هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
416 حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ ، مَوْلَى الْحُرَقَةِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : جُزُّوا الشَّوَارِبَ ، وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
416 حدثني أبو بكر بن إسحاق ، أخبرنا ابن أبي مريم ، أخبرنا محمد بن جعفر ، أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ، مولى الحرقة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جزوا الشوارب ، وأرخوا اللحى خالفوا المجوس
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Huraira reported:

The Messenger of Allah (ﷺ) said: Trim closely the moustache, and grow beard, and thus act against the fire-worshippers.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس.


المعنى العام

وتلك صورة أخرى من صور نظافة الإسلام، وحرصه على كل ما يغرس المحبة والتآلف بين الناس، وإذا كان قد حث على السواك لطهارة الفم، وتطييب رائحته، وللمحافظة على شعور المستمع وأحاسيسه، فإنه هنا يحث على عشر خصال، جماعها حسن المظهر، وطيب المخبر، ورقة الشعور، وأدب الخلطة والاجتماع.

أولاها: ختان الذكر والأنثى، وقطع الجلدة الزائدة التي تتجمع فيها بقايا البول حيث لا يمكن غسلها من الداخل، ولا إزالة ما تحويه من ريح كريه.

ثانيتها: حلق العانة، وإزالة الشعر الذي حول القبل والدبر للرجل والمرأة، وكل إنسان يشعر بما يحمل هذا الشعر -إن طال- من عرق متراكم، تثير رائحته اشمئزاز صاحبه فضلا عن جليسه ورفيقه، ومهما غسله المؤمن فإنه لا يلبث أن تعود إليه ريحه، بل من الصعب عند الغسل استئصال مخلفاته.

ثالثتها: نتف شعر الإبط، وهو لخفته عادة يسهل نتفه، فيقل تهيجه، وتضعف كثافته.

رابعتها: تقليم الأظفار في اليدين وفي الرجلين، ولا يخفى ما تجمع الأظفار من أقذار بينها وبين جلد الأنامل كلما طالت، وما يصاحب ذلك من ريح كريه.

خامستها: قص الشارب، فإن في طول شعره احتمال ترسب الأوساخ وسوائل الأنف فيه، مما يتعذر نظافته بغسل الوجه، ثم في طوله مظهر من مظاهر الكبر والخيلاء والافتراء، ومنظر من مناظر الجبابرة من المجوس والمشركين.

سادستها: غسل البراجم وتجاويف الجلد والمناعم والمعاطف التي هي عرضة لجمع العرق والوسخ.

سابعتها وثامنتها وتاسعتها: السواك والمضمضة والاستنشاق.

عاشرتها: إعفاء اللحية وعدم حلقها، وليس المقصود بهذه الخصلة نفس المقصود من غيرها بل هي خصلة قصد بها تكوين شخصية إسلامية، وإبراز كيان وهيئة تميز المسلم عن غيره من المجوس والمشركين واليهود والنصارى لقد كان الإسلام ينتشر بين قبائل العرب وغير العرب، بين متعارفين وغير متعارفين، وستكون بينه وبين غيره من الملل عداوة وحروب، وفي هذه الحالة وعلى ضوء هذه الظروف كانت الحاجة ماسة إلى سمة وعلامة يميز بها المسلم، فماذا يمكن أن تكون تلك العلامة؟ الثياب والملابس متشابهة، ومن السهل لو غايرناها أن يخدعنا بارتدائها الأعداء، إن المسلمين في حاجة شديدة إلى مخالفة في الهيئة وإن المجوس والمشركين وأهل الكتاب يطلقون شواربهم، وهم يعتزون بهذا المظهر اعتزازهم برجولتهم، فما أحسن الهيئة لو خالفهم المسلمون فقصوا الشوارب وأرخوا اللحى، وقد كان الأمر العظيم من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم خالفوا اليهود والنصارى وخالفوا المجوس، قصوا الشارب وأعفوا اللحى.

المباحث العربية

( الفطرة خمس -أو خمس من الفطرة) شك من الراوي في أي اللفظين صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جزم في الرواية الثانية، فقال الفطرة خمس وفي المراد من الفطرة قال الخطابي: ذهب العلماء إلى أن المراد بالفطرة هنا السنة، وكذا قال غيره، قالوا: والمعنى أنها من سنن الأنبياء، ويؤيده ما جاء في بعض الروايات من السنة قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر.

قال الراغب: أصل الفطر بفتح الفاء الشق طولا، ويطلق على الاختراع وعلى الإيجاد، والفطرة الإيجاد على غير مثال.

وقال أبو شامة: أصل الفطرة الخلقة المبتدأة، ومنه { { فاطر السماوات والأرض } } [يوسف: 101] أي المبتدئ خلقهن، وقوله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة أي على ما ابتدأ الله خلقه عليه، وفيه إشارة إلى قوله تعالى { { فطرة الله التي فطر الناس عليها } } [الروم: 30] ؛ والمعنى أن كل أحد لو ترك من وقت ولادته وما يؤديه إليه نظره لأداه إلى الدين الحق، وهو التوحيد، ويؤيده قوله تعالى قبلها { { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها } } [الروم: 30] وإليه يشير في بقية الحديث حيث عقبه بقوله فأبواه يهودانه أو ينصرانه والمراد بالفطرة: التي فطر العباد عليها وحثهم عليها واستحبها لهم، ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها صورة.
اهـ.

وسوغ الابتداء بالنكرة في رواية خمس من الفطرة أن خمس صفة لموصوف محذوف، والتقدير: خصال خمس، أو على تقدير الإضافة، أي خمس خصال.

( الختان) خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: إحداها الختان، وهو بكسر الخاء وتخفيف التاء، مصدر ختن، أي قطع، والختن بفتح الخاء وسكون التاء قطع بعض مخصوص من عضو مخصوص، والختان اسم لفعل الخاتن، ويطلق على موضع الختان أيضا، كما في حديث عائشة إذا التقى الختانان وجب الغسل والأول هو المراد هنا، وستأتي كيفيته الشرعية في فقه الحديث.

( والاستحداد) وهو حلق العانة، وسمي استحدادا لاستعمال الحديدة، وهي الموسى، والعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه، وكذا الشعر الذي حول فرج المرأة، ونقل عن ابن عباس أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر، وهذا القول.
غريب لكن يتحصل من مجموع الأقوال: استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما.
وفي الرواية الثالثة والثامنة وحلق العانة بدل الاستحداد.

( وتقليم الأظافر) وفي الرواية الثامنة وقص الأظافر والتقليم تفعيل من القلم وهو القطع، والتقليم أعم من القص، لأن التقليم يكون بالمقص وغيره، والأظفار جمع ظفر بضم الظاء والفاء، وبسكونها، وحكى أبو زيد كسر أوله، وقد قرئ بكسر أوله وثانيه.
والمراد: إزالة ما يزيد على ما يلابس رأس الأصبع من الظفر.

( ونتف الإبط) بكسر الهمزة والباء، وبسكون الباء وهو المشهور، وصوبه الجواليقي، وهو يذكر ويؤنث، وتأبط الشيء وضعه تحت إبطه، وفي الكلام مضاف محذوف، أي نتف شعر الإبط.

( وقص الشارب) الشارب الشعر النابت على الشفة العليا، واختلف في جانبيه وهما السبالان، فقيل: هما من الشارب، وقيل: هما من شعر اللحية.
وفي الرواية الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة الشوارب وهو من الواحد الذي فرق، وسمي كل جزء منه باسمه، فقالوا: لكل جانب منه شاربا ثم جمع شوارب وحكى ابن سيده عن بعضهم: من قال: الشاربان أخطأ، وإنما الشاربان ما طال من ناحية السبلة، قال: وبعضهم يسمى السبلة كلها شاربا، ويؤيده أثر عمر الذي أخرجه مالك إنه كان إذا غضب فتل شاربه والذي يمكن فتله من شعر الشارب السبال، وقد سماه شاربا.
اهـ.

( وقت لنا) بضم الواو وكسر القاف المشددة، مبني للمجهول، وأخرجه أصحاب السنن بلفظ وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي جعل لنا وقتا.

( أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة) مفعول نترك محذوف، أي أن لا نترك القص والتقليم والنتف والحلق أكثر من أربعين ليلة، أي لا نترك واحدا منها....

( احفوا الشوارب) وفي الرواية السابعة جزوا الشوارب قال ابن دريد: يقال: حفا الرجل شاربه يحفوه حفوا، إذا استأصل أخذ شعره، فعلى هذا تكون همزة احفوا همزة وصل، وجعلها غيره همزة قطع، وهو صريح الرواية الخامسة، ولفظها أمر بإحفاء الشوارب والجز بفتح الجيم والزاي المشددة قص الشعر والصوف إلى أن يبلغ الجلد، وقد سبق في الروايات الثلاث الأولى بلفظ قص الشارب فهل المراد واحد بالقص والإحفاء والجز؟ أو المراد التخيير بين الأفعال الثلاثة؟ توضيح ذلك في فقه الحديث.

( واعفوا اللحي) في الرواية السادسة وأوفوا اللحى وفي الرواية السابعة وأرخوا اللحى يقال: عفوت الشعر، وأعفيته لغتان، ذكرهما في شرح هذا الحديث جماعة من الشراح منهم ابن التين، وفسره بعضهم بأكثروا اللحى، قال ابن دقيق العيد: تفسير الإعفاء بالتكثير من إقامة السبب مقام المسبب، لأن حقيقة الإعفاء الترك، وترك التعرض للحية يستلزم تكثيرها.
اهـ.

وأوفوا بمعنى أعفوا أي اتركوها وافية كاملة، لا تقصوها، وكذا أرخوا بالهمزة والخاء، وروي أرجوا بالهمز والجيم، وأصله أرجئوا أي اتركوا، وفي رواية للبخاري بلفظ وفروا وهي بنفس المعنى، واللحي بكسر اللام، وحكي ضمها جمع لحية، وهي الشعر النابت على الذقن، قاله المتولي والغزالي في البسيط، والذقن مجمع اللحيين، واللحيان الفكان، وعليهما منابت الأسنان السفلى، فاللحية هي الشعر النابت على الجلد الذي يغطي الأسنان السفلى.

وقال الحافظ ابن حجر: اللحية اسم لما نبت على الخدين والذقن.
اهـ.

ونعيد إلى الأذهان أن الشعر الذي بين العينين والأذنين يسمى العذارين وهما ليسا من اللحية باتفاق، وما تحت العذارين إلى بداية الفكين يسمى العارضين، والظاهر أنهما ليسا من اللحية على تفسير المتولي والغزالي، وهما منها على تفسير الحافظ ابن حجر.
أما الشعر الذي على الشفة السفلى وتسمى ( العنفقة) فليس من اللحية على الصحيح.

( خالفوا المشركين) وفي الرواية السابعة خالفوا المجوس.

( وغسل البراجم) البراجم بفتح الباء جمع برجمة، بضم الباء والجيم وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها، وقيل: التي في ظهر الكف، وقال الخطابي: هي المواضع التي تتسخ، ويجتمع فيها الوسخ.
اهـ.

( وانتقاص الماء) بالقاف والصاد، وقد فسره الراوي بالاستنجاء، وقال أبو عبيدة وغيره: معناه انتقاص البول بسبب استعمال الماء في غسل مذاكيره وقيل: هو الانتضاح، وقد جاء في بعض الروايات الانتضاح بدل انتقاص قال الجمهور: الانتضاح نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء، لينفي عنه الوساوس، وقيل: هو الاستنجاء بالماء، وذكر ابن الأثير أنه روى انتفاص الماء بالفاء بدل القاف، قال: والمراد نضحه على الذكر، قال النووي: وهذا الذي نقله شاذ، والصواب ما سبق.
والله أعلم.
اهـ.

فقه الحديث

بمقارنة رواية أبي هريرة برواية عائشة نجد الأخيرة شملت الأولى، فيما عدا الختان وزادت ست خصال، وفي رواية للنسائي ما في رواية عائشة إلا أنها ذكرت الختان بدل غسل البراجم وفي رواية لأبي داود ما في رواية عائشة إلا أنها لم تذكر إعفاء اللحية وانتقاص الماء.
وذكرت بدلها الختان والانتضاح وفي رواية أخرى لأبي داود، قال: خمس كلها في الرأس، وذكر فيها الفرق ولم يذكر إعفاء اللحية.
وفي رواية لابن أبي حاتم ذكر غسل الجمعة بدل الاستنجاء قال الحافظ ابن حجر: فصار مجموع الخصال التي وردت في هذه الأحاديث خمس عشرة خصلة.
اهـ.

وذكر ابن العربي أن خصال الفطرة تبلغ ثلاثين خصلة.
قال الحافظ ابن حجر ردا عليه: إن أراد خصوص ما ورد بلفظ الفطرة فليس كذلك، وإن أراد أعم من ذلك فلا تنحصر في الثلاثين، بل تزيد كثيرا.
اهـ.

وعلى هذا فذكر صيغة خمس أو عشر لا يقصد به الحصر، فقد قيل: إن مفهوم العدد ليس بحجة، وقيل: بل كان أعلم أولا بالخمس، ثم أعلم بالزيادة، وقيل: بل الاختلاف في ذلك بحسب المقام، فذكر في كل موضع اللائق بالمخاطبين، وهذا الأخير حسن، مع ملاحظة أن ذكر العدد لا يراد به الحصر، أو مع ملاحظة لفظ من أي من الفطرة خمس كما في خمس من الفطرة.

والمحقق فيما ذكر من الخصال يجدها تشترك في ظاهرة نظافة البدن، كما يجدها إلى حكم الندب والاستحباب أقرب منها إلى حكم الوجوب، نعم سنجد خلافا بين العلماء في حكم بعضها، ولكن الظاهر أن القرين بالمقارن يقرن، وإذا كان البعض مقطوعا باستحبابه بلا خلاف، فإن البعض المختلف في استحبابه أو وجوبه يكون الأولى به الاستحباب، لدلالة الاقتران، فإن لفظ الفطرة إما أن يراد به السنة، فتكون الخصال العشر سنة، وإما أن يراد به الواجب فتكون الخصال العشر واجبة، أما أن يراد به القدر المشترك بين السنة والواجب ويجمع تحته خصال ذات أحكام مختلفة، فهو مستبعد في الأسلوب الحكيم، ولا يقال: إن القرآن الكريم جمع في الأمر بين المباح والواجب في قوله تعالى: { { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } } [الأنعام: 141] فالأكل مباح، وإيتاء الحق واجب، لا يقال هذا، فإن هناك فرقا بين الآية وبين ما نحن فيه، إذ الآية تكرر فيها الأمر واختلف فيها اللفظ المأمور به كلوا وآتوا وظاهر الأمر الوجوب -على قول- فصرف عن الأكل بدليل آخر، وبقي الإيتاء على الأصل، أو ظاهر الأمر مطلق الطلب فصرف إلى الوجوب في الإيتاء بدليل آخر، أما الحديث فقد تضمن لفظة واحدة الفطرة استعملت في الجميع، فتعين أن تحمل على أحد الأمرين.

ومن هنا أميل إلى القول باستحباب هذه الخصال، وإن كان بعضها في السنة آكد من بعض، لكن يجمعها أن يثاب على فعلها، ولا يعاقب على تركها.

ولنعرض آراء العلماء وأدلتهم في كل خصلة لتوفية الموضوع حقه، فنقول وبالله التوفيق.

أولا: الختان وكيفيته: في الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة، وكماله أن تستوعب من أصلها، عند أول الحشفة، وأقله أن لا يبقى منها شيء متدل والعلماء يتفقون على الكيفية الكاملة، ويختلفون في أقله، فترى الماوردي يقول: وأقل ما يجزئ أن لا يبقي منها ما يتغشى به شيء من الحشفة، وإمام الحرمين يقول: حتى لا يبقى من الجلدة شيء متدل، وابن الصباغ يقول: حتى تنكشف جميع الحشفة، وابن كج يقول: يتأدى الواجب بقطع شيء مما فوق الحشفة وإن قل، بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها.

وكيفيته في الأنثى: قطع جلدة تكون في أعلى فرجها على ثقب البول، فوق مدخل الذكر، كالنواة أو كعرف الديك، وتقطع الجلدة المستعلية منه، دون استئصاله، وفي الحديث نهي عن الإنهاك والاستئصال، وأقله ما ينطلق عليه اسم الختان وإن قل.

وفائدته الإنقاء من البول، فإن هذه الجلدة المغطية للحشفة تجمع بقايا البول كما أن جلدة الأنثى كذلك تغطي قدرا من النجاسة وإن كان أقل من جلدة الذكر.
هذا ما يقوله جمهور العلماء، ويقول بعضهم: إن ختان الذكر يزيد من لذته في الجماع، لأن الإحساس بسطح مكشوف أتم وأقوى من الاتصال بسطح مستور، وكمال اللذة تدعو إلى كثرة الجماع، ليؤدي إلى المقصود الحقيقي منه وهو كثرة النسل، ولا يقال: إن غير المختون تنكشف حشفته عند الجماع كالمختون، فإنه مما لا شك فيه أن غير المختون لا تنكشف حشفته جميعها، لأن جلدة الختان تنطوي عند الوطء بعضها على بعض، فتشغل جزءا من الحشفة، مما يمنع كمال اللذة.

أما الأنثى فإن هذه الجلدة لو بقيت لأثارتها، وهيجت شهوتها لأقل اتصال فربما قضت شهوتها سريعا قبل أن يتمكن الزوج من تمتعه، وربما كلفته ما لا يطيق بسبب شبقها، وكثرة رغبتها في قضاء وطرها، واستئصال الجلدة وإنهاكها يؤدي بالمرأة إلى ضعف شهوتها ضعفا يضر بمقصد الشارع الحكيم ومن هنا كان الأمر بالختان والنهي عن الإنهاك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأم عطية أشهي ولا تنهكي، فإنه أسرى للوجه ( أي أكثر لماء الوجه) وأحظى عند الزوج وفي رواية لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة رواه أبو داود.

ولعل هذا سر إطلاق العرب على ختان الذكر إعذارا، وعلى ختان الأنثى خفضا.
والله أعلم.

وحكمه مختلف فيه اختلافا كبيرا، فالشافعي وجمهور أصحابه، ورواية عن أحمد وبعض المالكية يقولون: الختان واجب في حق الرجال والنساء.

بل بالغ بعضهم فقال: إن من أسلم وهو شيخ وجب أن يختن وإن خيف عليه، كمن سرق يقطع وإن خيف عليه.
وقالوا: من مات كبيرا قبل أن يختن ختن ميتا.

وفي وجه للشافعية: لا يجب في حق النساء، وذهب أكثر العلماء وبعض الشافعية إلى أنه ليس بواجب، وعن أبي حنيفة أنه واجب وليس بفرض، وعنه أنه سنة يأثم بتركه.

واستدل القائلون بالوجوب بأدلة، منها:

أ- أن القلفة تحبس النجاسة، فتمنع من صحة الصلاة، كمن أمسك نجاسة بفمه، ورد بأن الفم في حكم الظاهر، يسهل فتحه وإخراج ما فيه وغسله بخلاف القلفة فإنها في حكم الباطن.

ب- واستدلوا بما أخرجه أبو داود من حديث كليب جد عشيم بن كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ألق عنك شعر الكفر واختتن ورد بأن سند الحديث ضعيف.

جـ- وقالوا: إن كشف العورة حرام، ولا يشرع إلا لواجب فلو لم يكن الختان واجبا ما أبيح له كشف العورة، ورد القاضي عياض بأن كشف العورة مباح لمصلحة الجسم، والنظر إليها يباح للمداواة، وليس ذلك واجبا إجماعا، كما رده أبو شامة بأنهم جوزوا لغاسل الميت أن يحلق عانة الميت، ولا يتأتى ذلك الغسل إلا بالنظر واللمس، وهما حرامان وقد أجيزا لأمر مستحب.

د- وقال بعضهم: إن الختان قطع عضو لا يستخلف من الجسد تعبدا فيكون واجبا كقطع اليد في السرقة، وتعقب بأن قطع اليد إنما أبيح في مقابلة جرم عظيم، فلم يتم القياس.

هـ- وقال الماوردي: في الختان إدخال ألم عظيم على النفس، وهو لا يشرع إلا في إحدى خصال ثلاث: لمصلحة، أو عقوبة، أو وجوب، وقد انتفى الأولان، فثبت الثالث وتعقبه أبو شامة، بأن الختان فيه عدة مصالح كمريد الطهارة والنظافة، فإن القلفة من المستقذرات عند العرب، وقد كثر ذم الأقلف في أشعارهم، وكان للختان عندهم قدر، وله وليمة خاصة به، وأقر الإسلام ذلك.
اهـ.
وقد ذكرنا بعضا آخر من مصالحه.

و- وقال الخطابي: الختان واجب لأنه من شعار الدين، وبه يعرف المسلم من الكافر حتى لو وجد مختون بين جماعة قتلى غير مختونين صلى عليه ودفن في مقابر المسلمين وتعقبه أبو شامة بأن شعائر الدين ليست كلها واجبة.
وما ادعاه في المقتول مردود، لأن اليهود وكثيرا من النصارى يختتنون، فليقيد ما ذكره بالقرينة.

ز- وقال البيهقي: أحسن الحجج أن يحتج بحديث أبي هريرة الذي في الصحيحين مرفوعا اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم وقد قال الله تعالى: { { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا } } [النحل: 123] وصح عن ابن عباس أن الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم فأتمهن هي خصال الفطرة، ومنهن الختان والابتلاء غالبا إنما يقع بما يكون واجبا.
وتعقب بأنه لا يلزم ما ذكر، إلا إن كان إبراهيم عليه السلام قد فعله على سبيل الوجوب فإنه من الجائز أن يكون فعله على سبيل الندب، فيحصل امتثال الأمر باتباعه على وفق ما فعل، وقد قال تعالى في حق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم { { واتبعوه لعلكم تهتدون } } [الأعراف: 158] واتباعه في الأمر الواجب واجب وفي المندوب مندوب، وقد تقرر في الأصل أن أفعاله بمجردها لا تدل على الوجوب.

والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب، والمتيقن السنية والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه.

( فائدة) ذكر الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل أنه اختلف في النساء هل يخفضن عموما؟ أو يفرق بين نساء المشرق فيخفضن، ونساء المغرب فلا يخفضن لعدم الفضلة المشروع قطعها منهن، بخلاف نساء المشرق؟ قال: فمن قال: إن من ولد مختونا استحب إمرار الموسى على الموضع امتثالا للأمر قال في حق المرأة كذلك، ومن لا فلا.
اهـ.
ذكره الحافظ في الفتح.

والقائلون بإمرار الموسى على موضع الختان لمن ولد مختونا جماعة من الشافعية ويقصدون إمراره من غير جرح حفاظا على شكل الحكم.
وعندي: أن الدين ليس طقوسا وأشكالا وهياكل، وإنما هو حكم ومنافع، وما لا فائدة منه لا يشرع وإلا لطلبنا إمرار المقص على أصبع من ليس له أظافر، وطلبنا ممن ليس له شعر إبط أن يحاكي من ينتفه، وهكذا لنصبح أضحوكة العقلاء، ومثار سخرية الأعداء.

ووقت الختان مختلف فيه كذلك.
قال الماوردي: له وقتان: وقت وجوب، ووقت استحباب.
فوقت الوجوب البلوغ، ووقت الاستحباب قبله، والاختيار في اليوم السابع من بعد الولادة، وقيل الاختيار من بعد يوم الولادة، فإن أخر ففي الأربعين يوما فإن أخر ففي السنة السابعة، فإن بلغ وكان نضوا نحيفا، يعلم من حاله أنه إذا اختتن تلف سقط الوجوب، ويستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب إلا لعذر.

وذكر القاضي حسين: أنه لا يجوز أن يختتن الصبي حتى يصير ابن عشر سنين لأنه حينئذ يوم ضربه على ترك الصلاة، وألم الختان فوق ألم الضرب فيكون أولى بالتأخير، وزيفه النووي، وقال: إنه كالمخالف للإجماع.

وقال إمام الحرمين: لا يجب قبل البلوغ، لأن الصبي ليس من أهل العبادة المتعلقة بالبدن، فكيف مع الألم؟ وقال أبو الفرج السرخسي: في ختان الصبي وهو صغير مصلحة من جهة أن الجلد بعد التمييز يغلظ ويخشن، فمن ثم جوز الأئمة الختان قبل ذلك.

ونقل ابن المنذر عن الحسن ومالك كراهة الختان يوم السابع لأنه فعل اليهود.

وقال مالك: يحسن إذا أثغر، أي ألقى ثغره وهو مقدم أسنانه، وذلك في السبع سنين وما حولها.

وقال الليث: يستحب ما بين سبع سنين إلى عشر سنين.

وعن أحمد: لم أسمع فيه شيئا.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر في أبواب الوليمة من كتاب النكاح في كتابه فتح الباري مشروعية الدعوة في الختان، وذكر عن عثمان بن أبي العاص أنه دعى إلى ختان فقال: ما كنا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ندعي له.

وذكر الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل.
أن السنة إظهار ختان الأنثى، والله أعلم.
من فتح الباري بتصرف.

ثانيا: الاستحداد، وهو حلق العانة الوارد في الرواية الثالثة والثامنة وهو سنة باتفاق ولم يشذ عن القول بسنته سوى القاضي أبي بكر بن العربي الذي أغرب فقال: عندي أن الخصال الخمس المذكورة في هذا الحديث كلها واجبة، فإن المرء لو تركها لم تبق صورته على صورة الآدميين، فكيف من جملة المسلمين؟ كذا قال في شرح الموطأ عن الرواية الأولى من رواياتنا.

وتعقبه أبو شامة بأن الأشياء التي مقصودها مطلوب لتحسين الخلق، وهي النظافة لا تحتاج إلى ورود أمر إيجاب للشارع فيها اكتفاء بدواعي الأنس فمجرد الندب إليها كاف.
اهـ.

وقد عبرت الروايات عن إزالة شعر العانة بالاستحداد أي إزالته بالحديدة وهي الموسى أو بالحلق، كما عبرت عن إزالة شعر الإبط بالنتف.

قال العلماء: وذكر الحلق في العانة لكونه هو الأغلب، وإلا فيجوز الإزالة بالنورة ( وهي نوع من الحجر يدق ويطلى به المكان) والنتف وغيرهما، قال أبو شامة: ويقوم التنور مكان الحلق، وكذلك النتف والقص، وقد سئل أحمد عن أخذ العانة بالمقراض، فقال أرجو أن يجزئ.
قيل: فالنتف: قال: وهل يقوى على هذا أحد؟

وقال ابن دقيق العيد: والأولى في إزالة شعر العانة الحلق اتباعا، ويجوز النتف، بخلاف الإبط فإنه بالعكس، لأنه تحتبس تحته الأبخرة بخلاف العانة، والشعر من الإبط بالنتف يضعف، وبالحلق يقوي، فجاء الحكم في كل من الموضعين بالمناسب.

وقال النووي: السنة في إزالة شعر العانة الحلق بالموسى في حق الرجل والمرأة معا، وقد ثبت الحديث الصحيح عن جابر في النهي عن طروق النساء ليلا، حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة، لكن يتأدى أصل السنة بالإزالة بكل مزيل.
وقال النووي في موضع آخر: والأولى في حق الرجل الحلق، وفي حق المرأة النتف.
قال الحافظ ابن حجر: واستشكل بأن فيه ضررا على المرأة بالألم وعلى الزوج باسترخاء المحل، فإنه النتف يرخي المحل باتفاق الأطباء، ومن ثم قال ابن دقيق العيد: إن بعضهم مال إلى ترجيح الحلق في حق المرأة، لأن النتف يرخي المحل.

قال ابن العربي: إن كانت شابة فالنتف في حقها أولى، لأنه يربو مكان النتف، وإن كانت كهلة فالأولى في حقها الحلق، لأن النتف يرخي المحل، ولو قيل: الأولى في حقها التنور مطلقا لما كان بعيدا.

وحكى النووي في وجوب الإزالة عليها إذا طلب منها وجهين أصحهما الوجوب.

وهناك فرق آخر بين حلق العانة ونتف الإبط، فإن نتف الإبط أو حلقه يجوز أن يتعاطاه الأجنبي، بخلاف حلق العانة فيحرم إلا في حق من يباح له المس والنظر كالزوج والزوجة.

هذا والشعر الذي حول الدبر له حكم الشعر الذي حول القبل، بل قال أبو شامة: إنه من الدبر أولى، خوفا من أن يعلق شيء من الغائط، فلا يزيله المستنجي إلا بالماء، ولا يتمكن من إزالته بالاستجمار.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: وما استند إليه أبو شامة قوي، بل ربما تصور الوجوب في حق من تعين ذلك في حقه، كمن لم يجد من الماء إلا القليل وأمكنه أن لو حلق الشعر أن لا يعلق به شيء من الغائط يحتاج معه إلى غسله وليس معه ماء زائد على قدر الاستنجاء.
اهـ.

وأغرب أبو بكر بن العربي حيث قال: وأما حلق ما حول الدبر فلا يشرع.
وكذا قال الفاكهي في شرح العمدة أنه لا يجوز، ولم يذكر أي منهما للمنع مستندا.

قال ابن دقيق العيد: كأن الذي ذهب إلى استحباب حلق ما حول الدبر ذكره بطريق القياس.
اهـ.
ويقصد أنه لا تناوله شعر العانة الوارد في الحديث، ولكنه يمكن أن يقاس على الوارد بالطريق الأولى، لأن علوق الوسخ والرائحة به أكثر احتمالا منه في العانة، فإزالته مستحبة استحباب إزالة شعر العانة.
والله أعلم.

ثالثا: تقليم الأظفار: وهو سنة، والمراد إزالة ما يزيد على ما يلابس رأس الأصبع من الظفر، لأن الوسخ يجتمع فيه، فيستقذر، وقد ينتهي إلى حد يمنع من وصول الماء إلى ما يجب غسله في الطهارة، وقد يعلق بباطن الظفر الطويل نجاسة عند الاستنجاء، وأقل ما يحمل الظفر الطويل الروائح الكريهة من حك مواضع في الجسم ذات رائحة، وقد أخرج البيهقي والطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فأوهم فيها [أي نسي وأسقط بعضها من تفكيره في أظافر المسلمين] فسئل فقال: ما لي لا أوهم ورفغ أحدكم بين ظفره وأنملته؟ ( والرفغ بضم الراء وبفتحها مع إسكان الفاء يجمع على أرفاغ، وهي مغابن الجسد، ومناعمه وطياته كالإبط، وما بين الأنثيين والفخدين، وكل موضع يجتمع فيه الوسخ) والمعنى: أنكم لا تقلمون أظفاركم، ثم تحكون بها أرفاغكم فيتعلق به ما في الأرفاغ من الأوساخ المجتمعة.

والأمر لا يحتاج إلى دليل، إذ لو شم كل إنسان أنامله عقب قص أظفاره لآمن بالدليل الحسي البديهي، لكن النساء وبعض الشباب في هذا العصر المبتلى يبالغون في إطالة أظافرهم، حتى نافسوا مخالب الطيور ومناقير النسور باسم المدنية والتقدم الكاذب، والله الهادي إلى سواء السبيل.

قال الحافظ ابن حجر: ويستحب الاستقصاء في إزالة الأظفار إلى حد لا يدخل منه ضرر على الإصبع، واستحب الإمام أحمد للمسافر أن يبقي شيئا من أظفره لحاجته إلى الاستعانة به غالبا، ولم يثبت شيء من الأحاديث في ترتيب الأصابع عند القص، لكن القاعدة الشرعية التيامن في كل شيء.

بل لم يرد شيء في تقديم قص أظافر اليدين على أظافر الرجلين، اللهم إلا القياس على الوضوء، ولم يثبت أيضا شيء في استحباب قص الظفر يوم الخميس، قال الحافظ ابن حجر: وأقرب ما وقفت عليه في ذلك ما أخرجه البيهقي من مرسل أبي جعفر الباقر.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة.
اهـ.
ولعل الملحظ الشرعي التنظيف والتجمل وأخذ الزينة المطلوب لاجتماع يوم الجمعة.
والله أعلم.

رابعا: نتف الإبط: قال النووي: وهو سنة بالاتفاق.
اهـ.
وكأنه لم يعتبر مخالفة ابن العربي المتقدمة، إذ قال: إن الخصال الخمس الواردة في الحديث الأول واجبة.

والأفضل فيه النتف لمن قوي عليه، ويحصل أيضا بالحلق، وبالنورة، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن يونس بن عبد العلي قال: دخلت على الشافعي -رحمه الله- وعنده المزين يحلق إبطه، فقال الشافعي: علمت أن السنة النتف، ولكن لا أقوى على الوجع.
اهـ.

قال الغزالي: وهو في الابتداء موجع، ولكن يسهل على من اعتاده، قال: والحلق كاف، لأن المقصود النظافة.
اهـ.
ولما كان ظاهر هذه العبارة التسوية وعدم التفضيل تعقب بأن الحكمة في نتف الإبط: أنه محل للرائحة الكريهة، وإنما ينشأ ذلك من الوسخ الذي يجتمع بالعرق فيه، فيتلبد ويهيج، فشرع فيه النتف الذي يضعفه، فتخف الرائحة به بخلاف الحلق، فإنه يقوي الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة لذلك.

قال ابن دقيق العيد: من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف، ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل.
اهـ.
ومما ذكرنا في التعقب على الغزالي يتضح أن النتف مقصود من جهة المعنى، وهو معنى ظاهر لا يهمل، ثم إن مورد النص إذا احتمل معنى مناسبا يمكن أن يكون مقصودا في الحكم ينبغي أن لا يترك، ولهذا نعود إلى القول بأن النتف أفضل لمن قوي عليه.

ويستحب البدء بالإبط الأيمن مستخدما أصابع اليد اليسرى، استصحابا لسنة التيامن.

خامسا: قص الشارب، وقد اعتبر من الفطرة في الرواية الأولى والثانية والثالثة والثامنة، وخص بالذكر مع اللحية في الرواية الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة.

قال النووي في المجموع: وأما قص الشارب فمتفق على أنه سنة.
اهـ.

وقال ابن دقيق العيد: لا أعلم أحدا قال بوجوب قص الشارب من حيث هو هو.
قال الحافظ ابن حجر: واحترز بذلك من وجوبه بعارض، حيث يتعين..ثم قال: ولعل ابن دقيق العيد لم يقف على كلام ابن حزم في ذلك، فإنه قد صرح بالوجوب في ذلك وفي إعفاء اللحية.
اهـ.

وإذا صرفنا النظر عن رأي ابن حزم وابن العربي وجدنا العلماء يتفقون على أن قص الشارب سنة، لكنهم يختلفون في مقدار القص المستحب، أو في الحالة الفضلى.

فأبو حنيفة وأصحابه يقولون: الإحفاء أفضل من التقصير، وقال الأثرم كان أحمد يحفي شاربه إحفاء شديدا، ونص على أنه أولى من القص.

وأخرج الطبري عن عبد الله بن أبي رافع قال: رأيت أبا سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وابن عمر ورافع بن خديج وأبا أسيد الأنصاري وسلمة بن الأكوع وأبا رافع ينهكون شواربهم كالحلق، وفي أثر آخر أن ابن عمر كان يحفي شاربه حتى ينظر إلى بياض الجلد.
وهذا الفريق يسانده ظاهر ما جاء في الرواية الرابعة والخامسة والسادسة بلفظ أحفوا الشوارب وظاهر ما جاء في الرواية السابعة بلفظ جزوا الشوارب وظاهر رواية البخاري ولفظها وأنهكوا الشوارب.

فكل هذه الألفاظ تدل على أن المطلوب المبالغة في الإزالة.

الفريق الثاني يرى أن الأفضل القص، قال النووي في شرح المهذب: هو مذهبنا، بل قال أشهب: سألت مالكا عمن يحفي شاربه، فقال: أرى أن يوجع ضربا، وقال لمن يحلق شاربه: هذه بدعة ظهرت في الناس، اهـ.

وهذا الفريق يفسر قوله وأحفوا الشوارب وجزوا الشوارب بأن المعنى أزيلوا ما طال على الشفتين، وفسر ابن بطال النهك بالتأثير في الشيء من غير الاستئصال، ويستدلون بما رواه البيهقي عن المغيرة بن شعبة، قال ضفت النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاربي وفيا فوضع السواك تحت الشارب وقص عليه وبما أخرجه البزار من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا وشاربه طويل، فقال: ائتوني بمقص وسواك فجعل السواك، على طرفه، ثم أخذ ما جاوزه، وبما أخرجه الترمذي من حديث ابن عباس وحسنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص شاربه.

وروى أن عمر بن الخطاب كان إذا غضب فتل شاربه.

ويرى هذا الفريق أن يقص الشارب حتى يبدو طرف الشفة العليا ويقولون: إن المعنى في مشروعية قص الشارب يتحقق بذلك، ففيه مخالفة المجوس والمشركين، وفيه الأمن من التشويش على الآكل، والأمن من بقاء زهومة المأكول فيه، وفيه جمال المنظر.

وهناك فريق ثالث يرى تساوي الأمرين، ويترك الخيار بينهما للمسلم، ويمثله الطبري حيث حكى قول مالك، وقول أبي حنيفة وأصحابه، ونقل أقوال أهل اللغة، ثم قال: دلت السنة على الأمرين، ولا تعارض، فإن القص يدل على أخذ البعض والإحفاء يدل على أخذ الكل، وكلاهما ثابت، فيتخير فيما شاء.
اهـ.

ويستحب أن يبدأ في قص الشارب باليمين، وهو مخير بين أن يقص ذلك بنفسه، أو يقوم به غيره، لحصول المقصود من غير هتك مروءة بخلاف الإبط، ومن غير ارتكاب حرمة بخلاف العانة.

قال الحافظ ابن حجر: ومحل ارتكاب الحرمة أو هتك المروءة في العانة والإبط حيث لا ضرورة، فإن وجدت ضرورة لم يكن في الاستعانة بالغير حرمة أو هتك مروءة، أما الأخذ من الشارب فينبغي فيه التفصيل بين من يحسن أخذه بنفسه بحيث لا يتشوه، وبين من لا يحسن، فيستعين بغيره، ويلتحق به من لا يجد مرآة ينظر وجهه فيها عند أخذه.
اهـ.

قال النووي: ويتأدى أصل السنة بأخذ الشارب بالمقص وبغيره، وتوقف ابن دقيق العيد في قرضه بالسن، ثم قال: من نظر إلى اللفظ منع، ومن نظر إلى المعنى أجاز.
اهـ.

وقد سئل الإمام أحمد عمن يأخذ شيئا من شعره وأظفاره، أيدفنه، أم يلقيه؟ فقال: يدفنه.
قيل له: بلغك فيه شيء؟ قال: كان ابن عمر يدفنه، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن الشعر والأظفار.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا الحديث أخرجه البيهقي، وقد استحب أصحابنا دفنها؛ لكونها أجزاء من الآدمي.
اهـ.

وظاهر الرواية الثالثة ونصها وقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة ظاهر هذه الرواية أن لهذه الخصال وقتا تؤدى فيه، لكن الحد النهائي للترك هو أربعون ليلة.
وقد ذهب بعضهم إلى استحبابها يوم الجمعة قبل الزوال، وذهب آخرون إلى استحبابها يوم الخميس، والمعتمد أنه يستحب كيفما احتاج إليه، فينتف إبطه كلما طلع، ولا يدع شاربيه يطولان، وأن يقلم أظفاره كلما طالت، والضابط في ذلك الاحتياج، قال النووي: ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص، والضابط الحاجة في هذا وفي جميع الخصال المذكورة.
اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر: لكن لا يمنع من التفقد يوم الجمعة، فإن المبالغة في التنظيف فيه مشروع.
والله أعلم.

سادسا: إعفاء اللحية: وقد ورد الأمر به في الرواية الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، وورد أنه من خصال الفطرة العشر في الرواية الثامنة، ولم يعد من الخمس في الرواية الأولى والثانية.

وجمهور العلماء على أن إعفاء اللحية سنة، وأن حلقها مكروه، والخلاف بينهم في تفسير الإعفاء، هل المراد منه عدم التعرض لها أصلا؟ أو لا يتنافى مع الأخذ من طولها وعرضها؟ أو بعبارة أخرى: اختلفوا في الأفضل، هل هو عدم التعرض لها أو الأخذ منها؟ اختار النووي القول الأول، قال: والمختار تركها على حالها، وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: وكأن مراده بذلك في غير النسك، لأن الشافعي نص على استحباب الأخذ منها في النسك.
اهـ.

وجمهور العلماء على أنه يجوز أن يأخذ من طولها وعرضها، وحملوا النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها، وقالوا: إن الرجل لو ترك لحيته، لا يتعرض لها، حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به، واستدلوا بما أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها قال القاضي عياض: يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها.
وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عمت فحسن بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره تقصيرها.
اهـ.

ويختلف هؤلاء في الحد الذي ينتهي إليه الأخذ منها، فبعضهم لا يرى حدا ويترك الأمر لفحش الطول وفحش التقصير، فعن الحسن البصري: يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش.

وبعضهم يجعل الحد مقدار قبضة اليد، متمسكا بما روي أن ابن عمر كان يمسك بيده على لحيته، فيزيل ما شذ منها، فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة، فيأخذ ما سفل عن ذلك، ليتساوى طول لحيته.

هذا ما عليه جمهور العلماء والمحققين، وشذ جماعة فقالوا بوجوب إعفاء اللحية وتحريم حلقها، معتمدين على الأمر بالإعفاء والإرخاء والإرجاء وجعلوه للوجوب لمخالفة المشركين والمجوس، وغالى هؤلاء الناس حتى رموا مخالفيهم بما يشبه الكفر والتشبه بالمجوس والمشركين.

ونقل النووي عن الغزالي قوله: يكره في اللحية عشر خصال: ( 1) خضبها بالسواد لغير الجهاد.
( 2) وبغير السواد إيهاما للصلاح لا لقصد الاتباع.
( 3) وتبييضها استعجالا للشيخوخة لقصد التعاظم على الأقران.
( 4) ونتفها إبقاء للمرودة.
( 5) وكذا تحذيفها.
( 6) ونتف الشيب ( ورجح النووي تحريمه لثبوت الزجر عنه) .
( 7) وتصفيفها طاقة طاقة تصنعا ومخيلة.
( 8) وترجيلها.
( 9) وتركها شعثة إيهاما للزهد.
( 10) والنظر إليها إعجابا.
اهـ.

فوائد:

( أ) قال النووي في شرح المهذب: وأما الأخذ من الحاجبين إذا طالا فلم أر فيه شيئا لأصحابنا، وينبغي أن يكره، لأنه تغيير لخلق الله لم يثبت فيه شيء فكره، وذكر بعض أصحاب أحمد أنه لا بأس به، قال: وكان أحمد يفعله.

( ب) قال الغزالي: يكره أن يزيد في شعر العذارين من شعر الصدغين إذا حلق.

( جـ) وقال: ويكره نتف جانبي العنفقة.

( د) اختار ابن عرفة جواز إزالة شعر الخدين.

( هـ) استحب بعض الفضلاء قص شعر الأنف، لا نتفه.

( و) قال النووي: قال أصحابنا: يستحب ترجيل الشعر ودهنه غبا، لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان له شعر فليكرمه رواه أبو داود.

سابعا: غسل البراجم قال النووي: وهي سنة مستقلة، ليست مختصة بالوضوء، أي من السنة غسلها في الوضوء والغسل والتنظيف العام، ثم قال: قال العلماء: ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذنين، وهو الصماخ، فيزيله بالمسح.
لأنه ربما أضرت كثرته بالسمع، وكذلك ما يجتمع في داخل الأنف ( ويمكن أن يدخل في خصلة الاستنشاق والاستنثار الواردة ضمن خصال الفطرة) وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن بالعرق والغبار، ونحوها.
اهـ.

ثامنا: انتقاص الماء، وفسره الراوي بالاستنجاء، وفسره بعض العلماء بالانتضاح، بمعنى أن يأخذ قليلا من الماء فينضح به مذاكيره بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس.
قال الخطابي: انتضاح الماء الاستنجاء به، فعلى هذا هو والاستنجاء خصلة واحدة، وعلى الأول هو غيره ويشهد له ما أخرجه أصحاب السنن عن سفيان بن الحكم عن أبيه، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ: ثم أخذ حفنة من ماء، فانتضح بها، وأخرج البيهقي من طريق سعيد بن جبير أن رجلا أتى ابن عباس، فقال: إني أجد بللا إذا أصلي؟ فقال له ابن عباس: انضح بماء فإذا وجدت من ذلك شيئا فقل: هو منه.
اهـ.

( ملحوظة) أما السواك والمضمضة والاستنشاق فقد سبق الكلام عنها قريبا.
والله أعلم.

هذا ونختم هذا الموضوع بما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح، إذ قال:

ويتعلق بهذه الخصال مصالح دينية ودنيوية تدرك بالتتبع، منها تحسين الهيئة وتنظيف البدن جملة وتفصيلا، والاحتياط للطهارتين، والإحسان إلى المخالط والمقارن بكف ما يتأذى به من رائحة كريهة، ومخالفة شعار الكفار من المجوس واليهود والنصارى وعباد الأوثان، وامتثال أمر الشارع، والمحافظة على ما أشار إليه قوله تعالى: { { وصوركم فأحسن صوركم } } [غافر: 64] لما في المحافظة على هذه الخصال من مناسبة ذلك، وكأنه قيل: قد حسنت صوركم، فلا تشوهوها بما يقبحها، أو حافظوا على ما يستمر به حسنها، وفي المحافظة عليها محافظة على المروءة، وعلى التآلف المطلوب، لأن الإنسان إذا بدا في الهيئة الجميلة، كان أدعى لانبساط النفس إليه، فيقبل قوله، ويحمد رأيه، والعكس بالعكس.
اهـ.

والله أعلم