هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3540 حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ إِسْحَاقُ : أَخْبَرَنَا ، وقَالَ زُهَيْرٌ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ ، قَالَ : دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ ، فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الصَّلَاةَ جَامِعَةً ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا ، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ : هَذِهِ مُهْلِكَتِي ، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ : هَذِهِ هَذِهِ ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ ، وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ ، وَقَالَ : سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ ، وَوَعَاهُ قَلْبِي ، فَقُلْتُ لَهُ : هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ ، يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ ، وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا ، وَاللَّهُ يَقُولُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } قَالَ : فَسَكَتَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ . وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَابْنُ نُمَيْرٍ ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، ح وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ ، وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ ، عَنْ عَامِرٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ الصَّائِدِيِّ ، قَالَ : رَأَيْتُ جَمَاعَةً عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3540 حدثنا زهير بن حرب ، وإسحاق بن إبراهيم ، قال إسحاق : أخبرنا ، وقال زهير : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ، قال : دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة ، والناس مجتمعون عليه ، فأتيتهم فجلست إليه ، فقال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ، ومنا من ينتضل ، ومنا من هو في جشره ، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة جامعة ، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم ، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها ، وسيصيب آخرها بلاء ، وأمور تنكرونها ، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا ، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ، ثم تنكشف وتجيء الفتنة ، فيقول المؤمن : هذه هذه ، فمن أحب أن يزحزح عن النار ، ويدخل الجنة ، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده ، وثمرة قلبه ، فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ، فدنوت منه ، فقلت له : أنشدك الله آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأهوى إلى أذنيه ، وقلبه بيديه ، وقال : سمعته أذناي ، ووعاه قلبي ، فقلت له : هذا ابن عمك معاوية ، يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، ونقتل أنفسنا ، والله يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } قال : فسكت ساعة ، ثم قال : أطعه في طاعة الله ، واعصه في معصية الله . وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وابن نمير ، وأبو سعيد الأشج ، قالوا : حدثنا وكيع ، ح وحدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو معاوية ، كلاهما عن الأعمش ، بهذا الإسناد نحوه ، وحدثني محمد بن رافع ، حدثنا أبو المنذر إسماعيل بن عمر ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق الهمداني ، حدثنا عبد الله بن أبي السفر ، عن عامر ، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة الصائدي ، قال : رأيت جماعة عند الكعبة ، فذكر نحو حديث الأعمش
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It has been narrated on the authority of 'Abd al-Rahman b. Abd Rabb al-Ka'ba who said:

I entered the mosque when 'Abdullah b. 'Amr b. al-'As was sitting in the shade of the Ka'ba and the people had gathered around him. I betook myself to them and sat near him. (Now) Abdullah said: I accompanied the Messenger of Allah (ﷺ) on a journey. We halted at a place. Some of us began to set right their tents, others began to compete with one another in shooting, and others began to graze their beasts, when an announcer of the Messenger of Allah (ﷺ) announced that the people should gather together for prayer, so we gathered around the Messenger of Allah (ﷺ). He said: It was the duty of every Prophet that has gone before me to guide his followers to what he knew was good for them and warn them against what he knew was bad for them; but this Umma of yours has its days of peace and (security) in the beginning of its career, and in the last phase of its existence it will be afflicted with trials and with things disagreeable to you. (In this phase of the Umma), there will be tremendous trials one after the other, each making the previous one dwindle into insignificance. When they would be afflicted with a trial, the believer would say: This is going to bring about my destruction. When at (the trial) is over, they would be afflicted with another trial, and the believer would say: This surely is going to be my end. Whoever wishes to be delivered from the fire and enter the garden should die with faith in Allah and the Last Day and should treat the people as he wishes to be treated by them. He who swears allegiance to a Caliph should give him the piedge of his hand and the sincerity of his heart (i. e. submit to him both outwardly as well as inwardly). He should obey him to the best of his capacity. It another man comes forward (as a claimant to Caliphate), disputing his authority, they (the Muslims) should behead the latter. The narrator says: I came close to him ('Abdullah b. 'Amr b. al-'As) and said to him: Can you say on oath that you heard it from the Messenger of Allah (ﷺ)? He pointed with his hands to his ears and his heart and said: My ears heard it and my mind retained it. I said to him: This cousin of yours, Mu'awiya, orders us to unjustly consume our wealth among ourselves and to kill one another, while Allah says: O ye who believe, do not consume your wealth among yourselves unjustly, unless it be trade based on mutual agreement, and do not kill yourselves. Verily, God is Merciful to you (iv. 29). The narrator says that (hearing this) Abdullah b. 'Amr b. al-As kept quiet for a while and then said: Obey him in so far as he is obedient to God; and diqobey him in matters involving disobedience to God.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد، فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة، والناس مجتمعون عليه.
فأتيتهم فجلست إليه.
فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جشره.
إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة.
فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لم يكن نبي قبلي، إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم.
وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها.
وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها.
وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا.
وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي، ثم تنكشف.
وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه.
فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر.
وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه.
ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع.
فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر.
فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه، وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي.
فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا.
والله يقول { { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } }[النساء: 29] قال: فسكت ساعة، ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله.


المعنى العام

لا بد للناس من إمام يجمعهم، ويراعي مصالحهم، وينصف المظلوم من الظالم، وللإمام حقوق على رعيته، وللرعية حقوق على إمامهم، وقد أجمعت النصوص على وجوب التزام الرعية بواجباتها نحو الإمام، سبق بعضها في الباب قبله، وفي هذا الباب، وسيأتي الكثير منها في الباب التالي.

أما حقوقها على راعيها فتكاد النصوص تجمع على نصح الإمام، وطلب الحقوق منه بالحسنى، وعدم اللجوء معه إلى القوة، خوف الفتنة، إلا إذا رأى الرعية في راعيها كفرا صريحا واضحا لا يقبل التأويل.

المباحث العربية

( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء) أي تتولى أمورهم الأنبياء، كما يتولى الحكام أمور الرعية، وقيل: المعنى أنهم كانوا إذا ظهر فيهم فساد بعث الله لهم نبيا يقيم لهم أمرهم بينهم ويزيل ما غيروا من أحكام التوراة، والأول أظهر في هذا المقام.
يقال: ساس الناس يسوسهم سياسة: تولى رياستهم وقيادتهم.

( وأنه لا نبي بعدي) أي فيفعل ما كان أولئك يفعلون.

( وستكون خلفاء فتكثر) وفي رواية البخاري وسيكون خلفاء أي بعدي، وتذكير الفعل وتأنيثه جائزان مع الفاعل إذا كان جمع تكسير، قال النووي: قوله فتكثر بالثاء من الكثرة.
هذا هو الصواب المعروف، قال القاضي: وضبطه بعضهم فتكبر بالباء، كأنه من إكبار قبيح أفعالهم، وهذا تصحيف اهـ.
وفي رواية البخاري فيكثرون وضبط أيضا فيكبرون بالباء وهو تصحيف.

( قالوا: فما تأمرنا) أن نفعل إذا وقع ذلك؟ وفي الرواية الثانية كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟

( قالوا: فوا ببيعة الأول فالأول) فوا فعل أمر بالوفاء، والمعنى أنه إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعه الأول صحيحة، يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة، وسيأتي تفصيل لذلك في فقه الحديث.

( وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم) أي أطيعوهم، وعاشروهم بالسمع والطاعة، هذا حقهم عليكم، أما حقكم عليهم فمحاسبهم عليه هو الله تعالى، وهو سائل كل راع عما استرعاه.
وفي الرواية الثانية تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم أي الحق الذي لكم عندهم.
أي أدوا للأمراء الحق الذي وجب لهم عليكم، سواء ما يخصهم من السمع والطاعة لهم، أو ما يعمهم والرعية والإسلام من بذل المال الواجب في الزكاة وغيرها، وبذل النفس في الخروج إلى الجهاد المتعين ونحو ذلك، أما حقكم عليهم -إن حرمتموه- فسلوا الله تعالى بأن يلهمهم إنصافكم، أو يبدلكم خيرا منهم.

وفي الرواية الثالثة وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه أي وليفعل مع الناس ما يحب أن يفعلوه معه، وقد جاء: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، لا بما يعاملونك به.

( عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه.

( دخلت المسجد) أي الحرام بمكة.

( والناس مجتمعون عليه) يطلبون العلم منه.

( فمنا من يصلح خباءه) الخباء بيت من وبر أو شعر أو صوف، يكون على عمودين أو ثلاثة، وجمعه أخبية، وأصله أخبئة، خففت الهمزة، والمقصود هنا من إصلاحه إقامته في المكان الذي نزلوا فيه.

( ومنا من ينتضل) أي يرمي بالنشاب، ويتدرب على الرمي والإصابة، تمهيدا للمعركة، وهو من المناضلة، يقال: نضله بفتح الضاد، ينضله بضمها، إذا سبقه وغلبه في الرماية.

( ومنا من هو في جشره) بفتح الجيم والشين، وهي الدواب التي ترعى وتبيت مكانها، يقال: جشر الدواب أخرجها للرعي قريبا من البيوت.

( الصلاة جامعة) بنصب الصلاة على الإغراب، وجامعة على الحال.

( وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا) قال النووي: لفظة فيرقق رويت على أوجه، أحدها: يرقق بضم الياء، وفتح الراء، وبقافين، أولاهما مشددة مكسورة أي يصير بعضها بعضا رقيقا، أي تأتي الفتنة، ثم الأعظم منها، فتصير كل واحدة ما قبلها رقيقة خفيفة بالنسبة لما بعدها، وقيل: يدور بعضها في بعض، ويذهب ويجيء، وقيل: يشبه بعضها بعضا، وقيل: معناه يسوق بعضها إلى بعض السوء والشر، والوجه الثاني الذي رويت به اللفظة فيرفق بفتح الياء، وإسكان الراء، بعدها فاء مضمومة، أي فيصاحب بعضها بعضا، فيصير رفيقا له.

الوجه الثالث فيدفق بفتح الياء وإسكان الدال وكسر الفاء وضمها، والدفق الدفع والصب.

( وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي) لشدة ما يرى من أهوالها، ثم تنكشف دون أن يهلك.

( وتجيء الفتنة) أكبر وأشد من الأولى.

( فيقول المؤمن: هذه هذه) الإشارة خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: المهلكة حقا هذه لا غيرها، والإشارة الثانية تأكيد للأولى.

( فمن أحب أن يزحزح عن النار) ببناء الفعل يزحزح للمجهول وكذا يدخل الجنة.

( فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) أي إن النجاة من الفتن إنما يكون بتحكيم الإيمان وشرائعه، وأن يضع الإنسان نفسه في مكان الآخرين، وأن يفعل معهم ما يحب أن يفعلوه معه.

( ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع) كانت المبايعة بوضع اليد في اليد، ثم بذكر المبايع عليه، يقال: أعطاه صفقة يده، أي أعطاه عهده، ومعنى فليطعه إن استطاع أي ما وجد إلى طاعته قدرة وسبيلا.

( فإن جاء آخر ينازعه) أي ينازع الإمام الذي أخذ البيعة.

( فاضربوا عنق الآخر) أي ادفعوا الثاني، فإنه خارج على الإمام، فإن لم يندفع إلا بالحرب والقتال فقاتلوه، فإن دعت المقاتلة إلى قتله جاز قتله، ولا ضمان، لأنه ظالم متعد في قتاله.

( هذا ابن عمك معاوية يأمرنا....
إلخ)
المقصود بهذا الكلام أن هذا القائل لما سمع كلام عبد الله بن عمرو بن العاص في تحريم منازعة الخليفة الأول، وأن الثاني يقتل، اعتقد أن هذا الوصف في معاوية، لمنازعته عليا رضي الله عنهما وكانت قد سبقت بيعة علي، فرأى أن الأموال التي ينفقها معاوية على الجنود وغيرهم من الأتباع في حرب علي ومنازعته ومقاتلته إياه من قبيل أكل المال بالباطل، ورأى أن دفع معاوية جنوده لقتال جنود علي من قبيل قتل النفس، لأنه قتال بغير وجه حق، فكأنه يقول لعبد الله بن عمرو: أنت تأمر بشيء، وتحذر من شيء وابن عمك لا يعمل بما تأمر، ولا يحذر ما تحذر.

( فسكت ساعة) أي فترة من الزمن، يفكر بم يجيبه؟ والأمر يحتاج جوابا سياسيا يرضى الله ولا يعرض نفسه لسخط معاوية.

( أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله) أطعه همزة قطع واعصه همزة وصل، ولم يجب عبد الله رضي الله عنه عن الاعتراض، وإنما ترك تطبيق القاعدة الشرعية للرجل، إذ اعتراض الرجل أن ما يفعله معاوية فتنة ومعصية.

( عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة الصائدي) قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ بالصاد والدال، وكذا نقله القاضي عياض عن جميع النسخ، قال: وهو غلط، وصوابه العائذي بالعين والذال، قال ابن الحباب والنسابة.
هذا كلام القاضي، وقد ذكره البخاري في تاريخه والسمعاني في الأنساب فقالا: هو الصائدي ولم يذكرا غير ذلك، فقد اجتمع مسلم والبخاري والسمعاني على الصائدي قال السمعاني: هو منسوب إلى صائد، بطن من همدان، قال: وصائد اسم كعب بن شرحبيل بن عمرو بن حشم بن حاسد بن حشيم بن حوان بن نوف....
إلخ.

فقه الحديث

بوب النووي لهذه الأحاديث بباب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأول فالأول، أخذا من قوله في الرواية الأولى فوا ببيعة الأول فالأول اهـ.

والأحاديث في هذه الأبواب -كما قلنا- متداخلة، والأمر بطاعة أولي الأمر قدر مشترك بين جميعها.

لهذا سأجمع بعض الأبواب الآتية التي وضعها النووي، سأجمعها في باب واحد، فيما بعد هذا الباب إن شاء الله.

ثم تعرض النووي إلى حكم مبايعة خليفة بعد خليفة، فقال: إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة، يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة، يحرم الوفاء بها، ويحرم عليه طلبها، وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول، أو جاهلين، وسواء كانا في بلدين أو بلد، أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخر في غيره، هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء، وقيل: تكون لمن عقدت له في بلد الإمام، وقيل: يقرع بينهما، وهذان القولان فاسدان، قال: واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد، سواء اتسعت دار الإسلام أم لا، وقال إمام الحرمين في كتابه الإرشاد: قال أصحابنا: لا يجوز عقدها لاثنين.
قال: وعندي أنه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد، وهذا مجمع عليه، قال: فإن بعدما بين الإمامين، وتخللت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال، قال: وهو خارج من القواطع -أي الأدلة المقطوع بها- وحكى المازري هذا القول عن بعض المتأخرين من أهل الأصل، وأراد به إمام الحرمين، وهو قول فاسد، مخالف لما عليه السلف والخلف، ولظواهر إطلاق الأحاديث.
اهـ.

وقال القرطبي: في هذا الحديث حكم بيعة الأول، وأنه يجب الوفاء بها، وسكت عن بيعة الثاني، مع أنه قد نص عليه في روايتنا الثالثة فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

1- من قوله في الرواية الأولى كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء...إلخ إشارة إلى أنه لا بد للرعية من قائم بأمورها، يحملها على الطريق الحسنة، وينصف المظلوم من الظالم.

2- ومن قوله كلما هلك نبي جواز قول: هلك فلان، إذا مات، وقد كثرت الأحاديث به، وجاء في القرآن الكريم { { حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا } } [غافر: 34] .

3- من قوله وستكون خلفاء فتكثر معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

4- وكذا في قوله صلى الله عليه وسلم ستكون بعد أثرة وأمور تنكرونها.

5- قال الحافظ ابن حجر: في الحديث تقديم أمر الدين على أمر الدنيا، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بتوفية حق السلطان، لما فيه من إعلاء كلمة الدين، وكف الفتنة والشر، وأخر أمر المطالبة بحق الفرد، وعدم المطالبة بالحق لا يسقطه، فقد وعد الله أنه يخلصه، ويوفيه إياه، ولو في الدار الآخرة.

6- ومن قوله في نهاية الرواية الثالثة أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله دليل لوجوب طاعة المتولين للإمامة بالقهر من غير إجماع ولا عهد.

والله أعلم.