آخِرُ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَأَوَّلَ جَمْعِ الْكَثْرَةِ فَخَشِيَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْإِلْحَاحِ فِي السُّؤَالِ لَكِنَّ الْإِلْحَاحَ فِي الطَّلَبِ مِنَ اللَّهِ مَطْلُوبٌ فَكَأَنَّهُ خَشِيَ مِنْ عَدَمِ الْقِيَامِ بِالشُّكْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ زِيَادَةٌ فِي هَذَا وَمُخَالَفَةٌ وَأَبْدَى بَعْضُ الشُّيُوخِ حِكْمَةً لِاخْتِيَارِ مُوسَى تَكْرِيرَ تَرْدَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَمَّا كَانَ مُوسَى قَدْ سَأَلَ الرُّؤْيَةَ فَمُنِعَ وَعَرَفَ أَنَّهَا حَصَلَتْ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَ بِتَكْرِيرِ رُجُوعِهِ تَكْرِيرَ رُؤْيَتِهِ لِيَرَى مَنْ رَأَى كَمَا قِيلَ لَعَلِّي أَرَاهُمْ أَوْ أرى من رَآهُمْ.

.

قُلْتُ وَيَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ تَجَدُّدِ الرُّؤْيَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ .

     قَوْلُهُ  هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ هِيَ بَدَلُ هُنَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَالْمُرَادُ هُنَّ خَمْسٌ عَدَدًا بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ وَخَمْسُونَ اعْتِدَادًا بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ مَا زَادَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَالْوِتْرِ وَعَلَى دُخُولِ النَّسْخِ فِي الْإِنْشَاءَاتِ وَلَوْ كَانَتْ مُؤَكَّدَةً خِلَافًا لِقَوْمٍ فِيمَا أُكِّدَ وَعَلَى جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ الْفِعْلِ قَالَ بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَسَخَ الْخَمْسِينَ بِالْخَمْسِ قَبْلَ أَنْ تُصَلَّى ثُمَّ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِأَنْ أَكْمَلَ لَهُمُ الثَّوَابَ.

.
وَتَعَقَّبَهُ بن الْمُنِيرُ فَقَالَ هَذَا ذَكَرَهُ طَوَائِفُ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالشُّرَّاحِ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ النَّسْخَ قَبْلَ الْفِعْلِ كَالْأَشَاعِرَةِ أَوْ مَنَعَهُ كَالْمُعْتَزِلَةِ لِكَوْنِهِمُ اتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ النَّسْخَ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْلَ الْبَلَاغِ وَحَدِيثُ الْإِسْرَاءِ وَقَعَ فِيهِ النَّسْخُ قَبْلَ الْبَلَاغِ فَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا قَالَ وَهَذِهِ نُكْتَةٌ مُبْتَكَرَةٌ.

.

قُلْتُ إِنْ أَرَادَ قَبْلَ الْبَلَاغِ لِكُلِّ أَحَدٍ فَمَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ قَبْلَ الْبَلَاغِ إِلَى الْأُمَّةِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَيْسَ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ نَسْخًا لَكِنْ هُوَ نَسْخٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كُلِّفَ بِذَلِكَ قَطْعًا ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ أَنْ بُلِّغَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فَالْمَسْأَلَةُ صَحِيحَةُ التَّصْوِيرِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ فِي التَّرْجَمَةِ النَّبَوِيَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ كَذَا وَقَعَ لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَحْتَانِيَّةٌ ثُمَّ لَامٌ وَذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا هُوَ جَنَابِذُ بِالْجِيمِ وَالنُّونِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ رِوَايَةِ بن الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِ عَنْ يُونُسَ وَكَذَا عِنْدَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَوَجَدْتُ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَنَابِذُ عَلَى الصَّوَابِ وَأَظُنُّهُ مِنْ إِصْلَاحِ بَعْضِ الرُّوَاةِ.

     وَقَالَ  بن حَزْمٍ فِي أَجْوِبَتِهِ عَلَى مَوَاضِعَ مِنَ الْبُخَارِيِّ فَتَّشْتُ عَلَى هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ فَلَمْ أَجِدْهُمَا وَلَا وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَلَا وَقَفْتُ عَلَى مَعْنَاهُمَا انْتَهَى وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْجَنَابِذَ شَبَهُ الْقِبَابِ وَاحِدُهَا جُنْبُذَةٌ بِالضَّمِّ وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْبِنَاءِ فَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَأَصْلُهُ بِلِسَانِهِمْ كُنْبُذَةٌ بِوَزْنِهِ لَكِنَّ الْمُوَحَّدَةَ مَفْتُوحَةٌ وَالْكَافُ لَيْسَتْ خَالِصَةً وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ فِي الْحَبَائِلِ قِيلَ هِيَ الْقَلَائِدُ وَالْعُقُودُ أَوْ هِيَ مِنْ حِبَالِ الرَّمْلِ أَيْ فِيهَا لُؤْلُؤٌ مِثْلُ حِبَالِ الرَّمْلِ جَمْعُ حَبْلٍ وَهُوَ مَا اسْتَطَالَ مِنَ الرَّمْلِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَبَائِلَ لَا تَكُونُ إِلَّا جَمْعَ حِبَالَةٍ أَوْ حَبِيلَةٍ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ.

     وَقَالَ  بَعْضُ مَنِ اعْتَنَى بِالْبُخَارِيِّ الْحَبَائِلُ جَمْعُ حِبَالَةٍ وَحِبَالَةٌ جَمْعُ حَبْلٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَالْمُرَادُ أَنَّ فِيهَا عُقُودًا وَقَلَائِدَ مِنَ اللُّؤْلُؤِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
كيف فرضت الصلاة في الإسراء
وقال ابن عباس؛ حدثني أبو سفيان في حديث هرقل، فقال: يأمرنا - يعني: النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصلاة والصدق والعفاف.

حديث أبي سفيان هذا قد خرجه البخاري بتمامه في أول كتابه، وهو يدل على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أهم ما يأمر به أمته الصلاة، كما يأمرهم بالصدق والعفاف، واشتهر ذلك حتى شاع بين الملل المخالفين له في دينه، فإن أبا سفيان كان حين قال ذلك مشركا، وكان هرقل نصرانيا، ولم يزل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منذ بعث يأمر بالصدق والعفاف، ولم يزل يصلي - أيضا - قبل أن تفرض الصلاة.

وأول ما أنزل عليه سورة: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] وفي أخرها: { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} إلى قوله: { كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:9 - 19] .

وقد نزلت هذه الآيات بسبب قول أبي جهل: لئن رأيت محمدا ساجدا عند البيت لأطأن على عنقه.


وقد خرج هذا الحديث مسلم في " صحيحه ".
وقد ذكرنا في أول " كتاب: الوضوء " حديث أسامة، أن جبريل نزل على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أول الأمر، فعلمه الوضوء والصلاة.

وذكر ابن إسحاق: أن الصلاة افترضت عليه حينئذ، وكان هو - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخديجة يصليان.

والمراد: جنس الصلاة، لا الصلوات الخمس.

والأحاديث الدالة على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي بمكة قبل الإسراء كثيرة.

لكن قد قيل: إنه كان قد فرض عليه ركعتان في أول النهار وركعتان في آخره فقط، ثم افترضت عليه الصلوات الخمس ليلة الإسراء -: قاله مقاتل وغيره.

وقال قتادة: كان بدء الصلاة ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي.

وإنما أراد هؤلاء: أن ذلك كان فرضا قبل افتراص الصلوات الخمس ليلة الإسراء.

وقد زعم بعضهم: أن هذا هو مراد عائشة بقولها: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، وقالوا: إن الصلوات الخمس فرضت أول ما فرضت أربعا وثلاثا وركعتين على وجهها، وسيأتي ذكر ذلك في الكلام على حديث عائشة - إن شاء الله.

وضعف الأكثرون ذلك، وقالوا: إنما أرادت عائشة فرض الصلوات الخمس ركعتين ركعتين سوى المغرب، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

وقد ورد من حديث عفيف الكندي، أنه رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بمكة حين زالت الشمس ومعه علي وخديجة، وان العباس قال له: ليس على هذا الدين احد غيرهم.
وقد خرجه الإمام أحمد والنسائي في خصائص علي.

وقد طعن في إسناده البخاري في ((تاريخه)) والعقيلي وغير واحد.

وقد خرج الترمذي من حديث أنس، قال: بعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الاثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء.

وإسناده ضعيف.
وقد خرجه الحاكم من حديث بريدة، وصححه.

وفيه دليل على أن الصلاة شرعت من ابتداء النبوة، لكن الصلوات الخمس لم تفرض قبل الإسراء بغير خلاف.

وروى الربيع، عن الشافعي، قال: سمعت ممن أثق بخبره وعلمه يذكر أن الله تعالى انزل فرضا في الصلاة، ثم نسخه بفرض غيره، ثم نسخ الثاني بالفرض في الصلوات الخمس.

قال الشافعي: كأنه يعني قول الله - عز وجل -: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ - قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً - نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً - أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل:1 - 4] ثم نسخه في السورة معه بقوله: { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} الآية إلى قوله { فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل:20] فنسخ قيام الليل، أو نصفه، أو اقل، أو أكثر بما تيسر.

قال الشافعي: ويقال نسخ ما وصف في المزمل بقول الله - عز وجل -: { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ودلوك الشمس: زوالها { إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} العتمة { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} الصبح { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:78 - 79] فأعلمه أن صلاة الليل نافلة لا فريضة، وان الفرائض فيما ذكر من ليل أو نهار.

قال: ويقال في قول الله - عز وجل -: { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} المغرب والعشاء
{ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الصبح { وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً} العصر
{ وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم:17 - 18] الظهر.
انتهى.
وقد روي عن طائفة من السلف تفسير هاتين الآيتين بنحو ما قاله الشافعي، فكل أية منهما متضمنة لذكر الصلوات الخمس، ولكنهما نزلتا بمكة بعد الإسراء.

والله أعلم.

وقد اجمع العلماء على أن الصلوات الخمس إنما فرضت ليلة الإسراء، واختلفوا في وقت الإسراء:
فقيل: كان بعد البعثة بخمسة عشر شهرا، وهذا القول بعيد جدا.

وقيل: أنه كان قبل الهجرة بثلاث سنين، وهو اشهر.

وقيل: قبل الهجرة بسنة واحدة.

وقيل: قبلها بستة اشهر.

وقيل: كان بعد البعثة بخمس سنين، ورجحه بعضهم، قال: لأنه لا خلاف أن خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة، ولا خلاف إنها توفيت قبل الهجرة بمدة، قيل بثلاث سنين، وقيل: بخمس، وقد اجمع العلماء على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء.

قلت: حكايته الإجماع على صلاة خديجة معه بعد فرض الصلاة غلط محض، ولم يقل هذا أحد ممن يعتد بقوله.

وقد خرج أبو يعلى الموصلي والطبراني من حديث إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن الشعبي، عن جابر، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن خديجة؛ فإنها ماتت قبل أن تنزل الفرائض والأحكام؟ فقال: ((أبصرتها على نهر من انهار الجنة، في بيت من قصب، لا لغو فيه ولا نصب)) .
وروى الزبير بن بكار، بإسناد ضعيف، عن يونس عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة.

وقد فرق بعضهم بين الإسراء والمعراج، فجعل المعراج إلى السماوات كما ذكره الله في سورة النجم، وجعل الإسراء إلى بيت المقدس خاصة، كما ذكره الله في سورة
{ سُبْحانَ} وزعم أنهما كانا في ليلتين مختلفتين، وان الصلوات فرضت ليلة المعراج لا ليلة الإسراء.

وهذا هو الذي ذكره محمد بن سعد في طبقاته عن الواقدي بأسانيد له متعددة، وذكر أن المعراج إلى السماء كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من شهر رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا من المسجد الحرام، وتلك الليلة فرضت الصلوات الخمس، ونزل جبريل فصلى برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلوات في مواقيتها، وان الإسراء إلى بيت المقدس كان ليلة سبع عشرة ربيع الأول قبل الهجرة بسنة، من شعب أبي طالب.

وما بوب عليه البخاري أن الصلوات فرضت في الإسراء يدل على أن الإسراء عنده والمعراج واحد.
والله أعلم.

وخرج في هذا الباب حديثين:
الحديث الأول: حديث المعراج بطوله: فقال:
[ قــ :345 ... غــ :349 ]
- ثنا يحيى بن بكير: ثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، قال: كان أبو ذر يحدث، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل - عليه السلام - ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا، فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم اخذ بيدي فعرج إلى السماء، فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء: افتح، قال: من هذا؟ قَالَ: جبريل، قَالَ: هَلْ معك احد؟ قال: نعم، معي محمد.
فقال: أرسل إليه؟ قال: نعم، فلما فتح علونا السماء الدنيا، فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة، وعلى يساره اسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح.
قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا ادم، وهذه الاسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والاسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى.
حتى عرج بي إلى السماء الثانية، فقال لخازنها:
افتح، فقال له خازنها مثل ما قال الأول، ففتح)) .

قال أنس: فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم، ولم يثبت كيف منازلهم، غير أنه ذكر أنه وجد ادم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السماء السادسة.

قال أنس: ((فلما مر جبريل بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإدريس قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، فقلت: من هذا؟ قَالَ: هَذَا إدريس، ثُمَّ مررت بموسى عَلِيهِ السلام، فَقَالَ: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، قُلتُ: من هَذَا؟ قال: هذا موسى، ثم مررت بعيسى عليه السلام، فقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، قلت: من هذا؟ قال: عيسى، ثم مررت بإبراهيم عليه السلام، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم)) .

قال ابن شهاب: فأخبرني ابن حزم، أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى اسمع فيه صريف الأقلام)) .

قال ابن حزم وانس بن مالك: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ففرض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى، فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق، فراجعني فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، قال: راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال: ارجع إلى ربك؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس، وهي خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: أرجع إلى ربك، فقلت: استحييت من ربي، ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا ادري ما هي، ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك)) .

هذا الحديث رواه جماعة عن يونس، عن الزهري، عن أبي ذر وانس.
وخالفهم أبو ضمرة أنس بن عياض، فرواه عن يونس، عن الزهري، عن أنس، عن أبي بن كعب، وهو وهم منه -: قاله الدارقطني، وأشار إليه أبو زرعة وأبو حاتم.

وقد اختلف في إسناد هذا الحديث على أنس، فالزهري رواه عنه، عن أبي ذر، وجعل ذكر الصلوات منه عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ورواه قتادة، عن أنس، عن مالك بن صعصعة، وقد خرج حديثه البخاري في موضع أخر.

ورواه شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسياق مطول جدا.

وقد خرج حديثه البخاري في أخر كتابه، وفيه ألفاظ استنكرت على شريك، وتفرد بها.

وقد رواه ثابت، عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيضا - بدون سياق شريك.

وقد خرج حديثه مسلم في صحيحه.

وقال الدارقطني: يشبه أن تكون الأقاويل كلها صحاحا؛ لأن رواتها ثقات.

قال: ويشبه أن يكون أنس سمعه من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واستثبته من أبي ذر ومالك أبن صعصعة.

وقال أبو حاتم الرازي: أرجو أن يكون قول الزهري وقتادة عن أنس صحيحين.
وقال - مرة -: قول الزهري أصح، قال: ولا أعدل به أحدا.

وشق صدره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة المعراج وغسله من طست من ذهب من ماء زمزم وملؤه إيمانا وحكمة مما تطابقت عليه أحاديث المعراج.

وروى، ثابت عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني: ظئره -، فقالوا: أن محمد قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون.
قال أنس: وقد كنت أرى اثر ذلك المخيط في صدره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

خرجه مسلم.

وليس في هذا الحديث أنه حشي إيمانا وحكمة، وقد روي هذا الحديث من رواية أبي ذر وعتبة بن عبد السلمي، وفي روايتهما: أنه ملئ سكينة، وروي ـ أيضا ـ من حديث أبي ذر، وفيه أنه أدخل قلبه الرأفة والرحمة.

فهذا الشرح فهذا الشرح كان في حال صغره، وهو غير الشرح المذكور في ليلة المعراج، ومن تأمل ألفاظ الأحاديث الواردة في شرح صدره وملئه إيمانا وحكمة أو سكينة أو رأفة ورحمة ظهر له من ذلك أنه وضع في قلبه جسم محسوس مشاهد، نشأ عنه ما كان في قلبه من هذه المعاني، والله سبحانه قادر على أن يخلق من المعاني أجساما محسوسة مشاهدة، كما يجعل الموت في صورة كبش أملح يذبح.

وفي حديث الزهري، عن أنس، عن أبي ذر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((ثم أخذ
بيدي، فعرج بي إلى السماء)) .

وفي حديث قتادة وغيره، عن أنس، أنه أركبه البراق، وهي زيادة صحيحة لم يذكرها الزهري في حديثه.

وقول خازن السماء: ((أرسل إليه؟)) الأظهر ـ والله أعلم ـ أنه أستفهم: هل أرسل الله إليه يستدعيه إلى السماء، ولم يرد إرساله إلى أهل الأرض، فإن ذلك كان قبل هذه الليلة بمدة طويلة، والظاهر أنه لا يخفى مثل ذلك على أهل السماء وخزنتها، لا سيما مع حراستها بالشهب ومنع الشياطين من استراق السمع منها.

وقيل أن اخل السماء لم يعلموا بإرساله إلى أهل الأرض حتى صعد إليهم، ويشهد لهذا: أن في حديث شريك بن أبي نمر، عن أنس في صفة الإسراء، قال: ((ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فنادى أهل السماء: من هذا؟ فَقَالَ:
جبريل.
فقال: ومن معك؟ قال: معي محمد.
قال: وقد بعث؟ قال: نعم، فقالوا: مرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم)) ـ وذكر الحديث بطوله.

وقد خرجه البخاري في آخر كتابه هذا.

((والأسودة)) : جمع سواد، وهو الشخص، يقال: سواد وأسودة، مثل قراح وأقرحة، وتجمع: أسودة على أساود، فهو جمع الجمع.
((والنسم)) : جمع نسمة، وهي النفس.

والمراد بذلك: أرواح بني أدم، وأن أهل الجنة على يمين ادم وأهل النار على يساره.

قال بعضهم: ولا يناقض هذا ما ورد: أن أرواح المؤمنين في الجنة، أو في الصور الذي ينفخ فيه، أو في القبور، وأرواح الكافرين في سجين؛ لأن هذا في أحوال مختلفة وأوقات متغايرة وفي هذا الجواب نظر.

ومنهم من قال: إنما رأى في السماء الدنيا عن يمين آدم وشماله نسم بنيه الذين لم يولدوا بعد ولم تخلق أجسادهم، فأما أرواح الموتى التي فارقت أجسادها بالموت فليست في السماء الدنيا، بل أرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الكفار في سجين، وقد قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف: 40] .

وقد جاء في حديث البراء بن عازب وأبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أن روح الكافر إذا خرجت لم تفتح لها أبواب السماء، فتطرح طرحا)) ، وقرأ: { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31] .

والأظهر ـ والله أعلم ـ: أن آدم - عليه السلام - في السماء الدنيا ينظر إلى نسم بنيه عن يمينه وشماله، ونسم بنيه مستقرة في مستقرها، فنسم المؤمنين في الجنة ونسم الكافرين في النار، وليست عند آدم في السماء الدنيا.

ويدل على هذا: ما خرجه البزار وابن جرير والخلال وغيرهم من رواية أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية أو غيره، عن أبي هريرة، فذكر فذكر حديث الإسراء بطوله، وفيه: أنه لما دخل إلى سماء الدنيا فإذا هو برجل تام الخلق، لم ينقص من خلقه شئ كما ينتقص من خلق الناس، عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة، وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة، إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك واستبشر، وإذا نظر إلى الباب الذي عن شماله بكى وحزن، فقال جبريل: هذا أبوك آدم، وهذا الباب الذي عن يمينه الجنة، فإذا نظر من يدخل من ذريته الجنة ضحك واستبشر، والباب الذي عن شماله باب جهنم، إذا نظر من يدخل من ذريته جهنم بكى وحزن - وذكر الحديث بطوله.
ومما يوضح هذا المعنى: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى في صلاة الكسوف الجنة والنار وهو في الأرض، وليست الجنة في الأرض، وروي: أنه رأى ليلة أسري به الجنة والنار ـ أيضا ـ، وليست النار في السماء، وإنما رآهما وهو في السماء تارة، ورآهما وهو في الأرض أخرى.

وكذلك رؤية آدم وهو في السماء الدنيا نسم بنيه المستقرة في الجنة وفي النار، وليست الجنة والنار عند آدم في سماء الدنيا.

وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة وهي مستقر أرواح الموتى في
((كتاب أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور)) .
ولله الحمد.

وفي حَدِيْث الزُّهْرِيّ، عَن أنس، عَن أبي ذر، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى فِي السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى، ولم يثبت كَيْفَ منازلهم، إلا أنه وجد آدم فِي السماء الدنيا، وإبراهيم فِي السماء السادسة، وهذا - والله أعلم - مما لم يحفظه الزهري جيدا.

وفي رواية قتادة، عن أنس، عن مالك بن صعصعة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه رأى في السماء الدنيا آدم، وفي السماء الثانية يحيى وعيسى، وهما ابنا الخالة، وفي السماء الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم عليهم السلام.

وفي حديث شريك بن أبي نمر، عن أنس، وقد خرجه البخاري في آخر صحيحه هذا: أنه رأى آدم في السماء الدنيا، وإدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة ـ قال الراوي: لم أحفظ اسمه ـ، وإبراهيم فِي السادسة، وموسى فِي السابعة بتفضيل كلام الله - عز وجل -.

وهذا يوافق مَا فِي حَدِيْث الزُّهْرِيّ، عَن أنس، أن إبراهيم عَلِيهِ السلام فِي السماء السادسة، وفيه – أيضا -: أنه مر بموسى، ثم بعيسى، ثم بإبراهيم، وهذا يشعر برفع عيسى على موسى، وهذا كله إنما جاء من عدم ضبط منازلهم كما صرح به في الحديث نفسه.

وفي حديث حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صفة الإسراء، أنه رأى آدم في الأولى، ويحيى وعيسى في الثانية، ويوسف في الثالثة، وإدريس في
الرابعة، وهارون في الخامسة، وموسى في السادسة، وإبراهيم في السابعة مسندا ظهره إلى البيت المعمور.

وقد خرجه مسلم بطوله.

والذي رآه في السماء من الأنبياء عليهم السلام إنما هو أرواحهم، إلا عيسى - عليه السلام - فإنه رفع بجسده إلى السماء.

وقد قال طائفة من السلف: أن جميع الرسل لا يتركون بعد موتهم في الأرض أكثر من أربعين يوما، ثم ترفع جثثهم إلى السماء، روي ذلك عن ابن المسيب، وعن عمر بن عبد العزيز، وأنه قال: وأخبرني بذلك غير واحد ممن أدركته، فعلى هذا يكون المرئي في السماء أشخاصهم كما كانوا في الأرض.
وقول ابن شهاب: ((أخبرني ابن حزم)) ، الظاهر: أنه أبو بكر بن عمرو ابن حزم.

((أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري)) أبو حبة بالباء الموحدة عند قوم، وعند آخرين هو بالنون، وقيل: هما إخوان، أحدوهما ابوحبة بالباء، والثاني، أبو حنة
بالنون، والله أعلم.

وقوله ((حتى ظهرت لمستوى)) أي: صعدت لمصعد وارتقيت لمرتقى.

و ((صريف الأقلام)) : صوت ما تكتبة الملائكة بأقلامها من أقضية الله تعالى ووحية، أو ما ينسخونه من اللوح المحفوظ، أو ما شاء الله من ذلك.

ويقال: أن صريف القلم: هو تصويته في رجوعه إلى ورائه، مثل كتابته لحرف
(كـ) ، وصريره: هو تصويته في مجيئه إلى بين يديه، مثل كتابته لحرف (ن) وما أشبه ذلك.

وقوله: ((ففرض الله على أمتي خمسين صلاة)) ، وفي رواية شريك بن أبي نمر، عن أنس: ((ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى فيما يوحي خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة)) .

وقد تفرد شريك بهذه الألفاظ في هذا الحديث، وهي مما انكرت عليه فيه.
وقوله: ((فرجعت بذلك حتى مررت بموسى)) ، وذكر مراجعته له وأمره بالرجوع إلى ربه ليخفف عن أمته - استدل بهذا من رجح رواية من روى أن موسى كان في السماء السابعة، كما في رواية الزهري وشريك، عن أنس، قال: لأنه لو كان إبراهيم في السابعة لكانت ألمراجعه بينه وبين إبراهيم.

ومن رجح أن موسى في السماء السادسة، كما في رواية قتادة عن أنس، قال: إنما وقعت المراجعة من موسى - عليه السلام -؛ لأنه كان له امة عظيمة، عالجهم اشد المعالجة، وكان عليهم في دينهم آصار وأثقال، فلهذا تفرد بمخاطبة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك دون إبراهيم - عليه السلام -.

وفي رواية شريك بن أبي نمر، عن أنس التي خرجها البخاري في أخر صحيحه هذا: ((أن موسى - عليه السلام - قال له: ((أن أمتك لا تستطيع ذلك؛ فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم أن شئت، فعلى به إلى الجبار سبحانه وتعالى، فقال وهو في مكانه: يارب، خفف
عنا؟ فإن أمتي لا تستطيع هَذَا، فوضع عَنْهُ عَشَرَ صلوات، ثُمَّ رجع إلى موسى فاحتبسه فَلَمْ يزل موسى يردده إلى ربه حَتَّى صارت إلى خمس صلوات، ثُمَّ احتبسه موسى عِنْدَ الخمس، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، والله لَقَدْ راودت بني إسرائيل قومي عَلَى أدنى من هذه فضعفوا وتركوه، وأمتك اضعف أجساداً وقلوباً وأبدانا وأبصاراً وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذَلِكَ يلتفت النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى جبريل ليشير عَلِيهِ، ولا يكره ذَلِكَ جبريل، فرفعه عِنْدَ الخامسة، فَقَالَ: يارب، أن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم فخفف عنا، فقال الجبار - عز وجل -: يا محمد، قال لبيك وسعديك، قال: أنه لا يبدل القول لدي، كما فرضته عليك في أم الكتاب، فكل حسنة بعشر أمثالها، وهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى، فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفف عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها، قال موسى: قد - والله - راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، فارجع إلى ربك فليخفف عنك - أيضا - قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا موسى، قد - والله - استحييت من ربي، مما اختلف إليه.
قال: فاهبط بسم الله، قال: فاستيقظ وهو في المسجد الحرام)) .

وهذه اللفظة مما تفرد بها شريك، وقد تعلق بها من قال: أن الإسراء كان مناما، وأجاب عنها قوم - على تقدير أن تكون محفوظة -: بان المراد باستيقاظه رجوعه إلى حال بشريته المعهودة منه في الأرض، فإنه لما كان في السماء كان في طور أخر غير طور أهل الدنيا، فلم يستفق من تلك الحال التي كان عليها، ولم يرجع إلى حاله المعهودة إلا وهوفي المسجد الحرام.

وفي حديث شريك عن أنس: أنه لم يزل يحط عنه عشر صلوات إلى أن صارت خمسا، وكذا في حديث قتادة عن أنس: أنه حط عنه عشرا عشرا، ثم حط عنه خمسا، فصارت خمس صلوات.

وفي حديث ثابت، عن أنس: أنه حط عنه خمس صلوات، ولم يزل يرده موسى، قال: ((فلم أزل بين ربي تعالى وبين موسى حتى قال: يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة، قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف)) ، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((فقلت: قد رجعت إلى ربي عز وجل حتى استحييت منه)) .

وفي حديث قتادة، عن أنس، عن مالك بن صعصعة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((قلت: سلمت، فنودي أني قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، وأجزي الحسنة
عشرا)) .

وفي رواية شريك، عن أنس المتقدمة: أن موسى قال لمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد أن صارت خمسا: ((قد - والله - راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه)) .

وهو يدل على أن الصلوات الخمس لم تفرض على بني إسرائيل، وقد قيل: أن من قبلنا كانت عليهم صلاتان كل يوم وليلة.

وقد روي عن ابن مسعود، أن الصلوات الخمس مما خص الله به هذه الأمة.

ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود، قال: لما أسري برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض
منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، إذ يغشى السدرة ما يغشى، قال: فراش من ذهب، قال: فأعطي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك بالله شيئا من أمته المقحمات.

وخرجه الترمذي بمعناه، وعنده: ((فأعطاه ثلاثا لم يعطهن نبيا كان قبله)) .

وقد يعارض هذا ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث ابن
عباس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((أمني جبريل عند البيت مرتين)) ، فذكر أنه صلى به الصلوات الخمس أول يوم في أول وقت، وفي اليوم الثاني في أخر وقت إلا المغرب، قال: ((ثم التفت إلي جبريل فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين)) .

وإن صح هذا فيحمل على أن الأنبياء كانت تصلي هذه الصلوات دون أممهم.
ويدل عليه: ما خرجه الإمام أحمد وأبو داود من حديث معاذ، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((اعتموا بهذه الصلاة - يعني: صلاة العشاء -، فإنكم قد فضلتم بها على سائر
الأمم، ولم تصلها امة قبلكم)) .

وقول ابن مسعود: ((أن سدرة المنتهى في السماء السادسة)) يعارضه حديث أنس المرفوع من طرقه كلها؛ فإنه يدل على أنها في السماء السابعة أو فوق السماء السابعة، والمرفوع أولى من الموقوف.

وفي حديث الزهري، عن أنس، في سدرة المنتهى: ((غشيها ألوان، لا ادري ما هِيَ)) .

وفي حديث قتادة، عن أنس، عن مالك بن صعصعة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، فقال: هذه سدرة المنتهى)) .

في حديث ثابت، عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، قال: فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت، فما احد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها)) .

خرجه مسلم.

وروى مسدد: ثنا يحيى، عن حميد، عن أنس، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
((انتهيت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل الجرار، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تحولت ياقوتة أو نحو ذلك)) .

وخرجه الإمام أحمد، وعنده: ((تحولت ياقوتا وزمردا)) .

وخرج الترمذي من حديث أسماء بنت أبي بكر، قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر سدرة المنتهى، قال: ((يسير الراكب في ظل الفنن منها مائة سنة، أو يستظل بظلها مائة راكب، فيها فراش الذهب، كأن ثمرها القلال)) .

وخرجه الجوزجاني وغيره بزيادة في آخرة، وهي: ((فقلنا يا رسول الله، فماذا رأيت عندها؟ قَالَ: ((فماء مفضض)) .

وفي حَدِيْث أبي جَعْفَر الرَّازِي، عَن الربيع بْن أنس، عَن أبي العالية أو غيره، عَن أبي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر حَدِيْث الإسراء بطوله، وفيه: ((ثُمَّ انتهى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السدرة، فَقِيلَ لَهُ: هذه السدرة ينتهي إليها كل احد خلا من أمتك عَلَى سنتك، فإذا هِيَ شجرة يخرج من أصلها انهار من ماء غير آسن وانهار من لبن لَمْ يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين، وانهار من عسل مصفى، وهي شجرة يسير الراكب فِي ظلها سبعين عاما لا يقطعها، والورقة مِنْهَا مغطية للأمة كلها.
قَالَ: فغشيها نور الخلاق - عز وجل -، وغشيها الملائكة أمثال الغربان حِينَ تقع عَلَى الشجر من حب الله - عز وجل -)) - وذكر بقية الحديث.

خرجه البزار في ((مسنده)) وابن جرير في ((تفسيره)) والبيهقي في ((البعث والنشور)) وغيرهم، وفي إسناده بعض اختلاف، وروي موقوفا غير مرفوع.

وفي هذا تفسير لما تقدم من أنه غشيها فراش من ذهب، فإن الفراش مثل الجراد ونحوه، مما يطير ويقع على الشجر.

وقوله: ((ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ)) ، اختلفت النسخ في هذه اللفظة:
ففي بعضها: ((جنابذ)) ، والمراد بها: القباب، وكأنها شبهت - والله أعلم - بجنابذ الورد قبل تفتحها.

وقد ثبت في حديث أبي موسى، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((أن للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، طولها في السماء ستون ميلا)) .

وفي بعض النسخ: ((حبائل)) بالحاء المهملة واللام، وفي بعضها: ((جبايل)) بالجيم واللام.

وقد قال الأكثرون: أن ذلك كله تصحيف وغلط.
وزعم بعضهم: أن حبائل - بالحاء المهملة واللام - جمع حبال، وان حبالا جمع حبل، والحبل: ما استطال من الرمل المرتفع كهيئة الجبال، فيكون المراد بذلك: أن في الجنة تلالا من لؤلؤ.

والصحيح: ((جنابذ)) .
والله أعلم.

وقوله: ((وإذا ترابها المسك)) ، والمراد - والله أعلم -: أن رائحة ترابها رائحة المسك، وأما لونه فمشرق مبهج كالزعفران، يدل عليه: ما في حديث أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((الجنة ملاطها المسك، وتربتها الزعفران)) .

خرجه الإمام أحمد والترمذي، وابن حبان في صحيحه.

والملاط: التراب الذي يختلط بالماء، فيصير كالطين، فلونه لون الزعفران في بهجته وإشراقه.

وريحه كريح المسك، وطعمه كطعم الخبز، يؤكل.

يدل على ذلك: ما في ((صحيح مسلم)) عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابن صائد: ((ما تربة الجنة؟)) قال: در مكة بيضاء مسك يا أبا القاسم، قال: ((صدقت)) .

وفي ((المسند)) عن جابر، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لليهود: ((إني سائلهم عن تربة الجنة، وهي در مكة بيضاء)) ، فسألهم، فقالوا: هي خبزة يا أبا القاسم، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((الخبز من الدرمك)) .
وهذا يدل على أن لونها بيضاء، وقد يكون منها ما هو ابيض ومنها ماهو اصفر كالزعفران.
والله أعلم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  كتاب الصلاة
( بسم الله الرحمن الرحيم) وهي ساقطة عند ابن عساكر.
هذا ( كتاب الصلاة) أو خذ كتاب الصلاة واشتقاقها من الصلي وهو عرض خشبة معوجّة على نار لتقويمها وبالطبع عوج، فالمصلّي من وهج السطوة بتقويم اعوجاجه ثم يتحقق معراجه، ومن اصطلى بنار الصلاة وزال عوجه لا يدخل النار وهي صلة بين العبد وربّه تعالى، وجامعة لأنواع العبادات النفسانية والبدنية من الطهارة وستر العورة وصرف المال فيهما والتوجّه إلى الكعبة والعكوف على العبادة وإظهار الخشوع بالجوارح وإخلاص النيّة بالقلب ومجاهدة الشيطان ومناجاة الحق وقراءة القرآن والنطق بالشهادتين وكفّ النفس عن الأطيبين وشرع المناجاة فيها سرًّا وجهرًا ليجمع للعبد فيها ذكر السر وذكر العلانية، فالمصلّي في صلاته يذكر الله في ملأ الملائكة ومَن حضر من الموجودين السامعين وهو ما يجهر به من القراءة فيها قال الله في الحديث الثابت عنه: إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وقد يريد بذلك الملائكة المقربين والكروبيين خاصة الذين اختصّهم لحضرته، فلهذا الفضل شرع لهم في الصلاة الجهر بالقراءة والسرّ وهي لغة الدعاء بخير قال الله تعالى: { وصلِّ عليهم} [التوبة: 103] أي ادع لهم وشرعًا أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم.

باب كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلواتُ فِي الإِسْرَاءِ؟
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ فَقَالَ: يَأْمُرُنَا -يَعْنِي النَّبِيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ.


( باب كيف فرضت الصلاة) وللكشميهني والمستملي كيف فرضت الصلوات ( في) ليلة ( الإسراء) بجسده وروحه عليه الصلاة والسلام يقظة إلى السماوات، وقد اختلفوا مع اتفاقهم على أن

فريضة الصلوات كانت ليلة الإسراء في وقته، فقيل: قبل الهجرة بسنة وعليه الأكثرون أو وخمسة أشهر أو ثلاثة أو قبلها بثلاث سنين، وقال الحربي: في سابع عشر ربيع الآخر، وكذا قال النووي في فتاويه، لكن قال في شرح مسلم: ربيع الأول، وقيل: سابع عشر رجب، واختاره الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي.

( وقال ابن عباس) رضي الله عنهما فيما وصله المؤلف أوائل الكتاب: ( حدّثني) بالإفراد ( أبو سفيان) صخر بن حرب ( في حديث هرقل) الطويل ( فقال) أبو سفيان ( يأمرنا يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصلاة والصدق والعفاف) وقد أخرجه المؤلّف في أربعة عشر موضعًا، وأخرجه مسلم وأصحاب السُّنن الأربعة إلاّ ابن ماجة.


[ قــ :345 ... غــ : 349 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ.
قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ.
قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ..
.

قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ.
وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى.
حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ.
فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ، فَفَتَحَ».
قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ.
قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِدْرِيسَ قَالَ: "مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ.
ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا مُوسَى.
ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى.
ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-».
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولاَنِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ».
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ:
مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً.
قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ.
فَرَاجَعني فَوَضَعَ شَطْرَهَا.
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا.
فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ.
فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا.
فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ.
فَرَاجَعْتُهُ فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهْيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ.
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ.
فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ.
ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ».
[الحديث 349 - طرفاه في: 1636، 3342] .

وبالسند قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن يونس) بن يزيد ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن أنس بن مالك) وسقط لفظ ابن مالك لابن عساكر ( قال) :
( كان أبو ذر) رضي الله عنه ( يحدّث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: فرج) بضم الفاء وكسر الراء أي
فتح ( عن سقف بيتي) أضافه لنفسه لأن الإضافة تكون بأدنى ملابسه وإلاّ فهو بيت أُم هانئ كما ثبت ( وأنا بمكة) جملة حالية اسمية ( فنزل جبريل) عليه السلام من الوضع المفروج في السقف مبالغة في المفاجأة ( ففرج) بفتحات أي شق ( صدري) ولأبي ذر عن صدري ( ثم غسله بماء زمزم) وإنما اختاره عن غيره من المياه لفضله على غيره من المياه أو لأنه يقوّي القلب، ( ثم جاء بطست) بفتح الطاء وسكون السين المهملة وهي مؤنثة وتُذكّر على معنى الإناء ( من ذهب) لا يقال فيه استعمال آنية الذهب لأنّا نقول إن ذلك كان قبل التحريم لأنه إنما وقع بالمدينة ( ممتلئ) بالجرّ صفة لطست وذكر على معنى الإناء ( حكمةً وإيمانًا) بالنصب فيهما على التمييز أي شيئًا يحصل بملابسته الحكمة والإيمان، فأطلقا عليه تسمية للشيء باسم مسبّبه أو هو تمثيل لينكشف بالمحسوس ما هو معقول كمجيء الموت فى هيئة كبش أملح والحكمة كما قاله النووي عبارة عن العلم المتّصف بالأحكام المشتملة على المعرفة بالله تعالى المصحوبة بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصدّ عن اتباع الهوى والباطل، وقيل: هي النبوّة، وقيل: هي الفهم عن الله تعالى.
( فأفرغه) أي ما في الطست ( في صدري ثم أطبقه) أي الصدر الشريف فختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء، فجمع الله تعالى له أجزاء النبوّة وختمها فهو خاتم النبيين وختم عليه فلم يجد عدوّه سبيلاً إليه لأن الشيء المختوم عليه محروس، وإنما فعل به ذلك ليتقوّى على استجلاء الأسماء الحسنى والثبوت في المقام الأسنى كما وقع له ذلك أيضًا في حال صباه لينشأ على أكمل الأخلاق وعند المبعث ليتلقّى الوحي بقلب قوي.

قال عليه السلام: ( ثم أخذ بيدي) جبريل ( فعرج) أي صعد ( بي إلى السماء الدنيا) ولأبي ذرّ عن الكشميهني وابن عساكر به على الالتفات أو التجريد جرّد من نفسه شخصًا وأشار إليه ( فلما
جئت إلى السماء الدنيا)
وبينها وبين الأرض خمسمائة عام كما بين كل سماءين إلى السابعة وسقط لفظ الدنيا عند الأربعة.
( قال جبريل لخازن السماء) الدنيا: ( افتح) أي بابها، أو في رواية شريك عند المؤلّف فضرب بابًا من أبوابها.
( قال) الخازن: ( مَن هذا) الذي يقرع الباب، ( قال: جبريل) ولغير أبي ذر قال: هذا جبريل لم يقال أنا للنهي عنه ( قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معي محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: أرسل إليه) للعروج به وليس السؤال عن أصل رسالته لاشتهارها في الملكوت، ولأبي ذر أأرسل إليه بهمزتين الأولى للاستفهام وهي مفتوحة والأخرى للتعدية وهي مضمومة، وللكشميهني كما في الفتح أو أرسل بواو مفتوحة بين الهمزتين، وفي رواية شريك قال أو قد بعث إليه ( قال) جبريل: ( نعم) أرسل إليه ( فلما فتح) الخازن ( علونا السماء الدنيا) ضمير الجمع فيه يدلّ على أنه كان معهما ملائكة آخرون ولعله كان كلما عديا سماء تشيعهما الملائكة حتى يصلا إلى سماء أخرى والدنيا صفة السماء في موضع نصب، ( فإذا) بالفاء وللأصيلي وابن عساكر إذا ( رجل قاعد على يمينه أسودة) أشخاص جمع سواد كأزمنة جمع زمان ( وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة ( يمينه ضحك وإذا نظر قبل) أي جهة ( يساره بكى) وللأربعة شماله، ( فقال) أي الرجل القاعد: ( مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح) أي أصبت رحبًا لا ضيقًا وهي كلمة تُقال عند تأنيس القادم ولم يقل أحد مرحبًا بالنبي الصادق لأن الصلاح شامل لسائر الخصال المحمودة الممدوحة من الصدق وغيره، فقد جمع بين صلاح الأنبياء كأنه قال: مرحبًا بالنبي التامّ في نبوّته والابن البارّ في نبوّته.
( قلت لجبريل) عليه السلام: ( مَن هذا؟ قال: هذا آدم) عليه السلام ( وهذه الأسودة) التي ( عن يمينه وشماله نسم بنيه) بفتح النون والسين المهملة جمع نسمة وهي نفس الروح أي أرواح بنيه، ( فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار) .
يحتمل أن النار كانت في جهة شماله ويكشف له عنها حتى ينظر إليهم لا أنها في السماء لأن أرواحهم في سجين الأرض السابعة، كما أن الجنة فوق السماء السابعة في جهة يمينه كذلك، ( فإذا نظر عن يمينه قبل شماله بكى.
حتى عرج بي)
جبريل ولابن عساكر به ( إلى السماء الثانية فقال لخازنها: افتح.
فقال له خازنها مثل ما قال الأول ففتح)
.

( قال) وفي رواية فقال ( أنس) ( فذكر) أبو ذر ( أنه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم صلوات الله عليهم ولم يثبت) من الاثبات ( كيف منازلهم) أي لم يعين أبو ذر لكل نبي سماء ( غير أنه ذر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة) نعم في حديث أنس عن مالك بن صعصعة عند الشيخين أنه وجد آدم في السماء الدنيا كما مرّ وفي الثانية يحيى وعيسى، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم وفيه بحث يأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
( قال أنس) : ظاهره أن أنسًا لم يسمع من أبي ذر هذه القطعة الآتية وهي ( فلما مرّ جبريل بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مصاحبًا بالنبي ( بإدريس) عليه السلام يتعلق الجار والمجرور في الموضعين بمرّ إلا أن الباء الأولى للمصاحبة كما مرّ والثانية

للإلصاق أو بمعنى على.
( قال) إدريس: ( مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح) لم يقل والابن كآدم لأنه لم يكن من آبائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ( فقلت: مَن هذا) يا جبريل؟ ( قال) وللأصيلي فقال: ( هذا إدريس) عليه السلام قال عليه السلام: ( ثم مررت بموسى) عليه السلام ( فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح) سقط قوله والأخ الصالح في رواية الأربعة كما في الفرع قال عليه السلام.
( قلت) وفي رواية فقلت: ( مَن هذا) يا جبريل؟ ( قال هذا موسى.
ثم مررت بعيسى فقال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح)
قال عليه السلام: ( قلت) وفي رواية فقلت: ( مَن هذا) يا جبريل؟ ( قال: هذا عيسى) وسقطت لفظة هذا عند أبي ذر، وليست ثم هنا على بابها في الترتيب إلاّ أن قيل بتعدّد المعراج لأن الروايات قد اتفقت على أن المرور به كان قبل المرور بموسى.
قال عليه السلام: ( ثم مررت بإبراهيم) عليه السلام ( فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح.
قلت: مَن هذا)
يا جبريل؟ ( قال: هذا إبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

( قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( فأخبرني) بالإفراد ( ابن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري قاضي المدينة وأميرها زمن الوليد، المتوفّى سنة عشرين ومائة عن أربع وثمانين سنة ( أن ابن عباس وأبا حبة) بفتح المهملة وتشديد الموحدة على المشهور البدري ( الأنصاري) وعند القابسي وأبا حبة بمثناة تحتية وغلط، ورواية أبي بكر بن حزم عن أبي حبة منقطعة لأنه استشهد بأُحُد قبل مولد أبي بكر بدهر، بل قبل مولد أبيه محمد أيضًا، ففي هذه الرواية وهم لأنه إما أن يُراد بابن حزم أبو بكر أو أبوه محمد، فالأول لم يدرك أبا حبة والثاني لم يدركه الزهري إلاّ أن يقال أن أبا بكر رواه عنه مرسلاً إذ قال إن ولم يقل سمعت ولا أخبرني وحينئذ فلا وهم، واختلف في اسم أبي حبة بالموحدة فقيل: عامر بن عبد عمرو بن عمير بن ثابت، وقيل: مالك، وأنكر الواحدي أن يكون في البدريين مَن يكنّى أبا حبّة بالموحدة، قال في الإصابة: وروى عنه أيضًا عمّار بن أبي عمّار وحديثه عنه في مسند ابن أبي شيبة وأحمد، وصحّحه الحاكم وصرّح بسماعه منه، وعلى هذا فهو غير الذي ذكر ابن إسحاق أنه استشهد بأُحد، وله في الطبراني آخر من رواية عبد الله بن عمرو بن عثمان عنه وسنده قوي إلاّ أن عبد الله بن عمرو بن عثمان لم يدركه، قال ابن حزم: ( كانا) أي ابن عباس وأبو حبّة ( يقولان) :
( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ثم عرج بي) بفتحات أو بضم الأول وكسر الثاني ( حتى ظهرت) أي علوت ( لمستوى) بواو مفتوحة أي موضع مشرف يستوي عليه وهو المصعد واللام فيه للعلّة أي علت لاستعلاء مستوى، وفي بعض الأصول بمستوى بموحدة بدل اللام ( أسمع فيه صريف الأقلام) أي تصويتها حالة كتابة الملائكة ما يقضيه الله تعالى مما تنسخه من اللوح المحفوظ أو ما شاء الله أن يكتب لما أراد الله تعالى من أمره وتدبيره، والله تعالى غنيّ عن الاستذكار بتدوين الكتب إذ علمه محيط بكل شيء.
( قال ابن حزم) عن شيخه، ( و) قال ( أنس بن مالك) عن أبي ذر قال الحافظ ابن حجر: كذا جزم أصحاب الأطراف، ويحتمل أن يكون مرسلاً من جهة ابن حزم ومن رواية أنس بلا واسطة.


( قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ففرض الله) زاد الأصيلي عزّ وجل ( على أمتي خمسين صلاة) أي في كل يوم وليلة كما عند مسلم من حديث ثابت عن أنس، لكن بلفظ ففرض الله عليّ، وذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على أمته وبالعكس إلاّ ما يستثنى من خصائصه، ( فرجعت بذلك حتى مررت على موسى) عليه الصلاة والسلام ( فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال) موسى: ( فارجع إلى ربك) أي إلى الموضع الذي ناجيته فيه ( فإن أمتك لا تطيق ذلك) سقطت لفظة ذلك في رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر ( فراجعني) وللأربعة وعزاها في الفتح للكشميهني فراجعت والمعنى واحد ( فوضع) أي ربي ( شطرها) وفي رواية مالك بن صعصعة فوضع عني عشرًا وفي رواية ثابت فحط عني خمسًا وزاد فيها أن التخفيف كان خمسًا خمسًا، قال الحافظ ابن حجر: وهي زيادة معتمدة يتعيّن حمل ما في الروايات عليها، ( فرجعت إلى موسى قلت) وللأصيلي فقلت: ( وضع شطرها: فقال) ولأبي ذر والوقت قال: ( راجع ربك) وفي رواية راجع إلى ربك ( فإن أمتك لا تطيق) ذلك ( فراجعت) ربي ولابن عساكر فرجعت ( فوضع) عني ( شطرها) فيه شيء على تفسير الشطر بالنصف، لأنه يلزم منه أن يكون وضع اثنتي عشرة صلاة ونصف صلاة وهو باطل فتفسيره بجزء منها أولى وأحسن منه الحمل على ما زاده ثابت خمسًا خمسًا كما مرّ، ( فرجعت إليه) أي إلى موسى ( فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعته) تعالى ( فقال) جلّ وعلا: ( هي خمس) بحسب الفعل ( وهي خمسون) بحسب الثواب قال تعالى: { مَن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] ولأبي ذر عن المستملي، ونسبها في الفتح لغير أبي ذر هنّ خمس وهنّ خمسون، واستدلّ به على عدم فرضية ما زاد على الخمس كالوتر وفيه جواز النسخ قبل الفعل خلافًا للمعتزلة.

قال ابن المنير: لكن الكل متّفقون على أن النسخ لا يتصوّر قبل البلاغ، وقد جاء به حديث الإسراء فأشكل على الطائفتين.
وتعقب بأن الخلاف مأثور نص عليه ابن دقيق العيد في شرح العمدة وغيره.

نعم هو نسخ بالنسبة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كلف بذلك قطعًا، ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعل

فالنسخ في حقه صحيح التصوير.
( لا يبدل القول) بمساواة ثواب الخمس الخمسين ( لديّ) أو لا يبدّل القضاء المبرم لا المعلق الذي يمحو الله منه ما يشاء ويثبت ما يشاء، وأما مراجعته عليه الصلاة والسلام ربه في ذلك فللعلم بأن الأمر الأوّل ليس على وجه القطع والإبرام.
قال عليه الصلاة والسلام: ( فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك) وللأصيلي ارجع إلى ربك ( فقلت) ولأبي ذر قلت ( استحييت) وللأصيلي قد استحييت ( من ربي) وجه استحيائه أنه لو سأل الرفع بعد الخمس لكان كأنه قد سأل رفع الخمس بعينها، ولا سيما وقد سمع قوله تعالى: { لا يبدّل القول لديّ} [ق: 29] .

( ثم انطلق بي) بفتح الطاء واللام وفي بعض النسخ إسقاط بي والاقتصار ثم انطلق ( حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى) وللأربعة إلى السدرة المنتهى وهي في أعلى السماوات، وفي مسلم أنها في السادسة، فيحتمل أن أصلها فيها ومعظمها في السابعة، وسمّيت بالمنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلاّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو لأنه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها أو تنتهي إليها أرواح الشهداء أو أرواح المؤمنين فتصلي عليهم الملائكة المقرّبون، ( وغشيها ألوان لا

أدري ما هي ثم أُدخلت الجنة فإذا فيها حبائل اللؤلؤ)
بحاء مهملة فموحدة وبعد الألف مثناة تحتية ثم لام كذا هنا في جميع الروايات، وضبب عليها في اليونينية ثم ضرب على التضبيب وصحّح على لفظ حبائل ثلاث مرات.
قيل: معناه أن فيها عقودًا وقلائد من اللؤلؤ، وردّ بأن الحبائل إنما تكون جمع حبالة أو حبيلة، وذكر غير واحد من الأئمة أنه تصحيف وإنما هي جنابذ كما عند المؤلّف في أحاديث الأنبياء بالجيم والنون وبعد الألف موحدة ثم معجمة جمع جنبذة وهي القبة، ( وإذا ترابها المسك) أي تراب الجنة رائحته كرائحة المسك.

ورواة هذا الحديث الستّة ما بين مصري ومدني وفيه رواية صحابي عن صحابي والتحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في الحج مختصرًا وفي بدء الخلق وفي الأنبياء وباب وكلم الله موسى تكليمًا، ومسلم في الإيمان، والترمذي في التفسير، والنسائي في الصلاة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (كِتَابُ الصَّلاَةِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الصَّلَاة، وارتفع: كتاب، على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف كَمَا قدرناه، وَيجوز أَن يكون مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر، أَي: كتاب الصَّلَاة هَذَا، وَيجوز أَن ينْتَصب على تَقْدِير خُذ كتاب الصَّلَاة، وَقد مضى تَفْسِير الْكتاب مرّة.
وَلما فرغ من بَيَان الطَّهَارَة الَّتِي مِنْهَا شُرُوط الصَّلَاة، شرع فِي بَيَان الصَّلَاة الَّتِي هِيَ الْمَشْرُوطَة.
فَلذَلِك أَخّرهَا عَن الطهارات، لِأَن شَرط الشَّيْء يسْبقهُ، وَحكمه يعقبه، ثمَّ معنى الصَّلَاة فِي اللُّغَة الْغَالِبَة الدُّعَاء.
قَالَ تَعَالَى: { وصل عَلَيْهِم} (:) أَي: ادْع لَهُم.
وَفِي الحَدِيث، فِي إِجَابَة الدعْوَة: (وَإِن كَانَ صَائِما فَليصل) أَي: فَليدع لَهُم بِالْخَيرِ وَالْبركَة.
وَقيل: هِيَ مُشْتَقَّة من: صليت الْعود على النَّار: إِذا قومته.
قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا بَاطِل، لِأَن لَام، الْكَلِمَة فِي: الصَّلَاة: وَاو، بِدَلِيل الصَّلَوَات، وَفِي: صليت: فَكيف يَصح الِاشْتِقَاق مَعَ اخْتِلَاف الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة؟ قلت: دَعْوَاهُ بِالْبُطْلَانِ غير صَحِيحَة، لِأَن اشْتِرَاط اتِّفَاق الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة فِي الِاشْتِقَاق الصَّغِير دون الْكَبِير والأكبر، فَإِن قلت: لَو كَانَت واوية كَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال: صلوت، وَلم يقل ذَلِك.
قلت: هَذَا لَا يَنْفِي أَن تكون واوية لأَنهم يقلبون: الْوَاو يَاء إِذا وَقعت رَابِعَة.
وَقيل؛ الصَّلَاة مُشْتَقَّة من: الصلوين، تَثْنِيَة: الصلا، وَهُوَ مَا عَن يَمِين الذَّنب وشماله، قَالَه الْجَوْهَرِي.
قلت: هما العظمان الناتئان عِنْد العجيزة، وَذَلِكَ لِأَن الْمُصَلِّي يُحَرك صلويه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود.
وَقيل: مُشْتَقَّة من الْمصلى، وَهُوَ الْفرس الثَّانِي من خيل السباق، لِأَن رَأسه تلِي صلوي السَّابِق.
وَقيل: أَصْلهَا من التَّعْظِيم، وَسميت الْعِبَادَة الْمَخْصُوصَة: صَلَاة، لما فِيهَا من تَعْظِيم الرب.
وَقيل: من الرَّحْمَة، وَقيل: من التَّقَرُّب، من قَوْلهم: شَاة مصلية، وَهِي الَّتِي قربت إِلَى النَّار.
وَقيل: من اللُّزُوم، قَالَ الزّجاج: يُقَال: صلى واصطلى: إِذا لزم.
وَقيل: هِيَ الإقبال على الشَّيْء.
وَأنكر غير وَاحِد بعض هَذِه الاشتقاقات لاخْتِلَاف لَام الْكَلِمَة فِي بعض هَذِه الْأَقْوَال، فَلَا يَصح الِاشْتِقَاق مَعَ اخْتِلَاف الْحُرُوف.
قلت: قد أجبنا الْآن عَن ذَلِك.
وَأما مَعْنَاهَا الشَّرْعِيّ: فَهِيَ عبارَة عَن الْأَركان الْمَعْهُودَة وَالْأَفْعَال الْمَخْصُوصَة.
وَقد ذكر بَعضهم وَجه الْمُنَاسبَة بَين أَبْوَاب كتاب الصَّلَاة، وَهِي تزيد على عشْرين نوعا فِي هَذَا الْموضع، ثمَّ قَالَ: آخر مَا ظهر من مُنَاسبَة تَرْتِيب كتاب الصَّلَاة فِي هَذَا الْجَامِع الصَّحِيح، وَلم يتَعَرَّض أحد من الشُّرَّاح لذَلِك.
قلت: نَحن نذْكر وَجه الْمُنَاسبَة بَين كل بَابَيْنِ من هَذِه الْأَبْوَاب بِمَا يفوق ذَلِك على ماذكره، يظْهر ذَلِك عِنْد الْمُقَابلَة، وَذكرهَا فِي موضعهَا أنسب وأوقع فِي الذِّهْن وَأقرب إِلَى الصَّوَاب، وبا التَّوْفِيق.

(بابُُ كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلواتُ فِي الإسْراءِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كَيْفيَّة فَرضِيَّة الصَّلَاة فِي لَيْلَة الْإِسْرَاء، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَالْمُسْتَمْلِي: (كَيفَ فرضت الصَّلَوَات) ، بِالْجمعِ، وَاخْتلفُوا فِي الْمِعْرَاج والإسراء هَل كَانَا فِي لَيْلَة وَاحِدَة أَو فِي لَيْلَتَيْنِ؟ وَهل كَانَا جَمِيعًا فِي الْيَقَظَة أَو فِي الْمَنَام؟ أَو أَحدهمَا فِي الْيَقَظَة وَالْآخر فِي الْمَنَام؟ فَقيل: إِن الْإِسْرَاء كَانَ مرَّتَيْنِ: مرّة بِرُوحِهِ مناماً، وَمرَّة بِرُوحِهِ وبدنه يقظة.
وَمِنْهُم من يَدعِي تعدد الْإِسْرَاء فِي الْيَقَظَة أَيْضا، حَتَّى قَالَ: إِنَّه أَربع إسراآت، وَزعم بَعضهم أَن بَعْضهَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ، ووفق أَبُو شامة فِي رِوَايَات حَدِيث الْإِسْرَاء بِالْجمعِ بالتعدد، فَجعل ثَلَاث إسراآت مرّة من مَكَّة إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَقَط على الْبراق، وَمرَّة من مَكَّة إِلَى السَّمَوَات على الْبراق أَيْضا.
وَمرَّة من مَكَّة إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ إِلَى السَّمَوَات.
وَجُمْهُور السّلف وَالْخلف على الْإِسْرَاء كَانَ بِبدنِهِ وروحه.
وَأما من مَكَّة إِلَى بَيت الْمُقَدّس فبنص الْقُرْآن، وَكَانَ فِي السّنة الثَّانِيَة عشرَة من النُّبُوَّة؛ وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن الزُّهْرِيّ أه أسرِي بِهِ قبل خُرُوجه إِلَى الْمَدِينَة بِسنة، وَعَن السّديّ قبل مهاجرته بِسِتَّة عشر شهرا، فعلى قَوْله يكون الْإِسْرَاء فِي شهر ذِي الْقعدَة، وعَلى قَول الزُّهْرِيّ: يكون فِي ربيع الأول.
وَقيل: كَانَ الْإِسْرَاء لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب، وَقد اخْتَارَهُ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ بن سرو الْمَقْدِسِي فِي سيرته، وَمِنْهُم من يزْعم أَنه كَانَ فِي أول لَيْلَة جُمُعَة من شهر رَجَب، وَهِي لَيْلَة الرغائب الَّتِي أحدثت فِيهَا الصَّلَاة الْمَشْهُورَة، وَلَا أصل لَهَا، ثمَّ قيل: كَانَ قبل موت أبي طَالب.
وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ أَنه كَانَ بعد مَوته فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة للنبوة، ثمَّ قيل: كَانَ فِي لَيْلَة السبت لسبع عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان فِي السّنة الثَّالِثَة عشرَة للنبوة.
وَقيل: كَانَ فِي ربيع الأول.
وَقيل: كَانَ فِي رَجَب، وَا أعلم.

فَإِن قلت: مَا وَجه ذكر هَذَا الْبابُُ بعد قَوْله: كتاب الصَّلَاة؟ وَمَا وَجه تتويج الْأَبْوَاب الْآتِيَة بِهَذَا الْبابُُ؟ قلت: لِأَن هَذَا الْكتاب يشْتَمل على أُمُور الصَّلَاة وَأَحْوَالهَا.
وَمن جُمْلَتهَا معرفَة كَيْفيَّة فرضيتها، لِأَنَّهَا هِيَ الأَصْل وَالْبَاقِي عَارض عَلَيْهِ، فَمَا بِالذَّاتِ مقدم على مَا بِالصِّفَاتِ.

وقالَ ابنُ عَبَّاسٍ حدّثني: أبُو سُفْيانَ فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ فَقَالَ يَأْمُرُنا يَعْنِي النبيَّ بالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ والعَفَاف.

الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع.
الأول أَن ابْن عَبَّاس هُوَ عبد احبر هَذِه الْأمة وترجمان الْقُرْآن، وَأَبُو سُفْيَان اسْمه صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي الْأمَوِي الْمَكِّيّ، وَهُوَ وَالِد مُعَاوِيَة وَإِخْوَته، أسلم لَيْلَة الْفَتْح وَمَات بِالْمَدِينَةِ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة، وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان بن عَفَّان.
وهرقل، بِكَسْر الْهَاء وَفتح الرَّاء على الْمَشْهُور، وَحكى جمَاعَة إسكان الرَّاء وَكسر الْقَاف: كخندف، مِنْهُم الْجَوْهَرِي، وَهُوَ اسْم عجمي تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب على أَنه غير منصرف للعلمية والعجمة، ملك إِحْدَى وَثَلَاثِينَ سنة، وَفِي ملكه مَاتَ النَّبِي، ولقبه: قَيْصر، كَمَا إِن من ملك الْفرس يُقَال لَهُ: كسْرَى، وَالتّرْك يُقَال لَهُ: خاقَان.

الثَّانِي: أَن هَذَا تَعْلِيق من البُخَارِيّ، وقطعه من حَدِيث طَوِيل ذكره فِي أول الْكتاب مُسْندًا، أَو قَالَ: حدّثنا أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي عبيد ابْن عبد ابْن عتبَة بن مَسْعُود أَن عبد ابْن عَبَّاس أخبرهُ أَن أَبَا سُفْيَان أخبرهُ أَن هِرقل أرسل إِلَيْهِ فِي ركب من قُرَيْش إِلَى أَن قَالَ: (وَسَأَلْتُك بِمَا يَأْمُركُمْ فَذكرت أَنه يَأْمُركُمْ أَن تعبدوا اولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا، وينهاكم عَن عبَادَة الْأَوْثَان، ويأمركم بِالصَّلَاةِ والصدق والعفاف) الحَدِيث.

الثَّالِث فِي مَعْنَاهُ: قَوْله: (النَّبِي) ، مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول لقَوْله: يَعْنِي، وبالرفع فَاعل لقَوْله: (يَأْمُرنَا) ، وَالْبَاء فِي: بِالصَّلَاةِ، يتَعَلَّق بقوله: (يَأْمُرنَا) ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: (ويأمرنا بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَََقَة) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (ويأمرنا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة) ، وَكَذَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير، وَالْبُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث فِي أَرْبَعَة عشر موضعا، وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَلم يُخرجهُ ابْن مَاجَه.
وَالصَّلَاة: هِيَ الْعِبَادَة المفتتحة بِالتَّكْبِيرِ المختتمة بِالتَّسْلِيمِ.
والصدق: هُوَ القَوْل المطابق للْوَاقِع.
والعفاف: الانكفاف عَن الْمُحرمَات وخوارم المروءات.

الرَّابِع فِي وَجه مُنَاسبَة هَذَا للتَّرْجَمَة: قَالَ بَعضهم: مناسبته لهَذِهِ التَّرْجَمَة أَن فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الصَّلَاة فرضت بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة، لِأَن أَبَا سُفْيَان لم يلق النَّبِي بعد الْهِجْرَة إِلَى الْوَقْت الَّذِي اجْتمع فِيهِ بهرقل لِقَاء يتهيأ لَهُ مَعَه أَن يكون آمراً لَهُ بطرِيق الْحَقِيقَة، والإسراء كَانَ قبل الْهِجْرَة بِلَا خلاف، فظهرت الْمُنَاسبَة.
انْتهى.
قلت: التَّرْجَمَة فِي كَيْفيَّة الْفَرْضِيَّة بِمَعْنى: كَيفَ فرضت؟ لَا فِي بَيَان وَقت الْفَرْض، فَكيف تظهر الْمُنَاسبَة حَتَّى يَقُول هَذَا الْقَائِل: فظهرت الْمُنَاسبَة، وَلَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ عبد ابْن عَبَّاس مطولا مَا يشْعر بكيفية فَرضِيَّة الصَّلَاة؟ بل يذكر ذَلِك فِي حَدِيث الْإِسْرَاء الْآتِي، وَلَكِن يُمكن أَن يُوَجه لذكر هَذَا هَهُنَا وَجه، وَهُوَ أَن معرفَة كَيْفيَّة الشَّيْء تستدعي معرفَة ذَاته قبلهَا، فَأَشَارَ بِهَذَا أَولا إِلَى ذَات الصَّلَاة من حَيْثُ الْفَرْضِيَّة، ثمَّ أَشَارَ إِلَى كَيْفيَّة فرضيتها بِذكر حَدِيث الْإِسْرَاء، فَصَارَ ذكر قَول ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور تَوْطِئَة وتمهيداً لبَيَان كيفيتها، فَدخل فِيهَا، فَبِهَذَا الْوَجْه دخل تَحت التَّرْجَمَة، وَهَذَا مِمَّا سنح بِهِ خاطري من الْأَنْوَار الإلهية، وَلم يسبقني بِهَذَا أحد من الشُّرَّاح.



[ قــ :345 ... غــ :349]
- حدّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قالَ حدّثنا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابنِ شهابٍ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قالَ كانَ أبُو ذَرٍ يُحَدِّثُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ قالَ: (فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأنا بِمَكَةَ فنزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي ثُم غَسَلَهُ بِماءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذهَبٍ مُمْتلِىءٍ حِكْمَةً وَإيماناً فأفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أطْبقَهُ ثُمَّ أخذَ بِيَدِي فَعَرَج بِي إِلَى السَّماءِ الدُّنيْا فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّماءِ الدُّنْيا قالَ جبريلُ لخازِنِ السَّماءِ افْتَحْ قالَ مَنْ هَذا قالَ جبريلُ قالَ هلْ مَعَك أحَدٌ قالَ نَعَمْ مَعِي مُحمَّدٌ فقالَ أَأُرْسِلَ إِلَيهِ قالَ نَعمْ فَلمَّا فَتَحَ عَلَوْنا السَّماءَ الدُّنْيا فإِذَا رَجلٌ قاعِدٌ عَلى يَمِينِهِ أسْوِدَةٌ وَعلى يَسَارِهِ أسْوِدَةٌ إِذا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسارِه بَكَى فقالَ مَرْحَباً بالنَبيِّ الصَّالِحِ وَالإِبْنِ الصَّالِحِ.

.

قُلْتُ لِجِبرِيلَ مَنْ هَذا قالَ هَذا آدَمُ وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمِالِهِ نَسَمُ بَنيهِ فأهْلُ اليَمينِ مِنْهُمْ أهْلُ الجَنَّة وَالأَسْوِدَةُ الَّتي عَنْ شِمَالِهِ أهْلُ النَّارِ فإِذا نَظَرَ عَنْ يَمِينهِ ضَحِكَ وَإذا نَظَرَ قِبَل شِمَالِهِ بَكَى حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّماءِ الثَّانِيةِ فقالَ لخَازِنِهَا افْتَحْ فقالَ لَهُ خازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ فَفَتَحَ) قَالَ أنَسٌ فَذَكَرَ أَنَّهُ وجَدَ فِي السَّمَواتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ ومُوسى وعِيسَى وإبْرَاهِيمَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ولمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ أنَّهُ ذَكَرَ أنَّهُ وجَدَ آدمَ فِي السَّماءِ الدُّنْيَا وَإبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ قالَ أنَسٌ فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بالنَّبِيِّ بإِدْرِيسَ قالَ مَرْحَباً بالنَّبيِّ الصَّالِحِ والأخِ الصَالِحِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذا إدْرِيسُ ثُمَّ مَرَرْتُ بُموسَى فقالَ مَرْحَباً بالنَّبيِّ الصَّالِحِ والأَخِ الصَّالِحِ.

.

قُلْتُ مَنْ هَذَا قالَ هَذَا مُوسَى ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فقالَ مَرْحَباً بالأَخِ الصَّالِحِ والنَّبيِّ الصَّالِحِ.

.

قُلْتُ مَنْ هَذَا قالَ هذَا عِيسى ثُمَّ مَرَرْتُ بإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ مَرْحَباً بالنَّبيِّ الصَّالِحِ والإِبِنِ الصَّالِحِ.

.

قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا إِبْرَاهِيمُ قالَ ابنُ شِهَابٍ فأخْبَرَنِي ابنُ حَزْم أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ وأبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ كانَا يَقُولاَنِ قالَ النَبيُّ: (ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوَّىً أسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ) .
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وأنَسُ بنُ مالِكٍ قَالَ النبيُّ فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى امَّتي خَمْسِينَ صَلاَةً فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فقالَ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ.

.

قُلْتُ فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً قَالَ فارْجِعْ إِلَيّ رَبِّكَ فإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطيقُ ذَلِكع فَراجَعَنِي فَوَضَعَ شَطْرَهَا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى.

.

قُلْتُ وَضَعَ شَطْرَهَا فَقَالَ رَاجِعْ رَبِكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ فَرَاجَعْتُهُ فَقَالَ هِيَ خَمْسٌ وَهْيَ خَمْسُونَ لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَىَّ فَرَجَعْتُ إِلى مُوسَى فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ فَقُلْتُ اسْتَحْيَيْتُ منْ رَبيِّ ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى وغَشيَهَا ألْوَان لاَ أدْرِي مَا هِي ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا حَبَائِلُ اللُّؤْلؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا المِسْكُ) .
(الحَدِيث 943 طرفاه فِي: 6361، 2433) .

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ بَيَان كَيْفيَّة فَرضِيَّة الصَّلَاة.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: يحيى بن بكير، بِضَم الْبَاء، تكَرر ذكره، وَاللَّيْث بن سعد، وَيُونُس بن يزِيد، وَمُحَمّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَأنس بن مَالك وَأَبُو ذَر، بتَشْديد الرَّاء، واسْمه: جُنْدُب بن جُنَادَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده.
فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مصري ومدني.
وَفِيه: رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج مُخْتَصرا عَن عَبْدَانِ عَن عبد اعن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس عَن أبي ذَر، وَأخرجه أَيْضا فِي بدءِ الْخلق عَن هدبة بن خَالِد عَن همام عَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك عَن مَالك بن صعصعة، وَأخرجه فِي الْأَنْبِيَاء أَيْضا عَن عَبْدَانِ عَن عبد اعن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: قَالَ أنس: وَعَن أَحْمد بن صَالح عَن عَنْبَسَة عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب، قَالَ: قَالَ أنس: عَن أبي ذَر، وَأخرجه أَيْضا فِي بابُُ قَوْله: { وكلم اموسى تكليماً} (النِّسَاء: 461) فِي أَوَاخِر الْكتاب عَن عبد الْعَزِيز بن عبد اعن سُلَيْمَان عَن شريك بن عبد اعن أنس بن مَالك.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن حَرْمَلَة بن يحيى عَن ابْن وهب، وَعَن أبي مُوسَى عَن ابْن أبي عدي، وَعنهُ عَن معَاذ بن هِشَام.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي، وَقد روى هَذَا الحَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة، لَكِن طرقه فِي الصَّحِيحَيْنِ دَائِرَة عَن أنس مَعَ اخْتِلَاف أَصْحَابه عَنهُ، فَرَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَن أبي ذَر كَمَا فِي هَذَا الْبابُُ، وَرَوَاهُ قَتَادَة عَنهُ عَن مَالك بن صعصعة، وَرَوَاهُ شريك بن أبي نمر وثابت الْبنانِيّ عَنهُ عَن النَّبِي بِلَا وَاسِطَة، وَفِي سِيَاق كل مِنْهُم مَا لَيْسَ عِنْد الآخر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا من طرق كَثِيرَة عَن أنس.

ذكر لغاته ومعانيه: قَوْله: (فرج عَن سقف بَيْتِي) ، بِضَم الْفَاء وَكسر الرَّاء وبالجيم أَي: فتح فِيهِ فتح، وَرُوِيَ: (فشق) ، فَإِن قلت: كَانَ الْبَيْت لأم هانىء، فَكيف قَالَ: بَيْتِي، بإضافته إِلَى نَفسه؟ قلت: إضافه إِلَيْهِ بِأَدْنَى مُلَابسَة، وَهَذَا كثير فِي كَلَام الْعَرَب، كَمَا يَقُول أحد حاملي الْخَشَبَة للْآخر: خُذ طرفك.
فَإِن قلت: رُوِيَ أَيْضا أَنه كَانَ فِي الْحطيم، فَكيف الْجمع بَينهمَا؟ قلت: أما على كَون العروج مرَّتَيْنِ فَظَاهر، وَأما على كَونه مرّة وَاحِدَة فَلَعَلَّهُ، بعد غسل صَدره دخل بَيت أم هانىء وَمِنْه عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء، وَالْحكمَة فِي دُخُول الْمَلَائِكَة من وسط السّقف وَلم يدخلُوا من الْبابُُ، كَون ذَلِك أوقع صدقا فِي الْقلب فِيمَا جاؤا بِهِ.
قَوْله: (فَفرج صَدْرِي) ، بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وَالْجِيم، وَهُوَ فعل ماضٍ، أَي: شقَّه، ويروى: (شرح صدر) ، وَمِنْه: شرح اصدره.
فَإِن قلت: ذكر فِي سير ابْن إِسْحَاق: شقّ صَدره وَهُوَ مسترضع فِي بني سعد عِنْد حليمة، وَرجحه عِيَاض.
قلت: أجَاب السُّهيْلي بِأَن ذَلِك وَقع مرَّتَيْنِ، وَالْحكمَة فِي الشق الأول نزع الْعلقَة الَّتِي قيل لَهُ، عِنْد نَزعهَا: (هَذَا حَظّ الشَّيْطَان مِنْك) .
وَفِي الثَّانِي: ليَكُون مستعداً للتلقي لما حصل لَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة.
وَقد روى الطَّيَالِسِيّ والْحَارث فِي (مسنديهما) من حَدِيث عَائِشَة: أَن الشق وَقع مرّة أُخْرَى عِنْد مَجِيء جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام، إِلَيْهِ بِالْوَحْي فِي غَار حراء، وَفِي (الدَّلَائِل) لأبي نعيم، (وَالْأَحَادِيث الْجِيَاد) للضياء مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد: أَن صَدره شقّ وعمره عشر سِنِين.
قَوْله: (ثمَّ غسله بِمَاء زَمْزَم) الْغسْل: طهُور، وَالطهُور: شطر الْإِيمَان، وزمزم، غير منصرف: اسْم للبئر الَّتِي فِي الْمَسْجِد الْحَرَام.
قَوْله: (بطست) بِفَتْح الطَّاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده؛ الطس والطسة والطسة، مَعْرُوف، وَجمع: الطس أطساس وطسوس وطسيس، وَجمع: الطسة والطسة طساس، وَلَا يمْنَع أَن يجمع الطسة على طسيس، بل ذَلِك قِيَاسه، والطَسّاس بَائِع الطسوس، والطِساسة حرفته، وَعَن أبي عُبَيْدَة: الطست فَارسي.
قلت: هُوَ فِي الفارسية بالشين الْمُعْجَمَة..
     وَقَالَ  الْفراء: طي تَقول: طست، وَغَيرهم يَقُول: طس، وَهَذَا يرد مَا حَكَاهُ ابْن دحْيَة، قَالَ الْفراء: يُقَال: الطسة، أَكثر فِي كَلَام الْعَرَب، والطس، وَلم يسمع من الْعَرَب: الطست، وَفِي كتاب (التَّذْكِير والتأنيث) لِابْنِ الْأَنْبَارِي، يُقَال: الطست، بِفَتْح الطَّاء وَكسرهَا، قَالَه أَبُو زيد،.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: طس، بِالْفَتْح وَالْكَسْر وَالْفَتْح أفْصح، وَهِي مُؤَنّثَة، وَخص الطست بذلك دون بَقِيَّة الْأَوَانِي لِأَنَّهُ آلَة الْغسْل عرفا.
قَوْله: (من ذهب) لَيْسَ فِيهِ مَا يُوهم اسْتِعْمَال آنِية الذَّهَب لنا، فَإِن ذَلِك فعل الْمَلَائِكَة واستعمالهم وَلَيْسَ بِلَازِم أَن يكون حكمهم حكمنَا، أَو لِأَن ذَلِك كَانَ أول الْأَمر قبل اسْتِعْمَال الْأَوَانِي من النَّقْدَيْنِ، لِأَنَّهُ كَانَ على أصل الْإِبَاحَة، وَالتَّحْرِيم إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ من ذهب لِأَنَّهُ أَعلَى أواني الْجنَّة، وَهُوَ وَرَأس الْأَثْمَان، وَله خَواص مِنْهَا: أَنه لَا تَأْكُله النَّار فِي حَال التَّعْلِيق، وَلَا تَأْكُله الأَرْض، وَلَا تغيره، وَهُوَ أنقى كل شَيْء وأصفاه، وَيُقَال فِي الْمثل: أنقى من الذَّهَب، وَهُوَ بَيت الْفَرح وَالسُّرُور..
     وَقَالَ  الشَّاعِر:
(صفراء لَا تنزل الأحزان ساحتها ... لَو مَسهَا حجر مسته سراء)

وَهُوَ أثقل الْأَشْيَاء فَيجْعَل فِي الزئبق الَّذِي هُوَ أثقل الْأَشْيَاء فيرسب، وَهُوَ مُوَافق لثقل الْوَحْي، وَهُوَ عَزِيز، وَبِه يتم الْملك.
قَوْله: (ممتلىء حِكْمَة وإيماناً) الْحِكْمَة: اسْم من حكم بِضَم عين الْفِعْل أَي: صَار حكيماً، وَصَاحب الْحِكْمَة.
المتقن للأمور، وَأما: حكم، بِفَتْح عين الْفِعْل، فَمَعْنَاه: قضى، ومصدره: حكم بِالضَّمِّ، وَالْحكم أَيْضا: الْحِكْمَة بِمَعْنى: الْعلم، والحكيم: الْعَالم، وَزعم النَّوَوِيّ: أَن الحمكة فِيهَا أَقْوَال مضطربة، صفي لنا مِنْهَا أَن الْحِكْمَة عبارَة عَن الْعلم المتصف بِالْأَحْكَامِ الْمُشْتَملَة على الْمعرفَة با تَعَالَى، المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النَّفس وَتَحْقِيق الْحق وَالْعَمَل بِهِ والصد عَن اتِّبَاع الْهوى وَالْبَاطِل، فالحكيم من حَاز ذَلِك كُله..
     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: كل كلمة وعظتك أَو زجرتك أَو دعتك إِلَى مكرمَة أَو نهتك عَن قَبِيح فَهِيَ حِكْمَة.
وَقيل: الْحِكْمَة الْمَانِعَة من الْجَهْل.
وَقيل: هِيَ النُّبُوَّة.
وَقيل: الْفَهم عَن اتعالى..
     وَقَالَ  ابْن سَيّده: الْقُرْآن كفى بِهِ حِكْمَة لِأَن الْأمة صَارَت عُلَمَاء بعد الْجَهْل.
وَفِي (التَّوْضِيح) ، وَفِي هَذَا الحَدِيث دلَالَة صَرِيحَة أَن شرح صَدره كَانَ لَيْلَة الْمِعْرَاج، وَفعل بِهِ ذَلِك لزِيَادَة الطُّمَأْنِينَة لما يرى من عظم الملكوت، أَو لِأَنَّهُ يُصَلِّي بِالْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِم وَالسَّلَام.

قَوْله: (فأفرغه فِي صَدْرِي) أَي: أفرغ كل وَاحِد من الْحِكْمَة وَالْإِيمَان اللَّذين كَانَا فِي الطست فِي صَدْرِي.
قَوْله: (ثمَّ أطبقه) أَي؛ ثمَّ أطبق صَدره، يُقَال: أطبقت الشَّيْء إِذا غطيته وَجَعَلته مطبقاً.
وَفِي (التَّوْضِيح) : لما فعل بِهِ ذَلِك ختم عَلَيْهِ كَمَا يخْتم على الْوِعَاء المملوء، فَجمع اله أَجزَاء النُّبُوَّة وختمها، فَهُوَ خَاتم النَّبِيين، وَختم عَلَيْهِ فَلم يجد عدوه سَبِيلا إِلَيْهِ من أجل ذَلِك، لِأَن الشَّيْء الْمَخْتُوم محروس، وَقد جَاءَ أَنه استخرج مِنْهُ علقَة،.

     وَقَالَ : هَذَا حَظّ الشَّيْطَان مِنْك، وَذكر عِيَاض أَن مَوضِع الْخَاتم إِنَّمَا هُوَ شقّ الْملكَيْنِ بَين كَتفيهِ، ذكره الْقُرْطُبِيّ..
     وَقَالَ : هَذِه غَفلَة، لِأَن الشق إِنَّمَا كَانَ وَلم يبلغ بِالسِّنِّ حَتَّى نفذ إِلَى ظَهره، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَالْبَزَّار وَغَيرهمَا من حَدِيث عُرْوَة عَن أبي ذَر، وَلم يسمع مِنْهُ فِي حَدِيث الْملكَيْنِ، قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: اغسل بَطْنه غسل الْإِنَاء، واغسل قلبه غسل الملاء، ثمَّ خاط بَطْني وَجعل الْخَاتم بَين كَتِفي كَمَا هُوَ الْآن، وَهَذَا دَال مَعَ حَدِيث البُخَارِيّ، كَمَا نبه عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيّ، وَأَنه فِي الصَّدْر دون الظّهْر، وَإِنَّمَا كَانَ الْخَاتم فِي ظَهره ليدل على ختم النُّبُوَّة بِهِ، وَأَنه لَا نَبِي بعده، وَكَانَ تَحت نغض كتفه لِأَن ذَلِك الْموضع مِنْهُ يوسوس الشَّيْطَان.
قَوْله: (فعرج بِي) يَعْنِي: صعد، والعروج: الصعُود.
يُقَال: عرج يعرج عروجاً من بابُُ: نصر ينصر،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: عرج فِي الشَّيْء وَعَلِيهِ يعرج وعرج يعرج عروجاً: رقي، وعرج الشَّيْء فَهُوَ عريج: ارْتَفع وَعلا، والمعراج شبه سلم مفعال من العروج، كَأَنَّهُ آلَة لَهُ..
     وَقَالَ  ابْن سَيّده: الْمِعْرَاج شبه سلم تعرج عَلَيْهِ الْأَرْوَاح.
وَقيل: هُوَ حَيْثُ تصعد أَعمال بني آدم.
قَوْله: (إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا) وروى ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) مَرْفُوعا: (بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة عَام) .
وَذكر فِي كتاب (العظمة) لأبي سعيد أَحْمد بن مُحَمَّد بن زِيَاد الْأَعرَابِي: عَن عبد ا، قَالَ: (مَا بَين السَّمَاء إِلَى الأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة عَام، وَبَين السَّمَاء إِلَى السَّمَاء الَّتِي تَلِيهَا مثل ذَلِك، وَمَا بَين السَّمَاء السَّابِعَة إِلَى الْكُرْسِيّ كَذَلِك، وَالْمَاء على الْكُرْسِيّ، وَالْعرش على ذَلِك المَاء) .
وَفِي كتاب (الْعَرْش) لأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة، بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْعَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول ا: (هَل تَدْرُونَ كم بَين السَّمَاء وَالْأَرْض؟ قُلْنَا؛ اورسوله أعلم.
قَالَ: بَينهمَا خَمْسمِائَة عَام، وكثف كل سَمَاء خَمْسمِائَة سنة، وَفَوق السَّمَاء السَّابِعَة بَحر بَين أَسْفَله وَأَعلاهُ كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض) .
وَرُوِيَ أَيْضا عَن أبي ذَر مَرْفُوعا مثله.
قَوْله: (افْتَحْ) أَي: إفتح الْبابُُ، وَهَذَا يدل على أَن الْبابُُ كَانَ مغلقاً، وَالْحكمَة فِيهِ أَن السَّمَاء لم تفتح إلاَّ لأَجله، بِخِلَاف مَا لَو وجده مَفْتُوحًا، وَهَذَا يدل أَيْضا على أَن عروجه، كَانَ بجسده، إِذْ لَو لم يكن بجسده لما استفتح الْبابُُ.

قَوْله: (قَالَ من هَذَا؟) أَي: قَالَ الخازن: من هَذَا الَّذِي يقرع الْبابُُ؟ قَالَ: جِبْرِيل، وَفِيه إِثْبَات الاسْتِئْذَان، وَأَن يَقُول: فلَان، وَلَا يَقُول: أَنا، كَمَا نهي عَنهُ فِي حَدِيث جَابر.
قَوْله: (أَسْوِدَة) جمع سَواد، كالأزمنة جمع زمَان، والسواد الشَّخْص، وَقيل: الْجَمَاعَات، وَسَوَاد النَّاس: عوامهم، وكل عدد كثير، وَيُقَال: هِيَ الْأَشْخَاص من كل شَيْء.
قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ شخص كل شَيْء من مَتَاع أَو غَيره، وَالْجمع: أَسْوِدَة، وأساودة جمع الْجمع.
قَوْله: (مرْحَبًا) مَعْنَاهُ أصبت رحباً وسهلاً، فاستأنس وَلَا تستوحش.
قَوْله؛ (بِالنَّبِيِّ الصَّالح) ، وَهُوَ الْقَائِم بِحُقُوق اوحقوق الْعباد، وَكلهمْ قَالُوا لَهُ: بِالنَّبِيِّ الصَّالح، لشُمُوله سَائِر الْخلال المحمودة الممدوحة من الصدْق وَالْأَمَانَة والعفاف وَالْفضل، وَلم يقل لَهُ أحد: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّادِق، وَلَا: بِالنَّبِيِّ الْأمين، لما ذكرنَا أَن الصّلاح شَامِل لسَائِر أَنْوَاع الْخَيْر.
قَوْله: (نسم بنيه) النسم؛ بِفَتْح النُّون وَالسِّين، والنسمة: نفس الرّوح، و: مَا بهَا نسمَة أَي: نفس، وَالْجمع: نسم، قَالَه ابْن سَيّده..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هِيَ النَّفس، وَالْمرَاد أَرْوَاح بني آدم،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: ورويناه: نسيم بني آدم، وَالْأول أشبه..
     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: فِيهِ دلَالَة أَن نسم أهل النَّار فِي السَّمَاء ثمَّ قَالَ: قد جَاءَ أَن أَرْوَاح الْكفَّار فِي سِجِّين، وَأَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ منعمة فِي الْجنَّة، فَكيف تكون مجتمعة فِي السَّمَاء؟ وَأجَاب بِأَنَّهُ يحْتَمل أَنَّهَا تعرض على آدم أوقاتاً فصادف وَقت عرضهَا مُرُور النَّبِي.
فَإِن قلت: لَا تفتح أَبْوَاب السَّمَاء لأرواح الْكفَّار كَمَا هُوَ نَص الْقُرْآن.
قلت: يحْتَمل أَن الْجنَّة كَانَت فِي جِهَة يَمِين آدم وَالنَّار فِي جِهَة شِمَاله، وَكَانَ يكْشف لَهُ عَنْهُمَا، وَيحْتَمل أَن يُقَال: إِن النسم المرئية هِيَ لم تدخل الأجساد بعد، وَهِي مخلوقة قبل الأجساد ومستقرها عَن يَمِين آدم وشماله، وَقد أعلمهُ ابما يصيرون إِلَيْهِ، فَلذَلِك كَانَ يستبشر إِذا نظر إِلَى من عَن يَمِينه، ويحزن إِذا نظر إِلَى من عَن يسَاره.
قَوْله: (قَالَ أنس: فَذكر) ، ويروى: (فَقَالَ أنس: فَذكر) ، أَي أَبُو ذَر.

قَوْله: (أَنه) أَي: أَن النَّبِي.
قَوْله: (وَلم يثبت) من الْإِثْبَات أَي: لم يعين أَبُو ذَر لكل نَبِي سَمَاء معينا غير مَا ذكر أَنه وجد آدم فِي السَّمَاء الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيم فِي السَّادِسَة، وَفِي (الصَّحِيحَيْنِ) : من حَدِيث أنس عَن مَالك بن صعصة أَنه وجد فِي السَّمَاء الدُّنْيَا آدم كَمَا سلف فِي حَدِيث أبي ذَر، وَفِي الثَّانِيَة يحيى وَعِيسَى، وَفِي الثَّالِثَة يُوسُف، وَفِي الرَّابِعَة إِدْرِيس، وَفِي الْخَامِسَة، هَارُون وَفِي السَّادِسَة مُوسَى، وَفِي السَّابِعَة إِبْرَاهِيم، وَهُوَ مُخَالف لرِوَايَة أنس عَن أبي ذَر أَنه وجد إِبْرَاهِيم فِي السَّادِسَة، وَكَذَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسلم.
وَأجِيب: بِأَن الْإِسْرَاء إِن كَانَ مرَّتَيْنِ فَيكون رأى إِبْرَاهِيم فِي إِحْدَاهمَا فِي إِحْدَى السمائين، وَيكون استقراره بهَا ووطنه، وَفِي الثَّانِيَة فِي سَمَاء غير وَطنه، وَإِن كَانَ مرّة فَيكون أَولا رَآهُ فِي السَّمَاء السَّادِسَة، ثمَّ ارْتقى مَعَه إِلَى السَّابِعَة، وَيُقَال: إِن الْمِعْرَاج إِذا كَانَ مرّة فالأرجح رِوَايَة الْجَمَاعَة بقوله فِيهَا أَنه رَآهُ مُسْندًا ظَهره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور، وَهُوَ فِي السَّابِعَة بِلَا خلاف، وَقَول هَذَا الْقَائِل: بِلَا خلاف، غير صَحِيح، لِأَن فِيهِ خلافًا، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَالربيع أَنه فِي السَّمَاء الدُّنْيَا، وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي اعنه، أَنه عِنْد شَجَرَة طُوبَى فِي السَّادِسَة، وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد وَالضَّحَّاك أَنه فِي السَّابِعَة.

فَإِن قلت: كَيفَ يجمع بَين هَذِه الْأَقْوَال وفيهَا مُنَافَاة قلت: لَا مُنَافَاة بَينهمَا، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن ارفعه لَيْلَة الْمِعْرَاج إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى، ثمَّ إِلَى السَّابِعَة تَعْظِيمًا للنَّبِي حَتَّى يرَاهُ فِي أَمَاكِن، ثمَّ أَعَادَهُ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا.
وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) الْبَيْت الْمَعْمُور حذاء الْعَرْش بحيال الْكَعْبَة يُقَال لَهُ: الضراح، حرمته فِي السَّمَاء كَحُرْمَةِ الْكَعْبَة فِي الأَرْض، يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألفا من الْمَلَائِكَة يطوفون بِهِ وَيصلونَ فِيهِ ثمَّ لَا يعودون إِلَيْهِ أبدا، وخادمه ملك يُقَال لَهُ: رزين.
وَقيل: كَانَ فِي الْجنَّة فَحمل إِلَى الأَرْض لأجل آدم، ثمَّ رفع إِلَى السَّمَاء أَيَّام الطوفان.
قلت: الضراح، بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة..
     وَقَالَ  الصغاني: وَيُقَال لَهُ: الضريح أَيْضا.

قَوْله: (قَالَ أنس) ، ظَاهره أَن هَذِه الْقطعَة لم يسْمعهَا أنس من أبي ذَر.
قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (ابْن حزم) هُوَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ النجاري الْمدنِي، وَأَبوهُ مُحَمَّد، ولد فِي عهد رَسُول ا، وَأمر أَبَاهُ أَن يَكْتُبهُ بِأبي عبد الْملك، وَكَانَ فَقِيها فَاضلا، قتل يَوْم الْحرَّة وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَخمسين سنة، وَهُوَ تَابِعِيّ، وَذكر ابْن الْأَثِير فِي الصَّحَابَة وَلم يسمع الزُّهْرِيّ مِنْهُ لتقدم مَوته.
قَوْله: (وَأَبا حَبَّة) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ الْمَشْهُور..
     وَقَالَ  الْقَابِسِيّ: بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، وغلطوه فِي ذَلِك..
     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ بالنُّون، وَاخْتلف فِي اسْمه، فَقَالَ أَبُو زرْعَة: عَامر، وَقيل: عمر، وَقيل: ثَابت،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: مَالك.
قَالُوا: فِي هَذَا الْإِسْنَاد وهم لِأَن المُرَاد بِابْن حزم أما أَبُو بكر، فَهُوَ لم يدْرك أَبَا حَبَّة، وَأما مُحَمَّد فَهُوَ لم يُدْرِكهُ الزُّهْرِيّ.
وَأجِيب: بِأَن حزم روى مُرْسلا حَيْثُ نقل بِكَلِمَة: ان، عَنْهُمَا، وَلم يقل نَحْو: سَمِعت وَأَخْبرنِي، فَلَا وهم فِيهِ، وَهَكَذَا أَيْضا فِي (صَحِيح مُسلم) .
قَوْله: (حَتَّى ظَهرت) أَي: عَلَوْت وَارْتَفَعت، وَمِنْه قَوْله:
(وَالشَّمْس فِي حُجْرَتهَا لم تظهر)

قَوْله: (لمستوىً) بِفَتْح الْوَاو،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: المُرَاد بِهِ المصعد،.

     وَقَالَ  النَّضر بن شُمَيْل: أتيت أَبَا ربيعَة الْأَعرَابِي وَهُوَ على السَّطْح، فَقَالَ: استوي: اصْعَدْ.
وَقيل: هُوَ الْمَكَان المستوي.
قَوْله: (صريف الأقلام) بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة، وَهُوَ تصويتها حَال الْكِتَابَة..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هُوَ صَوت مَا تكتبه الْمَلَائِكَة من أقضية اتعالى ووحيه، وَمَا ينسخونه من اللَّوْح الْمَحْفُوظ، أَو مَا شَاءَ اتعالى من ذَلِك أَن يكْتب وَيرْفَع لما أَرَادَهُ امن أمره وتدبيره فِي خلقه، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لَا يعلم الْغَيْب إلاَّ هُوَ الْغَنِيّ عَن الاستذكار بتدوين الْكتب والاستثبات بالصحف، أحَاط بِكُل شَيْء علما، وأحصى كل شَيْء عددا.
قَوْله: (قَالَ ابْن حزم) ، أَي: عَن شَيْخه، وَأنس بن مَالك أَي: عَن أبي ذَر،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَنه من جملَة مقول ابْن شهَاب، وَيحْتَمل أَن يكون تَعْلِيقا من البُخَارِيّ، وَلَيْسَ بَين أنس وَبَين رَسُول الله ذكر أبي ذَر، وَلَا بَين ابْن حزم وَرَسُول الله ذكر ابْن عَبَّاس وَأبي حَبَّة فَهُوَ إِمَّا من قبيل الْمُرْسل، وَإِمَّا أَنه ترك الْوَاسِطَة اعْتِمَادًا على مَا تقدم آنِفا، مَعَ أَن الظَّاهِر من حَال الصَّحَابِيّ أَنه إِذا قَالَ: قَالَ رَسُول ا، يكون بِدُونِ الْوَاسِطَة، فَلَعَلَّ أنسا سمع هَذَا الْبَعْض من الحَدِيث من رَسُول ا، وَالْبَاقِي سَمعه من أبي ذَر؟ .

قَوْله: (فَفرض اعلى أمتِي خمسين صَلَاة) وَفِي رِوَايَة ثَابت عَن أنس عِنْد مُسلم؛ (فَفرض اعلي خمسين صَلَاة كل يَوْم وَلَيْلَة) ، وَنَحْوه فِي رِوَايَة مَالك بن صعصعة عِنْد البُخَارِيّ، فَيحْتَمل أَن يُقَال: فِي كل من رِوَايَة الْبابُُ وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى اخْتِصَار، أَو يُقَال: ذكر الْفَرْض عَلَيْهِ يسْتَلْزم الْفَرْض على الْأمة، وَبِالْعَكْسِ، إلاَّ مَا يسْتَثْنى من خَصَائِصه.
قَوْله: (فَارْجِع إِلَى رَبك) ، أَي: الْموضع الَّذِي نَاجَيْت رَبك أَولا.
قَوْله: (فراجعت) ، هَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (فراجعني) ، وَالْمعْنَى وَاحِد.
قَوْله: (فَوضع شطرها) ، وَفِي رِوَايَة مَالك بن صعصعة؛ (فَوضع عني عشرا) ، وَمثله لِشَرِيك، وَفِي رِوَايَة ثَابت: (فحط عني خمْسا) ..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الشّطْر: النّصْف، فَفِي الْمُرَاجَعَة الأولى وُضع خمس وَعِشْرُونَ، وَفِي الثَّانِيَة ثَلَاثَة عشر، يَعْنِي بتكميل المتكرر، إِذْ لَا معنى لوضع بعض صَلَاة، وَفِي الثَّالِثَة: سَبْعَة.
قلت: هَذَا كَلَام لَا يتَّجه، وَهُوَ يُخَالف ظَاهر عبارَة حَدِيث الْبابُُ، لِأَن الْمُرَاجَعَة الْمَذْكُورَة فِيهِ ثَلَاثَة مَرَّات، وَلم يحصل الْوَضع إلاَّ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأَوليين، وَفِي الْمرة الثَّالِثَة، قَالَ: (هن خمس وَهن خَمْسُونَ) ، فَلم يحصل الْوَضع هَهُنَا، وَيلْزم من كَلَامه أَن تكون الْمُرَاجَعَة أَربع مَرَّات.
فِي الأولى الشّطْر، وَفِي الثَّانِيَة ثَلَاثَة عشر، وَفِي الثَّالِثَة سَبْعَة، وَفِي الرَّابِعَة قَالَ: (هن خمس وَهن خَمْسُونَ) ، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك.
قَالَ ابْن الْمُنِير: ذكر الشّطْر أَعم من كَونه وضع دفْعَة وَاحِدَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: قلت: وَكَذَا الْعشْر فِي دفعتين، والشطر فِي خمس دفعات.
انْتهى.
قلت: على هَذَا يكون سبع دفعات، فِي الْمُرَاجَعَة الأولى دفعتان وهما عشرُون كل دفْعَة عشرَة، وَفِي الثَّانِيَة تكون خمسه دفعات كل دفْعَة خمس فَتَصِير خَمْسَة وَعشْرين، وَلَكِن هَل كل دفْعَة فِي مُرَاجعَة فَتَصِير سبع مراجعات؟ أَو دفعتان فِي الْمُرَاجَعَة الأولى وَخمْس دفعات فِي الثَّانِيَة؟ فَلِكُل مِنْهُمَا وَجه بِالِاحْتِمَالِ، وَلَكِن ظواهر الرِّوَايَات لَا تساعد شَيْئا من ذَلِك إلاَّ بالتأويل، وَهُوَ أَن يكون المُرَاد من الشّطْر الْبَعْض، وَقد جَاءَ فِي كَلَام الْعَرَب ذَلِك، وَقد جَاءَ بِمَعْنى الْجِهَة أَيْضا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} (الْبَقَرَة: 441) أَي: جِهَته، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيكون المُرَاد من الشّطْر فِي الْمُرَاجَعَة الأولى الْعشْر مرَّتَيْنِ، وَفِي الثَّانِيَة الْخمس خمس مَرَّات، فَتكون الْجُمْلَة خمْسا وَأَرْبَعين.
إِلَى أَن قَالَ: (هن خمس) ، يَعْنِي خمس صلوَات فِي الْعَمَل، (وَهِي خَمْسُونَ) فِي الثَّوَاب، لِأَن لكل حَسَنَة عشر أَمْثَالهَا، كَمَا فِي النَّص.
وَكَانَ الْفَرْض فِي الأول خمسين ثمَّ إِن اتعالى رحم عباده وَجعله بِخمْس تَخْفِيفًا لنا وَرَحْمَة علينا، ثمَّ هَل هَذَا نسخ أم لَا؟ يَأْتِي الْكَلَام فِيهِ عَن قريب إِن شَاءَ اتعالى.
فَإِن قلت: إِذا كَانَ الْفَرْض أَولا هُوَ الْخمسين، كَيفَ جَازَ وُقُوع التَّرَدُّد والمراجعة بَين النَّبِي وَبَين مُوسَى كليم اعليه الصَّلَاة وَالسَّلَام؟ قلت: كَانَا يعرفان أَن الأول غير وَاجِب قطعا، وَلَو كَانَ وَاجِبا قطعا لما كَانَ يقبل التَّخْفِيف، وَلَا كَانَ النبيان العظيمان يفْعَلَانِ ذَلِك.

قَوْله: (هِيَ خمس وَهن خَمْسُونَ) ، وَفِي رِوَايَة: (هن خمس وَهِي خَمْسُونَ) ، يَعْنِي خمس من جِهَة الْعدَد فِي الْفِعْل، وَخَمْسُونَ بِاعْتِبَار الثَّوَاب، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
قَوْله: (لَا يُبدل القَوْل لدي) أَي: قَالَ تَعَالَى: لَا يُبدل القَوْل لدي.
قَوْله: (ارْجع إِلَى رَبك) ، ويروى: (رَاجع رَبك) .
قَوْله: (قلت) ويروى (فَقلت) .
قَوْله: (استحييت من رَبِّي) وَجه استحيائه من ربه أَنه لَو سَأَلَ الرّفْع بعد الْخمس لَكَانَ كَأَنَّهُ قد سَأَلَ رفع الْخمس بِعَينهَا، فَلذَلِك استحيي من أَن يُرَاجع بعد ذَلِك، وَلَا سِيمَا سمع من ربه: لَا يُبدل القَوْل لدي بعد قَوْله: (هن خمس وَهن خَمْسُونَ).

     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون سَبَب الاستحياء أَن الْعشْرَة آخر جمع الْقلَّة، وَأول جمع الْكَثْرَة، فخشي أَن يدْخل فِي الإلحاح فِي السُّؤَال.
قلت: هَذَا لَيْسَ بِجَوَاب فِي رِوَايَة هَذَا الْبابُُ، وَأما فِي رِوَايَة مَالك بن صعصعة وَشريك (فَوضع عني عشرا) فَفِيهِ إلحاح، لِأَن السُّؤَال قد تكَرر، وَكَيف، والإلحاح فِي الطّلب من اتعالى مَطْلُوب؟ .

قَوْله: (إِلَى السِّدْرَة الْمُنْتَهى) السدر: شجر النبق، واحدته: سِدْرَة، وَجَمعهَا سدر وسدور، الْأَخِيرَة نادرة..
     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة عَن أبي زِيَاد: السدر، من العضاه، وَهُوَ لونان، فَمِنْهُ عبري وَمِنْه ضال، فَأَما العبري فَمَا لَا شوك فِيهِ إلاَّ مَا لَا يضير، وَأما الضال فَهُوَ ذُو شوك، وللسدر ورقة عريضة مُدَوَّرَة، وَرُبمَا كَانَت السِّدْرَة مَحل الإقلال، وورق الضال صغَار.
قَالَ وأجود نبق يعلم بِأَرْض الْعَرَب نبق بهجر فِي بقْعَة وَاحِدَة تحمى للسُّلْطَان، وَهُوَ أَشد نبق يعلم حلاوة، وأطيبه رَائِحَة، يفوح فَم آكله وَثيَاب لابسه كَمَا يفوح الْعطر.
وَفِي (نَوَادِر) الهجري: السدر يطْبخ ويصبغ بِهِ، وَفِي كتاب النَّوَوِيّ: تجمع السدر على؛ سدرات، بِإِسْكَان الدَّال، وَيُقَال بِفَتْحِهَا، وَيُقَال بِكَسْرِهَا مَعَ كسر السِّين فِيهَا.
قَوْله: (الْمُنْتَهى) يَعْنِي الْمُنْتَهى فَوق السَّمَاء السَّابِعَة،.

     وَقَالَ  الْخَلِيل: فِي السَّابِعَة قد أظلت السَّمَوَات وَالْجنَّة، وَفِي رِوَايَة: (هُوَ فِي السَّمَاء السَّادِسَة) وَالْأول أَكثر، وَيحمل على تَقْدِير الصِّحَّة أَن يكون أَصْلهَا فِي السَّادِسَة ومعظمها فِي السَّابِعَة، وَزعم عِيَاض أَن أَصْلهَا فِي الأَرْض لخُرُوج النّيل والفرات من أَصْلهَا.
انْتهى، وَلَيْسَ هَذَا بِلَازِم، بل مَعْنَاهُ: أَن الْأَنْهَار تخرج من أَصْلهَا ثمَّ تسير حَيْثُ أَرَادَ اتعالى حَتَّى تخرج من الأَرْض وتسير فِيهَا وَرُوِيَ أَن من أَصْلهَا تخرج أَرْبَعَة أَنهَار: نهران باطنان وهما: السلسبيل والكوثر، ونهران ظاهران، وهما: النّيل والفرات، وَعَن ابْن عَبَّاس: هِيَ عَن يَمِين الْعَرْش..
     وَقَالَ  ابْن قرقول: إِنَّهَا أَسْفَل الْعَرْش لَا يجاوزها ملك وَلَا نَبِي، وَفِي الْأَثر إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يعرج من الأَرْض وَمَا ينزل من السَّمَاء، فيفيض مِنْهَا.
وَقيل: يَنْتَهِي إِلَيْهَا علم كل ملك مقرب وَنَبِي مُرْسل..
     وَقَالَ  كَعْب: وَمَا خلفهَا غيب لَا يُعلمهُ إلاَّ ا.
وَقيل يَنْتَهِي إِلَيْهَا أَرْوَاح الشُّهَدَاء.
وَقيل: إِن روح الْمُؤمن يَنْتَهِي بِهِ إِلَيْهَا فَتُصَلِّي عَلَيْهِ هُنَاكَ الْمَلَائِكَة المقربون.
قَالَه ابْن سَلام فِي تَفْسِيره، قيل: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (ثمَّ أدخلت الْجنَّة) يدل على أَن السِّدْرَة لَيست فِي الْجنَّة،.

     وَقَالَ  ابْن دحْيَة: ثمَّ فِي هَذَا الحَدِيث فِي مَوَاضِع لَيست للترتييب، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا} (الْبَلَد: 71) إِنَّمَا هِيَ مثل: الْوَاو، للْجمع والإشتراك، فَهِيَ بذلك خَارِجَة عَن أَصْلهَا.

قَوْله: (حبائل اللُّؤْلُؤ) كَذَا وَقع لجَمِيع رُوَاة البُخَارِيّ فِي هَذَا الْموضع، بِالْحَاء الْمُهْملَة، ثمَّ الْمُوَحدَة وَبعد الْألف يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة، ثمَّ لَام.
وَذكر جمَاعَة مِنْهُم أَنه تَصْحِيف، وَإِنَّمَا هُوَ: جنابذ، بِالْجِيم وَالنُّون وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة ثمَّ ذال مُعْجمَة، كَمَا وَقع عِنْد المُصَنّف فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وَمن رِوَايَة ابْن الْمُبَارك وَغَيره عَن يُونُس، وَكَذَا عِنْد غَيره من الْأَئِمَّة..
     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: إِن صحت رِوَايَة: حبائل، فَيكون أَرَادَ بِهِ مَوَاضِع مُرْتَفعَة كحبال الرمل، كَأَنَّهُ جمع: حبالة، وحبالة جمع: حَبل، على غير قِيَاس، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ عَن الزُّهْرِيّ: (دخلت الْجنَّة فَرَأَيْت فِيهَا جنابذ من اللُّؤْلُؤ) ..
     وَقَالَ  ابْن قرقول: كَذَا لجميعهم فِي البُخَارِيّ حبائل، وَمن ذهب إِلَى صِحَة الرِّوَايَة، قَالَ: إِن الحبائل القلائد والعقود، أَو يكون من حبال الرمل أَي: فِيهَا اللُّؤْلُؤ كحبال الرمل، وَهُوَ جمع حَبل، وَهُوَ الرمل المستطيل، أَو من الحبلة وَهُوَ ضرب من الْحلِيّ مَعْرُوف..
     وَقَالَ  صَاحب (التَّلْوِيح) : وَهَذَا كُله تخيل ضَعِيف، بل هُوَ بِلَا شكّ تَصْحِيف من الْكَاتِب، والحبائل إِنَّمَا تكون جمع: حبالة، أَو حبلة.
و: الجنابذ، جمع: جنبذ، بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وبالموحدة المضمومة وبالذال الْمُعْجَمَة: وَهُوَ مَا ارْتَفع من الشَّيْء واستدار كالقبة، والعامة تَقول بِفَتْح الْبَاء، وَالْأَظْهَر أَنه فَارسي معرف.
قلت: هُوَ فِي لِسَان الْعَجم: كنبذ، بِضَم الْكَاف الصماء وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهِي الْقبَّة.

ذكر إعرابه وَمَا يتَعَلَّق بِالْبَيَانِ: قَوْله: (وَأَنا بِمَكَّة) جملَة إسمية وَقعت حَالا.
قَوْله: (ممتلىء حِكْمَة وإيماناً) ممتلىء: بِالْجَرِّ، صفة: طست، وتذكيره بِاعْتِبَار الْإِنَاء، لِأَن الطست مُؤَنّثَة.
وَكلمَة؛ من فِي: من ذهب، بَيَانِيَّة و: (حِكْمَة وإيماناً) منصوبان على التَّمْيِيز، وَجعل الْإِيمَان وَالْحكمَة فى الْإِنَاء وإفراغهما مَعَ أَنَّهُمَا مَعْنيانِ، وَهَذِه صفة الْأَجْسَام من أحسن المجازات، أَو أَنه من بابُُ التَّمْثِيل، أَو؛ تمثل لَهُ الْمعَانِي كَمَا تمثل لَهُ أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء الدارجة بالصور الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، وَمعنى الْمجَاز فِيهِ كَأَنَّهُ جعل فِي الطست شَيْء يحصل بِهِ كَمَال الْإِيمَان وَالْحكمَة وزيادتهما، فَسمى ذَلِك الشَّيْء حِكْمَة وإيماناً لكَونه سَببا لَهما.
قَوْله: (فعرج بِي إِلَى السَّمَاء) ويروى: (فعرج بِهِ) ، بضمير الْغَائِب، وَهُوَ من بابُُ التَّجْرِيد، فَكَأَن النَّبِي جرد من نَفسه شخصا فَأَشَارَ إِلَيْهِ.
وَفِيه وَجه آخر، وَهُوَ أَن الرَّاوِي نقل كَلَامه بِالْمَعْنَى لَا بِلَفْظِهِ بِعَيْنِه..
     وَقَالَ  بَعضهم: فِيهِ الْتِفَات.
قلت: هُوَ تَجْرِيد كَمَا قُلْنَا.
قَوْله: (أأرسل إِلَيْهِ؟) بهمزتين: أولاهما: للاستفهام وَهِي مَفْتُوحَة وَالثَّانيَِة: همزَة التَّعَدِّي، وَهِي مَضْمُومَة.
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (أَوَ أرسل إِلَيْهِ) ؟ بواو مَفْتُوحَة بَين الهمزتين، وَهَذَا السُّؤَال من الْملك الَّذِي هُوَ خَازِن السَّمَاء يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا الاستعجاب بِمَا أنعم اعليه من هَذَا التَّعْظِيم والإجلال حَتَّى أصعد إِلَى السَّمَوَات، وَالثَّانِي: الاستبشار بعروجه إِذا كَانَ من الْبَين عِنْدهم أَن أحدا من الْبشر لَا يرقى إِلَى أَسبابُُ السَّمَاء من غير أَن يَأْذَن اله، وَيَأْمُر مَلَائكَته بإصعاده..
     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون خَفِي عَلَيْهِ أصل إرْسَاله لاشتغاله بِعِبَادَتِهِ.
قلت: كَيفَ يخفى عَلَيْهِ ذَلِك لاشتغاله بِعِبَادَتِهِ، وَقد قَالَ أَولا: من هَذَا؟ حِين قَالَ جِبْرِيل: إفتح..
     وَقَالَ  أَيْضا: هَل مَعَك أحد؟ قَالَ جِبْرِيل: نعم معي مُحَمَّد؟ وَأَيْنَ الخفاء بعد ذَلِك؟ وَأَيْنَ الِاشْتِغَال بِالْعبَادَة فِي هَذَا الْوَقْت وَهُوَ وَقت المحاورة وَالسُّؤَال؟ وَأمر نبوته كَانَ مَشْهُورا فِي الملكوت لِأَنَّهَا لَا تخفى على خزان السَّمَوَات وحراسها، فصح أَن لَا يكون السُّؤَال عَن أصل الرسَالَة، وَإِنَّمَا كَانَ سؤالاً عَن أَنه أرسل إِلَيْهِ للعروج.
والإسراء، فحينئذٍ احْتمل سُؤَالهمْ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورين.

فَإِن قلت: جَاءَ فِي رِوَايَة شريك: (أَو قد بعث؟) وَهَذَا يُؤَيّد مَا قَالَه هَذَا الْقَائِل.
قلت: معنى: أرسل وَبعث سَوَاء، على أَن الْمَعْنى هَهُنَا أَيْضا: أَو قد بعث إِلَى هَذَا الْمَكَان؟ وَذَلِكَ استعجاب مِنْهُ واستعظام لأَمره.
قَوْله: (علونا السَّمَاء الدُّنْيَا) ، ضمير الْجمع فِيهِ يدل على أَنَّهُمَا كَانَ مَعَهُمَا مَلَائِكَة آخَرُونَ، فكأنهما كلما عد يَا سَمَاء تشيعهما الْمَلَائِكَة إِلَى أَن يصلا إِلَى سَمَاء أُخْرَى؛ وَالدُّنْيَا، صفة السَّمَاء فِي مَحل النصب، بِمَعْنى أَنه: لَا يظْهر النصب.
قَوْله: (مرْحَبًا) مَنْصُوب بِأَنَّهُ مفعول مُطلق، أَي: أصبت سَعَة لَا ضيقا، وَالنّصب فِيهِ كَمَا فِي قَوْلهم: أَهلا وسهلاً.
قَوْله: (فَإِذا رجل قَاعد) .
ويروى: إِذا، بِدُونِ؛ الْفَاء، كلمة: إِذا، هَهُنَا للمفاجأة، وتختص بالجمل الإسمية، وَلَا تحْتَاج إِلَى الْجَواب، وَهِي حرف عِنْد الْأَخْفَش، وظرف مَكَان عِنْد الْمبرد، وظرف زمَان عِنْد الزّجاج.

قَوْله: (قبل شِمَاله) ، كَلَام إضافي مَنْصُوب بقوله؛ نظر، وَهُوَ بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء، بِمَعْنى الْجِهَة.
قَوْله: (بِإِدْرِيس) الْبَاء، فِيهِ، وَفِي قَوْله: (بِالنَّبِيِّ) يتعلقان كِلَاهُمَا بقوله: مر فَالْأولى للمصاحبة، وَالثَّانيَِة للإلصاق ويندفع بِهَذَا سُؤال من يَقُول: لَا يجوز تعلق حرفين من جنس وَاحِد بمتعلق وَاحِد لِأَنَّهُمَا ليسَا من جنس وَاحِد.
قَوْله: (ثمَّ مَرَرْت بمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) ، هَذَا قَول النَّبِي، وَفِيه حذف تَقْدِيره؛ قَالَ النَّبِي: ثمَّ مَرَرْت بمُوسَى، لِأَنَّهُ قَالَ أَولا: فَلَمَّا مر جِبْرِيل، فَمَا وَجه قَوْله بعد هَذَا: (ثمَّ مَرَرْت) ؟ فَالَّذِي قدرناه هُوَ وَجهه، وَفِيه وَجه آخر، وَهُوَ أَن يكون الأول نقلا بِالْمَعْنَى، وَالثَّانِي يكون نقلا بِاللَّفْظِ بِعَيْنِه.
قَوْله: (حَتَّى ظَهرت لمستوىً) اللَّام: فِيهِ للتَّعْلِيل، أَي: عَلَوْت لأجل استعلاء مستوى، أَو لأجل رُؤْيَته، أَو يكون بِمَعْنى: إِلَى، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { أوحى لَهَا} (الزلزلة: 5) أَي: إِلَيْهَا، وَيجوز أَن يكون مُتَعَلقا بِالْمَصْدَرِ أَي: ظَهرت ظُهُور المتسوى.
قلت: إِذا كَانَ: اللَّام، بِمَعْنى: إِلَى، يكون الْمَعْنى: إِنِّي أَقمت مقَاما بلغت فِيهِ من رفْعَة الْمحل إِلَى حَيْثُ اطَّلَعت على الكوائن، وَظهر لي مَا يُرَاد من أَمر اتعالى وتدبيره فِي خلقه، وَهَذَا هُوَ الْمُنْتَهى الَّذِي لَا يقدر أحد عَلَيْهِ.
وَيُقَال: لَام، الْغَرَض و: إِلَى، الْغَايَة يَلْتَقِيَانِ فِي الْمَعْنى.
قلت: قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ، فِي قَوْله تَعَالَى: { كل يجْرِي إِلَى أجل مُسَمّى} (:) فَإِن قلت: يجْرِي لأجل مُسَمّى، وَيجْرِي إِلَى أجل مُسَمّى، هُوَ من تعاقب الحرفية.
قلت: كلا، وَلنْ يسْلك هَذِه الطَّرِيقَة إلاَّ بليد الطَّبْع ضيق العطن، وَلَكِن الْمَعْنيين، أَعنِي: الِانْتِهَاء والاختصاص، كل وَاحِد مِنْهُمَا ملائم لصِحَّة الْغَرَض، لِأَن قَوْلك: يجْرِي إِلَى أجل مُسَمّى مَعْنَاهُ: يبلغهُ وَيَنْتَهِي إِلَيْهِ، وقولك: يجْرِي لأجل مُسَمّى، يُرِيد: يجْرِي لإدراك أجل مُسَمّى.
قَوْله: (هن خمس) الضَّمِير فِيهِ مُبْهَم يفسره الْخَبَر، كَقَوْلِه:
(هِيَ النَّفس مَا حملتها تتحمل)

قَوْله: (فَإِذا فِيهَا) .
كلمة: إِذا هَهُنَا وَإِلَى فِي قَوْله: (وَإِذا ترابها) للمفاجأة.

ذكر استنباط الْأَحْكَام والفوائد: مِنْهَا: أَن الَّذِي يفهم من تَرْتِيب البُخَارِيّ هَهُنَا أَن الْإِسْرَاء والمعراج وَاحِد، لِأَنَّهُ قَالَ أَولا: كَيفَ فرضت الصَّلَاة فِي الْإِسْرَاء، ثمَّ أورد الحَدِيث، وَفِيه: (ثمَّ عرج بِي إِلَى السَّمَاء) ، وَظَاهر إِيرَاده فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، يَقْتَضِي أَن الْإِسْرَاء غير الْمِعْرَاج، فَإِنَّهُ ترْجم للإسراء تَرْجَمَة، وَأخرج فِيهَا حَدِيثا، ثمَّ ترْجم للمعراج تَرْجَمَة وَأخرج فِيهَا حَدِيثا.
وَمِنْهَا: أَن قَوْله: (فَنزل جِبْرِيل) ، وَقَوله: (فعرج بِي إِلَى السَّمَاء) يدلان على رِسَالَة النَّبِي وعَلى خصوصيته بِأُمُور لم يُعْطهَا غَيره.
وَمِنْهَا: أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، هُوَ الَّذِي كَانَ ينزل على النَّبِي من عِنْد اوبأمره.
وَمِنْهَا: أَن بَعضهم اسْتدلَّ بقوله: (ثمَّ أَخذ بيَدي) على أَن الْمِعْرَاج وَقع غير مرّة، لكَون، الْإِسْرَاء إِلَى بَيت الْمُقَدّس لم يذكر هَهُنَا..
     وَقَالَ  بَعضهم: يُمكن أَن يُقَال: هُوَ من بابُُ اخْتِصَار الرَّاوِي.
قلت: هَذَا غير مقنع، لِأَن الرَّاوِي لَا يختصر مَا سَمعه عمدا.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ إِثْبَات الاسْتِئْذَان وَبَيَان الْأَدَب فِيمَا إِذا اسْتَأْذن أحد بدق الْبابُُ وَنَحْوه، فَإِذا قيل لَهُ: من أَنْت؟ يَقُول: زيد، مثلا.
وَلَا يَقُول: أَنا، إِذْ لَا فَائِدَة فِيهِ لبَقَاء الْإِبْهَام، كَذَا قَالُوا: قلت: وَلَا يقْتَصر على قَوْله: زيد، مثلا، لِأَن الْمُسَمّى: بزيد، قد يكون كثيرا فيشتبه عَلَيْهِ، بل يذكر الشَّيْء الَّذِي هُوَ مَشْهُور بَين النَّاس بِهِ.
وَمِنْهَا: أَن رَسُول الرجل يَقُول مقَام آذنه، لِأَن الخازن لم يتَوَقَّف على الْفَتْح لَهُ على الْوَحْي إِلَيْهِ بذلك، بل عمل بِلَازِم الْإِرْسَال إِلَيْهِ.
وَمِنْهَا: أَنه علم مِنْهُ أَن للسماء أبواباً حَقِيقَة وحفظة موكلين بهَا.
وَمِنْهَا: أَنه علم أَن رَسُول الله من نسل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حَيْثُ قَالَ: (وَالِابْن الصَّالح) ، بِخِلَاف غَيره من الْأَنْبِيَاء الْمَذْكُورين فِيهِ، فَإِنَّهُم قَالُوا: الْأَخ الصَّالح.
وَمِنْهَا: جَوَاز مدح الْإِنْسَان فِي وَجهه إِذا أَمن عَلَيْهِ الْإِعْجَاب وَغَيره من أَسبابُُ الْفِتَن.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ شَفَقَة الْوَالِد على وَلَده وسروره بِحسن حَاله.
وَمِنْهَا: مَا قَالَت الشَّافِعِيَّة: إِن فِيهِ عدم وجوب صَلَاة الْوتر حَيْثُ عين الْخمس.
قُلْنَا؛ نَحن أَيْضا نقُول: لم يجب الْوتر فِي ذَلِك، وَإِنَّمَا كَانَ وُجُوبه بعد ذَلِك بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (إِن ازادكم صَلَاة) .
الحَدِيث، فَلذَلِك انحطت دَرَجَته عَن الْفَرْض، لِأَن ثُبُوت الْفَرْض الْخمس بِدَلِيل قَطْعِيّ وَمِنْهَا أَن فِي ظَاهره أَن أَرْوَاح بني آدمر من أهل الْجنَّة وَالنَّار فِي دَرَجَته عَن الْفَرْض لِأَن ثُبُوت الْفَرْض الْخمس بِدَلِيل قَطْعِيّ.
وَمِنْهَا: أَن الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان.
قَالَ ابْن بطال: وَفِيه: دَلِيل أَن الْجنَّة فِي السَّمَاء.
وَمِنْهَا: أَنه قد اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على جَوَاز تحلية الْمُصحف.
وَغَيره بِالذَّهَب، وَهَذَا اسْتِدْلَال بعيد، لِأَن ذَلِك كَانَ فعل الْمَلَائِكَة واستعمالهم، وَلَيْسَ بِلَازِم أَن يكون حكمهم كحكمنا، وَيحْتَاج أَيْضا إِلَى ثُبُوت كَونهم مكلفين بِمَا كلفنا بِهِ، وَمَعَ هَذَا كَانَ هَذَا على أصل الْإِبَاحَة وَتَحْرِيم اسْتِعْمَال النَّقْدَيْنِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ.

وَمِنْهَا: أَن قوما استدلوا بِالنَّقْضِ على أَنه يجوز نسخ الْعِبَادَة قبل الْعَمَل بهَا، وَأنكر أَبُو جَعْفَر النّحاس هَذَا القَوْل من وَجْهَيْن.
أَحدهمَا: الْبناء على أَصله ومذهبه فِي أَن الْعِبَادَة لَا يجوز نسخهَا قبل الْعَمَل بهَا، لِأَن ذَلِك عِنْده من البداء، والبداء على اسبحانه وَتَعَالَى محَال.
الثَّانِي: أَن الْعِبَادَة، وَإِن جَازَ نسخهَا قبل الْعَمَل بهَا عِنْد من يرَاهُ، فَلَيْسَ يجوز عِنْد أحد نسخهَا قبل هبوطها إِلَى الأَرْض ووصولها إِلَى المخاطبين.
قَالَ: وَإِنَّمَا ادّعى النّسخ فِيهَا القاشاني ليصحح بذلك مذْهبه فِي أَن الْبَيَان لَا يتَأَخَّر.
قَالَ أَبُو جَعْفَر: وَهَذَا إِنَّمَا هِيَ شَفَاعَة شفعها رَسُول الله لأمته، ومراجعة رَاجعهَا ربه ليخفف عَن أمته، وَلَا يُسمى نسخا..
     وَقَالَ  السُّهيْلي: قَول أبي جَعْفَر: وَذَلِكَ بداء، لَيْسَ بِصَحِيح، لِأَن حَقِيقَة البداء أَن يَبْدُو للْآمِر رَأْي يتَبَيَّن الصَّوَاب فِيهِ بعد أَن لم يكن تبينه، وَهَذَا محَال فِي حق اتعالى، وَالَّذِي يظْهر أَنه نسخ مَا وَجب على النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من أَدَائِهَا، وَرفع عَنهُ اسْتِمْرَار الْعَزْم واعتقاد الْوُجُوب، وَهَذَا نسخ على الْحَقِيقَة، نسخ عَنهُ مَا وَجب عَلَيْهِ من التَّبْلِيغ، فقد كَانَ فِي كل مرّة عَازِمًا على تَبْلِيغ مَا أَمر بِهِ ومراجعته، وشفاعته لَا تَنْفِي النّسخ، فَإِن النّسخ قد يكون عَن سَبَب مَعْلُوم، فشفاعته كَانَ سَببا للنسخ لَا مبطلة لحقيقته، وَلَكِن الْمَنْسُوخ مَا ذَكرْنَاهُ من حكم التَّبْلِيغ الْوَاجِب عَلَيْهِ قبل النّسخ، وَحكم الصَّلَوَات فِي خاصته، وَأما أمته فَلم ينْسَخ عَنْهُم حكم إِذْ لَا يتَصَوَّر نسخ الحكم قبل وُصُوله إِلَى الْمَأْمُور.

وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يكون هَذَا خَبرا لَا تعبداً، فَإِذا كَانَ خَبرا لَا يدْخلهُ النّسخ، وَمعنى الْخَبَر أَنه أخبرهُ ربه أَن على أمته خمسين صَلَاة، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ خَمْسُونَ، فتأولها عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، على أَنَّهَا خَمْسُونَ بِالْفِعْلِ، فبينها لَهُ ربه تَعَالَى عِنْد مُرَاجعَته أَنَّهَا فِي الثَّوَاب لَا فِي الْعَمَل.
وَمِنْهَا: وجوب الصَّلَوَات الْخمس، وَالْبابُُ مَعْقُود لهَذَا،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: أَجمعُوا على أَن فرض الصَّلَاة كَانَ لَيْلَة الْإِسْرَاء..
     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: ثمَّ إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، أَتَى فهمز بعقبه فِي نَاحيَة الْوَادي فانفجرت عين مَاء مزن، فَتَوَضَّأ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَمُحَمّد عَلَيْهِ السَّلَام، ينظر، فَرجع رَسُول الله فَأخذ بيد خَدِيجَة رَضِي اتعالى عَنْهَا، ثمَّ أَتَى بهَا الْعين فَتَوَضَّأ كَمَا تَوَضَّأ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، ثمَّ صلى هُوَ وَخَدِيجَة رَكْعَتَيْنِ كَمَا صلى جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام..
     وَقَالَ  نَافِع بن جُبَير: أصبح النَّبِي، لَيْلَة الْإِسْرَاء فَنزل جِبْرِيل حِين زاغت الشَّمْس فصلى بِهِ.

     وَقَالَ  جمَاعَة: لم تكن صَلَاة مَفْرُوضَة قبلهَا، إلاَّ مَا كَانَ أَمر بِهِ من قيام اللَّيْل من غير تَحْدِيد رَكْعَات وَوقت حُضُور، وَكَانَ يقوم أدنى من ثُلثي اللَّيْل وَنصفه وَثلثه.
وَمِنْهَا: أَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ يصعد بهَا إِلَى السَّمَاء.
وَمِنْهَا: أَن أَعمال نَبِي آدم الصَّالِحَة تسر آدم وأعمالهم السَّيئَة تسوءه.
وَمِنْهَا: أَنه يجب أَن يرحب بِكُل أحد من النَّاس فِي حِين لِقَائِه بإكرام النَّازِل، وَأَن يلاقيه بِأَحْسَن صِفَاته، وأعمها بجميل الثَّنَاء عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: أَن أوَامِر اتعالى تكْتب بأقلام شَتَّى، وَأَن الْعلم يَنْبَغِي أَن يكْتب بأقلام كَثِيرَة، تِلْكَ سنة افي سمواته، فَكيف فِي أرضه؟ وَمِنْهَا: أَن مَا قَضَاهُ وأحكمه من آثَار مَعْلُومَة وآجال مَكْتُوبَة وَشبه ذَلِك مِمَّا لَا يُبدل لَدَيْهِ، وَأما مَا نسخه رفقا لِعِبَادِهِ فَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ { يمحو اما يَشَاء وَيثبت} (الرَّعْد: 93) .

الأسئلة والأجوبة فَمِنْهَا مَا قيل: مَا وَجه اعتناء مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِهَذِهِ الْأمة من بَين سَائِر الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، الَّذين رَآهُمْ النَّبِي لَيْلَة الْإِسْرَاء؟ وَأجِيب: لما ورد أَنه قَالَ: يَا رب اجْعَلنِي من أمة مُحَمَّد، لما رأى من كرامتهم، على رَبهم، فَكَانَ اعتناؤه بأمرهم وإشفاقه عَلَيْهِم كَمَا يعتني بالقوم من هُوَ مِنْهُم..
     وَقَالَ  الدَّاودِيّ؛ إِنَّمَا كَانَ ذَلِك من مُوسَى لِأَنَّهُ أول من سبق إِلَيْهِ حِين فرضت الصَّلَاة، فَجعل افي قلب مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ذَلِك ليتم مَا سبق من علم اتعالى.

وَمِنْهَا مَا قيل: مَا معنى نقص الصَّلَاة عشرا بعد عشر؟ وَأجِيب: لَيْسَ كل الْخلق يحضر قلبه فِي الصَّلَاة من أَولهَا إِلَى آخرهَا، وَقد جَاءَ أَنه يكْتب لَهُ مَا حضر قلبه مِنْهَا، وَأَنه يُصَلِّي فَيكْتب لَهُ نصفهَا وربعها حَتَّى انْتهى إِلَى عشرهَا، ووقف، فَهِيَ خمس فِي حق من يكْتب لَهُ عشرهَا، وَعشر فِي حق من يكْتب لَهُ أَكثر من ذَلِك، وَخَمْسُونَ فِي حق من كملت صلَاته بِمَا يلْزمه من تَمام خشوعها وَكَمَال سجودها وركوعها.

وَمِنْهَا مَا قيل: إِن النَّبِي كَيفَ رأى الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي السَّمَوَات ومقرهم فِي الأَرْض؟ وَأجِيب: بِأَن اتعالى شكل أَرْوَاحهم على هَيْئَة صور أَجْسَادهم.
ذكره ابْن عقيل، وَكَذَا ذكره ابْن التِّين،.

     وَقَالَ : وَإِنَّمَا تعود الْأَرْوَاح إِلَى الأجساد يَوْم الْبَعْث إلاَّ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِنَّهُ حَيّ لم يمت، وَهُوَ ينزل إِلَى الأَرْض.
قلت: الْأَنْبِيَاء أَحيَاء، فقد رَآهُمْ النَّبِي حَقِيقَة، وَقد مر على مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي قَبره، وَرَآهُ فِي السَّمَاء السَّادِسَة.

وَمِنْهَا مَا قيل: مَا الْحِكْمَة فِي أَنه عين من الْأَنْبِيَاء آدم وَإِدْرِيس وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فِي حَدِيث هَذَا الْبابُُ، وَفِي غَيره ذكر أَيْضا: يحيى ويوسف وَهَارُون، وهم ثَمَانِيَة؟ وَأجِيب.
أما آدم فَإِنَّهُ خرج من الْجنَّة بعداوة إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة، لَهُ وتحيله، فَكَذَلِك نَبينَا خرج من مَكَّة بأذى قومه لَهُ وَلمن أسلم مَعَه، وَأَيْضًا، فَإِن اتعالى أَرَادَ أَن يعرض على نبيه نسم بنيه من أهل الْيَمين وَأهل الشمَال، ليعلم بذلك أهل الْجنَّة وَأهل النَّار.
وَأَيْضًا فَإِن آدم أَبُو الْبشر وَأول الْأَنْبِيَاء الْمُرْسلين، وكنيته أَبُو الْبشر أَيْضا.
وَقيل: أَبُو مُحَمَّد، وروى ابْن عَسَاكِر من حَدِيث عَليّ رَضِي اتعالى عَنهُ مَرْفُوعا: (أهل الْجنَّة لَيْسَ لَهُم كنى إلاَّ آدم فَإِنَّهُ يكنى: أَبَا مُحَمَّد) .
وَمن حَدِيث كَعْب الْأَحْبَار: (لَيْسَ لأحد من أهل الْجنَّة لحية إلاَّ آدم، فَإِن لَهُ لحية سَوْدَاء إِلَى سرته) .
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ لحية فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا كَانَت اللحى بعد آدم، ثمَّ قيل: إِن اسْم آدم سرياني، وَقيل: مُشْتَقّ، فَقيل: أفعل من الأدمة.
وَقيل: من لفظ الْأَدِيم، لِأَنَّهُ خلق من أَدِيم الأَرْض..
     وَقَالَ  النَّضر بن شُمَيْل: سمي آدم لبياضه.
وَذكر مُحَمَّد بن عَليّ: أَن الآدم من الظباء الطَّوِيل القوائم.
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (إِن اخلق آدم على صورته، طوله سِتُّونَ ذِرَاعا، فَكل من يدْخل الْجنَّة على صورته وَطوله، وَولد لَهُ أَرْبَعُونَ ولدا فِي عشْرين بَطنا، وَعمر ألف سنة، وَلما أهبطه من الْجنَّة هَبَط (بسر نديب) من الْهِنْد على جبل يُقَال لَهُ؛ (نوذ) وَلما حَضرته الْوَفَاة اشْتهى قطف عِنَب، فَانْطَلق بنوه ليطلبوه فلقيتهم الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: أَيْن تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: إِن أَبَانَا اشْتهى قطفاً.
قَالُوا: ارْجعُوا فقد كفيتموه، فَرَجَعُوا فوجدوه قد قبض، فغسلوه وحنطوه وكفنوه وَصلى عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالْمَلَائِكَة خَلفه وَبَنوهُ خَلفهم، ودفنوه.
وَقَالُوا: هَذِه سنتكم فِي مَوْتَاكُم) .
وَدفن فِي غَار يُقَال لَهُ: غَار الْكَنْز، فِي أبي قبيس، فاستخرجه نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي الطوفان وَأَخذه وَجعله فِي تَابُوت مَعَه فِي السَّفِينَة، فَلَمَّا نضب المَاء رده نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى مَكَانَهُ.

وَأما إِدْرِيس، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِنَّهُ كَانَ أول من كتب بالقلم وانتشر مِنْهُ بعده فِي أهل الدُّنْيَا، فَكَذَلِك نَبينَا، كتب إِلَى الْآفَاق، وَسمي بِذَاكَ لدرسه الصُّحُف الثَّلَاثِينَ الَّتِي أنزلت عَلَيْهِ، فَقيل: إِنَّه خنوخ، وَيُقَال: أَخْنُوخ، وَيُقَال: اخنخ، وَيُقَال: اهنخ بن برد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شِيث بن آدم..
     وَقَالَ  الْحَرَّانِي: اسْم أمه: برة، وخنوخ سرياني، وَتَفْسِيره بالعربي: إِدْرِيس، قَالَ وهب: هُوَ جد نوح، وَقد قيل: إِنَّه إلْيَاس، وَإنَّهُ لَيْسَ بجد نوح وَلَا هُوَ فِي عَمُود هَذَا النّسَب، وَنَقله السُّهيْلي عَن ابْن الْعَرَبِيّ، وَاسْتشْهدَ بِحَدِيث الْإِسْرَاء حَيْثُ قَالَ فِيهِ: (مرْحَبًا بالأخ الصَّالح) ، وَلَو كَانَ فِي عَمُود هَذَا النّسَب لقَالَ لَهُ، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيم: (وَالِابْن الصَّالح) ، وَذكر بَعضهم أَن إِدْرِيس كَانَ نَبيا فِي بني إِسْرَائِيل، فَإِن كَانَ كَذَلِك فَلَا اعْتِرَاض..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: يحْتَمل أَنه قَالَ تلطفاً وتأدباً، وَهُوَ أَخ، وَإِن كَانَ ابْنا وَالْأَبْنَاء أخوة، والمؤمنون أخوة..
     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير: أَكثر الطّرق على أَنه خاطبه بالأخ.
قَالَ:.

     وَقَالَ  لي ابْن أبي الْفضل: صحت لي طَرِيق أَنه خاطبه فِيهَا بالإبن الصَّالح..
     وَقَالَ  الْمَازرِيّ: ذكر المؤرخون أَن إِدْرِيس جد نوح، فَإِن قَامَ دَلِيل على أَن إِدْرِيس أرسل، لم يَصح قَول النسابين: إِنَّه جد نوح، لإخبار نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي الحَدِيث الصَّحِيح: (ائْتُوا نوحًا فَإِنَّهُ أول رَسُول بَعثه اإلى أهل الأَرْض) ، وَإِن لم يقم دَلِيل جازم، قَالَ: وَصَحَّ أَن إِدْرِيس كَانَ نَبيا وَلم يُرْسل، قَالَ السُّهيْلي: وَحَدِيث أبي ذَر الطَّوِيل يدل على أَن آدم وَإِدْرِيس رسولان.
قلت: حَدِيث أبي ذَر أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : رفع إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة، وَرَآهُ فِيهَا، وَرفع وَهُوَ ابْن ثَلَاث مائَة وَخمْس وَسِتِّينَ سنة.

وَأما إِبْرَاهِيم، فَإِن نَبينَا، رَآهُ مُسْندًا ظَهره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور، فَكَذَلِك حَال نَبينَا، كَانَ فِي حجه الْبَيْت واختتام عمره بذلك، كَانَ نَظِير لِقَائِه إِبْرَاهِيم فِي آخر السَّمَوَات، وَمعنى إِبْرَاهِيم: أَب رَحِيم، وكنيته أَبُو الضيفان.
قيل: إِنَّه ولد بغوطة دمشق ببرزة فِي جبل قاسيون، وَالصَّحِيح أَنه ولد بكوثا من إقليم بابُل من الْعرَاق، وَكَانَ بَينه وَبَين نوح عدَّة قُرُون، وَقيل: ولد على رَأس ألف سنة من خلق آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَذكر الطَّبَرِيّ: أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِنَّمَا نطق بالعبرانية حِين عبر النَّهر فَارًّا من نمْرُود، عَلَيْهِ اللَّعْنَة..
     وَقَالَ  نمْرُود للَّذين أرسلهم وَرَاءه فِي طلبه: إِذا وجدْتُم فَتى يتَكَلَّم بالسُّرْيَانيَّة فَردُّوهُ، فَلَمَّا أدركوه استنطقوه، فحول السانه عبرانياً، وَذَلِكَ حِين عبر النَّهر، فسميت العبرانية بذلك.
قلت: المُرَاد من هَذَا النَّهر هُوَ الْفُرَات، وَبلغ إِبْرَاهِيم مِائَتي سنة.
وَقيل: تنتقص خَمْسَة وَعشْرين.
وَدفن بالبلدة الْمَعْرُوفَة بالخليل.

وَأما مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِن أمره آل إِلَى قهر الْجَبابُُِرَة وإخراجهم من أَرضهم، فَكَذَلِك نَبينَا حَاله مثل ذَلِك، حَيْثُ فتح مَكَّة وقهر المتجبرين الْمُسْتَهْزِئِينَ من قُرَيْش.
ومُوسَى: هُوَ عمرَان بن قاهث بن يصهر بن لاوي بن يَعْقُوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.

وَأما عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِن الْيَهُود راموا قَتله، فرفعه اإليه، فَكَذَلِك نَبينَا، فَإِن الْيَهُود أَرَادوا قَتله حِين سموا لَهُ الشَّاة، فَنَجَّاهُ اتعالى من ذَلِك.
وَاسم عِيسَى عبراني، وَقيل سرياني.

وَأما يحيى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِن نَبينَا رَآهُ مَعَ عِيسَى فِي السَّمَاء، وَإنَّهُ رأى من الْيَهُود مَا لَا يُوصف حَتَّى ذبحوه، فَكَذَلِك نَبينَا رأى من قُرَيْش مَا لَا يُوصف، وَلَكِن اتعالى نجاه مِنْهُم.

وَأما يُوسُف، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِنَّهُ عَفا عَن إخْوَته حَيْثُ قَالَ: { لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم} (يُوسُف: 29) الْآيَة، فَكَذَلِك نَبينَا عَفا عَن قُرَيْش يَوْم فتح مَكَّة.

وَأما هَارُون، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِنَّهُ كَانَ محبباً إِلَى بني إِسْرَائِيل، حَتَّى إِن قومه كَانُوا يؤثرونه على مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَكَذَلِك كَانَ نَبينَا ثمَّ صَار محبباً عِنْد سَائِر الْخلق.

وَمِنْهَا مَا قيل: إِن قَوْله فِي الحَدِيث: لم يثبت كَيفَ مَنَازِلهمْ، يُخَالِفهُ كلمة؛ ثمَّ الَّتِي للتَّرْتِيب؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ إِمَّا أَن أنسا لم يرو هَذَا عَن أبي ذَر، وَإِمَّا أَن يُقَال: لَا يلْزم مِنْهُ تعْيين مَنَازِلهمْ لبَقَاء الْإِبْهَام فِيهِ، لِأَن بَين آدم وَإِبْرَاهِيم ثَلَاثَة من الْأَنْبِيَاء وَأَرْبَعَة من السَّمَوَات أَو خَمْسَة، إِذْ جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات: وَإِبْرَاهِيم فِي السَّمَاء السَّابِعَة.

وَمِنْهَا مَا قيل: قَوْله تَعَالَى: { مَا يُبدل القَوْل لدي} (ق: 92) لم لَا يجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: لَا ينقص عَن الْخمس وَلَا يُبدل الْخمس إِلَى أقل من ذَلِك؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا يُنَاسب لفظ: (استحييت من رَبِّي) ، فَإِن قيل: ألم يُبدل القَوْل لَدَيْهِ حَيْثُ جعل الْخمسين خمْسا؟ أُجِيب: بِأَن مَعْنَاهُ لَا يُبدل الإخبارات، مثل أَن ثَوَاب الْخمس خَمْسُونَ لَا التكليفات، أَو لَا يُبدل الْقَضَاء المبرم لَا الْقَضَاء الْمُعَلق الَّذِي يمحو اما يَشَاء مِنْهُ وَيثبت مِنْهُ، أَو مَعْنَاهُ: لَا يُبدل القَوْل بعد ذَلِك.

وَمِنْهَا مَا قيل: إِن الْإِسْرَاء كَانَ لَيْلًا بِالنَّصِّ، فَمَا الْحِكْمَة فِي كَونه لَيْلًا؟ وَأجِيب: بأوجه: الأول: أَنه وَقت الْخلْوَة والاختصاص ومجالسة الْمُلُوك، وَهُوَ أشرف من مجالستهم نَهَارا، وَهُوَ وَقت مُنَاجَاة الْأَحِبَّة.
الثَّانِي: أَن اتعالى أكْرم جمَاعَة من أنبيائه بأنواع الكرامات لَيْلًا، قَالَ تَعَالَى فِي قصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام { فَلَمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل رأى كوكباً} (الْأَنْعَام: 67) وَفِي قصَّة لوط، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، { فَأسر بأهلك بِقطع من اللَّيْل} (هود: 18، وَالْحجر: 56) وَفِي قصَّة يَعْقُوب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: { سَوف اسْتغْفر لكم رَبِّي} (يُوسُف: 89) وَكَانَ آخر دُعَائِهِ وَقت السحر من لَيْلَة الْجُمُعَة، وَقرب مُوسَى نجياً لَيْلًا، وَذَلِكَ تَعَالَى: { إِذْ قَالَ لأَهله امكثوا إِنِّي آنست نَارا} (طه: 01، والقصص: 92).

     وَقَالَ : { وواعدنا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة} (الْأَعْرَاف: 241) ..
     وَقَالَ  لَهُ لما أمره بِخُرُوجِهِ من مصر ببني إِسْرَائِيل: { فَأسر بعبادي لَيْلًا إِنَّكُم متبعون} (الدُّخان: 32) .
وَأكْرم نَبينَا أَيْضا لَيْلًا بِأُمُور مِنْهَا: انْشِقَاق الْقَمَر، وإيمان الْجِنّ بِهِ، وَرَأى الصَّحَابَة آثَار نيرانهم كَمَا ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم) وَخرج إِلَى الْغَار لَيْلًا.
الثَّالِث: أَن اتعالى قدم ذكر اللَّيْل على النَّهَار فِي غير مَا آيَة فَقَالَ: { وَجَعَلنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ} (الْإِسْرَاء: 21).

     وَقَالَ : { وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} (يس: 04) وَلَيْلَة النَّحْر تغني عَن الْوُقُوف نَهَارا.
الرَّابِع: أَن اللَّيْل أصل، وَلِهَذَا كَانَ أول الشُّهُور، وسواده يجمع ضوء الْبَصَر وَيحد كليل النّظر ويستلذ فِيهِ بالسمر ويجتلى فِيهِ وَجه الْقَمَر.
الْخَامِس: أَنه لَا ليل إلاَّ وَمَعَهُ نَهَار، وَقد يكون نَهَار بِلَا ليل، وَهُوَ: يَوْم الْقِيَامَة الَّذِي مِقْدَاره خمسين ألف سنة.
السَّادِس: أَن اللَّيْل مَحل استجابة الدُّعَاء والغفران وَالعطَاء.
فَإِن قلت: ورد فِي الحَدِيث: (خير يَوْم طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس يَوْم عَرَفَة، أَو يَوْم الْجُمُعَة) قلت: قَالُوا ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَيَّام.
قلت: لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر، وَقد دخل فِي هَذِه اللَّيْلَة أَرْبَعَة آلَاف جُمُعَة بِالْحِسَابِ الْجملِي، فَتَأمل هَذَا الْفضل الْخَفي.
السَّابِع: أَن أَكثر أَسْفَاره كَانَ لَيْلًا،.

     وَقَالَ : (عَلَيْكُم بالدلجة فَإِن الأَرْض تطوى بِاللَّيْلِ) .
وَالثَّامِن: لينفي عَنهُ مَا ادَّعَتْهُ النَّصَارَى فِي عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من الْبُنُوَّة لما رفع نَهَارا تَعَالَى اعن ذَلِك.
التَّاسِع: لِأَن اللَّيْل وَقت الِاجْتِهَاد لِلْعِبَادَةِ، وَكَانَ قَامَ حَتَّى تورمت قدماه.
وَكَانَ قيام اللَّيْل فِي حَقه وَاجِبا.

     وَقَالَ  فِي حَقه: { يَا أَيهَا المزمل قُم اللَّيْل إلاّ قَلِيلا} (المزمل: 1 2) فَلَمَّا كَانَت عِبَادَته لَيْلًا أَكثر أكْرم بالإسراء فِيهِ، وَأمره بقوله: { وَمن اللَّيْل فتهجد بِهِ} (الْإِسْرَاء: 97) .
الْعَاشِر: ليَكُون أجر الْمُصدق بِهِ أَكثر، ليدْخل فِيمَن آمن بِالْغَيْبِ دون من عاينه نَهَارا.

وَمِنْهَا مَا قيل: إِنَّه ذكر فِي هَذَا الحَدِيث أَن صَدره غسل بِمَاء زَمْزَم، وَقَلبه بالثلج؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ غسل بالثلج أَولا ليثلج الْيَقِين إِلَى قلبه، وَهَذِه لدُخُول الحضرة القدسية، وَقيل: فعل بِهِ ذَلِك فِي حَال صغره ليصير قلبه مثل قُلُوب الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي الانشراح.
وَالثَّانيَِة: ليصير حَاله مثل حَال الْمَلَائِكَة.

وَمِنْهَا مَا قيل: مَا كَانَت الْحِكْمَة فِي الْإِسْرَاء؟ أُجِيب: بِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ للمناجاة، وَلِهَذَا كَانَ من غير مواعدة، وَهَذَا أوقع وَأعظم، وَكَانَ التكليم فِي مُوسَى عَن مواعدة وموافاة، فَأَيْنَ ذَلِك من هَذَا؟ وشتان مَا بَين المقامين وَبَين من كلم على الطّور، وَبَين من دعِي إِلَى أعالي الْبَيْت الْمَعْمُور، وَبَين من سخرت لَهُ الرّيح مسيرَة شهر، وَبَين من ارْتقى من الْفرش إِلَى الْعَرْش فِي سَاعَة زمانية.

وَمِنْهَا مَا قيل: إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عرج بِهِ على دَابَّة يُقَال لَهَا الْبراق، وَثَبت ذَلِك بالتواتر، وَمَا الْحِكْمَة فِي ذَلِك، وَكَانَ اقادراً على رَفعه فِي طرفَة عين بِلَا براق؟ وَأجِيب: بِأَن ذَلِك للتأنيس بالمعتاد، وَالْقلب إِلَى ذَلِك أميل، وعرج بِهِ لكرامة الرَّاكِب على غَيره، وَلذَلِك لم ينزل عَنهُ على مَا جَاءَ فِي حَدِيث حُذَيْفَة؛ مَا زَالَ على ظهر الْبراق حَتَّى رَجَعَ، وَإِنَّمَا لم يذكر فِي الرُّجُوع للْعلم بِهِ لقَرِينَة الصعُود.
وَسمي: براقاً لسرعته تَشْبِيها ببرق السَّحَاب، وَكَانَت بغلته، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بَيْضَاء، أَي: شهباء، فَكَذَلِك كَانَ الْبراق، وَفِيه أسئلة.
الأول: كَون الْبراق على شكل الْبَغْل دون الْخَيل مَعَ أَن الْخَيل أفضل وَأحسن.
وَالْجَوَاب: كَانَ الرّكُوب فِي السّلم والأمن لَا فِي الْخَوْف وَالْحَرب، ولإسراعه عَادَة، ولتحقيق ثباته وَصَبره، فَلذَلِك كَانَ، ركب بغلته فِي الْحَرْب فِي قصَّة حنين لتحقيق ثباته فِي مَوَاطِن الْحَرْب، وَأما ركُوب الْمَلَائِكَة الْخَيل فَلِأَنَّهُ الْمَعْهُود بِالْخَيْلِ فِي الحروب، وَمَا لطف من البغال واستدار أحسن من الْخَيل فِي الْوُجُوه الَّتِي ذَكرنَاهَا.
الثَّانِي: استصعاب الْبراق لماذا كَانَ؟ وَالْجَوَاب: كَانَ تيهاً وزهواً لركوبه، وَقَول جِبْرِيل: أبمحمد تستصعب تَحْقِيق الْحَال وَقد ارفضَّ عرقاً من تيه الْجمال؟ وَقد قيل: إِنَّه رَكبه الْأَنْبِيَاء قبله أَيْضا.
وَقيل: إِن جِبْرِيل ركب مَعَه.
الثَّالِث: تشمس الْبراق حِين قدومه إِلَيْهِ للرُّكُوب، قَالَه قَتَادَة.
الْجَواب: إِن تشمسه ونفرته كَانَ لبعد عَهده من الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَطول الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام..
     وَقَالَ : قَالَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام لمُحَمد، حِين تشمس بِهِ الْبراق: لَعَلَّك يَا مُحَمَّد مسست الصَّفْرَاء الْيَوْم، يَعْنِي الذَّهَب؟ فَأخْبر النَّبِي أَنه مامسها إلاَّ أَنه مر بهَا.
فَقَالَ: تَبًّا لمن يعبدك من دون اتعالى، وَمَا شمس إلاَّ لذَلِك ذكره السُّهيْلي.
وَسمعت من بعض أستاذي الْكِبَار، أَنه: إِنَّمَا شمس ليعد لَهُ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بالركوب عَلَيْهِ أَولا يَوْم الْقِيَامَة، فَلَمَّا وعد لَهُ قر.

وَمِنْهَا مَا قيل: مَا معنى قَوْله: (وغشيها ألوان لَا أَدْرِي مَا هِيَ) ؟ .
أُجِيب: بِأَن هَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى: { إِذْ يغشى السِّدْرَة مَا يغشى} (النَّجْم: 61) فِي أَن الْإِبْهَام للتفخيم والتهويل، وَإِن كَانَ مَعْلُوما.
وَقيل: فرَاش من ذهب، وَقيل: لَعَلَّه مثل مَا يغشى من الْأَنْوَار الَّتِي تنبعث مِنْهَا وتتساقط على موقعها بالفراش، وَجعلهَا من الذَّهَب لصفائها وإضاءتها فِي نَفسهَا.

وَمِنْهَا مَا قيل: كَيفَ تصور الصعُود إِلَى السَّمَوَات وَمَا فَوْقهَا، والجسم الإنساني كثيف قبل هَذَا؟ أُجِيب: بِأَن الْأَرْوَاح أَرْبَعَة أَقسَام.
الأول: الْأَرْوَاح الكدرة بِالصِّفَاتِ البشرية، وَهِي أَرْوَاح الْعَوام، غلبت عَلَيْهَا القوى الحيوانية فَلَا تقبل العروج أصلا.
وَالثَّانِي: الْأَرْوَاح الَّتِي لَهَا كَمَال الْقُوَّة النظرية للبدن باكتساب الْعُلُوم، وَهَذِه أَرْوَاح الْعلمَاء.
وَالثَّالِث: الْأَرْوَاح الَّتِي لَهَا كَمَال الْقُوَّة الْمُدبرَة للبدن باكتساب الْأَخْلَاق الحميدة، وَهَذِه أَرْوَاح المرتاضين، إِذْ كسروا قوى أبدانهم بالارتياض والمجاهدة.
وَالرَّابِع: الْأَرْوَاح الَّتِي حصل لَهَا كَمَال القوتين، فَهَذِهِ غَايَة الْأَرْوَاح البشرية، وَهِي أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء وَالصديقين، فَكلما ازدادت قُوَّة أَرْوَاحهم ازْدَادَ ارْتِفَاع أبدانهم من الأَرْض، وَلِهَذَا لما كَانَ الْأَنْبِيَاء، صلوَات اعليهم وَسَلَامه، قويت فيهم هَذِه الْأَرْوَاح، عرج بهم إِلَى السَّمَاء وأكملهم قُوَّة نَبينَا، فعرج بِهِ إِلَى قاب قوسين أَو أدنى.