هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
367 حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلاَةَ الغَدَاةِ بِغَلَسٍ ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا دَخَلَ القَرْيَةَ قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ { فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ } قَالَهَا ثَلاَثًا ، قَالَ : وَخَرَجَ القَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ ، فَقَالُوا : مُحَمَّدٌ ، قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ : وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : وَالخَمِيسُ - يَعْنِي الجَيْشَ - قَالَ : فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً ، فَجُمِعَ السَّبْيُ ، فَجَاءَ دِحْيَةُ الكَلْبِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ ، قَالَ : اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً ، فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ ، سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ ، لاَ تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ ، قَالَ : ادْعُوهُ بِهَا فَجَاءَ بِهَا ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا ، قَالَ : فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا ، فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ : يَا أَبَا حَمْزَةَ ، مَا أَصْدَقَهَا ؟ قَالَ : نَفْسَهَا ، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ ، جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ ، فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ ، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا ، فَقَالَ : مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ وَبَسَطَ نِطَعًا ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ ، قَالَ : وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ ، قَالَ : فَحَاسُوا حَيْسًا ، فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  يعني الجيش قال : فأصبناها عنوة ، فجمع السبي ، فجاء دحية الكلبي رضي الله عنه ، فقال : يا نبي الله ، أعطني جارية من السبي ، قال : اذهب فخذ جارية ، فأخذ صفية بنت حيي ، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ، أعطيت دحية صفية بنت حيي ، سيدة قريظة والنضير ، لا تصلح إلا لك ، قال : ادعوه بها فجاء بها ، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال : خذ جارية من السبي غيرها ، قال : فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها ، فقال له ثابت : يا أبا حمزة ، ما أصدقها ؟ قال : نفسها ، أعتقها وتزوجها ، حتى إذا كان بالطريق ، جهزتها له أم سليم ، فأهدتها له من الليل ، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسا ، فقال : من كان عنده شيء فليجئ به وبسط نطعا ، فجعل الرجل يجيء بالتمر ، وجعل الرجل يجيء بالسمن ، قال : وأحسبه قد ذكر السويق ، قال : فحاسوا حيسا ، فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلاَةَ الغَدَاةِ بِغَلَسٍ ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا دَخَلَ القَرْيَةَ قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ { فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ } قَالَهَا ثَلاَثًا ، قَالَ : وَخَرَجَ القَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ ، فَقَالُوا : مُحَمَّدٌ ، قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ : وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : وَالخَمِيسُ - يَعْنِي الجَيْشَ - قَالَ : فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً ، فَجُمِعَ السَّبْيُ ، فَجَاءَ دِحْيَةُ الكَلْبِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ ، قَالَ : اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً ، فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ ، سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ ، لاَ تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ ، قَالَ : ادْعُوهُ بِهَا فَجَاءَ بِهَا ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا ، قَالَ : فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا ، فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ : يَا أَبَا حَمْزَةَ ، مَا أَصْدَقَهَا ؟ قَالَ : نَفْسَهَا ، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ ، جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ ، فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ ، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا ، فَقَالَ : مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ وَبَسَطَ نِطَعًا ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ ، قَالَ : وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ ، قَالَ : فَحَاسُوا حَيْسًا ، فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

Narrated `Abdul `Aziz:

Anas said, 'When Allah's Messenger (ﷺ) invaded Khaibar, we offered the Fajr prayer there yearly in the morning) when it was still dark. The Prophet (ﷺ) rode and Abu Talha rode too and I was riding behind Abu Talha. The Prophet (ﷺ) passed through the lane of Khaibar quickly and my knee was touching the thigh of the Prophet (ﷺ) . He uncovered his thigh and I saw the whiteness of the thigh of the Prophet. When he entered the town, he said, 'Allahu Akbar! Khaibar is ruined. Whenever we approach near a (hostile) nation (to fight) then evil will be the morning of those who have been warned.' He repeated this thrice. The people came out for their jobs and some of them said, 'Muhammad (has come).' (Some of our companions added, With his army.) We conquered Khaibar, took the captives, and the booty was collected. Dihya came and said, 'O Allah's Prophet! Give me a slave girl from the captives.' The Prophet said, 'Go and take any slave girl.' He took Safiya bint Huyai. A man came to the Prophet (ﷺ) and said, 'O Allah's Messenger (ﷺ)s! You gave Safiya bint Huyai to Dihya and she is the chief mistress of the tribes of Quraidha and An-Nadir and she befits none but you.' So the Prophet (ﷺ) said, 'Bring him along with her.' So Dihya came with her and when the Prophet (ﷺ) saw her, he said to Dihya, 'Take any slave girl other than her from the captives.' Anas added: The Prophet (ﷺ) then manumitted her and married her. Thabit asked Anas, O Abu Hamza! What did the Prophet (ﷺ) pay her (as Mahr)? He said, Her self was her Mahr for he manumitted her and then married her. Anas added, While on the way, Um Sulaim dressed her for marriage (ceremony) and at night she sent her as a bride to the Prophet (ﷺ) . So the Prophet was a bridegroom and he said, 'Whoever has anything (food) should bring it.' He spread out a leather sheet (for the food) and some brought dates and others cooking butter. (I think he (Anas) mentioned As-Sawaq). So they prepared a dish of Hais (a kind of meal). And that was Walima (the marriage banquet) of Allah's Messenger (ﷺ) .

0371 Anas : A la campagne de Khaybar, nous fimes la prière de l’aube avec le Messager de Dieu près de cette cité. Après cela, le Prophète de Dieu se mit sur sa monture, ainsi qu’Abu Talha avec qui j’étais en croupe, et s’élança en direction de Khaybar. Mon genou touchait la cuisse du Prophète de Dieu. Il leva ensuite le izar à un point où je pus apercevoir la blancheur de ses cuisses. Et une fois à l’intérieur de la cité, il s’écria, par trois fois : « Dieu est le plus grand ! Khaybar est anéantie !… Lorsque nous nous abattrons sur l’aire d’une peuplade, mauvais matin sera-ce pour ceux qui auront été avertis. » En sortant vers leurs travaux quotidiens, les habitants de Khaybar s’écrièrent : « C’est Muhammad ! (Abd-al-Aziz : L’un de nos compagnons ajouta ceci : …et le khamis (c’est-à-dire : l’armée)). » C’est ainsi que nous nous emparâmes de force de Khaybar. On rassembla ensuite les prisonniers. A ce moment, Dihya vint dire au Prophète : « O Prophète de Dieu ! donne-moi de ces captifs une femme ! » « Va, et prends-en une !« , lui dit le Prophète. Et Dihya de prendre Safiya bent Huyay, d’où un homme vint trouver le Prophète de Dieu et lui dit : « O Prophète de Dieu ! as-tu donné à Dihya, Safiya bent Huyay, la maitresse des Qurayza et des Nadir ? Il n’y a que toi qui dois la prendre. » Sur ce, le Prophète dit : « Appelez-le ! et qu’il vienne avec elle ! » Dihya vint accompagné de Safiya. En la voyant, le Prophète de dieu lui dit : « Prends une autre captive ! » Après cela, le Prophète de Dieu affranchi Safiya et l’épousa. Thâbit dit à Anas : « O Abu Hamza ! quelle était la dot qu’il lui avait donnée ? » « Sa propre personne, il l’a affranchie puis épousée. Et, au chemin du retour, Um Salayra s’occupa d’elle et la fit entrer de nuit chez le Prophète qui se leva le lendemain matin comme nouveau marié et dit : Que celui qui a une chose l’apporte! et ce en étalant un tapis. Certain apportèrent des dattes, d’autres du beurre fondu (Abd-al-Aziz : Je crois que Anas cita aussi la bouillie sucré) puis on mélangea le tout. C’est ainsi que fut le festin de noces du Messager de Dieu. »  

":"ہم سے یعقوب بن ابراہیم نے بیان کیا ، کہا ہم سے اسماعیل بن علیہ نے کہ کہا ہمیں عبدالعزیز بن صہیب نے انس بن مالک رضی اللہ عنہ سے روایت کر کے کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم غزوہ خبیر میں تشریف لے گئے ۔ ہم نے وہاں فجر کی نماز اندھیرے ہی میں پڑھی ۔ پھر نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم سوار ہوئے ۔ اور ابوطلحہ بھی سوار ہوئے ۔ میں ابوطلحہ کے پیچھے بیٹھا ہوا تھا ۔ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے اپنی سواری کا رخ خیبر کی گلیوں کی طرف کر دیا ۔ میرا گھٹنا نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کی ران سے چھو جاتا تھا ۔ پھر نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے اپنی ران سے تہبند کو ہٹایا ۔ یہاں تک کہ میں نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کی شفاف اور سفید رانوں کی سفیدی اور چمک دیکھنے لگا ۔ جب آپ خیبر کی بستی میں داخل ہوئے ، تو آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا «الله اكبر» اللہ سب سے بڑا ہے ، خیبر برباد ہو گیا ، جب ہم کسی قوم کے آنگن میں اتر جائیں تو ڈرائے ہوئے لوگوں کی صبح منحوس ہو جاتی ہے ۔ آپ نے یہ تین مرتبہ فرمایا ، اس نے کہا کہ خیبر کے یہودی لوگ اپنے کاموں کے لیے باہر نکلے ہی تھے کہ وہ چلا اٹھے محمد ( صلی اللہ علیہ وسلم ) آن پہنچے ۔ اور عبدالعزیز راوی نے کہا کہ بعض حضرت انس رضی اللہ عنہ سے روایت کرنے والے ہمارے ساتھیوں نے «والخميس‏» کا لفظ بھی نقل کیا ہے ( یعنی وہ چلا اٹھے کہ محمد صلی اللہ علیہ وسلم لشکر لے کر پہنچ گئے ) پس ہم نے خیبر لڑ کر فتح کر لیا اور قیدی جمع کئے گئے ۔ پھر دحیہ رضی اللہ عنہ آئے اور عرض کی کہ یا رسول اللہ ! قیدیوں میں سے کوئی باندی مجھے عنایت کیجیئے ، آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ جاؤ کوئی باندی لے لو ۔ انھوں نے صفیہ بنت حیی کو لے لیا ۔ پھر ایک شخص نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کی خدمت میں حاضر ہوا اور عرض کی یا رسول اللہ ! صفیہ جو قریظہ اور نضیر کے سردار کی بیٹی ہیں ، انہیں آپ نے دحیہ کو دے دیا ۔ وہ تو صرف آپ ہی کے لیے مناسب تھیں ۔ اس پر آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ دحیہ کو صفیہ کے ساتھ بلاؤ ، وہ لائے گئے ۔ جب نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے انہیں دیکھا تو فرمایا کہ قیدیوں میں سے کوئی اور باندی لے لو ۔ راوی نے کہا کہ پھر نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے صفیہ کو آزاد کر دیا اور انہیں اپنے نکاح میں لے لیا ۔ ثابت بنانی نے حضرت انس رضی اللہ عنہ سے پوچھا کہ ابوحمزہ ! ان کا مہر آنحضور صلی اللہ علیہ وسلم نے کیا رکھا تھا ؟ حضرت انس رضی اللہ عنہ نے فرمایا کہ خود انہیں کی آزادی ان کا مہر تھا اور اسی پر آپ نے نکاح کیا ۔ پھر راستے ہی میں ام سلیم رضی اللہ عنہا ( حضرت انس رضی اللہ عنہ کی والدہ ) نے انہیں دلہن بنایا اور نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کے پاس رات کے وقت بھیجا ۔ اب نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم دولہا تھے ، اس لیے آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ جس کے پاس بھی کچھ کھانے کی چیز ہو تو یہاں لائے ۔ آپ نے ایک چمڑے کا دسترخوان بچھایا ۔ بعض صحابہ کھجور لائے ، بعض گھی ، عبدالعزیز نے کہا کہ میرا خیال ہے حضرت انس رضی اللہ عنہ نے ستو کا بھی ذکر کیا ۔ پھر لوگوں نے ان کا حلوہ بنا لیا ۔ یہ رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم کا ولیمہ تھا ۔

0371 Anas : A la campagne de Khaybar, nous fimes la prière de l’aube avec le Messager de Dieu près de cette cité. Après cela, le Prophète de Dieu se mit sur sa monture, ainsi qu’Abu Talha avec qui j’étais en croupe, et s’élança en direction de Khaybar. Mon genou touchait la cuisse du Prophète de Dieu. Il leva ensuite le izar à un point où je pus apercevoir la blancheur de ses cuisses. Et une fois à l’intérieur de la cité, il s’écria, par trois fois : « Dieu est le plus grand ! Khaybar est anéantie !… Lorsque nous nous abattrons sur l’aire d’une peuplade, mauvais matin sera-ce pour ceux qui auront été avertis. » En sortant vers leurs travaux quotidiens, les habitants de Khaybar s’écrièrent : « C’est Muhammad ! (Abd-al-Aziz : L’un de nos compagnons ajouta ceci : …et le khamis (c’est-à-dire : l’armée)). » C’est ainsi que nous nous emparâmes de force de Khaybar. On rassembla ensuite les prisonniers. A ce moment, Dihya vint dire au Prophète : « O Prophète de Dieu ! donne-moi de ces captifs une femme ! » « Va, et prends-en une !« , lui dit le Prophète. Et Dihya de prendre Safiya bent Huyay, d’où un homme vint trouver le Prophète de Dieu et lui dit : « O Prophète de Dieu ! as-tu donné à Dihya, Safiya bent Huyay, la maitresse des Qurayza et des Nadir ? Il n’y a que toi qui dois la prendre. » Sur ce, le Prophète dit : « Appelez-le ! et qu’il vienne avec elle ! » Dihya vint accompagné de Safiya. En la voyant, le Prophète de dieu lui dit : « Prends une autre captive ! » Après cela, le Prophète de Dieu affranchi Safiya et l’épousa. Thâbit dit à Anas : « O Abu Hamza ! quelle était la dot qu’il lui avait donnée ? » « Sa propre personne, il l’a affranchie puis épousée. Et, au chemin du retour, Um Salayra s’occupa d’elle et la fit entrer de nuit chez le Prophète qui se leva le lendemain matin comme nouveau marié et dit : Que celui qui a une chose l’apporte! et ce en étalant un tapis. Certain apportèrent des dattes, d’autres du beurre fondu (Abd-al-Aziz : Je crois que Anas cita aussi la bouillie sucré) puis on mélangea le tout. C’est ainsi que fut le festin de noces du Messager de Dieu. »  

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [371] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الدَّوْرَقِيُّ .

     قَوْلُهُ  فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا أَيْ خَارِجًا مِنْهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَاةُ الْغَدَاةِ فِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَهُ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ فِيهِ جَوَازُ الْإِرْدَافِ وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مُطِيقَةً .

     قَوْلُهُ  فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ مَرْكُوبَهُ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ وَفْي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَأَنْظُرَ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ أَنَّهُ حَسَرَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عِنْدَهُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيقُهُ الْمَاضِي فِي أَوَائِلِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ.

     وَقَالَ  أَنَسٌ حَسَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَانْحَسَرَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَقِيمٍ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنْ لَا يَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَلَى خِلَافِهِ وَيَكْفِي فِي كَوْنِهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِفَتْحَتَيْنِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّعْلِيقِ وَقَدْ وَافَقَ مُسْلِمًا عَلَى رِوَايَتِهِ بِلَفْظِ فانحسر أَحْمد بن حَنْبَل عَن بن عُلَيَّةَ وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ يَعْقُوبَ الْمَذْكُورِ وَلَفْظُهُ فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ إِذْ خَرَّ الْإِزَارُ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هَكَذَا وَقَعَ عِنْدِي خَرَّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا تَرْجَمَ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ رِوَايَتُهُ هِيَ الْمَحْفُوظَةَ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ انْتَهَى وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ بِفَتْحَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَيْ كَشَفَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ عِنْدَ سَوْقِ مَرْكُوبِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ حَدِيثُ أَنَسٍ وَمَا مَعَهُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي قَضَايَا مُعَيَّنَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا مِنِ احْتِمَالِ الْخُصُوصِيَّةِ أَوِ الْبَقَاءِ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ مَا لَا يَتَطَرَّقُ إِلَىحَدِيثِ جَرْهَدٍ وَمَا مَعَهُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِعْطَاءَ حُكْمٍ كُلِّيٍّ وَإِظْهَارَ شَرْعٍ عَامٍّ فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ قَالَ النَّوَوِيُّ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ وَعَنْ أَحْمَدَ وَمَالكٍ فِي رِوَايَةٍ الْعَوْرَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فَقَط وَبِه قَالَ أهل الظَّاهِر وبن جَرِيرٍ وَالْإِصْطَخْرِيُّ.

.

قُلْتُ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ عَنِ بن جَرِيرٍ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي تَهْذِيبِهِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ قَوْلُ أَنَسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَسَّ كَانَ بِدُونِ الْحَائِلِ وَمَسُّ الْعَوْرَةِ بِدُونِ حَائِلٍ لَا يَجُوزُ وَعَلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي أَنَّ الْإِزَارَ لَمْ يَنْكَشِفْ بِقَصْدٍ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ مِنْ جِهَةِ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ وُقُوعُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَكِنْ لَوْ كَانَتْ عَوْرَةً لَمْ يُقَرَّ عَلَى ذَلِكَ لِمَكَانِ عِصْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لِبَيَانِ التَّشْرِيعِ لِغَيْرِ الْمُخْتَارِ لَكَانَ مُمْكِنًا لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ الْبَيَانُ عَقِبَهُ كَمَا فِي قَضِيَّةِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ وَسِيَاقُهُ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَالْجَوْزَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ظَاهِرٌ فِي اسْتِمْرَارِ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ فَأَجْرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ فَخِذَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ قِيلَ مُنَاسَبَةُ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَنَّهُمُ اسْتَقْبَلُوا النَّاسَ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَهِيَ مِنْ آلَاتِ الْهَدْمِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ الرَّاوِي عَنْ أَنَسٍ.

     وَقَالَ  بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَنَسٍ هَذِهِ اللَّفْظَةَ بَلْ سَمِعَ مِنْهُ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ وَسَمِعَ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ وَالْخَمِيسُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ وَالْجَوْزَقِيِّ الْمَذْكُورَةِ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَدَلَّتْ رِوَايَةُ بن عُلَيَّةَ هَذِهِ عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَةَ عَبْدِ الْوَارِثِ إِدْرَاجًا وَكَذَا وَقَعَ لِحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَثَابِتٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَيحْتَمل أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ أَوْ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ .

     قَوْلُهُ  يَعْنِي الْجَيْشَ تَفْسِيرٌ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ وَأَدْرَجَهَا عَبْدُ الْوَارِثِ فِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا وَسُمِّيَ خَمِيسًا لِأَنَّهُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ مُقَدِّمَةٌ وَسَاقَةٌ وَقَلْبٌ وَجَنَاحَانِ وَقِيلَ مِنْ تَخْمِيسِ الْغَنِيمَةِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْأَزْهَرِيُّ بِأَنَّ التَّخْمِيسَ إِنَّمَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمُّونَ الْجَيْشَ خَمِيسًا فَبَانَ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَوْلَى .

     قَوْلُهُ  عَنْوَةً بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ قَهْرًا .

     قَوْلُهُ  أَعْطِنِي جَارِيَةً يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِذْنُهُ لَهُ فِي أَخْذِ الْجَارِيَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْفِيلِ لَهُ إِمَّا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ بَعْدَ أَنْ مُيِّزَ أَوْ قَبْلُ عَلَى أَنْ تُحْسَبَ مِنْهُ إِذَا مُيِّزَ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَخْذِهَا لِتَقُومَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَتُحْسَبَ مِنْ سَهْمِهِ .

     قَوْلُهُ  فَأَخَذَ أَيْ فَذَهَبَ فَأَخَذَ .

     قَوْلُهُ  فَجَاءَ رَجُلٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ .

     قَوْلُهُ  خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ أُخْتَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ انْتَهَى وَكَانَ كِنَانَةُ زَوْجَ صَفِيَّةَ فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيَّبَ خَاطِرَهُ لَمَّا اسْتَرْجَعَ مِنْهُ صَفِيَّةَ بِأَنْ أَعْطَاهُ أُخْتَ زَوْجِهَا وَاسْتِرْجَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ مِنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي أَخْذِ جَارِيَةٍ مِنْ حَشْوِ السَّبْيِ لَا فِي أَخْذِ أَفْضَلِهِنَّ فَجَازَ اسْتِرْجَاعُهَا مِنْهُ لِئَلَّا يَتَمَيَّزُ بِهَا عَلَى بَاقِي الْجَيْشِ مَعَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى صَفِيَّةَ مِنْهُ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ وَإِطْلَاقُ الشِّرَاءِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ سَبْعَةُ أَرْؤُسٍ مَا يُنَافِي قَوْلَهُ هُنَا خُذْ جَارِيَةً إِذْ لَيْسَ هُنَا دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ مبَاحث هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي وَالْكَلَامَ عَلَى قَوْلِهِ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لَهُ أَيْ لِأَنَسٍ وَثَابِتٌ هُوَ الْبُنَانِيُّوَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ تَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى تَنْبِيهٍ أَوْ إِذْنٍ لِدَاخِلٍ وَنَحْوِهِ سَبَّحَ إِنْ كَانَ رَجُلًا وَصَفَّقَتْ إِنْ كَانَتِ امْرَأَةً هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.

     وَقَالَ  طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ الْكَلَامُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لحديث ذي اليدين وسنوضحه في موضعه انشاء اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا فِي كَلَامِ الْعَامِدِ الْعَالِمِ أَمَّا النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْكَلَامِ الْقَلِيلِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ تَبْطُلُ دَلِيلُنَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنْ كَثُرَ كَلَامُ الناس فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ.

.
وَأَمَّا كَلَامُ الْجَاهِلِ إِذَا كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ كَكَلَامِ النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِقَلِيلِهِ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لَكِنْ عَلَّمَهُ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَمَعْنَاهُ هَذَا وَنَحْوُهُ فَإِنَّ التَّشَهُّدَ وَالدُّعَاءَ وَالتَّسْلِيمَ مِنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَذْكَارِ مَشْرُوعٌ فِيهَا فَمَعْنَاهُ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَمُخَاطَبَاتِهِمْ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَأَشْبَاهِهِمَا مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ أَوْ كَبَّرَ أَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجُمْهُورِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَجُزْءٌ مِنْهَا.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَتْ مِنْهَا بَلْ هِيَ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ الَّذِي يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ وَتَفْسُدُ بِهِ إِذَا أَتَى بِهِ عَالِمًا عَامِدًا قَالَ أَصْحَابُنَا إِنْ قَالَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ بِكَافِ الْخِطَابِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ أَوِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ أَوْ رَحِمَ اللَّهُ فُلَانًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ.

.
وَأَمَّا الْعَاطِسُ فِي الصَّلَاةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى سِرًّا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قال مالك وغيره وعن بن عُمَرَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَالسُّنَّةُ فِي الْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ الْإِسْرَارُ إِلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِهَا وَنَحْوِهَا .

     قَوْلُهُ  إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍقَالَ الْعُلَمَاءُ الْجَاهِلِيَّةُ مَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم قوله إِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ قَالَ فَلَا تَأْتِهِمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا نُهِيَ عَنِ إِتْيَانِ الكهان لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فِي مُغَيَّبَاتٍ قَدْ يُصَادِفُ بَعْضُهَا الْإِصَابَةَ فَيُخَافُ الْفِتْنَةُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يُلَبِّسُونَ عَلَى النَّاسِ كَثِيرًا مِنَ أَمْرِ الشَّرَائِعِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَتَحْرِيمِ مَا يُعْطُونَ مِنَ الْحُلْوَانِ وَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي تَحْرِيمِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْبَغَوِيُّ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ حُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَهُوَ مَا أَخَذَهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كِهَانَتِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْكِهَانَةِ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَمْنَعُ الْمُحْتَسِبُ النَّاسَ مِنَ التَّكَسُّبِ بِالْكِهَانَةِ وَاللَّهْوِ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُلْوَانُ الْكَاهِنِ مَا يَأْخُذُهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كِهَانَتِهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَفِعْلُهُ بَاطِلٌ قَالَ وَحُلْوَانُ الْعَرَّافِ حَرَامٌ أَيْضًا قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ أَنَّ الْكَاهِنَ إِنَّمَا يَتَعَاطَى الْأَخْبَارَ عَنِ الْكَوَائِنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ وَالْعَرَّافُ يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا فِي حَدِيثِ مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رِئْيًا مِنَ الْجِنِّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي اسْتِدْرَاكَ ذَلِكَ بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ الَّذِي يَزْعُمُ مَعْرِفَةَ الْأُمُورِ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ اسْتَدَلَّ بِهَا كَمَعْرِفَةِ مَنْ سَرَقَ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ وَمَعْرِفَةِ مَنْ يُتَّهَمُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا قَالَ وَالْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَدَّعُونَهُ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَهُوَ نَفِيسٌ .

     قَوْلُهُ  وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ قَالَ ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الطِّيَرَةَ شَيْءٌ تَجِدُونَهُ فِي نفوسكم ضرورةوَلَا عَتَبَ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ لَكُمْ فَلَا تَكْلِيفَ بِهِ وَلَكِنْ لَا تَمْتَنِعُوا بِسَبَبِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي أُمُورِكُمْ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكْتَسَبٌ لَكُمْ فَيَقَعُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَنَهَاهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَمَلِ بِالطِّيَرَةِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ بِسَبَبِهَا وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّطَيُّرِ وَالطِّيَرَةُ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا لَا عَلَى مَا يُوجَدُ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ عَلَى مُقْتَضَاهُ عِنْدَهُمْ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهَا فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ قَالَ كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فالصحيح أن معناه من وافق خَطُّهُ فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ وَلَكِنْ لَا طَرِيقَ لَنَا إِلَى الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِالْمُوَافَقَةِ فَلَا يُبَاحُ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِيَقِينِ الْمُوَافَقَةِ وَلَيْسَ لَنَا يَقِينٌ بِهَا وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ حَرَامٌ بِغَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ يَدْخُلُ فِيهِ ذَاكَ النَّبِيُّ الَّذِي كَانَ يَخُطُّ فَحَافَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُرْمَةِ ذَاكَ النَّبِيِّ مَعَ بيان الحكم في حقنا فالمعنى أن ذلك النَّبِيَّ لَا مَنْعَ فِي حَقِّهِ وَكَذَا لَوْ عَلِمْتُمْ مُوَافَقَتَهُ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ النَّهْيَ عَنْ هَذَا الْخَطِّ إِذَا كَانَ عَلَمًا لِنُبُوَّةِ ذَاكَ النَّبِيِّ وَقَدِ انْقَطَعَتْ فَنُهِينَا عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ الَّذِي يَجِدُونَ إِصَابَتَهُ فِيمَا يَقُولُ لَا أَنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ لِفَاعِلِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا نُسِخَ فِي شَرْعِنَا فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ الْآنَ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَل أُحُد وَالْجَوَّانِيَّة هِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ يَاءٌ مُشَدَّدَةٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ تَخْفِيفَ الْيَاءِ وَالْمُخْتَارُ التَّشْدِيدُ وَالْجَوَّانِيَّةُ بِقُرْبِ أُحُدٍ مَوْضِعٌ فِي شَمَالِيِّ الْمَدِينَةِ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ إِنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ لِأَنَّ الْفَرْعَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بَعِيدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٌ فِي شام المدينة وقدقَالَ فِي الْحَدِيثِ قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ عِنْدَ الْفَرْعِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِخْدَامِ السَّيِّدِ جَارِيَتَهُ فِي الرَّعْيِ وَإِنْ كَانَتْ تَنْفَرِدُ فِي الْمَرْعَى وَإِنَّمَا حَرَّمَ الشَّرْعُ مُسَافَرَةَ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا وَانْقِطَاعِ نَاصِرِهَا وَالذَّابِّ عَنْهَا وَبُعْدِهَا مِنْهُ بِخِلَافِ الرَّاعِيَةِ وَمَعَ هَذَا فَإِنْ خِيفَ مَفْسَدَةٌ مِنْ رَعْيِهَا لِرِيبَةٍ فِيهَا أَوْ لِفَسَادِ مَنْ يَكُونُ فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي تَرْعَى فِيهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَرْعِهَا وَلَمْ تُمَكَّنِ الْحُرَّةُ وَلَا الْأَمَةُ مِنَ الرَّعْيِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فِي مَعْنَى السَّفَرِ الَّذِي حَرَّمَ الشَّرْعُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّنْ تَأْمَنُ مَعَهُ عَلَى نَفْسِهَا فَلَا مَنْعَ حِينَئِذٍ كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنَ الْمُسَافَرَةِ فِي هَذَا الْحَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  آسَفُ أَيْ أَغْضَبُ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ .

     قَوْلُهُ  صَكَكْتُهَا أَيْ لَطَمْتُهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَفِيهَا مَذْهَبَانِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا مَرَّاتٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَحَدُهُمَا الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ خَوْضٍ فِي مَعْنَاهُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَتَنْزِيهِهِ عَنْ سِمَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالثَّانِي تَأْوِيلُهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ كَانَ الْمُرَادُ امْتِحَانَهَا هَلْ هِيَ مُوَحِّدَةٌ تُقِرُّ بِأَنَّ الْخَالِقَ الْمُدَبِّرَ الْفَعَّالَ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ وَهُوَ الَّذِي إِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي اسْتَقْبَلَ السَّمَاءَ كَمَا إِذَا صَلَّى الْمُصَلِّي اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي السَّمَاءِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ بَلْ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدَّاعِينَ كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الْمُصَلِّينَ أَوْ هِيَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الْعَابِدِينَ لِلْأَوْثَانِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَمَّا قَالَتْ فِي السَّمَاءِ عَلِمَ أَنَّهَا مُوَحِّدَةٌ وَلَيْسَتْ عَابِدَةً لِلْأَوْثَانِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً فَقِيهُهُمْ وَمُحَدِّثُهُمْ وَمُتَكَلِّمُهُمْ وَنُظَّارُهُمْ وَمُقَلِّدُهُمْ أَنَّ الظَّوَاهِرَ الْوَارِدَةَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السماء أن يخسف بكم الأرض وَنَحْوِهِ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا بَلْ مُتَأَوَّلَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ فَمَنْ قَالَ بِإِثْبَاتِ جِهَةِ فَوْقُ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا تَكْيِيفٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ تَأَوَّلَ فِي السَّمَاءِأَيْ عَلَى السَّمَاءِ وَمَنْ قَالَ مِنْ دَهْمَاءِ النُّظَّارِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَأَصْحَابِ التَّنْزِيهِ بِنَفْيِ الْحَدِّ وَاسْتِحَالَةِ الْجِهَةِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَأَوَّلُوهَا تَأْوِيلَاتٍ بِحَسَبِ مُقْتَضَاهَا وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ قَالَ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي جَمَعَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَقِّ كُلَّهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَنِ الْفِكْرِ فِي الذَّاتِ كَمَا أُمِرُوا وَسَكَتُوا لِحِيرَةِ الْعَقْلِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ التَّكْيِيفِ وَالتَّشْكِيلِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وُقُوفِهِمْ وَإِمْسَاكِهِمْ غَيْرُ شَاكٍّ فِي الوجود والموجود وَغَيْرُ قَادِحٍ فِي التَّوْحِيدِ بَلْ هُوَ حَقِيقَتُهُ ثُمَّ تَسَامَحَ بَعْضُهُمْ بِإِثْبَاتِ الْجِهَةِ خَاشِيًا مِنْ مِثْلِ هَذَا التَّسَامُحِ وَهَلْ بَيْنَ التَّكْيِيفِ وَإِثْبَاتِ الْجِهَاتِ فَرْقٌ لَكِنْ إِطْلَاقُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ مِنْ أَنَّهُ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَأَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَعَ التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ الْجَامِعَةِ لِلتَّنْزِيهِ الْكُلِّيِّ الَّذِي لَا يَصِحُّ فِي الْمَعْقُولِ غَيْرُهُ وهو قوله تعالى ليس كمثله شيء عِصْمَةٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إِعْتَاقَ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ إِعْتَاقِ الْكَافِرِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ عِتْقِ الْكَافِرِ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَاتِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْكَافِرُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا مُؤْمِنَةٌ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ يُجْزِئُهُ الْكَافِرُ لِلْإِطْلَاقِ فَإِنَّهَا تُسَمَّى رَقَبَةً .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَصِيرُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ جَزْمًا كَفَاهُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ إِيمَانِهِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَالْجَنَّةِ وَلَا يُكَلَّفُ مَعَ هَذَا إِقَامَةَ الدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ مَعْرِفَةُ الدَّلِيلِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِوَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ تَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى تَنْبِيهٍ أَوْ إِذْنٍ لِدَاخِلٍ وَنَحْوِهِ سَبَّحَ إِنْ كَانَ رَجُلًا وَصَفَّقَتْ إِنْ كَانَتِ امْرَأَةً هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.

     وَقَالَ  طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ الْكَلَامُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لحديث ذي اليدين وسنوضحه في موضعه انشاء اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا فِي كَلَامِ الْعَامِدِ الْعَالِمِ أَمَّا النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْكَلَامِ الْقَلِيلِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ تَبْطُلُ دَلِيلُنَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنْ كَثُرَ كَلَامُ الناس فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ.

.
وَأَمَّا كَلَامُ الْجَاهِلِ إِذَا كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ كَكَلَامِ النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِقَلِيلِهِ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لَكِنْ عَلَّمَهُ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَمَعْنَاهُ هَذَا وَنَحْوُهُ فَإِنَّ التَّشَهُّدَ وَالدُّعَاءَ وَالتَّسْلِيمَ مِنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَذْكَارِ مَشْرُوعٌ فِيهَا فَمَعْنَاهُ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَمُخَاطَبَاتِهِمْ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَأَشْبَاهِهِمَا مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ أَوْ كَبَّرَ أَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجُمْهُورِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَجُزْءٌ مِنْهَا.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَتْ مِنْهَا بَلْ هِيَ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ الَّذِي يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ وَتَفْسُدُ بِهِ إِذَا أَتَى بِهِ عَالِمًا عَامِدًا قَالَ أَصْحَابُنَا إِنْ قَالَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ بِكَافِ الْخِطَابِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ أَوِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ أَوْ رَحِمَ اللَّهُ فُلَانًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ.

.
وَأَمَّا الْعَاطِسُ فِي الصَّلَاةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى سِرًّا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قال مالك وغيره وعن بن عُمَرَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَالسُّنَّةُ فِي الْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ الْإِسْرَارُ إِلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِهَا وَنَحْوِهَا .

     قَوْلُهُ  إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍقَالَ الْعُلَمَاءُ الْجَاهِلِيَّةُ مَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم قوله إِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ قَالَ فَلَا تَأْتِهِمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا نُهِيَ عَنِ إِتْيَانِ الكهان لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فِي مُغَيَّبَاتٍ قَدْ يُصَادِفُ بَعْضُهَا الْإِصَابَةَ فَيُخَافُ الْفِتْنَةُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يُلَبِّسُونَ عَلَى النَّاسِ كَثِيرًا مِنَ أَمْرِ الشَّرَائِعِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَتَحْرِيمِ مَا يُعْطُونَ مِنَ الْحُلْوَانِ وَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي تَحْرِيمِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْبَغَوِيُّ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ حُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَهُوَ مَا أَخَذَهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كِهَانَتِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْكِهَانَةِ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَمْنَعُ الْمُحْتَسِبُ النَّاسَ مِنَ التَّكَسُّبِ بِالْكِهَانَةِ وَاللَّهْوِ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُلْوَانُ الْكَاهِنِ مَا يَأْخُذُهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كِهَانَتِهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَفِعْلُهُ بَاطِلٌ قَالَ وَحُلْوَانُ الْعَرَّافِ حَرَامٌ أَيْضًا قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ أَنَّ الْكَاهِنَ إِنَّمَا يَتَعَاطَى الْأَخْبَارَ عَنِ الْكَوَائِنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ وَالْعَرَّافُ يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا فِي حَدِيثِ مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رِئْيًا مِنَ الْجِنِّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي اسْتِدْرَاكَ ذَلِكَ بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ الَّذِي يَزْعُمُ مَعْرِفَةَ الْأُمُورِ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ اسْتَدَلَّ بِهَا كَمَعْرِفَةِ مَنْ سَرَقَ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ وَمَعْرِفَةِ مَنْ يُتَّهَمُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا قَالَ وَالْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَدَّعُونَهُ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَهُوَ نَفِيسٌ .

     قَوْلُهُ  وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ قَالَ ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الطِّيَرَةَ شَيْءٌ تَجِدُونَهُ فِي نفوسكم ضرورةوَلَا عَتَبَ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ لَكُمْ فَلَا تَكْلِيفَ بِهِ وَلَكِنْ لَا تَمْتَنِعُوا بِسَبَبِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي أُمُورِكُمْ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكْتَسَبٌ لَكُمْ فَيَقَعُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَنَهَاهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَمَلِ بِالطِّيَرَةِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ بِسَبَبِهَا وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّطَيُّرِ وَالطِّيَرَةُ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا لَا عَلَى مَا يُوجَدُ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ عَلَى مُقْتَضَاهُ عِنْدَهُمْ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهَا فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ قَالَ كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فالصحيح أن معناه من وافق خَطُّهُ فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ وَلَكِنْ لَا طَرِيقَ لَنَا إِلَى الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِالْمُوَافَقَةِ فَلَا يُبَاحُ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِيَقِينِ الْمُوَافَقَةِ وَلَيْسَ لَنَا يَقِينٌ بِهَا وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ حَرَامٌ بِغَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ يَدْخُلُ فِيهِ ذَاكَ النَّبِيُّ الَّذِي كَانَ يَخُطُّ فَحَافَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُرْمَةِ ذَاكَ النَّبِيِّ مَعَ بيان الحكم في حقنا فالمعنى أن ذلك النَّبِيَّ لَا مَنْعَ فِي حَقِّهِ وَكَذَا لَوْ عَلِمْتُمْ مُوَافَقَتَهُ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ النَّهْيَ عَنْ هَذَا الْخَطِّ إِذَا كَانَ عَلَمًا لِنُبُوَّةِ ذَاكَ النَّبِيِّ وَقَدِ انْقَطَعَتْ فَنُهِينَا عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ الَّذِي يَجِدُونَ إِصَابَتَهُ فِيمَا يَقُولُ لَا أَنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ لِفَاعِلِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا نُسِخَ فِي شَرْعِنَا فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ الْآنَ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَل أُحُد وَالْجَوَّانِيَّة هِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ يَاءٌ مُشَدَّدَةٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ تَخْفِيفَ الْيَاءِ وَالْمُخْتَارُ التَّشْدِيدُ وَالْجَوَّانِيَّةُ بِقُرْبِ أُحُدٍ مَوْضِعٌ فِي شَمَالِيِّ الْمَدِينَةِ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ إِنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ لِأَنَّ الْفَرْعَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بَعِيدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٌ فِي شام المدينة وقدقَالَ فِي الْحَدِيثِ قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ عِنْدَ الْفَرْعِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِخْدَامِ السَّيِّدِ جَارِيَتَهُ فِي الرَّعْيِ وَإِنْ كَانَتْ تَنْفَرِدُ فِي الْمَرْعَى وَإِنَّمَا حَرَّمَ الشَّرْعُ مُسَافَرَةَ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا وَانْقِطَاعِ نَاصِرِهَا وَالذَّابِّ عَنْهَا وَبُعْدِهَا مِنْهُ بِخِلَافِ الرَّاعِيَةِ وَمَعَ هَذَا فَإِنْ خِيفَ مَفْسَدَةٌ مِنْ رَعْيِهَا لِرِيبَةٍ فِيهَا أَوْ لِفَسَادِ مَنْ يَكُونُ فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي تَرْعَى فِيهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَرْعِهَا وَلَمْ تُمَكَّنِ الْحُرَّةُ وَلَا الْأَمَةُ مِنَ الرَّعْيِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فِي مَعْنَى السَّفَرِ الَّذِي حَرَّمَ الشَّرْعُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّنْ تَأْمَنُ مَعَهُ عَلَى نَفْسِهَا فَلَا مَنْعَ حِينَئِذٍ كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنَ الْمُسَافَرَةِ فِي هَذَا الْحَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  آسَفُ أَيْ أَغْضَبُ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ .

     قَوْلُهُ  صَكَكْتُهَا أَيْ لَطَمْتُهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَفِيهَا مَذْهَبَانِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا مَرَّاتٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَحَدُهُمَا الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ خَوْضٍ فِي مَعْنَاهُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَتَنْزِيهِهِ عَنْ سِمَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالثَّانِي تَأْوِيلُهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ كَانَ الْمُرَادُ امْتِحَانَهَا هَلْ هِيَ مُوَحِّدَةٌ تُقِرُّ بِأَنَّ الْخَالِقَ الْمُدَبِّرَ الْفَعَّالَ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ وَهُوَ الَّذِي إِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي اسْتَقْبَلَ السَّمَاءَ كَمَا إِذَا صَلَّى الْمُصَلِّي اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي السَّمَاءِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ بَلْ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدَّاعِينَ كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الْمُصَلِّينَ أَوْ هِيَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الْعَابِدِينَ لِلْأَوْثَانِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَمَّا قَالَتْ فِي السَّمَاءِ عَلِمَ أَنَّهَا مُوَحِّدَةٌ وَلَيْسَتْ عَابِدَةً لِلْأَوْثَانِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً فَقِيهُهُمْ وَمُحَدِّثُهُمْ وَمُتَكَلِّمُهُمْ وَنُظَّارُهُمْ وَمُقَلِّدُهُمْ أَنَّ الظَّوَاهِرَ الْوَارِدَةَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السماء أن يخسف بكم الأرض وَنَحْوِهِ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا بَلْ مُتَأَوَّلَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ فَمَنْ قَالَ بِإِثْبَاتِ جِهَةِ فَوْقُ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا تَكْيِيفٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ تَأَوَّلَ فِي السَّمَاءِأَيْ عَلَى السَّمَاءِ وَمَنْ قَالَ مِنْ دَهْمَاءِ النُّظَّارِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَأَصْحَابِ التَّنْزِيهِ بِنَفْيِ الْحَدِّ وَاسْتِحَالَةِ الْجِهَةِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَأَوَّلُوهَا تَأْوِيلَاتٍ بِحَسَبِ مُقْتَضَاهَا وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ قَالَ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي جَمَعَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَقِّ كُلَّهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَنِ الْفِكْرِ فِي الذَّاتِ كَمَا أُمِرُوا وَسَكَتُوا لِحِيرَةِ الْعَقْلِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ التَّكْيِيفِ وَالتَّشْكِيلِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وُقُوفِهِمْ وَإِمْسَاكِهِمْ غَيْرُ شَاكٍّ فِي الوجود والموجود وَغَيْرُ قَادِحٍ فِي التَّوْحِيدِ بَلْ هُوَ حَقِيقَتُهُ ثُمَّ تَسَامَحَ بَعْضُهُمْ بِإِثْبَاتِ الْجِهَةِ خَاشِيًا مِنْ مِثْلِ هَذَا التَّسَامُحِ وَهَلْ بَيْنَ التَّكْيِيفِ وَإِثْبَاتِ الْجِهَاتِ فَرْقٌ لَكِنْ إِطْلَاقُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ مِنْ أَنَّهُ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَأَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَعَ التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ الْجَامِعَةِ لِلتَّنْزِيهِ الْكُلِّيِّ الَّذِي لَا يَصِحُّ فِي الْمَعْقُولِ غَيْرُهُ وهو قوله تعالى ليس كمثله شيء عِصْمَةٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إِعْتَاقَ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ إِعْتَاقِ الْكَافِرِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ عِتْقِ الْكَافِرِ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَاتِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْكَافِرُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا مُؤْمِنَةٌ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ يُجْزِئُهُ الْكَافِرُ لِلْإِطْلَاقِ فَإِنَّهَا تُسَمَّى رَقَبَةً .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَصِيرُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ جَزْمًا كَفَاهُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ إِيمَانِهِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَالْجَنَّةِ وَلَا يُكَلَّفُ مَعَ هَذَا إِقَامَةَ الدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ مَعْرِفَةُ الدَّلِيلِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِوَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ تَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى تَنْبِيهٍ أَوْ إِذْنٍ لِدَاخِلٍ وَنَحْوِهِ سَبَّحَ إِنْ كَانَ رَجُلًا وَصَفَّقَتْ إِنْ كَانَتِ امْرَأَةً هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.

     وَقَالَ  طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ الْكَلَامُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لحديث ذي اليدين وسنوضحه في موضعه انشاء اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا فِي كَلَامِ الْعَامِدِ الْعَالِمِ أَمَّا النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْكَلَامِ الْقَلِيلِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ تَبْطُلُ دَلِيلُنَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنْ كَثُرَ كَلَامُ الناس فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ.

.
وَأَمَّا كَلَامُ الْجَاهِلِ إِذَا كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ كَكَلَامِ النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِقَلِيلِهِ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لَكِنْ عَلَّمَهُ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَمَعْنَاهُ هَذَا وَنَحْوُهُ فَإِنَّ التَّشَهُّدَ وَالدُّعَاءَ وَالتَّسْلِيمَ مِنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَذْكَارِ مَشْرُوعٌ فِيهَا فَمَعْنَاهُ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَمُخَاطَبَاتِهِمْ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَأَشْبَاهِهِمَا مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ أَوْ كَبَّرَ أَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجُمْهُورِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَجُزْءٌ مِنْهَا.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَتْ مِنْهَا بَلْ هِيَ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ الَّذِي يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ وَتَفْسُدُ بِهِ إِذَا أَتَى بِهِ عَالِمًا عَامِدًا قَالَ أَصْحَابُنَا إِنْ قَالَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ بِكَافِ الْخِطَابِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ أَوِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ أَوْ رَحِمَ اللَّهُ فُلَانًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ.

.
وَأَمَّا الْعَاطِسُ فِي الصَّلَاةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى سِرًّا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قال مالك وغيره وعن بن عُمَرَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَالسُّنَّةُ فِي الْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ الْإِسْرَارُ إِلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِهَا وَنَحْوِهَا .

     قَوْلُهُ  إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍقَالَ الْعُلَمَاءُ الْجَاهِلِيَّةُ مَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم قوله إِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ قَالَ فَلَا تَأْتِهِمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا نُهِيَ عَنِ إِتْيَانِ الكهان لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فِي مُغَيَّبَاتٍ قَدْ يُصَادِفُ بَعْضُهَا الْإِصَابَةَ فَيُخَافُ الْفِتْنَةُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يُلَبِّسُونَ عَلَى النَّاسِ كَثِيرًا مِنَ أَمْرِ الشَّرَائِعِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَتَحْرِيمِ مَا يُعْطُونَ مِنَ الْحُلْوَانِ وَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي تَحْرِيمِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْبَغَوِيُّ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ حُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَهُوَ مَا أَخَذَهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كِهَانَتِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْكِهَانَةِ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَمْنَعُ الْمُحْتَسِبُ النَّاسَ مِنَ التَّكَسُّبِ بِالْكِهَانَةِ وَاللَّهْوِ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُلْوَانُ الْكَاهِنِ مَا يَأْخُذُهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كِهَانَتِهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَفِعْلُهُ بَاطِلٌ قَالَ وَحُلْوَانُ الْعَرَّافِ حَرَامٌ أَيْضًا قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ أَنَّ الْكَاهِنَ إِنَّمَا يَتَعَاطَى الْأَخْبَارَ عَنِ الْكَوَائِنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ وَالْعَرَّافُ يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا فِي حَدِيثِ مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رِئْيًا مِنَ الْجِنِّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي اسْتِدْرَاكَ ذَلِكَ بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ الَّذِي يَزْعُمُ مَعْرِفَةَ الْأُمُورِ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ اسْتَدَلَّ بِهَا كَمَعْرِفَةِ مَنْ سَرَقَ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ وَمَعْرِفَةِ مَنْ يُتَّهَمُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا قَالَ وَالْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَدَّعُونَهُ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَهُوَ نَفِيسٌ .

     قَوْلُهُ  وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ قَالَ ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الطِّيَرَةَ شَيْءٌ تَجِدُونَهُ فِي نفوسكم ضرورةوَلَا عَتَبَ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ لَكُمْ فَلَا تَكْلِيفَ بِهِ وَلَكِنْ لَا تَمْتَنِعُوا بِسَبَبِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي أُمُورِكُمْ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكْتَسَبٌ لَكُمْ فَيَقَعُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَنَهَاهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَمَلِ بِالطِّيَرَةِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ بِسَبَبِهَا وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّطَيُّرِ وَالطِّيَرَةُ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا لَا عَلَى مَا يُوجَدُ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ عَلَى مُقْتَضَاهُ عِنْدَهُمْ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهَا فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ قَالَ كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فالصحيح أن معناه من وافق خَطُّهُ فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ وَلَكِنْ لَا طَرِيقَ لَنَا إِلَى الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِالْمُوَافَقَةِ فَلَا يُبَاحُ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِيَقِينِ الْمُوَافَقَةِ وَلَيْسَ لَنَا يَقِينٌ بِهَا وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ حَرَامٌ بِغَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ يَدْخُلُ فِيهِ ذَاكَ النَّبِيُّ الَّذِي كَانَ يَخُطُّ فَحَافَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُرْمَةِ ذَاكَ النَّبِيِّ مَعَ بيان الحكم في حقنا فالمعنى أن ذلك النَّبِيَّ لَا مَنْعَ فِي حَقِّهِ وَكَذَا لَوْ عَلِمْتُمْ مُوَافَقَتَهُ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ النَّهْيَ عَنْ هَذَا الْخَطِّ إِذَا كَانَ عَلَمًا لِنُبُوَّةِ ذَاكَ النَّبِيِّ وَقَدِ انْقَطَعَتْ فَنُهِينَا عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ الَّذِي يَجِدُونَ إِصَابَتَهُ فِيمَا يَقُولُ لَا أَنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ لِفَاعِلِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا نُسِخَ فِي شَرْعِنَا فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ الْآنَ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَل أُحُد وَالْجَوَّانِيَّة هِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ يَاءٌ مُشَدَّدَةٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ تَخْفِيفَ الْيَاءِ وَالْمُخْتَارُ التَّشْدِيدُ وَالْجَوَّانِيَّةُ بِقُرْبِ أُحُدٍ مَوْضِعٌ فِي شَمَالِيِّ الْمَدِينَةِ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ إِنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ لِأَنَّ الْفَرْعَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بَعِيدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٌ فِي شام المدينة وقدقَالَ فِي الْحَدِيثِ قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ عِنْدَ الْفَرْعِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِخْدَامِ السَّيِّدِ جَارِيَتَهُ فِي الرَّعْيِ وَإِنْ كَانَتْ تَنْفَرِدُ فِي الْمَرْعَى وَإِنَّمَا حَرَّمَ الشَّرْعُ مُسَافَرَةَ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا وَانْقِطَاعِ نَاصِرِهَا وَالذَّابِّ عَنْهَا وَبُعْدِهَا مِنْهُ بِخِلَافِ الرَّاعِيَةِ وَمَعَ هَذَا فَإِنْ خِيفَ مَفْسَدَةٌ مِنْ رَعْيِهَا لِرِيبَةٍ فِيهَا أَوْ لِفَسَادِ مَنْ يَكُونُ فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي تَرْعَى فِيهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَرْعِهَا وَلَمْ تُمَكَّنِ الْحُرَّةُ وَلَا الْأَمَةُ مِنَ الرَّعْيِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فِي مَعْنَى السَّفَرِ الَّذِي حَرَّمَ الشَّرْعُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّنْ تَأْمَنُ مَعَهُ عَلَى نَفْسِهَا فَلَا مَنْعَ حِينَئِذٍ كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنَ الْمُسَافَرَةِ فِي هَذَا الْحَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  آسَفُ أَيْ أَغْضَبُ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ .

     قَوْلُهُ  صَكَكْتُهَا أَيْ لَطَمْتُهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَفِيهَا مَذْهَبَانِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا مَرَّاتٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَحَدُهُمَا الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ خَوْضٍ فِي مَعْنَاهُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَتَنْزِيهِهِ عَنْ سِمَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالثَّانِي تَأْوِيلُهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ كَانَ الْمُرَادُ امْتِحَانَهَا هَلْ هِيَ مُوَحِّدَةٌ تُقِرُّ بِأَنَّ الْخَالِقَ الْمُدَبِّرَ الْفَعَّالَ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ وَهُوَ الَّذِي إِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي اسْتَقْبَلَ السَّمَاءَ كَمَا إِذَا صَلَّى الْمُصَلِّي اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي السَّمَاءِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ بَلْ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدَّاعِينَ كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الْمُصَلِّينَ أَوْ هِيَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الْعَابِدِينَ لِلْأَوْثَانِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَمَّا قَالَتْ فِي السَّمَاءِ عَلِمَ أَنَّهَا مُوَحِّدَةٌ وَلَيْسَتْ عَابِدَةً لِلْأَوْثَانِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً فَقِيهُهُمْ وَمُحَدِّثُهُمْ وَمُتَكَلِّمُهُمْ وَنُظَّارُهُمْ وَمُقَلِّدُهُمْ أَنَّ الظَّوَاهِرَ الْوَارِدَةَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السماء أن يخسف بكم الأرض وَنَحْوِهِ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا بَلْ مُتَأَوَّلَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ فَمَنْ قَالَ بِإِثْبَاتِ جِهَةِ فَوْقُ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا تَكْيِيفٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ تَأَوَّلَ فِي السَّمَاءِأَيْ عَلَى السَّمَاءِ وَمَنْ قَالَ مِنْ دَهْمَاءِ النُّظَّارِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَأَصْحَابِ التَّنْزِيهِ بِنَفْيِ الْحَدِّ وَاسْتِحَالَةِ الْجِهَةِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَأَوَّلُوهَا تَأْوِيلَاتٍ بِحَسَبِ مُقْتَضَاهَا وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ قَالَ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي جَمَعَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَقِّ كُلَّهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَنِ الْفِكْرِ فِي الذَّاتِ كَمَا أُمِرُوا وَسَكَتُوا لِحِيرَةِ الْعَقْلِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ التَّكْيِيفِ وَالتَّشْكِيلِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وُقُوفِهِمْ وَإِمْسَاكِهِمْ غَيْرُ شَاكٍّ فِي الوجود والموجود وَغَيْرُ قَادِحٍ فِي التَّوْحِيدِ بَلْ هُوَ حَقِيقَتُهُ ثُمَّ تَسَامَحَ بَعْضُهُمْ بِإِثْبَاتِ الْجِهَةِ خَاشِيًا مِنْ مِثْلِ هَذَا التَّسَامُحِ وَهَلْ بَيْنَ التَّكْيِيفِ وَإِثْبَاتِ الْجِهَاتِ فَرْقٌ لَكِنْ إِطْلَاقُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ مِنْ أَنَّهُ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَأَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَعَ التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ الْجَامِعَةِ لِلتَّنْزِيهِ الْكُلِّيِّ الَّذِي لَا يَصِحُّ فِي الْمَعْقُولِ غَيْرُهُ وهو قوله تعالى ليس كمثله شيء عِصْمَةٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إِعْتَاقَ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ إِعْتَاقِ الْكَافِرِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ عِتْقِ الْكَافِرِ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَاتِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْكَافِرُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا مُؤْمِنَةٌ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ يُجْزِئُهُ الْكَافِرُ لِلْإِطْلَاقِ فَإِنَّهَا تُسَمَّى رَقَبَةً .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَصِيرُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ جَزْمًا كَفَاهُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ إِيمَانِهِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَالْجَنَّةِ وَلَا يُكَلَّفُ مَعَ هَذَا إِقَامَةَ الدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ مَعْرِفَةُ الدَّلِيلِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِوَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ تَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى تَنْبِيهٍ أَوْ إِذْنٍ لِدَاخِلٍ وَنَحْوِهِ سَبَّحَ إِنْ كَانَ رَجُلًا وَصَفَّقَتْ إِنْ كَانَتِ امْرَأَةً هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.

     وَقَالَ  طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ الْكَلَامُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لحديث ذي اليدين وسنوضحه في موضعه انشاء اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا فِي كَلَامِ الْعَامِدِ الْعَالِمِ أَمَّا النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْكَلَامِ الْقَلِيلِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ تَبْطُلُ دَلِيلُنَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنْ كَثُرَ كَلَامُ الناس فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ.

.
وَأَمَّا كَلَامُ الْجَاهِلِ إِذَا كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ كَكَلَامِ النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِقَلِيلِهِ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لَكِنْ عَلَّمَهُ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَمَعْنَاهُ هَذَا وَنَحْوُهُ فَإِنَّ التَّشَهُّدَ وَالدُّعَاءَ وَالتَّسْلِيمَ مِنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَذْكَارِ مَشْرُوعٌ فِيهَا فَمَعْنَاهُ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَمُخَاطَبَاتِهِمْ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَأَشْبَاهِهِمَا مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ أَوْ كَبَّرَ أَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجُمْهُورِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَجُزْءٌ مِنْهَا.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَتْ مِنْهَا بَلْ هِيَ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ الَّذِي يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ وَتَفْسُدُ بِهِ إِذَا أَتَى بِهِ عَالِمًا عَامِدًا قَالَ أَصْحَابُنَا إِنْ قَالَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ بِكَافِ الْخِطَابِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ أَوِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ أَوْ رَحِمَ اللَّهُ فُلَانًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ.

.
وَأَمَّا الْعَاطِسُ فِي الصَّلَاةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى سِرًّا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قال مالك وغيره وعن بن عُمَرَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَالسُّنَّةُ فِي الْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ الْإِسْرَارُ إِلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِهَا وَنَحْوِهَا .

     قَوْلُهُ  إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍقَالَ الْعُلَمَاءُ الْجَاهِلِيَّةُ مَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم قوله إِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ قَالَ فَلَا تَأْتِهِمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا نُهِيَ عَنِ إِتْيَانِ الكهان لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فِي مُغَيَّبَاتٍ قَدْ يُصَادِفُ بَعْضُهَا الْإِصَابَةَ فَيُخَافُ الْفِتْنَةُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يُلَبِّسُونَ عَلَى النَّاسِ كَثِيرًا مِنَ أَمْرِ الشَّرَائِعِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَتَحْرِيمِ مَا يُعْطُونَ مِنَ الْحُلْوَانِ وَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي تَحْرِيمِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْبَغَوِيُّ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ حُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَهُوَ مَا أَخَذَهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كِهَانَتِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْكِهَانَةِ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَمْنَعُ الْمُحْتَسِبُ النَّاسَ مِنَ التَّكَسُّبِ بِالْكِهَانَةِ وَاللَّهْوِ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُلْوَانُ الْكَاهِنِ مَا يَأْخُذُهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كِهَانَتِهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَفِعْلُهُ بَاطِلٌ قَالَ وَحُلْوَانُ الْعَرَّافِ حَرَامٌ أَيْضًا قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ أَنَّ الْكَاهِنَ إِنَّمَا يَتَعَاطَى الْأَخْبَارَ عَنِ الْكَوَائِنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ وَالْعَرَّافُ يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا فِي حَدِيثِ مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رِئْيًا مِنَ الْجِنِّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي اسْتِدْرَاكَ ذَلِكَ بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ الَّذِي يَزْعُمُ مَعْرِفَةَ الْأُمُورِ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ اسْتَدَلَّ بِهَا كَمَعْرِفَةِ مَنْ سَرَقَ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ وَمَعْرِفَةِ مَنْ يُتَّهَمُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا قَالَ وَالْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَدَّعُونَهُ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَهُوَ نَفِيسٌ .

     قَوْلُهُ  وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ قَالَ ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الطِّيَرَةَ شَيْءٌ تَجِدُونَهُ فِي نفوسكم ضرورةوَلَا عَتَبَ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ لَكُمْ فَلَا تَكْلِيفَ بِهِ وَلَكِنْ لَا تَمْتَنِعُوا بِسَبَبِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي أُمُورِكُمْ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكْتَسَبٌ لَكُمْ فَيَقَعُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَنَهَاهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَمَلِ بِالطِّيَرَةِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ بِسَبَبِهَا وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّطَيُّرِ وَالطِّيَرَةُ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا لَا عَلَى مَا يُوجَدُ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ عَلَى مُقْتَضَاهُ عِنْدَهُمْ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهَا فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ قَالَ كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فالصحيح أن معناه من وافق خَطُّهُ فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ وَلَكِنْ لَا طَرِيقَ لَنَا إِلَى الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِالْمُوَافَقَةِ فَلَا يُبَاحُ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِيَقِينِ الْمُوَافَقَةِ وَلَيْسَ لَنَا يَقِينٌ بِهَا وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ حَرَامٌ بِغَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ يَدْخُلُ فِيهِ ذَاكَ النَّبِيُّ الَّذِي كَانَ يَخُطُّ فَحَافَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُرْمَةِ ذَاكَ النَّبِيِّ مَعَ بيان الحكم في حقنا فالمعنى أن ذلك النَّبِيَّ لَا مَنْعَ فِي حَقِّهِ وَكَذَا لَوْ عَلِمْتُمْ مُوَافَقَتَهُ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ النَّهْيَ عَنْ هَذَا الْخَطِّ إِذَا كَانَ عَلَمًا لِنُبُوَّةِ ذَاكَ النَّبِيِّ وَقَدِ انْقَطَعَتْ فَنُهِينَا عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ الَّذِي يَجِدُونَ إِصَابَتَهُ فِيمَا يَقُولُ لَا أَنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ لِفَاعِلِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا نُسِخَ فِي شَرْعِنَا فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ الْآنَ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَل أُحُد وَالْجَوَّانِيَّة هِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ يَاءٌ مُشَدَّدَةٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ تَخْفِيفَ الْيَاءِ وَالْمُخْتَارُ التَّشْدِيدُ وَالْجَوَّانِيَّةُ بِقُرْبِ أُحُدٍ مَوْضِعٌ فِي شَمَالِيِّ الْمَدِينَةِ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ إِنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ لِأَنَّ الْفَرْعَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بَعِيدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٌ فِي شام المدينة وقدقَالَ فِي الْحَدِيثِ قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ عِنْدَ الْفَرْعِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِخْدَامِ السَّيِّدِ جَارِيَتَهُ فِي الرَّعْيِ وَإِنْ كَانَتْ تَنْفَرِدُ فِي الْمَرْعَى وَإِنَّمَا حَرَّمَ الشَّرْعُ مُسَافَرَةَ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا وَانْقِطَاعِ نَاصِرِهَا وَالذَّابِّ عَنْهَا وَبُعْدِهَا مِنْهُ بِخِلَافِ الرَّاعِيَةِ وَمَعَ هَذَا فَإِنْ خِيفَ مَفْسَدَةٌ مِنْ رَعْيِهَا لِرِيبَةٍ فِيهَا أَوْ لِفَسَادِ مَنْ يَكُونُ فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي تَرْعَى فِيهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَرْعِهَا وَلَمْ تُمَكَّنِ الْحُرَّةُ وَلَا الْأَمَةُ مِنَ الرَّعْيِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فِي مَعْنَى السَّفَرِ الَّذِي حَرَّمَ الشَّرْعُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّنْ تَأْمَنُ مَعَهُ عَلَى نَفْسِهَا فَلَا مَنْعَ حِينَئِذٍ كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنَ الْمُسَافَرَةِ فِي هَذَا الْحَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  آسَفُ أَيْ أَغْضَبُ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ .

     قَوْلُهُ  صَكَكْتُهَا أَيْ لَطَمْتُهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَفِيهَا مَذْهَبَانِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا مَرَّاتٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَحَدُهُمَا الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ خَوْضٍ فِي مَعْنَاهُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَتَنْزِيهِهِ عَنْ سِمَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالثَّانِي تَأْوِيلُهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ كَانَ الْمُرَادُ امْتِحَانَهَا هَلْ هِيَ مُوَحِّدَةٌ تُقِرُّ بِأَنَّ الْخَالِقَ الْمُدَبِّرَ الْفَعَّالَ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ وَهُوَ الَّذِي إِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي اسْتَقْبَلَ السَّمَاءَ كَمَا إِذَا صَلَّى الْمُصَلِّي اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي السَّمَاءِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ بَلْ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدَّاعِينَ كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الْمُصَلِّينَ أَوْ هِيَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الْعَابِدِينَ لِلْأَوْثَانِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَمَّا قَالَتْ فِي السَّمَاءِ عَلِمَ أَنَّهَا مُوَحِّدَةٌ وَلَيْسَتْ عَابِدَةً لِلْأَوْثَانِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً فَقِيهُهُمْ وَمُحَدِّثُهُمْ وَمُتَكَلِّمُهُمْ وَنُظَّارُهُمْ وَمُقَلِّدُهُمْ أَنَّ الظَّوَاهِرَ الْوَارِدَةَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السماء أن يخسف بكم الأرض وَنَحْوِهِ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا بَلْ مُتَأَوَّلَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ فَمَنْ قَالَ بِإِثْبَاتِ جِهَةِ فَوْقُ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا تَكْيِيفٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ تَأَوَّلَ فِي السَّمَاءِأَيْ عَلَى السَّمَاءِ وَمَنْ قَالَ مِنْ دَهْمَاءِ النُّظَّارِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَأَصْحَابِ التَّنْزِيهِ بِنَفْيِ الْحَدِّ وَاسْتِحَالَةِ الْجِهَةِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَأَوَّلُوهَا تَأْوِيلَاتٍ بِحَسَبِ مُقْتَضَاهَا وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ قَالَ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي جَمَعَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَقِّ كُلَّهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَنِ الْفِكْرِ فِي الذَّاتِ كَمَا أُمِرُوا وَسَكَتُوا لِحِيرَةِ الْعَقْلِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ التَّكْيِيفِ وَالتَّشْكِيلِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وُقُوفِهِمْ وَإِمْسَاكِهِمْ غَيْرُ شَاكٍّ فِي الوجود والموجود وَغَيْرُ قَادِحٍ فِي التَّوْحِيدِ بَلْ هُوَ حَقِيقَتُهُ ثُمَّ تَسَامَحَ بَعْضُهُمْ بِإِثْبَاتِ الْجِهَةِ خَاشِيًا مِنْ مِثْلِ هَذَا التَّسَامُحِ وَهَلْ بَيْنَ التَّكْيِيفِ وَإِثْبَاتِ الْجِهَاتِ فَرْقٌ لَكِنْ إِطْلَاقُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ مِنْ أَنَّهُ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَأَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَعَ التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ الْجَامِعَةِ لِلتَّنْزِيهِ الْكُلِّيِّ الَّذِي لَا يَصِحُّ فِي الْمَعْقُولِ غَيْرُهُ وهو قوله تعالى ليس كمثله شيء عِصْمَةٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إِعْتَاقَ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ إِعْتَاقِ الْكَافِرِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ عِتْقِ الْكَافِرِ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَاتِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْكَافِرُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا مُؤْمِنَةٌ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ يُجْزِئُهُ الْكَافِرُ لِلْإِطْلَاقِ فَإِنَّهَا تُسَمَّى رَقَبَةً .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَصِيرُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ جَزْمًا كَفَاهُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ إِيمَانِهِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَالْجَنَّةِ وَلَا يُكَلَّفُ مَعَ هَذَا إِقَامَةَ الدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ مَعْرِفَةُ الدَّلِيلِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِوَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ تَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى تَنْبِيهٍ أَوْ إِذْنٍ لِدَاخِلٍ وَنَحْوِهِ سَبَّحَ إِنْ كَانَ رَجُلًا وَصَفَّقَتْ إِنْ كَانَتِ امْرَأَةً هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.

     وَقَالَ  طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ الْكَلَامُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لحديث ذي اليدين وسنوضحه في موضعه انشاء اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا فِي كَلَامِ الْعَامِدِ الْعَالِمِ أَمَّا النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْكَلَامِ الْقَلِيلِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ تَبْطُلُ دَلِيلُنَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنْ كَثُرَ كَلَامُ الناس فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ.

.
وَأَمَّا كَلَامُ الْجَاهِلِ إِذَا كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ كَكَلَامِ النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِقَلِيلِهِ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لَكِنْ عَلَّمَهُ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَمَعْنَاهُ هَذَا وَنَحْوُهُ فَإِنَّ التَّشَهُّدَ وَالدُّعَاءَ وَالتَّسْلِيمَ مِنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَذْكَارِ مَشْرُوعٌ فِيهَا فَمَعْنَاهُ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَمُخَاطَبَاتِهِمْ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَأَشْبَاهِهِمَا مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ أَوْ كَبَّرَ أَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجُمْهُورِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَجُزْءٌ مِنْهَا.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَتْ مِنْهَا بَلْ هِيَ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ الَّذِي يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ وَتَفْسُدُ بِهِ إِذَا أَتَى بِهِ عَالِمًا عَامِدًا قَالَ أَصْحَابُنَا إِنْ قَالَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ بِكَافِ الْخِطَابِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ أَوِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ أَوْ رَحِمَ اللَّهُ فُلَانًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ.

.
وَأَمَّا الْعَاطِسُ فِي الصَّلَاةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى سِرًّا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قال مالك وغيره وعن بن عُمَرَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَالسُّنَّةُ فِي الْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ الْإِسْرَارُ إِلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِهَا وَنَحْوِهَا .

     قَوْلُهُ  إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍقَالَ الْعُلَمَاءُ الْجَاهِلِيَّةُ مَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم قوله إِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ قَالَ فَلَا تَأْتِهِمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا نُهِيَ عَنِ إِتْيَانِ الكهان لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فِي مُغَيَّبَاتٍ قَدْ يُصَادِفُ بَعْضُهَا الْإِصَابَةَ فَيُخَافُ الْفِتْنَةُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يُلَبِّسُونَ عَلَى النَّاسِ كَثِيرًا مِنَ أَمْرِ الشَّرَائِعِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَتَحْرِيمِ مَا يُعْطُونَ مِنَ الْحُلْوَانِ وَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي تَحْرِيمِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْبَغَوِيُّ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ حُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَهُوَ مَا أَخَذَهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كِهَانَتِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْكِهَانَةِ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَمْنَعُ الْمُحْتَسِبُ النَّاسَ مِنَ التَّكَسُّبِ بِالْكِهَانَةِ وَاللَّهْوِ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُلْوَانُ الْكَاهِنِ مَا يَأْخُذُهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كِهَانَتِهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَفِعْلُهُ بَاطِلٌ قَالَ وَحُلْوَانُ الْعَرَّافِ حَرَامٌ أَيْضًا قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ أَنَّ الْكَاهِنَ إِنَّمَا يَتَعَاطَى الْأَخْبَارَ عَنِ الْكَوَائِنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ وَالْعَرَّافُ يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا فِي حَدِيثِ مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رِئْيًا مِنَ الْجِنِّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي اسْتِدْرَاكَ ذَلِكَ بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ الَّذِي يَزْعُمُ مَعْرِفَةَ الْأُمُورِ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ اسْتَدَلَّ بِهَا كَمَعْرِفَةِ مَنْ سَرَقَ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ وَمَعْرِفَةِ مَنْ يُتَّهَمُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا قَالَ وَالْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَدَّعُونَهُ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَهُوَ نَفِيسٌ .

     قَوْلُهُ  وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ قَالَ ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الطِّيَرَةَ شَيْءٌ تَجِدُونَهُ فِي نفوسكم ضرورةوَلَا عَتَبَ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ لَكُمْ فَلَا تَكْلِيفَ بِهِ وَلَكِنْ لَا تَمْتَنِعُوا بِسَبَبِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي أُمُورِكُمْ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكْتَسَبٌ لَكُمْ فَيَقَعُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَنَهَاهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَمَلِ بِالطِّيَرَةِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ بِسَبَبِهَا وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّطَيُّرِ وَالطِّيَرَةُ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا لَا عَلَى مَا يُوجَدُ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ عَلَى مُقْتَضَاهُ عِنْدَهُمْ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهَا فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ قَالَ كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فالصحيح أن معناه من وافق خَطُّهُ فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ وَلَكِنْ لَا طَرِيقَ لَنَا إِلَى الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِالْمُوَافَقَةِ فَلَا يُبَاحُ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِيَقِينِ الْمُوَافَقَةِ وَلَيْسَ لَنَا يَقِينٌ بِهَا وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ حَرَامٌ بِغَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ يَدْخُلُ فِيهِ ذَاكَ النَّبِيُّ الَّذِي كَانَ يَخُطُّ فَحَافَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُرْمَةِ ذَاكَ النَّبِيِّ مَعَ بيان الحكم في حقنا فالمعنى أن ذلك النَّبِيَّ لَا مَنْعَ فِي حَقِّهِ وَكَذَا لَوْ عَلِمْتُمْ مُوَافَقَتَهُ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ النَّهْيَ عَنْ هَذَا الْخَطِّ إِذَا كَانَ عَلَمًا لِنُبُوَّةِ ذَاكَ النَّبِيِّ وَقَدِ انْقَطَعَتْ فَنُهِينَا عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ الَّذِي يَجِدُونَ إِصَابَتَهُ فِيمَا يَقُولُ لَا أَنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ لِفَاعِلِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا نُسِخَ فِي شَرْعِنَا فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ الْآنَ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَل أُحُد وَالْجَوَّانِيَّة هِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ يَاءٌ مُشَدَّدَةٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ تَخْفِيفَ الْيَاءِ وَالْمُخْتَارُ التَّشْدِيدُ وَالْجَوَّانِيَّةُ بِقُرْبِ أُحُدٍ مَوْضِعٌ فِي شَمَالِيِّ الْمَدِينَةِ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ إِنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ لِأَنَّ الْفَرْعَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بَعِيدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٌ فِي شام المدينة وقدقَالَ فِي الْحَدِيثِ قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ عِنْدَ الْفَرْعِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِخْدَامِ السَّيِّدِ جَارِيَتَهُ فِي الرَّعْيِ وَإِنْ كَانَتْ تَنْفَرِدُ فِي الْمَرْعَى وَإِنَّمَا حَرَّمَ الشَّرْعُ مُسَافَرَةَ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا وَانْقِطَاعِ نَاصِرِهَا وَالذَّابِّ عَنْهَا وَبُعْدِهَا مِنْهُ بِخِلَافِ الرَّاعِيَةِ وَمَعَ هَذَا فَإِنْ خِيفَ مَفْسَدَةٌ مِنْ رَعْيِهَا لِرِيبَةٍ فِيهَا أَوْ لِفَسَادِ مَنْ يَكُونُ فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي تَرْعَى فِيهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَرْعِهَا وَلَمْ تُمَكَّنِ الْحُرَّةُ وَلَا الْأَمَةُ مِنَ الرَّعْيِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فِي مَعْنَى السَّفَرِ الَّذِي حَرَّمَ الشَّرْعُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّنْ تَأْمَنُ مَعَهُ عَلَى نَفْسِهَا فَلَا مَنْعَ حِينَئِذٍ كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنَ الْمُسَافَرَةِ فِي هَذَا الْحَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  آسَفُ أَيْ أَغْضَبُ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ .

     قَوْلُهُ  صَكَكْتُهَا أَيْ لَطَمْتُهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَفِيهَا مَذْهَبَانِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا مَرَّاتٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَحَدُهُمَا الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ خَوْضٍ فِي مَعْنَاهُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَتَنْزِيهِهِ عَنْ سِمَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالثَّانِي تَأْوِيلُهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ كَانَ الْمُرَادُ امْتِحَانَهَا هَلْ هِيَ مُوَحِّدَةٌ تُقِرُّ بِأَنَّ الْخَالِقَ الْمُدَبِّرَ الْفَعَّالَ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ وَهُوَ الَّذِي إِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي اسْتَقْبَلَ السَّمَاءَ كَمَا إِذَا صَلَّى الْمُصَلِّي اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي السَّمَاءِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ بَلْ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدَّاعِينَ كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الْمُصَلِّينَ أَوْ هِيَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الْعَابِدِينَ لِلْأَوْثَانِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَمَّا قَالَتْ فِي السَّمَاءِ عَلِمَ أَنَّهَا مُوَحِّدَةٌ وَلَيْسَتْ عَابِدَةً لِلْأَوْثَانِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً فَقِيهُهُمْ وَمُحَدِّثُهُمْ وَمُتَكَلِّمُهُمْ وَنُظَّارُهُمْ وَمُقَلِّدُهُمْ أَنَّ الظَّوَاهِرَ الْوَارِدَةَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السماء أن يخسف بكم الأرض وَنَحْوِهِ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا بَلْ مُتَأَوَّلَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ فَمَنْ قَالَ بِإِثْبَاتِ جِهَةِ فَوْقُ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا تَكْيِيفٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ تَأَوَّلَ فِي السَّمَاءِأَيْ عَلَى السَّمَاءِ وَمَنْ قَالَ مِنْ دَهْمَاءِ النُّظَّارِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَأَصْحَابِ التَّنْزِيهِ بِنَفْيِ الْحَدِّ وَاسْتِحَالَةِ الْجِهَةِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَأَوَّلُوهَا تَأْوِيلَاتٍ بِحَسَبِ مُقْتَضَاهَا وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ قَالَ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي جَمَعَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَقِّ كُلَّهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَنِ الْفِكْرِ فِي الذَّاتِ كَمَا أُمِرُوا وَسَكَتُوا لِحِيرَةِ الْعَقْلِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ التَّكْيِيفِ وَالتَّشْكِيلِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وُقُوفِهِمْ وَإِمْسَاكِهِمْ غَيْرُ شَاكٍّ فِي الوجود والموجود وَغَيْرُ قَادِحٍ فِي التَّوْحِيدِ بَلْ هُوَ حَقِيقَتُهُ ثُمَّ تَسَامَحَ بَعْضُهُمْ بِإِثْبَاتِ الْجِهَةِ خَاشِيًا مِنْ مِثْلِ هَذَا التَّسَامُحِ وَهَلْ بَيْنَ التَّكْيِيفِ وَإِثْبَاتِ الْجِهَاتِ فَرْقٌ لَكِنْ إِطْلَاقُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ مِنْ أَنَّهُ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَأَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَعَ التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ الْجَامِعَةِ لِلتَّنْزِيهِ الْكُلِّيِّ الَّذِي لَا يَصِحُّ فِي الْمَعْقُولِ غَيْرُهُ وهو قوله تعالى ليس كمثله شيء عِصْمَةٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إِعْتَاقَ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ إِعْتَاقِ الْكَافِرِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ عِتْقِ الْكَافِرِ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَاتِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْكَافِرُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا مُؤْمِنَةٌ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكُوفِيُّونَ يُجْزِئُهُ الْكَافِرُ لِلْإِطْلَاقِ فَإِنَّهَا تُسَمَّى رَقَبَةً .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَصِيرُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ جَزْمًا كَفَاهُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ إِيمَانِهِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَالْجَنَّةِ وَلَا يُكَلَّفُ مَعَ هَذَا إِقَامَةَ الدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ مَعْرِفَةُ الدَّلِيلِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِوَأَبُو حَمْزَةَ كُنْيَةُ أَنَسٍ وَأُمُّ سُلَيْمٍ وَالِدَةُ أَنَسٍ .

     قَوْلُهُ  فَأَهْدَتْهَا أَيْ زَفَّتْهَا .

     قَوْلُهُ  وَأَحْسَبُهُ أَيْ أَنَسًا قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ وَجَزَمَ عَبْدُ الْوَارِثِ فِي رِوَايَتِهِ بِذِكْرِ السَّوِيقِ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  فَحَاسُوا بِمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ خَلَطُوا وَالْحَيْسُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ خَلِيطُ السَّمْنِ وَالتَّمْرِ وَالْأَقِطِ قَالَ الشَّاعِرُ التَّمْرُ وَالسَّمْنُ جَمِيعًا وَالْأَقِطُ الْحَيْسُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِطْ وَقَدْ يَخْتَلِطُ مَعَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ غَيْرُهَا كَالسَّوِيقِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ فَوَائِدِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْوَلِيمَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى ( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ)
بِالتَّنْوِينِ فِي كَمْ بِحَذْفِ الْمُمَيَّزِ أَيْ كَمْ ثَوْبًا تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ قَالَ بن الْمُنْذِرِ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ الْمُرَادُ بِذَلِكَ تَغْطِيَةُ بَدَنِهَا وَرَأْسِهَا فَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا فَغَطَّتْ رَأْسَهَا بِفَضْلِهِ جَازَ قَالَ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ تصلي فِي درع وخمار وَإِزَار وَعَن بن سِيرِينَ مِثْلُهُ وَزَادَ وَمِلْحَفَةٌ فَإِنِّي أَظُنُّهُ مَحْمُولًا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  عِكْرِمَةُ يَعْنِي مَوْلَى بن عَبَّاسٍ .

     قَوْلُهُ  جَازَ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَأَجَزْتُهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَأَثَرُهُ هَذَا وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَلَفْظُهُ لَوْ أَخَذَتِ الْمَرْأَةُ ثَوْبًا فَتَقَنَّعَتْ بِهِ حَتَّى لَا يُرَى مِنْ شَعْرِهَا شَيْءٌ أَجْزَأَ عَنْهَا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [371] حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلاَةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ».
قَالَهَا ثَلاَثًا.
قَالَ: وَخَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ؟ -قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا- وَالْخَمِيسُ يَعْنِي الْجَيْشَ.
قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، فَجُمِعَ السَّبْيُ! "فَجَاءَ دِحْيَةُ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ.
قَالَ: اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً.
فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ.
فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ لَكَ.
قَالَ: ادْعُوهُ بِهَا.
فَجَاءَ بِهَا.
فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا.
قَالَ: فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَزَوَّجَهَا.
فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نَفْسَهَا، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا.
حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرُوسًا، فَقَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَىْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ.
وَبَسَطَ نِطَعًا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ"، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ.
قَالَ: فَحَاسُوا حَيْسًا، فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
[الحديث أطرافه في: 610، 947، 2228، 2235، 2889، 2893، 2943، 2944، 2945، 2991، 3085، 3086، 3367، 3647، 4083، 4084، 4197، 4198، 4199، 4200، 4201، 4211، 4212، 4213، 5085، 5159، 5169، 5387، 5425، 5528، 5968، 6185، 6363، 6369، 7333] .
وبه قال: ( حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي ( قال: حدّثنا إسماعيل بن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية مصغرًا وللأصيلِي حدّثني ابن علية وأبوه اسمه إبراهيم بن سهم البصري ( قال: حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) بضم الصاد المهملة البناني البصري الأعمى ( عن أنس) وللأصيلي عن أنس بن مالك.
( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزا خيبر) على ثمانية برد من المدينة وكانت في جمادى الأولى سنة سبع من الهجرة ( فصلّينا عندها) خارجًا عنها ( صلاة الغداة) أي الصبح ( بغلس) بفتح الغين واللام ظلمة آخر الليل، ( فركب نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على حمار مخطوم برسن ليف وتحته الكاف من ليف رواه البيهقي والترمذي وضعّفه، ( وركب أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري، المتوفى سنة اثنتين أو أربع وثلاثين بالمدينة أو بالشام أو في البحر ( وأنا رديف أبي طلحة) جملة اسمية حالية.
أي قال أنس وأنا رديف أبي طلحة، ( فأجرى) من الإجراء ( نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مركوبه ( في زقاق خيبر) بضم الزاي وبالقافين أي سكة خيبر، ( وإن ركبتي لتمسّ فخذ نبيّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم حسر الإزار عن فخذه) الشريف عند سوق مركوبه ليتمكّن من ذلك، ( حتى أني أنظر إلى بياض فخذ نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ، وللكشميهني في الفرع لا نظر بزيادة لام التأكيد وحسر بفتح الحاء والسين المهملتين كما في الفرع وغيره: أي: كشف الإزار.
وصوّب ابن حجر هذا الضبط مستدلاً بالتعليق السابق وهو قوله.
قال أنس: حسر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال الزركشي: حسر بضم أوّله مبنيًّا للمفعول بدليل رواية مسلم فانحسر أي بغير اختياره لضرورة الإجراء، وحينئذ فلا دلالة فيه على كون الفخذ ليس بعورة.
وتعقبه في فتح الباري بأنه لا يلزم من وقوعه كذلك في رواية مسلم أن لا يقع عند البخاري على خلافه.
وأُجيب: بأن اللائق بحاله عليه الصلاة والسلام أن لا ينسب إليه كشف فخذه قصدًا مع ثبوت قوله عليه الصلاة والسلام ( الفخذ عورة) ولعلّ أنسًا لما رأى فخذه عليه الصلاة والسلام مكشوفًا وكان عليه الصلاة والسلام سببًا في ذلك بالإجراء أسند الفعل إليه، وقد مرّ قول المؤلّف وحديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط فافهم.
( فلما دخل) عليه الصلاة والسلام ( القرية) أي خيبر وهو يشعر بأن الزقاق كان خارج القرية ( قال: الله أكبر خربت خيبر) أي صارت خرابًا قاله على سبيل الإخبار، فيكون من الإنباء بالمغيبات أو على جهة الدعاء عليهم أي التفاؤل لما رآهم خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم التي هي من آلات الهدم { إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين} بفتح الذال المعجمة ( قالها) عليه الصلاة والسلام ( ثلاثًا.
قال)
أنس ( وخرج القوم إلى) مواضع ( أعمالهم) كذا قدّره البرماوي كالكرماني، لكن قال العيني: بل معناه خرج القوم لأعمالهم التي كانوا يعملونها وكلمة ( إلى) بمعنى اللام، ( فقالوا) هذا ( محمد) أو جاء محمد ( قال عبد العزيز) بن صهيب الراوي.
( وقال بعض أصحابنا) هو محمد بن سيرين كما عند المؤلّف من طريقه أو ثابت البناني كما أخرجه مسلم من طريقه أو غيرهما، ( والخميس) بالرفع عطفًا على محمد أو بالنصب على أن الواو بمعنى مع قال عبد العزيز أو من دونه ( يعني الجيش) وأشار بهذا إلى أنه لم يسمع والخميس من أنس بل منبعض أصحابه عنه، والحاصل أن عبد العزيز قال: سمعت من أنس قالوا جاء محمد فقط، وقال بعض أصحابه: قالوا محمد والخميس والتفسير مدرج وسمي بالخميس لأنه خمسة أقسام مقدمة وساقه وقلب وجناحان.
( قال: فأصبناها) أي خيبر ( عنوة) بفتح العين وسكون النون أي قهرًا في عنف أو صلحًا في رفق ضد، ومن ثم اختلف هل كانت صلحًا أو عنوة أو إجلاءً وصحّح المنذري أن بعضها أُخذ صلحًا وبعضها عنوة وبعضها إجلاء وبهذا يندفع التضادّ بين الآثار، ( فجمع السبي) بضم الجيم مبنيًّا للمفعول ( فجاء دحية) بكسر الدال وفتحها ولابن عساكر حية الكلبي ( فقال: يا نبيّ الله أعطني جارية من السبي قال) عليه الصلاة والسلام، ولأبوي ذر والوقت فقال: ( اذهب فخذ جارية) منه، فذهب ( فأخذ صفية) بفتح الصاد المهملة قيل وكان اسمها زينب ( بنت حيي) بضم الحاء المهملة وكسرها وفتح المثناة الأولى مخفّفة وتشديد الثانية ابن أخطب من بنات هارون عليه السلام، المتوفّاة سنة ست وثلاثين أو ست وخمسين، وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق قتل عنها بخيبر، وإنما أذن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لدحية في أخذ الجارية قبل القسمة لأن له عليه الصلاة والسلام صفي المغنم يعطيه لمَن يشاء أو تنفيلاً له من أصل الغنيمة أو من خمس الخمس بعد أن تميز أو قبل على أن يحسب منه إذا تميز أو أذن له في أخذها لتقوّم عليه بعد ذلك وتحسب من سهمه.
( فجاء رجل) لم أعرف اسمه ( إلى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة) بضم القاف وفتح الراء والظاء المعجمة ( والنضير) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة الساقطة قبيلتان من يهود خيبر ( لا تصلح إلاّ لك) لأنها من بيت النبوّة من ولد هارون عليه السلام والرئاسة لأنها من بيت سيد قريظة والنضير مع الجمال العظيم، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكمل الخلق في هذه الأوصاف بل في سائر الأخلاق الحميدة.
( قال) عليه الصلاة والسلام: ( ادعوه) أي دحية ( بها) أي بصفية فدعوه ( فجاء بها فلما نظر إليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) له: ( خذ جارية من السبي غيرها) وارتجعها منه لأنه إنما كان أذن له في جارية من حشو السبي لا من أفضلهنّ، فلما رآه أخذ أنفسهن نسبًا وشرفًا وجمالاً استرجعها لئلا يتميز دحية بها على سائر الجيش، مع أن فيهم مَن هو أفضل منه، وأيضًا لما فيه من انتهاكها مع علو مرتبتها، وربما ترتب على ذلك شقاق أو غيره مما لا يخفى فكان اصطفاؤه لها قاطعًا لهذه المفاسد.
وفي فتح الباري نقلاً عن الشافعي في الأُم عن سيرة الواقدي: أنه عليه الصلاة والسلام أعطى دحية أُخت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق زوج صفية أي تطييبًا لخاطره، وفي سيرة ابن سيد الناس أنه أعطاه ابنتي عمّ صفية.
( قال: فأعتقها) أي صفية ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتزوّجها، فقال له ثابت) البناني ( يا أبا حمزة) بالحاء المهملة والزاي كنية أن ( ما أصدقها) عليه الصلاة والسلام ( قال) أنس: أصدقها ( نفسها أعتقها) بلا عوض ( وتزوّجها) بلا مهر أو أعتقها، وشرط أن ينكحها فلزمها الوفاء أو جعل نفس العتق صداقًا وكلها من خصائصه، وأخذ الإمام أحمد والحسن وابن المسيب وغيرهم بظاهره فجوّزوا ذلك لغيره أيضًا ( حتى إذا كان) عليه الصلاة والسلام ( بالطريق) في سدّ الروحاء على أربعين ميلاً من المدينة أو نحوها ( جهزتها له أُم سليم) بضم السين وهي أُم أنس ( فأهدتها) أي زفّتها ( له) عليه الصلاة والسلام ( من الليل) .
قال البرماوي كالكرماني.
وفي بعضها أي النسخ أو الروايات فهدتها أي بغير همز وصوّبت لقول الجوهري الهداء مصدر هديت أنا المرأة إلى زوجها، ( فأصبح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عروسًا) على وزن فعول يستوي فيه الذكر والمؤنث ما داما في إعراسهما وجمعه عرس وجمعها عرائس، ( فقال) عليه الصلاة والسلام: ( مَن كان عنده شيء فليجئ به وبسط) بفتحات ( نطعًا) بكسر النون وفتح الطاء المهملة، وعليها اقتصر ثعلب في فصيحه، وكذا في الفرع وغيره في الأصول؟ ويجوز فتح النون وسكون الطاء وفتحهما وكسر النون وسكون الطاء.
وقال الزركشي: فيه سبع لغات وجمعهأنطاع ونطوع ( فجعل الرجل يجيء بالتمر وجعل الرجل يجيء بالسمن قال) عبد العزيز بن صهيب ( وأحسبه) أي أنسًا ( قد ذكر السويق) نعم في رواية عبد الوارث الجزم بذكر السويق ( قال فحاسوا) بمهملتين أي خلطوا أو اتخذوا ( حيسًا) بفتح الحاء والسين المهملتين بينهما مثناة تحتية ساكنة وهو الطعام المتخذ من التمر والإقط والسمن، وربما عوّض بالدقيق عن الأقط، ( فكانت) بالفاء.
وفي رواية وكانت أي الثلاثة المصنوعة حيسًا ( وليمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي طعام عرسه من الولم وهو الجمع، سمي به لاجتماع الزوجين.
واستنبط منه مشروعية مطلوبية الوليمة للعرس وأنها بعد الدخول، وجوّز النووي كونها قبله أيضًا، وأن السنة تحصل بغير اللحم ومساعدة الأصحاب بطعام من عندهم.
ورواة هذا الحديث ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في النكاح والمغازي، وأبو داود في الخراج، والنسائي في النكاح والوليمة.
13 - باب فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي الثِّيَابِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَوْ وَارَتْ جَسَدَهَا فِي ثَوْبٍ لأَجَزْتُهُ.
هذا ( باب) بالتنوين ( في كم) ثوبًا ( تصلي المرأة من الثياب) ولغير الأربعة في الثياب وكم لها صدر الكلام فلا يقدح تأخرها عن في الجارّة لأن الجار والمجرور ككلمة واحدة.
( وقال عكرمة) مولى ابن عباس مما وصله عبد الرزاق عنه بمعناه ( لو وارت) أي سترت المرأة ( جسدها في ثوب) واحد ( لأجزته) كذا للكشميهني بفتح لام التأكيد والجيم وسكون الزاي، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر جاز.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [371] فخذه، حتى أني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ وذكر بقية الحديث في فتح خيبر، وقصة صفية، وعتقها، وتزويجها، والدخول عليها ووليمتها، وسيأتي ذكر ذلك في موضعه ـ إن شاء الله تعالى.
ومراد البخاري بهذا: الاستدلال به على أن الفخذ ليست عورة، وذلك من وجهين: أحدهما: أن ركبة أنس مست فخذ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم ينكر ذلك، وهذا يدل على أن الفخذ لا ينكر مسها، ولو كانت عورة لم يجز ذلك.
والثاني: حسر الإزار عن فخذ نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى نظر أنس إلى بياض فخذ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسواء كان ذلك عن قصد من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتعمد له ـ عَلَى رِوَايَة من رواه: ( ( حسر الإزار) ) ، - بنصب الراء -، أو كَانَ من شدة الجري عَن غير وتعمد – عَلَى رِوَايَة من رواه: ( ( حُسِر الإزار) ) ، بضم الراء – فإن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استدام ذَلِكَ، ولم يرد الإزار عليه؛ فإنه لو فعل لنقله أنس.
وأيضا، فقد تقدم حديث جابر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بعد ما شد عليه إزاره حين كان ينقل حجارة الكعبة لم تر له عورة بعدها.
وروي عن عائشة، أنها قالت: ما رأيت منه ذلك - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد خرجه الإمام أحمد.
ولو كان الفخذ عورة لصان الله نبيه عن أن يطلع عليه أحد.
وفي ( ( صحيح مسلم) ) عن عائشة، قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه - أو ساقيه -، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر - وذكرت الحديث.
وهذه الرواية ليس فيها جزم بكشف الفخذ، بل وقع التردد من الراوي: هل كشف فخذيه أو ساقيه؟ فلا يستدل بذلك.
ووقع الحديث في ( ( مسند الإمام أحمد) ) وغيره، وفيه: ( ( أنه كان كاشفا عن فخذه) ) ، من غير شك، وفي ألفاظ الحديث اضطراب.
واختلف العلماء في الفخذ: هل هي عورة، أم لا؟ فقال أكثرهم: هي عورة، روي ذلك عن عطاء، وهو قول مالك، والثوري، وأبي حنيفة، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد في المشهور عنه.
وقالت طائفة: ليست الفخذ عورة، وهو قول ابن أبي ذئب، وداود، وابن جرير والطبري، وأبي سعيد الإصطخري من الشافعية، وحكاه بعضهم رواية عن مالك، وهو رواية عن أحمد رجحها طائفة من متأخري أصحابه، وحكاه بعضهم عن عطاء، وفي صحته نظر.
وحكي عن طائفة: أن الفخذ في المساجد عورة، وفي الحمام ونحوه مما جرت العادة بكشفها فيه ليست عورة، وحكي عن عطاء والأوزاعي، ورجحه ابن قتيبة وهذا كله في حكم النظر إليها.
فأما الصلاة: فمن متأخري أصحابنا من أنكر أن يكون في صحة الصلاة مع كشفها عن أحمد خلاف، قال: لأن أحمد لا يصحح الصلاة مع كشف المنكبين، فالفخذ أولى.
قال: ولا ينبغي أن يكون في هذا خلاف؛ فإن الصلاة مأمور فيها بأخذ الزينة، فلا يكتفى فيها بستر العورة.
والمنصوص عن أحمد يخالف هذا: قال مهنا: سألت أحمد عن رجل صلى في ثوب ليس بصفيق؟ قال: أن بدت عورته يعيد، وإن كان الفخذ فلا.
قلت لأحمد: وما العورة؟ قالَ: الفرج والدبر.
وقد حكى المهلب بن أبي صفرة المالكي في ( ( شرح البخاري) ) : الإجماع على أن من صلى مكشوف الفخذ لا يعيد صلاته.
وهو خطأ.
13 - باب في كم تصلي المرأة من الثياب وقال عكرمة: لو وارت جسدها في ثوب جاز.
يريد عكرمة: أن الواجب عليها في الصلاة ستر جميع جسدها، فلو وارته كله بثوب واحد جاز، ومراده بجسدها: بدنها ورأسها، فلهذا قال كثير من الصحابة، ومن بعدهم: تصلي المرأة في درع وخمار ـ إشارة منهم: إلى أنه يجب عليها ستر رأسها وجسدها.
فإن سترت جسدها بثوب ورأسها بثوب جاز، ولم تكره صلاتها، وهو أدنى الكمال في لباسها، وإن التحفت بثوب واحد خمرت به رأسها وجسدها صحت صلاتها، لكنه خلاف الأولى.
قال رباح بن أبي معروف: كان عطاء لا يرى أن تصلي المرأة في الثوب الواحد، إلا من ضرورة.
وروى عمر بن ذر، عن عطاء في المرأة لا يكون له إلا الثوب الواحد، قال: تتزر به.
ومعنى: ( ( تتزر به) ) : تلتحف به، وتشتمل على رأسها وبدنها.
قال سفيان الثوري: أن صلت في ملحفة واسعة تغطي جميع بدنها أجزأها.
قال: وأكره أن تصلي في درع واحد، فإن صلت كذلك فقدأساءت، وتجزئها صلاتها.
وقال إسحاق: أن صلت في ملحفة واحدة غطت كل شئ من بدنها جازت صلاتها.
والأفضل أن تصلي المرأة في ثلاث أثواب عند جمهور العلماء.
قال حرب الكرماني: ثنا إسحاق - هو: ابن راهويه -: ثنا المعتمر - هو: ابن سليمان -، قال: سمعت أبي يحدث عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن عمر بن الخطاب، قال: تصلي المرأة في ثلاثة أثواب إذا قدرت: درع، وخمار، وإزار.
حدثنا إسحاق: ثنا عبد الله بن نمير، عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: تصلي المرأة في الدرع والخمار والملحفة.
فأما ( ( الدرع) ) : فهو ما تلبسه على بدنها.
قال أبو طالب: قيل لأحمد: الدرع القميص؟ قال: يشبه القميص، لكنه سابغ يغطي رجليها.
وأما ( ( الخمار) ) : فهو ما تختمر به رأسها.
وقد سبق حديث: ( ( لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار) ) .
وأما ( ( الإزار) ) : فاختلف تفسيره: فقالت طائفة: هو مثل إزار الرجل الذي يأتزر به في وسطه، وهذا قول إسحاق -: نقله عنه حرب، وهو ظاهر كلام أحمد - أيضا.
وقال إسحاق: أن تسرولت بدل الإزار جاز، وأن لم تتزر بل التحفت بملحفة فوق درعها بدل الإزار جاز.
وروي الفضل بن دكين في ( ( كتاب الصلاة) ) : ثنا أبو هلال، عن محمد بن سيرين، قال: كانوا يستحبون أن تصلي المرأة في درع وخمار وحقو.
وقال ابن عبد البر: روي عن عبيدة، أن المرأة تصلي في الدرع والخمار والحقو، رواة ابن سيرين عنه، وقال به، وقال: الأنصار تسمى الإزار: الحقو.
وروى مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن امرأة استفتت عائشة، فقالت: أن المنطق يشق علي، أفأصلي في درع وخمار؟ قَالَتْ: نَعَمْ، إذا كَانَ الدرع سابغا.
قال: والمنطق هنا: الحقو، وهو الإزار والسراويل.
والقول الثاني: أن المراد بالإزار: الجلباب، وهو الملحفة السابغة التي يغطي بها الرأس والثياب، وهذا قول الشافعي وأصحابنا، وقد سبق عن ابن عمر ما يدل عليه.
وقال النخعي: تصلي المرأة في الدرع والملحفة السابغة، تقنع بها رأسها.
وخرج أبو داود من حديث عبد الرحمان بن عبد الله بن دينار، عن محمد ابن زيد بن قنفذ، عن أمه، عن أم سلمة، أنها سالت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: ( ( إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها) ) .
وخرجه - أيضا - من طريق مالك، عن محمد بن زيد، عن أمه، عن أم سلمة - موقوفا -، وذكر جماعة تابعوا مالكا على وقفه.
وذكر الدارقطني أن وقفه هو الصواب.
خرج البخاري في هذا الباب:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ رِدَاءٍ)
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ فِي بَابِ عَقْدِ الْإِزَارِ عَلَى الْقَفَا وَقَولُهُ هُنَا مُلْتَحِفًا بِهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ وَلِلْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ مُلْتَحِفٌ بِالرَّفْعِ عَلَى الْحَذْفِ وَفِي نُسْخَتِي عَنْهُمَا بِالْجَرِّ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ وَقَولُهُ فِي آخِرِهِ يُصَلِّي كَذَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يُصَلِّي هَكَذَا وَقَولُهُ الْجُهَّالُ مِثْلَكُمْ لَفْظُ الْمِثْلِ مُفْرَدٌ لَكِنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ فَلِذَلِكَ طَابَقَ لَفْظَ الْجُهَّالِ وَهُوَ جَمْعٌ أَوِ اكْتسب الجمعية من الْإِضَافَة قَولُهُ بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الْفَخِذِ أَيْ فِي حُكْمِ الْفَخِذِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ مِنَ الْفَخِذِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ وَسَقَطَ من رِوَايَة الْأَكْثَر قَوْله ويروى عَن بن عَبَّاسٍ وَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ بِقَافٍ وَمُثَنَّاتَيْنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَشْهَرُهَا دِينَارٌ .

     قَوْلُهُ  وَجَرْهَدٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ عِنْدَ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخِ لِلِاضْطِرَابِ فِي إِسْنَادِهِ وَقَدْ ذَكَرْتُ كَثِيرًا مِنْ طُرُقِهِ فِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ .

     قَوْلُهُ  وَمُحَمَّدُ بْنُ جَحْشٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ لَهُ وَلِأَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ صُحْبَةٌ وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ هِيَ عَمَّتُهُ وَكَانَ مُحَمَّدٌ صَغِيرًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَفِظَ عَنْهُ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِهِ هَذَا فَقَدْ وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ عَنْهُ.

     وَقَالَ  مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ عَلَى مَعْمَرٍ وَفَخِذَاهُ مَكْشُوفَتَانِ فَقَالَ يَا مَعْمَرُ غَطِّ عَلَيْكَ فَخِذَيْكَ فَإِنَّ الْفَخِذَيْنِ عَوْرَةٌ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ أَبِي كَثِيرٍ فَقَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ لَكِنْ لَمْ أَجِدْ فِيهِ تَصْرِيحًا بِتَعْدِيلٍ وَمَعْمَرٌ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَضْلَة الْقرشِي الْعَدوي وَقد أخرج بن قَانِعٍ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِهِ أَيْضًا وَوَقَعَ لِي حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ مُسَلْسَلًا بِالْمُحَمَّدِيِّينَ مِنِ ابْتِدَائِهِ إِلَى انْتِهَائِهِ وَقَدْ أَمْلَيْتُهُ فِي الْأَرْبَعِينَ الْمُتَبَايِنَةِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  أَنَسٌ حَسَرَ بِمُهْمَلَاتٍ مَفْتُوحَاتٍ أَيْ كَشَفَ وَقَدْ وَصَلَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الْبَابِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ أَيْ أَصَحُّ إِسْنَادًا كَأَنَّهُ يَقُولُ حَدِيثَ جَرْهَدٍ وَلَوْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ فَهُوَ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ .

     قَوْلُهُ  وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَيْ وَمَا مَعَهُ أَحْوَطُ أَيْ لِلدِّينِ وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالِاحْتِيَاطِ الْوُجُوبَ أَوِ الْوَرَعَ وَهُوَ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنِ اخْتلَافهمْ وَيخرج فِي رِوَايَتِنَا مَضْبُوطَةٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَفِي غَيْرِهَا بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  أَبُو مُوسَى أَيِ الْأَشْعَرِيُّ وَالْمَذْكُورُ هُنَا مِنْ حَدِيثِهِ طَرَفٌ مِنْ قِصَّةٍ أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَانٍ فِيهِ مَاءٌ قَدِ انْكَشَفَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ أَوْ رُكْبَتِهِ فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهَا وَعُرِفَ بِهَذَا الرَّدِّ عَلَى الدَّاوُدِيِّ الشَّارِحِ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْمُعَلَّقَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَهْمٌ وَأَنَّهُ دَخَلَ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ وَأَشَارَ إِلَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ جَلَسَ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ مِثْلُهُ وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ من طَرِيق بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ الْمَدَنِيِّ حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدِي يَوْمًا وَقَدْ وَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الْحَدِيثَ وَقَدْ بَانَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْبُخَارِيِّ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ بَلْ هُمَا قِصَّتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ فِي إِحْدَاهُمَا كَشْفُ الرُّكْبَةِ وَفِي الْأُخْرَى كَشْفُ الْفَخِذِ وَالْأُولَى مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى وَهِيَ الْمُعَلَّقَةُ هُنَا وَالْأُخْرَى مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَوَافَقَتْهَا حَفْصَةُ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا الْبُخَارِيُّ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ هُوَ أَيْضًا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ مَوْصُولٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ فِي نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْآيَةَ وَقَدِ اعْتَرَضَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ اسْتِدْلَالَ الْمُصَنِّفِ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ الْحَائِلِ قَالَ وَلَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَائِلِ لِأَنَّا نَقُولُ الْعُضْوُ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ يُخْبَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَعْرُوفُ الْمَوْضِعِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَمَسَّكَ بِالْأَصْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَنْ تَرُضَّ أَيْ تَكْسِرَ وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ [ قــ :367 ... غــ :371] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الدَّوْرَقِيُّ .

     قَوْلُهُ  فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا أَيْ خَارِجًا مِنْهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَاةُ الْغَدَاةِ فِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَهُ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ فِيهِ جَوَازُ الْإِرْدَافِ وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مُطِيقَةً .

     قَوْلُهُ  فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ مَرْكُوبَهُ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ وَفْي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَأَنْظُرَ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ أَنَّهُ حَسَرَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عِنْدَهُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيقُهُ الْمَاضِي فِي أَوَائِلِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ.

     وَقَالَ  أَنَسٌ حَسَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَانْحَسَرَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَقِيمٍ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنْ لَا يَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَلَى خِلَافِهِ وَيَكْفِي فِي كَوْنِهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِفَتْحَتَيْنِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّعْلِيقِ وَقَدْ وَافَقَ مُسْلِمًا عَلَى رِوَايَتِهِ بِلَفْظِ فانحسر أَحْمد بن حَنْبَل عَن بن عُلَيَّةَ وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ يَعْقُوبَ الْمَذْكُورِ وَلَفْظُهُ فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ إِذْ خَرَّ الْإِزَارُ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هَكَذَا وَقَعَ عِنْدِي خَرَّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا تَرْجَمَ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ رِوَايَتُهُ هِيَ الْمَحْفُوظَةَ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ انْتَهَى وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ بِفَتْحَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَيْ كَشَفَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ عِنْدَ سَوْقِ مَرْكُوبِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ حَدِيثُ أَنَسٍ وَمَا مَعَهُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي قَضَايَا مُعَيَّنَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا مِنِ احْتِمَالِ الْخُصُوصِيَّةِ أَوِ الْبَقَاءِ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ مَا لَا يَتَطَرَّقُ إِلَى حَدِيثِ جَرْهَدٍ وَمَا مَعَهُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِعْطَاءَ حُكْمٍ كُلِّيٍّ وَإِظْهَارَ شَرْعٍ عَامٍّ فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ قَالَ النَّوَوِيُّ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ وَعَنْ أَحْمَدَ وَمَالكٍ فِي رِوَايَةٍ الْعَوْرَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فَقَط وَبِه قَالَ أهل الظَّاهِر وبن جَرِيرٍ وَالْإِصْطَخْرِيُّ.

.

قُلْتُ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ عَنِ بن جَرِيرٍ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي تَهْذِيبِهِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ قَوْلُ أَنَسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَسَّ كَانَ بِدُونِ الْحَائِلِ وَمَسُّ الْعَوْرَةِ بِدُونِ حَائِلٍ لَا يَجُوزُ وَعَلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي أَنَّ الْإِزَارَ لَمْ يَنْكَشِفْ بِقَصْدٍ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ مِنْ جِهَةِ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ وُقُوعُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَكِنْ لَوْ كَانَتْ عَوْرَةً لَمْ يُقَرَّ عَلَى ذَلِكَ لِمَكَانِ عِصْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لِبَيَانِ التَّشْرِيعِ لِغَيْرِ الْمُخْتَارِ لَكَانَ مُمْكِنًا لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ الْبَيَانُ عَقِبَهُ كَمَا فِي قَضِيَّةِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ وَسِيَاقُهُ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَالْجَوْزَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ظَاهِرٌ فِي اسْتِمْرَارِ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ فَأَجْرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ فَخِذَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ قِيلَ مُنَاسَبَةُ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَنَّهُمُ اسْتَقْبَلُوا النَّاسَ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَهِيَ مِنْ آلَاتِ الْهَدْمِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ الرَّاوِي عَنْ أَنَسٍ.

     وَقَالَ  بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَنَسٍ هَذِهِ اللَّفْظَةَ بَلْ سَمِعَ مِنْهُ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ وَسَمِعَ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ وَالْخَمِيسُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ وَالْجَوْزَقِيِّ الْمَذْكُورَةِ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَدَلَّتْ رِوَايَةُ بن عُلَيَّةَ هَذِهِ عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَةَ عَبْدِ الْوَارِثِ إِدْرَاجًا وَكَذَا وَقَعَ لِحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَثَابِتٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَيحْتَمل أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ أَوْ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ .

     قَوْلُهُ  يَعْنِي الْجَيْشَ تَفْسِيرٌ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ وَأَدْرَجَهَا عَبْدُ الْوَارِثِ فِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا وَسُمِّيَ خَمِيسًا لِأَنَّهُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ مُقَدِّمَةٌ وَسَاقَةٌ وَقَلْبٌ وَجَنَاحَانِ وَقِيلَ مِنْ تَخْمِيسِ الْغَنِيمَةِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْأَزْهَرِيُّ بِأَنَّ التَّخْمِيسَ إِنَّمَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمُّونَ الْجَيْشَ خَمِيسًا فَبَانَ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَوْلَى .

     قَوْلُهُ  عَنْوَةً بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ قَهْرًا .

     قَوْلُهُ  أَعْطِنِي جَارِيَةً يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِذْنُهُ لَهُ فِي أَخْذِ الْجَارِيَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْفِيلِ لَهُ إِمَّا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ بَعْدَ أَنْ مُيِّزَ أَوْ قَبْلُ عَلَى أَنْ تُحْسَبَ مِنْهُ إِذَا مُيِّزَ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَخْذِهَا لِتَقُومَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَتُحْسَبَ مِنْ سَهْمِهِ .

     قَوْلُهُ  فَأَخَذَ أَيْ فَذَهَبَ فَأَخَذَ .

     قَوْلُهُ  فَجَاءَ رَجُلٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ .

     قَوْلُهُ  خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ أُخْتَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ انْتَهَى وَكَانَ كِنَانَةُ زَوْجَ صَفِيَّةَ فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيَّبَ خَاطِرَهُ لَمَّا اسْتَرْجَعَ مِنْهُ صَفِيَّةَ بِأَنْ أَعْطَاهُ أُخْتَ زَوْجِهَا وَاسْتِرْجَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ مِنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي أَخْذِ جَارِيَةٍ مِنْ حَشْوِ السَّبْيِ لَا فِي أَخْذِ أَفْضَلِهِنَّ فَجَازَ اسْتِرْجَاعُهَا مِنْهُ لِئَلَّا يَتَمَيَّزُ بِهَا عَلَى بَاقِي الْجَيْشِ مَعَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى صَفِيَّةَ مِنْهُ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ وَإِطْلَاقُ الشِّرَاءِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ سَبْعَةُ أَرْؤُسٍ مَا يُنَافِي قَوْلَهُ هُنَا خُذْ جَارِيَةً إِذْ لَيْسَ هُنَا دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ مبَاحث هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي وَالْكَلَامَ عَلَى قَوْلِهِ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لَهُ أَيْ لِأَنَسٍ وَثَابِتٌ هُوَ الْبُنَانِيُّ وَأَبُو حَمْزَةَ كُنْيَةُ أَنَسٍ وَأُمُّ سُلَيْمٍ وَالِدَةُ أَنَسٍ .

     قَوْلُهُ  فَأَهْدَتْهَا أَيْ زَفَّتْهَا .

     قَوْلُهُ  وَأَحْسَبُهُ أَيْ أَنَسًا قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ وَجَزَمَ عَبْدُ الْوَارِثِ فِي رِوَايَتِهِ بِذِكْرِ السَّوِيقِ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  فَحَاسُوا بِمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ خَلَطُوا وَالْحَيْسُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ خَلِيطُ السَّمْنِ وَالتَّمْرِ وَالْأَقِطِ قَالَ الشَّاعِرُ التَّمْرُ وَالسَّمْنُ جَمِيعًا وَالْأَقِطُ الْحَيْسُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِطْ وَقَدْ يَخْتَلِطُ مَعَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ غَيْرُهَا كَالسَّوِيقِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ فَوَائِدِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْوَلِيمَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب مَا يُذْكَرُ فِي الْفَخِذِ
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَرْهَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْفَخِذُ عَوْرَةٌ»..
     وَقَالَ  أَنَسٌ: حَسَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ فَخِذِهِ.
وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ، حَتَّى يُخْرَجَ مِنِ اخْتِلاَفِهِمْ..
     وَقَالَ  أَبُو مُوسَى: غَطَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ..
     وَقَالَ  زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَىَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تُرَضَّ فَخِذِي.


(باب ما يذكر في) حكم (الفخذ) وللكشميهني من الفخذ (ويروى) بضم الياء مبنيًّا للمفعول تعليق بصيغة التمريض ولأبوي ذر والوقت قال أبو عبد الله أي البخاري: ويروي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله أحمد والترمذي بسند فيه أبو يحيى القتات وهو ضعيف، (و) عن (جرهد) بفتح الجيم والهاء الأسلمي مما وصله في الموطأ وحسنه الترمذي وصحّحه ابن حبّان (و) عن (محمد بن جحش) نسبة إلى جدّه لشُهرته به، وإلاّ فاسم أبيه عبد الله الأسدي وهو ابن أخي زينب أُم المؤمنين له ولأبيه صحبة، قال ابن حبّان: سمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووصل حديثه هذا المؤلّف في تاريخه وأحمد والحاكم.
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الفخذ عورة.
وقال أنس) مما وصله المؤلّف قريبًا وللأصيلي وقال أنس بن مالك (حسر) بالهملات المفتوحة أي كشف (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن فخذه، وحديث أنس) ولابن عساكر قال أبو عبد الله أي المؤلّف: وحديث أنس (أسند) أي أقوى وأحسن سندًا من الحديث السابق.

(و) هو (حديث جرهد) وما معه لكن العمل به (أحوط) من حديث أنس أي أكثر احتياطًا في أمر الستر (حتى يخرج) بضم المثناة التحتية وفتح الراء، وفي رواية حتى يخرج بفتح المثناة التحتية

وضمّ الراء كذا في الفرع، وقال الحافظ ابن حجر روايتنا بفتح النون وضم الراء (من اختلافهم) أي العلماء، فقال الجمهور من التابعين وأبو حنيفة ومالك في أصح أقواله، والشافعي وأحمد في أصح روايتيه، وأبو يوسف ومحمد الفخذ عورة.
وذهب ابن أبي ذئب وداود وأحمد في إحدى روايتيه والإصطخري من الشافعية وابن حزم إلى أنه ليس بعورة قال في المحلىّ لو كان عورة ما كشفها الله تعالى من رسوله المطهر المعصوم من الناس ولا رآها أن ولا غيره.

(وقال أبو موسى) الأشعري مما هو طرف من حديث موصول عند المؤلّف في مناقب عثمان رضي الله عنه: (غطى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركبتيه) بالتثنية وفي رواية ركبته (حين دخل عثمان) رضي الله عنه أدبًا معه واستحياء، ولذا قال كما في مسلم والبيهقي ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة، وقد كان عليه الصلاة والسلام يفعل مع كل واحد من أصحابه ما هو الغالب عليه، فلما كان الغالب على عثمان رضي الله عنه الحياء عامله بذلك جزاءً وفاقًا، كشف ركبته عليه الصلاة والسلام قبل دخول عثمان رضي الله عنه دليل على أنها ليست بعورة مع أن ستر العورة واجب مطلقًا ولو في خلوة إلاّ عن نفسه ويكره نظره سوأتيه ويُباح كشفها لغسل ونحوه خاليًا، وعورة الرجل والصبي والأمة قنة أو مبعضة أو مكاتبة أو مدبرة أو مستولدة، والحرّة عند المحارم عند الشافعية ما بين السرّة والركبة لحديث عورة الرجل ما بين سرّته إلى ركبته ورواه الحرث بن أبي أُسامة، وقيس بالرجل الأمة بجامع مع أن رأس كلٍّ منهما ليس بعورة، وفي السُّنن أن عورتها ما بين معقد إزارها إلى ركبتها، نعم يجب ستر بعض السرّة والركبة ليحصل الستر، وقيل هما عورة، وقيل الركبة دون السرّة لحديث الدارقطني: عورة الرجل ما دون سرّته حتى يجاوز ركبتيه وهو مذهب الحنفية، وعورة الحرّة في الصلاة وعند الأجنبي جميع بدنها إلاّ الوجه والكفّين أي اليدين ظاهرًا وباطنًا إلى الكوعين كما فسّر به ابن عباس قوله تعالى: { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] والخنثى كالأُنثى، فلو استتر كالرجل بأن اقتصر على ستر ما بين سرّته وركبته وصلّى لم تصحّ صلاته على الأصح في الروضة، والأفقه في المجموع للشك في الستر وصحّح في التحقيق صحتها، وأما في الخلوة فالذي يجب ستره فيها هو العورة الكبرى قاله الإمام، وقال أبو حنيفة في أصحّ الروايتين عنه: قدم المرأة ليس بعورة لأن المرأة مبتلاة بإبداء قدميها في مشيها إذ ربما لا تجد الخفّ.

(وقال زيد بن ثابت) الأنصاري البخاري، كتب الوحي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وجمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وتعلّم كتاب يهود في نحو نصف شهر، والسريانية في سبعة عشر يومًا بأمره عليه الصلاة والسلام، وكان من علماء الصحابة.
وقال عليه الصلاة والسلام (أفرضكم زيد) رواه أحمد بإسناد صحيح، وتوفي سنة اثنتين أو ثلاث أو خمس وأربعين.
وقال أبو هريرة حين توفي: مات حبر هذه الأمة، وعسى الله أن يجعل في ابن عباش منه خلفًا.

وتعليقه هذا وصله المؤلّف في تفسير سورة النساء (أنزل الله) تعالى (على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قوله تعالى: { لا يستوي القاعدون من المؤمنين} الآية [النساء: 95) (وفخذه) بواو الحال ولأبي ذر عن

الكشميهني فخذه (على فخذي فثقلت) بضم القاف أي فخذه عليه الصلاة والسلام (عليّ حتى خفت أن ترضّ) بفتح المثناة الفوقية وتشديد المعجمة أي تكسر (فخذي) نصب بفتح مقدّر، ويجوز ترضّ فخذي بضم المثناة وفتح الراء وفخذي رفع بضمة مقدّرة.
قيل: لا وجه لإدخال المؤلّف هذا الحديث هنا لأنه لا دلالة فيه على حكم الفخذ نفيًا ولا إثباتًا.

وأُجيب بالحمل على المسّ من غير حائل لأنه الأصل، وهو يقتضي النفي لأن مسّ العورة بلا حائل حرام كالنظر، وتعقب بأنه لو كان فيه تصريح بعدم الحائل لدلّ على أنه ليس بعورة، وإذ لو كان عورة لما مكّن عليه الصلاة والسلام فخذه على فخذ زيد.


[ قــ :367 ... غــ : 371 ]
- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلاَةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ».
قَالَهَا ثَلاَثًا.
قَالَ: وَخَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ؟ -قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ أَصْحَابِنَا- وَالْخَمِيسُ يَعْنِي الْجَيْشَ.
قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، فَجُمِعَ السَّبْيُ! "فَجَاءَ دِحْيَةُ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ.
قَالَ: اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً.
فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ.
فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ لَكَ.
قَالَ: ادْعُوهُ بِهَا.
فَجَاءَ بِهَا.
فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا.
قَالَ: فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَزَوَّجَهَا.
فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نَفْسَهَا، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا.
حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرُوسًا، فَقَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَىْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ.
وَبَسَطَ نِطَعًا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ"، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ.
قَالَ: فَحَاسُوا حَيْسًا، فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
[الحديث 371 - أطرافه في: 610، 947، 2228، 2235، 2889، 2893، 2943، 2944، 2945، 2991، 3085، 3086، 3367، 3647، 4083، 4084، 4197، 4198، 4199، 4200، 4201، 4211، 4212، 4213، 5085، 5159، 5169، 5387، 5425، 5528، 5968، 6185، 6363، 6369، 7333].

وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي (قال: حدّثنا إسماعيل بن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية مصغرًا وللأصيلِي حدّثني ابن علية وأبوه اسمه إبراهيم بن

سهم البصري (قال: حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) بضم الصاد المهملة البناني البصري الأعمى (عن أنس) وللأصيلي عن أنس بن مالك.


(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزا خيبر) على ثمانية برد من المدينة وكانت في جمادى الأولى سنة سبع من الهجرة (فصلّينا عندها) خارجًا عنها (صلاة الغداة) أي الصبح (بغلس) بفتح الغين واللام ظلمة آخر الليل، (فركب نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على حمار مخطوم برسن ليف وتحته الكاف من ليف رواه البيهقي والترمذي وضعّفه، (وركب أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري، المتوفى سنة اثنتين أو أربع وثلاثين بالمدينة أو بالشام أو في البحر (وأنا رديف أبي طلحة) جملة اسمية حالية.
أي قال أنس وأنا رديف أبي طلحة، (فأجرى) من الإجراء (نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مركوبه (في زقاق خيبر) بضم الزاي وبالقافين أي سكة خيبر، (وإن ركبتي لتمسّ فخذ نبيّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم حسر الإزار عن فخذه) الشريف عند سوق مركوبه ليتمكّن من ذلك، (حتى أني أنظر إلى بياض فخذ نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، وللكشميهني في الفرع لا نظر بزيادة لام التأكيد وحسر بفتح الحاء والسين المهملتين كما في الفرع وغيره: أي: كشف الإزار.
وصوّب ابن حجر هذا الضبط مستدلاً بالتعليق السابق وهو قوله.
قال أنس: حسر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال الزركشي: حسر بضم أوّله مبنيًّا للمفعول بدليل رواية مسلم فانحسر أي بغير اختياره لضرورة الإجراء، وحينئذ فلا دلالة فيه على كون الفخذ ليس بعورة.
وتعقبه في فتح الباري بأنه لا يلزم من وقوعه كذلك في رواية مسلم أن لا يقع عند البخاري على خلافه.

وأُجيب: بأن اللائق بحاله عليه الصلاة والسلام أن لا ينسب إليه كشف فخذه قصدًا مع ثبوت قوله عليه الصلاة والسلام (الفخذ عورة) ولعلّ أنسًا لما رأى فخذه عليه الصلاة والسلام مكشوفًا وكان عليه الصلاة والسلام سببًا في ذلك بالإجراء أسند الفعل إليه، وقد مرّ قول المؤلّف وحديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط فافهم.

(فلما دخل) عليه الصلاة والسلام (القرية) أي خيبر وهو يشعر بأن الزقاق كان خارج القرية (قال: الله أكبر خربت خيبر) أي صارت خرابًا قاله على سبيل الإخبار، فيكون من الإنباء بالمغيبات أو على جهة الدعاء عليهم أي التفاؤل لما رآهم خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم التي هي من آلات الهدم { إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين} بفتح الذال المعجمة (قالها) عليه الصلاة والسلام (ثلاثًا.
قال) أنس (وخرج القوم إلى) مواضع (أعمالهم) كذا قدّره البرماوي كالكرماني، لكن قال العيني: بل معناه خرج القوم لأعمالهم التي كانوا يعملونها وكلمة (إلى) بمعنى اللام، (فقالوا) هذا (محمد) أو جاء محمد (قال عبد العزيز) بن صهيب الراوي.
(وقال بعض أصحابنا) هو محمد بن سيرين كما عند المؤلّف من طريقه أو ثابت البناني كما أخرجه مسلم من طريقه أو غيرهما، (والخميس) بالرفع عطفًا على محمد أو بالنصب على أن الواو بمعنى مع قال عبد العزيز أو من دونه (يعني الجيش) وأشار بهذا إلى أنه لم يسمع والخميس من أنس بل من بعض أصحابه عنه، والحاصل أن عبد العزيز قال: سمعت من أنس قالوا جاء محمد فقط، وقال بعض أصحابه: قالوا محمد

والخميس والتفسير مدرج وسمي بالخميس لأنه خمسة أقسام مقدمة وساقه وقلب وجناحان.
(قال: فأصبناها) أي خيبر (عنوة) بفتح العين وسكون النون أي قهرًا في عنف أو صلحًا في رفق ضد، ومن ثم اختلف هل كانت صلحًا أو عنوة أو إجلاءً وصحّح المنذري أن بعضها أُخذ صلحًا وبعضها عنوة وبعضها إجلاء وبهذا يندفع التضادّ بين الآثار، (فجمع السبي) بضم الجيم مبنيًّا للمفعول (فجاء دحية) بكسر الدال وفتحها ولابن عساكر حية الكلبي (فقال: يا نبيّ الله أعطني جارية من السبي قال) عليه الصلاة والسلام، ولأبوي ذر والوقت فقال: (اذهب فخذ جارية) منه، فذهب (فأخذ صفية) بفتح الصاد المهملة قيل وكان اسمها زينب (بنت حيي) بضم الحاء المهملة وكسرها وفتح المثناة الأولى مخفّفة وتشديد الثانية ابن أخطب من بنات هارون عليه السلام، المتوفّاة سنة ست وثلاثين أو ست وخمسين، وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق قتل عنها بخيبر، وإنما أذن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لدحية في أخذ الجارية قبل القسمة لأن له عليه الصلاة والسلام صفي المغنم يعطيه لمَن يشاء أو تنفيلاً له من أصل الغنيمة أو من خمس الخمس بعد أن تميز أو قبل على أن يحسب منه إذا تميز أو أذن له في أخذها لتقوّم عليه بعد ذلك وتحسب من سهمه.


(فجاء رجل) لم أعرف اسمه (إلى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة) بضم القاف وفتح الراء والظاء المعجمة (والنضير) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة الساقطة قبيلتان من يهود خيبر (لا تصلح إلاّ لك) لأنها من بيت النبوّة من ولد هارون عليه السلام والرئاسة لأنها من بيت سيد قريظة والنضير مع الجمال العظيم، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكمل الخلق في هذه الأوصاف بل في سائر الأخلاق الحميدة.
(قال) عليه الصلاة والسلام: (ادعوه) أي دحية (بها) أي بصفية فدعوه (فجاء بها فلما نظر إليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) له: (خذ جارية من السبي غيرها) وارتجعها منه لأنه إنما كان أذن له في جارية من حشو السبي لا من أفضلهنّ، فلما رآه أخذ أنفسهن نسبًا وشرفًا وجمالاً استرجعها لئلا يتميز دحية بها على سائر الجيش، مع أن فيهم مَن هو أفضل منه، وأيضًا لما فيه من انتهاكها مع علو مرتبتها، وربما ترتب على ذلك شقاق أو غيره مما لا يخفى فكان اصطفاؤه لها قاطعًا لهذه المفاسد.
وفي فتح الباري نقلاً عن الشافعي في الأُم عن سيرة الواقدي: أنه عليه الصلاة والسلام أعطى دحية أُخت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق زوج صفية أي تطييبًا لخاطره، وفي سيرة ابن سيد الناس أنه أعطاه ابنتي عمّ صفية.
(قال: فأعتقها) أي صفية (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتزوّجها، فقال له ثابت) البناني (يا أبا حمزة) بالحاء المهملة والزاي كنية أن (ما أصدقها) عليه الصلاة والسلام (قال) أنس: أصدقها (نفسها أعتقها) بلا عوض (وتزوّجها) بلا مهر أو أعتقها، وشرط أن ينكحها فلزمها الوفاء أو جعل نفس العتق صداقًا وكلها من خصائصه، وأخذ الإمام أحمد والحسن وابن المسيب وغيرهم بظاهره فجوّزوا ذلك لغيره أيضًا (حتى إذا كان) عليه الصلاة والسلام (بالطريق) في سدّ الروحاء على أربعين ميلاً من المدينة أو نحوها (جهزتها له أُم سليم) بضم السين وهي أُم أنس (فأهدتها) أي زفّتها (له) عليه الصلاة والسلام (من الليل).
قال البرماوي كالكرماني.
وفي بعضها أي النسخ أو الروايات فهدتها أي بغير همز وصوّبت لقول الجوهري الهداء مصدر هديت

أنا المرأة إلى زوجها، (فأصبح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عروسًا) على وزن فعول يستوي فيه الذكر والمؤنث ما داما في إعراسهما وجمعه عرس وجمعها عرائس، (فقال) عليه الصلاة والسلام: (مَن كان عنده شيء فليجئ به وبسط) بفتحات (نطعًا) بكسر النون وفتح الطاء المهملة، وعليها اقتصر ثعلب في فصيحه، وكذا في الفرع وغيره في الأصول؟ ويجوز فتح النون وسكون الطاء وفتحهما وكسر النون وسكون الطاء.

وقال الزركشي: فيه سبع لغات وجمعه أنطاع ونطوع (فجعل الرجل يجيء بالتمر وجعل الرجل يجيء بالسمن قال) عبد العزيز بن صهيب (وأحسبه) أي أنسًا (قد ذكر السويق) نعم في رواية عبد الوارث الجزم بذكر السويق (قال فحاسوا) بمهملتين أي خلطوا أو اتخذوا (حيسًا) بفتح الحاء والسين المهملتين بينهما مثناة تحتية ساكنة وهو الطعام المتخذ من التمر والإقط والسمن، وربما عوّض بالدقيق عن الأقط، (فكانت) بالفاء.
وفي رواية وكانت أي الثلاثة المصنوعة حيسًا (وليمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي طعام عرسه من الولم وهو الجمع، سمي به لاجتماع الزوجين.
واستنبط منه مشروعية مطلوبية الوليمة للعرس وأنها بعد الدخول، وجوّز النووي كونها قبله أيضًا، وأن السنة تحصل بغير اللحم ومساعدة الأصحاب بطعام من عندهم.

ورواة هذا الحديث ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في النكاح والمغازي، وأبو داود في الخراج، والنسائي في النكاح والوليمة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :367 ... غــ :371]
- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ قالَ حدّثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ عُلَيَّةَ قالَ حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ عنْ أنَسٍ أنَّ رسولَ الله غزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَها صَلاَةَ الغَدَاة بِغَلَسٍ فَرَكِبَ نَبيُّ اللَّهِ وَرَكِبَ أبُو طَلحَةَ وَأنَا رَدِيفُ أبي طَلْحَةَ فأجْرَي نَبِيُّ الله فِي زقاقِ خَيْبَرَ وإنَّ رُكْبَتي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبيِّ اللَّهِ ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أنْظُرُ إلَى بَيَاضٍ فَخِذِ نَبِيِّ الله فَلَمَّا دَخَلَ القَرْيَةَ قالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خيْبَرُ إِنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ قالَهَا ثَلاَثاً قَالَ وَخَرَجَ القَوْمُ إلَى أعْمَالِهِمْ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ قالَ عَبْدُ العَزِيزِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ أصْحَابِنا وَالْخَمِيسُ يَعْنِي الْجَيْشَ قَالَ فأصَبْنَاها عَنْوَةً فَجُمِعَ السَّبْيُ فَجَاءَ دِحْيَةُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أعْطِني جارِيَةً مِنَ السَّبْي قالَ اذْهَبْ فَخُذْ جَاريَةً فأخَذَ صَفِيَّة بِنْتَ حُيَيَ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ فقالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيَ سَيَّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ لاَ تَصْلُحُ إلاَّ لَكَ قالَ ادْعُوهُ بِهَا فَجَاءَ بِهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النبيُّ قالَ خذْ جارِيَةً مِنَ السَّبْي غَيْرَهَا قالَ فَأَعْتَقَهَا النبيُّ وَتَزوَّجَهَا فَقال لَهُ ثابِتٌ يَا أبَا حَمْزَةَ مَا أصْدَقَها قَالَ نَفْسَها أعْتَقَها وَتَزَوَّجَها حَتَّى إذَا كانَ بالطَّرِيقِ جَهَّزَتْها لهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْها لَهُ مِنَ اللَّيْلِ فأصْبحَ النبيُّ عَرُوساً فقالَ منْ كانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِيء بِهِ وَبَسَطَ نِطَعاً فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ قالَ وَأحْسِبُهُ قد ذَكَرَ السَّوِيقَ قَالَ فَحَاسُوا حَيْساً فكانَتْ وَليمَةَ رَسولِ اللَّهِ.
( الحَدِيث 173 أَطْرَافه فِي: 016، 749، 8222، 5322، 9882، 3982، 3492، 4492، 5492، 1992، 5803، 6803، 7633، 7463، 3804، 4804، 7914، 8914، 9914، 0024، 1024، 1124، 2124، 3124، 5805، 9515، 9615، 7835، 5245، 8255، 8695، 5816، 3636، 9636، 3337) .


هَذَا وصل الحَدِيث الَّذِي علقَة فِيمَا قبل قَرِيبا، وَهُوَ قَوْله: (.

     وَقَالَ  أنس: حسر النَّبِي عَن فَخذه)
فَإِن قلت: مَا كَانَت فَائِدَة هَذَا التَّعْلِيق بِذكر قِطْعَة من هَذَا الحَدِيث الْمُتَّصِل قبل أَن يذكر الحَدِيث بِكَمَالِهِ؟ قلت: يحْتَمل أَنه أَرَادَ بِهِ الْإِشَارَة إِلَى مَا ذهب إِلَيْهِ أنس من أَن الْفَخْذ لَيْسَ بِعَوْرَة، فَلهَذَا ذكره بعد ذكر مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن عَبَّاس وجرهد وَمُحَمّد بن جحش: أَنه عَورَة.

ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة.
الأول: يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي.
الثَّانِي: إِسْمَاعِيل بن علية، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف.
الثَّالِث: عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب الْبنانِيّ الْبَصْرِيّ الأعمي.
الرَّابِع: أنس بن مَالك رَضِي اتعالى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده:.
هَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه تقدم فِي بابُُ حب الرَّسُول من الْإِيمَان.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: من هُوَ مَشْهُور باسم أمه وَهُوَ إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم بن سهم بن مقسم الْبَصْرِيّ أَبُو بشر الْأَسدي، أَسد خُزَيْمَة مَوْلَاهُم، الْمَعْرُوف بِابْن علية، وَهِي أمه، مَاتَ سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَة.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي وبصري وأصل الدَّوْرَقِي من الْكُوفَة وَلَيْسَ هُوَ من بلد دورق، وَإِنَّمَا كَانَ يلبس قلنسوة دورقية فنسب إِلَيْهَا.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرج البُخَارِيّ حَدِيث: ( أعتق صَفِيَّة وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا) فِي النِّكَاح عَن قُتَيْبَة من حَدِيث ثَابت وَشُعَيْب بن الْحجاب، كِلَاهُمَا عَن أنس بِهِ وَعَن مُسَدّد عَن ثَابت وَعبد الْعَزِيز، كِلَاهُمَا عَن أنس بِهِ فِي حَدِيث خَيْبَر، وَحَدِيث الْبابُُ أخرجه مُسلم أَيْضا فِي النِّكَاح، وَفِي الْمَغَازِي عَن زُهَيْر بن حَرْب وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النِّكَاح، وَفِي الْوَلِيمَة عَن زِيَاد بن أَيُّوب، وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.

ذكر مَعَانِيه وَإِعْرَابه: قَوْله: ( غزا خَيْبَر) ، يَعْنِي غزا بَلْدَة تسمى خَيْبَر، وخبير بلغَة الْيَهُود: حصن، وَقيل: أول مَا سكن فِيهَا رجل من بني إِسْرَائِيل يُسمى خَيْبَر فسميت بِهِ، وَهِي بلد عترة فِي جِهَة الشمَال والشرق من الْمَدِينَة النَّبَوِيّ على سِتَّة مراحل، وَكَانَ لَهَا نخيل كثير، وَكَانَت فِي صدر الْإِسْلَام دَارا لبني قُرَيْظَة وَالنضير، وَكَانَت غَزْوَة خَيْبَر فِي جُمَادَى الأولى سنة سبع من الْهِجْرَة، قَالَه ابْن سعد..
     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: أَقَامَ رَسُول ا، بعد رُجُوعه من الْحُدَيْبِيَة ذَا الْحجَّة وَبَعض الْمحرم، وَخرج فِي بَقِيَّته غازياً إِلَى خَيْبَر، وَلم يبْق من السّنة السَّادِسَة إِلاَّ شهر وَأَيَّام، وَهُوَ غير منصرف العلمية والتأنيث.
قَوْله: ( بِغَلَس) ، بِفَتْح الْغَيْن وَاللَّام: وَهُوَ ظلمَة آخر اللَّيْل.
قَوْله: ( فَركب نَبِي ا) أَي: ركب مركوبه، وَعَن أنس بن مَالك، قَالَ: ( كَانَ رَسُول ا، يَوْم قُرَيْظَة وَالنضير على حمر، وَيَوْم خَيْبَر عل حمَار مَخْطُوم برسن لِيف وَتَحْته إكاف من لِيف) .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالتِّرْمِذِيّ.

     وَقَالَ : وَهُوَ ضَعِيف،.

     وَقَالَ  ابْن كثير: وَالَّذِي ثَبت فِي ( الصَّحِيح) عِنْد البُخَارِيّ عَن أنس: ( أَن رَسُول ا، أجري فِي زقاق خَيْبَر حَتَّى انحسر الْإِزَار عَن فَخذه) .
فَالظَّاهِر أَنه كَانَ يومئذٍ على فرس لَا على حمَار، وَلَعَلَّ هَذَا الحَدِيث، إِن كَانَ صَحِيحا، فَهُوَ مَحْمُول على أَنه رَكبه فِي بعض الْأَيَّام وَهُوَ محاصرها.
قَوْله: ( وَركب أَبُو طَلْحَة) هُوَ: زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ، شهد الْعقبَة والمشاهد كلهَا وَهُوَ أحد النُّقَبَاء، رُوِيَ لَهُ اثْنَان وَتسْعُونَ حَدِيثا، روى لَهُ البُخَارِيّ مِنْهَا ثَلَاثَة، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ أَو أَربع وَثَلَاثِينَ بِالْمَدِينَةِ أَو بِالشَّام أَو فِي الْبَحْر، وَكَانَ أنس ربيبه.
قَوْله: ( وَأَنا رَدِيف أبي طَلْحَة) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا.
قَوْله: ( فَأجرى) ، على وزن أفعل، من الإجراء، وفاعله النَّبِي، وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي: أجْرى مركوبه.
قَوْله: ( فِي زقاق خَيْبَر) ، بِضَم الزَّاي وبالقافين: وَهُوَ السِّكَّة، يذكر وَيُؤَنث، وَالْجمع: أَزِقَّة.
وزقان، بِضَم الزَّاي وَتَشْديد الْقَاف وبالنون.
وَفِي ( الصِّحَاح) : قَالَ الْأَخْفَش: أهل الْحجاز يؤنثون الطَّرِيق والصراط والسبيل والسوق والزقاق، وَبَنُو تَمِيم يذكرُونَ هَذَا كُله، وَالْجمع: الزقان.
والأزقة، مثل: حوار وحوران وأحورة.
قَوْله: ( عَن فَخذه) يتَعَلَّق بقوله: ( حسر) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا مَا وَقع فِي رِوَايَة أَحْمد فِي ( مُسْنده) من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن علية: ( فانحسر) ، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم شيخ البُخَارِيّ فِي هَذَا الْموضع، وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَا الحَدِيث عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، وَلَفظه: ( فَأجرى نَبِي ا، فِي زقاق خَيْبَر إِذْ خر الْإِزَار) ، وَلَا شكّ أَن الخرور هُنَا بِمَعْنى الْوُقُوع، فَيكون لَازِما، وَكَذَلِكَ الانحسار فِي رِوَايَة مُسلم، وَهَذَا هُوَ الأصوب، لِأَنَّهُ لم يكْشف إزَاره، عَن فَخذه قصدا، وَإِنَّمَا انْكَشَفَ عَن فَخذه لأجل الزحام، أَو كَانَ ذَلِك من قُوَّة إجرائه،.

     وَقَالَ  بَعضهم: الصَّوَاب أَنه عِنْد البُخَارِيّ بِفتْحَتَيْنِ يَعْنِي؛ أَن حَسَر، على صِيغَة الْفَاعِل، ثمَّ اسْتدلَّ عَلَيْهِ بقول أنس فِي أَوَائِل الْبابُُ: ( حسر النَّبِي عَن فَخذه) قلت: اللَّائِق بِحَالهِ الْكَرِيمَة أَن لَا ينْسب إِلَيْهِ كشف فَخذه قصدا مَعَ ثُبُوت قَوْله: ( الْفَخْذ عَورَة) ، على مَا تقدم،.

     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا: لَا يلْزم من وُقُوعه كَذَلِك فِي رِوَايَة مُسلم أَن لَا يَقع عِنْد البُخَارِيّ على خِلَافه.

قلت: منع الْمُلَازمَة مَمْنُوع، وَلَئِن سلمنَا فَيحْتَمل أَن أنسا لما رأى فَخذ رَسُول الله مكشوفاً ظن أَنه كشفه، فأسند الْفِعْل إِلَيْهِ، وَفِي نفس الْأَمر لم يكن ذَلِك إلاَّ من أجل الزحام أَو من قُوَّة الجري على مَا ذَكرْنَاهُ..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا، أَي: وَفِي بعض النّسخ أَو فِي بعض الرِّوَايَة: على فَخذه، أَي: الْإِزَار الْكَائِن على فَخذه، فَلَا يتَعَلَّق بحسر، إلاَّ أَن يُقَال: حُرُوف الْجَرّ يُقَام بَعْضهَا مقَام بعض.
قلت: إِن صحت هَذِه الرِّوَايَة يكون مُتَعَلق: على، محذوفاً كَمَا قَالَه، لِأَنَّهُ حينئذٍ لَا يجوز أَن يتَعَلَّق: على، بقوله: ( حسر) لفساد الْمَعْنى، وَيجوز أَن تكون: على، بِمَعْنى: من، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { إِذا اكتالوا على النَّاس} ( المطففين: 2) أَي: من النَّاس، لِأَن: على، تَأتي لتسعة معَان، مِنْهَا أَن تكون بِمَعْنى: من.
قَوْله: ( حَتَّى أَنِّي أنظر) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( حَتَّى أَنِّي لأنظر) ، بِزِيَادَة لَام التَّأْكِيد.
قَوْله: ( فَلَمَّا دخل الْقرْيَة) أَي: خَيْبَر، وَهَذَا مشْعر بِأَن ذَلِك الزقاق كَانَ خراج الْقرْيَة.
قَوْله: ( خربَتْ خَيْبَر) أَي: صَارَت خراباً، وَهل ذَلِك على سَبِيل الخبرية؟ فَيكون ذَلِك من بابُُ الْإِخْبَار بِالْغَيْبِ؟ أَو يكون ذَلِك على جِهَة الدُّعَاء عَلَيْهِم؟ أَو على جِهَة التفاؤل لما رَآهُمْ خَرجُوا بِمساحِيهِمْ وَمَكَاتِلهمْ؟ وَذَلِكَ من آلَات الحراث.
وَيجوز أَن يكون أَخذ من اسْمهَا، وَقيل: إِن اأعلمه بذلك.
قَوْله: ( بِسَاحَة قوم) قَالَ الْجَوْهَرِي: ساحة الدَّار ناحيتها، وَالْجمع: ساحات وسوح وساح، أَيْضا مثل: بَدَنَة وبدن، وخشبة وخشب.
قلت: على هَذَا أصل: ساحة سوحة، قلبت الْوَاو ألفا لتحركها، وانفتاح مَا قبلهَا، وأصل الساحة الفضاء بَين الْمنَازل، وَيُطلق على: النَّاحِيَة والجهة وَالْبناء.
قَوْله: ( وَخرج الْقَوْم إِلَى أَعْمَالهم) .
قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: مَوَاضِع أَعْمَالهم.
قلت: بل مَعْنَاهُ خرج الْقَوْم لأعمالهم الَّتِي كَانُوا يعملونها، وَكلمَة: إِلَى، تَأتي بِمَعْنى: اللَّام.
قَوْله: ( فَقَالُوا: مُحَمَّد) أَي: جَاءَ مُحَمَّد، وارتفاعه على أَنه فَاعل لفعل مَحْذُوف، وَيجوز أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هَذَا مُحَمَّد.
قَوْله: ( قَالَ عبد الْعَزِيز) وَهُوَ: عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، وَهُوَ أحد رُوَاة الحَدِيث عَن أنس.
قَوْله: (.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَابنَا)
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه لم يسمع هَذِه اللَّفْظَة من أنس، وَإِنَّمَا سَمعه من بعض أَصْحَابه عَنهُ، وَهَذِه رِوَايَة عَن الْمَجْهُول، إِذْ لم يعين هَذَا الْبَعْض من هُوَ،.

     وَقَالَ  بَعضهم، يحْتَمل أَن يكون بعض أَصْحَاب عبد الْعَزِيز مُحَمَّد بن سِيرِين لِأَن البُخَارِيّ أخرج من طَرِيقه أَيْضا، أَو يكون ثَابتا الْبنانِيّ، لِأَن مُسلما أخرجه من طَرِيقه أَيْضا.
قلت: يحْتَمل أَن يكون غَيرهمَا، فعلى كل حَال لَا يخرج عَن الْجَهَالَة، وَالْحَاصِل أَن عبد الْعَزِيز قَالَ: سَمِعت من أنس، قَالُوا: جَاءَ مُحَمَّد.
فَقَط،.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَابه: قَالُوا مُحَمَّد وَالْخَمِيس، ثمَّ فسر عبد الْعَزِيز: الْخَمِيس، بقوله: يَعْنِي الْجَيْش، وَيجوز أَن يكون التَّفْسِير مِمَّن دونه، وعَلى كل حَال هُوَ مدرج.

قَوْله: ( وَالْخَمِيس) ، بِفَتْح الْخَاء، وَسمي الْجَيْش خميساً لِأَنَّهُ خَمْسَة أَقسَام: مُقَدّمَة وساقة وقلب وجناحان، وَيُقَال: ميمنة وميسرة وقلب وجناحان،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: لِأَنَّهُ يُخَمّس مَا وجده،.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي : الْخمس إِنَّمَا ثَبت بِالشَّرْعِ، وَكَانَت الْجَاهِلِيَّة يسمونه بذلك، وَلم يَكُونُوا يعْرفُونَ الْخمس.
ثمَّ ارْتِفَاع: الْخَمِيس، بِكَوْنِهِ عطفا على؛ مُحَمَّد، وَيجوز أَن تكون: الْوَاو، فِيهِ بِمَعْنى: مَعَ، على معنى: جَاءَ مُحَمَّد مَعَ الْجَيْش.
قَوْله: ( عنْوَة) بِفَتْح الْعين وَهُوَ الْقَهْر، يُقَال: أَخَذته عنْوَة أَي: قهرا.
وَقيل: أَخَذته عنْوَة، أَي: عَن غير طَاعَة..
     وَقَالَ  ثَعْلَب: أخذت الشَّيْء عنْوَة أَي: قهرا فِي عنف، وأخذته عنْوَة أَي: صلحا فِي رفق..
     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَيجوز أَن يكون عَن تَسْلِيم من أَهلهَا وَطَاعَة بِلَا قتال، وَنَقله عَن الْقَزاز فِي ( جَامعه) : قلت: فحيئذٍ يكون هَذَا اللَّفْظ من الأضداد..
     وَقَالَ  أَبُو عمر: الصَّحِيح فِي أَرض خَيْبَر كلهَا عنْوَة،.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيّ: اخْتلفُوا فِي فتح خَيْبَر كَانَت عنْوَة أَو صلحا؟ أَو جلاء أَهلهَا عَنْهَا بِغَيْر قتال؟ أَو بَعْضهَا صلحا وَبَعضهَا عنْوَة وَبَعضهَا جلاء أَهلهَا عَنْهَا؟ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَبِهَذَا أَيْضا ينْدَفع التضاد بَين الْآثَار.
قَوْله: ( فجَاء دحْيَة) ، بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا: ابْن خَليفَة بن فَرْوَة الْكَلْبِيّ، وَكَانَ أجمل النَّاس وَجها، وَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يَأْتِي رَسُول الله فِي صورته وَتقدم ذكره مُسْتَوفى، فِي قصَّة هِرقل.

قَوْله: ( فَقَالَ: اذْهَبْ) ، ويروى: قَالَ، بِدُونِ: الْفَاء.
قَوْله: ( فَخذ جَارِيَة) ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ للرسول إعطاؤها لدحية قبل الْقِسْمَة؟ قلت: صفي الْمغنم لرَسُول ا، فَلهُ أَن يُعْطِيهِ لمن شَاءَ.
قلت: هَذَا غير مقنع، لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِك قبل أَن يعين الصفي، وَهَهُنَا أجوبة جَيِّدَة.
الأول: يجوز أَن يكون أذن لَهُ فِي أَخذ الْجَارِيَة على سَبِيل التَّنْفِيل لَهُ، إِمَّا من أصل الْغَنِيمَة أَو من خمس الْخمس، سَوَاء كَانَ قبل التَّمْيِيز أَو بعده.
الثَّانِي: يجوز أَن يكون أذن لَهُ على أَنه يحْسب من الْخمس إِذا ميز.
الثَّالِث: يجوز أَن يكون أذن لَهُ ليقوّم عَلَيْهِ بعد ذَلِك ويحسب من سَهْمه.
قَوْله: ( فَأخذ صَفِيَّة بنت حييّ) ، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة، وحيي، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَكسرهَا وَفتح الْيَاء الأولى المخففة وَتَشْديد الثَّانِيَة: ابْن أَخطب بن سعية، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن سفلَة بن ثَعْلَبَة، وَهِي من بَنَات هَارُون عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأمّهَا برة بنت سمؤل.
قَالَ الْوَاقِدِيّ: مَاتَت فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة خمسين..
     وَقَالَ  غَيره: مَاتَت فِي خلَافَة عَليّ رَضِي اتعالى عَنهُ.
سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ، ودفنت بِالبَقِيعِ، وَكَانَت تَحت كنَانَة بن أبي الْحقيق؛ بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف الأولى: قتل يَوْم خَيْبَر.
قَوْله: ( فجَاء رجل) ، مَجْهُول لم يعرف.
قَوْله: ( قُرَيْظَة) ، بِضَم الْقَاف وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالظاء الْمُعْجَمَة.
( وَالنضير) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة، وهما قبيلتان عظيمتان من يهود خَيْبَر، وَقد دخلُوا فِي الْعَرَب على نسبهم إِلَى هَارُون عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قَوْله: ( خُذ جَارِيَة من السَّبي غَيرهَا) أَي: غير صَفِيَّة..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي.
فَإِن قلت: لما وَهبهَا من دحْيَة فَكيف رَجَعَ عَنْهَا؟ قلت: إِمَّا لِأَنَّهُ لم يتم عقد الْهِبَة بعد وَإِمَّا لِأَنَّهُ أَبُو الْمُؤمنِينَ، وللوالد أَن يرجع عَن هبة الْوَلَد، وَإِمَّا لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ.
قلت: أجَاب بِثَلَاثَة أجوبة: الأول: فِيهِ نظر لِأَنَّهُ لم يجر عقد هِبته حَتَّى يُقَال: إِنَّه رَجَعَ عَنْهَا، وَإِنَّمَا كَانَ إعطاؤها إِيَّاه بِوَجْه من الْوُجُوه الَّتِي ذَكرنَاهَا عَن قريب.
الثَّانِي: فِيهِ نظر أَيْضا، لِأَنَّهُ لَا يمشي مَا ذكره فِي مَذْهَب غَيره.
الثَّالِث: ذكر أَنه اشْتَرَاهَا مِنْهُ، أَي: من دحْيَة، وَلم يجر بَينهمَا عقد بيع أَولا، فَكيف اشْتَرَاهَا مِنْهُ بعد ذَلِك؟
فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة مُسلم: أَن النَّبِي، اشْترى صَفِيَّة مِنْهُ بسبعة أرؤس.
قلت: إِطْلَاق الشِّرَاء على ذَلِك على سَبِيل الْمجَاز، لِأَنَّهُ لما أَخذهَا مِنْهُ على الْوَجْه الَّذِي نذكرهُ الْآن، وعوضه عَنْهَا بسبعة أرؤس على سَبِيل التكرم وَالْفضل، أطلق الرَّاوِي الشِّرَاء عَلَيْهِ لوُجُود معنى الْمُبَادلَة فِيهِ، وَأما وَجه الْأَخْذ فَهُوَ أَنه لما قيل لَهُ: إِنَّهَا لَا تصلح لَهُ من حَيْثُ إِنَّهَا من بَيت النُّبُوَّة، فَإِنَّهَا من ولد هَارُون أخي مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمن بَيت الرياسة، فَإِنَّهَا من بَيت سيد قُرَيْظَة وَالنضير، مَعَ مَا كَانَت عَلَيْهِ من الْجمال الْبَاعِث على كَثْرَة النِّكَاح المؤدية إِلَى كَثْرَة النَّسْل، وَإِلَى جمال الْوَلَد لَا للشهوة النفسانية، فَإِنَّهُ مَعْصُوم مِنْهَا.

وَعَن الْمَازرِيّ: يحمل مَا جرى مَعَ دحْيَة على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون رد الْجَارِيَة بِرِضَاهُ، وَأذن لَهُ فِي غَيرهَا.
الثَّانِي: أَنه إِنَّمَا أذن لَهُ فِي جَارِيَة من حَشْو السَّبي لَا فِي أَخذ أفضلهن، وَلما رأى أَنه أَخذ أَنْفسهنَّ وأجودهن نسبا وشرفاً وجمالاً استرجعها لِئَلَّا يتَمَيَّز دحْيَة بهَا على بَاقِي الْجَيْش، مَعَ أَن فيهم من هُوَ أفضل مِنْهُ، فَقطع هَذِه الْمَفَاسِد وعوضه عَنْهَا.
وَفِي ( سير) الْوَاقِدِيّ: أَنه أعطَاهُ أُخْت كنَانَة بن الرّبيع بن أَي الْحقيق، وَكَانَ كنَانَة زوج صَفِيَّة، فَكَأَنَّهُ طيب خاطره لما اسْترْجع مِنْهُ صَفِيَّة بِأَن أعطَاهُ أُخْت زَوجهَا..
     وَقَالَ  القَاضِي: الأولى عِنْدِي أَن صَفِيَّة كَانَت فَيْئا لِأَنَّهَا كَانَت زَوْجَة كنَانَة بن الرّبيع، وَهُوَ وَأَهله من بني الْحقيق كَانُوا صَالحُوا رَسُول ا، وَشرط عَلَيْهِم أَن لَا يكتموا كنزاً، فَإِن كتموه فَلَا ذمَّة لَهُم، وسألهم عَن كنز حَيّ بن أَخطب فَكَتَمُوهُ، فَقَالُوا: أذهبته النَّفَقَات، ثمَّ عثر عَلَيْهِ عِنْدهم، فَانْتقضَ عَهدهم فسباهم، وَصفِيَّة من سَبْيهمْ، فَهِيَ فَيْء لَا يُخَمّس بل يفعل فِيهِ الإِمَام مَا رأى.
قلت: هَذَا تَفْرِيع على مذْهبه: أَن الْفَيْء لَا يُخَمّس، وَمذهب غَيره أَنه يُخَمّس.
قَوْله: ( فاعتقها) أَي: فاعتق النَّبِي صَفِيَّة، وَسَنذكر تَحْقِيقه فِي الْأَحْكَام.
قَوْله: ( فَقَالَ لَهُ ثَابت) أَي: قَالَ لأنس رَضِي اتعالى عَنهُ، ثَابت الْبنانِيّ: ( يَا با حَمْزَة) .
أَصله، يَا أَبَا حَمْزَة، حذفت الْألف تَخْفِيفًا.
قَوْله: ( وَأَبُو حَمْزَة) كنية أنس.
قَوْله: ( أم سليم) ، بِضَم السِّين الْمُهْملَة، وَهِي: أم أنس.
قَوْله: ( حَتَّى إِذا كَانَ بِالطَّرِيقِ) جَاءَ فِي ( الصَّحِيح) : ( فَخرج بهَا حَتَّى إِذا بلغنَا سد الروحاء) ، و: السد، بِفَتْح السِّين وَضمّهَا، وَهُوَ جبل الروحاء، وَهِي قَرْيَة جَامِعَة من عمل الْفَرْع لمزينة على نَحْو أَرْبَعِينَ ميلًا من الْمَدِينَة أَو نَحْوهَا، و: الروحاء، بِفَتْح الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة مَمْدُود.
وَفِي رِوَايَة: ( أَقَامَ عَلَيْهَا بطرِيق خَيْبَر ثَلَاثَة أَيَّام حِين أعرس بهَا، وَكَانَت فِيمَن ضرب عَلَيْهَا الْحجاب) .
وَفِي رِوَايَة: ( أَقَامَ بَين خَيْبَر وَالْمَدينَة ثَلَاثَة أَيَّام، فَبنى بصفية) .

قَوْله: ( فاهدتها) أَي: أَهْدَت أم سليم صَفِيَّة لرَسُول ا، وَمَعْنَاهُ: زفتها..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا: فهدتها، لَهُ، وَقيل: هَذَا هُوَ الصَّوَاب..
     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الهداء مصدر قَوْلك أهديت أَنا الْمَرْأَة إِلَى زَوجهَا هداء.
قَوْله: ( عروساً) على وزن، فعول، يَسْتَوِي فِيهِ الرجل وَالْمَرْأَة مَا داما فِي إعراسهما.
يُقَال: رجل عروس وَامْرَأَة عروس، وَجمع الرجل: عروس، وَجمع الْمَرْأَة: عرائس.
وَفِي الْمثل: كَاد الْعَرُوس أَن يكون ملكا.
والعروس.
اسْم حصن بِالْيمن، وَقَول الْعَامَّة: الْعَرُوس للْمَرْأَة، والعريس للرجل لَيْسَ لَهُ أصل.
قَوْله: ( من كَانَ عِنْده شَيْء فليجىء بِهِ) : كَذَا هُوَ فِي البُخَارِيّ.
قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ رِوَايَة، وَفِي بَعْضهَا: ( فليجئني بِهِ) ، بنُون الْوِقَايَة.
قَوْله: ( نطعاً) بِكَسْر النُّون وَفتح الطَّاء، وَعَن أبي عبيد: هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ثَعْلَب فِي ( الفصيح) وَفِي ( الْمُخَصّص) : فِيهِ أَربع لُغَات: نطع، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الطَّاء، ونطع؛ بِفتْحَتَيْنِ، ونطع، بِكَسْر النُّون وَفتح الطَّاء، و: نطع، بِكَسْر النُّون وَسُكُون الطَّاء.
وَجمعه: أنطاع ونطوع، وَزَاد فِي ( الْمُحكم) : أنطع..
     وَقَالَ  أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ فِي ( نوادره) : النطع: هُوَ المبناة والستارة..
     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة: المبناة والمبناة: النطع.

قَوْله: ( قَالَ: وَأَحْسبهُ قد ذكر السويق) أَي: قَالَ عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب: أَحسب أنسا ذكر السويق أَيْضا، وَجزم عبد الْوَارِث فِي رِوَايَته بِذكر السويق..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَي قَالَ: وَجعل الرجل يَجِيء بالسويق، وَيحْتَمل أَن يكون فَاعل: قَالَ، هُوَ البُخَارِيّ.
وَيكون مقولاً للفربري، ومفعول: أَحسب، يَعْقُوب، وَالْأول هُوَ الظَّاهِر.
قَوْله: ( فحاسوا حَيْسًا) الحيس، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة: هُوَ تمر يخلط بِسمن وأقط، يُقَال: حاس الحيس يحيسه أَي: يخلطه..
     وَقَالَ  ابْن سَيّده: الحيس هُوَ الأقط يخلط بالسمن وَالتَّمْر، وحاسه حَيْسًا وحيسة: خلطه.
قَالَ الشَّاعِر:
( وَإِذا تكون كريهة يدعى لَهَا ... وَإِذا يحاس الحيس يدعى جُنْدُب)

قَالَ الْجَوْهَرِي: الحيس: الْخَلْط، وَمِنْه سمي الحيس، وَفِي ( الْمُخَصّص) قَالَ الشَّاعِر:
( التَّمْر وَالسمن جَمِيعًا والأقط ... الحيس إلاَّ أَنه لم يخْتَلط)

وَفِي ( الغريبين) : هُوَ ثريد من أخلاط.
قَالَ الْفَارِسِي فِي ( مجمع الغرائب) : اأعلم بِصِحَّتِهِ.
قَوْله: ( فَكَانَت وَلِيمَة رَسُول ا) اسْم: كَانَت، الضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة الَّتِي اتخذ مِنْهَا الحيس.
قَوْله: ( وَلِيمَة النَّبِي) بِالنّصب: خَبره.

ذكر الْأَحْكَام الَّتِي تستنبط مِنْهُ مِنْهَا: جَوَاز إِطْلَاق صَلَاة الْغَدَاة على صَلَاة الصُّبْح، خلافًا لمن كرهه من بعض الشَّافِعِيَّة.
وَمِنْهَا: جَوَاز الإرداف إِذا كَانَت الدَّابَّة مطيقة، وَفِيه غير مَا حَدِيث.
وَمِنْهَا: اسْتِحْبابُُ التَّكْبِير وَالذكر عِنْد الْحَرْب، وَهُوَ مُوَافق لقَوْله تَعَالَى: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم فِئَة فأثبتوا واذْكُرُوا اكثيراً} ( الْأَنْفَال: 54) وَمِنْهَا: اسْتِحْبابُُ التَّثْلِيث فِي التَّكْبِير لقَوْله: ( قَالَهَا ثَلَاثًا) أَي ثَلَاث مَرَّات.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دلَالَة على أَن الْفَخْذ لَيْسَ بِعَوْرَة، وَقد ذكرنَا الْجَواب عَنهُ.
وَمِنْهَا: أَن إِجْرَاء الْفرس يجوز وَلَا يضر بمراتب الْكِبَار، لَا سِيمَا عِنْد الْحَاجة أَو لرياضة الدَّابَّة أَو لتدريب النَّفس على الْقِتَال.
وَمِنْهَا: اسْتِحْبابُُ عتق السَّيِّد أمته وَتَزَوجهَا، وَقد صَحَّ أَن لَهُ أَجْرَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث أبي مُوسَى، وَسَيَأْتِي، إِن شَاءَ اتعالى..
     وَقَالَ  ابْن حزم: اتّفق ثَابت وَقَتَادَة وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس أَنه: عتق صَفِيَّة وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا، وَبِه قَالَ قَتَادَة فِي رِوَايَة، وَأخذ بِظَاهِرِهِ أَحْمد وَالْحسن وَابْن الْمسيب، وَلَا يحل لَهَا مهر غَيره، وتبعهم ابْن حزم فَقَالَ: هُوَ سنة فاضلة وَنِكَاح صَحِيح وصداق صَحِيح، فَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول فَهِيَ حرَّة فَلَا يرجع عَلَيْهَا بِشَيْء، وَلَو أَبَت أَن تتزوجه بَطل عتقهَا.
وَفِي هَذَا خلاف مُتَأَخّر ومتقدم.

قَالَ الطَّحَاوِيّ: حدّثنا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة، قَالَ: حدّثنا مُسلم بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حدّثنا أبان وَحَمَّاد بن زيد، قَالَ: حدّثنا شُعَيْب بن الحبحاب عَن أنس بن مَالك: ( أَن رَسُول الله أعتق صَفِيَّة وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا) .
وَأخرجه مُسلم، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ.
ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَذهب قوم إِلَى أَن الرجل إِذا أعتق أمته على أَن عتقهَا صَدَاقهَا جَازَ ذَلِك، فَإِن تزوجت فَلَا مهر لَهَا غير الْعتاق.
قلت: أَرَادَ بهؤلاء الْقَوْم: سعيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعامر الشّعبِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَقَتَادَة وطاوساً وَالْحسن بن حييّ وَأحمد وَإِسْحَاق فَإِنَّهُم قَالُوا: إِذا أعتق الرجل أمته على أَن يكون عتقهَا صَدَاقهَا جَازَ ذَلِك، فَإِذا عقد عَلَيْهَا لَا تسْتَحقّ عَلَيْهِ مهْرا غير ذَلِك الْعتاق، وَمِمَّنْ قَالَ بذلك: سُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو يُوسُف وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، وَذكر التِّرْمِذِيّ أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي أَيْضا..
     وَقَالَ  عِيَاض:.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: هِيَ بِالْخِيَارِ إِذا أعْتقهَا، فَإِن امْتنعت من تزَوجه فَلهُ عَلَيْهَا قيمتهَا إِن لم يُمكن الرُّجُوع فِيهَا، وَهَذِه لَا يُمكن الرُّجُوع فِيهَا، وَإِن تزوجت بِالْقيمَةِ الْوَاجِبَة لَهُ عَلَيْهَا صَحَّ بذلك عِنْده.

وَفِي ( الْأَحْكَام) لِابْنِ بزيزة، فِي هَذِه الْمَسْأَلَة: اخْتلف سلف الصَّحَابَة، وَكَانَ ابْن عمر لَا يرَاهُ، وَقد روينَا جَوَازه عَن عَليّ وَأنس وَابْن مَسْعُود، وروينا عَن ابْن سِيرِين أَنه اسْتحبَّ أَن يَجْعَل مَعَ عتقهَا شَيْئا مَا كَانَ، وَصَحَّ كَرَاهَة ذَلِك أَيْضا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَجَابِر بن زيد وَالنَّخَعِيّ..
     وَقَالَ  النَّخعِيّ: كَانُوا يكْرهُونَ أَن يعْتق الرجل جَارِيَته ثمَّ يَتَزَوَّجهَا، وجعلوه كالراكب بدنته..
     وَقَالَ  اللَّيْث بن سعد وَابْن شبْرمَة وَجَابِر بن زيد وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَزفر وَمَالك: لَيْسَ لأحد غير رَسُول الله أَن يفعل هَذَا فَيتم لَهُ النِّكَاح بِغَيْر صدَاق، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لرَسُول الله خَاصَّة، لِأَن اتعالى لما جعل لَهُ أَن يتَزَوَّج بِغَيْر صدَاق كَانَ لَهُ أَن يتَزَوَّج على الْعتاق الَّذِي لَيْسَ بِصَدَاق.
ثمَّ إِن فعل هَذَا وَقع الْعتاق، وَلها عَلَيْهِ مهر الْمثل، فَإِن أَبَت أَن تتزوجه تسْعَى لَهُ فِي قيمتهَا عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد،.

     وَقَالَ  مَالك وَزفر: لَا شَيْء لَهُ عَلَيْهَا.
وَفِي ( الْأَحْكَام) لِابْنِ بزيزة:.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن: إِن كرهت نِكَاحه غرمت لَهُ قيمتهَا وَمضى النِّكَاح، فَإِن كَانَت معسرة استسعيت فِي ذَلِك..
     وَقَالَ  مَالك وَزفر: إِن كرهت فَهِيَ حرَّة وَلَا شَيْء لَهُ عَلَيْهَا إلاَّ أَن يَقُول: لَا أعتق إلاَّ على هَذَا الشَّرْط، فَإِن كرهت لم تعْتق لِأَنَّهُ من بابُُ الشَّرْط والمشروط، ثمَّ إِن الطَّحَاوِيّ اسْتدلَّ على الخصوصية بقوله تَعَالَى: { وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت} ( الْأَحْزَاب: 05) الْآيَة وَجه الِاسْتِدْلَال أَن اتعالى لما أَبَاحَ لنَبيه أَن يتَزَوَّج بِغَيْر صدَاق كَانَ لَهُ أَن يتَزَوَّج على الْعتاق الَّذِي لَيْسَ بِصَدَاق، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك أَن النَّبِي أَخذ جوَيْرِية بنت الْحَارِث فِي غَزْوَة بني المصطلق فَأعْتقهَا وَتَزَوجهَا.
وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث ابْن عمر، ثمَّ رُوِيَ عَن عَائِشَة كَيفَ كَانَ عتاقه جوَيْرِية الَّتِي تزَوجهَا عَلَيْهِ وَجعله صَدَاقهَا.
قَالَت: لما أصَاب رَسُول الله سَبَايَا بني المصطلق وَقعت جوَيْرِية بنت الْحَارِث فِي سهم ثَابت بن قيس بن شماس، أَو لِابْنِ عَم لَهُ، فكاتبت على نَفسهَا.
قَالَت: وَكَانَت امْرَأَة حلوة ملاحة لَا يكَاد يَرَاهَا أحد إلاَّ أخذت بِنَفسِهِ، فَأَتَت رَسُول الله لتستعينه فِي كتَابَتهَا، فوا مَا هِيَ إلاَّ إِن رَأَيْتهَا على بابُُ الْحُجْرَة، وَعرفت أَنه سيرى مِنْهَا مثل مَا رَأَيْت، فَقَالَت: يَا رَسُول اأنا جوَيْرِية.
بنت الْحَارِث بن أبي ضرار سيد قومه، وَقد أصابني من الْأَمر مَا لم يخف عَلَيْك، فَوَقَعت فِي سهم ثَابت بن قيس بن شماس، أَو ابْن عَم لَهُ، فكاتبته، فَجئْت رَسُول الله أَسْتَعِينهُ على كتابتي.
فَقَالَ: فَهَل لَك فِي خير من ذَلِك؟ قَالَت: وَمَا هُوَ يَا رَسُول ا؟ قَالَ أَقْْضِي عَنْك كتابتك وأتزوجك؟ قَالَت: نعم.
قَالَ: فقد فعلت.

وَخرج الْخَبَر إِلَى النَّاس أَن رَسُول الله تزوج جوَيْرِية بنت الْحَارِث، فَقَالُوا: صهر رَسُول ا، فأرسلوا مَا فِي أَيْديهم.
قَالَت: فَلَقَد أعتق بتزويجه إِيَّاهَا مائَة من أهل بَيت من بني المصطلق، فَلَا نعلم امْرَأَة كَانَت أعظم بركَة على قَومهَا مِنْهَا.
وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو دَاوُد، وَفِيه أَيْضا حكم يخْتَص بِالنَّبِيِّ دون غَيره، وَهُوَ أَن يُؤَدِّي كِتَابَة مُكَاتبَة غَيره لتعتق بذلك، وَيكون عتقه مهرهَا لتَكون زَوجته، فَهَذَا لَا يجوز: لأحد غير النَّبِي، وَهَذَا إِذا كَانَ جَائِزا للنَّبِي فَجعله عتق الَّذِي تولى عتقه هُوَ مهْرا لمن أعْتقهُ أولى وَأَحْرَى أَن يجوز..
     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: قَالَ القَاضِي البرني: قَالَ لي يحيى بن أكتم: هَذَا كَانَ للنَّبِي خَاصَّة، وَكَذَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي أَنه حمله على التَّخْصِيص، وَمَوْضِع التَّخْصِيص أَنه أعْتقهَا مُطلقًا ثمَّ تزَوجهَا على غير مهر.

قَوْله: ( حلوة) ، بِالضَّمِّ من: الْحَلَاوَة.
قَوْله: ( ملاحة) ، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد اللَّام، مَعْنَاهُ: شَدِيدَة الملاحة، وَهُوَ من أبنية الْمُبَالغَة..
     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: وَكَانَت امْرَأَة ملاحة، بتَخْفِيف اللَّام، أَي: ذَات ملاحة، وفعال مُبَالغَة فِي فعيل، نَحْو كريم وكرام، وكبير وكبار، وفعال بِالتَّشْدِيدِ أبلغ مِنْهُ، وَقد ناقش ابْن حزم فِي هَذَا الْموضع مناقشة عَظِيمَة، وخلاصة مَا ذكره أَنه قَالَ: دَعْوَى الخصوصية بِالنَّبِيِّ فِي هَذَا الْموضع كذب، وَالْأَحَادِيث الَّتِي ذكرت هَهُنَا غير صَحِيحَة، وَقد ردينا عَلَيْهِ فِي جَمِيع ذَلِك فِي شرحنا ( لمعاني الْآثَار) للطحاوي، فَمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهِ فَعَلَيهِ بالمراجعة إِلَيْهِ.
وَمِنْهَا: أَن الزفاف فِي اللَّيْل، وَقد جَاءَ أَنه دخل عَلَيْهَا نَهَارا فَفِيهِ جَوَاز الْأَمريْنِ.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دلَالَة على مطلوبية الْوَلِيمَة للعرس، وَأَنَّهَا بعد الدُّخُول،.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ: وَيجوز قبله وَبعده، وَالْمَشْهُور عندنَا أَنَّهَا سنة، وَقيل: وَاجِبَة، وَعِنْدنَا إِجَابَة الدعْوَة سنة سَوَاء كَانَت وَلِيمَة أَو غَيرهَا، وَبِه قَالَ أَحْمد وَمَالك فِي رِوَايَة..
     وَقَالَ  الشَّافِعِي: إِجَابَة وَلِيمَة الْعرس وَاجِبَة، وَغَيرهَا مُسْتَحبَّة، وَبِه قَالَ مَالك فِي رِوَايَة، والوليمة: عبارَة عَن الطَّعَام الْمُتَّخذ للعرس، مُشْتَقَّة من: الولم، وَهُوَ الْجمع، لِأَن الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ فَتكون الْوَلِيمَة خَاصَّة بِطَعَام الْعرس، لِأَنَّهُ طَعَام الزفاف، والوكيرة: طَعَام الْبناء، والخرس طَعَام الْولادَة، وَمَا تطعمه النُّفَسَاء نَفسهَا خرسة، والإعذار طَعَام الْخِتَان، والنقيعة طَعَام القادم من سَفَره، وكل طَعَام صنع لدَعْوَة مأدبة ومأدبة جَمِيعًا، والدعوة الْخَاصَّة: التقري، والعامة: الجفلى والأجفلى.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ إدلال الْكَبِير لأَصْحَابه وَطلب طعامهم.
فِي نَحْو هَذَا، ويستجب لأَصْحَاب الزَّوْج وجيرانه مساعدته فِي الْوَلِيمَة بِطَعَام من عِنْدهم.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ الْوَلِيمَة تحصل بِأَيّ طَعَام كَانَ، وَلَا تتَوَقَّف على شَاة، وَالسّنة تقوم بِغَيْر لحم، وَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.