هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
36 حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَارَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي ، أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ ، أَوْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ ، وَلَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
36 حدثنا حرمي بن حفص ، قال : حدثنا عبد الواحد ، قال : حدثنا عمارة ، قال : حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، قال : سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : انتدب الله لمن خرج في سبيله ، لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي ، أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة ، أو أدخله الجنة ، ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية ، ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ، ثم أقتل ثم أحيا ، ثم أقتل
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي ، أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ ، أَوْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ ، وَلَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ .

Narrated Abu Huraira:

The Prophet (ﷺ) said, The person who participates in (Holy battles) in Allah's cause and nothing compels him to do so except belief in Allah and His Apostles, will be recompensed by Allah either with a reward, or booty (if he survives) or will be admitted to Paradise (if he is killed in the battle as a martyr). Had I not found it difficult for my followers, then I would not remain behind any sariya going for Jihad and I would have loved to be martyred in Allah's cause and then made alive, and then martyred and then made alive, and then again martyred in His cause.

0036 Abu Zur’a  ben ‘Amru ben Jarir dit : J’ai entendu Abu Hurayra rapporter que le Prophète avait dit : « Dieu prendra soin de celui qui sort pour sa cause… Ne sortant que poussé par sa foi en Moi et sa confiance en Mes envoyés; Je le ferai revenir soit avec une récompense gagnée, soit avec un butin, ou bien je le ferai entrer au Jardin. Si je ne craignais d’être dur envers ma ‘Ummah, je ne serais jamais resté derrière une troupe, au contraire, j’aurais voulu être tué pour la cause de Dieu puis ressuscité, puis tué de nouveau, ensuite ressuscité, pour être tué encore une fois.«   

":"ہم سے حرمی بن حفص نے بیان کیا ، ان سے عبدالواحد نے ، ان سے عمارہ نے ، ان سے ابوزرعہ بن عمرو بن جریر نے ، وہ کہتے ہیں میں نے حضرت ابوہریرہ سے سنا ، وہ رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم سے نقل کرتے ہیںآپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ جو شخص اللہ کی راہ میں ( جہاد کے لیے ) نکلا ، اللہ اس کا ضامن ہو گیا ۔ ( اللہ تعالیٰ فرماتا ہے ) اس کو میری ذات پر یقین اور میرے پیغمبروں کی تصدیق نے ( اس سرفروشی کے لیے گھر سے ) نکالا ہے ۔ ( میں اس بات کا ضامن ہوں ) کہ یا تو اس کو واپس کر دوں ثواب اور مال غنیمت کے ساتھ ، یا ( شہید ہونے کے بعد ) جنت میں داخل کر دوں ( رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا ) اور اگر میں اپنی امت پر ( اس کام کو ) دشوار نہ سمجھتا تو لشکر کا ساتھ نہ چھوڑتا اور میری خواہش ہے کہ اللہ کی راہ میں مارا جاؤں ، پھر زندہ کیا جاؤں ، پھر مارا جاؤں ، پھر زندہ کیا جاؤں ، پھر مارا جاؤں ۔

0036 Abu Zur’a  ben ‘Amru ben Jarir dit : J’ai entendu Abu Hurayra rapporter que le Prophète avait dit : « Dieu prendra soin de celui qui sort pour sa cause… Ne sortant que poussé par sa foi en Moi et sa confiance en Mes envoyés; Je le ferai revenir soit avec une récompense gagnée, soit avec un butin, ou bien je le ferai entrer au Jardin. Si je ne craignais d’être dur envers ma ‘Ummah, je ne serais jamais resté derrière une troupe, au contraire, j’aurais voulu être tué pour la cause de Dieu puis ressuscité, puis tué de nouveau, ensuite ressuscité, pour être tué encore une fois.«   

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [36] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ هُوَ اسْمٌ بِلَفْظِ النِّسْبَةِ وَهُوَ بَصْرِيٌّ يُكَنَّى أَبَا عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا عبد الْوَاحِد هُوَ بن زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ الْعَبْدِيُّ وَيُقَالُ لَهُ الثَّقَفِيُّ وَهُوَ ثِقَة متقن قَالَ بن الْقَطَّانَ لَمْ يُعْتَلَّ عَلَيْهِ بِقَادِحٍ وَفِي طَبَقَتِهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ بَصْرِيٌّ أَيْضًا لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَلَمْ يُخَرَّجْ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ شَيْءٌ قَوْله حَدثنَا عمَارَة هُوَ بن الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ الضَّبِّيُّ .

     قَوْلُهُ  انْتَدَبَ اللَّهُ هُوَ بِالنُّونِ أَيْ سَارَعَ بِثَوَابِهِ وَحُسْنِ جَزَائِهِ وَقِيلَ بِمَعْنَى أَجَابَ إِلَى الْمُرَادِ فَفِي الصِّحَاحِ نَدَبْتُ فُلَانًا لِكَذَا فَانْتَدَبَ أَيْ أَجَابَ إِلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَكَفَّلَ بِالْمَطْلُوبِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْمُؤَلِّفِ فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ تَكَفَّلَ اللَّهُ وَلَهُ فِي أَوَائِلِ الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْهُ بِلَفْظِ تَوَكَّلَ اللَّهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَعَلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ هُنَا ائْتَدَبَ بِيَاءٍ تَحْتَانِيَّةٍ مَهْمُوزَةٍ بَدَلَ النُّونِ مِنَ الْمَأْدُبَةِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَقَدْ وَجَّهُوهُ بِتَكَلُّفٍ لَكِنْ إِطْبَاقَ الرُّوَاةِ عَلَى خِلَافِهِ مَعَ اتِّحَاد الْمخْرج كَاف فِي تخطئته قَوْله لايخرجه إِلَّا إِيمَانٌ بِي كَذَا هُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ يُخْرِجُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ إِلَّا إِيمَانًا بِالنَّصْبِ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ مَفْعُولٌ لَهُ وَتَقْدِيرُهُ لَا يُخْرِجُهُ الْمُخْرِجُ إِلَّا الْإِيمَانَ وَالتَّصْدِيقَ .

     قَوْلُهُ  وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي ذَكَرَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِلَفْظِ أَوْ تَصْدِيقٌ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ وَتَكَلَّفَ الْجَوَابَ عَنْهُ وَالصَّوَابُ أَسْهَلُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ أَو وَقَوله بِي فِيهِ عدُول من ضَمِيرِ الْغِيبَةِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ فَهُوَ الْتِفَاتٌ.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ كَانَ اللَّائِقُ فِي الظَّاهِرِ هُنَا إِيمَانٌ بِهِ وَلكنه عَلَى تَقْدِيرِ اسْمِ فَاعِلٍ مِنَ الْقَوْلِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيِ انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ قَائِلًا لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَلَا يُخْرِجُهُ مَقُولُ الْقَوْلِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَالِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ هُوَ اللَّهُ.

.
وَتَعَقَّبَهُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ الْمُرَحِّلِ بِأَنَّ حَذْفَ الْحَالِ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ التَّعْبِيرَ بِاللَّائِقِ هُنَا غَيْرُ لَائِقٍ فَالْأَوْلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَسَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ فَرْضِ الْخُمُسِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ بِلَفْظِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبيله وتصديق كَلِمَاته تَنْبِيه جَاءَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ هَذِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ وَقَدِ اخْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ سِيَاقِهِ أَكْثَرَ الْأَمْرِ الثَّانِي وَسَاقَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ الْمَذْكُورِ بِتَمَامِهِ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُفَرَّقًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ وَهُنَاكَ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى قِيَامِ رَمَضَانَ وَبَابِ صِيَامِ رَمَضَانَ يَأْتِي فِي كتاب الصّيام ( قَولُهُ بَابُ الدِّينِ يُسْرٌ) أَيْ دِينُ الْإِسْلَامِ ذُو يُسْرٍ أَوْ سَمَّى الدِّينَ يُسْرًا مُبَالَغَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَدْيَانِ قَبْلَهُ لِأَنَّ اللَّهَ رَفَعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْإِصْرَ الَّذِي كَانَ عَلَى مَنْ قَبْلِهِمْ وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَمْثِلَةِ لَهُ أَنَّ تَوْبَتَهُمْ كَانَتْ بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ وَتَوْبَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْإِقْلَاعِ وَالْعَزْمِ وَالنَّدَمِ .

     قَوْلُهُ  أَحَبُّ الدِّينِ أَيْ خِصَالُ الدِّينِ لِأَنَّ خِصَالَ الدِّينِ كُلُّهَا مَحْبُوبَةٌلَكِنْ مَا كَانَ مِنْهَا سَمْحًا أَيْ سَهْلًا فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَعْرَابِيٍّ لَمْ يُسَمِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ خَيْرُ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ أَوِ الدِّينُ جِنْسٌ أَيْ أَحَبُّ الْأَدْيَانِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ وَالْمُرَادُ بِالْأَدْيَانِ الشَّرَائِعُ الْمَاضِيَةُ قَبْلَ أَنْ تُبَدَّلَ وَتُنْسَخَ وَالْحَنِيفِيَّةُ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَالْحَنِيفُ فِي اللُّغَةِ مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَسُمِّيَ إِبْرَاهِيمُ حَنِيفًا لِمَيْلِهِ عَنِ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ لِأَنَّ أَصْلَ الْحَنَفِ الْمَيْلُ وَالسَّمْحَةُ السَّهْلَةُ أَيْ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّهُولَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمُعَلَّقُ لَمْ يُسْنِدْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ نَعَمْ وَصَلَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَكَذَا وَصَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ اسْتَعْمَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ لِكَوْنِهِ مُتَقَاصِرًا عَنْ شَرْطِهِ وَقَوَّاهُ بِمَا دَلَّ عَلَى مَعْنَاهُ لِتَنَاسُبِ السُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [36] حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ -لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي- أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ.
وَلَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ».
[الحديث أطرافه في: 2787، 2797، 2972، 3123، 7226، 7227، 7457، 7463] .
وبالسند إلى البخاري قال: ( حدّثنا حرمي بن حفص) أي ابن عمر العتكي بفتح المهملة والمثناة الفوقية نسبة إلى العتيك بن الأسد القسملي بفتح القاف وسكون المهملة، وفتح الميم نسبة إلى قسملة وهو معاوية بن عمرو أو إلى القساملة قبيلة من الأزد البصري ثقة من كبار العاشرة، وانفرد به المؤلف عن مسلم، وتوفي سنة ثلاث أو ست وعشرين ومائتين، ( قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي نسبة إلى عبد القيس البصري الثقفي نسبة إلى ثقيف، المتوفى سنة سبع وسبعين ومائة ( قال حدّثنا عمارة) بضم العين المهملة ابن القعقاع بن شبرمة الكوفي الضبي نسبة إلى ضبة بن أدّ بن طابخة ( قال حدّثنا أبو زرعة) هرم أو عبد الرحمن أو عمرو أو عبد الله ( بن عمرو) وفي رواية غير أبي ذر والأصيلي بزيادة ( ابن جرير) البجلي بفتح الموحدة والجيم نسبة إلى بجيلة بنت صعب ( قال: سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال) : ( انتدب الله) بنون ساكنة ومثناة فوقية مفتوحة ودال مهملة كذلك في آخره بموحدة.
وقال الحافظ ابن حجر في رواية الأصيلي: هنا ائتدب بمثناة تحتية مهموزة بدل النون من المأدبة وهو تصحيف وقد وجّهوه بتكلف، لكن إطباق الرواة على خلافه مع اتحاد المخرّج كاف في تخطئته انتهى.
وعزاها القاضي عياض لرواية القابسي، وأما رواية انتدب بالنون فهو من ندبت فلانًا لكذا فانتدب أي أجاب إليه.
وفي القاموس وندبه إلى الأمر دعاه وحثّه أو معناه تكفل، كما رواه المؤلف في أواخر الجهاد أو سارع بثوابه وحسن جزائه، وللأصيلي وكريمة انتدب الله عز وجل ( لمن خرج في سبيله) حال كونه ( لا يخرجه إيمان) وفي رواية إلا الإيمان ( بي وتصديق برسلي) بالرفع فيهما فاعل لا يخرجه والاستثناء مفرغ، وإنما عدل عن به الذي هو الأصل إلى بي للالتفات من الغيبة إلى التكلم، وقول ابن مالك في التوضيح كان الأليق إيمان به ولكنه على تقدير حال محذوف أي قائلاً لا يخرجه إلا إيمان بي، ولا يخرجه مقول القول لأن صاحب الحال على هذا التقدير هو الله.
ردّه ابن المرحل فقال: أساء في قوله كان الأليق، وإنما هو من باب الالتفات ولا حاجة إلى تقدير حال لأن حذف الحال لا يجوز حكاه الزركشي وغيره.
وقال في المصابيح: ما ذكره من عدم جواز حذف الحال ممنوع، فقد ذكر ابن مالك من شواهده هنا قوله تعالى: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127] أي قائلين.
وقوله تعالى: { وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد: 23] أي قائلين سلام عليكم.
وقوله تعالى: { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْء} [غافر: 7] أي قائلين.
قال ابن المرحل: وإنما هو من باب الالتفات، وقال الزركشي: الأليق أن يقال عدل عن ضمير الغيبة إلى الحضور يعني أن الالتفات يوهم الجسمية فلا يطلق في كلام الله تعالى، وهذا خلاف ما أطبق عليه علماء البيان.
وذكر الكرماني قوله: أو تصديق برسلي بلفظ أو واستشكله لأنه لا بدّ من الأمرين الإيمان بالله والتصديق برسله.
وأجاب بما معناه أن أو بمعنى الواو أو أن الإيمان بالله مستلزم لتصديق رسله وتصديق رسله مستلزم للإيمان بالله.
وتعقبه الحافظ ابن حجر بأنه لم يثبت في شيء من الروايات بلفظ أو اهـ.
نعم.
وجدته في أصلفرع اليونينية كهي أو بالألف قبل الواو وعلى الألف لا س علامة سقوط الألف عند من رقم له بالسين وهو ابن عساكر الدمشقي، ومقتضاه ثبوتها عند غيره فليتأمل مع كلام ابن حجر، وفوق الواو جزمة سوداء ونصبة بالحمرة، وكذا وجدته أيضًا بالألف في متن البخاري من النسخة التي وقفت عليها من تنقيح الزركشي، وكذا في نسخة كريمة، وعند الإسماعيلي كمسلم إلا إيمانًا بالنصب مفعول له أي لا يخرجه المخرج إلا الإيمان والتصديق.
( أن أرجعه) بفتح الهمزة من رجع وأن مصدرية والأصل بأن أرجعه أي يرجعه إلى بلده، وفي نسخة كريمة وقف الآثار أرجعه بهمزة مضمومة ظاهرها أنها كانت نصبة فأصلحتها ضمة ( بما نال من أجر) أي بالذي أصابه من النيل وهو العطاء من أجر فقط إن لم يغنموا ( أو) أجر مع ( غنيمة) إن غنموا أو أن أو بمعنى الواو كما رواه أبو داود بالواو بغير ألف، وعبَّر بالماضي موضع المضارع في قوله: نال لتحقق وعده تعالى ( أو) أن ( أدخله الجنة) عند دخول المقربين بلا حساب ولا مؤاخذة بذنوب إذ تكفرها الشهادة أو عند موته لقوله: { أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} [آل عمران: 169] ( ولولا أن أشق) أي لولا المشقة ( على أمتي ما قعدت خلف) بالنصب على الظرفية أي ما قعدت بعد ( سرية) بل كنت أخرج معها بنفسي لعظم أجرها ولولا امتناعية وأن مصدرية في موضع رفع بالابتداء وما قعدت جواب لولا وأصله لما فحذفت اللام، والمعنى امتنع عدم القعود وهو القيام لوجود المشقة وسبب المشقة صعوبة تخلفهم بعده ولا قدرة لهم على المسير معه لضيق حالهم، قال ذلك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شفقة على أمته جزاه الله عنا أفضل الجزاء.
( ولوددت) عطفًا على ما قعدت واللام للتأكيد أو جواب قسم محذوف أي: والله لوددت أي أحببت ( أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أُقتل) بضم الهمزة في كلّ من أحيا وأقتل وهي خمسة ألفاظ.
وفي رواية الأصيلي أن أقتل بدل أني، ولأبي ذر فأقتل ثم أحيا فأقتل كذا في اليونينية وختم بقوله ثم أقتل، والقرار إنما هو على حالة الحياة لأن المراد الشهادة فختم الحال عليها أو الاحياء للجزاء من المعلوم فلا حاجة إلى ودادته لأنه ضروري الوقوع، وثم للتراخي في الرتبة أحسن من حملها على تراخي الزمان لأن المتمنى حصول مرتبة بعد مرتبة إلى الانتهاء إلى الفردوس الأعلى.
فإن قلت: تمنّيه عليه الصلاة والسلام أن يقتل يقتضي تمني وقوع زيادة الكفر لغيره وهو ممنوع للقواعد.
أجيب: بأن مراده عليه الصلاة والسلام حصول ثواب الشهادة لا تمنّي المعصية للقاتل.
وفي الحديث استحباب طلب القتل في سبيل الله وفضل الجهاد، ورجاله ما بين بصري وكوفي خالٍ عن العنعنة وليس فيها إلا التحديث والسماع، وأخرجه المؤلف أيضًا في الجهاد، وكذا مسلم والنسائي.
27 - باب تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنَ الإِيمَانِ هذا ( باب) بالتنوين ( تطوّع قيام رمضان) بالطاعة في لياليه ( من الإيمان) أي من شعبه والتطوع تفعل ومعناه التكلف بالطاعة، والمراد هنا التنفل وهو رفع بالابتداء مضاف لتاليه، ورمضان ممنوع من الصرف للعلمية والألف والنون، وفي نسخة بفرع اليونينية باب تطوع قيام رمضان بغير تنوين مضافًا للاحقه، وفي رواية أبي ذر قيام شهر رمضان ولفظ باب ساقط في رواية الأصيلي.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [36] حدّثنا حَرَمِيُّ بنُ حَفْصٍ قَالَ حدّثنا عبدُ الوَاحِدِ قَالَ حدّثنا عُمَارَةُ قَالَ حدّثنا أبُو زُرْعَةَ بنُ عَمْرو بنِ جَرِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ عنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إلاَّ إيمانٌ بِي وتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي أَن أَرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أجْرِ أَو غَنِيمَةٍ أَوْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ وَلَوْلاَ أنْ أشُقَّ على أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ وَلوِددْتُ أنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُم أُحْيا ثمَّ أُقْتَلُ ثمَّ أُحيا ثمَّ أُقتل.. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة أَن الْمخْرج للْجِهَاد فِي سَبِيل الله تَعَالَى لما كَانَ هُوَ كَونه مُؤمنا بِاللَّه ومصدقا برسله، كَانَ خُرُوجه من الْإِيمَان، وَالْجهَاد هُوَ الْخُرُوج فِي سَبِيل الله لِلْقِتَالِ مَعَ أعدائه، وَقد ثَبت أَن الْخُرُوج من الْإِيمَان، فينتج أَن الْجِهَاد من الْإِيمَان.
قد تعجلوا ثُلثي أجرهم، وَمَا من غَازِيَة أَو سَرِيَّة تخفق فتصاب إِلَّا تمّ أُجُورهم) .
والإخفاق أَن تغزو وَلَا تغتنم شَيْئا وَلَا يَصح أَن ينقص الْغَنِيمَة من أجرهم، كَمَا لم تنقص أهل بدر، وَكَانُوا أفضل الْمُجَاهدين.
وَأجِيب: بأجوبة.
الأول: الطعْن فِي هَذَا الحَدِيث، فَإِن فِي إِسْنَاده: حميد بن هَانِيء، وَلَيْسَ بالمشهور، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ أخرج لَهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه،.

     وَقَالَ  يحيى بن سعيد: حدث عَنهُ الْأَئِمَّة، وَأَحَادِيثه كَثِيرَة مُسْتَقِيمَة.
الثَّانِي: إِن الَّذِي يخْفق يزْدَاد بِالْأَجْرِ، والأسف على مَا فاتها من الْمغنم، ويضاعف لَهَا كَمَا يُضَاعف لمن أُصِيب بأَهْله وَمَاله.
الثَّالِث: أَن يحمل الأول على من أخْلص فِي نِيَّته لقَوْله: (لَا يُخرجهُ إلاَّ جِهَاد فِي سبيلي) وَيحمل الحَدِيث الثَّانِي على من خرج بنية الْجِهَاد والمغنم، فَهَذَا شرك بِمَا يجوز فِيهِ التَّشْرِيك، وانقسمت نِيَّته بَين الْوَجْهَيْنِ فنقص أجره، وَالْأول خَاص فكمل أجره.
وَنفى النَّوَوِيّ التَّعَارُض لِأَن الْغُزَاة إِذا سلمُوا وغنموا تكون أُجُورهم أقل من أجر من لم يسلم، أَو سلم وَلم يغنم، وَأَن الْغَنِيمَة فِي مُقَابلَة جُزْء من أجر غزوهم، فَإِذا حصلت فقد تعجلوا ثُلثي أجرهم..
     وَقَالَ  القَاضِي: الحَدِيث الَّذِي فِيهِ، بِمَا نَالَ من أجر وغنيمة، مُطلق لِأَنَّهُ لم يقل فِيهِ: إِن الْغَنِيمَة تنقص الْأجر، والْحَدِيث الثَّانِي مُقَيّد، وَأما استدلالهم بغزوة بدر فَلَيْسَ فِيهِ أَنهم لَو لم يغنموا لَكَانَ أجرهم على قدر أجرهم مَعَ الْغَنِيمَة، وكونهم مغفورا مرضيا عَنْهُم لَا يلْزم مِنْهُم أَن لَا يكون فَوْقه مرتبَة أُخْرَى هِيَ أفضل.
27 - (بابٌ تَطَوُّعُ قِيام رَمَضَانَ مِنَ الْإِيمَان) أَي: هَذَا بَاب.
قَوْله: (تطوع) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ مُضَاف إِلَى مَا بعده، وَخَبره قَوْله: (من الْإِيمَان) ، وَفِي بعض النّسخ: بَاب تطوع قيام شهر رَمَضَان.
والتطوع: تفعل، وَمَعْنَاهُ: التَّكَلُّف بِالطَّاعَةِ والتطوع بالشَّيْء: التَّبَرُّع بِهِ.
وَفِي الِاصْطِلَاح: التَّنَفُّل، وَالْمرَاد من الْقيام هُوَ الْقيام بِالطَّاعَةِ فِي لياليه، وَقد ذكرنَا وَجه تخَلّل بَاب الْجِهَاد من الْإِيمَان بَين هَذَا الْبَاب وَبَاب قيام لَيْلَة الْقدر من الْإِيمَان.
ورمضان فِي الأَصْل مصدر: رمض إِذا احْتَرَقَ من الرمضاء، ثمَّ جعل هَذَا علما لهَذَا الشَّهْر، وَمنع الصّرْف: للتعريف وَالْألف وَالنُّون، وَلما نقلوا أَسمَاء الشُّهُور عَن اللُّغَة الْقَدِيمَة سَموهَا بالأزمنة الَّتِي وَقعت فِيهَا، فَوَافَقَ هَذَا الشَّهْر أَيَّام رمض الْحر.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ الْجِهَادِ مِنَ الْإِيمَانِ)
أَوْرَدَ هَذَا الْبَابَ بَيْنَ قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَبَيْنَ قِيَامِ رَمَضَانَ وَصِيَامِهِ فَأَمَّا مُنَاسَبَةُ إِيرَادِهِ مَعَهَا فِي الْجُمْلَةِ فَوَاضِحٌ لِاشْتِرَاكِهَا فِي كَوْنِهَا مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ.

.
وَأَمَّا إِيرَادُهُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ مَعَ أَنَّ تَعَلُّقَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ظَاهِرٌ فَلِنُكْتَةٍ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا بَلْ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ صَنِيعُهُ هَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ مَقْطُوعٌ عَنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ يَعْنِي اشْتِرَاكَهَا فِي كَوْنِهَا مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ وَأَقُولُ بَلْ قِيَامُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمُنَاسَبَةِ لِقِيَامِ رَمَضَانَ لَكِنَّ لِلْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي بَابِ الْجِهَادِ مُنَاسَبَةً بِالْتِمَاسِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ حَسَنَةً جِدًّا لِأَنَّ الْتِمَاسَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ يَسْتَدْعِي مُحَافَظَةً زَائِدَةً وَمُجَاهَدَةً تَامَّةً وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ يُوَافِقُهَا أَوْ لَا وَكَذَلِكَ الْمُجَاهِدُ يَلْتَمِسُ الشَّهَادَةَ وَيَقْصِدُ إِعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ وَقَدْ يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا فَتَنَاسَبَا فِي أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُجَاهَدَةً وَفِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ لِصَاحِبِهِ أَوْ لَا فَالْقَائِمُ لِالْتِمَاسِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَأْجُورٌ فَإِنْ وَافَقَهَا كَانَ أَعْظَمَ أَجْرًا وَالْمُجَاهِدُ لِالْتِمَاسِ الشَّهَادَةِ مَأْجُورٌ فَإِنْ وَافَقَهَا كَانَ أَعْظَمُ أَجْرًا وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ تَمَنِّيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهَادَةَ بِقَوْلِهِ وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فَضْلَ الْجِهَادِ لِذَلِكَ اسْتِطْرَادًا ثُمَّ عَادَ إِلَى ذِكْرِ قِيَامِ رَمَضَانَ وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَامٌّ بَعْدَ خَاصٍّ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ بَابَ الصِّيَامِ لِأَنَّ الصِّيَامَ مِنَ التُّرُوكِ فَأَخَّرَهُ عَنِ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَفْعَالِ وَلِأَنَّ اللَّيْلَ قَبْلَ النَّهَارِ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْقِيَامَ مَشْرُوع فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ

[ قــ :36 ... غــ :36] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ هُوَ اسْمٌ بِلَفْظِ النِّسْبَةِ وَهُوَ بَصْرِيٌّ يُكَنَّى أَبَا عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا عبد الْوَاحِد هُوَ بن زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ الْعَبْدِيُّ وَيُقَالُ لَهُ الثَّقَفِيُّ وَهُوَ ثِقَة متقن قَالَ بن الْقَطَّانَ لَمْ يُعْتَلَّ عَلَيْهِ بِقَادِحٍ وَفِي طَبَقَتِهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ بَصْرِيٌّ أَيْضًا لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَلَمْ يُخَرَّجْ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ شَيْءٌ قَوْله حَدثنَا عمَارَة هُوَ بن الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ الضَّبِّيُّ .

     قَوْلُهُ  انْتَدَبَ اللَّهُ هُوَ بِالنُّونِ أَيْ سَارَعَ بِثَوَابِهِ وَحُسْنِ جَزَائِهِ وَقِيلَ بِمَعْنَى أَجَابَ إِلَى الْمُرَادِ فَفِي الصِّحَاحِ نَدَبْتُ فُلَانًا لِكَذَا فَانْتَدَبَ أَيْ أَجَابَ إِلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَكَفَّلَ بِالْمَطْلُوبِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْمُؤَلِّفِ فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ تَكَفَّلَ اللَّهُ وَلَهُ فِي أَوَائِلِ الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْهُ بِلَفْظِ تَوَكَّلَ اللَّهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَعَلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ هُنَا ائْتَدَبَ بِيَاءٍ تَحْتَانِيَّةٍ مَهْمُوزَةٍ بَدَلَ النُّونِ مِنَ الْمَأْدُبَةِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَقَدْ وَجَّهُوهُ بِتَكَلُّفٍ لَكِنْ إِطْبَاقَ الرُّوَاةِ عَلَى خِلَافِهِ مَعَ اتِّحَاد الْمخْرج كَاف فِي تخطئته قَوْله لايخرجه إِلَّا إِيمَانٌ بِي كَذَا هُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ يُخْرِجُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ إِلَّا إِيمَانًا بِالنَّصْبِ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ مَفْعُولٌ لَهُ وَتَقْدِيرُهُ لَا يُخْرِجُهُ الْمُخْرِجُ إِلَّا الْإِيمَانَ وَالتَّصْدِيقَ .

     قَوْلُهُ  وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي ذَكَرَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِلَفْظِ أَوْ تَصْدِيقٌ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ وَتَكَلَّفَ الْجَوَابَ عَنْهُ وَالصَّوَابُ أَسْهَلُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ أَو وَقَوله بِي فِيهِ عدُول من ضَمِيرِ الْغِيبَةِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ فَهُوَ الْتِفَاتٌ.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ كَانَ اللَّائِقُ فِي الظَّاهِرِ هُنَا إِيمَانٌ بِهِ وَلكنه عَلَى تَقْدِيرِ اسْمِ فَاعِلٍ مِنَ الْقَوْلِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيِ انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ قَائِلًا لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَلَا يُخْرِجُهُ مَقُولُ الْقَوْلِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَالِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ هُوَ اللَّهُ.

.
وَتَعَقَّبَهُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ الْمُرَحِّلِ بِأَنَّ حَذْفَ الْحَالِ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ التَّعْبِيرَ بِاللَّائِقِ هُنَا غَيْرُ لَائِقٍ فَالْأَوْلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَسَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ فَرْضِ الْخُمُسِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ بِلَفْظِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبيله وتصديق كَلِمَاته تَنْبِيه جَاءَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ هَذِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ وَقَدِ اخْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ سِيَاقِهِ أَكْثَرَ الْأَمْرِ الثَّانِي وَسَاقَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ الْمَذْكُورِ بِتَمَامِهِ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُفَرَّقًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ وَهُنَاكَ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى قِيَامِ رَمَضَانَ وَبَابِ صِيَامِ رَمَضَانَ يَأْتِي فِي كتاب الصّيام

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الْجِهَادُ مِنَ الإِيمَانِ
هذا ( باب) بالتنوين ( الجهاد من الإيمان) أي شعبة من شعبه أو أنه كالأبواب السابقة في أن الأعمال أيمان لأنه لما كان الإيمان هو المخرج له في سبيله تعالى كان الخروج أيمانًا تسمية للشيء باسم سببه، والجهاد قتال الكفار لإعلاء كلمة الله، ولفظ باب ساقط في رواية الأصيلي.



[ قــ :36 ... غــ : 36 ]
- حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ -لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي- أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ.
وَلَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ».
[الحديث 36 - أطرافه في: 2787، 2797، 2972، 3123، 7226، 7227، 7457، 7463] .

وبالسند إلى البخاري قال: ( حدّثنا حرمي بن حفص) أي ابن عمر العتكي بفتح المهملة والمثناة الفوقية نسبة إلى العتيك بن الأسد القسملي بفتح القاف وسكون المهملة، وفتح الميم نسبة إلى قسملة وهو معاوية بن عمرو أو إلى القساملة قبيلة من الأزد البصري ثقة من كبار العاشرة، وانفرد به المؤلف عن مسلم، وتوفي سنة ثلاث أو ست وعشرين ومائتين، ( قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي نسبة إلى عبد القيس البصري الثقفي نسبة إلى ثقيف، المتوفى سنة سبع وسبعين ومائة ( قال حدّثنا عمارة) بضم العين المهملة ابن القعقاع بن شبرمة الكوفي الضبي نسبة إلى ضبة بن أدّ بن طابخة ( قال حدّثنا أبو زرعة) هرم أو عبد الرحمن أو عمرو أو عبد الله ( بن عمرو) وفي رواية غير أبي ذر والأصيلي بزيادة ( ابن جرير) البجلي بفتح الموحدة والجيم نسبة إلى بجيلة بنت صعب ( قال: سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال) :
( انتدب الله) بنون ساكنة ومثناة فوقية مفتوحة ودال مهملة كذلك في آخره بموحدة.
وقال الحافظ ابن حجر في رواية الأصيلي: هنا ائتدب بمثناة تحتية مهموزة بدل النون من المأدبة وهو تصحيف وقد وجّهوه بتكلف، لكن إطباق الرواة على خلافه مع اتحاد المخرّج كاف في تخطئته انتهى.

وعزاها القاضي عياض لرواية القابسي، وأما رواية انتدب بالنون فهو من ندبت فلانًا لكذا فانتدب أي أجاب إليه.
وفي القاموس وندبه إلى الأمر دعاه وحثّه أو معناه تكفل، كما رواه المؤلف في أواخر الجهاد أو سارع بثوابه وحسن جزائه، وللأصيلي وكريمة انتدب الله عز وجل ( لمن خرج في سبيله) حال كونه ( لا يخرجه إيمان) وفي رواية إلا الإيمان ( بي وتصديق برسلي) بالرفع فيهما فاعل لا يخرجه والاستثناء مفرغ، وإنما عدل عن به الذي هو الأصل إلى بي للالتفات من الغيبة إلى التكلم، وقول ابن مالك في التوضيح كان الأليق إيمان به ولكنه على تقدير حال محذوف أي قائلاً لا يخرجه إلا إيمان بي، ولا يخرجه مقول القول لأن صاحب الحال على هذا التقدير هو الله.
ردّه ابن المرحل فقال: أساء في قوله كان الأليق، وإنما هو من باب الالتفات ولا حاجة إلى تقدير حال لأن حذف الحال لا يجوز حكاه الزركشي وغيره.

وقال في المصابيح: ما ذكره من عدم جواز حذف الحال ممنوع، فقد ذكر ابن مالك من شواهده هنا قوله تعالى: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}

[البقرة: 127] أي قائلين.
وقوله تعالى: { وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد: 23] أي قائلين سلام عليكم.
وقوله تعالى: { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْء} [غافر: 7] أي قائلين.
قال ابن المرحل: وإنما هو من باب الالتفات، وقال الزركشي: الأليق أن يقال عدل عن ضمير الغيبة إلى الحضور يعني أن الالتفات يوهم الجسمية فلا يطلق في كلام الله تعالى، وهذا خلاف ما أطبق عليه علماء البيان.
وذكر الكرماني قوله: أو تصديق برسلي بلفظ أو واستشكله لأنه لا بدّ من الأمرين الإيمان بالله والتصديق برسله.
وأجاب بما معناه أن أو بمعنى الواو أو أن الإيمان بالله مستلزم لتصديق رسله وتصديق رسله مستلزم للإيمان بالله.
وتعقبه الحافظ ابن حجر بأنه لم يثبت في شيء من الروايات بلفظ أو اهـ.

نعم.
وجدته في أصل فرع اليونينية كهي أو بالألف قبل الواو وعلى الألف لا س علامة سقوط الألف عند من رقم له بالسين وهو ابن عساكر الدمشقي، ومقتضاه ثبوتها عند غيره فليتأمل مع كلام ابن حجر، وفوق الواو جزمة سوداء ونصبة بالحمرة، وكذا وجدته أيضًا بالألف في متن البخاري من النسخة التي وقفت عليها من تنقيح الزركشي، وكذا في نسخة كريمة، وعند الإسماعيلي كمسلم إلا إيمانًا بالنصب مفعول له أي لا يخرجه المخرج إلا الإيمان والتصديق.

( أن أرجعه) بفتح الهمزة من رجع وأن مصدرية والأصل بأن أرجعه أي يرجعه إلى بلده، وفي نسخة كريمة وقف الآثار أرجعه بهمزة مضمومة ظاهرها أنها كانت نصبة فأصلحتها ضمة ( بما نال من أجر) أي بالذي أصابه من النيل وهو العطاء من أجر فقط إن لم يغنموا ( أو) أجر مع ( غنيمة) إن غنموا أو أن أو بمعنى الواو كما رواه أبو داود بالواو بغير ألف، وعبَّر بالماضي موضع المضارع في قوله: نال لتحقق وعده تعالى ( أو) أن ( أدخله الجنة) عند دخول المقربين بلا حساب ولا مؤاخذة بذنوب إذ تكفرها الشهادة أو عند موته لقوله: { أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} [آل عمران: 169] ( ولولا أن أشق) أي لولا المشقة ( على أمتي ما قعدت خلف) بالنصب على الظرفية أي ما قعدت بعد ( سرية) بل كنت أخرج معها بنفسي لعظم أجرها ولولا امتناعية وأن مصدرية في موضع رفع بالابتداء وما قعدت جواب لولا وأصله لما فحذفت اللام، والمعنى امتنع عدم القعود وهو القيام لوجود المشقة وسبب المشقة صعوبة تخلفهم بعده ولا قدرة لهم على المسير معه لضيق حالهم، قال ذلك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شفقة على أمته جزاه الله عنا أفضل الجزاء.
( ولوددت) عطفًا على ما قعدت واللام للتأكيد أو جواب قسم محذوف أي: والله لوددت أي أحببت ( أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أُقتل) بضم الهمزة في كلّ من أحيا وأقتل وهي خمسة ألفاظ.
وفي رواية الأصيلي أن أقتل بدل أني، ولأبي ذر فأقتل ثم أحيا فأقتل كذا في اليونينية وختم بقوله ثم أقتل، والقرار إنما هو على حالة الحياة لأن المراد الشهادة فختم الحال عليها أو الاحياء للجزاء من المعلوم فلا حاجة إلى ودادته لأنه ضروري الوقوع، وثم للتراخي في الرتبة أحسن من حملها على تراخي الزمان لأن المتمنى حصول مرتبة بعد مرتبة إلى الانتهاء إلى الفردوس الأعلى.


فإن قلت: تمنّيه عليه الصلاة والسلام أن يقتل يقتضي تمني وقوع زيادة الكفر لغيره وهو ممنوع للقواعد.
أجيب: بأن مراده عليه الصلاة والسلام حصول ثواب الشهادة لا تمنّي المعصية للقاتل.

وفي الحديث استحباب طلب القتل في سبيل الله وفضل الجهاد، ورجاله ما بين بصري وكوفي خالٍ عن العنعنة وليس فيها إلا التحديث والسماع، وأخرجه المؤلف أيضًا في الجهاد، وكذا مسلم والنسائي.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابٌُ الْجِهادُ مِنَ الإيمانِ)

الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع الأول: قَوْله: ( بابُُ) لَا يسْتَحق الْإِعْرَاب إِلَّا بِتَقْدِير: هَذَا بابُُ، فَيكون خَبرا مَحْذُوف الْمُبْتَدَأ.
وَقَوله: ( الْجِهَاد) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره: ( من الْإِيمَان) وَلَا يجوز فِيهِ غير الرّفْع.
الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبابُُ الأول هُوَ قيام لَيْلَة الْقدر، وَلَا يحصل ذَلِك، إِلَّا بالمجاهدة التَّامَّة ومقاساة الْمَشَقَّة وَترك الِاخْتِلَاط بالأهل والعيال، فَكَذَلِك الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبابُُ حَال الْمُجَاهِد الَّذِي لَا يحصل لَهُ الْحَظ من الْجِهَاد، وَلَا يُسمى مُجَاهدًا إلاَّ بالمجاهدة التَّامَّة ومقاساة الْمَشَقَّة الزَّائِدَة وَترك الْأَهْل والعيال، وكما أَن الْقَائِم لَيْلَة الْقدر يجْتَهد أَن ينَال رُؤْيَة تِلْكَ اللَّيْلَة ويتحلى بهَا، وإلاَّ فيكتسب أجورا عَظِيمَة، فَكَذَلِك الْمُجَاهِد يجْتَهد أَن ينَال دَرَجَة الشُّهَدَاء ومنزلتهم وإلاَّ فَيرجع بغنيمة وافرة مَعَ اكْتِسَاب اسْم الْغُزَاة، فَهَذَا هُوَ وَجه الْمُنَاسبَة وَإِن كَانَ التَّرْتِيب الوضعي يَقْتَضِي أَن يذكر بابُُ تطوع قيام رَمَضَان عقيب هَذَا الْبابُُ، وَبابُُ صَوْم رَمَضَان عقيب هَذَا..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَل لترتيب الْكتاب وتوسيط الْجِهَاد بَين قيام لَيْلَة الْقدر وَقيام رَمَضَان وصيامه مُنَاسبَة أم لَا؟ قلت: مناسبته تَامَّة وَهِي الْمُشَاركَة فِي كَون كل من الْمَذْكُورَات من أُمُور الْإِيمَان.
وتوسيط الْجِهَاد مشْعر بِأَن النّظر مَقْطُوع عَن غير هَذِه الْمُنَاسبَة.
قلت: يُرِيد بِكَلَامِهِ هَذَا أَن الْمُنَاسبَة بَين هَذِه الْأَبْوَاب كلهَا هِيَ اشتراكها فِي كَونهَا من خِصَال الْإِيمَان، مَعَ قطع النّظر عَن طلب الْمُنَاسبَة بَين كل بابَُُيْنِ من الْأَبْوَاب، وَهَذَا كَلَام من يعجز عَن إبداء وَجه الْمُنَاسبَة الْخَاصَّة مَعَ الْمُنَاسبَة الْعَامَّة، وَمَا يَنْبَغِي أَن يذكر مَا ذكرته، فَافْهَم.
الثَّالِث: معنى قَوْله: ( الْجِهَاد من الْإِيمَان) الْجِهَاد شُعْبَة من شعب الْإِيمَان..
     وَقَالَ  ابْن بطال وَعبد الْوَاحِد، الشارحان: هَذَا كالأبواب الْمُتَقَدّمَة فِي أَن الْأَعْمَال إِيمَان، لِأَنَّهُ لما كَانَ الْإِيمَان هُوَ الْمخْرج لَهُ فِي سَبيله، كَانَ الْخُرُوج إِيمَانًا تَسْمِيَة للشَّيْء باسم سَببه، كَمَا قيل للمطر سَمَاء لنزوله من السَّمَاء، وللنبات.
توأ لِأَنَّهُ ينشأ من النوء، وَالْجهَاد الْقِتَال مَعَ الْكفَّار لإعلاء كلمة الله تَعَالَى.



[ قــ :36 ... غــ :36 ]
- حدّثنا حَرَمِيُّ بنُ حَفْصٍ قَالَ حدّثنا عبدُ الوَاحِدِ قَالَ حدّثنا عُمَارَةُ قَالَ حدّثنا أبُو زُرْعَةَ بنُ عَمْرو بنِ جَرِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ عنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إلاَّ إيمانٌ بِي وتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي أَن أَرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أجْرِ أَو غَنِيمَةٍ أَوْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ وَلَوْلاَ أنْ أشُقَّ على أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ وَلوِددْتُ أنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُم أُحْيا ثمَّ أُقْتَلُ ثمَّ أُحيا ثمَّ أُقتل..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة أَن الْمخْرج للْجِهَاد فِي سَبِيل الله تَعَالَى لما كَانَ هُوَ كَونه مُؤمنا بِاللَّه ومصدقا برسله، كَانَ خُرُوجه من الْإِيمَان، وَالْجهَاد هُوَ الْخُرُوج فِي سَبِيل الله لِلْقِتَالِ مَعَ أعدائه، وَقد ثَبت أَن الْخُرُوج من الْإِيمَان، فينتج أَن الْجِهَاد من الْإِيمَان.
بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: حرمي، اسْم بِلَفْظ النِّسْبَة، ابْن حَفْص بن عمر، الْعَتكِي الْقَسْمَلِي الْبَصْرِيّ، روى عَنهُ البُخَارِيّ، وَانْفَرَدَ بِهِ عَن مُسلم، وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن رجل عَنهُ.
مَاتَ سنة ثَلَاث، وَقيل: سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: أَبُو بشر عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، الْعَبْدي الْبَصْرِيّ، وَيعرف: بالثقفي.
قَالَ يحيى وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة: ثِقَة..
     وَقَالَ  ابْن سعد: ثِقَة كثير الحَدِيث، مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة، روى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، فِي طبقته عبد الْوَاحِد بن زيد الْبَصْرِيّ أَيْضا لكنه ضَعِيف، وَلم يخرج عَنهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ شَيْء.
الثَّالِث: عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة، ابْن الْقَعْقَاع بن شبْرمَة، ابْن أخي عبد الله بن شبْرمَة الْكُوفِي الضَّبِّيّ، روى عَنهُ الثَّوْريّ وَالْأَعْمَش وَغَيرهمَا، قَالَ يحيى، ثِقَة..
     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الرَّابِع: أَبُو زرْعَة، بِضَم الزَّاي، وَاخْتلف فِي اسْمه وأشهرها: هرم، وَقيل: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: عَمْرو، وَقيل: عبيد الله بن عَمْرو بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ، سمع جده وَأَبا هُرَيْرَة وَغَيرهمَا، قَالَ يحيى: ثِقَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله عَنهُ.

بَيَان الْأَنْسَاب: الْعَتكِي: بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، فِي الأزد: ينْسب إِلَى العتيك بن الْأسد بن عمرَان بن عَمْرو بن عَامر بن حَارِثَة بن امرىء الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مَازِن بن الأزد، وَفِي قضاعة: عتِيك بطن.
الْقَسْمَلِي بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم، فِي الأزد: ينْسب إِلَى قسملة، وَهُوَ: مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن دوس،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: قسملي فِي الأزد وهم القسامل، سموا بذلك لجمالهم،.

     وَقَالَ  الشَّيْخ قطب الدّين: الْقَسْمَلِي نِسْبَة إِلَى القساملة، قَبيلَة من الأزد نزلت الْبَصْرَة فنسبت الْمحلة إِلَيْهِم أَيْضا، وَهَذَا مَنْسُوب إِلَى الْقَبِيلَة، وَفِي شرح النَّوَوِيّ على قِطْعَة من البُخَارِيّ: أَن الْقَسْمَلِي، بِكَسْر الْقَاف وَالْمِيم، وَكَأَنَّهُ سبق قلم، وَالصَّوَاب فتحهما؛ والعبدي: نِسْبَة إِلَى عبد الْقَيْس بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أَسد بن ربيعَة بن نزار، وَفِي قُرَيْش: عبد بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر، وَفِي تَمِيم: ينْسب إِلَى عبد الله بن دارم.
وَفِي قضاعة: إِلَى عبد الله بن الْخِيَار

وَفِي هَمدَان إِلَى عبد الله بن عليان.
والثقفي: نِسْبَة إِلَى ثَقِيف، وَهُوَ قسي بن مُنَبّه بن بكر بن هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن حَفْصَة بن قيس بن غيلَان.
والضبي، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: نِسْبَة إِلَى ضبة بن أد بن طابخة بن الياس بن مُضر، وَفِي قُرَيْش: ضبة بن الْحَارِث ابْن فهر، وَفِي هُذَيْل: ضبة بن عَمْرو بن الْحَارِث بن تَمِيم بن سعد بن هُذَيْل.
والبجلي بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم: نِسْبَة إِلَى بجيلة بنت صَعب بن سعد الْعَشِيرَة بن مَالك بن مذْحج.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا وَهُوَ أعظمها: أَنه خَال عَن العنعنة وَلَيْسَ فِيهِ إلاَّ التحديث وَالسَّمَاع.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي.
وَمِنْهَا: أَن فيهم إسما على صُورَة النِّسْبَة، وَرُبمَا يَظُنّهُ من لَا إِلْمَام لَهُ بِالْحَدِيثِ أَنه نِسْبَة.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، وَأخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد عَن زُهَيْر عَن جرير، وَعَن أبي بكر وَأبي كريب عَن ابْن فُضَيْل عَن عمَارَة بِهِ.
وَفِي لفظ مُسلم: ( يضمن الله) ، وَفِي بَعْضهَا: ( تكفل الله) ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: ( توكل الله) وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ: وَفِي أُخْرَى لَهُ قَالَ: ( انتدب الله لمن يخرج فِي سَبيله لَا يُخرجهُ إلاَّ الْإِيمَان بِي وَالْجهَاد فِي سبيلي أَنه ضَامِن حَتَّى أدخلهُ الْجنَّة بِأَيِّهِمَا كَانَ: إِمَّا بقتل أَو وفادة، أَو أرده إِلَى مَسْكَنه الَّذِي يخرج مِنْهُ، نَالَ مَا نَالَ من أجر أَو غنيمَة) .

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: ( انتدب الله) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَالدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، من قَوْلهم: نَدبه لأمر فَانْتدبَ لَهُ، أَي: دَعَاهُ لَهُ فَأجَاب، فَكَأَن الله تَعَالَى جعل جِهَاد الْعباد فِي سَبِيل الله سؤالاً، وَدُعَاء لَهُ إِيَّاه..
     وَقَالَ  صَاحب ( الْمطَالع) فِي فصل النُّون مَعَ الدَّال قَوْله: ( انتدب الله لمن جَاهد فِي سَبيله) أَي: سارع بثوابه وَحسن جَزَائِهِ، وَقيل: أجَاب، وَقيل: تكفل،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: أوجب وتفضل أَي: حقق واحكم أَي: ينجز ذَلِك لمن أخْلص قلت: كَأَنَّهُ يُرِيد مَا وعده، بقوله تَعَالَى: {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ} ( التَّوْبَة: 111) الْآيَة، وَذكره أَيْضا فِي ( الْمطَالع) فِي فصل الْهمزَة مَعَ الدَّال من مَادَّة أدب، فَقَالَ قَوْله: ( ائتدب الله لمن خرج فِي سَبيله) .
كَذَا للقابسي بِهَمْزَة، وَمَعْنَاهُ: أجَاب من دَعَاهُ، من المأدبة، يُقَال: أدب الْقَوْم يأدبهم ويأدبهم أدبا إِذا دعاهم.
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: انتدب، بالنُّون، وَأَهْمَلَهُ الْأصيلِيّ وَلم يُقَيِّدهُ، وَمَعْنَاهُ قريب من الأول، كَأَنَّهُ أجَاب رغبته.
يُقَال: ندبته فَانْتدبَ أَي دَعوته فَأجَاب، وَمِنْه فِي حَدِيث الخَنْدَق: فَانْتدبَ الزبير، رَضِي الله عَنهُ، وَذكره الصغاني أَيْضا فِي بابُُ النُّون مَعَ الدَّال.

     وَقَالَ : وَأما قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( انتدب الله) الحَدِيث، فَمَعْنَاه: أَجَابَهُ إِلَى غفرانه..
     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: رَوَاهُ الْقَابِسِيّ: ائتدب، بِهَمْزَة صورتهَا يَاء من: المأدبة، يُقَال: أدب الْقَوْم مخففا، إِذا دعاهم، وَمِنْه: ( الْقُرْآن مأدبة الله فِي الأَرْض) .
قلت: قَالَ الصغاني: الْأَدَب الدُّعَاء إِلَى الطَّعَام، يُقَال أدبهم يأدبهم بِكَسْر الدَّال، وَاسم الطَّعَام عَن أبي زيد: المأدبة والمأدبة، يَعْنِي بِفَتْح الدَّال وَضمّهَا، ثمَّ قَالَ: وَأما المأدبة، بِالْفَتْح، فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود، رَضِي الله عَنهُ: ( إِن هَذَا الْقُرْآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته) فَلَيْسَتْ من الطَّعَام فِي شَيْء، وَإِنَّمَا هِيَ مفعلة من الْأَدَب بِالتَّحْرِيكِ، انْتهى..
     وَقَالَ  بَعضهم: وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ هُنَا: ايتدب، بياء تَحْتَانِيَّة مَهْمُوزَة بدل النُّون من المأدبة وَهُوَ تَصْحِيف، وَقد وجههوه بتكلف، لَكِن إِطْلَاق الروَاة على خِلَافه.
قلت: لم يقل أحد من الشُّرَّاح ولامن رُوَاة الْكتاب إِن هَذَا تَصْحِيف، وَلَا أطبقت الروَاة على خِلَافه، وَقد رَأَيْت مَا قَالَت الْمَشَايِخ فِيهِ وَالدَّعْوَى بِلَا برهَان لَا تقبل.
قَوْله: ( أَن أرجعه) بِفَتْح الْهمزَة من رَجَعَ، وَقد جَاءَ مُتَعَدِّيا ولازما، فمصدر الأول الرجع، ومصدر الثَّانِي الرُّجُوع، وَهَهُنَا مُتَعَدٍّ نَحْو قَوْله تَعَالَى {فَإِن رجعك الله إِلَى طَائِفَة} ( التَّوْبَة: 83) وَفِي ( الْعبابُ) : رَجَعَ بِنَفسِهِ يرجع رُجُوعا ومرجعا ورجعي، قَالَ الله تَعَالَى: {ثمَّ إِلَى ربكُم مرجعكم} ( الْأَنْعَام: 164، الزمر: 7) وَهُوَ شَاذ لِأَن المصادر من: فعل يفعل، إِنَّمَا تكون بِالْفَتْح..
     وَقَالَ  الله تَعَالَى: {إِن إِلَى رَبك الرجعى} ( العلق: 8) ورجعته عَن الشَّيْء وَإِلَى الشَّيْء رجعا: رَددته.
قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّه على رجعه لقادر} ( الطارق: 8) أَي: على إِعَادَته حَيا بعد مَوته وبلاه، لِأَنَّهُ المبدىء المعيد..
     وَقَالَ  تَعَالَى: {يرجع بَعضهم إِلَى بعض القَوْل} ( سبأ: 31) أَي: يتلاومون.
قَوْله: ( بِمَا نَالَ) .
أَي: بِمَا أصَاب من النّيل، وَهُوَ الْعَطاء.
قَوْله: ( خلف سَرِيَّة) خلف هَهُنَا بِمَعْنى بعد، والسرية: هِيَ قِطْعَة من الْجَيْش، يُقَال: خير السَّرَايَا أَربع مائَة رجل.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: ( انتدب) فعل مَاض، وَلَفْظَة: الله، فَاعله، وَقَوله ( لمن خرج) يتَعَلَّق بانتدب، وَمن، مَوْصُولَة.
وَخرج، جملَة صلتها، وَفِي سَبيله، يتَعَلَّق بِهِ، وَالضَّمِير فِي سَبيله، يرجع إِلَى الله.
قَوْله: ( لَا يُخرجهُ) جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول وَهُوَ الضَّمِير، وموضعها نصب على الْحَال، وَقد علم أَن الْمُضَارع إِذا وَقع حَالا وَكَانَ منفيا يجوز فِيهِ الْوَاو وَتركهَا، نَحْو: جَاءَنِي زيد لَا يركب، أَو: وَلَا يركب..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لَا بُد من التَّأْوِيل وَهُوَ تَقْدِير اسْم فَاعل من القَوْل مَنْصُوب على الْحَال، كَأَنَّهُ قَالَ: انتدب الله لمن خرج فِي سَبيله قَائِلا لَا يُخرجهُ إِلَّا إِيمَان بِي.
قلت: هَذَا لَيْسَ بسديد لِأَنَّهُ على تَقْدِيره يلْزم أَن يكون ذُو الْحَال هُوَ الله تَعَالَى، وَيكون قَوْله لَا يُخرجهُ، مقول القَوْل، وَلَيْسَ كَذَلِك بل ذُو الْحَال هُوَ الضَّمِير الَّذِي فِي خرج وَأَيْضًا فِيهِ حذف الْحَال وَهُوَ لَا يجوز.
قَوْله: ( إِيمَان) مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: لَا يُخرجهُ، وَالِاسْتِثْنَاء مفرغ، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم والإسماعيلي: إلاَّ إِيمَانًا، بِالنّصب..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: مَنْصُوب على أَنه مفعول لَهُ، وَتَقْدِيره: لَا يُخرجهُ مخرج إِلَّا الْإِيمَان والتصديق.
قَوْله: ( وتصديق برسلي) ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَو تَصْدِيق، وَفِي بعض النّسخ: ( وتصديق) بِالْوَاو الْوَاصِلَة وَهُوَ ظَاهر.
قلت: لم أَقف على من ذكر هَذَا رِوَايَة، ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: إِذا كَانَ: بِأَو، الفاصلة، فَمَا مَعْنَاهُ إِذْ لَا بُد من الْأَمريْنِ: الْإِيمَان بِاللَّه والتصديق برسل الله؟ قلت: أَو، هَهُنَا لِامْتِنَاع الْخُلُو مِنْهُمَا مَعَ إِمْكَان الْجمع بَينهمَا، أَي: لَا يَخْلُو عَن أَحدهمَا، وَقد يَجْتَمِعَانِ بل يلْزم الِاجْتِمَاع، لِأَن الْإِيمَان بِاللَّه مُسْتَلْزم لتصديق رسله، إِذْ من جملَة الْإِيمَان بِاللَّه الْإِيمَان بأحكامه وأفعاله، وَكَذَا التَّصْدِيق بالرسل يسْتَلْزم الْإِيمَان بِاللَّه، وَهُوَ ظَاهر.
قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَيْسَ مِمَّا يدل عَلَيْهِ: أَو، لِأَن الِاجْتِمَاع هَهُنَا لَازم و: أَو، لَا يدل على لُزُوم الِاجْتِمَاع.
قَوْله: ( أَن أرجعه) يتَعَلَّق بقوله: ( انتدب) ، وَأَن مَصْدَرِيَّة، وَأَصلهَا: بِأَن أرجعه، أَي: يرجعه، وَالْبَاء فِي: بِمَا نَالَ، يتَعَلَّق بِهِ، وَمَا، مَوْصُولَة، و: نَالَ، صلتها والعائد مَحْذُوف أَي: بِمَا ناله.
قَوْله: ( من) للْبَيَان، قَوْله: ( أَو غنيمَة) أَو: هَهُنَا لِامْتِنَاع الْخُلُو مِنْهُمَا مَعَ إِمْكَان الْجمع بَينهمَا أَعنِي: أَن اللَّفْظ لَا يَنْفِي اجْتِمَاعهمَا، بل يثبت أَحدهمَا مَعَ جَوَاز ثُبُوت الآخر، فقد يَجْتَمِعَانِ..
     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: مَعْنَاهُ أَن أرجعه بِمَا نَالَ من أجر مُجَرّد وَإِن لم يكن غنيمَة، أَو أجر وغنيمة إِذا كَانَت، فَاكْتفى بِذكر الْأجر أَولا عَن تكراره، أَو أَن: أَو، هَهُنَا بِمَعْنى الْوَاو، كَمَا جَاءَ فِي مُسلم من رِوَايَة يحيى بن يحيى، وَفِي سنَن أبي دَاوُد: من أجر وغنيمة بِغَيْر ألف.
وَقد قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} ( النِّسَاء: 11 و 12) مَعْنَاهُ: وَدين، وَقيل: من وَصِيَّة وَدين، أَو دين دون وَصِيَّة.
قَوْله: ( أَو أدخلهُ) بِالنّصب عطفا على قَوْله: ( أَن أرجعه) .
قَوْله: ( لَوْلَا) هِيَ الامتناعية لَا التحضيضية، وَأَن، مَصْدَرِيَّة فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء، وَالتَّقْدِير: لَوْلَا الْمَشَقَّة، وَيجوز أَن يكون مَرْفُوعا بِفعل مَحْذُوف، أَي: لَوْلَا ثَبت أَن أشق، وَقَوله: أشق مَنْصُوب بِهِ.
قَوْله: ( مَا قعدت) جَوَاب لَوْلَا، وَأَصله: لما قعدت، فحذفت اللَّام مِنْهُ.
وَقَوله: ( خلف) نصب على الظَّرْفِيَّة، وَسبب الْمَشَقَّة صعوبة تخلفهم بعده، وَلَا يقدرُونَ على الْمسير مَعَه لضيق حَالهم، وَلَا قدرَة لَهُ على حملهمْ، كَمَا جَاءَ مُبينًا فِي حَدِيث آخر، حَيْثُ قَالَ: ( فَإِنَّهُ يشق عَلَيْهِم التَّخَلُّف بعده، وَلَا تطيب أنفسهم بذلك) .
قَوْله: ( ولوددت) اللَّام للتَّأْكِيد، وَهُوَ عطف على قَوْله: مَا قعدت، وَيجوز أَن تكون اللَّام فِيهِ جَوَاب قسم مَحْذُوف أَي: وَالله لَوَدِدْت أَي: أَحْبَبْت.
قَوْله: ( أَن أقتل) فِي مَحل النصب على المفعولية، وَأَن، مَصْدَرِيَّة، أَي: الْقَتْل، والهمزة فِي الْمَوَاضِع الْخَمْسَة مَضْمُومَة.
قَوْله: ( ثمَّ أحيى) أَي: ثمَّ أَن أحيى، وَكَذَلِكَ التَّقْدِير فِي الْبَوَاقِي.

{بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: ( إلاَّ إِيمَان بِي وتصديق برسلي) : يُرِيد خلوص نِيَّته لذَلِك، وَفِيه الْتِفَات، وَهُوَ الْعُدُول من الْغَيْبَة، إِلَى ضمير الْمُتَكَلّم، والسياق كَانَ يَقْتَضِي أَن يَقُول: إِلَّا إِيمَان بِهِ.
قَوْله: ( أَن أرجعه) فِيهِ حذف أَي: إِلَى مَسْكَنه.
قَوْله: ( بِمَا نَالَ) فِيهِ اسْتِعْمَال الْمَاضِي مَوضِع الْمُضَارع لتحَقّق وعد الله تَعَالَى.
قَوْله: ( ثمَّ أحيى) كلمة ثمَّ، وَإِن كَانَت تدل على التَّرَاخِي فِي الزَّمَان، وَلكنهَا هَهُنَا حملت على التَّرَاخِي فِي الرُّتْبَة، لِأَن المتمنى حُصُول مرتبَة بعد مرتبَة إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى الفردوس الْأَعْلَى.

استنباط الْأَحْكَام: فِيهِ: فضل الْجِهَاد وَالشَّهَادَة فِي سَبِيل الله.
وَفِيه: تمني الشَّهَادَة وتعظيم أجرهَا.
وَفِيه: تمني الْخَيْر وَالنِّيَّة فَوق مَا لَا يُطيق الْإِنْسَان وَمَا لَا يُمكنهُ إِذا قدر لَهُ، وَهُوَ أحد التَّأْويلَيْنِ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( نِيَّة الْمُؤمن أبلغ من عمله) وَفِيه: بَيَان شدَّة شَفَقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أمته ورأفته بهم.
وَفِيه: اسْتِحْبابُُ طلب الْقَتْل فِي سَبِيل الله.
وَفِيه: جَوَاز قَول الْإِنْسَان: وددت حُصُول كَذَا من الْخَيْر الَّذِي يعلم أَنه لَا يحصل.
وَفِيه: إِذا تعَارض مصلحتان بدىء بأهمهما، وَأَنه يتْرك بعض الْمصَالح لمصْلحَة أرجح مِنْهَا، أَو لخوف مفْسدَة تزيد عَلَيْهَا.
وَفِيه: إِن الْجِهَاد فرض كِفَايَة لَا فرض عين.
وَفِيه: السَّعْي فِي زَوَال الْمَكْرُوه وَالْمَشَقَّة عَن الْمُسلمين.
وَفِيه: إِن من خرج فِي قتال الْبُغَاة وَفِي إِقَامَة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَنَحْو ذَلِك يدْخل فِي قَوْله: ( فِي سَبِيل الله) وَإِن كَانَ ظَاهره فِي قتال الْكفَّار.

الأسئلة والأجوبة: مِنْهَا مَا قيل: جَمِيع الْمُؤمنِينَ يدخلهم الله تَعَالَى الْجنَّة، فَمَا وَجه اختصاصهم بذلك؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يدْخلهُ بعد مَوته، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} ( آل عمرَان: 169) وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد: الدُّخُول عِنْد دُخُول السَّابِقين والمقربين بِلَا حِسَاب وَلَا عَذَاب، وَلَا مُؤَاخذَة بذنوب، وَتَكون الشَّهَادَة مكفرة لَهَا كَمَا رُوِيَ من قَوْله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: ( الْقَتْل فِي سَبِيل الله يكفر كل شَيْء إِلَّا الدّين) .
رَوَاهُ مُسلم.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن الْمُجَاهِد لَهُ حالتان: الشَّهَادَة والسلامة، فالجنة للحالة الأولى، وَالْأَجْر وَالْغنيمَة للثَّانِيَة وَلَفظه: أَو فِي قَوْله: أَو غنيمَة، تدل على أَن للسالم، إِمَّا الْأجر، وَإِمَّا الْغَنِيمَة لَا كِلَاهُمَا؟ وَأجِيب: بِأَن معنى: أَو، لِامْتِنَاع الْخُلُو عَنْهُمَا مَعَ إِمْكَان الْجمع بَينهمَا.
وَمِنْهَا مَا قيل: هَهُنَا حَالَة ثَالِثَة للسالم وَهُوَ: الْأجر بِدُونِ الْغَنِيمَة.
وَأجِيب: بِأَن هَذِه الْحَالة دَاخِلَة تَحت الْحَالة الثَّانِيَة إِذْ هِيَ أَعم من الْأجر فَقَط، أَو مِنْهُ مَعَ الْغَنِيمَة.
وَمِنْهَا مَا قيل: الْأجر ثَابت للشهيد الدَّاخِل فِي الْجنَّة، فَكيف يكون السَّالِم والشهيد مقترنين فِي أَن لأَحَدهمَا الْأجر وَللْآخر الْجنَّة، مَعَ أَن الْجنَّة أَيْضا أجر؟ وَأجِيب: بِأَن هَذَا أجر خَاص، وَالْجنَّة أجر أَعلَى مِنْهُ، فهما متغايران.
أَو أَن الْقسمَيْنِ هما الرجع والإدخال، لَا الْأجر وَالْجنَّة.
وَمعنى الحَدِيث: إِن الله تَعَالَى ضمن أَن الْخَارِج للْجِهَاد ينَال خيرا بِكُل حَال، فإمَّا أَن يستشهد فَيدْخل الْجنَّة، وَإِمَّا أَن يرجع بِأَجْر فَقَط، وَإِمَّا بِأَجْر وغنيمة.
وَمِنْهَا مَا قيل: بِمَاذَا هَذَا الضَّمَان؟ وَأجِيب: بِمَا سبق فِي علمه، وَمَا ذكره فِي كِتَابه بقوله: {إِن الله اشْترى} ( التَّوْبَة: 111) الْآيَة: وَمِنْهَا مَا قيل: لَا مشقة على الْأمة فِي ودادة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن غَايَة مَا فِي الْبابُُ وجود الْمُتَابَعَة فِي الودادة، وَلَيْسَ فِيهَا مشقة.
وَأجِيب: بِأَنا لَا نسلم عدم الْمَشَقَّة، وَلَئِن سلمنَا فَرُبمَا ينجر إِلَى تشييع مودوده، فَيصير سَببا للْمَشَقَّة.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن الْفِرَار إِنَّمَا هُوَ على حَالَة الْحَيَاة.
فَلم جعل النِّهَايَة هِيَ الْقَتْل؟ وَأجِيب: بِأَن المُرَاد هُوَ الشَّهَادَة، فختم الْحَال عَلَيْهَا، أَو أَن الْإِحْيَاء للجزاء وَهُوَ مَعْلُوم شرعا، فَلَا حَاجَة إِلَى ودادته، لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ الْوُقُوع.
فَافْهَم.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن الْقَوَاعِد تَقْتَضِي أَن لَا يتَمَنَّى الْمعْصِيَة أصلا، لَا لنَفسِهِ وَلَا لغيره، فَكيف تمناه؟ لِأَن حَاصله أَنه تمنى أَن يُمكن فِيهِ كَافِر فيعصى فِيهِ؟ وَأجِيب: بِأَن الْمعْصِيَة لَيست مَقْصُودَة بالتمني، إِنَّمَا المتمنى الْحَالة الرفيعة وَهِي الشَّهَادَة، وَتلك تحصل تبعا.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( بِمَا نَالَ من أجر أَو غنيمَة) يُعَارضهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي الصَّحِيح: ( مَا من غَازِيَة أَو سَرِيَّة تغزو فتغنم وتسلم، إلاَّ كَانُوا قد تعجلوا ثُلثي أجرهم، وَمَا من غَازِيَة أَو سَرِيَّة تخفق فتصاب إِلَّا تمّ أُجُورهم) .
والإخفاق أَن تغزو وَلَا تغتنم شَيْئا وَلَا يَصح أَن ينقص الْغَنِيمَة من أجرهم، كَمَا لم تنقص أهل بدر، وَكَانُوا أفضل الْمُجَاهدين.
وَأجِيب: بأجوبة.
الأول: الطعْن فِي هَذَا الحَدِيث، فَإِن فِي إِسْنَاده: حميد بن هَانِيء، وَلَيْسَ بالمشهور، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ أخرج لَهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه،.

     وَقَالَ  يحيى بن سعيد: حدث عَنهُ الْأَئِمَّة، وَأَحَادِيثه كَثِيرَة مُسْتَقِيمَة.
الثَّانِي: إِن الَّذِي يخْفق يزْدَاد بِالْأَجْرِ، والأسف على مَا فاتها من الْمغنم، ويضاعف لَهَا كَمَا يُضَاعف لمن أُصِيب بأَهْله وَمَاله.
الثَّالِث: أَن يحمل الأول على من أخْلص فِي نِيَّته لقَوْله: ( لَا يُخرجهُ إلاَّ جِهَاد فِي سبيلي) وَيحمل الحَدِيث الثَّانِي على من خرج بنية الْجِهَاد والمغنم، فَهَذَا شرك بِمَا يجوز فِيهِ التَّشْرِيك، وانقسمت نِيَّته بَين الْوَجْهَيْنِ فنقص أجره، وَالْأول خَاص فكمل أجره.
وَنفى النَّوَوِيّ التَّعَارُض لِأَن الْغُزَاة إِذا سلمُوا وغنموا تكون أُجُورهم أقل من أجر من لم يسلم، أَو سلم وَلم يغنم، وَأَن الْغَنِيمَة فِي مُقَابلَة جُزْء من أجر غزوهم، فَإِذا حصلت فقد تعجلوا ثُلثي أجرهم..
     وَقَالَ  القَاضِي: الحَدِيث الَّذِي فِيهِ، بِمَا نَالَ من أجر وغنيمة، مُطلق لِأَنَّهُ لم يقل فِيهِ: إِن الْغَنِيمَة تنقص الْأجر، والْحَدِيث الثَّانِي مُقَيّد، وَأما استدلالهم بغزوة بدر فَلَيْسَ فِيهِ أَنهم لَو لم يغنموا لَكَانَ أجرهم على قدر أجرهم مَعَ الْغَنِيمَة، وكونهم مغفورا مرضيا عَنْهُم لَا يلْزم مِنْهُم أَن لَا يكون فَوْقه مرتبَة أُخْرَى هِيَ أفضل.