هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
444 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ الحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ ، يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ ، هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يَا حَسَّانُ ، أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : نَعَمْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
444 حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ، قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري ، يستشهد أبا هريرة : أنشدك الله ، هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : يا حسان ، أجب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اللهم أيده بروح القدس قال أبو هريرة : نعم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن أَبي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ ، يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ ، هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يَا حَسَّانُ ، أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : نَعَمْ.

Narrated Hassan bin Thabit Al-Ansari:

I asked Abu Huraira By Allah! Tell me the truth whether you heard the Prophet (ﷺ) saying, 'O Hassan! Reply on behalf of Allah's Messenger (ﷺ). O Allah! Help him with the Holy Spirit. Abu Huraira said, Yes .

0453 Az-Zuhry : Abu Salama ben Abd-ar-Rahman ben Awf m’a rapporté avoir entendu Hassan ben Thabit al-Ansary, qui demandait à Abu Hurayra de témoigner : Je te conjure par Dieu ! n’as-tu pas entendu le Prophète dire : « O Hassan, réponds pour le Messager de Dieu ! Seigneur, soutiens-le par l’Esprit saint ! » « Oui », reconnut Abu Hurayra.  

":"ہم سے ابوالیمان حکم بن نافع نے بیان کیا کہ ہمیں شعیب بن ابی حمزہ نے زہری کے واسطے سے کہا کہ مجھے ابوسلمہ ( اسماعیل یا عبداللہ ) ابن عبدالرحمٰن بن عوف نے ، انھوں نے حسان بن ثابت انصاری رضی اللہ عنہ سے سنا ، وہ حضرت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ کو اس بات پر گواہ بنا رہے تھے کہمیں تمہیں اللہ کا واسطہ دیتا ہوں کہ کیا تم نے رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم کو یہ کہتے ہوئے نہیں سنا تھا کہ اے حسان ! اللہ کے رسول صلی اللہ علیہ وسلم کی طرف سے ( مشرکوں کو اشعار میں ) جواب دو اور اے اللہ ! حسان کی روح القدس کے ذریعہ مدد کر ۔ ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے فرمایا ، ہاں ( میں گواہ ہوں ۔ بیشک میں نے حضور صلی اللہ علیہ وسلم سے یہ سنا ہے ) ۔

0453 Az-Zuhry : Abu Salama ben Abd-ar-Rahman ben Awf m’a rapporté avoir entendu Hassan ben Thabit al-Ansary, qui demandait à Abu Hurayra de témoigner : Je te conjure par Dieu ! n’as-tu pas entendu le Prophète dire : « O Hassan, réponds pour le Messager de Dieu ! Seigneur, soutiens-le par l’Esprit saint ! » « Oui », reconnut Abu Hurayra.  

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [453] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ كَذَا رَوَاهُ شُعَيْبٌ وَتَابَعَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ بَدَلَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَهَذَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الَّذِي لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ عِنْدَهُ عَنْهُمَا مَعًا فَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَارَةً عَنْ هَذَا وَتَارَةً عَنْ هَذَا وَهَذَا مِنْ جِنْسِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَتَعَقَّبُهَا الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى الشَّيْخَيْنِ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فَلْيُسْتَدْرَكْ عَلَيْهِ وَفِي الْإِسْنَادِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ التَّتَبُّعِ أَيْضًا وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقَالَ كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ الْحَدِيثَ وَرِوَايَةُ سَعِيدٍ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ عِنْدَهُمْ مُرْسَلَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ زمن الْمُرُور وَلكنه يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ سَعِيدًا سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدُ أَوْ مِنْ حَسَّانَ أَوْ وَقْعَ لِحَسَّانَ اسْتِشْهَادُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرَّةً أُخْرَى فَحَضَرَ ذَلِكَ سَعِيدٌ وَيُقَوِّيهِ سِيَاقُ حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ سَمِعَ حَسَّانَ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَلَمَةَ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَ مُرُورِ عُمَرَ أَيْضًا فَإِنَّهُ أَصْغَرُ مِنْ سَعِيدٍ فَدَلَّ عَلَى تَعَدُّدِ الِاسْتِشْهَادِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْتِفَاتُ حَسَّانَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَاسْتِشْهَادُهُ بِهِ إِنَّمَا وَقَعَ مُتَأَخِّرًا لِأَنَّ ثُمَّ لَا تَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ سَعِيدٌ أَرْسَلَ قِصَّةَ الْمُرُورِ ثُمَّ سَمِعَ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِشْهَادَ حَسَّانَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الْمَقْصُود لِأَنَّهُ الْمَرْفُوع وَهُوَ مَوْصُول بِلَا تَرَدُّدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  يَسْتَشْهِدُ أَيْ يَطْلُبُ الشَّهَادَةَ وَالْمُرَادُ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ مُبَالَغَةً فِي تَقْوِيَةِ الْخَبَرِ .

     قَوْلُهُ  أَنْشُدُكَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ سَأَلْتُكَ اللَّهَ وَالنَّشْدُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ التَّذَكُّرُ .

     قَوْلُهُ  أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ أَجِبْ عَنِّي فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي هُنَا بِالْمَعْنَى .

     قَوْلُهُ  أَيِّدْهُ أَيْ قَوِّهِ وَرُوحُ الْقُدُسِ الْمُرَادُ هَنَا جِبْرِيلُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا بِلَفْظِ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ وَالْمُرَادُ بِالْإِجَابَةِ الرَّدُّ عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ هَجَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصِبُ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ يَهْجُو الْكُفَّارَ وَذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ تَعْلِيقًا نَحْوَهُ وَأَتَمَّ مِنْهُ لَكِنِّي لَمْ أَرَهُ فِيهِ قَالَ بن بَطَّالٍ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ حَسَّانَ أَنْشَدَ شِعْرًا فِي الْمَسْجِدِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ أَجِبْ عَنِّي كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّهُ أَنْشَدَ فِيهِ مَا أَجَابَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ أَنَّ الشِّعْرَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْحَقِّ حَقٌّ بِدَلِيلِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ عَلَى شِعْرِهِ وَإِذَا كَانَ حَقًّا جَازَ فِي الْمَسْجِدِ كَسَائِرِ الْكَلَامِ الْحَقِّ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ الْخَبِيثِوَاللَّغْوِ السَّاقِطِ.

.

قُلْتُ وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِتَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمَازِرِيُّ.

     وَقَالَ  إِنَّمَا اخْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ الْقِصَّةَ لِاشْتِهَارِهَا وَلِكَوْنِهِ ذَكَرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ انْتهى وَأما مَا رَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسَاجِدِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى عَمْرٍو فَمَنْ يُصَحِّحْ نُسْخَتَهُ يُصَحِّحْهُ وَفِي الْمَعْنَى عِدَّةُ أَحَادِيثَ لَكِنَّ فِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ فَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى تَنَاشُدِ أَشْعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُبْطِلِينَ وَالْمَأْذُونُ فِيهِ مَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَا إِذَا كَانَ التَّنَاشُدُ غَالِبًا عَلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَتَشَاغَلَ بِهِ مِنْ فِيهِ وَأَبْعَدَ أَبُو عَبْدُ الْمَلِكِ الْبَوْنِيُّ فَأَعْمَلَ أَحَادِيثَ النَّهْيِ وَادَّعَى النَّسْخَ فِي حَدِيثِ الْإِذْنِ وَلَمْ يُوَافق على ذَلِك حَكَاهُ بن التِّينِ عَنْهُ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ طَرَدَ هَذِهِ الدَّعْوَى فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ دُخُولِ أَصْحَابِ الْحِرَابِ الْمَسْجِد وَكَذَا دُخُول الْمُشرك ( قَولُهُ بَابُ أَصْحَابِ الْحِرَابِ فِي الْمَسْجِدِ) الْحِرَابُ بِكَسْرِ الْمُهْمِلَةِ جَمْعُ حَرْبَةٍ وَالْمُرَادُ جَوَازُ دُخُولِهِمْ فِيهِ وَنِصَالُ حِرَابِهِمْ مَشْهُورَةٌ وَأَظُنُّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى تَخْصِيصِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ بِالنَّصْلِ غَيْرِ مَغْمُودٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّحَفُّظَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ صُورَةُ اللَّعِبِ بِالْحِرَابِ سَهْلٌ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْمُرُورِ فَإِنَّهُ قَدْ يَقَعُ بَغْتَةً فَلَا يُتَحَفَّظُ مِنْهُ قَوْله فِي الْإِسْنَاد

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [453] حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع: ابنا شعيب، عن الزهري: اخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أنه سمع حسان بن ثابت يستشهد أبا هريرة: أنشدك الله، هل سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( ( يا حسان، أجب عن رسول الله، اللهم أيده بروح القدس) ) ؟ قال أبو هريرة: نعم.
ليس في هذه الرواية التي خرجها البخاري هاهنا إنشاد حسان في المسجد، إنما فيه ذكر مدح حسان على أجابته عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والدعاء له على ذلك، وكفى بذلك على فضل شعره المتضمن للمنافحة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والرد على أعدائه والطاعنين عليه، والمساجد لا تنزه عن مثل ذلك.
ولهذا قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إن من الشعر حكمة) ) .
وقد خرجه البخاري في موضع أخر من حديث أبي بن كعب - مرفوعا.
وخرج - أيضا - من حديث البراء، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لحسان: ( ( اهجهم - او هاجمهم - وجبريل معك) ) .
وإنما خص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جبريل وهو روح القدس بنصرة من نصره ونافح عنه؛ لان جبريل صاحب وحي الله إلى رسله، وَهُوَ يتولى نصر رسله وإهلاك أعدائهم المكذبين لهم، كما تولى إهلاك قوم لوط وفرعون في البحر.
فمن نصر رسول الله وذب عنه أعداءه ونافح عنه كان جبريل معه ومؤيدا له كما قال لنبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: { مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4] .
وقد خرج البخاري في بدء الخلق عن ابن المديني، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن المسيب، قال: مر عمر في المسجد وحسان ينشد، فقال كنت انشد فيه، وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أنشدك الله، أسمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( ( اجب عني، اللهم أيده بروح القدس) ) ؟ قال: نعم.
وهذا نوع إرسال من ابن المسيب؛ لأنه لم يشهد هذه القصة لعمر مع حسان عند أكثر العلماء الذين قالوا لم يسمع من عمر ومنهم من اثبت سماعه منه شيئا يسيرا.
وقد خرج هذا الحديث مسلم، عن غير واحد، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، أن عمر مر بحسان - فجعل الحديث كله عن أبي هريرة متصلا.
ورواية ابن المديني اصح، وكذا رواه جماعة عن الزهري.
وروى ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما، يفاخر عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو قالت: ينافح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتقول: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أن الله يؤيد حسان بروح القدس ما يفاخر - او ينافح - عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ) .
خرجه الترمذي.
وخرجه - أيضا - في طريق ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله.
وقال: حسن صحيح غريب، وهو حديث ابن أبي الزناد.
يعني أنه تفرد به.
وخرجه أبو داود من الطريقين - أيضا -.
وكذلك خرجه الإمام أحمد، وعنده: ( ( ينافح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشعر) ) .
وذكره البخاري في موضع اخرمن صحيحه - تعليقا -، فقال: وقال ابن أبي الزناد.
وخرجه الطبراني، وزاد في حديثه: ( ( فينشد عليه الأشعار) ) .
وروى سماك، عن جابر بن سمرة، قَالَ: شهدت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر من مائة مرة في المسجد، وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية، فربما تبسم معهم.
خرجه الإمام أحمد.
وخرجه النسائي، ولفظه: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، فيتحدث أصحابه، ويذكرون حديث الجاهلية، وينشدون الشعر، ويضحكون، ويبتسم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وخرجه مسلم، إلا أنه لم يذكر الشعر.
وقد روى ما يخالف هذا وهو النهي عن إنشاد الأشعار في المساجد: فروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهىأن ينشد في المسجد الأشعار - في حديث ذكره.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي، قال: حديث حسن.
وخرج أبو داود نحوه من حديث حكيم بن حزام، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإسناد فيه نظر وانقطاع.
وروى أبو القاسم البغوي في معجمه من طريق ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن الحارث بن عبد الرحمن بن هشام، عن أبيه، قال: أتى ابن الحمامة السلمي إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في المسجد؟ فَقَالَ: أني أثنيت عَلَى ربي تعالى ومدحتك.
قَالَ: ( ( امسك عليك) ) ، ثم قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخرج به من المسجد، فقال: ( ( ما أثنيت به على ربك فهاته، وأما مدحي فدعه عنك) ) ، فانشد حتى إذا فرغ دعا بلالاً، فأمره أن يعطيه شيئا، ثم اقبل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الناس، فوضع يده على حائط المسجد، فمسح به وجهه وذراعيه، ثم دخل.
وهذا مرسل، وفيه جواز التيمم بتراب جدار المسجد، وهو رد على من كرهه من متأخري الفقهاء، وهو من التنطع والتعمق.
وروى وكيع في كتابه عن مبارك بن فضالة، عن ظبيان بن صبيح الضبي، قال: كان ابن مسعود يكره أن ترفع الأصوات في المساجد، أو تقام فيها الحدود، أو ينشد فيها الأشعار، أو تنشد فيها الضالة.
وروى أسد بن موسى في كتاب الورع: ثنا ضمرة، عن ابن عطاء الخراساني، عن أبيه، قال: كان أهل العلم يكرهون أن ينشد الرجل ثلاثة أبيات من شعر في المسجد حتى يكسر الثالث.
وهذا تفريق بين قليل فيرخص فيه، وهو البيت والبيتان، وبين كثيرة، وهو ثلاثة أبيات فصاعدا.
وقال ابن عبد البر: إنما ينشد الشعر في المسجد غباً من غير مداومة.
قال: وكذلك كان حسان ينشد.
وجمهور العلماء على جواز إنشاد الشعر المباح في المساجد، وحمل بعضهم حديث عمرو بن شعيب على أشعار الجاهلية، وما لا يليق ذكره في المساجد، ولكن الحديث المرسل يرد ذلك.
والصحيح في الجواب: أن أحاديث الرخصة صحيحة كثيرة، فلا تقاوم أحاديث الكراهة في أسانيدها وصحتها.
ونقل حنبل، عن أحمد، قال: مسجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة لا ينشد فيه الشعر، ولا يمر فيه بقطع اللحم، يجتنب ذلك كله، كرامة لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
69 - باب أصحاب الحراب في المسجد

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ)
أَيْ مَا حُكْمُهُ

[ قــ :444 ... غــ :453] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ كَذَا رَوَاهُ شُعَيْبٌ وَتَابَعَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ بَدَلَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَهَذَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الَّذِي لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ عِنْدَهُ عَنْهُمَا مَعًا فَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَارَةً عَنْ هَذَا وَتَارَةً عَنْ هَذَا وَهَذَا مِنْ جِنْسِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَتَعَقَّبُهَا الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى الشَّيْخَيْنِ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فَلْيُسْتَدْرَكْ عَلَيْهِ وَفِي الْإِسْنَادِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ التَّتَبُّعِ أَيْضًا وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقَالَ كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ الْحَدِيثَ وَرِوَايَةُ سَعِيدٍ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ عِنْدَهُمْ مُرْسَلَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ زمن الْمُرُور وَلكنه يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ سَعِيدًا سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدُ أَوْ مِنْ حَسَّانَ أَوْ وَقْعَ لِحَسَّانَ اسْتِشْهَادُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرَّةً أُخْرَى فَحَضَرَ ذَلِكَ سَعِيدٌ وَيُقَوِّيهِ سِيَاقُ حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ سَمِعَ حَسَّانَ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَلَمَةَ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَ مُرُورِ عُمَرَ أَيْضًا فَإِنَّهُ أَصْغَرُ مِنْ سَعِيدٍ فَدَلَّ عَلَى تَعَدُّدِ الِاسْتِشْهَادِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْتِفَاتُ حَسَّانَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَاسْتِشْهَادُهُ بِهِ إِنَّمَا وَقَعَ مُتَأَخِّرًا لِأَنَّ ثُمَّ لَا تَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ سَعِيدٌ أَرْسَلَ قِصَّةَ الْمُرُورِ ثُمَّ سَمِعَ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِشْهَادَ حَسَّانَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الْمَقْصُود لِأَنَّهُ الْمَرْفُوع وَهُوَ مَوْصُول بِلَا تَرَدُّدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  يَسْتَشْهِدُ أَيْ يَطْلُبُ الشَّهَادَةَ وَالْمُرَادُ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ مُبَالَغَةً فِي تَقْوِيَةِ الْخَبَرِ .

     قَوْلُهُ  أَنْشُدُكَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ سَأَلْتُكَ اللَّهَ وَالنَّشْدُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ التَّذَكُّرُ .

     قَوْلُهُ  أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ أَجِبْ عَنِّي فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي هُنَا بِالْمَعْنَى .

     قَوْلُهُ  أَيِّدْهُ أَيْ قَوِّهِ وَرُوحُ الْقُدُسِ الْمُرَادُ هَنَا جِبْرِيلُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا بِلَفْظِ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ وَالْمُرَادُ بِالْإِجَابَةِ الرَّدُّ عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ هَجَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصِبُ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ يَهْجُو الْكُفَّارَ وَذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ تَعْلِيقًا نَحْوَهُ وَأَتَمَّ مِنْهُ لَكِنِّي لَمْ أَرَهُ فِيهِ قَالَ بن بَطَّالٍ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ حَسَّانَ أَنْشَدَ شِعْرًا فِي الْمَسْجِدِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ أَجِبْ عَنِّي كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّهُ أَنْشَدَ فِيهِ مَا أَجَابَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ أَنَّ الشِّعْرَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْحَقِّ حَقٌّ بِدَلِيلِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ عَلَى شِعْرِهِ وَإِذَا كَانَ حَقًّا جَازَ فِي الْمَسْجِدِ كَسَائِرِ الْكَلَامِ الْحَقِّ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ الْخَبِيثِ وَاللَّغْوِ السَّاقِطِ.

.

قُلْتُ وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِتَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمَازِرِيُّ.

     وَقَالَ  إِنَّمَا اخْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ الْقِصَّةَ لِاشْتِهَارِهَا وَلِكَوْنِهِ ذَكَرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ انْتهى وَأما مَا رَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسَاجِدِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى عَمْرٍو فَمَنْ يُصَحِّحْ نُسْخَتَهُ يُصَحِّحْهُ وَفِي الْمَعْنَى عِدَّةُ أَحَادِيثَ لَكِنَّ فِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ فَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى تَنَاشُدِ أَشْعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُبْطِلِينَ وَالْمَأْذُونُ فِيهِ مَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَا إِذَا كَانَ التَّنَاشُدُ غَالِبًا عَلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَتَشَاغَلَ بِهِ مِنْ فِيهِ وَأَبْعَدَ أَبُو عَبْدُ الْمَلِكِ الْبَوْنِيُّ فَأَعْمَلَ أَحَادِيثَ النَّهْيِ وَادَّعَى النَّسْخَ فِي حَدِيثِ الْإِذْنِ وَلَمْ يُوَافق على ذَلِك حَكَاهُ بن التِّينِ عَنْهُ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ طَرَدَ هَذِهِ الدَّعْوَى فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ دُخُولِ أَصْحَابِ الْحِرَابِ الْمَسْجِد وَكَذَا دُخُول الْمُشرك

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
الشعر في المسجد
[ قــ :444 ... غــ :453 ]
- حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع: ابنا شعيب، عن الزهري: اخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أنه سمع حسان بن ثابت يستشهد أبا هريرة: أنشدك الله، هل سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( ( يا حسان، أجب عن رسول الله، اللهم أيده بروح القدس) ) ؟ قال أبو هريرة: نعم.

ليس في هذه الرواية التي خرجها البخاري هاهنا إنشاد حسان في المسجد، إنما فيه ذكر مدح حسان على أجابته عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والدعاء له على ذلك، وكفى بذلك على فضل شعره المتضمن للمنافحة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والرد على أعدائه والطاعنين عليه، والمساجد لا تنزه عن مثل ذلك.

ولهذا قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إن من الشعر حكمة) ) .

وقد خرجه البخاري في موضع أخر من حديث أبي بن كعب - مرفوعا.

وخرج - أيضا - من حديث البراء، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لحسان: ( ( اهجهم - او هاجمهم - وجبريل معك) ) .
وإنما خص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جبريل وهو روح القدس بنصرة من نصره ونافح عنه؛ لان جبريل صاحب وحي الله إلى رسله، وَهُوَ يتولى نصر رسله وإهلاك أعدائهم المكذبين
لهم، كما تولى إهلاك قوم لوط وفرعون في البحر.

فمن نصر رسول الله وذب عنه أعداءه ونافح عنه كان جبريل معه ومؤيدا له كما قال لنبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: { مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4] .

وقد خرج البخاري في بدء الخلق عن ابن المديني، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن المسيب، قال: مر عمر في المسجد وحسان ينشد، فقال كنت انشد فيه، وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أنشدك الله، أسمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( ( اجب عني، اللهم أيده بروح القدس) ) ؟ قال: نعم.

وهذا نوع إرسال من ابن المسيب؛ لأنه لم يشهد هذه القصة لعمر مع حسان عند أكثر العلماء الذين قالوا لم يسمع من عمر ومنهم من اثبت سماعه منه شيئا يسيرا.
وقد خرج هذا الحديث مسلم، عن غير واحد، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، أن عمر مر بحسان - فجعل الحديث كله عن أبي هريرة متصلا.

ورواية ابن المديني اصح، وكذا رواه جماعة عن الزهري.

وروى ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما، يفاخر عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو قالت: ينافح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتقول: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أن الله يؤيد حسان بروح القدس ما يفاخر - او ينافح - عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ) .

خرجه الترمذي.

وخرجه - أيضا - في طريق ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله.

وقال: حسن صحيح غريب، وهو حديث ابن أبي الزناد.

يعني أنه تفرد به.
وخرجه أبو داود من الطريقين - أيضا -.

وكذلك خرجه الإمام أحمد، وعنده: ( ( ينافح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشعر) ) .

وذكره البخاري في موضع اخرمن صحيحه - تعليقا -، فقال: وقال ابن أبي الزناد.

وخرجه الطبراني، وزاد في حديثه: ( ( فينشد عليه الأشعار) ) .

وروى سماك، عن جابر بن سمرة، قَالَ: شهدت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر من مائة مرة في المسجد، وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية، فربما تبسم معهم.

خرجه الإمام أحمد.

وخرجه النسائي، ولفظه: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، فيتحدث أصحابه، ويذكرون حديث الجاهلية، وينشدون الشعر، ويضحكون، ويبتسم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وخرجه مسلم، إلا أنه لم يذكر الشعر.

وقد روى ما يخالف هذا وهو النهي عن إنشاد الأشعار في المساجد:
فروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى أن ينشد في المسجد الأشعار - في حديث ذكره.

خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي، قال: حديث حسن.

وخرج أبو داود نحوه من حديث حكيم بن حزام، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإسناد فيه نظر وانقطاع.

وروى أبو القاسم البغوي في معجمه من طريق ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن الحارث بن عبد الرحمن بن هشام، عن أبيه، قال: أتى ابن الحمامة السلمي إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في المسجد؟ فَقَالَ: أني أثنيت عَلَى ربي تعالى ومدحتك.
قَالَ:
( ( امسك عليك) ) ، ثم قام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخرج به من المسجد، فقال: ( ( ما أثنيت به على ربك فهاته، وأما مدحي فدعه عنك) ) ، فانشد حتى إذا فرغ دعا بلالاً، فأمره أن يعطيه شيئا، ثم اقبل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الناس، فوضع يده على حائط المسجد، فمسح به وجهه وذراعيه، ثم دخل.
وهذا مرسل، وفيه جواز التيمم بتراب جدار المسجد، وهو رد على من كرهه من متأخري الفقهاء، وهو من التنطع والتعمق.

وروى وكيع في كتابه عن مبارك بن فضالة، عن ظبيان بن صبيح الضبي، قال: كان ابن مسعود يكره أن ترفع الأصوات في المساجد، أو تقام فيها الحدود، أو ينشد فيها الأشعار، أو تنشد فيها الضالة.

وروى أسد بن موسى في كتاب الورع: ثنا ضمرة، عن ابن عطاء الخراساني، عن أبيه، قال: كان أهل العلم يكرهون أن ينشد الرجل ثلاثة أبيات من شعر في المسجد حتى يكسر الثالث.

وهذا تفريق بين قليل فيرخص فيه، وهو البيت والبيتان، وبين كثيرة، وهو ثلاثة أبيات فصاعدا.

وقال ابن عبد البر: إنما ينشد الشعر في المسجد غباً من غير مداومة.
قال: وكذلك كان حسان ينشد.
وجمهور العلماء على جواز إنشاد الشعر المباح في المساجد، وحمل بعضهم حديث عمرو بن شعيب على أشعار الجاهلية، وما لا يليق ذكره في المساجد، ولكن الحديث المرسل يرد ذلك.

والصحيح في الجواب: أن أحاديث الرخصة صحيحة كثيرة، فلا تقاوم أحاديث الكراهة في أسانيدها وصحتها.

ونقل حنبل، عن أحمد، قال: مسجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة لا ينشد فيه الشعر، ولا يمر فيه بقطع اللحم، يجتنب ذلك كله، كرامة لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ
( باب) حكم إنشاد ( الشعر في المسجد) .


[ قــ :444 ... غــ : 453 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَا حَسَّانُ أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ.
[الحديث 453 - طرفاه في: 3212، 6152] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان الحكم بن نافع) البهراني بفتح الموحدة الحمصي وسقط أبو اليمان للأصيلي ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة بالحاء المهملة والزاي الأموي واسم أبي حمزة دينار الحمصي ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو سلمة) عبد الله أو إسماعيل ( بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني، وعند المؤلّف في بدء الخلق من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري فقال عن سعيد بن السيب بدل أبي سلمة وهو غير قادح، لأن الراجح أنه عنده عنهما معًا فكان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا.


( أنه سمع حسان بن ثابت) أي ابن المنذر بن حرام بفتح المهملة والراء ( الأنصاري) الخزرجي شاعر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال كونه ( يستشهد أبا هريرة) أي يطلب منه الشهادة أي الإخبار فأطلق عليه الشهادة مبالغة في تقوية الخبر ( أنشدك الله) بفتح الهمزة وضم الشين والجلالة الشريفة نصب أي سألتك بالله ( هل سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول يا حسان أجب) دافعًا وليس من إجابة السؤال أو المعنى أجب الكفّار ( عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إذ هجوه.
وأصحابه، وفي رواية سعيد بن المسيب أجب عني فعبر عنه بما هنا تعظيمًا أو أنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك كذلك تربية للمهابة وتقوية لداعي المأمور كما في قوله الخليفة رسم بكذا بدل أنا رسمت ( اللهمّ أيّده) أي قوّه ( بروح القدس) جبريل صلوات الله وسلامه عليه.
( قال أبو هريرة) رضي الله عنه: ( نعم) سمعته يقول ذلك:
فإن قلت: ليس في حديث الباب أن حسانًا أنشد شعرًا في المسجد بحضرته عليه الصلاة والسلام، وحينئذٍ فلا تطابق بينه وبين الترجمة.
أجيب: بأن غرض المؤلّف تشحيذ الأذهان بالإشارات، ووجه ذلك هنا أن هذه المقالة منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دالّة على أن للشعر حقًّا يتأهل صاحبه لأن يؤيد في النطق به بجبريل صلوات الله عليه وسلامه، وما هذا شأنه يجوز قوله في المسجد قطعًا، والذي يحرم إنشاده فيه ما كان من الباطل المنافي لما اتخذت له المساجد من الحق أو أن روايته في بدء الخلق تدلّ على أن قوله عليه الصلاة والسلام لحسان أجب عني كان في المسجد، وأنه أنشد فيه ما أجاب به المشركين، ولفظة: مرّ عمر رضي الله عنه في المسجد وحسان ينشد فزجره فقال: كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله الحديث.


ورواة حديث الباب الستة ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث بالجمع والإخبار به والإفراد والعنعنة والسماع، وأخرجه المؤلّف أيضًا في بدء الخلق، وأبو داود في الأدب، والنسائي في الصلاة وفى اليوم والليلة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ الشِّعْرِ فِي المَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الشّعْر فِي الْمَسْجِد، وَفِي بعض النّسخ بابُُ إنشاد الشّعْر فِي الْمَسْجِد.

[ قــ :444 ... غــ :453]
- حَدَّثَنَا أبُو اليَمَانِ الحَكَمُ بنُ نافِعٍ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَن الزهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي أبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوفٍ أنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بنَ ثابِتٍ الأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهدُ أَبَا هُرَيْرَةَ أنْشُدُكَ اللَّهَ هلْ سَمِعْتَ النبيَّ يَقُولُ يَا حَسَّانُ أجِبْ عنْ رَسولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ نَعَمْ.
( الحَدِيث 354 طرفاه فِي: 2123، 2516) .


مطابقته للتَّرْجَمَة غير ظَاهِرَة هَهُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صَرِيحًا أَنه كَانَ فِي الْمَسْجِد، والترجمة هُوَ الشّعْر فِي الْمَسْجِد، وَلَكِن البُخَارِيّ روى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب بَدْء الْخلق وَفِيه التَّصْرِيح أَنه كَانَ فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ: حدّثنا عَليّ بن عبد احدّثنا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب، قَالَ: ( مر عمر رَضِي اتعالى عَنهُ، فِي الْمَسْجِد وَحسان ينشد، فلحظ إِلَيْهِ.
قَالَ: كنت أنْشد فِيهِ وَفِيه من هُوَ خير مِنْك، ثمَّ الْتفت إِلَى أبي هُرَيْرَة فَقَالَ: أنْشدك با أسمعته، يَقُول: أجب عني، اللَّهُمَّ أيده بِروح الْقُدس؟ قَالَ: نعم)
.
وهما حَدِيث وَاحِد، وَيُقَال: إِن الشّعْر الْمُشْتَمل على الْحق مَقْبُول بِدَلِيل دُعَاء النَّبِي، لحسان على شعره، فَإِذا كَانَ كَذَلِك لَا يمْنَع فِي الْمَسْجِد كَسَائِر الْكَلَام المقبول، وَمُرَاد البُخَارِيّ من وضع هَذِه التَّرْجَمَة هُوَ الْإِشَارَة إِلَى جَوَاز الشّعْر المقبول فِي الْمَسْجِد، والْحَدِيث يدل على هَذَا بِهَذَا الْوَجْه، فَيَقَع التطابق بَين الحَدِيث والترجمة لَا محَالة.

فَإِن قلت: لم يَصح سَماع أبي سَلمَة وَلَا سَماع سعيد من عمر، وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ لما أنكرهُ عمر على حسان.
قلت: الْأَمر كَذَلِك، لَكِن يحمل ذَلِك على أَن سعيداً سمع ذَلِك من أبي هُرَيْرَة بعد، أَو سمع ذَلِك من حسان، أَو وَقع لحسان استشهاد أبي هُرَيْرَة مرّة أُخْرَى، فَحَضَرَ ذَلِك سعيد، وَيُؤَيّد هَذَا سِيَاق حَدِيث الْبابُُ، فَإِن فِيهِ: إِن أَبَا سَلمَة سمع حسانا يستشهد أَبَا هُرَيْرَة، وَأَبُو سَلمَة لم يدْرك زمن مُرُور عمر أَيْضا فَإِنَّهُ أَصْغَر من سعيد، فَدلَّ على تعدد الاستشهاد.
غَايَة مَا فِي الْبابُُ هُنَا أَن يكون سعيد أرسل قصَّة الْمُرُور ثمَّ سمع بعد ذَلِك استشهاد حسان لأبي هُرَيْرَة وَهُوَ مَرْفُوع مَوْصُول بِلَا تردد.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة.
الأول: أَبُو الْيَمَان، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَاسم أبي حَمْزَة: دِينَار الْحِمصِي.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الرَّابِع: أَبُو سَلمَة، وَهَؤُلَاء تقدمُوا فِي بابُُ كتاب الْوَحْي.
الْخَامِس: حسان بن ثَابت بن الْمُنْذر بن الْحَرَام، ضد الْحَلَال، الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، شَاعِر رَسُول ا، من فحول شعراء الْإِسْلَام والجاهلية، وعاش كل وَاحِد مِنْهُم مائَة وَعشْرين سنة.

     وَقَالَ  أَبُو نعيم: لَا يعرف فِي الْعَرَب أَرْبَعَة تَنَاسَلُوا من صلب وَاحِد واتفقت مدد أعمارهم هَذَا الْقدر غَيرهم، وعاش حسان فِي الْجَاهِلِيَّة سِتِّينَ سنة وَفِي الْإِسْلَام كَذَلِك، مَاتَ سنة خمسين بِالْمَدِينَةِ.
فَإِن قلت: هُوَ منصرف أَو غير منصرف قلت: إِن كَانَ مشتقاً من: الْحسن، فَهُوَ منصرف، وَإِن كَانَ من: الْحس، فَغير منصرف.
فَافْهَم.
السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة، وَقد تكَرر ذكره.

فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث يعد من مُسْند حسان أَو من مُسْند أبي هُرَيْرَة؟ قلت: لم يذكر أَبُو مَسْعُود والْحميدِي وَغَيرهمَا أَن لحسان بن ثَابت رِوَايَة فِي هَذَا الحَدِيث، وَلَا ذكرُوا لَهُ حَدِيثا مُسْندًا، وَإِنَّمَا أوردوا هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة، وَخَالف خلف فَذكره فِي مُسْند حسان، وَأَنه روى عَن النَّبِي، هَذَا الحَدِيث، وَذكر فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة أَن البُخَارِيّ أخرجه فِي الصَّلَاة عَن أبي الْيَمَان، وَذكر ابْن عَسَاكِر لحسان حديثين مسندين: أَحدهمَا هَذَا، وَذكر أَنه فِي ( سنَن أبي دَاوُد) من طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: وَلَيْسَ فِي حَدِيثه استشهاد حسان بِهِ، وَأَنه فِي النَّسَائِيّ مرّة بالاستشهاد، وَمرَّة من حَدِيث سعيد عَن عمر بِعَدَمِهِ، ثمَّ أوردهُ فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة رَضِي اتعالى عَنهُ، من طَرِيق أبي سَلمَة عَنهُ.
وَفِي كتاب ( من عَاشَ مائَة وَعشْرين) لِابْنِ مَنْدَه: من حَدِيث عبيد ابْن عبد اعن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: مر عمر رَضِي اتعالى عَنهُ، بِحسان ... .
الحَدِيث،.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيّ: وَسَعِيد لم يَصح سَمَاعه من عمر، وَإِن كَانَ سمع ذَلِك من حسان فمتصل.

ذكر لطائف إِسْنَاده.
فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، وَكَذَلِكَ الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: السماع فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين حمصي ومدني.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بَدْء الْخلق عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَفِي الْأَدَب أَيْضا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أَخِيه أبي بكر، وَفِيه أَيْضا عَن أبي الْيَمَان، كَمَا أخرجه هَهُنَا.
وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن يحيى وَعمر بن مُحَمَّد النَّاقِد، ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن عبد ابْن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ عَن أبي الْيَمَان بِهِ، وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن رَافع وَعبد بن حميد، ثَلَاثَتهمْ عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بِهِ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي خلف، وَأحمد بن عَبدة، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن أَحْمد بن صَالح عَن عبد الرَّزَّاق بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة، وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن مَنْصُور فرقهما، كِلَاهُمَا عَن مَنْصُور عَن سُفْيَان بِهِ، وَأخرجه أَيْضا عَن خَمْسَة أنفس، وَأخرجه أَيْضا فِي الْقَضَاء عَن مُحَمَّد بن عبد ابْن بزيغ عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن شُعْبَة عَن عدي بن ثَابت عَن الْبَراء بن عَازِب عَن حسان بن ثَابت قَالَ: قَالَ لي رَسُول ا: ( أهجهم أَو: هاجهم) ، يَعْنِي الْمُشْركين، ( وجبرائيل مَعَك) ، رَوَاهُ سُفْيَان بن حبيب عَن شُعْبَة فَجعله من مُسْند الْبَراء رَضِي اتعالى عَنهُ.

ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه قَوْله: ( يستشهد أَبَا هُرَيْرَة) أَي: يطْلب مِنْهُ الشَّهَادَة.
ومحلها النصب على الْحَال من حسان، فَإِن قيل: لَا بُد فِي الشَّهَادَة من نِصَاب فَكيف ثَبت غَرَض حسان بِشَهَادَة أبي هُرَيْرَة فَقَط؟ أُجِيب: بِأَن هَذِه رِوَايَة حكم شَرْعِي، ويكتفى فِيهَا عدل وَاحِد.
وَأطلق الشَّهَادَة على سَبِيل التَّجَوُّز لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة إِخْبَار، فَيَكْفِي فِيهِ عدل وَاحِد، كَمَا بَين ذَلِك فِي مَوْضِعه.
قَوْله: ( أنْشدك ا) ، بِفَتْح الْهمزَة وَضم الشين: مَعْنَاهُ سَأَلتك با.
قَالَ الْجَوْهَرِي: نشدت فلَانا أنْشدهُ نشداً إِذا قلت لَهُ: نشدتك ا، أَي: سَأَلتك با، كَأَنَّك ذكرته، إِيَّاه، فنشد أَي تذكر..
     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: يُقَال: نشدتك اوأنشدك اوبا، وناشدتك اأي: سَأَلتك وَأَقْسَمت عَلَيْك، ونشدته نشدة ونشداناً ومناشدة، وتعديته إِلَى مفعولين إِمَّا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة دَعَوْت، حَيْثُ قَالُوا: نشدتك اوبا، كَمَا قَالُوا: دَعَوْت زيدا وبزيد، أَو لأَنهم ضمنوه معنى ذكرت.
وَأما: أنشدتك با فخطأ.

قَوْله: ( أجب عَن رَسُول ا) وَفِي رِوَايَة سعيد: ( أجب عني) ، وَمعنى الأول: أجب الْكفَّار عَن جِهَة رَسُول ا، وَلَفظ: جِهَة، مُقَدّر، وَيجوز أَن يضمن: أجب معنى: إدفع، وَالْمعْنَى: إدفع عَن رَسُول ا.
وَيحْتَمل أَن يكون الأَصْل رِوَايَة سعيد، وَهِي: أجب عني، ثمَّ نقل حسان ذَلِك بِالْمَعْنَى.
وَزَاد فِيهِ لَفْظَة؛ رَسُول ا، تَعْظِيمًا لَهُ، وَيحْتَمل أَن تكون تِلْكَ لَفْظَة رَسُول ا، بِعَيْنِه لأجل المهابة وتقوية لداعي الْمَأْمُور، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { فَإِذا عزمت فتوكل على ا} ( آل عمرَان: 951) وكما يَقُول الْخَلِيفَة: أَمِير الْمُؤمنِينَ يرسم لَك، لِأَن فِيهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وتقوية للْمَأْمُور ومهابة بِخِلَاف، قَوْله؛ أَنا أرسم.
وَالْمرَاد بالإجابة: الرَّد على الْكفَّار الَّذين هجوا رَسُول ا.

قَوْله: ( اللَّهُمَّ أيده) هَذَا دُعَاء من رَسُول ا، لحسان، دَعَا لَهُ بالتأييد، وَهُوَ الْقُوَّة على الْكفَّار.
قَوْله: ( بِروح الْقُدس) : الْبَاء: فِيهِ تتَعَلَّق بقوله: أيده، وَالْمرَاد: بِروح الْقُدس، هُنَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث الْبَراء بِلَفْظ: وَجِبْرِيل مَعَك.
والقدس، بِضَم الْقَاف وَالدَّال بِمَعْنى: الطُّهْر، وَسمي جِبْرِيل بذلك لِأَنَّهُ خلق من الطُّهْر..
     وَقَالَ  كَعْب: الْقُدس الرب، عز وَجل، وَمعنى: روح الْقُدس روح ا، وَإِنَّمَا سمي بِالروحِ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالْبَيَانِ عَن اتعالى فتحيي بِهِ الْأَرْوَاح.
وَقيل: معنى الْقُدس الْبركَة، وَمن أَسمَاء اتعالى: القدوس، أَي: الطَّاهِر المنزه عَن الْعُيُوب والنقائص، وَمِنْه الأَرْض المقدسة، وَبَيت الْمُقَدّس، لِأَنَّهُ الْموضع الَّذِي يتقدس فِيهِ، أَي: يتَطَهَّر فِيهِ من الذُّنُوب.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْأَحْكَام الأول: فِيهِ الدّلَالَة على أَن الشّعْر الْحق لَا يحرم فِي الْمَسْجِد، وَالَّذِي يحرم فِيهِ مَا فِيهِ الخناء والزور وَالْكَلَام السَّاقِط، يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مصححاً من حَدِيث عَائِشَة: ( كَانَ رَسُول الله ينصب لحسان منبراً فِي الْمَسْجِد فَيقوم عَلَيْهِ ويهجو الْكفَّار) .
فَإِن قلت: روى ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه عَن عبد ابْن سعيد حدّثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن ابْن عجلَان عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: ( نهى رَسُول الله عَن تناشد الْأَشْعَار فِي الْمَسَاجِد) ، وَحسنه الحافظان: الطوسي وَالتِّرْمِذِيّ، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث صَدَقَة بن خَالِد عَن مُحَمَّد بن عبد االشعبي عَن زفر بن وثيمة عَن حَكِيم بن حزَام مَرْفُوعا: ( نهى النَّبِي أَن يستقاد فِي الْمَسْجِد، وَأَن تنشد فِيهِ الْأَشْعَار، وَأَن تُقَام فِيهِ الْحُدُود) .
وروى عبد الرَّزَّاق فِي ( مُصَنفه) من حَدِيث ابْن الْمُنْكَدر: عَن أسيد بن عبد الرَّحْمَن: ( أَن شَاعِرًا جَاءَ النَّبِي وَهُوَ فِي الْمَسْجِد، قَالَ: أنْشدك يَا رَسُول ا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: بلَى، فَقَالَ لَهُ النَّبِي: فَاخْرُج من الْمَسْجِد، فَخرج فأنشده فَأعْطَاهُ رَسُول الله ثوبا) ..
     وَقَالَ : هَذَا بدل مَا مدحت بِهِ رَبك.
قلت: أما حَدِيث عَمْرو: فَمنهمْ من يَقُول: إِنَّه صحيفَة، حَتَّى قَالَ ابْن حزم: لَا يَصح هَذَا، لَكِن يَقُول: من يصحح نسخته يصحح حَدِيثه.
وَأما حَدِيث حَكِيم بن حزَام فَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الأشبيلي: إِنَّه حَدِيث ضَعِيف..
     وَقَالَ  ابْن الْقطَّان: لم يبين أَبُو مُحَمَّد من أمره شَيْئا، وعلته الْجَهْل بِحَال زفر، فَلَا يعرف.
قلت: أما زفر فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ، بل حَاله مَعْرُوفَة.
قَالَ عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ: سَأَلت يحيى عَنهُ، فَقَالَ: ثِقَة، وَذكره ابْن حبَان فِي ( كتاب الثِّقَات) ، وَصحح لَهُ الْحَاكِم حَدِيثا عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة.
وَأما حَدِيث أسيد فَفِي سَنَده ابْن أبي يحيى شيخ الشَّافِعِي.
وَفِيه كَلَام شَدِيد، وَقد جمع ابْن خُزَيْمَة فِي ( صَحِيحه) بَين الشّعْر الْجَائِز إنشاده فِي الْمَسْجِد وَبَين الْمَمْنُوع من إنشاده فِيهِ..
     وَقَالَ  أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي ( كتاب الْمَسَاجِد) : نهى عَن تناشد أشعار الْجَاهِلِيَّة والمبطلين فِيهِ، فَأَما أشعار الْإِسْلَام والمحقين فواسع غير مَحْظُور.

وَقد اخْتلف الْعلمَاء أَيْضا فِي جَوَاز إنشاد الشّعْر مُطلقًا، فَقَالَ الشّعبِيّ وعامر بن سعد البَجلِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَسَعِيد بن الْمسيب وَالقَاسِم وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد: لَا بَأْس بإنشاد الشّعْر الَّذِي لَيْسَ فِيهِ هجاء، وَلَا نكب عرض أحد من الْمُسلمين، وَلَا فحش..
     وَقَالَ  مَسْرُوق بن الأجدع وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسَالم بن عبد اولحسن الْبَصْرِيّ وَعَمْرو بن شُعَيْب: تكره رِوَايَة الشّعْر وإنشاده، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث عمر بن الْخطاب عَن رَسُول الله قَالَ: ( لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا) .
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار والطَّحَاوِي، وروى مُسلم عَن سعد بن أبي وَقاص عَن النَّبِي قَالَ: ( لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا يرِيه خير من أَن يمتلىء شعرًا) .
وَأخرجه ابْن ماجة أَيْضا، وَأخرجه البُخَارِيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي نَحْو رِوَايَة ابْن أبي شيبَة، وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة نَحْو رِوَايَته عَن سعد، وَأخرجه أَيْضا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن عَوْف بن مَالك عَن النَّبِي، وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي، وَأجَاب الْأَولونَ عَن هَذَا وَقَالُوا: إِنَّمَا هَذِه الْأَحَادِيث وَردت على خَاص من الشّعْر، وَهُوَ أَن يكون فِيهِ فحش وخناء،.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ: المُرَاد بِهِ الشّعْر الَّذِي هجي بِهِ النَّبِي،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: الَّذِي فِيهِ عِنْدِي غير ذَلِك، لِأَن مَا هجي بِهِ رَسُول الله لَو كَانَ شطر بَيت لَكَانَ كفرا، وَلَكِن وَجهه عِنْدِي أَن يمتلىء قلبه حَتَّى يغلب عَلَيْهِ فيشغله عَن الْقُرْآن وَالذكر.
قيل: فِيمَا قَالَه أَبُو عُبَيْدَة نظر، لِأَن الَّذين هجوا النَّبِي كَانُوا كفَّارًا، وهم فِي حَال هجوهم موصوفون بالْكفْر من غير هجو، غَايَة مَا فِي الْبابُُ: قدلازاد كفرهم وطغيانهم بهجوهم، وَالَّذِي قَالَه الشّعبِيّ أوجه.
قلت: قَالَ الطَّحَاوِيّ: قَالَ قوم: لَو كَانَ إريد بذلك مَا هجي بِهِ رَسُول الله من الشّعْر لم يكن لذكر الامتلاء معنى، لِأَن قَلِيل ذَلِك وَكَثِيره كفر، وَلَكِن ذكر الامتلاء لَيْسَ فِيمَا دونه.
قَالُوا: فَهُوَ عندنَا على الشّعْر الَّذِي يمْلَأ الْجوف فَلَا يكون فِيهِ قُرْآن وَلَا تَسْبِيح وَلَا غَيره، فأ مَا من كَانَ فِي جَوْفه الْقُرْآن وَالشعر مَعَ ذَلِك، فَلَيْسَ مِمَّن امْتَلَأَ جَوْفه شعرًا، فو خَارج من قَول رَسُول ا: ( لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا يرِيه خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا) ..
     وَقَالَ  أَبُو عبد الْملك: كَانَ حسان ينشد الشّعْر فِي الْمَسْجِد فِي أول الْإِسْلَام، وَكَذَا لعب الْحَبَش فِيهِ، وَكَانَ الْمُشْركُونَ إِذْ ذَاك يدخلونه، فَلَمَّا كمل الْإِسْلَام زَالَ ذَلِك كُله.
قلت: أَشَارَ بذلك إِلَى النّسخ، وَلم يُوَافقهُ أحد على ذَلِك.
قَوْله: ( قَيْحا) نصب على التَّمْيِيز، وَهُوَ: الصّديق الَّذِي يسيل من الدمل وَالْجرْح، قَوْله: ( يرِيه) من الوري، وَهُوَ الدَّاء يُقَال: ورى يوري فَهُوَ موري إِذا أصَاب جَوْفه الدَّاء.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: وروى الْقَيْح جَوْفه يرِيه ورياً: أكله،.

     وَقَالَ  قوم: مَعْنَاهُ حَتَّى يُصِيب ريته.
قلت: فِيهِ نظر.

الثَّانِي من الْأَحْكَام: جَوَاز الاستنصار من الْكفَّار.
قَالَ الْعلمَاء: يَنْبَغِي أَن لَا يبْدَأ الْمُشْركُونَ بالسب والهجاء مَخَافَة من سبهم الْإِسْلَام وَأَهله، قَالَ تَعَالَى: { وَلَا تسبوا الَّذين يدعونَ من دون افيسبوا اعدواً} ( الْأَنْعَام: 801) ولتنزيه أَلْسِنَة الْمُسلمين عَن الْفُحْش، إلاَّ أَن تَدْعُو إِلَى ذَلِك ضَرُورَة كابتدائهم بِهِ، فَكيف إِذا هم أَو نَحوه كَمَا فعله.

الثَّالِث: فِيهِ اسْتِحْبابُُ الدُّعَاء لمن قَالَ شعرًا، مثل قصَّة حسان.

الرَّابِع: فِيهِ الدّلَالَة على فَضِيلَة حسان رَضِي اتعالى عَنهُ.